
السعوديون ينعون القاسم والبريطانيون ينعون سمعة وطنهم
لقد تعرّض القاسم لاعتداء بالسكين من دون أي مبرّر بالقرب من "ميل بارك"، على بعد خطواتٍ فقط من مكان إقامته. وقد وجِّهت إلى المعتدي تشاز كوريجان البالغ من العمر 21 عامًا تهمة القتل وحيازة سكين، كما ألقي القبض على رجلٍ ثانٍ لمساعدته الجاني، فيما لا يزال المشتبه به الثالث طليقًا. ورغم أن الدوافع لا تزال غير واضحة، فلا يمكن إنكار وحشية الجريمة.
لم يكن القاسم مجرد طالب أجنبي آخر، ولا ينبغي أن يكون مجرد قصة عابرة أو رقم. فقد كان شابًا طموحًا وذكيًا مفعمًا بالأحلام والإيجابية والحب. التحق ببرنامج خاص لتعليم اللغة الإنغليزية لمدة عشرة أسابيع في معهد "إي إف إنترناشونال" بعد أن جاء إلى المملكة المتحدة لتحسين مهاراته اللغوية ساعيًا لبناء مستقبل أفضل. بعد وفاته المفجعة، اكتشفنا أنه كان أيضًا متطوعًا في خدمة الحجاج خلال موسم الحج. ولم يقتصر وصفه باللطيف والكريم والواعد على عائلته فحسب، بل شاركتها الجهات الرسمية السعودية هذا الوصف أيضًا.
قبل أكثر من عشرين عامًا، كنت أنا أيضًا قد حزمت أمتعتي وتركت عائلتي وتوجهت إلى المملكة المتحدة للعمل والدراسة. أتذكر كيف كان عليّ تحقيق التوازن بين الإثارة والطموح والأمل الذي حملته هذه الفرصة وبين الحزن الذي شعرت به لدى مغادرة منزلي ونظرة القلق الخفية في عيون والديّ وهما يودّعاني.
لكن في عام 2004، كانت لندن وكامبريدج مدينتَين مختلفتين عمّا هما عليه اليوم من حيث مستوى الأمان — فحتّى بصفتي عربياً/مسلماً مقيمًا في المملكة المتحدة بعد الهجمات الوحشية التي وقعت في 7 تموز/يوليو 2005، يمكنني القول بكل أمان إنني لم أشعر قط بعدم الأمان في بريطانيا العظمى.
اليوم، أرتجف عند التفكير في ما تشعر به والدة المرحوم القاسم، إذ أن ابنها لم يمت في ساحة حرب بل فارق الحياة في مدينة أكاديمية جميلة كانت تُعتبر في السابق موطنًا ثانيًا للعديد من الطلاب السعوديين… كم كانت فخورة حتما عندما أخبرت أصدقاءها أن ابنها سافر للدراسة في "كامبريدج"، وكم كان وقع الخبر مرعبا عليها عندما علمت بمقتل ابنها من دون سبب واضح.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، انتشر هذا الأسبوع مقطع فيديو جديد يُظهر السائح السعودي سعود السبيعي وهو يطرح لصًّا أرضًا أثناء محاولته سرقة هاتفه في أحد شوارع لندن. لم ينتشر الفيديو بسبب طابعه الدرامي فحسب، بل لأنه سلّط الضوء على واقع مقلق: سرقة الهواتف أصبحت ظاهرة متفشية في العاصمة البريطانية. فكل ست دقائق يُسرق هاتف، وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 78 ألف حالة سرقة خلال العام الماضي، بزيادة بلغت 150%.
لذا، عندما وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا انتقادات لعمدة لندن صادق خان، متهمًا إياه بالتقصير، لم يكن ذلك من فراغ. فمن يشهد عهده ارتفاعًا بنسبة 86% في جرائم الطعن، ويسمح بتفشّي البلطجة، لا يمكن اعتباره حليفًا لرئيس الوزراء، ولا نصيرًا لسكان لندن، ولا مضيفًا جديرًا بالثقة لزوار بريطانيا من مختلف أنحاء العالم.
رجاءً، كفّوا عن التذرّع بـ"قلة الموارد". إذا كانت شرطة العاصمة قادرة على إرسال 11 ضابطًا لاعتقال الناشط السلمي مونتغمري تومز في 5 تموز/يوليو لمجرد حمله لافتة تعترض على مسيرة للمتحولين جنسيًا، فمن المؤكد أن الشرطة تملك القدرة على تخصيص عددٍ من الضباط لتسيير دوريات في الأماكن الشعبية وحماية المدنيين الأبرياء.
توجد سوابق ناجحة في مكافحة الجريمة في المدن الكبرى. فقد شهدت نيويورك في عهد رودي جولياني خلال التسعينيات تراجعًا بنسبة 66% في جرائم القتل و67% في السرقات، بفضل اعتماد نظام "كومبستات" واتباع سياسة عدم التسامح مطلقًا. لم يكن النموذج مثاليًا، لكنه أثبت فعاليته. ما تحتاجه لندن اليوم ليس مزيدًا من الأعذار، بل شخصية حازمة تقود التغيير، أي الـ"جولياني" الخاص بها.
وبالعودة إلى كامبريدج، أفاد شهود عيان لقناة "الإخبارية" بأنّ سيارة الإسعاف استغرقت أكثر من 30 دقيقة للوصول. هذا التأخير، إن صحّ، يثير تساؤلات بالغة الخطورة: هل لم تُصنّف حالة القاسم على أنها طارئة بما يكفي للاستجابة خلال سبع دقائق، وهو الوقت المتعارف عليه عالميا؟ أم أنّ التأخير ناتج عن تباطؤ في القيادة؟ في جميع الأحوال، إنّ هذا التأخير، إذا تأكدت صحته، أمر غير مقبول ويستوجب فتح تحقيق فوري، فالأمر لا يتعلق بسرقة محفظة، بل بهجوم قاتل بسكين.
إذًا، ما الخطوات التي ستُتخذ لحماية الطلاب، والسياح، وكل من لا يزال يؤمن بصورة المملكة المتحدة المميزة؟ هذه ليست مجرد تساؤلات بلاغية، بل مطالب ملحّة تستوجب إجابات.
في هذه الأثناء، تعلن صحيفة "عرب نيوز" عن دعمها الكامل للصندوق الخيري الذي أطلقته عائلة القاسم تخليدًا لذكراه، بهدف توزيع المياه على المحتاجين في مختلف أنحاء المملكة. هذا العمل الإنساني يخلّد اسمه، عبر إرواء عطش من هم في أمسّ الحاجة. يمكن للراغبين في المساهمة، سواء من المملكة المتحدة أو المملكة العربية السعودية، التبرع عبر البوابة الحكومية الموثوقة التالية: (https://ehsan.sa/donationcampaign/details/1828254).
لا ينبغي أن يمرّ موت القاسم هباءً، بل يجب أن يكون جرس إنذار يدق في وجدان الجميع، ليس في المملكة المتحدة وحدها، بل لدى كل من يؤمن بقدسية الحياة.
- فيصل ج. عباس هو رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز.
X: @FaisalJAbbas

