logo
الشيف نوال نويدر: النفس والكرم يشكّلان سرّ نجاحي

الشيف نوال نويدر: النفس والكرم يشكّلان سرّ نجاحي

الشرق الأوسط١٩-٠٧-٢٠٢٥
قصة الشيف نوال ضاهر نويدر لا تشبه غيرها من حكايات زملائها في المهنة. شغفها بالطبخ بدأ منذ الثانية عشرة من عمرها. كانت والدتها تطردها من المطبخ لملازمتها الدائمة له. تشتهر بلقب «طبّاخة رؤساء الجمهورية». فكان الراحل إلياس الهراوي يطلبها بالاسم كي تحضر له وليمة فاخرة لزواره. أما الرئيس السابق ميشال عون فتمسك بأطباقها حتى وهو في منفاه الباريسي. فكانت إحدى بناته تتولى مهمة إرسالها له إلى هناك. ومن ناحية الشخصيات السياسية التي أغرمت بلقمة الشيف نوال فحدث ولا حرج. من بينهم الوزير الراحل شوقي فاخوري. كان وهو على سرير المرض لا تفتح شهيته إلا لأطباقها. وكذلك الأمر بالنسبة لنجوم الفن وفي مقدمهم إليسا. فهي كانت طباختها الأقرب إلى قلبها. تحضّر لها الأكلات الـ«لايت» واللبنانية بامتياز. فالشيف نوال اختصاصية بالمطبخ اللبناني العريق. ومن لم يتذوّق «الكبة بالصينية» و«المغربية» و«الصيادية» و«الملوخية» كما المجدرة من يديها، فلا بدّ أنه فوّت عليه الكثير.
تقول لـ"الشرق الاوسط" بأنها لم تملّ يوما من مهنتها (الشرق الاوسط)
ومن الأطباق المرتبطة باسمها ارتباطاً كاملاً «كبة الباذنجان». فهي اخترعتها مع مكونات دبس الرمان وحبوب الجوز والرمان. صار طبقاً لذيذاً تتميز به.
اليوم تعيش الشيف نوال استراحة محارب بعد 55 عاماً من العمل المستدام. ابنتها ميرنا أخذت عنها موهبتها في الطبخ. وحالياً تدير مطعم «نوال بيروت» في منطقة الضبية. ابن نوال إيلي رغب في تكريمها على طريقته، فافتتح هذا المكان تيمناً باسمها. وقال لها: «لا بد من إبقاء اسمك متوهجاً حتى وأنت في فترة التقاعد. وأرجو أن أفيك حقّك كونك طبّاخة استثنائية من لبنان».
تشتهر الشيف نوال باطباقها اللبنانية الاصيلة (الشرق الاوسط)
تقول نوال نويدر في لقائها مع «الشرق الأوسط» إنها لم تشعر يوماً بالتعب ولا بالملل من مهنتها. فحبها للطبخ يفوق الخيال. ومن خلاله كانت تشعر بالسعادة وتترجمها في أكلات ذاع صيتها بين السياسيين والفنانين. وعن سر نجاحها تروي في سياق حديثها: «يقولون إنني أتمتع بنفس على الطعام لا يشبه غيره. كما أنني كريمة في تحضير الأكل. لا أعرف صناعة أطباق بكميات صغيرة ولو لأعداد قليلة من الناس. ولذلك اشتهرت الموائد التي أنظمها بالصحون الكبيرة وتعرف بـ(الجات). وعندما كان الناس يرونها على المائدة يعرفون مسبقاً بأني من وقعها».
الشيف نوال نويدر (الشرق الاوسط)
55 عاماً أمضتها نوال في عملها، تعتبرها أجمل أيام حياتها. بداياتها انطلقت من تجارب متراكمة. «لم أترك منطقة لم أزرها وأطلعت على أنواع الأكلات فيها. جميع أولادي شغوفون بالطعام مثلي، إلا جوزف لم يجذبه الأمر، فعمل في مجال الهندسة».
في حديقة مطعم «نوال بيروت» حضرت ابنتها ميرنا اللقاء. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أني ورثت شغف أمي بالطبخ، تعلّمته منها كنسخة طبق الأصل، ولكن سبحان الله فأمي تملك نفساً على الطعام يميزها عن غيرها. فمهما اجتهدت لتحضير طبق، لا يمكنه أن يقارب بطعمه ما تحضره بنفسها».
