logo
ما بين اللامركزية والفيدرالية في سورية

ما بين اللامركزية والفيدرالية في سورية

العربي الجديدمنذ 5 ساعات

يختلط، في النقاشات السورية التي تلت سقوط نظام الأسد، الحديث عن الفيدرالية واللامركزية، كما لو أنهما مصطلحان مترادفان. تارّة تُتهم الفيدرالية بأنها مشروع تقسيم، وتارّة يُقارب الحديث عن اللامركزية كما لو أنه مجاز لغوي للفيدرالية، ما يجعل من أي دعوة إلى إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والأطراف تهمة مسبقة بالانفصال. في الحالتين، يبدو أن المشكلة لا تكمن في المفاهيم نفسها، بل في السياق السياسي المُحمّل بالتوجّس، وفي ذاكرة السوريين التي لم تعرف من السلطة إلا شكلها المركزي الصارم. ولكن قبل أن نمضي في التقييم، من المفيد أن نفصل بين المفهومين، في جوهر علاقتهما بطبيعة الدولة، وبالسلطة، وبالهوية الوطنية.
اللامركزية، من حيث التعريف العملي، هي توزيع جزئي للصلاحيات داخل الدولة الواحدة، بحيث تبقى السيادة موحّدة، ولكن تُمنح الوحدات الإدارية (بلديات، محافظات، مجالس محلية) القدرة على اتخاذ قرارات في قطاعات محدّدة كالصحة، والتعليم، والخدمات. أما الفيدرالية، فهي نظام سياسي– دستوري أكثر تعقيداً، تُوزّع فيه السيادة بين الحكومة المركزية والكيانات الفيدرالية، وتتمتع هذه الكيانات بدستور أو قوانين خاصة، أحياناً ببرلمان، وقوة أمنية، وقواعد مالية خاصة بها. والفرق هنا جذري، فالفيدرالية تعني أن الدولة مكوّنة من "وحدات سياسية" متمايزة، ولكنها متّحدة. أما اللامركزية فهي مجرّد إعادة توزيع للوظائف داخل بنية دولة موحّدة لا تتغيّر طبيعتها القانونية.
كل محاولةٍ في سورية لطرح الفيدرالية تُقابل برفضٍ مسبق. ليس فقط لأن الفكرة مرتبطة في أذهان كثيرين بمشروع انفصال، لكن الخطاب الوطني نفسه بُني تاريخياً على مركزية الدولة بوصفها خط الدفاع الأول ضد أي محاولةٍ للتجزئة. ما يجعل من كلمة "الفيدرالية" ثقيلة في الوعي السياسي السوري، حتى قبل أن تُفهم بتفاصيلها.
السؤال في سورية اليوم ليس كيف نمنع التقسيم، وإنما كيف نُنظّم واقعاً منقسماً أصلاً، ضمن عقد سياسي واضح، يضمن بقاء البلاد ضمن وحدة سياسية مع الاعتراف العملي بتعدّد مراكز القرار.
ينبّهنا ديفيد هيلد، في قراءته لتحوّلات الدولة الحديثة، إلى أن المركزية الصلبة التي نشأت في القرن العشرين لم تعُد صالحة لعالم تعدديّ. إذ لم تَعُد السيادة تعني الاحتكار الكامل للقرار، وإنما القدرة على التنسيق بين مستويات السلطة المختلفة، بشرط المساءلة والشفافية. هذا تماماً ما تفتقده سورية، وهذا ما يجعل من اللامركزية اليوم شرطاً للتماسك.
