
مليونيات اليمن.. ثباتاً مع غزة للتصعيد في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع .. صور
يمني برس || تقرير_ خاص:
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء ومختلف المحافظات، اليوم الجمعة، مسيرات مليونية حاشدة تنديدًا بالجرائم الصهيونية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وتأكيدًا على الموقف الشعبي والسياسي والعسكري الثابت والداعم للمقاومة الفلسطينية.
جاءت هذه الفعاليات تحت شعار: 'ثباتاً مع غزة.. سنصعّد في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع'، حيث غص ميدان السبعين وسط صنعاء بمئات الآلاف من المشاركين، في مشهد عكس وحدة الموقف الشعبي اليمني وارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية.
بيان المسيرات: لا صمت بعد اليوم
وفي البيان الصادر عن المسيرات، أكدت الجماهير اليمنية أنها تقف بكل صلابة وإيمان في وجه ما وصفته بـ'أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث'، معلنة رفضها المطلق للصمت أو التخاذل، ومشددة على أنها ستواصل تحركاتها ودعمها للمقاومة حتى تحقيق النصر.
وأكد البيان الرفض القاطع للصمت أو التواطؤ تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة،.
مشدداً على أن الشعب اليمني لن يكون جزءًا من حالة العار والصمت التي تخيم على بعض الأنظمة.
وجدد البيان الصادر عن المسيرات المليونية التأكيد على أن اليمنيين يسجلون موقفهم أمام الله وأمام شعوب العالم بأنهم لن يصمتوا أو يتراجعوا، بل سيواصلون دعمهم لغزة والمقاومة بكل ثبات حتى يتحقق النصر.
ودعا البيان شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى التحرّك الجاد وتسجيل مواقف عملية نصرة لغزة، ورفضاً لجرائم الاحتلال، والتخلص من حالة العجز والتخاذل.
كما جدد البيان دعم الجماهير اليمنية الكامل للعمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد كيان العدو الصهيوني، والتي اعتبرها المشاركون رداً مشروعاً على الجرائم المرتكبة في غزة، ووسيلة فعالة في كسر الحصار والدفاع عن كرامة الأمة.
وأشاد البيان بما حققته الضربات اليمنية من خسائر اقتصادية وأمنية كبيرة لكيان الاحتلال، مؤكدًا أن هذه العمليات تمثل شرفاً للأمة وموقفاً مشرفاً سيسجله التاريخ.
جاءت المسيرات لتؤكد التلاحم بين الجبهة الشعبية والجبهة العسكرية اليمنية، حيث سبق أن نفذت القوات المسلحة اليمنية حظرًا بحريًا على السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما أدى إلى إغلاق ميناء 'أم الرشراش' بشكل تام.
واليوم، تم توسيع هذا الحظر ليشمل ميناء حيفا، مع توجيه تحذير مباشر للشركات البحرية بمغادرته فوراً، في خطوة تصعيدية تهدف إلى شل حركة التجارة الصهيونية.
ولم تقتصر الردود اليمنية على الجبهة البحرية، بل امتدت إلى الحظر الجوي، حيث تم استهداف مطار اللد المسمى صهيونياً 'بن غوريون' بعدة ضربات، ما تسبب في حالة من الذعر داخل الكيان، وأدى إلى فرار عدد من شركات الطيران الدولية وتحويل رحلاتها، مع توقعات بتمديد هذا الحظر لعدة أشهر قادمة.
خسائر الكيان الصهيوني نتيجة الضربات اليمنية
الضربات اليمنية سبّبت خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة للكيان، حيث تعطلت خطوط الإمداد، وتوقفت حركة الملاحة في موانئ ومطارات حيوية، ما أسهم في زيادة التكاليف التجارية والاستثمارية. كما ألحقت ضررًا كبيرًا بصورة 'الأمن القومي' الإسرائيلي في نظر حلفائه وشركاته.
