
إيران وأميركا وأولوية تحصين المفاوضات
دخلت المفاوضات الأميركية - الإيرانية مرحلة جديدة مع إعلان تشكيل لجنة فنية لدرس التفاصيل المرتبطة بالخطوات المفترض اتخاذها في ما يتعلق بالخطوات الإيرانية المرتبطة بأنشطة تخصيب اليورانيوم في مقابل الخطوات المتعلقة بآليات رفع وإلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية.
ويبدو أن الطرفين يسارعان من أجل الوصول إلى نقطة التفاهم حتى بالحد الأدنى، أو ما يمكن تسميته اتفاقاً موقتاً، انطلاقاً من اعتبارات خاصة بكل فريق، فبالنسبة إلى الإدارة الأميركية فهي تريد الانتهاء من الملف الإيراني لتحقيق إنجاز دبلوماسي وسياسي وأمني للرئيس دونالد ترمب، إضافة إلى عدم السماح لطهران بتطبيق سياسة إتلاف الوقت، وفي المقابل فإن الفريق الإيراني المفاوض الذي يملك صلاحيات واسعة في المفاوضات لا يملك كثيراً من الوقت لتحقيق هذا الاتفاق، بخاصة وأن دول الـ "ترويكا" الأوروبية لا تزال ترفع راية نقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية الزناد التي تسمح بإعادة تفعيل العقوبات الدولية الصادرة بموجب قرارات المجلس.
ولا شك في أن طرفي المفاوضات، ومن خلال جس النبض الذي استمر أكثر من شهرين وتوج بالرسائل المتبادلة بين الرئيس دونالد ترمب والمرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي، قد وصلا إلى قناعة بإمكان الدخول في مساومة تسمح بتأمين مصالح كل منهما، من دون أن تدخل أية تنازلات قد يقدمانها في سياق التفاوض في خانة التراجع أو الهزيمة أو الخسارة.
اقتراب الطرفين من مفهوم التسوية أو المساومة جعل من السهل على كل منهما تحت خطوطه الحمر التي لم تكن كثيرة في الظاهر لكنها تؤسس نتيجة اختبار النيات لمرحلة جديدة من التفاوض مستقبلاً، فالتراجع عن السقوف العالية التي وضعتها واشنطن قبل انطلاق المفاوضات تراجعت لمصلحة الخطوط الحمر الرئيسة، والتي يمكن تلخيصها بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي والحد من أنشطة التخصيب وعودتها للسقوف التي كان معمولاً بها في اتفاق عام 2015، مع فرض رقابة مشددة طويلة الأمد، وقد تكون بمشاركة أميركية مباشرة، وهي خطوط لا تعارضها طهران.
طرفا المفاوضات يعملان تحت سقف زمني ضيق ومحدد لا يتعدى الشهرين، ويدركان أن عليهما التوصل إلى اتفاق جديد يقوم على روحية الاتفاق السابق ولا يقف عنده، في الأقل عن موعد أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الذي تنتهي فيه مفاعيل هذا الاتفاق، مما يعني أن النظام الإيراني سيتخلى ضمناً عن مفهوم غروب أو أفول الاتفاق، وفي المقابل فإن واشنطن ستحقق مكسباً واضحاً بتمديد الشروط التي جاءت في هذا الاتفاق بما يسمح لها باستمرار عمليات التفتيش والمراقبة المشددة والمتشعبة، إضافة إلى تمديد الشروط المتعلقة بالتسلح الإيراني بيعاً وشراء.
والخطوط الأميركية قابلتها خطوط حمر إيرانية أيضاً، تبدأ بحصر التفاوض المعلن على البرنامج النووي دونه غيره من المسائل، إضافة إلى عدم موافقة طهران على أية صيغة تسوية تتضمن تفكيك برنامجها النووي، مع القبول بمستويات من الرقابة والتفتيش يجري التفاهم والاتفاق حولها، إضافة إلى المطلب الأساس المتعلق برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن نتيجة الأنشطة النووية.