من أطباق الشيف نوال نويدر (الشرق الاوسط)
لا تفاخر نوال بالتحدث عن أطباقها، فثقتها بنفسها كبيرة. وتعلق: «قد يستطيع غيري تحضير الأكل بصورة أفضل مني، ولكن لدي الثقة الكاملة بنفسي وبأنني أتمتع بالمهارة».
تروي لـ«الشرق الأوسط» قصصها مع الرئيسين الهراوي وعون. «كانا متناقضين في خياراتهما للأطباق التي يحبونها. الأول كان يحب الطعام الدسم. ويقدم الكبة على غيرها من الأطباق اللبنانية. فيما الرئيس ميشال عون كان يحب (القواطع)، وأعني تلك الخالية من أصناف اللحوم. يفضل تناول (الهندباء بالزيت) والـ(برغل بالبندورة) و(المجدرة)».
علاقة وطيدة تربطها بالمطبخ اللبناني العريق
نواب ووزراء وإعلاميون وفنانون تعاونت معهم الشيف نوال. وعنوان موائدها واحد «المطبخ اللبناني الأصيل». تقول إنها لم تسأل يوماً عن الأجر الذي ستتقاضاه مقابل تحضير الطعام لأحدهم. «كان همي الوحيد تحضير ألذ الأطباق التي أصنعها بحب من قلبي. والأهم هي المكونات التي يجب أن تكون طازجة وعلى المستوى المطلوب. فعندما يعمل الشيف بكرم ومن قلبه لا بد أن ينجح».
تعطي رأيها بصراحة بتحديث المطبخ اللبناني اليوم. «أفضل الأطباق النابعة من قلب وروح مطبخنا الأصيل. لا يجب أن نضيع هويتنا الغذائية لأن الطعام ثقافة من نوع آخر. قد تكون هناك أنواع طعام حديثة من مطبخنا، ولكنني لا أتذوقها».
تعترف بأن أطباقاً لبنانية كثيرة باتت نادرة بسبب عدم معرفة كيفية تحضيرها من قبل جيل فتي. «الفوارغ مثلاً قلة من نساء اليوم تعرف تحضيرها، وهو أمر مؤسف. نساء اليوم يفضلن تحضير الأكلات السهلة. فضيق وقتهن والتزامهن بدوام عمل طويل يفرض عليهن ذلك».
الصبر مطلوب جداً في تحضير الطعام، كما تقول الشيف نوال. وتتابع: «التركيز جيد والتمتع بالصبر مطلوبان ممن يحضّر الطعام. وعلى ربة المنزل ألا تتبع السرعة في إنضاج الطبخة. فتعمل على نار هادئة كما جداتنا وأمهاتنا».
وعن النصيحة التي تقدمها لجيل الشباب من الفتيات المقدمات على الزواج، تقول: «أتمنى عليهن تحضير الطعام اللبناني لأزواجهن وأفراد عائلاتهن. فعلينا التمسك بهويتنا حتى آخر نفس. وأن تتألف طبخة العيد من الأطباق اللذيذة التي نشتهر فيها بلبنان كالأرز على الدجاج واللحم مع الفريكة».
ومن ناحية ثانية، تفرح الشيف نوال لعودة مكونات لبنانية إلى واجهة المطبخ اللبناني. «الفريكة والعدس عادا بقوة اليوم إلى مطبخنا. وصار هذان المكونان يستخدمان بتحضير السلطات إضافة إلى الأطباق الساخنة».
تحضر الابنة ميرنا ألبوم صور الشيف نوال مع الشخصيات المعروفة. بعضها معلقة على جدران المطعم تشير إلى شبكة علاقات عامة قوية تتمتع بها والدتها. ومن بين هؤلاء النائب مروان حمادة، والوزير السابق أشرف ريفي، والمطران إلياس عودة، والإعلامية مي شدياق. وتعلق: «جميعهم أحبهم من دون استثناء، وتركوا عندي ذكريات جميلة. كانوا يثنون على طبخي ويرددون باستمرار عبارة (تسلم إيديك يا نونو)».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وائل جسار ينصح فضل شاكر بتسليم نفسه للقضاء.. ويرد على شائعات دخوله المستشفى
وائل جسار ينصح فضل شاكر بتسليم نفسه للقضاء.. ويرد على شائعات دخوله المستشفى

