logo
ابتكارات من قلب الحصار.. هكذا أصرّ أهالي غزة على الحياة رغم المأساة

ابتكارات من قلب الحصار.. هكذا أصرّ أهالي غزة على الحياة رغم المأساة

الجزيرة١٤-١١-٢٠٢٤

رغم الدمار والحصار اللذين يعاني منهما أهل عزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواصل أهالي القطاع كفاحهم اليومي من أجل البقاء، فالحصار القاسي الذي تفرضه إسرائيل لم يمنعهم من تحويل معاناتهم إلى حافز للإبداع والابتكار، فبرزت العديد من القصص التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تجسد صمود الإنسان الفلسطيني وقدرته على التكيف مع أصعب الظروف.
ففي مواجهة أزمة المياه، لجأ الشاب إبراهيم إلى ابتكار طريقة بسيطة للتحلية باستخدام أدوات بدائية. وشارك تجربته عبر حسابه على 'إنستغرام'، قائلا 'في قطاع غزة لا شيء مستحيل لو انقطعت المياه نخترع الماء'.
View this post on Instagram
A post shared by المركز الفلسطيني للإعلام (@palinfoar)
View this post on Instagram
A post shared by Ibrahim Abu Karsh (@ibrahimkarsh)
أما عبد الله علاء قلجة، الذي فقد قدمه اليسرى إثر قصف منزله شمال القطاع، فقرر أن يصنع لنفسه طرفا صناعيا باستخدام أدوات بسيطة، بعد فقدانه الأمل في استكمال العلاج.
استلهم الشاب الفلسطيني الفكرة من عكازه المكسور، وتمكن من تصميم طرف يساعده على مواصلة حياته اليومية والعمل في مشروعه الخاص.
View this post on Instagram
A post shared by Salama Nabil Younis (@salama_nabel)
ومع الانقطاع التام للكهرباء منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لجأ خياطون إلى تشغيل ماكينات الخياطة باستخدام دراجات هوائية، لتلبية احتياجات السكان.
كما استفاد آخرون من الفكرة لإعادة تدوير أقمشة البطانيات وإنتاج ملابس شتوية، مما يعكس الإبداع في إيجاد حلول مستدامة.
View this post on Instagram
A post shared by Mohmmed Awad (@mohmmed_awad89)
وبسبب ندرة غاز الطهي، لجأ العديد من الأهالي إلى استخدام مواد بديلة مثل زيت القلي والبلاستيك، مستعينين بمجففات الشعر لتكثيف النار وضمان استمراريتها.
ورغم أن هذه الحلول قد لا تبدو مثالية للبعض، فإنها ساعدت العائلات على إعداد وجبات أساسية وسط الأزمة الإنسانية الحادة التي يعيشونها منذ أكثر من سنة.
أما الطفل حسام العطار، المعروف بلقب 'نيوتن غزة'، فصمم بدوره اختراعا بسيطا يتألف من مروحتين لتوليد الكهرباء.
واستطاع حسام بهذه الوسيلة تأمين الإضاءة لخيمته في محافظة رفح، مما يتيح لشقيقه الصغير القيام بأنشطته الليلية. وحسام يجسد روح الإبداع التي يزرعها الألم في قلوب أطفال غزة.
يشار إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خلفت منذ اندلاعها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نحو 147 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السكينة والهدوء الداخلي
السكينة والهدوء الداخلي