في التجربة الألمانية، لم تنتج الفيدرالية انقساماً، بل رسّخت التمثيل السياسي والاجتماعي على مستوى الولايات، وأوجدت نمطاً من "التنافس العادل" في تقديم الخدمات والتنمية. وفي العراق، رغم هشاشة الوضع الأمني، خفّف الاعتراف بكيانات متعدّدة (كردستان العراق نموذجاً) ضمن الدولة العراقية من حدّة المطالب الانفصالية. أما في لبنان، الذي لم يعلن يوماً عن كونه دولة فيدرالية، فغياب نظام لا مركزي حقيقي أو فيدرالي، جعل كل طائفةٍ تدير شؤونها عملياً خارج الدولة، ما ساهم في تآكل فكرة المواطنة الجامعة.
العقل المركزي الذي ورثه الجميع من زمن الأسد ما زال يحكم الخيال السياسي
رغم أن اللامركزية تُطرح اليوم وكأنها ابتكار حديث أو استجابة استثنائية لما بعد النزاعات، إلا أن جذورها تعود في التاريخ السوري إلى بدايات القرن العشرين. ففي 1922، وفي ظل الانتداب الفرنسي، طُرحت صيغة "الاتحاد السوري" بكونها ترتيبا إداريا ضمّ ثلاث وحدات: دمشق، حلب، والساحل. ورغم أن السياق كان استعمارياً ومشحوناً بنيات التقسيم، أشار هذا النموذج، ولو بشكل أولي ومشوَّه، إلى إمكانية إدارة الدولة بصيغٍ لا مركزية تمنح المحليات هامشاً من الصلاحيات. لكن المهم هنا ليس النموذج الذي فرضته سلطة احتلال، بل النقاشات التي أُثيرت في تلك المرحلة بشأن توزيع السلطات بين المركز والمحيط. فقد شهدت تلك اللحظة، على هشاشتها، ولادة تخيُّل سياسي في سورية عن إمكانات الحكم المحلي وتعدّد مستويات السلطة، وهو تخيُّل لم يُستكمل لاحقاً، لكنه ظلّ يلوح احتمالا مؤجّلا في ذاكرة التجربة السورية.
يذكّرنا الفقيه الدستوري الفرنسي، موريس دوفرجيه، بأن اللامركزية ليست نصّاً قانونياً، بل علاقة ثقة بين الدولة والمجتمع المحلي، وهذه العلاقة لم تنشأ في سورية في غالب المراحل، فظلّ التوجّس من المجتمعات المحلية أقوى من الرغبة في منحها إدارة شؤونها.
لا يكفي الحديث في سورية اليوم عن الفيدرالية بوصفها إعلاناً سياسياً، ولا عن الوحدة بوصفها قدراً مقدّساً. المطلوب إعادة تفكير جذرية في شكل الحكم، تُبنى على إدراك لتعدّد البنى الاجتماعية والثقافية، ولتفكك السلطة المركزية السابقة من دون قيام بديل شرعي متماسك. في هذا الفراغ، لا يمكن الركون إلى جهاز بيروقراطي مترهّل، ولا إلى مركزٍ يمسك الصلاحيات بلا أدوات فعالة. وحدها مقاربة عادلة وواقعية لإعادة توزيع السلطة يمكن أن تمنح السوريين فرصة لبناء دولة قابلة للحياة. ولا يزال ما طرحه بيير روسانفالون قبل عقدين عن "الدولة العادلة" صالحاً تماماً للسياق السوري، فالعدالة الإدارية شرط للثقة السياسية، وأي نظام لا يُعيد توزيع السلطة يصبح مع الوقت أداةً لتعميق الانقسام، ولو لم يكن يقصده.