الواقعية الإيرانية في التعامل مع المفاوض الأميركي تجعل من الصعب عليه فتح ملف إلغاء جميع أنواع العقوبات أو الحصول على ضمانات بالحصول على موافقة مجلسي النواب والشيوخ عليها، لأن الدخول في هذا المسار يستدعي من طهران أن توافق على فتح التفاوض ووضع البرنامج الصاروخي والمسيرات والنفوذ الإقليمي والحلفاء أو الأذرع التابعة لها على الطاولة، وهذا ما لا ترغب فيه خلال هذه المرحلة، لأنه يفتح الطريق أو الباب أمام تعريتها من كل أوراق القوة التي تملكها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما تقوم به إيران من توسيع دائرة أنشطتها الدبلوماسية بين كل جولة مفاوضات باتجاهات عدة دولية مع روسيا والصين، وإقليمية مع السعودية ودول الخليج ومصر، يهدف بالدرجة الأولى إلى الاحتفاظ بموقف هذه الدول المؤيد للمفاوضات، وأيضاً إلى تفكيك أي احتمال لمعارضة أي اتفاق قد تنتهي إليه المفاوضات مع واشنطن، ومن ثم السعي إلى تأمين أوسع ضمانة دولية وإقليمية لهذا الاتفاق في مواجهة المعترضين أو المتضررين.
إلا أن استبعاد دول الـ "ترويكا" الأوروبية بصورة مباشرة من الاتصالات الدبلوماسية الإيرانية كنوع من العقوبة السياسية والاقتصادية نتيجة عدم تعاونها في إطار اتفاق 2015 وتبنيها عقوبات اقتصادية ضدها، واكتفاء إيران بتمرير أجواء التفاوض لهذه الدول عبر أطراف أخرى، أي واشنطن.
ويضع المفاوض الأميركي أمام مهمة قد تكون معقدة في إقناع أو الضغط على دول الـ "ترويكا" بعدم الذهاب إلى مجلس الأمن بعد شهرين لتفعيل آلية الزناد الكفيلة بإحداث انكفاءة إيرانية قد تهدم ما يجري التوصل إليه من تفاهمات.
أما هذه التعقيدات المرتبطة بخطوط التفاوض وكيفية تسويقها بين الأطراف الدولية الأخرى المستفيدة والمتضررة منها فيبدو أن تعقيدات من نوع آخر، ترتبط بالساحة الداخلية لطرفي التفاوض، قد تشكل عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق أو تعرقله، بخاصة داخل الإدارة الأميركية، نتيجة الضغوط التي تمارسها الجماعات التي تلتقي مع رغبات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والتي تدعو إلى التشدد مع إيران وحتى توجيه ضربة عسكرية لها، والتي بدأت تأخذ منحى تصاعدياً خلال الأيام الأخيرة، بخاصة بعد الإقالات التي حصلت لكثير من المستشارين في الـ "بنتاغون"، إذ أكد دان كالدول، وهو أحد كبار مستشاري وزير الدفاع، أن سبب إقالته لا يرتبط بتسريب معلومات وإنما نتيجة معارضته الهجوم على إيران، وإحراج الآراء الراسخة في السياسات الخارجية.
وفي المقابل فإن مركزية القرار في النظام الإيراني والتصدي المباشر للمرشد الأعلى لمسؤولية التفاوض سمح بإسكات الأصوات المعارضة للتفاوض والتي لا ترى أزمة في حصول مواجهة مباشرة مع واشنطن أو إسرائيل، حتى اعتبر أحد أقطاب التيار المتشدد حميد رسائي أن القدر القليل الذي يمارسونه في معارضة التفاوض يصب في إطار تحسين شروط الطرف الإيراني على طاولة التفاوض، أي أن هذا التيار تخلى، وإن في الظاهر، عن تهمة التخوين أو تضييع حقوق طهران عند الحديث عن ضرورة التسوية والمساومة من أجل الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية، تحت سقف الشعار الذي رفعه المرشد الأعلى "الليونة الشجاعة".
