
الروائى اليمنى الغربى عمران يكتب: «رسائل مشفرة» تنتصر للعقل وقيم الجمال الإنسانى
أسعد بقراءة جديدة للروائى والأديب المصرى أحمد عبده، وذلك لما تمنحنى أعماله السردية من متعة وتشويق، فقد درج عبده على تجديد أدواته من عمل إلى آخر، إضافة إلى جدة مضامينه، إذ إنه يعالج قضاياه من زوايا مختلفة، فيهدينا جرعة من التساؤلات، الدافعة للبحث عن إجابات لها. ومؤخرًا أهدانى آخر إصداراته «رسائل مشفرة» مجموعة ضمت ١٢ قصة فى ١٤٠ صفحة، صادرة عن دار عناوين بوكس، القاهرة، ٢٠٢٤.
أحمد عبده - صورة أرشيفية
غلاف صورة لغراب يتقدم مشهدًا قاتمًا، بلون الأسود وشىء من لمعة الأزرق، وخلفه قمر مدور بلون كريمى فاتح، ما جعل الغراب بارزًا؛ وما لذلك الطير الجميل من دلالات ورمزية للشؤم فى الوعى الشعبى، كما أن ذلك الكائن قد غلف صورته السواد، ثم خلفية للوحة بلون كرتونى، ليثير كل ذلك شيئًا من الإبهام المحبب.
أما عن العناوين القصصية فأبدأ بداية بالعنوان الرئيسى «رسائل مشفرة» هذا العنوان لم يستعره الكاتب من أحد عناوين قصصه، وقد وفق فى اختياره ليكون جامعًا لكل قصص المجموعة، إذ إن القارئ سيدرك أثناء قراءته، بأن كل نص يمثل رسالة مشفرة، ولمعرفتى بسعة ثقافة الأستاذ أحمد، فإنه يوظف معرفته، بداية بتحميل نصوصه بقضايا مختلفة تهم المجتمع المصرى، سواء فى أعماله القصصية أو الروائية، أو غيرها، فتلك الرؤى الإنسانية التى تؤثث قصص مجموعته، وتشير إلى انتصاره للعقل، أمام الغيبيات التى عادة ما يستخدمها رجال الدين السياسى لتجهيل وتجنيد أفراد المجتمع، وخاصة الشباب.
فالروائى أحمد عبده تجاوز تأثيرات العرقية والمفاهيم المغلوطة للدين، داعيًا قارئه إلى مشاركته ما تحمله أعماله من رسائل مشفرة ضمنها تلك القصص، وما العنوان إلى باب يصلنا بعوالم متضادة ومتصارعة، ليست بغرض إصلاح المجتمع أو الرقى به، بل للسيطرة على قدراته الروحية والمادية.
كثيرًا ما يشدنى غلاف أى عمل إبداعى، فإذا ما زرنا مكتبة، نبدأ باستعراض تلك الأعمال على الرفوف المختلفة، وخاصة العناوين، كونها فخًا لقارئ محتمل.
وإذا ما انتقلنا إلى العناوين الداخلية، مثل: أقراص مدمجة، رؤيا الكاهن، رؤوس الشياطين، مزرعة الشيخ، محكمة تفتيش، جرعة من الداتورة، فلسفة البنطلون المقطع، متحف آثار، الله والمرأة، ثم ثلاثة عناوين تشترك فى ثلاث مفردات، وهى: «معالجة جانبية للفتنة»، وأضيف له «من اليمين» والثانى نفس العنوان وأضيف له «من الشمال» والأخير أضيف له «من الداخل».
تلك العناوين تبدو فى ظاهرها مباشرة، وطويلة، إذ إنها أتت بأكثر من مفردة، حيث يصل بعضها إلى خمس مفردات، ولم يأتِ حتى ولا عنوان بمفردة واحدة، غير أن بعضها قد حمل بعض الإبهام والغموض، مثل: الله والمرأة، أقراص مدمجة، إلا أن جميعها عبرت عن مضامين قصص المجموعة.