المطالبة بالفيدرالية لا تعني بالضرورة رفضاً للوحدة، كما أن عدم الثقة بالمركز ليس جريمة سياسية. ثمّة من يرى في الفيدرالية وسيلة لحماية خصوصيته، وثمّة من يراها أفقاً لتحقيق مواطنة أكثر توازناً وعدلاً. وفي الحالتين، أي صيغة حكم عادلة يجب أن تُبنى عبر تفاهم وتفاوض يعترف بأن السيادة عقد اجتماعي متجدد، لا امتيازاً مغلقاً في يد سلطة واحدة. وسواء سميناها فيدرالية، أو لامركزية موسّعة، أو عقداً إدارياً جديداً، يتركّز جوهر النقاش اليوم حول استعداد السوريين لاقتسام السلطة بشكل عادل، أم أن العقل المركزي الذي ورثه الجميع من زمن الأسد ما زال يحكم الخيال السياسي.
لا يكفي الحديث في سورية اليوم عن الفيدرالية بوصفها إعلاناً سياسياً، ولا عن الوحدة بوصفها قدراً مقدّساً
في الظروف الحالية التي تعيشها سورية، لا توجد هيئة دستورية منتخبة أو مجلس تأسيسي يمتلك الشرعية الكاملة لصياغة شكل نظام الحكم الجديد، لكن هذا لا يعني أن الخيار بين الفيدرالية أو اللامركزية يجب أن يُحسم بتفاهمات فوقية أو ميزان قوى مؤقت. تقتضي المرحلة الانتقالية تأسيس مسار سياسي واضح نحو عقد اجتماعي جديد، يبدأ بتشكيل هيئة تأسيسية ذات شرعية تمثيلية نسبية على الأقل، تُبنى من خلال عملية تشاورية موسّعة بين قوى المجتمع المدني، والمكوّنات المحلية، والمجالس المنتخبة أو شبه المنتخبة إن وجدت، وبإشرافٍ أممي أو جهاتٍ ضامنة للانتقال. وهذه الهيئة، وإن لم تكن "منتخبة بالكامل" في المعنى الدستوري التقليدي، إلا أنها يجب أن تستمدّ شرعيتها من توازن واقعي وتوافقي، ومهمّتها الأساس صياغة مسودة دستور انتقالي أو دائم، يُطرح لاحقاً للاستفتاء الشعبي، ويحدّد فيه شكل الدولة، نمط الحكم، وقواعد تقاسم الصلاحيات.
... يجب أن يُبنى اختيار الفيدرالية أو اللامركزية على قراءة دقيقة لبنية الدولة والمجتمع، لتوزّع السكان، ولطبيعة الموارد، ولتجارب العيش المشترك في الماضي القريب. الفيدرالية، حين تُبنى على التوافق، قد توفّر استقراراً ذاتياً لوحدات جغرافية أو ثقافية تشعر بالتهميش أو القلق، وتشيع شعوراً بالانتماء الطوعي للدولة الجامعة. أما اللامركزية الإدارية، فإنها تمنح المجتمعات المحلية القدرة على إدارة شؤونها اليومية من دون المساس بالبنية السيادية للدولة، وتُعدّ أداة مرنة لإعادة التوازن بين المركز والأطراف.
في ظل سلطةٍ انتقاليةٍ هشّة، وبلد أنهكته المركزية العنيفة عقوداً، تبدو الحاجة ماسّة إلى فتح نقاش هادئ حول الخيارين، بوصفهما أدوات سياسية وإدارية يمكن أن تساهم في إنتاج عقد وطني جديد يُراعي التعدّد، ويعيد توزيع الثقة، ويجعل من الدولة حاضنة. الشكل النهائي يجب أن يُتوافق عليه عبر عملية تشاركية واسعة، ويُقرّ عبر دستور حيٍّ يكتبه السوريون بأيديهم، لا يُنسخ عن تجارب الآخرين، ولا يُصاغ لإرضاء قادة المرحلة الانتقالية.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طلاب جامعة هارفارد الأجانب يواجهون حالة من عدم اليقين بعد توقف خطة ترامب لمنع التسجيل في الوقت الحالي
طلاب جامعة هارفارد الأجانب يواجهون حالة من عدم اليقين بعد توقف خطة ترامب لمنع التسجيل في الوقت الحالي