اختتم البيان بدعوة الشعوب العربية والإسلامية لاستلهام دروس الثبات والصبر من غزة، قائلاً:
'غزة اليوم، وهي في أصعب الظروف، ترفض الاستسلام وتُفشل العدو من تحقيق أي هدف، فما هو مبرر من يتخاذل ولديه من الإمكانات ما لا يُقارن مع غزة؟'
تؤكد هذه المسيرات المليونية أن اليمن، شعبًا ومقاومة، يواصل حمل راية الدفاع عن فلسطين، ليس فقط بالكلمات والمواقف، بل بالفعل العسكري والميداني، في رسالة واضحة بأن العدوان على غزة لن يمر دون رد، وأن الأمة ما زالت تنبض بالكرامة.
شاهد الصور:

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

يمرس
منذ 35 دقائق
- يمرس
ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يعزّي بوفاة الشيخ ناجي بن جعمان
وأشاد الملتقى بمناقب الفقيد، مؤكدًا أنه كان من الشخصيات البارزة التي عُرفت بالحكمة وسداد الرأي، وترك بصمات مشهودة في ميادين الإصلاح وحل النزاعات، والعمل من أجل وحدة الصف وتماسك النسيج الاجتماعي. وعبّر الملتقى عن خالص تعازيه ومواساته لأبناء الفقيد وآل جعمان كافة، سائلًا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
سنوات السجن.. وولادة الكاتب من رماد القيد الذي أنضج الرواية
تجربة السجن في حياة الكاتب صنع الله إبراهيم لم تكن مجرد فصل عابر من فصول سيرته الذاتية، بل كانت الحدث الفاصل الذي أعاد تشكيل رؤيته للعالم وللإنسان، وللأدب بوصفه فعلًا تحرريًا لا مجرد صنعة سردية. لقد انقلبت الحياة لديه رأسًا على عقب حين دوّت الأبواب الحديدية خلفه في العام 1959، ووجد نفسه فجأة بين جدران صمّاء، اعتُقل مع المئات في حملة أمنية طالت الشيوعيين وكل من حلم بمجتمع أكثر عدلًا. هناك، في الزنزانة، بدأ صنع الله يعي أن الحبر قد يكون أشد وقعًا من الرصاص. ولد صنع الله في القاهرة عام 1937، ودرس القانون في جامعة القاهرة قبل أن تشده السياسة إلى معتركها. انخرط في صفوف اليسار، مؤمنًا بأن الكلمة يمكن أن تكون طليعة التغيير. لكن في دولة تتوجس من الأفكار الحرة، كان الانتماء إلى الفكر الماركسي تهمة تستحق السجن، فوجد نفسه يُقتاد إلى المعتقل وهو في مطلع العشرين من عمره، شاب لم يبدأ حياته بعد، لكنه كان يحمل في داخله وعيًا مبكرًا بأن الواقع لا يتغير بالكلمات وحدها، بل بالمواجهة، ولو على حساب الحرية الشخصية.خمس سنوات ونصف قضاها في المعتقل، لم يكن فيها مجرد سجين سياسي، بل كان مراقبًا دقيقًا للحياة خلف الأسوار. تعرف على عشرات الشخصيات، من عمال إلى مثقفين، من متشددين إلى ساخرين من كل شيء، فصارت الزنزانة معملًا بشريًا تغلي فيه التناقضات، وتتكشف فيه الطبائع على حقيقتها. في هذا المكان الضيق، عرف صنع الله الإنسان بكل ضعفه وقوته، وتعلم أن الحكاية تبدأ حين يُسلب الإنسان صوته، ويُترك في العراء.قراءة الأدب العالميكان السجن أيضًا وقتًا للتأمل القاسي، وللتأمل الخلاق. بعيدًا عن صخب الحياة، كان لديه الوقت لقراءة أعمال الأدب العالمي، من دستويفسكي إلى كافكا، ومن سارتر إلى ماركيز. وكأن القدر أهداه، رغم القيد، تلك العزلة التي تمنح الكاتب شفافية الرؤية وقوة الإدراك. لم يكن السجن مدرسة ألم فقط، بل مدرسة معرفة، فتح فيها أبواب الوعي على مصراعيها، ليدرك أن معركته لم تكن فقط مع السلطة، بل مع الزيف، مع الانخداع، مع الاستسلام.