وكما عودنا الكاتب فى أعماله السابقة، المزج بين الهم الاجتماعى والسياسى، نجده فى قصصه هذه يسلط الضوء على صراعات المجتمع، سواء على مستوى الأسرة، أو بين المجتمع والسلطة، أو صراع الفرد مع ذاته فى عصر معقد ومتشابك «هل باطنك سيغادر أفكارك وهواجسك، وأنت بين فكيهم؟ أنت تملك ذلك، كما تملك تحريك أصابعك، واحتمال آخر، ربما تنتصر فيه أفكارك وهواجسك معك، كما تتصرف حركة الجفنين، هل تملك ثباتهما، على أى وضع، لبعض الدقائق دون أن تتململ؟ أو حتى لبعض الثوانى!».
يتناولها الكاتب وإن برمزية لافتة، ويترك كل قارئ فهم واستيعاب المضامين حسب وعيه ومستوى ثقافته، مركزًا على بث القيم الإنسانية والفكر التنويرى، من خلال تعرية طواغيت الدين السياسى، الذين يعتمدون فى بث سمومهم، على تدنى التعليم، خاصة بين سكان هوامش المدن، والمجتمعات الريفية «جرأة غير معتادة من الرجل المجادل، وبلبلة متشابكة حدثت فى عقول الناس من كلام الخطيب، وخوفهم من ضياع صلاتهم، وفرحهم بالكلام عن ذلك الذى يتنزه عند منابع النيل فى الجنة، ويضاجع الحوريات، والأمل الذى يساور كل واحد منهم أن يكون هو ذلك الرجل...» وهكذا دومًا ما يدغدغون غرائز الإنسان، وما ينتظره من حور وأنهر خمر.
عند قراءة قصص «رسائل مشفرة» تحضرنى ما تعيشه بعض مجتمعاتنا العربية، وما صنع بهم الفكر الدينى الذى يتبناه دعاة دأبوا على استغلال الجهل المتفشى وفساد الأنظمة والأوضاع المعيشية المتردية، فى: لبنان، العراق، وسوريا، وليبيا، والسودان، ودول أخرى... تلك الجماعات التى سيطرت من خلال عناصرها على عقول شرائح بأكملها، مجندة لهم متسلطة من خلالهم، معتمدة على الدعم الخارجى، الذى له مصالحه فى تمزيق مجمعاتنا.
قصص تثير التساؤلات، دافعة بالقارئ إلى التفكير حول احتمالات لأجوبة عدة، وتلك قمة المتعة والمشاركة، وأكبر سؤال لماذا نحن فى أدنى سلم التحضر، وإلى متى نظل؟!
سلط الكاتب فى العديد من قصصه الضوء على ذلك الصراع الأزلى بين العلم والدين، وخاصة الثلاث القصص الأخيرة من المجموعة «معالجة جانبية للفتنة... من اليمين» والقصتين الأخيرتين حيث استدعى قصة يوسف والزُليخا من القرآن الكريم، ليعالجها من عدة زوايا، مازجًا بين شخصيات من الحياة المعاصرة وشخصيات سورة يوسف، وقد غاص إلى أعماق شخصياته، ذكورًا وإناثًا، ليظهر لنا أن الفتنة مسألة نسبية، وأن الرجل أكثر من المرأة حسية.
تنوع السارد من قصة إلى أخرى، بل إنه تنوع بداخل القصة الواحدة فى بعضها، ما أعطى مرونة وشغف متابعة القراءة، فمثلًا سارد قصة أقراص مدمجة، سردها الكاتب بضمير متكلم، وكذلك رؤيا الكاهن، غير أنه اختار السارد العليم فى قصة رؤوس الشياطين، وكذلك قصة مزرعة الشيح. ليعود لضمير المتكلم فى قصة محكمة تفتيش، وغيرها؛ وهكذا نجده يغير من قصة إلى أخرى من خلال الحوارات وتداخل الأحداث، لتتبادل شخصيات القصص حكى تجاربها فيما بينها، وبذلك شكلت ضمائر متداخلة فى سرد جزيئات من تلك القصص، مصورة للصراع القائم بين الأفكار والرغبات فى كثير من قصص المجموعة.