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

وائل جسار ينصح فضل شاكر بتسليم نفسه للقضاء.. ويرد على شائعات دخوله المستشفى

رد المطرب اللبناني وائل جسار، على الشائعات التي ترددت خلال الفترة الماضية حول دخوله المستشفى وتركيبه دعامة بالقلب، وأيضاً حقيقة زواج ابنته من نجل المطرب اللبناني راغب علامة دون علم أسرتها، موجهاً رسالة لفضل شاكر. وعبر مداخلة تلفزيونية، نفى وائل جسار شائعة دخوله المستشفى وتركيبه دعامة بالقلب، مؤكداً أنه يتمتع بصحة جيدة وأحيا حفلاً غنائياً على مسرح جدة منذ يومين، متمنياً من الله أن يديم عليه نعمة الصحة. وأوضح جسار: «ليه بتحبوا تكتبوا شائعات ممكن تأثر على زوجتي وأولادي؟ يشوفوها هيزعلوا.. ليه بتفكروا تعملوا ترند وريتش على حساب الفنانين؟». وحسم وائل جسار شائعة زواج ابنته مارلين من نجل راغب علامة دون علم أهلها وهروبها من المنزل، مؤكداً أن كل تلك الأنباء عارية تماماً من الصحة، وأن ابنته ما زالت تدرس ولا تفكر في الزواج حالياً. وأشار وائل جسار، إلى أنه تواصل مع راغب علامة حول شائعة زواج ابنته من نجله خالد، نافياً هذه الأقاويل وأنها «أحاديث لا يمكن أن يصدقها العقل، والبعض يعتقد أنني مثلما فعلت مع زوجتي من الممكن أن تفعل ابنتي الشيء نفسه». وفي سياق آخر، علق وائل جسار على عودة المطرب اللبناني فضل شاكر للساحة الغنائية، مضيفاً أنه «سعيد بأعماله فهو قامة فنية كبيرة ومن الصعب ألا نراه على المسارح العربية، وما يحدث معه صعب للغاية عليه وعلى جمهوره». وتابع وائل جسار: «ملقتش حد رافض رجوع فضل شاكر للغناء مرة تانية، وكلنا تحت القانون والقانون بياخد مجراه، وهو بيقول معملش حاجة يبقى حرام يتظلم، أنا من وجهة نظري بقول له سلم نفسك للقضاء اللبناني وهو قضاء نزيه وأنت هتاخد براءة بإذن الله، لأننا عارفين انك بريء». أخبار ذات صلة

كيف وصفت كارمن لبس رحيل حب عمرها زياد الرحباني؟
كيف وصفت كارمن لبس رحيل حب عمرها زياد الرحباني؟

