logo
حرب نفسية ومعركة على التوقيت إيران ترفض دعوة ترمب للاستسلام

حرب نفسية ومعركة على التوقيت إيران ترفض دعوة ترمب للاستسلام

شبكة عيونمنذ 5 ساعات

يتكشّف الصراع بين إسرائيل وإيران كحرب تتجاوز الساحة العسكرية، إلى اختبار إرادات، ورسائل متبادلة بوسائل غير تقليدية. وبينما تحاول إسرائيل فرض واقع نووي جديد عبر القوة، تُصرّ إيران على تثبيت نفوذها وتحدي «خطوط ترمب الحمراء».
لكن المجهول يبقى في مدى جاهزية إيران للرد على تدخل أمريكي مباشر، وما إذا كان التصعيد الحالي مجرد «جولة عقابية»، أم مقدمة لتحوّل إستراتيجي شامل في المنطقة.
ففي موقف تصعيدي جديد، رفض المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لـ«الاستسلام غير المشروط»، محذرًا من أن أي تدخل عسكري أمريكي في الحرب الدائرة حاليًا «سيؤدي إلى ضرر لا يمكن إصلاحه».
لغة تهديد أم رسائل إستراتيجية
ظهر خامنئي ، ليؤكد أن «إيران لا تقبل لغة التهديد، ولن تخضع لمطالب الاستسلام». وفي توقيت لافت، سبق نشر كلمته بيان رسمي يُمهّد لها،
وهذا الظهور هو الثاني فقط منذ بدء الضربات الإسرائيلية قبل 6 أيام، حيث جاءت الكلمة بعد ساعات من منشور مثير لترمب هدّد فيه خامنئي، دون أن يصرّح بنيّة قتله، «على الأقل ليس في الوقت الحالي».
لا تراجع
ورغم حجم الضربات، أكدت إيران أنها ستواصل تخصيب اليورانيوم «بقدر الحاجة للأغراض السلمية»، رافضة ضمنًا شروط واشنطن بوقف برنامجها النووي. وفي تصريح حاد، قال السفير الإيراني في جنيف علي بحريني: «علماؤنا سيواصلون عملهم». ويبدو أن طهران تستخدم التصعيد كمظلة لحماية وتبرير استمرار مشروعها النووي.
وتخصب إيران حاليًا اليورانيوم بنسبة 60 %، وهي نسبة تقترب كثيرًا من الحد المستخدم لصناعة السلاح النووي (90 %). ورغم ذلك، تقول الاستخبارات الأمريكية إنها لا تملك أدلة على سعي إيران حاليًا لامتلاك قنبلة نووية.
من الترقب إلى التلويح
وبعد تردد أولي، أظهرت الولايات المتحدة إشارات واضحة لتصعيد دورها في النزاع. فقد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وتحدّث ترمب صراحة عن رغبته في «شيء أكبر بكثير من مجرد وقف إطلاق النار»، ما يؤكد أن سقف التدخل الأمريكي قد يرتفع في حال استمرت الضربات.
وبالتوازي، حذرت وزارة الخارجية الإيرانية من أن أي تدخل أمريكي قد يؤدي إلى «حرب شاملة»، بينما تشير التقديرات إلى أن آلاف الجنود الأمريكيين متمركزون في قواعد قريبة، ما يجعلهم في مرمى الرد الإيراني المحتمل.
إسرائيل توسع أهدافها
أعلنت إسرائيل أنها استهدفت مقرًا لجهاز الأمن الداخلي الإيراني، وهو تطور يعكس توسيع بنك الأهداف نحو البنية القمعية داخل إيران، وليس فقط المنظومة العسكرية والنووية.
والضربات الإسرائيلية شملت أيضًا منشآت تصنيع أجهزة الطرد المركزي ومكونات الصواريخ، ما أسفر عن مقتل كبار الضباط والعلماء النوويين، بحسب منظمة حقوقية مقرها واشنطن. وتشير الأرقام إلى مقتل ما لا يقل عن 585 شخصًا، بينهم 239 مدنيًا، وإصابة أكثر من 1300 آخرين.
400 صاروخ
ردّت إيران بإطلاق أكثر من 400 صاروخ ومئات الطائرات المسيّرة، مما أسفر عن مقتل 24 شخصًا في إسرائيل، وجرح المئات. ومع ذلك، تراجع حجم الردود تدريجيًا خلال الأيام الأخيرة، من دون توضيح رسمي، في حين تشير التقديرات إلى أن إسرائيل دمّرت العديد من منصات الإطلاق والبنى التحتية المرتبطة بالصواريخ الإيرانية.
شلل اقتصادي
في طهران، أغلقت المتاجر أبوابها، بينما اصطفت السيارات في طوابير البنزين. كما سُمع دوي انفجارات عنيفة .
Page 2
الجمعة 13 يونيو 2025 04:53 صباحاً
Page 3