بعد خروجه، لم يكن صنع الله إبراهيم هو ذاته الشاب الذي دخل السجن. خرج أكثر صلابة، أكثر وعيًا، لكنه أيضًا أكثر حذرًا. لم يكتب عن السجن فورًا، لكنه ترك تلك التجربة تختمر في أعماقه، حتى خرجت إلى السطح على هيئة أعمال روائية تُبنى على الصمت بقدر ما تُبنى على الكلام. روايته الأولى "تلك الرائحة"، كانت بمثابة الصرخة المكتومة، سردية الغربة واللاجدوى، والاحتكاك الأول الصادم مع واقع فقد ملامحه.سنوات السجن إذًا، لم تكن عارًا سياسيًا يُمحى، بل كانت التأسيس الحقيقي لكاتب آمن أن الرواية ليست ملهاة، بل أداة لكشف القبح والفضح والتعرية. في عتمة الزنازين، بدأ صنع الله إبراهيم مشروعه الأدبي الطويل، الذي سيصير لاحقًا أحد أهم المشاريع السردية في العالم العربي، حيث امتزج الألم بالمعرفة، والقيد بالكتابة، ليولد أدبٌ لا يهادن ولا يجمّل. لقد كانت الزنزانة الضيقة، paradoxically، هي التي فتحت أمامه أبوابًا لا نهائية من الرؤية والحرية.السجن كمدرسة للكاتبحين أُغلق باب الزنزانة على صنع الله إبراهيم، لم يكن يعرف أنه لم يُودَع مجرد معتقل، بل دُفع إلى فضاء تعليمي من نوع نادر، فضاء لا تُدرّس فيه المناهج، بل تتقاطع فيه الحيوات والتجارب والتناقضات البشرية. السجن، في حالة صنع الله، لم يكن انقطاعًا عن العالم، بل كان انغماسًا عميقًا في طبقاته السفلى، في بواطن الناس، في التاريخ الذي لا يُدوَّن، وفي اللغة التي تُقال على استحياء أو لا تُقال.بين جدران المعتقل، تحوّلت العزلة إلى ورشة مستمرة للفهم، حيث اختلطت أصوات القلوب بأزيز القضبان. لم يكن السجناء متشابهين، بل تنوعوا بين عمال يحملون حكايات الشقاء، وصحفيين يسردون ما طوته الصحف، وفنانين يرسمون الحلم على الجدران، ومثقفين كبار مثل محمود أمين العالم وشهدي عطية، ممن يمكن اعتبارهم موسوعات فكرية تمشي على قدمين. هذا الخليط البشري تحوّل إلى نسيج حيّ ينهل منه الشاب الكاتب دون أن يشعر، كما لو أنه انخرط في ورشة عمل لا تنام.كان السجن مجالًا مفتوحًا لتجريب الرؤية، لا فقط لتعلم المواقف. هناك، تعرّف صنع الله على تناقضات النفس البشرية في أدق حالاتها: كيف ينهار الأبطال تحت وطأة الخوف، وكيف تخرج من أعماق البسطاء حكم لا تحملها كتب الفلاسفة. تعلم أن الفكرة قد تتحوّل إلى عبء، وأن الالتزام قد يصبح وحشة إن لم يُغذَّ بروح النقد والصدق. لقد اختبر الإنسان خارج صوره النظرية، وتعلم أن المثقف ليس بالضرورة من قرأ كثيرًا، بل من عاش كثيرًا وتأمل عميقًا.داخل هذا المعتقل، لم تكن الكتب ممنوعة دومًا، بل كانت تصل أحيانًا كأكسجين خفيّ. قرأ صنع الله في السياسة، في الفلسفة، في التاريخ، وتذوق الأدب العالمي بنهم حقيقي. لم يكن يقرأ ليستعرض، بل ليفهم، ليعيد بناء وعيه على أسس أقل سذاجة وأكثر صرامة. كان كل كتاب يُقرأ أشبه بفتح نافذة صغيرة على العالم، نافذة تضيء عتمة الزنزانة وتمنحها أفقًا فكريًا لا يمكن للقيود أن تُطوِّقه.