وقد تكون الجولة الجديدة في مرحلتيها الفنية والسياسية (الأربعاء والسبت) مصيرية، لأنها سترسم مسار العلاقة بين الطرفين، وقد تساعد النتائج الإيجابية كل منهما في تسويقها داخلياً، في حين أن أي انتكاسة قد تحصل ربما تعيد عقارب الساعة للوراء وتضع المنطقة أمام موجة جديدة من التصعيد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
البعثة الأممية في ليبيا... هل حان الرحيل أم التسلح؟
اتسعت رقعة مطالب المتظاهرين ضد حكومة عبدالحميد الدبيبة (طرابلس) وجميع الأجسام السياسية، لتطاول محيط البعثة الأممية للدعم في ليبيا، حيث طالب المحتجون من أمام مقر البعثة في منطقة جنزور برحيلها هي الأخرى، معللين ذلك بأنها "لم تكُن جزءاً من الحل، بل أصبحت أداة لإطالة الأزمة"، ومؤكدين انتهاجها مقترحات شكلية داخل غرف مغلقة، آخرها أعمال اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وأوضح المحتجون مساء أول أمس الجمعة أن هذه المبادرة جاءت فقط لسحب البساط من تحت أقدام الجهود الوطنية التي تبحث تسمية رئيس حكومة جديدة يقود البلد نحو انتخابات وطنية متزامنة، محملين إياها مسؤولية الأضرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لحقت بالشعب الليبي. تجربة رواندا ولم يصدر أي رد من البعثة الأممية للدعم في ليبيا إلى حد اللحظة على مطالب هذه الوقفة الاحتجاجية والتظاهرات الرافضة لاستمرار عملها في ليبيا. ويرى متخصصون أنه "حان وقت تغيير مهمات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من بعثة للدعم السياسي إلى بعثة أمنية لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، مثلما سبق وحصل في بلدان أفريقية عدة وأخرى في أميركا الوسطى"، فيما قال آخرون إن "هذا المنحى سيواجه عراقيل محلية ودولية، بخاصة في ظل وجود 300 ميليشيا بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية والسياسية". يذكر أن الأمم المتحدة سبق ونجحت في تركيز بعثات أممية كهذه لدعم الاستقرار والأمن في بلدان عدة على غرار ساحل العاج والموزمبيق وأميركا الوسطى ورواندا، حيث ركزت الأمم المتحدة بعثة دعم الاستقرار والأمن في رواندا بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 872 في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993، وكانت مهمتها الرئيسة دعم عملية السلام في رواندا بعد "اتفاق أروشا" عام 1993، إذ بدأت البعثة الأمنية مهمتها في أكتوبر 1993 واستمرت حتى مارس (آذار) عام 1996، وكان هدفها الأساس المساعدة في تنفيذ الاتفاق الذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في رواندا. وشملت مهمة البعثة، المساعدة في عملية السلام بين الحكومة الرواندية والجبهة الوطنية الرواندية ودعم العملية الانتقالية في البلاد وتوفير حماية للمدنيين والمشاركة في جهود إعادة التأهيل والمصالحة وتسهيل عودة اللاجئين والمشردين، وتوفير الاستقرار الأمني في البلاد، بخاصة بعد الإبادة الجماعية وتوفير الدعم الإنساني. بعثة أمنية يقول المستشار السياسي السابق لخليفة حفتر والمحلل السياسي محمد بويصير إنه دعا منذ أعوام، تحديداً عند لقائه المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز، إلى تغيير مهمات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من بعثة للدعم السياسي إلى بعثة لإدارة الأزمة وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، مؤكداً أنه من دون ذلك ستبقى الأمور تدور في حلقة مفرغة. ويطالب بويصير في حديثه إلى "اندبندت عربية" بتحويل بعثة الأمم المتحدة من بعثة دعم استقرار إلى بعثة أمنية لتحقيق استقرار سياسي وأمني في مرحلة أولى، على أن تُزوّد بأنياب ومخالب أمنية، موضحاً أن البعثة الأممية في هذه المرحلة ستكون محتاجة إلى فرقتَي مشاة من دولتين إسلاميتين لا مطامع لهما في ليبيا مثل إندونيسيا والبوسنة والهرسك، إضافة إلى سرب طائرات "أباتشي" من أية دولة باعتبار أنها لن تكون على الأرض. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويشدد على ضرورة اختيار مجموعة من رجال الأمن الليبيين لمرافقة فرقة المشاة الدولية من قوات حفظ السلام، فيكونون هم من يتعاملون مع العامة، موضحاً أن كل سرية من المشاة الدولية سيرافقها في عملها الميداني رجل أمن ليبي يكون مدرباً أساساً من قبل على التعامل مع الشعب، مراعاة للفروق الثقافية بين فرق المشاة الدولية والليبيين. ويقول بويصير إن من المهم للبعثة الأممية الأمنية البدء بنزع السلاح وتقديم مكافآت مالية لمن يسلم سلاحه أو يدل على مكان وجود السلاح كما حدث سابقاً في دولة ليبيرا التي نجحت الأمم المتحدة فيها بتجريد 120 ألف مسلح من سلاحهم من دون معركة واحدة لأن القوة الأمنية المصاحبة للبعثة الأممية كفيلة بإخافة أية قوة محلية خارجة عن القانون. حل الميليشيات الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية بمركز "الجزيرة" محمد تورشين يعتقد بأن تغيير مهمات بعثة الأمم المتحدة من بعثة للدعم إلى بعثة أمنية لإدارة الأزمة لن يكون ناجعاً كما حدث في كثير من الدول الأفريقية على غرار رواندا وحتى في دول أميركا الوسطى، وذلك يعود لعوامل عدة، فمعظم الإشكاليات التي حدثت في دول أفريقية كانت بسبب القبيلة التي تسيطر على النزاعات، باعتبار أن المسائل القبلية يمكن حسمها بالتأثير المباشر في الزعامات القبلية، وكذلك نشر قوات عسكرية مدربة تتفوق على إمكانات القبائل المتقاتلة، غير أن الوضع في ليبيا معقد تتداخل فيه المسألة القبلية، إضافة إلى التقاطعات السياسية والأمنية، باعتبار أن البعد السياسي والبعد الأيديولوجي حاضران بقوة في ليبيا. وينوه تورشين إلى أن انتشار قوات لحفظ الأمن والسلام في كثير من البلدان على غرار الكونغو وجنوب السودان لم يحقق كثيراً من المكاسب، وهذا أيضاً سيكون مصير البعثة الأممية الأمنية في ليبيا لأن نجاحها في مهمتها يعود للبعد الإقليمي والدولي، باعتبار أن وجود تقاطعات دولية من المسائل التي فاقمت الأزمة في ليبيا، فالدول الكبرى التي لديها حق النقض في مجلس الأمن الدولي منقسمة حول حل الأزمة، وهو عامل سيحول دون تغيير مهمات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من بعثة للدعم السياسي إلى بعثة أمنية لإدارة الأزمة وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. ويؤكد تورشين أن الحل الأكثر نجاعة في ليبيا يتمثل في تدخل بعض الأطراف التي لها رغبة في أمن البلاد واستقرارها، من خلال طرح مبادرة للوساطة لحل الأزمة، على أن تتضمن المبادرة خطة لمعالجة الميليشيات لأن الوضع الليبي متأثر جداً بالميليشيات المسلحة. وينصح المتخصص في الشؤون الأفريقية بضرورة حل هذه الميليشيات ودمج العناصر الصالحة منها في مؤسسة شرطية واحدة تدين بالولاء فقط للسلطة التنفيذية التي يجب أن تكون موحدة، على أن يكون الدمج في فترة وجيزة يوضع خلالها تحديد زمني لانتخابات تشريعية، ثم في مرحلة تالية تُجرى انتخابات رئاسية.


