logo
ما بعد الـ99: حين يكون التفوق بداية لا نهاية

ما بعد الـ99: حين يكون التفوق بداية لا نهاية

خبرني١٠-٠٨-٢٠٢٥
خبرني - في كل موسم لإعلان نتائج الثانوية العامة في الأردن، تتكرر مظاهر الفرح وكأنها طقس وطني مقدّس. تتزين البيوت، وتُطلق الألعاب النارية، وتُطبع صور المتفوقين على اللافتات، فيما تمتلئ الشاشات بأسماء أولئك الذين نالوا أعلى المعدلات. خلف كل رقم مرتفع قصة طويلة من السهر، والكفاح، والتعب، وربما الدموع. لا شك أن هذا النجاح مستحق، ولا ينبغي إنكاره أو تبخيسه.
لكن، وبينما نحتفي بتلك اللحظة المضيئة، يبرز سؤال ملحّ يحتاج إلى شجاعة لطرحه: لماذا يختفي معظم هؤلاء المتفوقين عن المشهد بعد سنوات قليلة؟ لماذا لا نراهم في مواقع التأثير العلمي أو الريادة الاجتماعية أو الابتكار الاقتصادي؟ هل هي مجرد صدفة متكررة؟ أم أن هناك خللاً أعمق في الطريقة التي نُفهم بها التفوق ونبني بها توقعاتنا؟
الحقيقة أن أبناءنا وبناتنا الذين يحصدون معدلات 99% وأكثر ليسوا أقلّ ذكاءً من نظرائهم حول العالم، ولا تنقصهم الطاقة ولا الشغف. هم في الغالب طلاب جادّون، منضبطون، ولديهم إرادة قوية لتحقيق الأفضل. لكن المشكلة لا تكمن فيهم، بل في الإطار الذي يُقاس فيه هذا التفوق، وفي الأدوات التي نستخدمها لاكتشاف الإمكانات الحقيقية لكل طالب.
نحن نعيش في نظام تعليمي يجعل من الامتحان غاية، لا وسيلة. في هذا النظام، يُطلب من الطالب أن يحفظ أكبر قدر ممكن من المعلومات، وأن يكررها بدقة في ورقة الامتحان. يُكافأ على الانضباط والدقة، لا على السؤال أو الشك أو البحث. وهكذا، يُكَوَّن جيل كامل من 'الناجحين الأكاديميين' دون أن يُتاح لهم هامش كافٍ للتجريب، أو التعلّم من الخطأ، أو استكشاف الذات خارج دفاتر المقررات.
النتيجة؟ طالب حاصل على 99% لكنه لا يملك لغة ثانية بطلاقة. أو لا يجيد مهارات العرض والتواصل. أو لم يكتب مشروعًا بحثيًا واحدًا خارج حدود المقرر. وربما لم يُتح له أن يعمل في فريق، أو يقدّم حلًا لمشكلة مجتمعية حقيقية. كل ذلك لا ينتقص من قيمته، بل يكشف ببساطة أنه كان يسير ضمن نظام ضيّق الأفق، واسع الضغط، قليل الخيارات.
والأسوأ من هذا، أن المجتمع يشارك أحيانًا في تعزيز هذه النظرة المشوهة للتفوق. فنحن نُعلي من شأن الرقم، ونربطه بالجدارة والاحترام، ونُعلّق عليه أحلام الأسرة والمستقبل بأكمله. ثم لا نلبث أن نُعرض عن صاحبه إذا لم 'ينجح' لاحقًا بنفس الصورة التي كنا نتخيلها. كأننا ننسى أن الإنسان لا يُقاس بامتحان واحد، ولا أن الحياة ليست سباق علامات.
ما نحتاجه اليوم ليس إلغاء الامتحانات، بل إعادة هندسة مفهوم التفوق. علينا أن نوسّع رؤيتنا، فنُدرك أن من لا يبرع في الحفظ قد يبرع في الفكرة، أو في التجربة، أو في الريادة. وأن من لا يتصدر قوائم الأوائل، قد يكون هو من يُحدث الأثر الأكبر لاحقًا. نحتاج إلى تعليم يربّي العقول لا فقط الدفاتر، ويحضّر الإنسان للمشاركة في الحياة لا فقط اجتياز الاختبار.
أما لأبنائنا المتفوقين، فنقول: أنتم فخرنا الحقيقي، لكن لا تجعلوا المعدل سقف أحلامكم. العلامة العالية لا تعني أنكم أكملتم المهمة، بل أنكم حصلتم على فرصة مميزة لتبدأوا منها رحلتكم. لا تسمحوا لأي نظام أن يُقزّم طاقاتكم، ولا لأي رقم أن يحدّد قيمتكم. الحياة أكبر من ورقة، والنجاح الحقيقي هو أن تبنوا أنفسكم بكل أبعادها: علمًا، مهارة، أخلاقًا، ووعيًا.
أنتم لستم مجرد متفوقين، أنتم مشاريع تأثير إذا ما وجدتم البيئة التي تحتضنكم، والمدرسة التي تؤمن بكم، والمجتمع الذي يشجعكم على أن تكونوا أكثر من مجرد أرقام.
في النهاية، ليس المطلوب أن نكفّ عن الاحتفال بالمتفوقين، بل أن نحتفل بهم بطريقة جديدة: نحتفل بهم وهم يبدعون، وهم يفشلون ويتعلمون، وهم ينشئون شركات، ويكتبون كتبًا، ويخترعون، ويُعلّمون غيرهم كيف يصنعون أثرًا حقيقيًا، لا فقط كيف يملؤون فراغًا في ورقة الامتحان.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشروع التكايا الأردني بغزة قدم أكثر من مليون وجبة ساخنة...
مشروع التكايا الأردني بغزة قدم أكثر من مليون وجبة ساخنة...