وكان لهذا الانغماس تأثيره الواضح على أدواته السردية. لم يخرج من السجن بذاكرة حكايات فقط، بل خرج وهو يحمل جهازًا حساسًا لالتقاط التفاصيل، لتمييز نبرة الصوت التي تخفي ضعفًا، أو الإشارة التي تكشف عن قهرٍ مكتوم. تحوّل صنع الله إلى راوٍ دقيق، لا يتورط في العاطفة إلا بقدر ما تكشفه المفارقة، ولا يركن إلى البطولة إلا إذا انكسرت. كانت التجربة قد شحذت أدواته ومنحته حساسية أدبية لا تُصنع في الصالونات الثقافية، بل في صلابة الحياة وخشونتها.هكذا أصبح السجن مدرسة لا تنسى. لم تُخرّج كاتبًا ثوريًا فقط، بل خرج منها فنان يحترف الإصغاء، ويفهم أنّ الأدب لا يُكتب من الخارج بل من الداخل، من العيش في قلب المحنة، من مصادقة الألم، ومن القناعة بأن أعظم ما يمكن أن يفعله الكاتب هو أن يقول الحقيقة، ولو كلّفته عمرًا.الكتابة كفعل مقاومة في أعماق الزنزانة، حيث تنعدم المسافة بين الجدران والنَفَس، وحيث تتآكل الأيام في رتابة قاسية، لم يكن لدى صنع الله إبراهيم ما يتمسّك به سوى الكتابة. لم تكن الكتابة ترفًا أو هواية، بل صارت فعل نجاة. بين الصمت الإجباري وأصوات الخطى المعدنية للحراس، شرع في تدوين ملاحظات وقصص قصيرة، على قصاصات ورق، وأحيانًا على أوراق سجائر، كما لو أن كل سطر يُكتب كان انتزاعًا صغيرًا من براثن العدم.لم يكن يكتب من أجل النشر أو المجد الأدبي، بل ليُبقِي ذاكرته حيّة، وليقاوم التفكك الداخلي الذي يصيب السجين إذا لم يُمسك بما يعيد له ملامحه. صارت الكتابة وسيلته الوحيدة لإثبات أنه ما زال يرى ويسمع ويفكر، وأنه لم يتحوّل بعد إلى رقم في دفاتر إدارة السجن. ومن بين الشظايا المتناثرة التي كتبها هناك، بدأت تتشكّل البذرة الأولى لروايته الأهم والأكثر جرأة آنذاك: تلك الرائحة.عندما خرج من المعتقل، لم يكن قد نسي شيئًا من تلك التجربة. بل إن الذاكرة ظلت تتوهّج داخله كجمرة لا تنطفئ. قرر أن يبدأ من تلك النقطة الصفر: من عودة السجين السابق إلى عالم لا يعرفه، ومن شعوره بالاغتراب في مدينته، وسط أهله، في جسده حتى. فكتب تلك الرائحة لا بوصفها حكاية بطل، بل كمرآة لما تفعله السلطة بعقل الإنسان، وكيف تقتل الروح دون أن تسفك دمًا.الرواية جاءت بأسلوب جديد كليًا على الذائقة السائدة. لم تكن مشحونة بالعاطفة أو الانفعال، بل مكتوبة ببرود جراحي، بلغة مقتضبة، حيادية، أقرب إلى تقرير بوليسي مجرد من الانحيازات. ومن هنا كان الصدم. النقاد المحافظون رأوا فيها انعدامًا للحس الوطني، والسلطة رأت فيها خيانة صامتة، لأنها لم ترفع الشعارات، بل كشفت الخراب بالصمت.عند صدورها عام 1966، سُحبت الرواية من الأسواق بعد أيام قليلة، وصودرت باعتبارها "منحطة" و"هدّامة". كان ذلك دليلًا إضافيًا لصنع الله أن السلطة تخشى ما لا يمكن تصنيفه، وأن أخطر الأدب ليس ما يهتف، بل ما يصمت أمام القبح ويترك القارئ يراه دون مؤثرات. لم تُنشر الرواية كاملة إلا بعد أكثر من عشرين عامًا، لكن صداها ظل يتردد منذ اللحظة الأولى، كأنها كانت تسبق زمنها.تلك الرائحة لم تكن فقط رواية أولى، بل كانت إعلان ولادة كاتب اختار أن تكون الكتابة عنده فعل مقاومة، لا بمعناها الصاخب، بل بدقتها الموجعة، بفضحها الهادئ، بإصرارها على رؤية ما يُراد لها أن لا تراه. لقد تحوّل القيد إلى ورق، والسجن إلى سرد، والصمت إلى لغة. ومنذ ذلك الحين، لم يكفّ صنع الله إبراهيم عن الكتابة، لأنه أدرك أن من كتب لئلا يُمحى، لا يمكن أن يصمت بعدها.