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«إسرائيل» قصفت موقعين إيرانيين لتصنيع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي
«إسرائيل» قصفت موقعين إيرانيين لتصنيع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي

سعورس

timeمنذ 43 دقائق

  • سعورس

«إسرائيل» قصفت موقعين إيرانيين لتصنيع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي

وحددت الوكالة المنشأتين على أنهما ورشة تيسا كرج ومركز أبحاث طهران ، مضيفة أن الاثنتين كانتا تحت مراقبة الوكالة. وكانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق الأربعاء أن أكثر من 50 طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو نفذت سلسلة من الضربات على أهداف عسكرية في منطقة طهران في الساعات الأخيرة. جاء ذلك في بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي أضاف أن موقعاً لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في طهران تعرض لهجوم، والذي كان يهدف إلى السماح للنظام الإيراني بتوسيع نطاق ووتيرة تخصيب اليورانيوم، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأربعاء. وخلال موجة الهجمات، تم استهداف العديد من مواقع لتصنيع أسلحة. ومن بين مصانع تصنيع الأسلحة التي تعرضت لهجوم، موقع لإنتاج المواد الخام ومكونات تجميع صواريخ أرض-أرض، التي أطلقها النظام الإيراني ولا يزال يطلقها على إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تم استهداف مواقع تصنيع أنظمة ومكونات صواريخ أرض-جو المصممة لضرب طائرات. ولم يقدم الجيش الإسرائيلي تفاصيل فورية بشأن حجم الأضرار في منطقة طهران. وتتواصل الهجمات الأربعاء، بينما ينتظر العالم قراراً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى الضربات الإسرائيلية على إيران أم لا.

ترمب لم يتخذ قرارا بالمشاركة في ضرب إيران... وخامنئي: لن نستسلم أبدا
ترمب لم يتخذ قرارا بالمشاركة في ضرب إيران... وخامنئي: لن نستسلم أبدا