BBC عربية

timeمنذ 40 دقائق

  • BBC عربية

طلاب جامعة هارفارد الأجانب يواجهون حالة من عدم اليقين بعد توقف خطة ترامب لمنع التسجيل في الوقت الحالي

أصدر قاضٍ أمراً تقييدياً مؤقتاً يوقف خطة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحرمان جامعة هارفارد من إمكانية قبول الطلاب الأجانب. جاء الحكم بعد أن رفعت هارفارد دعوى قضائية، في أحدث تصعيد للنزاع بين البيت الأبيض وإحدى أعرق المؤسسات الأمريكية. ووصفت الجامعة قرار الإدارة الصادر الخميس، بمنع الطلاب الدوليين بأنه "انتهاك صارخ" للقانون ولحقوق حرية التعبير. وتقول إدارة ترامب إن هارفارد لم تبذل جهوداً كافية لمكافحة معاداة السامية، ولم تُغير ممارساتها في التوظيف والقبول، وهي مزاعم نفتها الجامعة بشدة. وأصدرت قاضية المحكمة الجزئية الأمريكية أليسون بوروز أمراً تقييدياً مؤقتاً في حكم موجز صدر يوم الجمعة. يُوقف هذا الأمرُ الإجراءَ الذي اتخذته وزارة الأمن الداخلي الخميس لإلغاء وصول جامعة هارفارد إلى برنامج الطلاب والزوار التبادليين (SEVP)، الذي يعد قاعدة بيانات حكومية تُدير الطلاب الأجانب. وستُعقد الجلسة التالية في 29 مايو/أيار في بوسطن. وذكرت جامعة هارفارد في الدعوى القضائية: "بجرة قلم، سعت الحكومة إلى محو ربع طلاب جامعة هارفارد، وهم طلاب دوليون يُساهمون بشكل كبير في الجامعة ورسالتها". وقال رئيس جامعة هارفارد، آلان غاربر، في رسالة: "نُدين هذا الإجراء غير القانوني وغير المبرر". كتب غاربر: "يُمثل هذا الإلغاء استمراراً لسلسلة من الإجراءات الحكومية الانتقامية ضد جامعة هارفارد لرفضها التخلي عن استقلالها الأكاديمي والخضوع لسيطرة الحكومة الفيدرالية غير القانونية على مناهجنا الدراسية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب". ورداً على ذلك، قالت نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض أبيجيل جاكسون: "لو اهتمت هارفارد بهذا القدر بإنهاء آفة المحرضين المعادين لأمريكا والسامية والمؤيدين للإرهاب في حرمها الجامعي، لما كانت في هذا الوضع أصلاً". بعد صدور الأمر التقييدي، اتهمت جاكسون القاضية في القضية بـ"امتلاك أجندة ليبرالية". وقالت جاكسون: "لا يحق لهؤلاء القضاة غير المنتخبين منع إدارة ترامب من ممارسة سيطرتها المشروعة على سياسة الهجرة وسياسة الأمن القومي". التخرج في ظل عدم اليقين ساد الهدوء جامعة هارفارد يوم الجمعة. انتهت الفصول الدراسية لهذا العام، ويجري التحضير لحفلات التخرج. امتدت الأكشاك في الساحة الخارجية بينما استأجر الطلاب أثواب التخرج وجمعوا التذاكر لعائلاتهم. بالنسبة للمتخرجين، ينبغي أن يكون هذا الأسبوع أسبوعاً للاحتفال، لكن بالنسبة للطلاب الأجانب الذين يأملون في البقاء في الولايات المتحدة، كان الأمر بمثابة زوبعة استمرت 24 ساعة. طوال الصباح، سارع طلاب هارفارد الدوليون لمعرفة ما سيحدث، هل سيُضطرون لمغادرة الولايات المتحدة فوراً؟ هل باتوا مُهددين بالترحيل الآن؟ كورماك سافاج من داونباتريك في مقاطعة داون في أيرلندا الشمالية على بعد ستة أيام من التخرج بدرجة في الحوكمة واللغات. سافاج حصل على وظيفة في بروكسل، ويرجع ذلك جزئياً إلى حالة عدم اليقين في الولايات المتحدة. وقال يوم الجمعة: "أنت تعلم أنك بخير إذا كنت لا تزال في الولايات المتحدة بشكل قانوني خلال التسعين يوماً المقبلة، لكنك لا تعلم أنه يمكنك العودة وإنهاء دراستك". وأضاف: "أنت لا تعرف ما إذا كان بإمكانك البقاء والعمل في الولايات المتحدة إذا كنت على وشك التخرج". يُعقّد هذا الأمر أيضاً خطط الطلاب الذين ما زالوا مسجلين، مثل روهان باتولا، الطالب في السنة الثالثة من المملكة المتحدة والذي سيعتمد على تأشيرته للعمل في نيويورك في يونيو/حزيران. قال باتولا لبي بي سي: "كنت قلقاً من أنني إذا عدت إلى الوطن فلن أتمكن من العودة"، لذلك اختار البقاء في الحرم الجامعي. بالنسبة لمجموعة من الطلاب الدوليين الذين تجمعوا على ضفاف نهر تشارلز، بينما كانت فرق التجديف تمر، كان الشعور بالارتياح ملموساً عندما ورد خبر تأجيل تنفيذ الحكم من محكمة بوسطن. شعر باتولا بالارتياح أيضاً بعد أن أصدرت القاضية بوروز أمرها. لكن حالة عدم اليقين لا تزال تُلقي بظلالها عليه. قال باتولا: "من الغريب أن تعتقد أنك تُقيم بشكل غير قانوني لفترة