logo
تُحْفَتان لبيتهوفن في عرض واحد مع الأوركسترا بقيادة كريم سعيد سلامة (صور)

تُحْفَتان لبيتهوفن في عرض واحد مع الأوركسترا بقيادة كريم سعيد سلامة (صور)

LBCI٠٨-٠٣-٢٠٢٥

نظم المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، وبدعوة من رئيسته المؤلفة الموسيقية هبة القواس أمسية سمفونيّة أحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة عازف البيانو والموسيقي اللبناني- الأردني- البريطاني كريم سعيد، ومشاركة "الكونسرت ماستر" إيهاب جمال، في الكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت، بحضور وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة ونائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور طارق متري وسفيرَي مصر وأوستراليا والرئيس فؤاد السنيورة وشخصيات سياسية ودبلوماسية وفكرية وإعلامية.
في ليلة موسيقية استثنائية، اجتمع فيها إبداع الماضي والحاضر، أدّت الأوركسترا العمل الموسيقي للوتريات'Aspiration'" للمؤلفة الموسيقية هبة القواس مع الكونشرتو الأول والثالث للبيانو والأوركسترا للودفيغ فان بيتهوفن، حيث قُدّمت، ولأول مرة في لبنان، رائعتَا بيتهوفن، العملان الموسيقيان الكبيران في عرض واحد وفي أمسية فريدة أبهرت الجمهور بمزيجها الفريد من الحداثة والكلاسيكية.
حشد كبير من جمهور الموسيقى الكلاسيكية حضر الأمسية، التي افتتحت بمقطوعة القواس' ' Aspiration ، وقادت الجمهور في رحلة موسيقية تأملية تتخطى الحدود التقليدية للسيمفونية، إذ امتزجت روح الشرق مع الأوركسترا الغربية في تفاعل متناغم يعكس فلسفة الصعود والارتقاء، الصمت والبوح، والقوة والسكون. تجلت في العمل روح البحث عن التلاقي مع المطلق الذي يظهر في المساحات المتباعدة حيناً والمتقاربة أحياناً أخرى، وفي انجذاب القواس إلى تلك القوة المطلقة في موسيقى تنشدها، عبر مقاطع موسيقية تتدرج من التأمل العميق إلى التفجّر العاطفي في جذوة موسيقية تحبس الأنفاس، مقدمة تجربة صوتية تحمل بصمة القواس الفريدة الباحثة عن السمو الموسيقي. بصمة مهرت أعمالها منذ البدايات، ولاسيما أن مقطوعة "أسبيرايشن" هي من أوائل أعمالها الموسيقية، كما شرحت عنها بعد سؤال من قائد الأوركسترا كريم سعيد.
بعد هذه التجربة الحديثة، عاد الجمهور إلى عبقرية بيتهوفن الكلاسيكية، حيث أدت الأوركسترا الكونشرتو الأول بروحه المتوهجة، التي انعكست على القائد والعازفين، فبرع المايسترو سعيد بإيصال الطاقة المتدفقة في المعزوفة، ولمحات من روح بيتهوفن الابتكارية المبكرة، حيث أبدع في تقديم حوارات موسيقية نابضة بالحياة بين البيانو والأوركسترا، بينما جاءت الجمل اللحنية مفعمة بالحيوية والتألق.
أما الكونشرتو الثالث، فكان تتويجًا للأداء، إذ حمل في طياته عمقًا دراماتيكيًا وأحاسيس متوهجة تعكس شخصية بيتهوفن الأكثر نضجًا. وقد أظهرت الأوركسترا قدرة استثنائية على المزج بين القوة والتعبير العاطفي، خاصة في الحركة الثانية التي حملت لحظات من التأمل والصفاء، قبل أن تنطلق الحركة الختامية بحيوية متقدة أسرت المستمعين، ليشكل كلا العملين تكاملًا فريدًا بين الاندفاع الحيوي والتأمل العاطفي. وفي حوار ثري بين البيانو والأوركسترا، قاد المايسترو الأوركسترا باحترافية وإتقان، مضفيًا على الأمسية روحًا من التناغم والتكامل الموسيقي. وتمكّن سعيد من أن يحمل صوت الأوركسترا كما لم يسمع الجمهور الأوركسترا من قبل، وذلك عبر الوصول إلى هذا الأداء المذهل من خلال التفسير التفصيلي لكل خطوط الأوركسترا، بالتنقل من آلة إلى أخرى، وتداخل هذه الآلات ببعضها البعض وكيفية تظهيرها ليتوهج صوت الأوركسترا. والجدير ذكره أنها المرة الأولى في تاريخ العالم العربي يقود موسيقيّ عربي الأوركسترا ويعزف على البيانو في الآن نفسه.