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

ترمب لم يتخذ قرارا بالمشاركة في ضرب إيران... وخامنئي: لن نستسلم أبدا

أكد المرشد الإيراني علي خامنئي أمس الأربعاء أن طهران لن "تستسلم أبداً"، فيما تواصل إسرائيل حملتها على مواقع عسكرية ونووية في بلاده التي ردت بصواريخ فرط صوتية. في اليوم السادس للحرب، حذر خامنئي الذي يتولى السلطة في إيران منذ العام 1989 الولايات المتحدة من "أضرار لا يمكن إصلاحها" إذا تدخلت في النزاع. وجاء موقف خامنئي رداً على تهديدات للرئيس الأميركي دونالد ترمب دعا فيها إيران الثلاثاء إلى "الاستسلام غير المشروط"، مؤكداً أن الولايات المتحدة قادرة على قتل المرشد الأعلى. ولدى سؤاله عما إذا قرر توجيه ضربات أميركية إلى إيران، قال ترمب الأربعاء "قد أفعل ذلك وقد لا أفعل، لا أحد يعلم ما سأقوم به". ولاحقاً قال إنه لم يتخذ بعد قراراً في شأن المشاركة في الضربات على إيران، لافتاً إلى أن سقوط النظام الحالي في طهران "قد يحصل". في الأثناء، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أي "تدخل عسكري إضافي" في النزاع بين إيران وإسرائيل، لأن "تداعياته ستكون هائلة" على المنطقة برمتها. ويعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعاً جديداً صباح غد الجمعة حول التصعيد في النزاع بين إسرائيل وإيران، بطلب من إيران أيدته روسيا والصين وباكستان، وفق ما أفاد مصدر دبلوماسي وكالة الصحافة الفرنسية. والأربعاء، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه "يمكن إيجاد حل" مناسب لإسرائيل وإيران، معتبراً أن الضربات الإسرائيلية تعزز التأييد الشعبي للنظام في الجمهورية الإسلامية. في طهران سمع الأربعاء دوي انفجارات قوية وشوهدت أعمدة دخان تتصاعد من مواقع عدة. وتعرضت مبان تجاور المقر العام للشرطة في طهران لغارة إسرائيلية، ما أسفر عن إصابة عدد من عناصر الشرطة، وفق ما أوردت وكالة "إرنا" الرسمية. وأعلن الجيش الإسرائيلي شن ضربات على "أهداف عسكرية" في طهران وفي غرب إيران. من جهته أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن سلاح الجو دمر "المقر العام للأمن الداخلي" الإيراني الذي وصفه بأنه "الذراع الرئيسة للقمع لدى الديكتاتور الإيراني"، متوعداً بـ"ضرب رموز الحكم وضرب نظام آية الله في كل مكان". وأعلن الهلال الأحمر الإيراني أن هجوماً إسرائيلياً وقع قرب مبناه في طهران. من جهتها، أعلنت طهران إطلاق صواريخ فرط صوتية على إسرائيل من نوع فتاح، على غرار ما فعلت ليل الثلاثاء. ومنذ بدء عملية "الأسد الصاعد"، أطلقت إيران "نحو 400 صاروخ باليستي" على إسرائيل، أصاب 20 منها مناطق مدنية، وألف مسيرة، وفق أرقام أعلنها مسؤول عسكري مساء الأربعاء. قالت وسائل إعلام إيرانية الأربعاء إن إسرائيل قرصنت بث التلفزيون الرسمي لفترة وجيزة عرضت خلالها مشاهد لاحتجاجات قادتها نساء ودعت السكان للخروج إلى الشوارع. ونبه التلفزيون الرسمي المشاهدين إلى أن هذا الأمر "نجم عن هجمات سيبرانية شنها العدو الصهيوني تعطل البث عبر الأقمار الاصطناعية". وشددت السلطات الإيرانية القيود المفروضة على الإنترنت، متهمة إسرائيل بـ"استغلال" الشبكة لأغراض عسكرية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وشنت إسرائيل هجوماً غير مسبوق على عدوتها إيران في 13 يونيو (حزيران)، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تفيد بأن البرنامج النووي الإيراني شارف "نقطة اللاعودة". واستهدف الهجوم مئات المواقع العسكرية والنووية، وأدى إلى مقتل مسؤولين عسكريين كبار وعلماء نوويين. وأعلنت إيران التي تنفي سعيها إلى امتلاك قنبلة نووية، اعتزامها الرد على "الحرب" التي شنتها إسرائيل واتهمتها بالسعي إلى عرقلة المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن. وقال خامنئي الأربعاء في خطاب عبر التلفزيون الرسمي إن "الأمة الإيرانية ستصمد في وجه حرب مفروضة، مثلما ستقف بقوة في وجه سلام مفروض"، مضيفاً أن "هذه الأمة لن تخضع لأي إملاءات من أي جهة كانت". ووصف خامنئي دعوة الرئيس الأميركي لإيران إلى "الاستسلام غير المشروط"، بأنها "غير مقبولة". وأضاف "على الأميركيين أن يعلموا أن أي تدخل عسكري من جانبهم سيسبب بالتأكيد أضراراً لا يمكن إصلاحها". واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية الأربعاء سفيرة سويسرا الراعية للمصالح الأميركية في إيران، على خلفية تصريحات ترمب، كما استدعت السفير الألماني في طهران بعدما أدلى المستشار الألماني فريديريش ميرتس بتصريحات تؤيد هجوم إسرائيل على الجمهورية الإسلامية. وعقب الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ الجمعة، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعزز "وضعيتها الدفاعية" في الشرق الأوسط وأرسلت حاملة الطائرات نيميتز إلى المنطقة. والأربعاء، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترمب على "دعمه في الدفاع عن أجواء إسرائيل". ومنذ بداية المواجهة غير المسبوقة بين البلدين العدوين، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصاً في الأقل وإصابة أكثر من ألف آخرين في إيران، وفقاً لحصيلة رسمية. وفي إسرائيل، أسفرت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية عن مقتل 24 شخصاً في الأقل، بحسب الحكومة. في تل أبيب (وسط)، أمضى العديد من الإسرائيليين الليل يهرعون إلى ملاجئ مع كل إنذار من إطلاق صواريخ إيرانية. في طهران أغلقت محال كثيرة أبوابها منذ بدء الجرب وتشكلت طوابير طويلة أمام محطات توزيع الوقود. على مسافة عشرات الأمتار من معبر باشماخ في الجانب العراقي، تقف على جانب الطريق عشرات شاحنات نقل البضائع الثقيلة التي تحمل لوحات إيرانية، محملة بمعظمها بالأسفلت، في انتظار دخول إيران. ويستعد فتاح (40 سنة) للسفر مسافة أكثر من 1700 كيلومتر إلى مدينة بندر عباس في أقصى جنوب إيران لتسليم شحنة من الأسفلت، ثم العودة إلى قضاء ميروان في محافظة كردستان (غرب) للقاء عائلته. ويقول بصوت مرتجف "يمر طريقنا بالقرب من منشأة نطنز النووية". ويشير الرجل الذي ارتدى سروالاً فضفاضاً وزياً كردياً تقليدياً، إلى أن "هناك مشكلة في تعبئة الديزل والوقود حالياً"، موضحاً "في السابق كان يمكن التعبئة في أي وقت، لكن الآن هناك ازدحام شديد على محطات الوقود وارتفاع بالأسعار". قبيل فجر الأربعاء، استهدفت "أكثر من 50 من طائرة" حربية إسرائيلية "موقعاً لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في طهران"، و"مواقع لتصنيع الأسلحة بينها مرافق لإنتاج المواد الخام والمكونات المستخدمة في تجميع صواريخ أرض-أرض"، وفق الجيش الإسرائيلي. وتستخدم أجهزة الطرد المركزي لتخصيب المواد النووية إلى مستويات قريبة من العتبة العسكرية. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرض مبنى في مركز طهران للأبحاث الذي ينتج أيضاً قطع غيار لهذه الأجهزة، لقصف إسرائيلي. وأعلن الجيش الإسرائيلي الأربعاء أن إحدى طائراته المسيرة أسقطت بعد استهدافها بصاروخ أرض جو داخل الأراضي الإيرانية في أول واقعة من هذا النوع منذ بداية التصعيد. وتشتبه الدول الغربية بأن إيران تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية. وتنفي طهران ذلك وتدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. وتتمسك إسرائيل بالغموض في شأن امتلاكها السلاح النووي، إلا أن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يقول إنها تملك 90 رأسا نووية. وإذا قرر دونالد ترمب إشراك بلاده في الصراع، فإن القنبلة الأميركية الخارقة للتحصينات "جي بي يو-57"، الوحيدة القادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية الموجودة في عمق الأرض، قد تشكل سلاحاً استراتيجياً أساسياً لذلك.