السجن في المتن الروائي لم يكن السجن لدى صنع الله إبراهيم مجرد تجربة طارئة مرّ بها الكاتب الشاب ثم تجاوزها، بل ظلّ حيًّا في ضميره السردي، ينهض مرة بعد مرة في نصوصه، لا كاستدعاء نوستالجي، بل كحقيقة كاشفة عن القمع والبنية العميقة للسلطة. في أعماله، لا يظهر السجن كخلفية بعيدة أو استعارة، بل يتحوّل إلى بطل صامت، له روحه، وأسواره، وعنفه، وعزلته، ومشهده الداخلي المتكرر في كوابيس المجتمع كله.أبرز تجليات هذا التوظيف كانت في رواية "شرف"، التي نُشرت عام 1997، حيث لا يحكي إبراهيم عن سجن رمزي، بل يفتح أبواب السجن الحقيقي بكل ما فيه من عنف وتناقض، كأنه ينقل القارئ من مقعده إلى قلب الزنزانة. لا مجال في هذه الرواية للتهويم أو المجاز، بل يقدّم الكاتب سردًا واقعيًا لليومي المقموع، لما يعيشه السجين بين الجدران: دخول الزنازين، قوانينها، تفاصيل الطعام الرديء، رائحة العرق والدم، صدى الأنين ليلًا.شخصية "شرف" نفسها، الشاب الذي يدخل السجن بسبب قتله أجنبيًا حاول الاعتداء عليه جنسيًا، ليست إلا مرآة لمجتمع مأزوم، تضعه الدولة في القفص وتنسحب، بينما تُترك مصائر البشر لتُعاد صياغتها داخل مؤسسات العقاب. في السجن، يتعلّم "شرف" أن القانون ليس سوى ديكور، وأن السلطة الحقيقية يملكها السجانون والسجناء الكبار، في توازن قوى يشبه خارج الأسوار تمامًا.وبينما يتنقّل شرف من الزنزانة إلى عنابر المساجين الجنائيين ثم السياسيين، يستعرض إبراهيم خرائط السجن كما لو كان يرسم خارطة مجتمع مصغّر. كل عنبر يحمل نظامه الخاص، هرميته، لغته، آلياته للعقاب والمكافأة، تمامًا كما في الحياة المدنية، لكن بلا أقنعة. يتعرّى كل شيء في السجن: السلطة، الجريمة، الدين، العلاقات الإنسانية، ويتحوّل النص إلى تشريح كامل لجسد الدولة القمعية.وفي هذا العالم السفلي، لا ينسى إبراهيم أن يسجّل شهادته الخاصة، المبطّنة، من خلال حوارات دقيقة وتفاصيل دقيقة لا تُبتكر في الخيال. صوت صنع الله يبدو من خلف الستار، لا يصرخ لكنه يُصيب، لا يتدخل لكنه يُعرّي. لا شك أن هذه الدقة في وصف الحياة اليومية خلف الأسوار لم تكن ممكنة لولا تلك السنوات التي قضاها هو نفسه بين الجدران، يراقب ويتأمل ويسجل، لا بقلم بل بذاكرة لا تنام.رواية "شرف" إذن ليست فقط عن البطل الفرد، بل عن الجماعة المحبوسة، عن المجتمع حين يُختصر في زنزانة، وعن البلاد التي تُحكم كما يُدار السجن: بالخوف، بالهرم السلطوي، وبمنطق القهر. ولهذا، فإن السجن في أعمال صنع الله إبراهيم ليس مجرد مسرح، بل هو نص قائم بذاته، مرآة قاتمة للواقع، وأداة سردية لفهم جوهر السلطة في عالم لا يثق بالحرية.