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
شركات الطاقة الأميركية تخفض استثماراتها في الاستكشاف والإنتاج
منذ تولي إدارة الرئيس دونالد ترمب السلطة في الولايات المتحدة مطلع هذا العام اتخذت إجراءات عدة لتغيير سياسة التحول في مجال الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء المتجددة، وأصدر ترمب أكثر من قرار منها إلغاء الإعفاءات الضريبية لمشروعات الطاقة النظيفة وإلغاء القيود التي فرضتها الإدارة السابقة للرئيس جو بايدن على تخصيص الأراضي الفيدرالية لاستكشاف وإنتاج النفط، وحظر توسيع خطوط الغاز وتصديره. وأعلن ترمب وفريقه حتى خلال الحملة الانتخابية عام 2024 أن الهدف المرجو لتلك الإدارة هو هيمنة الولايات المتحدة على سوق النفط والغاز العالمية بزيادة الإنتاج، ففي آخر أعوام إدارة بايدن أصبحت أميركا أكبر منتج للنفط في العالم بمستوى إنتاج بلغ العام الماضي أكثر من 13 مليون برميل يومياً في المتوسط، وأصبحت الولايات المتحدة من بين كبار مصدري النفط في العالم، بعدما كانت مستورداً صافياً له من قبل، بمعدل تصدير يزيد على 4 ملايين برميل يومياً. وكثيراً ما كرر ترمب أن إدارته ستزيد إنتاج أميركا النفطي بمقدار 4 ملايين برميل يومياً خلال فترة رئاسته، بينما قدر فريقه الاقتصادي تلك الزيادة بمقدار 3 ملايين برميل يومياً، ذلك خلال وقت يريد فيه ترمب أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل، إلا أن الأمر ليس بيد الإدارة الأميركية تماماً، فقطاع النفط تحكمه شركات كبرى خاصة تضع سياساتها المستقبلية على أساس مصالح مساهميها، وليس بحسب خطط وسياسات الإدارة في واشنطن. الأسعار والاستثمار على عكس الأهداف الرسمية للسياسة النفطية تراجع استثمار شركات الاستكشاف والإنتاج في قطاع النفط داخل الولايات المتحدة العام الماضي بنسبة واحد في المئة، بحسب ما كشفه تقرير مفصل لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني صدر نهاية الأسبوع، وتوقع أن ينخفض استثمار تلك الشركات العام الحالي ما بين خمسة و10 في المئة نتيجة هبوط أسعار النفط. ويُرجع التقرير أسباب انخفاض الاستثمار الرأسمالي لشركات الاستكشاف والإنتاج في قطاع النفط والغاز داخل الولايات المتحدة إلى "الاضطراب الاقتصادي العالمي، وتذبذب أسعار النفط بشدة والالتزام بالانضباط المالي ومكاسب رفع الكفاءة". يقدر تقرير المؤسسة أن إجمال الإنتاج من النفط والغاز للعام الحالي لن يتأثر بتراجع نشاط الشركات سوى بمقدار قليل، بسبب معدلات الإنتاج خلال الربع الأول من العام ومكاسب رفع الكفاءة المستمرة، مضيفاً "لكننا نتوقع تأثيراً واضحاً على معدلات الإنتاج خلال العام المقبل إذا استمر انخفاض معدلات الإنفاق الرأسمالي". وسيكون ذلك أكثر وضوحاً في قطاع النفط أكثر من قطاع الغاز، إذ يقول واضعو التقرير إنهم يعتقدون أن "منتجي النفط الأميركيين سيخفضون الإنفاق (على الاستكشاف والإنتاج) أكثر فأكثر إذا انخفض سعر خام 'وسيط غرب تكساس' (الخام الأميركي الخفيف) إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل". وزادت شركات الطاقة الأميركية الإنفاق الرأسمالي ما بعد أزمة وباء كورونا، وتحديداً خلال عامي 2022 و2023 بصورة واضحة، لكنها بدأت تتراجع عن ذلك العام