ومن ناحية أخرى نجد تماهى الحدث، لصالح سيطرة الوصف، باستعارة إحدى خصائص المسرح تارة، ألا وهى المشهدية «حيث يمر عليهما الشرطى فى القطار، يطلب هوية كل منهما، لحظة تبليم وتسهيم تقع عليهما معًا، تلفت ناظرى الشرطى للبقع المقطعة على فخذ الفتاة، فيتفحص جيدًا، ويدقق فى أوسعها مساحة، يتمتم بشفتيه كأنه يقرأ أو يتهجى قراءة شىء فى فخذها، أو يعد مسام جلدها، ثم ينظر للبقع المقطعة على فخذ الشاب، يتفحص جيدًا ويدقق فى أوسعها مساحة، يتمتم بشفتيه كأنه يقرأ...» وأخرى ما يشبه اللقطات السينمائية، ليجد القارئ نفسه كإحدى الشخصيات المشاركة، يسمع ويرى ويستنبط الدلالات ويستشف ما توحى إليه تلك العبارات، وأساليب الترميز.
كما نقف على استدعاء شخصيات أسطورية، وحكايات من الموروث، لمعالجة قضايا إنسانية معاصرة، مستخدمًا الخيال فى إيجاد اللامعقول «ثم يواصل الملاك قائلًا للرجل: تغمض عينيك ثم تضع يدك على كتف إحداهن، فتكون هى من اخترتها، ومن اخترتها فكأنك اخترتهن جميعًا، لا غيره ولا غضب. فأغمض الرجل عينيه يا أحباب الله، ووضع يده على ملمس الحرير، راح يمازحها ويلاطفها ويقدم لنفسه معها، ثم انخرط فى مضاجعتها...» الكاتب يمزج هنا بين الغيبيات فى تخييل فانتازى، وما يستخدمه فقهاء التضليل، وهكذا نجده يمزج بين المعقول واللامعقول لإيصال الفكرة، فى قصص المجموعة، كما فى العديد من أعماله السردية حين يأتى بشخصيات لها قدرات خارقة وأشكال غرائبية.
تلك الجمل الأولى التى تشد القارئ فى بعض القصص مثل: «ليل القرية كطرحة أمى يوم جنازتى ...» من قصة «أقراص مدمجة» ومن قصة رؤوس الشياطين «مخابئ ودهاليز تحت الأرض، لكنها بالنسبة لهن كغرف فى فندق كريستال أربيل! من عاش فى الظلام يحتضن الشمعة، ومن عاش فى العراء يستظل بظله ...» ومن قصة بعنوان محكمة تفتيش «خيرت بين الحياة والموت، فاخترت نفسك، أن تظل تمارس ذاتك وقناعاتك، فلويت عنقها إلى أن يدخل السيف فى غمده ...» تلك الجمل التى تغرى القارئ بغموضها وتجعله يواصل الاكتشاف جملة بعد أخرى حتى النهاية، ضمن خليط من المعقول واللامعقول، فى الوقت الذى لا تبوح بمضمون القصة، بل تدعو القارئ إلى التحلى بالصبر، وإعمال العقل ليصنع لنفسه معنى ومدلولًا، باحثًا عن أجوبة تقنعه، وعن تفاسير لأسلوب الترميز، ونبضات الإيحاء التى أمعن الكاتب فى اتباعها كلعبة بينه وبين قارئه.
ينسج الكاتب النهايات على غير ما يتوقعه القارئ لمعظم قصص المجموعة ونقتطع هنا من الجمل الخاتمة للتدليل «وفجأة! يقف على عتبة الباب ضخم الرأس ضخم الجسد... قرد! راح يبحلق فيهن، يدور بنظراته عليهن بطريقة نصف دائرة كأنه يبحث عمن شتمته أو ضربته بالأمس!.. وهن يكتمن وجعهن وغيظهن ...».
تلك الجمل من قصة بعنوان «معالجة جانبية للفتنة...من الشمال».