فكانت بمثابة رحلة فنية تأخذ الجمهور في عوالم بيتهوفن المختلفة، من شغفه الشاب وثورته في الكونشرتو الأول إلى تأملاته العميقة وابتكاراته في الكونشرتو الثالث، ليخرج الحاضرون بانطباع لا يُنسى عن عبقرية الموسيقار الخالد.
جسّدت الأمسية لقاءً فريدًا بين عصرين موسيقيين، حيث عانق صوت بيتهوفن الخالد رؤى القواس المعاصرة، ليؤكد الحفل أن الموسيقى، رغم اختلاف أزمنتها، تبقى لغة تتجاوز الزمن، قادرة على استحضار الماضي وإلهام المستقبل في آن واحد.
هذا ما ألمحت إليه في كلمتها المسهبة، رئيسة الكونسرفتوار حين تحدثت عن قوة الموسيقى وتأثيرها فقالت: "نحتفي بقوة الموسيقى، هذه اللغة العالمية التي توحدنا، وترفعنا، وتضيء لنا الطريق نحو المستقبل". وتابعت:
"منذ أسبوع فقط، افتتحنا موسم حفلاتنا بعظمة " قداس الموتى" ووقاره لموزارت، حيث لم يكن ذلك مجرد انطلاقة لمسيرة موسيقية غنية، بل كان أيضًا لحظة تأمل عميقة تردد صداها مع التحولات التي يشهدها لبنان. واليوم، ونحن نستهل حفلنا الثاني، نفعل ذلك بروح متجددة من الأمل والطموح والنهضة الفنية. إن لبنان يقف اليوم على أعتاب فصل سياسي ووطني جديد، فجرٍ ننتظره بشغف، محملًا بوعود التجدد والتنوير. ونحن في المعهد الوطني، ندرك دورنا في تعزيز هذه النهضة، ليس فقط من خلال الأوركسترا الفلهارمونية، بل أيضًا عبر الأوركسترا الشرق - عربية، وأنسمبلات الصغار والشباب التي قمنا برعايتها، والكورال الوطني الذي سنطلقه قريبًا. هذه الجهود كلها تصب في رؤية أوسع لترسيخ الهوية الثقافية اللبنانية وتعزيز مكانتها كمركز للإبداع الفني في المنطقة وخارجها."
وأضافت القواس: "نحن محظوظون هذا المساء باستضافة عازف بيانو استثنائي بعمق فني فريد، هو كريم سعيد. موسيقي لا يقتصر إبداعه على عزف البيانو فحسب، بل يمتد ليحتضن جوهر الصوت الأوركسترالي بأكمله. وما يجعل هذه الأمسية مميزة هو أن كريم لن يكون فقط العازف المنفرد، بل سيتولى أيضًا قيادة الأوركسترا، في لحظة تحمل في طياتها الإلهام والكشف الفني العميق. برنامج هذا المساء هو تحية للطموح والتألق. سنبدأ بـ Aspiration No. 1 ، وهي مقطوعة من تأليفي تعكس السعي نحو السمو عبر الموسيقى. يليها الكونشرتو الأول والثالث للبيانو والأوركسترا لبيتهوفن، وهما عملان يجسدان روح الثورة والابتكار الفني. ومع تولي كريم سعيد دور العازف والقائد في آنٍ واحد، سنشهد مستوى فريدًا من الأداء الموسيقي، حيث ستتجلى أدق تفاصيل الجمل اللحنية والتعبير الموسيقي والحوار الأوركسترالي بحس موسيقي استثنائي. إن مقاربته الدقيقة للصوت، وطريقته في إضفاء الحياة على كل جملة موسيقية، وقدرته على تشكيل الأوركسترا من داخل الموسيقى ذاتها، ستجعل من هذه الليلة تجربة لا تُنسى".
وعن حضور وزير الثقافة الحفلة، قالت القواس": هذا المساء يكتسب أهمية خاصة أيضًا بحضور وزير الثقافة الجديد، الدكتور غسان سلامة، وهو شخصية مرموقة في مجالات الدبلوماسية والتعليم والتطوير الثقافي. إن رؤيته تتماشى تمامًا مع ما سعينا إليه طويلًا، تحقيق بنية تحتية موسيقية متكاملة وشاملة في لبنان. على مدار العامين الماضيين، كنت أعمل على وضع الأسس لهذا الإطار الموسيقي الشامل، خطوةً بعد أخرى. والآن، مع قائد يتمتع برؤية استراتيجية وخبرة دولية مثل الدكتور سلامة، لدينا فرصة استثنائية لجعل هذا الحلم حقيقة. إن فهمه العميق للسياسات الثقافية والتبادل الفني العالمي والتطوير الاستراتيجي سيمنح مساعينا زخمًا هائلًا، مما سيمكننا من توسيع الشراكات المؤسسية، وتعزيز برامجنا التعليمية، ووضع لبنان في موقعه الطبيعي كمركز إقليمي للتميز الموسيقي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العهد الجديد مع رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، نائب رئيس الوزراء، ومجلس الوزراء، هو دليل على الاعتراف المتزايد بأهمية الثقافة كمكوّن أساسي لمستقبل لبنان. ونحن، كموسيقيين، على أتم الاستعداد للمساهمة في هذه النهضة الوطنية."