الوكيل

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوكيل

مشروع التكايا الأردني بغزة قدم أكثر من مليون وجبة ساخنة...

الوكيل الإخباري- تواصل الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية تنفيذ مشروع الوجبات الساخنة وتكايا الطعام في قطاع غزة منذ بداية الأزمة، وذلك بدعم كريم من الحملة الأردنية لنصرة الأشقاء في غزة ووقفية خير الأردن للتنمية وغرفة تجارة إربد ولجنة زكاة المناصرة الأردنية وغيرهم من المتبرعين الأفراد والمؤسسات، الذين تكاتفوا لتأمين التمويل اللازم وضمان استمرارية هذا المشروع الحيوي لنصرة الأشقاء في غزة. اضافة اعلان ويُنفَّذ المشروع بشكل يومي لتأمين مئات الوجبات الساخنة وتوزيعها مباشرة على الأسر المتضررة في مخيمات النزوح والمستشفيات والمدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، بما يضمن وصول الغذاء إلى الفئات الأشد ضعفاً وسط ظروف إنسانية صعبة وغير مسبوقة يشهدها القطاع.

الحوامدة يتابع استعدادات مدرستي الطرة الأساسية وزيد الأساسية لاستقبال العام الجديد
الحوامدة يتابع استعدادات مدرستي الطرة الأساسية وزيد الأساسية لاستقبال العام الجديد

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

الحوامدة يتابع استعدادات مدرستي الطرة الأساسية وزيد الأساسية لاستقبال العام الجديد

الرمثا-الدستور-محمد أبو طبنجه تفقد مدير التربية والتعليم للواء الرمثا الدكتور فيصل الحوامدة مدرستي الطرة الأساسية المختلطة وزيد الأساسية (المؤنثة) للوقوف على استعداد المدرستين لاستقبال العام الدراسي الجديد. ووقف الحوامدة على جاهزية مرافق المدرستين من ساحات ومختبرات ودورات مياه، مؤكدا على ضرورة الالتزام بالدوام المدرسي وتفعيل المبادرات الهادفة لجعل المدارس بيئة تعليمية آمنة وجاذبة، وضرورة التعاون مع المجتمع المحلي من خلال أعضاء مجلس التطوير التربوي، موعزا لمديري ومديرات المدارس بالتواصل مع الأقسام في المديرية من أجل تلبية احتياجات المدارس. وأشار إلى ضرورة إعداد المعلمين للخطط التعليمية وخطة التدخلات العلاجية لما لها من دور في تحسين العملية التعليمية التعلمية واكساب الطلبة المهارات التي تمكنهم من تعويض ما فاتهم من المهارات الأساسية في اللغة العربية والرياضيات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store