ومن نهاية قصة أخرى بعنوان محكمة تفتيش «أما ما جاء به مترجم حركات الشفتين فى الصلاة، ناقل منمنمات الخاطر، وهو ما لا يمكن غفرانه لك، فهو ألف باء الصلاة، من أنك- وعلى طول الركعات الأربع- كنت تقول فى مكان الفاتحة كلامًا مما يقال فى معابد الهنود، وتقول فى الركوع كلامًا مما يقال فى كنيس اليهود، وفى السجود كلامًا بما يردد فى كنائس النصارى!» وهكذا يلبس الأستاذ أحمد كل فكرة ثوبها المناسب والمشوق، بدءًا من أول جملة وحتى الجملة الخاتمة.
ضمت المجموعة قصصًا كتبت بين أعوام ٢٠٢١ و٢٠٢٢ و٢٠٢٣، وهى قصص تجددت فيها أساليب الأديب أحمد عبده، حيث تمكن من الاحتفاظ بكل فكرة حتى اكتمال صياغتها ورضاه عنها؛ ليخرج لنا ١٢ قصة بمعدل ٤ قصص... متأنيًا فى إخراج تحفه الفنية المتميزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقباط اليوم
منذ 30 دقائق
- الاقباط اليوم
تعليق مؤثر من راندا البحيري على انفصال أحمد السقا وزوجته مها الصغير
انفصال أحمد السقا ومها الصغير، علقت الفنانة راندا البحيري، على خبر طلاق الفنان أحمد السقا من زوجته الإعلامية مها الصغير، معبرة عن صدمتها بعد سماع الخبر. انفصال أحمد السقا ومها الصغير رسميًّا وقالت راند على صفحتها الشخصية بـ"فيس بوك": "يا رب تطلع إشاعة.. أحمد السقا ومها الصغير دول كانوا اللي مصبرني وسط كل علاقات المرتبطين اللي فشلت السنين اللي فاتت كلها". وأضافت: "كنت دايمًا بقول بس فيه couple أهو لسه مكمل، تمنياتي للمحترمة بنت حبييي الله يرحمه الغالي محمد الصغير بكل الحب والصبر والخير. وتمنياتي لأحمد السقا بحياة هادئه بالخير والسعاده يارب ويا رب التوفيق ليهم هما الاتنين وبحبهم أوي بجد". انفصال أحمد السقا عن زوجته مها الصغير وأعلن الفنان أحمد السقا انفصاله رسميًّا عن زوجته الإعلامية مها الصغير، وذلك من خلال منشور كتبه عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. وقال السقا خلال المنشور: الناس اللي بتسأل.. أنا والسيدة مها محمد عبد المنعم منفصلين منذ ستة أشهر، وتم الطلاق رسميًّا منذ شهرين تقريبًا، وأعيش حاليًّا لأولادي وعملي وأصدقائي المقربين وأمي وأختي، وكل تمنياتي لأم أولادي بالتوفيق والستر. وأضاف السقا: لا أريد الحديث كثيرًا في هذا الأمر، وسبحان مقلب القلوب ومبدلها، وتمنياتي لها بالسعادة والنجاح في قرارها وحياتها التي فوجئت بها مثلكم، ربنا يسعدها في حياتها المستقبلية واختياراتها. يذكر أن الفنان أحمد السقا قد شارك في موسم دراما رمضان الماضي بمسلسل العتاولة 2 مع الفنان طارق لطفي وفيفي عبده وباسم سمرة وإخراج أحمد خالد موسى.