وتابعت: "إلى جانب الموسيقى، تمثل هذه الليلة نقطة تحول في التزامنا بإعادة وصل لبنان بموسيقاه وأبرز مواهبه المنتشرة في جميع أنحاء العالم. فقد اختار العديد من أفضل موسيقينا البحث عن الفرص في الخارج، لكن مهمتنا اليوم هي إعادتهم، وإعادة بناء أوركستراتنا الوطنية ببريق موسيقاهم. ومنهم عودة ريبال ملّعب، الذي نفخر به، والذي انضم إلينا العام الماضي كعازف أول للفيولا. واليوم، نخطو خطوة جديدة إلى الأمام بترحيبنا بعازف الكمان إيهاب جمال، الذي ينضم إلينا للمرة الأولى كقائد لمجموعة الكمان الأولى. هذه مجرد بداية لمشاركته المستمرة مع الأوركسترا، فيما نواصل إعادة دمج موسيقيينا اللبنانيين وإعادة بناء الجسور بينهم وبين وطنهم. وكريم سعيد، من بين هؤلاء الموسيقيين الذين يجسدون هذه المهمة. فبالرغم من شهرته الواسعة في بريطانيا والأردن، يحمل كريم أيضًا الجنسية اللبنانية، ما يجعل هذه الليلة أكثر من مجرد حفلة موسيقية، بل إنها عودة للوطن بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وبكل فخر، أعلن الليلة عن شراكة استثنائية: كريم سعيد سيشغل منصب موسيقي مقيم في معهدنا الموسيقي وأوركسترانا. ومن خلال هذا التعاون، سيواصل إلهام موسيقيينا وتوجيههم، من خلال تقديم دورات الماستر كلاس، والعزف منفرداً في حفلات، وفي أمسيات موسيقى الحجرة، وقيادة الأوركسترا في دورة كاملة لأعمال بيتهوفن للبيانو والأوركسترا، وهو إنجاز سنوثقه عبر سلسلة من التسجيلات والمنشورات. هذه الشراكة تمثل عهدًا جديدًا من التميز للمشهد الموسيقي اللبناني، حيث نرتقي إلى المسرح العالمي ليس فقط كعازفين، بل كمبدعين لإرث فني خالد.
وختمت القواس: "وهكذا، ونحن نمضي قدمًا في هذه الليلة، دعونا نحتفي بقوة الموسيقى، هذه اللغة العالمية التي توحدنا، وترفعنا، وتضيء لنا الطريق نحو المستقبل. فلتكن هذه الحفلة رمزًا للنور الذي نسير نحوه، وليكن جمهورنا العزيز شاهدًا على الجمال الذي نحن على وشك الاستماع إليه.استمتعوا بالموسيقى، ولنجعل من هذه الليلة بداية سيمفونية جديدة للبنان".
وفي تلبية لدعوة القواس لإلقاء كلمة، توجه وزير الثقافة د. غسان سلامة إلى الحضور قائلاً: "الموسيقى لغة لا تحتاج لمفردات، لذلك لن أثقل عليكم بمفرداتي. أردت فقط أن أحيّي هبة القواس وإني أتطلع للاستماع إلى تأليفها، وأحيي كريم وإيهاب وكل الموسيقيين، وأحيي عودة الحياة إلى صرح أساسي من صروح الثقافة في لبنان الكونسرفتوار الموجود في نحو عشرين موقعاً مختلفاً على طول الأراضي اللبنانية، وهو ما أن يصاب بكبوة إلا ويستعيد عافيته فوراً بعد تلك الكبوة. أحييكم جميعاً وأشكركم على حضوركم في هذه اللحظة الجميلة التي تعود فيها الحياة إلى الأوركسترا وإلى لبنان بأسره".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تشايكوفسكي بقيادة أنثوية في الذكرى الـ65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر وإيليا النبي
تشايكوفسكي بقيادة أنثوية في الذكرى الـ65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر وإيليا النبي