من الوقت في بلد ما، لمجرد أنك درست فيه". أحلام الطلاب أصبحت في طي النسيان يوجد قرابة 6800 طالب دولي في جامعة هارفارد، ويشكلون أكثر من 27 في المئة من طلابها المسجلين هذا العام. يأتي حوالي خُمسهم من الصين، مع أعداد كبيرة من كندا والهند وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، ومن بين الطلاب الدوليين المسجلين حالياً، ملكة بلجيكا المستقبلية، الأميرة إليزابيث، البالغة من العمر 23 عاماً. وكان من المقرر أن يدرس ليو أكرمان التربية وريادة الأعمال في هارفارد ابتداءً من أغسطس/آب، محققاً "حلماً". وقال أكرمان: "كنت متحمساً حقاً، وما زلت متحمساً حقاً إذا تمكنت من الذهاب إلى هناك"، مضيفاً أن "فقدان ذلك سيبدو لحظة حزينة لكثير من الناس". استبعاد الطلاب الأجانب من شأنه أن يستنزف قدراً كبيراً من موارد هارفارد المالية. وقال خبراء إن الطلاب الدوليين أكثر ميلاً إلى دفع الرسوم الدراسية كاملة، مما يعني في الأساس دعم المساعدات للطلاب الأمريكيين. وستصل رسوم الدراسة الجامعية - باستثناء الرسوم والسكن والكتب والطعام والتأمين الصحي - إلى 59,320 دولاراً أمريكياً في العام الدراسي المقبل، وفقاً للجامعة. وتتجاوز التكلفة الإجمالية للعام الدراسي في هارفارد، قبل أي مساعدة مالية، أكثر من 100 ألف دولار أمريكي. انتقل إسحاق بانغورا، طالب إدارة عامة من سيراليون، إلى هارفارد مع زوجته وابنتيه الصغيرتين بعد أن نجا من حرب أهلية. قال: "منذ الأمس، يسألني أطفالي: أبي، أفهم أنهم قادمون لإعادتنا إلى الوطن. إنهم يقصدون الترحيل". وتحدث عن ضرورة أن يكون قوياً من أجلهم وأن يكون لديه إيمان. وأضاف: "أعلم أن الشعب الأمريكي دائماً، عندما يواجه أي مشكلة، سيجد طرقاً لحلها". الحكومة ضد جامعة النخبة بالإضافة إلى جامعة هارفارد، استهدفت إدارة ترامب مؤسسات نخبوية أخرى، ليس فقط بالقول إنها يجب أن تبذل المزيد من الجهود لقمع النشطاء المؤيدين للفلسطينيين، بل أيضاً بزعم أنها تمارس التمييز ضد الآراء المحافظة. يوم الجمعة، وفي حديثه من المكتب البيضاوي، قال الرئيس دونالد ترامب: "على جامعة هارفارد أن تغير نهجها". وأشار ترامب إلى أنه يدرس اتخاذ إجراءات ضد المزيد من الجامعات. في أبريل/نيسان، جمّد البيت الأبيض 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة هارفارد. وهدد ترامب بإلغاء إعفاء الجامعة من الضرائب. أدى تجميد التمويل إلى رفع دعوى قضائية سابقة من جامعة هارفارد، طالبت فيها المحاكم أيضاً بوقف إجراءات الإدارة. قال أستاذ القانون بجامعة ريتشموند كارل توبياس، إن المحاكم الفيدرالية في ماساتشوستس ونيو إنغلاند، حيث ستُعقد المراحل الأولى من القضية، لطالما أصدرت أحكاماً ضد إدارة ترامب. لكن قد تكون النتيجة أقل قابلية للتنبؤ في المحكمة العليا الأمريكية، حيث قد تنتهي قضية هارفارد. وقال توبياس: "هذه قضايا صعبة بالنسبة لجامعة هارفارد، لكن لديهم الموارد ويبدو أن لديهم الإرادة للقتال". قدم قادة هارفارد تنازلات للبيت الأبيض - بما في ذلك إقالة قادة مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لها، الذين تعرضوا لانتقادات شديدة لفشلهم في عرض وجهات نظر إسرائيلية. لكنها استعانت أيضاً بالعديد من المحامين الجمهوريين البارزين، بمن فيهم روبرت هور، المستشار الخاص السابق الذي حقق في احتفاظ الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بوثائق سرية. أعرب الطلاب الأجانب المسجلون حالياً في جامعة هارفارد عن قلقهم من أن يُجبرهم هذا الخلاف على الانتقال إلى جامعة أخرى أو العودة إلى أوطانهم. يُعد تسجيل الدخول إلى نظام (SEVP) شرطاً أساسياً للحصول على تأشيرات الطلاب. وفي حال حُجبت جامعة هارفارد من قاعدة البيانات، فقد يُعد الطلاب مخالفين للقانون، وقد يواجهون الترحيل. أعرب العديد من الطلاب البريطانيين المسجلين في جامعة هارفارد، والذين تحدثوا إلى بي بي سي شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من سلطات الهجرة، عن قلقهم من إمكانية انقطاع تعليمهم في الولايات المتحدة. قال أحد الطلاب: "أعتقد بالتأكيد أن حرية التعبير مشكلة في الحرم الجامعي، ولكن يجري العمل عليها بجد... كانت صدمة حقيقية عندما صدر الإعلان أمس". "هناك غضب كبير، ويشعر الناس وكأننا نُستغل كبيادق في لعبة".

مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟
مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟

ظهرت في الأيام الماضية محاضرة لدبلوماسي أميركي سابق، دعمتها تقارير، تفيد بأن أحمد الشرع تلقّى تدريبات من نوع خاص، وأن شخصيته الحالية المنفتحة على العالم تعود إلى دروس حضرها بانتظامٍ خلال سنوات وجوده في إدلب.. تنطلق هذه الطروحات من أن الشرع شخصية "ممنتجة"، جرى التلاعب بها عن طريق التغذية الإعلامية، والتثقيف الكثيف، كي ينتقل من حالة الجهادي الذي يؤمن بفكر القاعدة العنيف، والمتطرّف الذي يكفّر الآخر، إلى رجل متفهم للحاجات الدولية ومطالب المواطن في الداخل، ويستوعب وجود مذاهب وأديان ثانية، عليه النظر إليها مكوّناً وطنياً، يمكن أن يساهم في عملية البناء.. تبدو المهمة كما جرى عرضها صعبة جداً، فهي أشبه بعملية تغيير دماغ يجري فيها فتح الجمجمة والعبث بالمكوّن الفكري لتعديل مساره بالاتجاه المرغوب.. عرض المهمّة بهذا الشكل يحمل تدليساً ما، وربما كذباً واضحاً، لأسباب عديدة، منها طبيعة العلاقة التي جمعت أبو محمد الجولاني بالغرب عموماً، ووجوده على قائمة مطلوبين، وتصنيف جماعته ضمن قوائم الإرهاب. صرّح الجولاني سابقاً إنه يحاول الاتصال بالغرب، وبشكل صريح تحدّث إلى صحافي أميركي يدعى مارتن سميث في مقابلة نشرها موقع "فرونت لاين" في بدايات عام 2021، تحدّث فيها عن ثورة ضد نظام الأسد، يحاول تنظيمها وتحديثها ورعاية كل لاجئيها. وكان صريحا منذ السؤال الأول حين أجاب بأن هذه المنطقة لا تشكل أي تهديد لأوروبا وأميركا، في رسالة بالغة الوضوح، إن ما يحدث هو حرب ضد ديكتاتور يعرفه الغرب جيّداً.. وبالفعل، لم يُسجَّل أي هجوم خارج الحدود السورية لهيئة تحرير الشام. وأظهر زعيمها الجولاني وجهاً مثيراً للدهشة عندما قال للصحافي إنه ومجموعته جزء من الثورة السورية، وقد اعترف بوجود فصائل أخرى تحمل التطلعات نفسها، وتنطلق من جبهاتٍ أخرى، فلم يتّهمها ولم يتحدّث عنها بسوء، بل قال إنها مثل تنظيمه تتطلع إلى الهدف نفسه. واجهه الصحافي بسؤالٍ ظن أنه مُحرج عندما قال له إنه في العام 2014 تعهد بمحاربة الولايات المتحدة وحلفائها، وسأله: هل تغيّرت؟ لم يتنصل الجولاني من الاتهام، ولكنه عدّله بما ينسجم مع الوضع الذي أصبح عليه بقوله: لقد وجّهنا انتقادات للولايات المتحدة بالفعل، ولكننا لم نقل إننا سنهاجمها من سورية.. في تلك اللحظة، كانت شخصية أحمد الشرع قد اكتملت ووضعت خلفها الجولاني إلى الأبد، ولا يمكن لهذا النضوج السياسي المستوعِب متطلبات تلك المرحلة، وما سيليها، أن يكون قد تلقاه في محاضراتٍ أو جلسات تدريس، بل هو حالة طبيعية انطلقت من نقطةٍ وتطوّرت بفعل ما واجهته من ظروف صقلتها وبلورت فيها فكراً آخر. ولم تكن تركيا بعيدةً عن إدلب، عاصمة الجولاني، وقد رأى فيها وجهاً آخر للدولة التي يتطلع إلى بنائها، ما ساهم في تحوّل تلك الشخصية الجهادية التي تركت رداء حركة طالبان، ولبست ثوباً حديثا، واستطاعت التأثير على كل رؤوس التنظيم وحتى التنظيمات الأخرى المتحالفة معها، لتعديل الرؤية المتطرّفة نحو منظور وطني موحّد، وهو أمر لا يقدر عليه أي محاضرٍ أو خبيرٍ تنمية بشرية. الغرض مما تروّجه تلك الشخصية الغربية مصادرة إنجازات سورية محضة، وعدم التطلّع إلى بروز حالاتٍ جديرةٍ بالملاحظة، قادرة على تحمّل المسؤولية، وعلى قدر كبير من فهم سياسية المنطقة، وقد خرجت من رماد الواقع ذاته الذي كان يغلي بالعنف والتطرف القائم على التديّن الأعمى والراديكالية الراغبة بالانتقام من الأطراف الأخرى، وتجاوزت ذلك كله بعمليةٍ اجتماعيةٍ وحقوقيةٍ أفرزت العدالة الانتقالية، وحملةٍ سياسيةٍ كبرى عبرت عواصم العالم، واتصلت بأطرافٍ عربيةٍ وإقليمية للمساهمة في رفع العقوبات بشكل كامل عن سورية، ولم يبق إلا أن تبرهن للجميع بأنها أصلية، غير مفبركة بالتغذية بالمحاضرات، وذلك بإطلاق شرارة تنمية وطنية حقيقية كبرى تصل بسورية إلى التغيير المنشود.