بوابة ماسبيرو
منذ ساعة واحدة
- بوابة ماسبيرو
صلاح أبوسيف.. الأب الروحى للواقعية الجديدة فى السـينما المصرية
فى مثل هذا الشهر من عام 1915 وُلِد الفنان الكبير المخرج العبقرى «صلاح أبوسيف»، وهو من مواليد قرية «الحومة» فى مركز «الواسطى» بمحافظة «بنى سويف» وكان والده عمدة القرية، وكانت والدته معلمة ابتدائى، ووقع الانفصال بين العمدة والمعلمة، وأصبح الطفل «صلاح» مقيماً مع والدته فى القاهرة، وبالتحديد فى حى «بولاق مصر» المشهور عند الناس بـ»بولاق أبوالعلا» نسبة إلى سيدى «أبوالعلا» وهو من أصحاب المقامات ونسبه ينتهى إلى آل البيت «من نسل الحسين بن على رضى الله عنهما». وعبر هذه «الخلطة» تشكلت الرؤية والذائقة والانحياز الذى عاش به صلاح أبوسيف.. ولك أن ترى فيلم «الأسطى حسن» لتعرف الأثر العميق الذى خلفه «حى بولاق» فى تفكيره، رغم أن القصة كتبها «فريد شوقى»، لكن المؤكد أن «صلاح أبوسيف» كتب السيناريو أو شارك فى كتابته، وهذه طريقته فى العمل، لأنه كان يتبنى نظرية تقول إن السيناريو الجيد يحقق النجاح المضمون للفيلم حتى لو كان الإخراج رديئاً، وهو الذى قدم فى «الأسطى حسن» حالة التناقض الاجتماعى والاقتصادى التى عاشها المجتمع المصرى، والفيلم مواكب لثورة 23 يوليو 1952 التى كانت العدالة الاجتماعية نظريتها الأساسية التى بشّرت بها.. وفى الفيلم مقابلة بين «حى الزمالك»، الحى الغنى الراقى، وحى «بولاق»، مسكن الفقراء والخدم الذين يعملون فى قصور وعمارات الزمالك.. وفى فيلم مشهور له «الزوجة الثانية» ـ كتب قصته أحمد رشدى صالح ـ صاغ «أبوسيف» القرية المصرية كما لم تصغ من قبل فى السينما، فالقرية فى السينما الرومانسية هى الطبيعة الرائعة، والفلاح هو القانع الراضى بما قسم الله له، والفلاحة هى «خضرة أو مسعدة» التى تحب أن تخدم «الباشا» وأبوها «الخولى» الذى يستقبل الباشا وأسرته عند حضورهم من القاهرة لقضاء عدة أيام فى «العزبة» من باب تغيير المناظر أو تغيير «الهوا»، لكن قرية «صلاح أبوسيف» فى «الزوجة الثانية» هى قرية الفلاح الحافى الذى تداهمه حمى الملاريا ويموت جوعاً ويعيش مقهوراً تحت سطوة العمدة الظالم، آكل أموال الفلاحين، وكانت هذه الرؤية جديدة على السينما المصرية، والمعنى المقصود هنا هو النظرة الجديدة التى جعلت «المجتمع» بكل تعقيداته حاضرا فى السيناريو، وجعلت الناس يفكرون فى الصور التى تعرض عليهم، فالتسلية انتهت والتفكير اختلط بالمتعة، وكان فيلمه «البداية» وهو آخر أفلامه دعوة للديمقراطية وانحيازاً للناس، وفى شهر يونيو 1996 رحل رائد الواقعية الجديدة فى السينما المصرية وترك وراءه مدرسة عظيمة، تحترم المشاهد وتحرص على عقله وتدعوه للتفكيرفى حياته لا الهروب من أزماتها. بداية ونهاية.. هدية نجيب محفوظ لطبقة الموظفين المقهورة الحقيقة فى فيلم «بداية ونهاية» هى أن «صلاح أبوسيف» أهدى السينما المصرية كاتباً كبيراً اسمه «نجيب محفوظ» بعد أن قرأ له رواياته الواقعية واستعان به فى كتابة سيناريوهات لأفلامه، وكانت رواية «بداية ونهاية» فاتحة خير على محفوظ بعد أن خرجت فى صورة فيلم من إخراج «أبوسيف» فى عام 1960.. والعلاقة بين «أبوسيف» و»محفوظ» هى العلاقة القائمة بين الأدب الواقعى والسينما الواقعية، والواقعية معناها الرفض والتحريض على تغيير المجتمع إلى الأفضل والأرقى، وتحسين ظروف الحياة لكل من ينتج ويعمل ويخدم الوطن، وتوزيع الثروة توزيعاً يحقق العدل الاجتماعى، والعدل هو الهدف