الماضي لينخفض معدل الإنفاق على توسيع الأنشطة عن مستويات عام 2023. وبحسب التقرير، كان التراجع العام الماضي نتيجة عوامل عدة إضافة إلى وجود فائض سيولة لدى الشركات تمكنها من توزيع الأرباح على مساهميها. وفي ظل متوسط سعر 75 دولاراً للبرميل من الخام الأميركي تستطيع الشركات موازنة الإنفاق الرأسمالي ولو بقدر ضئيل، مع توزيع عائد على أسهمها وتأمين سيولة للطوارئ. استراتيجيات الشركات مع انخفاض أسعار النفط إلى متوسط 60 دولاراً لخام وسيط غرب تكساس هذا العام، خفضت الشركات إنفاقها الرأسمالي على توسيع نشاط الاستكشاف والإنتاج. ويشرح التقرير كيف أن "منتجي النفط الأميركيين لم يخفضوا الإنفاق الرأسمالي لأن مشروعاتهم ليست مجدية اقتصادياً عند سعر 60 دولاراً للبرميل، بل لأنهم يريدون الحفاظ على معدلات الإنفاق أقل من مستويات انسياب العائدات والاستمرار في توزيع العائد على حملة الأسهم وإعادة شراء أسهم الشركات". وبحسب الخطط الاستراتيجية للشركات التي استعرضها تقرير "ستاندرد أند بورز"، تظهر موازنات الشركات خفضاً في الإنفاق الرأسمالي بما يصل إلى ما بين نسبة خمسة وسبعة في المئة، لكن التقرير يتوقع ارتفاع هذه النسب إلى 10 في المئة إذا استمر متوسط سعر الخام الأميركي يدور عند مستوى 60 دولاراً للبرميل، ويمكن أن تخفض الشركات إنفاقها على توسيع النشاط أكثر من ذلك إذا انخفض متوسط السعر عن هذا المعدل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويلاحظ التقرير أن الشركات التي أعلنت، خلال إفصاحها الدوري للربع الأول من هذا العام، خفضاً واضحاً في الإنفاق الرأسمالي هي شركات إنتاج النفط، مع انخفاض أسعاره بنحو 20 في المئة هذا العام. ومن المتوقع الإعلان عن مزيد من خفض الإنفاق الرأسمالي خلال موسم الإفصاح التالي بعد أسابيع، إلا أن التقرير يتوقع استمرار معدلات الإنتاج مستقرة، من دون نقص واضح لتلك الشركات خلال هذا العام على رغم خفض الإنفاق الرأسمالي بنسبة الـ10 في المئة المقدرة. هذا بالنسبة إلى شركات إنتاج النفط، أما شركات إنتاج الغاز الطبيعي فيتوقع أن تزيد من إنفاقها الرأسمالي هذا العام والعام المقبل في ظل توقعات ارتفاع الطلب، وبخاصة على الغاز الطبيعي المسال نتيجة زيادة توليد الطاقة لسد حاجات مراكز تشغيل البيانات وعمليات الذكاء الاصطناعي، طبقاً لتقديرات "غلوبال كوموديتي إنسايتس" وسيزيد الطلب على الغاز الطبيعي المسال بمقدار 6 مليارات قدم مكعبة يومياً خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 إلى مارس (آذار) 2026. وتقدر "غلوبال" تضاعف الطلب خلال عام 2029 ليصل إلى 25.7 مليار قدم مكعبة يومياً، أي بزيادة بنسبة 25 في المئة على الطلب الأميركي حالياً. إنتاج الغاز لذا يقدر التقرير أن تزيد شركات إنتاج الغاز الإنفاق الاستثماري على نشاطات الاستكشاف والإنتاج بنسبة ستة في المئة، بما يعني زيادة الإنتاج بنسبة خمسة في المئة، ويتوقع أن تشهد أسعار الغاز الطبيعي المسال ارتفاعاً خلال نهاية هذا العام وبداية العام المقبل. وعلى عكس التقديرات والتوقعات للولايات المتحدة، يرى تقرير "ستاندرد أند بورز" أن الإنفاق الاستثماري على مشروعات الاستكشاف والإنتاج في كندا سيرتفع بالنسبة إلى شركات النفط ويتراجع بالنسبة إلى شركات الغاز