ما هي عملية «عربات جدعون» ولماذا اختيرت هذه التسمية التاريخية؟
ما هي عملية «عربات جدعون» ولماذا اختيرت هذه التسمية التاريخية؟

القدس العربي

timeمنذ 3 ساعات

  • القدس العربي

ما هي عملية «عربات جدعون» ولماذا اختيرت هذه التسمية التاريخية؟

الناصرة ـ «القدس العربي»:رغم الانتقادات العالمية المتتالية ضد إسرائيل في حرب الإبادة التي تواصلها على غزة منذ نحو 600 يوم وتصفها بعض الأوساط المحلية بـ «تسونامي سياسي» لكنها لا تتوقف. والاحتلال يستعد للتصعيد في حملة عسكرية جديدة تعرف بـ «عربات جدعون» بعد فشل الحملة العسكرية السابقة في إخضاع حركة حماس واستعادة المحتجزين. يتناول تقرير للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» هذه العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة والمسماة «عربات جدعون»، والتي قد تكون من أكثر العمليات العسكرية الإسرائيلية إثارةً للجدل والخطورة تجاه قطاع غزة. منوّها أن هذه العملية لا تُعد مجرد تحرّك عسكري قتالي، بل تمثل، في حال تنفيذها، تحوّلاً نوعياً في الاستراتيجية الإسرائيلية، عبر الجمع بين المناورات البرية، والتطهير المكاني للسكان، وتوظيف سرديات دينية وتاريخية تمنحها بعداً رمزياً يخدم صعود اليمين الإسرائيلي في ظل تراجع حماسة الجمهور الإسرائيلي لمواصلة الحرب. العملية وأهدافها ويقول تقرير «مدار» إن عملية «عربات جدعون» ليست مجرد اقتراح، بل باتت خطة عسكرية جاهزة للتنفيذ وضعها رئيس هيئة الأركان إيال زامير وأقرّها المجلس الوزاري المصغّر في 4 أيار/مايو 2025، وهي بانتظار «ساعة الصفر» وإن كانت قوات الاحتلال قد شرعت منذ أيام التمهيد لها. يشار أن هذه العملية تأتي بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في كانون الثاني/يناير، حيث جرى استئناف القتال في آذار/مارس 2025 عقب انتهاء موجات تبادل الأسرى وتعطيل رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لمساعي إتمام الصفقة. بموجب «مدار» تهدف العملية إلى فرض سيطرة عسكرية ميدانية على الأرض، بحيث تتمكن قوات الاحتلال من إدارة حركة السكان عبر إقامة مناطق عازلة (تشبه الغيتوهات)، يتم فيها تجميع المدنيين الفلسطينيين، ما يتيح للجيش حرية العمل العسكري في بقية أنحاء القطاع. ومن أهداف العملية أيضاً: 1) تفكيك سلطة حركة حماس عبر ضرب بنيتها التحتية ونزع سلاحها. 2) استعادة الرهائن الإسرائيليين، رغم أن هذا الهدف يحتل مرتبة متأخرة بحسب تسريبات إعلامية، ما أثار انتقادات حيال أولويات القيادة. 3) إعادة رسم الخريطة الأمنية والديموغرافية للقطاع، بما يخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية. طبقا للتقرير تتطلب الخطة تعزيزاً عسكرياً واسعاً داخل غزة، واستخدام معدات ثقيلة لتدمير الأنفاق والمواقع العسكرية، إلى جانب تنسيق عسكري ثلاثي بين القوات البرية والجوية والبحرية. كما تتضمن الخطة تنفيذ عملية تهجير منظمة لسكان شمال القطاع نحو الجنوب، خصوصاً إلى ما بعد محور موراغ، حيث تخطط إسرائيل لإنشاء «منطقة إنسانية» مبدئية