الجزيرة

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

السكينة والهدوء الداخلي

في هذه الحياة تمر عليك العواصف والأعاصير، فماذا تفعل؟ إنك لا تستطيع تغيير ما حدث يا صاحبي؛ لهذا اصنع لنفسك كهف تأمل وقل لنفسك: "قدّر الله وما شاء فعل"… قل لنفسك: إن هذه الدنيا لحظات وتمر، وما بعد الحطام إلا ازدهار. أمام مصائب الحياة، هناك من يقيم الدنيا ولا يقعدها.. وماذا بعد؟ هل بالمقدور تغيير المقدور؟ عليك بعد أن تأخذ جرعتك الطبيعية من الألم عند صدمتك الأولى أن تستعيد تعافيتك، لا بد لك من السكون والعودة إلى التوازن، كن رابط الجَأش وتماسك لتضبط الأمور بأعنتها، لقد فقد النبي حبيبه وفلذة كبده إبراهيم، فماذا قال؟ "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام هل رأيت زهرة فواحة في قلب الصحراء؟ لماذا لا تستلهم منها؟ كن أنت الزهرة الجميلة أمام قسوة الحياة! إذا تغلبت عليك الأحزان فتنزه وامتصّ الصدمات، كن ككيس الهواء في سيارتك وتحلَّ بالتماسك والجَلَد، وضع أمامك لوحة منقوشًا عليها "إنما الصبر عند الصدمة الأولى". تخيل نفسك على سرج فرس، في أتون معركة حامية الوطيس، وقل: "الشجاعة صبر ساعة"، وانطلق بسيفك البتار لتهزم الأحزان والأخطار، فتّش واقتفِ الأثر، كن كيعقوب الذي أسلم أمره لله حين ابتُليَ بالفقد، حيث قال: "فصبرٌ جميل، واللَّه المستعان". كان فيكتور هوغو، الأديب الفرنسي صاحب "البؤساء"، حينما يشتد به الأمر يلقي بالحصى بعيدًا في وسط البحيرة!. إنها طريقته المثلى للتنفيس واستعادة الهدوء، فلم لا تبتكر لك طريقة، كقراءة القرآن أو السجود؟ وليكن شعارك: {أَلا بذكر اللَّه تطمئنُّ القلوب}. بعض من أعرفهم إذا وقع في مصيبة أو ملمة فإنه لا يخرج من ألمه وكآبته إلا بعد سنوات وشهور، وقد يبقى الألم محتبسًا في جَنانه، البعض يفقد حياته أو قد يحاول الانتحار. هناك درجات شديدة من الألم قد لا يحتملها البعض، كخسارة الثروات وفقد الأحبة. وقد يصيب امرأة حسناء -لا قدر الرحمن- تشوه، فكيف نُرجع الموازين لاعتدالها رغم الألم؟ البعض رغم ألمه يحول هذا الألم إلى إبداع، كالملحنين والشعراء!. تأمل قصيدة "الأطلال" لإبراهيم ناجي، واتلُ تأوهات محمود غنيم في رائعته "مالي وللنجم"، ونكتفي ببيت من أبيات أبي العتاهية، أصبح جرسًا في كل محفل، إذ قال حين تحسّر على شبابه في أواخر أيامه: فيا ليت الشباب يعود يومًا .. فأُخبرُه بما صنع المشـيب حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيرباناس، لتغدو عكازتك سلاح مجدك إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام، وإذا كنت نجارًا فكُسر منشارك فبإمكانك جلب آخر غيره، حتى لو وقعت في الخسارة تذكر أنّ الله وهبك العافية، حتى لو كنت مريضًا فقيرًا فالمهم هو التعايش والقناعة؛ فكم من غني هو وريث بؤسه وشقائه! وكم من فقير عاش السعادة بكل فصولها! ذات مرة شاهدت طفلًا رثّ الثياب يدفع عربة تسوُّق من مسافة بعيدة، يحمل فيها شقيقه الصغير مع قارورتي ماء كبيرتين، ما أدهشني هو الابتسامة التي تزين وجهه، كان مستمتعًا بدفع العربة وهي تصدر جلبة صاخبة ممتعة في أذنيه.. الدرس المستقى هو سرور القناعة والرضى، فإذا لم تكن سعيدًا فاستعر هذه الابتسامة، وتحلَّ بالرضى والقناعة، وتقمص دور السعداء، بل كن سعيدًا وأنت تقشر البرتقال وكأنك حزت جواهر الدنيا، تخيل هذه الثمرة مقطوفة من جنان الخلد وأنت الوحيد الذي ظفر بها، عندها ستشعر براحة عجيبة. النفس كالطفل تصدّق الأكاذيب، فقط حاول إقناعها لترضى بطبيعة حياتك، فإذا كنت مريضًا ممددًا على فراش أبيض ولا تستطيع تحريك شيء سوى أصابع يديك وقدميك، فابتهج وقل لنفسك: "أنا بخير؛ فلديّ القدرة على تحريك أصابعي!!"… بفصيح القول: اخدع نفسك، ويلزمك قبول هذا الخداع الحميد، تعايش مع مصائبك المستدامة، وتكيف مع جميع ظروفك وأحوالك، كن هادئًا وسعيدًا على أي حال؛ إذا كنت ثريًّا فابتسم، وإذا كنت فقيرًا فابتسم وكن أسعد البشر، حتمًا ستجد لديك شيئًا يعزز فيك حماس السعادة. حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيرباناس، لتغدو عكازتك سلاح مجدك وفروسيتك، إنك لا تحتاج لخوض مباراة مبارزة، فقط أغمض جفنيك وستشاهد المسرح المضاء، وما البطل فيه إلا أنت!. الحياة المريرة اجعلها قلعة ملح تذوب أمام موج خيالك. كل واحد فينا يعيش زوايا ألم، فهل انتهت الحياة؟ كلا، علينا تخطي العقبات بلياقة الفرسان، ولنستمتع بجمال الطبيعة… إذا وقعت وردة زاهية بين أناملك فتأمل روعتها بكل صدق وصفاء، تحسس نعومتها وشم عبيرها، وتمعن في رونقها البهي، إننا نحتاج لدورة استنطاق الجمال، فليس الجمال منحصرًا في الطواويس فقط، بل إنّ لكل شيء من الجمال نصيبًا. هل تعلم يا رفيقي أني أكتب هذه السطور وأنا في الحديقة، وبجواري منظر جميل أحببت أن أنقله إليك بكل صدق؟.. ثلاث فتيات صغيرات جميلات يتراقصن أمام مرشات النوافير، البعض لا يكترث لهذا المنظر العابر، ولكن المتأمل يرى الروعة، تخيل نفسك فنانًا يرسم لوحة، أو مصورًا يفتش عن لقطة.. الحياة مليئة بالسعادة التي تريح النفس وتبعث الهدوء! بصدق، أشاهد الآن جمهرة من طلبة الثانوية وهم يتراقصون بصفقات بديعة، أرى رجلًا يمسك بيد والده المسن ليخطو بعكازته بعض الخطى، ثم يجلس معه بعد هنيهة في مقعد بالجوار، وأرى والدًا يدفع ابنه في أرجوحة يحلّق بها نحو السماء. هل ندرك هذه الروعة؟ لماذا لا نشاهد جمال لون الغراب؟ لماذا لا نصغي لتغريد البلابل؟ لماذا لا نتأمل روعة هذه الشمس الساطعة التي تغمرنا بالدفء، وهذا النسيم العليل الذي يسرحنا من الهموم؟ إعلان قال رجل مسن تكالبت عليه الأمراض والعلل: "الحياة حلوة"، فهل هو صادق في ما يقول؟ بالطبع هو صادق رغم العلات، هو نظر للجانب المشرق فيها، فلم لا ننظر كما نظر؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