من الأيديولوجيا إلى الإنسانحين خرج صنع الله إبراهيم من السجن، لم يكن الرجل ذاته الذي دخله قبل خمس سنوات ونصف. لقد عبر الزنزانة لا كمعبر طارئ، بل كمختبر قاسٍ للحياة والأفكار. وبين جدرانها، انكسرت صورة الإيديولوجيا بوصفها طوق نجاة مطلقًا، وتفتحت أمامه أسئلة الإنسان، الفرد، الكائن المعقّد، الخارج من التاريخ والداخل إليه في الوقت ذاته. ترك التنظيمات السياسية خلفه، لا كنوع من النكوص، بل كقفزة وعي: لقد أدرك أن الحقيقة لا تملكها الأحزاب، وأن الأدب، وحده، يمكن أن يحفر في الطبقات العميقة للواقع أكثر مما تفعل الشعارات.من هنا، بدأ مشروعه الحقيقي: الكتابة كمجهر لفحص البنية الداخلية للمجتمع، والإنسان كمدخل لفهم السلطة. في روايته "اللجنة" (1981)، لا يقدم صنع الله بطلًا شيوعيًا أو ناطقًا باسم تيار سياسي، بل يضع القارئ في قلب متاهة بيروقراطية خانقة، حيث يُستدعى بطل الرواية إلى لجنة مجهولة، تُخضعه لتحقيق عبثي بلا بداية أو نهاية. الرواية تبدو في ظاهرها غرائبية، لكنها في عمقها تشريح فني لنظام القمع المتخفي، حيث يُستبدل السجن بالجهاز، والحاكم بالمؤسسة، والخوف بالصمت.ثم تأتي رواية "ذات" (1992) لتُكمل هذا التحوّل؛ هنا لا يكتب صنع الله عن السلطة كجهاز خارجي فحسب، بل يرصد تغلغلها في الحياة اليومية، في الجسد، في تفاصيل العيش الصغير. البطلة "ذات"، الموظفة البسيطة التي تعيش في القاهرة، تصبح مرآة لتحولات مصر من الستينيات إلى الثمانينيات، عبر سرد خالٍ من التجميل، لكنه مشبع بالمفارقات. لا قفزات درامية، لا أبطال خارقين، فقط حياة عادية يُنهكها الزمن والسياسة.في "ذات"، يتحوّل الوطن إلى شقة، والسلطة إلى جهاز تلفزيون، والحياة إلى طابور. إنها الرواية التي تخلّى فيها صنع الله عن منبر الأيديولوجيا، ليجلس في الصفوف الخلفية ويراقب: كيف يُصنع الإنسان ويُكسر في ماكينة اجتماعية لا تهدأ. لم يعد هناك مكان للحلول الكبرى، بل للأسئلة الصغيرة التي تشبهنا، والأسى اليومي الذي لا تكتبه الصحف.هذا التحوّل لم يكن انسحابًا من المعركة، بل إعادة تعريف لها. فبدلًا من مواجهة النظام بالبيان السياسي، صار يواجهه بجملة سردية حادة، بشخصية مسحوقة، بلحظة صمت مملوءة بالمعنى. لقد آمن أن الأدب، حين يتخلص من اليافطات، يصير أكثر خطرًا، لأنه ينفذ إلى المساحات التي تظن السلطة أنها محصّنة.وهكذا، صار صنع الله إبراهيم كاتب الإنسان لا كاتب الحزب. كاتب المتاهة الداخلية لا الخندق العقائدي. كاتب الهامش الذي يقول ما لا تستطيع النخبة أن تصرخ به. لقد تحرّر من الأيديولوجيا ليكتب عن الإنسان الذي سحقته، وبهذا، أصبح أكثر وفاءً للعدالة التي حلم بها ذات يوم، حين كان يوزّع المنشورات، قبل أن يعرف أن الحبر وحده، في النهاية، هو الذي يبقى.القيد الذي حرر الكتابةلم تكن الزنزانة آخر المطاف في حياة صنع الله إبراهيم، بل كانت نقطة البدء الحقيقية. هناك، في العزلة القسرية، انبثق وعي جديد، وتشكّلت علاقة مختلفة مع الكلمة، علاقة نحتت في جدار الصمت سردًا مقاومًا. لم يكن السجن مجرد محنة جسدية أو سياسية، بل كان معملًا خفيًّا صهر فيه الكاتب ذاته القديمة، وخرج منه أكثر حدّة وصدقًا، وأكثر قدرة على أن يرى الواقع من ثقب إبرة، أو من شرخ في الجدار.كان يمكن لتجربة السجن أن تهشّم روحه، أن تدفعه إلى الصمت أو الجنون أو الانكفاء، لكنها بدلًا من ذلك شحذت أدواته، ومنحته سلطة أخلاقية نادرة: سلطة من عانى ثم كتب، لا من راقب عن بعد. القيد الذي التفّ حول معصمه، تحوّل في كتاباته إلى استعارة كاشفة عن القمع، لا تغادر مخيلة القارئ بسهولة، بل تظل تلاحقه، كما يلاحق شبح السلطة أبطاله.