logo
من الجنوب إلى الضاحية: يوميات النازحين مريرة في رمضان

من الجنوب إلى الضاحية: يوميات النازحين مريرة في رمضان

Independent عربية٢٢-٠٣-٢٠٢٥

تحت ذكريات القصف والموت ووطأة النزوح، حلّ رمضان هذا العام ثقيلاً على آلاف العائلات اللبنانية التي وجدت نفسها فجأة بلا مأوى، تائهة بين الجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، تبحث عن سقف يحميها ووجبة تسد رمقها، ولم يعد الشهر الفضيل كما عرفوه من قبل، فالبيوت التي كانت تضج بالحياة تحولت إلى أنقاض، والأسواق التي كانت تزدحم بالمارة باتت مدن أشباح، بينما تحولت موائد الإفطار إلى مجرد محاولات لتأمين قوت اليوم.
وأمام هذا المشهد القاسي لم يعد التحدي في الصيام ذاته، بل في القدرة على الاستمرار وسط معاناة تتفاقم كل يوم، فكيف يصوم من فقد منزله ورزقه؟ وكيف يحافظ النازحون على طقوس رمضان في ظل الغلاء والفقر وانقطاع الموارد؟ وهل تكفي المساعدات لتخفيف وطأة الحرمان؟ فبين محاولات التأقلم وانتظار العون يعيش المهجرون رمضاناً مختلفاً، حيث بات الصيام معركة للبقاء لا مجرد عبادة، وفي هذا التقرير جالت "اندبندنت عربية" في الضاحية الجنوبية لبيروت ورصدت تفاصيل الحياة الرمضانية للنازحين.
رمضان في مدينة النبطية جنوب لبنان حل هذا العام فوق الدمار (ا ف ب)
جولة في الضاحية الجنوبية
"هنا الضاحية".. بهذه العبارة رحب بنا الحاج أبو حسين عند دخولنا إلى منطقة الجاموس، إحدى أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت المكتظة سكانياً، حيث تقطن هنا آلاف العائلات النازحة من المناطق الحدودية مع اسرائيل وغيرها من التي تشردت، وبقيت من دون مأوى تنادي بحق العودة لبيوتها، وتُجمع العائلات على أن "شهر رمضان هذا ليس له مثيل، إذ إنه أتى عليهم في وقت يعيشون فيه تحت خط الفقر يُكافحون للبقاء على قيد الحياة ضمن مصير مجهول".
أبو حسين، أحد منكوبي الحرب الإسرائيلية، أصبح "بلا سقف وبلا وطن"، على حد قوله، وجاء من بلدة بليدا الجنوبية ليستقر موقتاً في الضاحية، فقد استأجر من أحد زعماء الحي عربة ليبيع عليها عصائر الليمون والجلاب والتمر الهندي، وقال لنا "إلى الله أشكو حالي، أخرج بعد صلاة الفجر صائماً لأشتري مستلزمات العربة من سوق الجملة وأبقى حتى آذان المغرب أتجول في الطرقات لتأمين الحد الأدنى من طعام أسرتي اليومي"، مضيفاً "الغلة ليست كافية لشراء حاجات الإفطار العائلي، فأقوم باللجوء إلى الجمعيات لأخذ عدد من الوجبات الخيرية".
وحال أبو حسين كحال كثير من الذين فقدوا أعمالهم في هذه المنطقة، فأبو علي، وهو سائق التاكسي يضيف إلى قاله أبو حسين "أن الحال لا تُطاق، فقد خسرت منزلين وأنا أعمل على هذه السيارة ولم يتبق لي إلا هذه السيارة لأُعيل أسرتي، مع العلم أنني لا أستطيع الخروج من هذه البقعة الجغرافية، أي الضاحية، لأنني لم أسدد رسوم الضرائب لسيارتي، وإذا خرجت من هذه الأحياء فمن المحتمل أن أعود لمنزلي من دونها، إذ ستقوم القوى الأمنية بحجزها وفرض الغرامة المالية عليها"، لافتاً إلى أنه "لا يستطيع العمل بعد الساعة الخامسة لأن الضاحية تتحول إلى منطقة غير آمنة على الإطلاق، حيث ينتشر فيها من أطلق عليهم صفة التشبيح، وهم ينتشرون ليلاً في الأحياء المدمرة وشبه المهجورة ويسرقون المارة ليلاً".