حظ المفاوض يأخذ من بأس المقاتل
حظ المفاوض يأخذ من بأس المقاتل

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

حظ المفاوض يأخذ من بأس المقاتل

كانت الحياة السياسية المصرية قد عرفت شعاراً مثيراً للجدل في النصف الأول من القرن العشرين، وكان الشعار من خمس كلمات تقول: «لا مفاوضات إلا بعد الجلاء». وكان القصد من جانب الأحزاب السياسية التي رفعت الشعار -وعلى رأسها «الحزب الوطني» القديم- أنه لا مفاوضات مع الإنجليز إلا بعد الجلاء عن البلاد. والذين طالعوا تاريخ تلك الفترة يذكرون أن الشعار كان محل سخرية بين قوى سياسية مختلفة وقتها، وكان السبب في نظر القوى السياسية الساخرة أنه شعار يناقض نفسه بنفسه؛ لأن الجلاء إذا تم فلا مجال للتفاوض، أو بمعنى أدق: لن يكون هناك ما يمكن التفاوض عليه. ولم يكن الاعتراض على الشعار يخلو من منطق؛ لأن النضال السياسي ضد الإنجليز كان من أجل أن يخرجوا في الأساس. فإذا خرجوا، فما هو الشيء الذي يمكن أن يكون موضع تفاوض معهم، إذا كانوا قد غادروا وانتهى الأمر؟ شيء من هذا المعنى تجده في جلسات التفاوض الخمس التي جرت بين الأميركيين والإيرانيين في العاصمة الإيطالية روما مرة، وفي العاصمة العُمانية مسقط مرات. كان الطرفان على موعد مع جلسة سادسة في مسقط يوم 15 من الشهر الحالي، لولا أن الهجوم الإسرائيلي على إيران سبقها بيومين، فأُلغيت وكان لا بد من أن تُلغى. الغريب أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قالت بعد انطلاق الهجوم الإسرائيلي، إن الجلسة السادسة لا تزال في موعدها ومكانها، وكان هذا نوعاً من المثالية السياسية التي لا يمكن أن يكون لها مكان بينما صوت رصاص الهجمات يعلو على ما سواه. وعندما خرج بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العماني، يعلن إلغاء الجلسة، فإن ما أعلنه كان هو الشيء الطبيعي. وحين سألوا الإيرانيين عما إذا كانت هناك فرصة لانعقاد تلك الجلسة الموءودة، فإنهم ردوا وقالوا إنها صارت بلا معنى في ظل الهجوم الحاصل، وكان هذا أيضاً مما يُعبِّر عن واقع حال لا يمكن أن يتسع لطاولة تمتد بين الفريقين، بينما قعقعة السلاح تصل أصداؤها إلى آذان المتحلقين حول الطاولة. هذا بالطبع لو كان الإيرانيون قد قبلوا بالجلوس في جلسة أطاح بها الإسرائيليون منذ اللحظة الأولى للهجوم. ولا بد من أن الذين تابعوا الجلسات الخمس قد لاحظوا أن إيران استدعت معنى الشعار المصري، واتخذته لافتة راحت ترفعها كلما أقدمت على جلسة حاضرة، أو كانت ذاهبة إلى جلسة مقبلة، ففي الحالتين كان عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، يقول إن بلاده لن تفاوض حول التخصيب، وإن تخصيب اليورانيوم موضوع خارج التفاوض. وكان المتابعون يراقبون من بعيد ما يجري بين الطرفين، بينما الحيرة ومعها الدهشة لسان حال كل متابع. وكان السبب كالتالي: إذا كان هذا هو ما يذهب به الإيرانيون إلى كل جلسة، فما هو بالضبط الشيء الذي يجلس الطرفان ليتفاوضا حوله، أو ليتفقا على استئناف الحديث فيه إذا ذهبا إلى جلسة مقبلة؟ لم يكن المفاوض الإيراني يتحدث عن وجود فجوة مثلاً في التفاوض على هذا الملف بالذات، ولو تكلم عن فجوة لكان من الممكن تضييقها، ولكنه كان يستبعد الملف أصلاً، وكأنه كان يطرح أي موضوع للتفاوض إلا هذا الموضوع! فهل كان من الوارد أن يتواصل التفاوض إلى جلسة سادسة أو حتى عاشرة، إذا كان الطرف الإيراني يحضر وهو يرفع شعاراً يشبه ذلك الشعار المصري القديم؟ لقد بدا للذين تابعوا التفاصيل أن الفريقين يتكلمان لغتين مختلفتين، وأن كل فريق منهما لا يفهم لغة الطرف الآخر، وأن المضي إلى عقد جلسات أخرى هو نوع من استهلاك الوقت، وأن الجلسات إما أن تحدد موضوعها وتتفق عليه وإما أن تتوقف. وهذا ما جرى تماماً، لولا أن توقفها لم يكن من أجل الاتفاق على الموضوع، وإنما كان لأن الطرف الإسرائيلي الذي كان حاضراً بشكل غير مباشر من خلال الأميركيين، قد رأى أن إيران لا تفعل شيئاً في كل جلسة جديدة، سوى أنها تشتري الوقت. وحين جرى طرح العودة للتفاوض بعد انطلاق الهجوم الإسرائيلي، ثم الهجوم الإيراني المضاد، فإن طهران لم تمانع من حيث المبدأ، ولكنها أضافت أنها لا ترى ذلك ممكناً في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية. والمعنى أن الجلسة السادسة ستنعقد إذا توقفت الهجمات، ولكن السؤال لم يعد حول انعقادها أو عدمه، وإنما حول العقيدة النووية الإيرانية التي ستكون حاضرة وقتها على الطاولة. هل هي نفسها العقيدة القديمة قبل وقوع الهجوم؟ أم أن تكتيكاً من نوع ما قد طرأ على الموقف الإيراني الذي ساد طوال الجلسات الخمس ولم يتزحزح بوصة واحدة؟ هذا ما سوف يتبين إذا وضعت الحرب أوزارها، واتسع المجال للعودة إلى الطاولة، وعندئذٍ ستكون المساحة المتاحة أمام المفاوض الإيراني، على قدر ما أنجز المقاتل الإيراني في الميدان، فهكذا جرى أمر القتال والتفاوض على التوالي في كل زمان ومكان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store