مجلة سيدتي

timeمنذ 11 ساعات

  • مجلة سيدتي

كيف وصفت كارمن لبس رحيل حب عمرها زياد الرحباني؟

بعبارات مؤثرة تعبر عن وجع الفراق، نعت الفنانة كارمن لبس الفنان زياد الرحباني الذي رحل عن عالمنا أمس في 26 يوليو الجاري عن عمر يناهز الـ 69 عامًا، وهي الحبيبة التي لطالما صرحت بأنه كان حبها الوحيد في حياتها. فثمة علاقة عاطفية ربطت بين كارمن لبس و زياد الرحباني على مدى 15 عامًا تقريبًا بعد انفصاله عن زوجته دلال كرم. كذلك نشرت كارمن لبس رسالة حزينة وجهتها لحبيبها الراحل زياد الرحباني تعده من خلالها أنها باقية على عهد حبها له إلى الأبد. كارمن لبس: ليش هيك حاسة كل شي راح نشرت الفنانة كارمن لبس أمس عبر حسابها على إنستغرام صورة سوداء معلنة الحداد على رحيل حب عمرها الفنان زياد الرحباني وأرفقت الصورة بتعليق حزين. ووضعت رمز القلب المكسور للدلالة علىم وجعها بأنه ترك فراغًا كبيرًا في حياتها وعلى نطاق الوطن ككل لأن حضوره كان عظيمًا ويملأ الدنيا تأثيرًا قائلة: " ليش هيك حاسة كل شي راح، حاسة فضي لبنان". View this post on Instagram A post shared by Carmen Lebbos (@carmen_lebbos) كارمن لبس: الوجع بقلبي أكبر من إني اقدر اوصفو وفي اليوم التالي عادت كارمن لبس فنشرت رسالة مؤثرة وجهتها للفنان الراحل زياد الرحباني وكانت تتحدث إليه بحرقة واصفة حالها بعد رحيله بأنها صعبة وبأنها لم تعتقد يومًا أنها ستتلقى التعازي به وأخبرته أنها ستبقى تشتاق إليه باستمرار وتحبه دومًا. وجاء في رسالتها هذه " فكرت بكل شي إلا إنو الناس يعزوني فيك. الوجع بقلبي أكبر من إني اقدر اوصفو، أنا مش شاطرة بالتعبير، انت أشطر مني بكتير تعبّر عني... لو كان في بُعد، بس كنت موجود، وهلق بطلت. صعبة كتير زياد ما تكون موجود. رح ابقى اشتقتلك عطول لو انت مش هون. وحبك بلا ولا شي". View this post on Instagram A post shared by Carmen Lebbos (@carmen_lebbos) زياد الرحباني كان بحاجة لزراعة الكبد وكان زياد الرحباني يعدّ ظاهرة استثنائية ونادرة في الفن وظاهرة فريدة في التجربة الرحبانية من خلال الفن المتفرد الذي قدمه بأعماله الغنائية والموسيقية والمسرحية طيلة مشواره الفني العظيم. وكانت والدته السيدة فيروز تصفه بالعبقري. وقد شكلت وفاته صدمة لكل محبيه وجمهوره في العالم العربي الذي لم يكن على اطلاع مسبق بأنه يمرّ بمحنة صحية صعبة أدت لوفاته. وكانت ترددت أخبار متعلقة بالحالة الصحية للفنان زياد الرحباني قبل وفاته مفادها أن الأطباء أبلغوه بضرورة الخضوع لزراعة الكبد لمعاناته من مرض به. ولكنه وفق الأخبار المتداولة لم يكن متحمسًا حيث كان مترددًا بإجراء العملية. فتارة كان يعلن عن استعداده للخضوع لعملية لزراعة الكبد ثم ما يلبث أن يتراجع عن قراره بعد فترة لاعتبارات عدة قد يكون الخوف من أبرزها وأنها قد تعطله عن عمله لأنها تستلزم وقتًا طويلًا من التحضير قبل العملية وبعدها. وكانت أعلنت أسرة الفنان الراحل زياد الرحباني ، والصفحة الرسمية للفنان الراحل عبر موقع التواصل الاجتماعي الـفيسبوك عن موعد ومكان الدفن، حيث ستقام صلاة الجنازة عليه بعد ظهر غد الإثنين 28 يوليو في كنيسة "رقاد السيدة – المحيدثة" بكفيا، وستتقبل الأسرة التعازي من الساعة الحادية عشرة صباحاً أي قبل دفن الراحل وحتى الساعة السادسة مساءً في صالون الكنيسة. وتستكمل الأسرة مراسم العزاء لليوم الثاني، الثلاثاء 29 يوليو، في صالون كنيسة "رقاد السيدة – المحيدثة"، بكفيا، من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى السادسة مساءً. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».

عن زهرات المنفى وبريق الأمهات في مهرجان عمان السينمائي 2025
عن زهرات المنفى وبريق الأمهات في مهرجان عمان السينمائي 2025