النهار

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

تشايكوفسكي بقيادة أنثوية في الذكرى الـ65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر وإيليا النبي

احتضنت كاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي للأرمن الكاثوليك، وسط بيروت، حفلة موسيقية استثنائية لمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الكاتدرائية، بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وأحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة إحدى أبرز القادة الموسيقيين على مستوى العالم المايسترو الروسية دايانا غوفمان، وبحضور كاهن الكاترائية الأب رافي أوهانسيان وجمع من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية وجمهور الموسيقى الكلاسيكية في لبنان. ساعة من التجلّي الموسيقي تحت عنوان "السلام والعدالة" قدمتها الأوركسترا التي حلّقت في فضاءات الإبداع والرّقي والفن الرفيع مع عازفين في قمة المهارة والاحتراف، بقيادة مبهرة لقائدة الأوركسترا دايانا غوفمان. حضور آسر بقيادة أنثوية تخطف الأنفاس، جمعت الرّقة والقوة، والعذوبة والصلابة، والاحتراف اللافت، لنجمة الحفلة قائدة الأوركسترا الروسية والشخصية البارزة في عالم الموسيقى الروسي دايانا غوفمان، التي تتميز بموهبتها الاستثنائية في الغناء الأوبرالي والقيادة الأوركسترالية. وهي الحاصلة على دبلوم مع مرتبة الشرف كقائدة أوركسترا من معهد "ريمسكي كورساكوف سانت بطرسبرغ" الحكومي للموسيقى، ودراسات عليا في الأداء الأوركسترالي في معهد "ديتمولد العالي للموسيقى" في ألمانيا. كما تخرجت أيضاً من معهد موسكو الحكومي للموسيقى كعازفة بيانو. وقادت غوفمان العديد من الأوركسترات الروسية البارزة، بما في ذلك أوركسترا موسكو السمفونية، وأوركسترا سانت بطرسبرغ الأكاديمية السمفونية، وأوركسترا تاسكي السيمفونية. وهي الحائزة على العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، بما في ذلك لقب "فنانة روسيا الفخرية". وتشغل أيضاً مناصب قيادية في منظمات ثقافية دولية، كما تشغل منصب المدير الفني والمدير العام لمسرح موسكو الإقليمي "انظر إلى الموسيقى". يُعد هذا الحفل الموسيقي المميز حدث لا ينسى لعشاق الموسيقى الكلاسيكية، حيث اجتمعت كل عناصر الإبداع والمتعة والجمال في اكتمالٍ لمشهدية موسيقية نادرة الحدوث، توّجها البرنامج الموسيقي الخلاب لتحفتَي تشايكوفسكي الخالدتين "روميو وجولييت" و"السمفونية الرابعة". في مستهل الحفل، كانت كلمة معبرة لرئيسة المعهد هبة القواس، خاطبت فيها عمق عنوان الاحتفالية بما يتضمنه من عدالة وسلام وجاء فيها: "أيها السائرون على خيوط هذا الوجود، في البدء، لم تكن الكلمة، ولا الحجر، في البدء، كان ارتجاف الوعي الأول: أنّ هذا الكون، بكل اتساعه، ظالمٌ إن تُرك بلا عدالة، وعقيمٌ إن غاب عنه السلام. السلام والعدالة، كائنان لا يسكنان النصوص ولا الشعارات، بل يتخلّقان في قلب كل من يؤمن أن الإنسان وُجد لا ليُستَعبَد، بل ليحلم. ولا ليُعاقب بالوحدة، بل ليُفتدى بالحبّ". وتابعت: "لهذا اجتمعنا اليوم. في هذه الذكرى الخامسة والستين للكاتدرائية، نجدد العهد لا للمكان وحده، بل لما مثّله عبر الزمن: محرابُ من قاوم بالصلاة، ومن صارع بالأمل. ونأتي بالموسيقى، لا كترفٍ ولا تزيين، بل كقوة شافية، قادرة أن تزيح عن أرواحنا صدأ الخوف. نأتي بها عبر الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الوطنية، هذا الجسد الحي الذي يعبر بنا فوق الجراح دون أن ينكرها، ويُحوّل الألم إلى مقطوعة حبّ خالدة". وأضافت القواس: "تحت قيادة دايانا غوفمان، تلك التي لا تقود بالعصا بل بالوعي العميق لإيقاع الروح، سنخوض الليلة رحلة إلى داخلنا، رحلة مع تشايكوفسكي برائعته روميو وجولييت وسمفونيته الرابعة. اصغوا الليلة اليه، إلى تشايكوفسكي، كمن يُعِدُّ نفسه لعبورٍ سرّي نحو حقيقة أعظم. فكل نغمة سهمٌ في فراغ العالم. وكل صمتٍ بين نوتتين... وطنٌ صغير يولد. مرحبًا بكم في موطن الحب والعدالة والسلام". ثم كانت كلمة مرحّبة لكاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان، الذي استشهد بمقولة جلال الدين الرومي "الموسيقى هي أزيز أبواب الجنة"، للدلالة على رمزية الموسيقى الروحية والإنسانية العميقة، وربطها بعنوان الأمسية "السلام والعدالة"، وما يمثله هذان الشعاران للبشرية. وشكر أوهانسيان الكونسرفتوار ممثلاً برئيسته والأوركسترا والقائدة والموسيقيين على الحفل في مناسبة تأسيس الكاتدرائية الخامسة والستين. وقدّم الأب أوهانسيان إلى القواس هدية رمزية تجسّد الكاتدرائية. وبكل ما حملت من شحنات قيادية، افتتحت غوفمان الحفل بعصاها السحرية، وبحركة يديها الممسكتَين بسلطة القيادة، وبتعبيرات جسدها النحيف المتماهية مع كل حركة ونغمة ونوتة. فكانت انحناءاتها وتعبيراتها الجسدية كجسر عبور تجتازه مقدمة "روميو وجولييت" الشهيرة لتشايكوفسكي التي استهلت بها الحفل "P.I. Tchaikovsky (1840-1893) ،Overture - Fantasy "Romeo and Juliet". في هذه المعزوفة، نجح العازفون في نقل جو الحب والمأساة عبر النغمات المتناغمة والمعبرة، فعكسوا ببراعة تقاطع المشاعر بين الحنين والرفض، بين العاطفة العميقة والنهاية المأساوية، في طغيان للـ "Pianissimo" على العمق الموسيقي للمعزوفة، الذي يُبرز اللمسات الدقيقة للعزف ويشعر الجمهور بأنهم يدخلون عالم روميو وجولييت بأحاسيسهم وأفكارهم، في محاكاة للوجد في قلوب العشاق. وفي أداء جارف للأوركسترا التي تحرّكها شراسة الحركة القيادية لغوفمان، اجتاحت موسيقى السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي (Symphony no. 4 in F minor) أنفاس الحضور وفضاء الكاتدرائية وخشوع الأروقة والأيقونات، في انعكاس عميق لنزاع الروح البشرية مع المصير الذي تتضمنه السمفونية. فدخل العازفون في نغمات مليئة بالحزن والوحدة، تُجسد الكوابيس الداخلية التي تصارع العقول والأنفس، وأدارت غوفمان تحولات الأجواء من الحزن إلى التفاؤل، من الكآبة إلى اللحظات المضيئة من الأمل، بأداء رشيق ومؤثر من جميع العازفين، في تداخل انسيابي للآلات الوترية والنفخ والإيقاعات والصنوج التي تردد صداها في الصمت المؤثّر والأسماع المتلهّفة إلى موسيقى تفتح في الروح نوافذ السحر والدهشة، فتحوّلت كل لحظة في الحفل إلى تجربة موسيقية لا تُنسى. وفي الأجزاء اللاحقة، يتبدل المزاج ليظهر الفرح المفاجئ كأنه التوق إلى الأمل، على الرغم من المحن المتتالية. فيبدأ العزف بشكل غامض ويتصاعد إلى مشهد مليء بالقوة والدرامية، ليُظهر تناغمًا ساحرًا بين العازفين الذين شكّلوا فسيفساء لحنيّة متجانسة الأقواس والأنامل، ولكن في ارتقاءٍ مختلف عند كل منهم إلى عالمه العزفي الخاص. روائع الموسيقى والتأليف والقيادة والعزف اجتمعت في هذا الحفل، لتبقى أصداؤها في الروح لوقت طويل بعد نهاية الأمسية. إنها لحظات من التجلي والانخطاف، حيث كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت يستبيح النفس بجلال وهيبة، بل كانت رحلة في أقاصي المطلق.