الطبيعي، إذ تواصل شركات النفط الكندية زيادة الإنفاق الرأسمالي منذ عام 2020 ويتوقع أن يستمر هذا التوجه للعام الحالي. وتستفيد الشركات من تقليص فارق السعر للخام الكندي عن الخامات القياسية بما يزيد العائدات والأرباح. أما بالنسبة إلى الغاز الطبيعي، تظل الأسعار ضعيفة، وبخاصة في حوض شركة "ألبرتا إنرجي"، لذا يتوقع أن يركز المنتجون أكثر على المكثفات السائلة. وعلى رغم بدء تشغيل المرحلة الأولى من مشروع الغاز الطبيعي المسال الكندي هذا الصيف، فإن التقرير لا يتوقع زيادة كبيرة في الطلب. ويخلص التقرير إلى أن شركات النفط والغاز في كندا ستزيد إنفاقها الرأسمالي بصورة مجمعة هذا العام بنسبة ثلاثة في المئة، ويعد ذلك تراجعاً واضحاً عن الزيادة خلال العام الماضي التي بلغت تسعة في المئة، وتترجم هذه الزيادة في الإنفاق إلى زيادة في إنتاج النفط والغاز الطبيعي بنسبة خمسة في المئة تقريباً.


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
علاقات هارفرد القوية بالصين تتحول إلى عائق أمام الجامعة
أصبحت علاقات جامعة هارفرد الأميركية بالصين، التي كانت دائماً مصدر دعم للجامعة، عائقاً أمامها مع اتهام إدارة الرئيس دونالد ترمب للمؤسسة التعليمية بأنها تخضع لعمليات تأثير مدعومة من بكين. وتحركت الإدارة الأميركية، الخميس الماضي، لوقف قدرة جامعة هارفرد على تسجيل الطلاب الأجانب، قائلة إنها تعزز معاداة السامية وتنسق مع الحزب الشيوعي الصيني. وقالت الجامعة، إن الصينيين شكلوا نحو خمس عدد الطلاب الأجانب الذين التحقوا بهارفرد في عام 2024. وأوقف قاضٍ أميركي، أول أمس الجمعة، قرار إدارة ترمب موقتاً بعد أن رفعت الجامعة الواقعة في كامبريدج بولاية ماساتشوستس دعوى قضائية. والمخاوف بشأن نفوذ الحكومة الصينية في جامعة هارفرد ليست جديدة، إذ عبر بعض المشرعين الأميركيين، وكثير منهم جمهوريون، عن مخاوفهم من أن الصين تتلاعب بجامعة هارفرد للوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة والتحايل على القوانين الأمنية الأميركية وخنق الانتقادات الموجهة إليها في الولايات المتحدة. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ"رويترز"، أول من أمس الجمعة، "سمحت هارفرد لفترة طويلة جداً للحزب الشيوعي الصيني باستغلالها"، مضيفاً أن الجامعة "غضت الطرف عن المضايقات التي قادها الحزب الشيوعي الصيني داخل الحرم الجامعي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولم ترد هارفرد بعد على طلبات للتعليق. وقالت الجامعة، إن الوقف كان عقاباً على "وجهة نظر هارفرد" التي وصفتها بأنها انتهاك للحق في حرية التعبير كما يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي. وعلاقات هارفرد بالصين، التي تشمل شراكات بحثية ومراكز أكاديمية تركز على الصين، هي علاقات طويلة الأمد. وأثمرت هذه الروابط عن مساعدات مالية كبيرة ونفوذ في الشؤون الدولية ومكانة عالمية للجامعة. ووصف رئيس جامعة هارفرد السابق لاري سامرز الذي انتقد الجامعة في بعض الأحيان، خطوة إدارة ترمب بمنع الطلاب الأجانب بأنها أخطر هجوم على الجامعة حتى الآن. وقال في مقابلة مع "بوليتيكو"، "من الصعب تخيل هدية استراتيجية أكبر للصين من أن تضحي الولايات المتحدة بدورها كمنارة للعالم".