الذى يسعى إليه المصريون منذ عصور ما قبل التاريخ، والمصريون يحبون الإمام العادل، ويكرهون الظالم ويدعون عليه فى صلواتهم، وكانت اللقطة العبقرية فى رواية «بداية ونهاية» هى وصول خبر وفاة «الموظف» الصغير رب الأسرة المكونة من ثلاثة أولاد وبنت وزوجة، لولديه «حسنين وحسين» فى المدرسة الثانوية، ومن هذه اللقطة تولدت القصص والمشاهد وتفرعت الحكايات وظهرت المصائر المحددة لطبيعة كل شخصية من شخوص الرواية، التى اهتمت برصد حياة أسرة تنتمى إلى طبقة الموظفين المقهورة، فلم يكن للموظف معاش يضمن لعائلته الستر والكرامة بعد موته، ولم يكن الراتب يكفى نفقات الأسرة فى حياته، وكان الباشوات يملكون الأطيان فى القرى ويملكون القصور فى المدن، وجاءت مدرسة «الواقعية الجديدة» فى السينما لتجعل من «بداية ونهاية» فيلماً يرى فيه الناس مأساة طبقة الموظفين فى العصر الملكى، وهذه المدرسة تأثر بها صلاح أبوسيف بعد رحلته إلى إيطاليا، وكان يقوم بإخراج النسخة العربية من فيلم «الصقر» (قامت ببطولته سامية جمال ومعها الفنان عماد حمدى).. ونجحت الواقعية الجديدة فى مصر وتخلص المشاهدون من الرومانسية القديمة بشكل جزئى، ونجحت رواية «بداية ونهاية» فى خلق علاقة قوية بين روايات محفوظ والسينما، وتحولت روايات كثيرة من إبداعه إلى أفلام حققت نجاحا كبيرا منها «زقاق المدق، خان الخليلى، ميرامار، ثرثرة فوق النيل»، وما زال التراث المشترك للمبدعين الكبيرين «نجيب محفوظ « و«صلاح أبوسيف» حياً فى قلوب الشعب المصرى وكل الشعوب العربية التى تعرف قدرهما حق المعرفة. زينات صدقى.. كوميديانة «جدعة» من حىّ الجمرك الفنانة «زينت صدقى» ـ رحمها الله ـ شربت كأس الفن حتى النهاية.. كانت رائدة فى مجال التمثيل والغناء، ولم تحقق الحلم بالصورة التى تخيلتها، ودفعت ضريبة التمرد على قانون العائلة المقيمة فى حى الجمرك بالإسكندرية، فهى اختارت «التمثيل» والتحقت بمعهد للتمثيل كان مؤسسه هو الفنان الرائد «زكى طليمات» لكن والدها رفض دخولها هذا المجال، وأخرجها من المعهد وزوّجها لواحد من أبناء عمها يعمل طبيباً، وكان شديد الأنانية، منعها من كل شىء تحبه، وطلبت الطلاق، وحصلت عليه، وانغمست فى الفن، ورآها «نجيب الريحانى» وهى تغنى فى أحد المسارح الشعبية، فضمها إلى فرقته ومنحها دوراً فى مسرحية من مسرحياته، وتركت اسمها الرسمى «زينب محمد سعد» وأصبح اسمها الفنى «زينات صدقى».. وعملت فى المسرح والسينما حتى بلغ عدد الأفلام التى شاركت فيها أربعمائة فيلم، وفى منتصف طريقها الفنى قابلها ضابط من «الضباط الأحرار» وتزوجها سرّاً أربعة عشر عاماً، وطلبت الطلاق منه، وتدخّل الرئيس جمال عبد الناصر للصلح بينها وبين زوجها، لكنها أخبرت الرئيس بأن زوجها الضابط طلب منها أن تطرد أمها المريضة وتودعها فى دار للمسنين، وطلب منها ترك الفن، واندهش عبدالناصر وقال لها «اعتبرى نفسك ما سمعتيش كلامى.. خدى قرارك»، ووقع الطلاق، وعاشت بقية حياتها فى شقة متوسطة المستوى فى شارع عماد الدين بوسط القاهرة، ومرت بظروف قاسية، حتى إنها اضطرت لبيع أثاث بيتها لتجد ما تنفق منه على طعامها، وفى «عيد الفن» كرمها «السادات».. وفى «2 مارس 1978» انتقلت إلى جوار ربها وهى المولودة فى «4 مايو 1912»، فكان مجموع سنوات عمرها خمسا وستين سنة، استطاعت خلالها أن تكون «كوميديانة» لها مكانتها فى المسرح والسينما، وكانت «الجدعنة والطيبة» سمة من سماتها الأخلاقية التى اشتهرت بها فى الوسط الفنى.