القائدة الروسية غوفمان والأوركسترا الفلهارمونية تحييان الذكرى 65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي
القائدة الروسية غوفمان والأوركسترا الفلهارمونية تحييان الذكرى 65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي

LBCI

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • LBCI

القائدة الروسية غوفمان والأوركسترا الفلهارمونية تحييان الذكرى 65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي

احتضنت كاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي للأرمن الكاثوليك، وسط بيروت، حفلة موسيقية استثنائية لمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الكاتدرائية، بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وأحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة إحدى أبرز القادة الموسيقيين على مستوى العالم المايسترو الروسية دايانا غوفمان، وبحضور كاهن الكاترائية الأب رافي أوهانسيان وجمع من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية وجمهور الموسيقى الكلاسيكية في لبنان. ساعة من التجلّي الموسيقي تحت عنوان "السلام والعدالة" قدمتها الأوركسترا التي حلّقت في فضاءات الإبداع والرّقي والفن الرفيع مع عازفين في قمة المهارة والاحتراف، بقيادة مبهرة لقائدة الأوركسترا دايانا غوفمان. حضور آسر بقيادة أنثوية تخطف الأنفاس، جمعت الرّقة والقوة، والعذوبة والصلابة، والاحتراف اللافت، لنجمة الحفلة قائدة الأوركسترا الروسية المتميزة والشخصية البارزة في عالم الموسيقى الروسي دايانا غوفمان، التي تتميز بموهبتها الاستثنائية في الغناء الأوبرالي والقيادة الأوركسترالية. وهي الحاصلة على دبلوم مع مرتبة الشرف كقائدة أوركسترا من معهد ريمسكي كورساكوف سانت بطرسبرغ الحكومي للموسيقى، ودراسات عليا في الأداء الأوركسترالي في معهد ديتمولد العالي للموسيقى في ألمانيا. كما تخرجت أيضًا من معهد موسكو الحكومي للموسيقى كعازفة بيانو. وقادت غوفمان العديد من الأوركسترات الروسية البارزة، بما في ذلك أوركسترا موسكو السمفونية، وأوركسترا سانت بطرسبرغ الأكاديمية السمفونية، وأوركسترا تاسكي السيمفونية. وهي الحائزة على العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، بما في ذلك لقب "فنانة روسيا الفخرية". وتشغل أيضًا مناصب قيادية في منظمات ثقافية دولية، كما تشغل منصب المدير الفني والمدير العام لمسرح موسكو الإقليمي "انظر إلى الموسيقى". يُعد هذا الحفل الموسيقي المميز حدث لا ينسى لعشاق الموسيقى الكلاسيكية، حيث اجتمعت كل عناصر الإبداع والمتعة والجمال في اكتمالٍ لمشهدية موسيقية نادرة الحدوث، توّجها البرنامج الموسيقي الخلاب لتحفتَي تشايكوفسكي الخالدتين "روميو وجولييت" و"السمفونية الرابعة". في مستهل الحفل، كانت كلمة معبرة لرئيسة المعهد هبة القواس، خاطبت فيها عمق عنوان الاحتفالية بما يتضمنه من عدالة وسلام وجاء فيها: "أيها السائرون على خيوط هذا الوجود، في البدء، لم تكن الكلمة، ولا الحجر، في البدء، كان ارتجاف الوعي الأول: أنّ هذا الكون، بكل اتساعه، ظالمٌ إن تُرك بلا عدالة، وعقيمٌ إن غاب عنه السلام. السلام والعدالة، كائنان لا يسكنان النصوص ولا الشعارات، بل يتخلّقان في قلب كل من يؤمن أن الإنسان وُجد لا ليُستَعبَد، بل ليحلم .ولا ليُعاقب بالوحدة، بل ليُفتدى بالحبّ. لهذا اجتمعنا اليوم .