الشرق السعودية

timeمنذ 11 ساعات

  • الشرق السعودية

عن زهرات المنفى وبريق الأمهات في مهرجان عمان السينمائي 2025

مع تجاوز منتصف العقد الأول من عمر مهرجان عمان الدولي (أول فيلم) المعني بالتجارب الأولى لصناع الأفلام، شهدت الدورة السادسة من المهرجان التي اختتمت مؤخراً، منافسة 7 أفلام وثائقية ضمن مسابقة الفيلم الوثائقي الطويل، والتي تبارى فيها على جائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم 6 مخرجين في أعمالهم الأولى. من المغرب "أمك. أمي"، ولبنان "نحن في الداخل" و"فتنة الحاجبين"، والأردن "احكي لهم عنا" و"أم المدارس"، وسوريا "وقت مستقطع 22"، بالإضافة إلى مصر التي شاركت بفيلم المخرج بسام مرتضى "أبو زعبل 89"، وهو عمله الثاني، لكنه انضم إلى المسابقة في تنافس على جائزة أفضل مونتاج أول، والتي حصل عليها المونتير المصري أحمد أبو الفضل. من بين الأفلام السبعة المشاركة استطاع المغربي "أمك. أمي" للمخرجة سميرة الموزغيباتي، والأردني احكي لهم عنا لرند بيروتي، واللبناني نحن في الداخل لفرح القاسم أن يحصدوا جوائز المسابقة هذا العام (أفضل فيلم مناصفة بين المغربي واللبناني) وجائزتي لجنة التحكيم والجمهور للفيلم الأردني، بينما حصل "أبو زعبل 89" على جائزة اتحاد النقاد الدولي، وهي المرة الثانية التي يحصل عليها، بعد أن حصدها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عقب عرضه الأول في الشرق الأوسط. وكما هو ظاهر، فالحضور النسائي يرفرف على جوائز المسابقة هذا العام، أربع جوائز لثلاثة أفلام من أصل خمس جوائز يمنحها المهرجان سنوياً، مع الأخذ في الاعتبار أن جائزة السوسنة ذهبت مناصفة في هذه الدورة لفيلمين، وكلاهما من إخراج صانعات أفلام. الكاميرا وبريق الأمهات تبدو الأمهات عنصراً مشتركاً وحاضراً في تجليات متعددة ضمن الأفلام الفائزة بالمسابقة هذا العام، في الفيلم المغربي "أمك. أمي" يبدو العنوان صريحاً بلا مواربة أو حاجة للتأويل، هذا فيلم يتحدث عن العلاقة مع الجذور عبر شخصية الأم – أم المخرجة – التي بسبب مأساة عائلية تنفصل شعورياً ووجدانياً عن بناتها – أخوات المخرجة – وتقرر سميرة عبر وسيط الصورة أن تعيد إنتاج رحلة العائلة وصولاً إلى لحظة الأزمة ثم تفجرها بمواجهة الأم مع البنات، حيث توقفت الأخوات عن مناداة أمهن بلقبها المعتاد – الوالدة – وأصبحت فقط تخص سميرة – والدتك – ومن هنا يأتي العنوان على لسان سميرة (أمك. أمي) موجهة خطابها إلى أخواتها؛ أي أن أمهن واحدة! وفي المقابل، تلعب فرح القاسم في فيلمها "نحن في الداخل" دور الأم البديلة للأب الشاعر الطرابلسي العجوز بعد عودتها عبر سنوات الغياب والمنفى الاختياري، هكذا نراها وهي تحلق له رأسه وتعاونه في إدارة نشاط نادي الشعر الخاص به، تطمئنه أمومياً تجاهها، مما يجعله يستريح من قلقه الشعري الغريزي ويفتح لها خزائن ذاكرته ودفاتر أيامه حكياً وشعراً ونثراً أمام الكاميرا. أما رند بيروتي في فيلمها "احكي لهم عنا"، فأول ما تفعله مع مجموعة الفتيات التي قررت أن يكونن محط المعايشة والدراسة الوثائقية لحياتهن، من بين آلاف الفتيات الهاربات اللائي يعشن في المنفى الإجباري، بعد أن تركن بلادهن العربية الممزقة، نقول أول ما تفعله هو أن تتفق معهن على إعادة إنتاج مشاهد علاقتهن مع أمهاتهن، وكيف تنظر الأمهات من جيل ما قبل الهجرة واللجوء إلى واقع بناتهن، وسط خضم الغربة الجغرافية والاغتراب المكاني والنفسي عن الأصول والجذور الأولى، سواء كانت اجتماعية أو عاطفية أو حتى متخيلة. ولا ننسى، وسط