تستوعب 100.000 شخص كمرحلة أولى، على أن يتم توسيعها تدريجياً. ماكنة دعائية بالعربية وسيتم توظيف أدوات دعائية بالعربية يقودها المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي لتشجيع السكان على «الإجلاء الطوعي» أما المساعدات الإنسانية الموعودة فستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة بالتنسيق مع شركات أمريكية ومنظمات دولية مختارة، وفقاً لشروط أمنية صارمة. وسيُسمح فقط لممثل واحد من كل عائلة بالحصول على سلة غذائية أسبوعية (70 كغم) بعد اجتياز الفحص الأمني، ما يجعل الإغاثة أداة إضافية لإعادة تشكيل التوزيع السكاني في القطاع. دلالات التسمية وأساطير الحرب يحمل اسم العملية «عربات جدعون» دلالات دينية واستعمارية في آنٍ واحد، وجدعون هو قائد توراتي من سبط منشي، وردت قصته في سفر القضاة، حيث قاد 300 مقاتل لهزيمة جيش المديانيين الضخم بأمر إلهي وخطة عسكرية ذكية. سبق أن استخدمت إسرائيل هذه الرمزية في نكبة عام 1948، حين أطلقت «عملية جدعون» للاستيلاء على منطقة بيسان وتهجير سكانها الفلسطينيين. هكذا يتكرر توظيف الأساطير التوراتية لتأطير مشاريع الطرد والاستيطان، في إطار سردية استعمارية مقدّسة. وتروي القصة السردية التاريخية أن جدعون بدأ بـ 32.000 مقاتل، لكن الإله أمره بتقليص العدد: أولاً، سُمح للجبناء بالانسحاب، فغادر 22.000 رجل. ثم جرى اختبار الشرب من النهر، وتم اختيار من شربوا وهم واقفون ومتيقظون —300 فقط. هؤلاء خاضوا المعركة بإيمان ويقظة وانتصروا. ويوضح «مدار» أن هذه الرواية التاريخية تشبه الوضع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر: تعبئة قومية شاملة بدأت بشعار «معاً ننتصر»، ثم تراجعت تدريجياً مع طول أمد الحرب والخسائر، لينقسم المجتمع بين من يريد إنهاء الحرب في مقابل استعادة الأسرى، ومن يصرّ على استكمالها حتى «النصر». في هذا السياق، يظهر من تبقى من مؤيدي الحرب كـ»جنود جدعون»: أقلية متماسكة، مؤمنة، ترى نفسها في مهمة مقدسة رغم العزلة. وتتلاقى هذه السردية مع المخيلة الغربية عن «الحضارة في مواجهة الهمجية»، كما يتجلى في «فيلم 300» الهوليوودي (من إنتاج العام 2007)، الذي يصور قلة منظمة من الإسبارطيين تقاتل جحافل فارسية إيرانية «همجية». كذلك، يتم تصوير الجيش الإسرائيلي كقوة تحمل «النور» ضد «قوى الظلام»، في مشهد يُخفي العنف الواقعي ضد المدنيين، والطرد الجماعي، وتفكيك المجال السكاني الفلسطيني. ويخلص «مدار» للقول إنه في المجمل، فإن «عربات جدعون» ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي مشروع سياسي- أمني- رمزي استعماري لإعادة صياغة السيطرة الإسرائيلية على غزة، باستخدام أدوات دينية وأسطورية تمنحها غطاءً رمزياً. إن خطورتها لا تكمن فقط في تداعياتها على المدنيين، بل في كونها تعيد إنتاج مفاهيم «الشرعية» و«السيطرة» عبر مزيج من الأسطورة والتفوّق العسكري، ما يشكّل تحدياً صارخاً للقانون الدولي ولمبادئ العدالة الإنسانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store