في هذه الذكرى الخامسة والستين للكاتدرائية، نجدد العهد لا للمكان وحده، بل لما مثّله عبر الزمن: محرابُ من قاوم بالصلاة، ومن صارع بالأمل. ونأتي بالموسيقى، لا كترفٍ ولا تزيين، بل كقوة شافية، قادرة أن تزيح عن أرواحنا صدأ الخوف. نأتي بها عبر الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الوطنية، هذا الجسد الحي الذي يعبر بنا فوق الجراح دون أن ينكرها، ويُحوّل الألم إلى مقطوعة حبّ خالدة. تحت قيادة دايانا غوفمان، تلك التي لا تقود بالعصا بل بالوعي العميق لإيقاع الروح، سنخوض الليلة رحلة إلى داخلنا، رحلة مع تشايكوفسكي برائعته روميو وجولييت وسمفونيته الرابعة. اصغوا الليلة اليه، إلى تشايكوفسكي، كمن يُعِدُّ نفسه لعبورٍ سرّي نحو حقيقة أعظم. فكل نغمة سهمٌ في فراغ العالم. وكل صمتٍ بين نوتتين... وطنٌ صغير يولد. مرحبًا بكم في موطن الحب والعدالة والسلام." ثم كانت كلمة مرحّبة لكاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان الذي استشهد بمقولة جلال الدين الرومي "الموسيقى هي أزيز أبواب الجنة" للدلالة على رمزية الموسيقى الروحية والإنسانية العميقة، وربطها بعنوان الأمسية "السلام والعدالة"، وما يمثله هذان الشعاران للبشرية. وشكر أوهانسيان الكونسرفتوار ممثلاً برئيسته والأوركسترا والقائدة والموسيقيين على الحفل في مناسبة تأسيس الكاتدرائية الخامسة والستين، مرحّباً بالحضور. وقدّم الأب أوهانسيان إلى القواس هدية رمزية تجسّد الكاتدرائية. وبكل ما حملت من شحنات قيادية، افتتحت غوفمان الحفل بعصاها السحرية المتوهجة، وبحركة يديها الممسكتَين بسلطة القيادة، وبتعبيرات جسدها النحيف المتماهية مع كل حركة ونغمة ونوتة. فكانت انحناءاتها وتعبيراتها الجسدية كجسر عبور تجتازه مقدمة "روميو وجولييت" الشهيرة لتشايكوفسكي التي استهلت بها الحفل. في هذه المعزوفة، نجح العازفون في نقل جو الحب والمأساة عبر النغمات المتناغمة والمعبرة، فعكسوا ببراعة تقاطع المشاعر بين الحنين والرفض، بين العاطفة العميقة والنهاية المأساوية، في طغيان للـPianissimo على العمق الموسيقي للمعزوفة، الذي يُبرز اللمسات الدقيقة للعزف ويشعر الجمهور بأنهم يدخلون عالم روميو وجولييت بأحاسيسهم وأفكارهم، في محاكاة للوجد في قلوب العشاق. وفي أداء جارف للأوركسترا التي تحرّكها شراسة الحركة القيادية لغوفمان، اجتاحت موسيقى السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي أنفاس الحضور وفضاء الكاتدرائية وخشوع الأروقة والأيقونات، في انعكاس عميق لنزاع الروح البشرية مع المصير الذي تتضمنه السمفونية. فدخل العازفون في نغمات مليئة بالحزن والوحدة، تُجسد الكوابيس الداخلية التي تصارع العقول والأنفس، وأدارت غوفمان تحولات الأجواء من الحزن إلى التفاؤل، من الكآبة إلى اللحظات المضيئة من الأمل، بأداء رشيق ومؤثر من جميع العازفين، في تداخل انسيابي للآلات الوترية والنفخ والإيقاعات والصنوج التي تردد صداها في الصمت المؤثّر والأسماع المتلهّفة إلى موسيقى تفتح في الروح نوافذ السحر والدهشة، فتحوّلت كل لحظة في الحفل إلى تجربة موسيقية لا تُنسى. وفي الأجزاء اللاحقة، يتبدل المزاج ليظهر الفرح المفاجئ كأنه التوق إلى الأمل، على الرغم من المحن المتتالية. فيبدأ العزف بشكل غامض ويتصاعد إلى مشهد مليء بالقوة والدرامية، ليُظهر تناغمًا ساحرًا بين العازفين الذين شكّلوا فسيفساء لحنيّة متجانسة الأقواس والأنامل، ولكن في ارتقاءٍ مختلف عند كل منهم إلى عالمه العزفي الخاص. روائع الموسيقى والتأليف والقيادة والعزف اجتمعت في هذا الحفل، لتبقى أصداؤها في الروح لوقت طويل بعد نهاية الأمسية. إنها لحظات من التجلي والانخطاف، حيث كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت يستبيح النفس بجلال وهيبة، بل كانت رحلة في أقاصي المطلق.