الكتابة عند صنع الله لم تكن ترفًا، ولا محاولة للنجاة فقط، بل كانت فعلًا واعيًا للقبض على لحظة الحقيقة. هو لم يكتب ليعبّر عن ذاته فحسب، بل كتب كي يدوّن ما لا يجب أن يُنسى، ما حاول النظام دفنه في تقارير مغلقة أو في زنازين منسية. لذا، جاء أدبه حادًّا، مقتصدًا، متقشّفًا كما هي حياة السجين، لكنه في الآن ذاته ممتلئ بما يزلزل القارئ من الداخل.لقد علّمته الزنزانة أن الكلمات القليلة الصادقة، أكثر وقعًا من المجلدات المحشوة بالشعارات. صار يكتب وهو يعلم أن لكل جملة ثمنًا، ولكل سطر تاريخًا شخصيًا وسياسيًا، ولهذا بدا صوته فريدًا في المشهد الثقافي: صوت لا يساوم، لا يتلوّن، لا يهادن. صوته ظل منحازًا لأولئك الذين لا صوت لهم، الذين عاشوا في الظل، تمامًا كما عاش هو في المعتقل.وهكذا، يمكن القول إن تجربة القمع لم تُخرس صوته، بل صقلته، وإن القيود التي أُغلقت عليه في الزنزانة، فُتحت في نصوصه على آفاق لا حصر لها من المعنى. لقد خرج من السجن وهو يحمل بذور رواياته الكبرى، لا على كتفه، بل في أعماقه، ينبتها مع كل كتابة جديدة.في النهاية، يثبت صنع الله إبراهيم أن الحرية الحقيقية لا تُمنح، بل تُنتزع عبر الكلمة. وأن الأدب حين يُولد من المعاناة، يصبح وثيقة وصرخة ومرايا، بل يصبح فعل مقاومة حقيقي. وهكذا، من بين الحديد والبرد والجدران، خرج صوته حرًّا، يكتب ما لا يُقال، ويروي ما يُراد له أن يُنسى.


يمني برس
منذ ساعة واحدة
- يمني برس
صحيفة روسية: حرب ترامب على اليمن انتهت بانكسار الإمبراطورية الأمريكية
يمني برس | تقارير قالت صحيفة روسية إن الحرب التي شنتها الولايات الأمريكية على من أسمتهم 'الحوثيين' في اليمن عديمة الفائدة، وانتهت في منتصف الطريق وبشكل غير متوقع تماما، ودون أية نتائج منهجية، حيث احتفظ 'الحوثيون' بقدراتهم على اطلاق الصواريخ على 'إسرائيل' واستهداف السفن في البحر الأحمر. وأضافت صحيفة (Репортёр (Reporter) الروسية في تقرير لها ' استمرت عملية 'الفارس الخشن' التي شنتها الولايات المتحدة ضد 'الحوثيين' لمدة شهر وثلاثة أسابيع، وخلال العملية تم تنفيذ أكثر من ألف طلعة جوية مع هجمات باستخدام صواريخ كروز وقنابل قوية، لكن رغم ذلك، احتفظ الحوثيون بالقدرة على إطلاق النار على 'إسرائيل' والسفن في البحر الأحمر، وخلص المجتمع الدولي إلى أن الغرب غير معتاد على إنهاء ما يبدأه'. وأضافت الصحيفة 'قام الأمريكيون بضرب محطات الطاقة الأربع في اليمن، وقصفوا مطار صنعاء، ومصنعاً للقطن، ومصنعين للأسمنت، وورشاً معدنية من أجل القضاء على المرافق الصناعية ذات الاستخدام المزدوج، ورد 'الحوثيون' الشجعان بإرسال عدة موجات من الصواريخ المضادة للسفن نحو حاملات الطائرات الأمريكية. وعلاوة على ذلك، أطلقت الدولة، التي مزقتها سنوات من الحرب 'الأهلية'، هجوما صاروخيا باليستيا على مطار بن جوريون في تل أبيب في الرابع من مايو بعد أسابيع من القصف. مشيرة إلى أن ' الجميع معتادون على هذا الأمر ولا يتفاجأون به، الأمر المثير للاهتمام هو شيء آخر: العملية الغريبة، التي لم تنتهي على الأرض، انتهت بشكل غير متوقع تمامًا كما بدأت بعد وقت قصير نسبيًا، وانتهت في منتصف الطريق، دون أية نتائج منهجية..