قراءتنا للأفلام الثلاثة، أن نشير إلى البريق الساطع لحضور الأم في فيلم "أبو زعبل 89"، حيث تلعب أم المخرج بسام مرتضى دوراً محورياً هائل التأثير والأثر سواء على أسلوب حكي القصة أو إعادة بناء لحظات الماضي التي انطلق منها المخرج في محاكمته لأبيه – المناضل اليساري المحبوس في سجن أبو زعبل عام 89 إثر حركة عمالية غاضبة تجاه السلطة الرأسمالية الغاشمة – وكيف أن لحظة زيارة الأب مع الأم في ذلك العام البعيد شكّلت تحولًا يصعب احتواؤه على نفسية وعقل وشخصية المخرج نفسه، هذا التحول الذي ظلت الأم جزءاً لا يمكن طمسه أو المرور عليه، دون أن يكون لشهادتها وحكيها كل هذا الثقل الشعوري والدرامي في الفيلم. تلمع الأفلام الأربعة الفائزة ببريق الأمهات على اختلاف درجات الحضور والتوظيف والتأويل، والملاحظ في الأفلام الأربعة أن وسيلة الحصول على التواصل أو الاتصال المباشر أو غير المباشر أو استدعاء الماضي أو الولوج إلى أعمق الأقبية الداخلية في نفوس الشخصيات يأتي عبر الكاميرا أو صناعة الفيلم نفسه! وأن البريق الذي يشع من كيان الأم في كل تجلياته – حتى وهي غائبة أو ممثلة كما في الفيلم الأردني أو مجازية كما في الفيلم اللبناني الذي تقوم فيه المخرجة نفسها بدور الأم لأبيها – هذا البريق تلتقطه الكاميرا ضمن عملية المكاشفة عبر السينما، فالأفلام الأربعة تقريباً يستخدم صناعها السينما كأكثر من مجرد عملية إبداعية أو أداة تعبير أو توثيق، بل يتجاوز الأمر في أفلام مثل "أمك. أمي" و"أبو زعبل 89" ونحن في الداخل إلى مواجهة الذات ومحاولات الاستشفاء أو إصلاح ما أفسدته أزمنة سابقة متراكمة وثقيلة، أو تحقيق الأحلام المستحيلة واستشراف المستقبل كما في احكي لهم عنا. الأرشيف واللغة المحكية لا يمكن غض الطرف عن توظيف اللغة المحكية والأرشيف في الأفلام الفائزة بالمسابقة، وإن اختلفت أشكال الأرشيف واختلفت تجليات اللغة. في "أمك. أمي" ثمة اعتماد كبير على الأرشيف العائلي المصوّر لأسرة المخرجة، مادة هائلة يصعب تصور كيف استطاعت أن تسيطر عليها مونتاجياً وتعيد إنتاجها دون رطانة أو إسهاب أو وقوع في فخ النوستالجيا، عشرات الدقائق من حفلات أعياد الميلاد والزفاف والتجمعات العائلية التي شكّلت جزءاً مهماً من سؤال الماضي الذي يتم محاكمة الأم من خلاله! الفيلم بالأساس يبدأ بمشهد أرشيفي، وتختلط فيه الأزمنة بصورة تتلاشى معها الحدود ما بين السابق والحاضر، وهو تلاشٍ متعمد لعجن الزمن ككل في كتلة واحدة ثقيلة تُشعر المتفرج بحجم وطأة الأزمة التي تعيشها عائلة المخرجة والمحاولات المضنية عبر صناعة الفيلم في منح الأم فرصة للدفاع عن نفسها ومصالحة بناتها في الماضي قبل المستقبل. ولا يمكن أيضاً تجاهل عنصر لغة الحوار بين الشخصيات في الفيلم والتي تغلب عليها الفرنسية بشكل كبير نظراً لكون العائلة تعيش بين هويتين، المغربية – بحكم الأصول – والفرانكفونية – بحكم ميراث الاستعمار والجغرافيا والثقافة – اللغة هنا هي عنصر مهم من عناصر تشريح الأسرة المغربية الذي تجريه المخرجة، وليس المقصود بها أداة ولكن جزء، أي أنها مثل الأرشيف المصوّر، من الصعب أن تكتمل رؤية الفيلم دون النظر إلى اللغة الفرنسية على اعتبار أنها جزء من تكوين العائلة وأزمتها الثقافية والاجتماعية. وفي "احكي لهم عنا" تبدو اللغة ليس فقط جزءاً من حاضر الشخصيات – زهرات المنفى من الفتيات العربيات المراهقات اللائي يعشن مع أسرهن اللاجئة إلى ألمانيا – حيث يتوجب عليهن أن يدرسنها ليس فقط من أجل أن يدرسن بها، ولكن كجزء من برنامج اللجوء للانخراط في