امسية من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار
امسية من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار

الوطنية للإعلام

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • الوطنية للإعلام

امسية من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار

وطنية - استضافت القاعات الأثرية للمتحف الوطني في بيروت، أمسية استثنائية من موسيقى الحجرة، برعاية وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس. وشهد الحفل حضورا لافتا من محبي الموسيقى والوجوه السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية، الذين غصت بهم باحات المتحف التاريخي. في مستهل الأمسية تحدثت القواس مرحبةً بالحضور والموسيقيين، وتضمنت كلمتها إعلانًا تعليمياً مهماً عن انطلاق الفيديوهات الموسيقية التعليمية. وجاء في كلمتها: "أهلاً بكم في هذا اللقاء الموسيقي العائلي والحميم مع موسيقيين استثنائيين من روسيا الى العالم كله، لأن الموسيقى تنطلق من بلد وتسافر في الكون من دون حدود. أمسية موسيقى الحجرة مع فلاديمير سلوفاتشيفسكي وهو عازف التشيلو الأول في الأوركسترات، وفي الوقت نفسه يأتي ليعطي لبنان من وقته وشهرته مع والده سيرغي عازف مسرح المارينسكي وريناتا والدته، العائلة الموسيقية العظيمة التي تقدم للبنان في مرحلة كان فيها صعوبة كبيرة للتواصل مع الموسيقيين بسبب الحظر الذي كان معمماً على مجيء الأوروبيين. وعازفة البيانو العالمية إيفيلين بيريزوفسكي التي أصبحنا نعتبرها جزءاً من الكونسرفتوار والتي قدمت منذ العام الماضي عدة حفلات مع الأروركسترا وأعطت العديد من الماستر كلاسز هي وفلاديمير أيضاً". أضافت: "في هذه المناسبة أود أن أعلن أننا سنبدأ هذا الأسبوع مع إيفيلين بيريزوفسكي بإطلاق أول تسجيل لفيديوهات تعليمية ((Tutorials videos لآلة البيانو بدءاً بالمراحل التحضيرية الأولى وصولاً إلى الدرجات العليا. سنبدأ بالتسجيل والتصوير لطلابنا في الكونسرفتوار الذين بالإضافة لما يتعلمونه مع أساتذتهم، سيتم إدخال الOnline Learning أو التعليم عن بعد ولكن بالمعنى التفاعلي وصولاً إلىAugmented Reality (الواقع المعزّز) الذي تحدثت عنه سابقًا. ليصبح لدينا الفيديوهات التعليمية المسجلة (Tutorials videos) التي ستكون دليلاً للطالب عندما يعود إلى منزله وليس فقط على المستوى المحلي وإنما على أعلى مستوى تقني. في معظم الأحيان يعود الطالب إلى منزله من دون أن يتذكر الكثير من التفاصيل، ونحن نعلم أن تنوع الأساتذة وكل منهم يعلم بطريقة مختلفة ومدرسة مختلفة وخبرة مختلفة. لا أقول أننا بهذه الطريقة نوحّد، ولكننا نعطي إمكانية الوصول إلى أعلى مستوى للجميع. لقد أقمنا هذا الشهر أكثر من خمسين ماستر كلاسز لطلاب الكونسرفتوار مع أهم الموسيقيين الذين قدموا من العالم، فطلاب البيانو فقط هم 1200 من بين 4000 طالب بشكل عام. وسنفتح الاشتراك في الدروس التعليمية لكل اللبنانيين". وبحسب بيان، أحيا الأمسية عازف التشيلو القدير فلاديمير سلوفاتشيفسكي، وهو موسيقي عالمي مرموق تعاون مع كبار قادة الأوركسترا مثل يوري تيميركانوف وثيودور كورنتزيس، وقد أذهل الجمهور بأدائه العميق والمتقن، حيث انطلقت من آلته نغمات تجسد روح المؤلفين الموسيقيين. وشاركت في هذه الأمسية الثنائية عازفة البيانو المتألقة إيفلين بيريزوفسكي، التي وصفها النقاد بأنها "عازفة بيانو ذات مزاج عظيم وتقنية مبهرة وقلب يضاهي موهبتها" كما ذكرت صحيفة "لوموند". وقد أضافت بيريزوفسكي ببراعتها وحساسيتها الموسيقية بعدا آخر للأمسية، حيث تناغم عزفها مع تشيلو سلوفاتشيفسكي في حوار موسيقي بديع. في أمسية