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي منطقة بئر الحسن، السوق التجارية شبه المقفلة، يقول أحمد حرب وهو أحد تُجار الملابس في التجزئة إنه "لا يوجد موسم ولا نشعر برمضان وطبعاً لا نستطيع التحضير لعيد الفطر، والبيع سيء جداً وأكاد لا أبيع أية قطعة في اليوم، فالجميع هنا همهم تأمين المواد الغذائية، وما إن نسمع آذان المغرب حتى تتحول السوق إلى مكان شديد الظلمة، فلا أحد من التجار لديه الرغبة في فتح محله بعد الإفطار كما كان يحدث عادة، بسبب غياب الأمن ولأنه لا توجد حركة للزبائن أساساً في السوق"، لافتاً إلى أن "السوق الآن في حال تقنين كهربائي شديد، فنحن أشبه بجزيرة معزولة عن باقي المناطق ونحن بحاجة ملحة إلى إعادة تأهيل البنى التحتية بهدف الاستمرارية والبقاء في أعمالنا".
وفي سوق الخضراوات بمنطقة برج البراجنة، يصف البائع جواد واقع التجارة هذا العام قائلاً "مع بداية رمضان شهدنا حركة نشطة وإقبالاً ملحوظاً، حيث سارع الناس إلى شراء حاجاتهم الأساس، لكن سرعان ما تغير الحال، ومع مرور الأيام تحديداً بعد اليوم الخامس من الشهر بدأت الأسواق تفقد زخمها، وعادت حال الركود لتسود، ولم يعد الزبائن يشترون إلا الضروريات مثل البطاطس والبصل والخضراوات الأرخص، وبكميات محدودة لا تكفي إلا ليوم أو يومين، فكثيرون يأتون ويسألون عن الأسعار ثم يرحلون من دون شراء، فالأوضاع صعبة والأسعار مرتفعة والقدرة الشرائية متدهورة، حتى إننا في بعض الأحيان نضطر إلى خفض الأسعار قدر الإمكان، وعلى رغم ضيق هامش الربح لكن لنحافظ على استمراريتنا".
في منطقة الغبيري شاهدنا أحد الشبان دون سن الـ 15 عاماً يتجول في الشوارع لبيع المحارم الورقية، نراه يلهث وراء السيارات مستجدياً روادها بالشراء، وأتى إلينا بهدف البيع وهو يشكو أن عائلته تمر بوقت صعب جداً، إذ قال "أنا تلميذ متفوق في مدرستي ولا تحكموا علي بما ترونه من ملابسي، لكن الحاجة هي من أوصلتني إلى هنا، فأنا أُعيل أمي وثلاثة من إخوتي بعد وفاة أخي وأبي في الجنوب جراء غارة إسرائيلية، والآن أنا أركض وراء السيارات ليس بهدف التسول بل لبيع المناديل الورقية"، لافتاً إلى أن "مدرستي في الجنوب تحولت إلى ركام، وأنا الآن هنا من دون أي مدرسة، وقد فُرض علي هذا الواقع لأستطيع إعالة أسرتي"، مضيفاً "الحمدلله هناك بعض رواد السيارات يقدمون لي ثمن وجبة إفطار ومنهم من يعود لهذا الشارع ليعطيني الملابس، وأنا عندما لا أستطيع تأمين إفطار أهلي اليومي، وأضطر إلى الذهاب مع أختي إلى جمعية قريبة من مكان إيوائنا لنحمل بعض الوجبات"، واللافت أن العائلات النازحة بهذه المنطقة تتشبث بالأمل على رغم كل الكوارث التي تحيطها، فغالبيتهم تحت خط الفقر يحملون حكايات من الخراب، وبين تشرد ودمار تحولوا إلى لاجئين في وطنهم.
رمضان يعزز التضامن الاجتماعي في لبنان