المجتمع من ناحية وكوسيلة دعم ومواجهة لكونهن غريبات على مجتمع يقبلهن على مضض. تتنوّع استخدامات اللغة في الفيلم ما بين العربية والألمانية، تعتمد المخرجة الشابة على نوع مختلف من الأرشيف، حيث لا تستعين بصور أو مواد مصورة للشخصيات – والتي غالباً لا يتوفر لديهن هذا النوع من الأرشيفات كونهن لاجئات جاءت أسرهن ربما بما عليهن من ملابس – حيث تصنع لهن المخرجة أولاً أرشيفاً من حاضرهن المعاش نراه في البداية كجزء من التعريف بهن شكلياً وعمرياً واجتماعياً على الأقل. ثم عبر إعادة تمثيل بعض المواقف التي سبق وأن حدثت لهن – مع أمهاتهن مثلاً أو مع فتيات ألمانيات ممن يتسمن بالعنصرية ضدهن – تتنوع اللغة هنا بين العربية والألمانية، صحيح أن العربية تغلب – بشكل متعمد كجزء أساسي في وصف هويتهن الأصلية وأرشيفهن النفسي والثقافي – إلا أن حضور الألمانية أيضاً يعزز من الحاضر الذي يعشنه، ويمتد عبر أسلوب وثائقية المعايشة – أي تتبعهن على مدار سنوات بالتعايش معهن ورصد تطورات حياتهن – إلى الوقوف على شكل مستقبلهن القريب وعن بوابات الحياة العملية والمهنية اللاتي شرعن في المرور عبرها. تبدو إعادة بناء المواقف تمثيلياً من قبل البنات لعبة أرشيف ذكية من المخرجة، وربما تفسر سر حصول الفيلم على جائزة الجمهور، حيث إن الفتيات يتسمن بقدر كبير من الحيوية والمواهب الدفينة والتصالح مع الحياة والقوة النفسية في مواجهة ماضٍ مؤلم وحاضر هش – يتحرك بين قوسي العنصرية والخوف من الترحيل كما نرى في مشاهد تعرض بعضهن للتنمر بسبب الحجاب واللغة العربية – وبالطبع مستقبل مجهول – بحكم كونهن لاجئات من أسر لاجئة. تستغل المخرجة لعبة ورش التدريب على الرسم أو الغناء أو التمثيل للقفز فوق الشكل التقليدي للأسئلة والبوح، حيث تعمل الورش على استخراج ما بداخلهن بصورة سلسة وغير تقليدية، بل تستثمر رند فكرة الورش من أجل تحقيق أحلام البنات – التي تبدو ظاهرياً مستحيلة – في مغامرة سينمائية تستحق الإشادة، كونها استغلت إمكانيات الفيلم في تجسيد الأحلام – والسينما بالمناسبة هي أقرب الفنون تعبيرية في القدرة على أن تجعل كل منها يرى أحلام الآخر – حيث تقوم المخرجة مع البنات بكتابة وتمثيل وتصوير – وتحقيق – حلم كل فتاة منهن أن تكون الإنسانة التي تريدها، سواء مهنياً أو اجتماعياً، حيث تحقق على سبيل المثال حلم واحدة منهن بأن تكون شرطية – في بلد بيروقراطي يشترط الجنسية للالتحاق بسلك الشرطة – وهكذا. ربما أيضاً كان أكثر ما أهل "احكي لهم عنا" لجائزة مهمة مثل جائزة الجمهور هو تجنب التعاطف المجاني مع واقع البنات، ولجوء المخرجة إلى تصويرهن في لحظات تحقق وقوة، مع الأخذ في الاعتبار رقة اللحظات اللائي يضعفن نسبيًا فيها، كي لا تُبتذل مثل هذه الأوقات لصالح ميلودراما يمكن أن تتبخر سريعاً، وهي حساسية سينمائية تُحسب لها في تجربتها الأولى الجذابة، بالإضافة إلى ذكائها في التعامل مع قضايا حساسة مثل العنصرية – والتي تأتي بشكل ديناميكي كجزء من سياقات المجتمع الألماني وليس بالتركيز عليها على اعتبار أنها جزء من أجندة مضمونة لدعم سمعة الأفلام التي تتحدث عن اللاجئين من أجل استدرار الدموع أو ابتزاز دول المهجر. يمكن اعتبار قائمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان هذا العام مساحة مشبعة بالتكريم المستحق لمجموعة من الأعمال الأولى التي بلا شك سوف تظل عالقة في ذاكرة جمهور المهرجان، وعلامة مميزة لدورة منتصف العقد الأول من عمره الشاب. * ناقد فني

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store