موسيقية ساحرة، تراقصت الأنامل على أوتار التشيلو والبيانو بتناغم يخطف الأنفاس، ليقدما لنا أداءً يتسم بالـ virtuosity والشفافية الفنية. العازف فلاديمير سلوفاتشيفسكي، الذي يمتلك براعة استثنائية في العزف، أضاف عمقًا وثراءً لكل قطعة عزفها. في كل نغمة، كان صوت التشيلو ينساب كالنهر الهادئ. إلى جانبه، عزفت إيفلين بيريزوفسكي على البيانو بخفة وأناقة، حيث كانت أناملها تلامس مفاتيح البيانو بحذر، لتخلق خلفية موسيقية تأسر الألباب وتنسجم بشكل كامل مع صوت التشيلو. فسادت بين العازفين علاقة تناغمية مذهلة، عكست التعاون الفائق بينهما، وأظهرت تفاعلهما السلس في كل لحظة موسيقية، سواء في القطع الحالمة أو المفعمة بالتوتر والدراما. تنوع البرنامج الموسيقي ليشمل مختارات خالدة من مؤلفات كبار الموسيقيين، مما أتاح للحضور فرصة الاستمتاع بتجربة موسيقية غنية بالمشاعر والتعبير. ففي Adagio لشوستاكوفيتش، التي بدأ بها الحفل، كانت لحظة سحرية تضاف إلى سجل الأداءات الاستثنائية. عزف سلوفاتشيفسكي بمهارة تفوق التصور، مستغلاً كل مقياس لخلق تباين في الديناميكيات، متخللاً القطعة بلحظات من الصمت الكامل، ليعكس مشاعر الهدوء العميق في لحظات أظهرت براعة فائقة وإتقانًا مدهشًا حيث تميز بتقنيات رائعة أضفت على العزف طابعًا عاطفيًا وحسّاسًا، ليأخذنا في رحلة موسيقية داخل النفس البشرية، من خلال الغوص في نفسه والدخول إلى عمقها بهدوء شديد العذوبة، وخفوت تدريجي حتى يخيّل للسامع أنه يوقف ال pianissimo ويلقيه على القوس والوتر. بينما أضاف البيانو لمسات رقيقة عمقت من إحساس التأمل. أما في 3 Fantasy Pieces لشومان، فقد أضاف كل من العازفين لمسات من الإبداع والفن المرهف، حيث تبادل التشيلو والبيانو الأدوار في سرد حكايات موسيقية آسرة. وفي Vocalise لراخمانينوف، تجلت قدرة التشيلو على نقل الألحان بصوته الحالم، بينما واكبه البيانو برقة غير مسبوقة، ليلامسا شغاف قلوب الحاضرين. وفي ختام الحفل، مع سوناتا شوستاكوفيتش، وخاصة في الحركة الأولى والثانية، بدا عزفهما كحوار موسيقي حقيقي يتراوح بين الهدوء والتصعيد الدرامي. وقد وصل الحفل إلى ذروته في السوناتا الثالثة لراخمانينوف، حيث أظهر العازفان تناغمًا مذهلاً، تكلل بإبداع متكامل بين التشيلو والبيانو، وتدفقت الألحان بتناغم نادر ليتركا أثراً عميقاً في الوجدان. لقد كان أداء فلاديمير سلوفاتشيفسكي وإيفيلين بيريزوفسكي في هذه الأمسية بمثابة شهادة على إتقانهما العميق لآلتي التشيلو والبيانو وحساسيتهما الموسيقية الاستثنائية. هذا التنوع في الحقبة الزمنية والأسلوب الموسيقي للمؤلفين، بالإضافة إلى التفاعل الغني والحوار الاستثنائي بين الآلتين، كرسا أمسية موسيقية ثرية بالتعبير والتناغم الصوتي، مما أتاح للجمهور الاستمتاع بتجربة استماع متكاملة وممتعة. نجح فيها الموسيقيان في خلق جو حميمي وأسر قلوب الحاضرين، تاركين لديهم انطباعاً عميقاً بالجمال والقوة الكامنة في موسيقى الحجرة. خصوصًا في تنوع اختيارات البرنامج وثرائه، حيث قدما للجمهور بانوراما مميزة لموسيقى الحجرة. وقد أظهر الثنائي سلوفاتشيفسكي وبيريزوفسكي انسجاماً فنياً رفيعاً، تجلى في قدرتهما على الغوص في أعماق المؤلفات وتقديم تفسيرات دقيقة وحساسة. فعكست الأمسية المستوى الرفيع لنجوم الموسيقى العالمية الذين يستضيفهم المعهد الوطني، وأكدت على أهمية الموسيقى في إثراء المشهد الثقافي وتقديمه بأبهى صورة وتعزيز التواصل الإنساني. كما أبرزت جمالية المتحف الوطني كفضاء فريد يجمع بين عبق التاريخ وسحر الفنون. =============ر.إ

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store