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 10 دقائق
- صدى البلد
محافظ القليوبية يتابع جهود السيطرة على حريق بمطعم في شبرا الخيمة
تابع المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية حريق بمطعم شهير بمنطقة شرق ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة. وفور تلقي غرفة عمليات محافظة القليوبية بلاغًا باندلاع حريق بمحل مأكولات بميدان المؤسسة بالرصيف المقابل لمحطة مترو الأنفاق، بحي غرب شبرا الخيمة، وجّه المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، بسرعة انتقال قوات الحماية المدنية للسيطرة على الموقف. وانتقل على الفور اللواء أشرف جاب الله، مساعد وزير الداخلية مدير أمن القليوبية، والدكتور إيهاب سراج الدين، السكرتير العام للمحافظة، واللواء طارق ماهر، السكرتير العام المساعد، والمحاسب خالد العرفي، رئيس حي غرب شبرا الخيمة، لمتابعة أعمال الإطفاء. وتم الدفع بسيارات إطفاء وعدد من سيارات الإسعاف إلى موقع الحادث، حيث تمكنت القوات من السيطرة على النيران ومنع امتدادها، وجارى تنفيذ أعمال التبريد لمنع تجدد الحريق. وأسفر الحادث عن إصابة شخص بحروق، وآخر باختناق، وثالث بكسور متفرقة، وتم نقل جميع المصابين إلى مستشفى ناصر العام لتلقي العلاج اللازم.


صدى البلد
منذ 10 دقائق
- صدى البلد
تسرب إشعاعي يُهدّد الغواصات النووية البريطانية .. تفاصيل
عرضت فضائية القاهرة الإخبارية خبرًا، حيث أوضحت صحيفة 'ذا جارديان'، أن هناك تقارير بريطانية كشفت عن أن مياه مشعة من قاعدة "كولبورت" بأسكتلندا التي تحتوي على القنابل النووية 'سُمح لها بالتسرب إلى البحر بعد انفجار الأنابيب القديمة'. ولفتت إلى أن المواد المشعة انتشرت خارج القاعدة؛ لأن البحرية الملكية 'فشلت في صيانة شبكة مكونة من 1500 أنبوب مياه في القاعدة بشكل صحيح'. ويُعد مستودع الأسلحة في "كولبورت" على بحيرة "لونج" أحد أكثر المواقع العسكرية أمانًا وسرية في المملكة المتحدة.


صدى البلد
منذ 10 دقائق
- صدى البلد
القبض على التيك توكر داني تاتو في مصر الجديدة
نجحت الأجهزة الأمنية بالقاهرة، من إلقاء القبض على داني تاتو رسام السيدات والرجال في مصر الجديدة بتهمة التحريض على الفسق والفجور. البداية بورود عدة بلاغات ضد التيك توكر داني تاتو رسام السيدات في مصر الجديدة، تفيد قيام المتهم بنشر الفسق والفجور بقصد هدم القيم الدينية والمجتمعية. وتحرر محضر بالواقعة وأخطرت جهات التحقيق لمباشرة اعمالها.