وأضافت: لا يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الثنائي الذي توسطت فيه سلطنة عمان أي بند يتعلق ب'إسرائيل'، على الرغم من أن الأزمة في البحر الأحمر، كما نتذكر، بدأت على وجه التحديد بالهجمات التي شنها 'الحوثيون' على السفن الإسرائيلية رداً على العملية في غزة، ونتيجة لذلك، احتفظت اليمن بالقدرة على ضرب الصواريخ الباليستية من مسافة ألفي كيلومتر. كما أعاد بسرعة تأسيس الروابط الجوية والبحرية باستخدام المدرجات والأرصفة البدائية. واستطردت الصحيفة الروسية : منذ البداية، كان موقف الغرب من هذه الفكرة تافهاً إلى حد ما. وقد تم تقديم الخسائر وتقييمها من قبل وسائل الإعلام على أنها كبيرة بشكل غير مبرر. أسقطت الصواريخ 'الحوثية' ثماني طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 وفقدت طائرتين من طراز F/A-18 Super Hornet ..وفي الواقع، بالنسبة للعمليات القتالية في منطقة ساخنة وفي ظل مثل هذه الظروف، فإن هذا الضرر ليس خطيراً، لكن ترامب رجل أعمال حكيم، وليس صقرًا، وهذا يقول كل شيء؛ وبعد كل هذا فإن الحرب مع الحوثيين كلفت الولايات المتحدة ما بين مليار إلى ثلاثة مليارات دولار! وبعد ذلك استهدفت أنظمة الدفاع الجوي الحوثية طائرة إف-35، لذا صدر الأمر بتقليص العملية لتجنب تشويه الصورة والمخاطر، وتعتبر مخزونات الأسلحة عالية الدقة ضرورية في المقام الأول لتلبية احتياجات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما أكد عليه دونالد ذو الشعر الأحمر أكثر من مرة. وخلصت إلى القول: ان هذا يعني أن العم سام لم يعد هو نفسه الذي كان عليه قبل ربع قرن من الزمان.. في عصر تويتر، فإن أي خسارة من هذا القبيل تثير ضجة لمدة شهر حول من هو الأفضل، بايدن أم ترامب، وتساؤلات حول متى ستصبح أمريكا عظيمة مرة أخرى. مع كل السمات المصاحبة: التقييمات، والمدونات، والحملات الصحفية حسب الطلب، لكن هذا مجرد ضجيج، ولا شيء أكثر من ذلك لقد أدركت وزارة الدفاع الأمريكية أن عملية منفردة، وليس حتى عملية برية ضد التشكيلات القبلية من 'محور الشر'، لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة، إن العزل البحري الدائم من خلال الأسطول البحري المتنقل والقضاء على سفن الصيد والقوارب الشراعية التي تحمل طائرات بدون طيار مزودة بالصواريخ أمر ضروري، بالإضافة إلى نصب حقول الألغام، وتفتيش السفن المشبوهة، وتدمير القوارب المجهولة على الفور في حال محاولة اقتحامها. وتختتم الصحيفة تقريرها بالتأكيد بان 'العالم المتحضر' ليس مستعدًا الآن للعب اللعبة الطويلة، أو إجهاد الاقتصاد، أو التضحية بأي شيء، لأن حتى خسارة طائرتين تسبب الهستيريا، هذه حقيقة، ونتيجة لذلك، اخترق رجال العصور الوسطى 'القبة الحديدية' لإسرائيل، وافتقرت القوة المهيمنة إلى الإرادة السياسية لسحق من تسميهم وكلاء إيران، الذين مسحوا أنف الغرب الجماعي مرة أخرى.