بوابة ماسبيرو
منذ ساعة واحدة
- بوابة ماسبيرو
أسرار ومقاصد الحج فى التليفزيون
وافقت نائلة فاروق، رئيس التليفزيون، على الخريطة البرامجية التى قدمها المخرج شريف الشناوى رئيس الإدارة المركزية للبرامج الدينية بقطاع التليفزيون، بمناسبة بدء موسم الحج للعام الحالى 1446 هجريا - 2025 ميلاديا. وتضمنت الخطة اعتبارا من 15 مايو الحالى عرض برنامج «فتاوى وأحكام» على القناة الثانية فى السابعة مساء ولقاء مع الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية للرد على الأسئلة الخاصة بمناسك الحج والاستعداد له، وحلقة أخرى يوم 29 مايو مع الدكتور محمود شلبى للرد على الأسئلة الخاصة بالعشرة الأوائل من ذى الحجة ومناسك الحج، وحلقة 5 يونيو المقبل مع الدكتور عويضة عثمان للرد على الأسئلة الخاصة بيوم عرفة والحج والأضحية، وبرنامج «حديث الروح» بداية من 18 مايو وحلقات خاصة على الأولى والفضائية المصرية، بالإضافة إلى برنامج «طاقة نور» على الثانية يوم السبت ولقاءات مع الشيخ علاء شعبان وحديث عن الحج ولقاء مع الشيخ أحمد الفشنى، وحلقة مع الدكتور مصطفى الهلباوى عن مناسك الحج وشكر الله على نعمة الحج، وحلقة مع الشيخ محمد دسوقى وحديث عن الحج عرفة، وحلقة أخرى مع الشيخ أحمد الفشنى وحديث عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم «خذوا عنى مناسككم»، وحلقات خاصة من برنامج «فى نور القرآن الكريم»، بالإضافة إلى برنامج «وقولوا للناس حسنا» وحلقة يوم 25 مايو الحالى مع الدكتور سيد عبدالمنعم والشيخ عبدالمنعم دويدار وحديث عن موضوع «وأذن فى الناس بالحج» وحلقة 1 يونيو مع الدكتور عادل المراغى والدكتور صلاح الجبالى وحوار عن «وأتموا الحج والعمرة لله»، وحلقة 19 مايو تستضيف الشيخ أحمد تميم المراغى والشيخ عيد محمد إسماعيل وتدور عن الاستعداد للحج. البرنامج يذاع على القناة الثانية أيام الأحد والإثنين والثلاثاء فى الحادية عشرة والنصف صباحا، وبرنامج «حقائق إسلامية» حلقة 23 مايو مع الشيخ مصطفى صابر للرد على قول إن الحج أشهر معلومات وليس محددا بالأيام التى فيها المناسك فقط، وحلقة 24 مايو مع الدكتور إبراهيم حسن للرد على التشكيك فى أن فريضة الحج تكفر الذنوب، وحلقة 31 مايو مع الشيخ محمد غنيم للرد على شبهة أن شعائر الحج طقوس مقتبسة من الجاهلية. البرنامج يذاع على الثانية يومى الأحد والثلاثاء الساعة 12 ظهرا. بجانب برنامج «قبل النداء» الذى يذاع يوم الجمعة فى الحادية عشرة إلا الربع صباحا.