يأتي رمضان في لبنان هذا العام وسط أزمات اقتصادية خانقة، لكنه يبقى مناسبة لتعزيز قيم التكافل والتضامن الاجتماعي، إذ تتجلى روح المساعدة بين العائلات وتظهر المبادرات الإنسانية لدعم الفئات الأكثر حاجة، وفي ظل الأزمة المعيشية لم تعد موائد الإفطار تقتصر على التجمعات العائلية فقط، بل تحولت إلى مساحة لتقديم العون وتخفيف الأعباء عن المتضررين، سواء من خلال المبادرات الفردية أو المساعدات القادمة من المغتربين اللبنانيين المنتشرين حول العالم.
وفي هذا السياق كشف اللواء السابق في الأمن العام والنائب جميل السيد في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" عن أن "رمضان عزز روح التضامن الاجتماعي في لبنان، سواء على المستوى المحلي أو عبر المساعدات الخارجية من المغتربين"، مشيراً إلى أن "الاقتصاد اللبناني كان يعتمد بنسبة كبيرة على تحويلات المغتربين التي تراوح سنوياً ما بين 5 و8 مليارات دولار، وهو مبلغ يعادل إيرادات دول تخوض معارك تجارية كبرى لتحقيقه من التصدير"، لافتاً إلى أن "المغتربين اللبنانيين في ظل الأزمة الحالية يقدمون مساعدات غير معلنة لأهلهم وأقاربهم في القرى".
وشدد السيد على أن "التقاليد الاجتماعية تلعب دوراً محورياً في التكافل الاجتماعي"، قائلاً "من البديهي في رمضان أن يساعد الناس بعضهم بعضاً، ولا يُنظر إلى تقديم الطعام على أنه إحسان بل كتحصيل حاصل، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن الطعام مؤشر للفقر أو العوز بسبب هذه المبادرات الإنسانية في مجتمعنا".
وسط الظروف الاقتصادية التي يواجهها النازحون تبرز مرة جديدة مسألة إعادة الإعمار (اندبندنت عربية)​​​​​​​
المساعدات وإعادة الإعمار
وفي ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي يواجهها النازحون خلال رمضان، ومع تفاقم الحاجة إلى الدعم والمساعدات تبرز مرة جديدة مسألة إعادة الإعمار، بخاصة أن ثلاثة أشهر تقريباً مرت على انتهاء الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" وغالبية المناطق المدمرة لا تزال على حالها، وفي هذا السياق شدد النائب بيار أبي عاصي في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" على أن "أية مساعدة دولية في مرحلة إعادة الإعمار يجب أن تمر عبر الدولة اللبنانية وليس عبر أي طرف آخر"، مضيفاً "إذا كان 'حزب الله' يرفض هذا المسار، ويصر على خوض الحروب والتسبب بمزيد من الدمار، مع استمرار حصوله على تمويل خارج الأطر الرسمية، فليعلن دولته الخاصة".
وأكد أبي عاصي أن "لبنان وعلى رغم حجم الدمار الكبير سيعتمد في إعادة الإعمار على المساعدات الدولية، لكن فقط من خلال القنوات الشرعية، وفق المعايير المالية العالمية، وذلك لتفادي أية تداعيات مالية أو عقوبات قد تُفرض على الدولة اللبنانية"، كما أشار إلى أن "المصادر الأساس للتمويل ستكون عبر الدعم الدولي والمساعدات الخارجية خصوصاً من دول الخليج".
وختم بالقول "اليوم لا يملك لبنان أي موارد مالية، ورمضان هذا العام يأتي في ظل أزمة خانقة، ولذلك من الضروري أن تمر أية مساعدات عبر الدولة لضمان إعادة الإعمار بصورة سليمة ومستدامة، وللتخفيف من معاناة المواطنين الذين يعيشون أصعب أيامهم".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد
اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد

صحيفة عاجل

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة عاجل

اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد

تفقد مدير عام الجوازات المكلّف اللواء الدكتور صالح بن سعد المربع جوازات جسر الملك فهد بالمنطقة الشرقية، للوقوف ميدانيًا على الخدمات التي تقدمها الجوازات لحجاج بيت الله الحرام، وتسهيل إجراءات دخولهم بيسر وسهولة.

اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد
اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد

رواتب السعودية

timeمنذ 3 ساعات

  • رواتب السعودية

اللواء المربع يتفقد جوازات جسر الملك فهد

نشر في: 22 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي تفقد مدير عام الجوازات المكلّف اللواء الدكتور صالح بن سعد المربع جوازات جسر الملك فهد بالمنطقة الشرقية، للوقوف ميدانيًا على الخدمات التي تقدمها الجوازات لحجاج بيت الله الحرام، وتسهيل إجراءات دخولهم بيسر وسهولة. وحثّ اللواء المربع منسوبي الجوازات في المنفذ على تقديم أفضل الخدمات، وبذل أقصى الجهود لخدمة الحجاج بما يعكس الصورة المشرفة للجهات العاملة في خدمة ضيوف الرحمن. وتأتي هذه الجولة ضمن سلسلة الجولات التفقدية التي ينفذها مدير عام الجوازات على مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية، بهدف التأكد من جاهزيتها لاستقبال حجاج بيت الله الحرام. الجوازات السعودية (@AljawazatKSA) May 22, 2025 المصدر: عاجل

في خطبة لسماحة مفتي عام المملكة عن بعد 'وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون' دعوة ربانية للتوحيد الخالص
في خطبة لسماحة مفتي عام المملكة عن بعد 'وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون' دعوة ربانية للتوحيد الخالص

الحدث

timeمنذ 5 ساعات

  • الحدث

في خطبة لسماحة مفتي عام المملكة عن بعد 'وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون' دعوة ربانية للتوحيد الخالص

متابعات - احمد آل عثمان ‏ألقى سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، درسًا علميًا عن بعد بعنوان: (وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون)، تناول فيه أهمية التوحيد والإخلاص لله تعالى في العبادة، مؤكدًا أن الغاية من خلق الجن والإنس هي عبادة الله وحده لا شريك له. ‏واستهل سماحته درسه بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استدل بقول الله تعالى: ‏(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ‏ليؤكد أن العبادة لا تصرف إلا لله، مشددًا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة دون غيره، وأن صرف أي نوع من العبادة كالدعاء أو الذبح أو النذر لغير الله يعد شركًا. ‏كما بيّن سماحته أن الله سبحانه هو الخالق الرازق المدبر، وأن المخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، مستشهدًا بقوله تعالى: ‏(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ…)، ‏مضيفًا أن الله أرسل الرسل لهداية الناس إلى عبادته، وأن من أشرك بالله لم تُقبل منه عبادته. ‏وشدد المفتي العام على أن التوحيد هو طريق الأمن والهداية، مستدلًا بقوله تعالى: ‏(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ…)، ‏مؤكدًا في الوقت ذاته أن الله لا يحتاج إلى وسطاء أو شفعاء في العبادة، مستشهدًا بقول الله عز وجل: ‏(قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا). ‏وفي ختام الدرس، أوصى سماحته بالإخلاص لله، واجتناب الشرك ووسائله، كما دعا بالثبات والهداية للمسلمين، وبالتوفيق والسداد لولاة أمر هذه البلاد، وختم بالصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. وكان سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ قد افتتح الدورة العلمية الكبرى «إتحاف الناسك بأحكام المناسك» في المسجد الحرام، التي أطلقتها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالتعاون مع الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء خلال الفترة من 19 ذي القعدة إلى 5 ذي الحجة 1446هـ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store