'المستعمرة'.. بحث عن الثأر في الأحياء المصرية الفقيرة
'المستعمرة'.. بحث عن الثأر في الأحياء المصرية الفقيرة

الجزيرة

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

'المستعمرة'.. بحث عن الثأر في الأحياء المصرية الفقيرة

تتشابك سمات الفيلم الروائي الأول الذي انضوى تحت عنوان 'المستعمرة' أو 'التسوية' للمخرج المصري محمد رشاد، المستوحى من قصة حقيقية حدثت على أرض الواقع. ومع أن سمة الفيلم الرئيسة تتمحور على سؤال واحد مفاده: هل مات سيد ديب والد حسام ومارو بحادثة عرَضية، أم قُتل عمدا مع سبق الترصد والإصرار؟ تتشظى عن هذه السمة الجوهرية موضوعات تثري قصة الفيلم الواقعية، وتعمق أنساقها الفنية والفكرية والاجتماعية. فالفيلم يرصد بيئة اجتماعية مهمشة، تضم شريحة كبيرة من العمال الفقراء، الذين ينهمكون في الأعمال البدنية الشاقة في مصانع نائية، ليست فيها شروط السلامة المتعارف عليها في البلدان المتطورة، مما يعرض العمال والموظفين لأخطار جمة، قد تبلغ حد الإعاقة أو الموت. كما يناقش الفيلم عَمالة الأطفال، وما تنطوي عليه من مصادرة لحقوقهم الإنسانية، وحرمانهم من الدراسة التي توفر لهم لاحقا عيشة كريمة ومقبولة في أضعف الأحوال. كما يتناول الفيلم موضوعات الأخوة، والحياة الأسرية، والثأر، والتشرد، وعلاقة حب تنقدح شرارتها الأولى، لكنها سرعان ما تنطفئ حين تتقطع السبل بالشاب حسام، وهو لم يجتز عامه الثالث والعشرين بعد. واقعية تحاكي بيئة القصة الحقيقية من يتتبع هذا الفيلم الدرامي، يجد أنه ينتمي في جانب كبير منه إلى الواقعية الإيطالية، التي ينزل فيها المصورون إلى الشوارع والميادين العامة والأسواق والمصانع وما إلى ذلك، ويهجرون الأستوديوهات ذات الأثاث الباذخ، بحثا عن نبض الحياة الحقيقية، وإيقاعها السريع الذي يصم الآذان في كثير من الأحيان. لم يختر المخرج ممثلين مشهورين، كما اعتمد على الإضاءة الطبيعية، لكي يتفادى المزوقات الإخراجية المبالغ فيها، التي تضفي -في خاتمة المطاف- رهافة مخملية، لا يريدها المخرج وكاتب القصة الذي سمعها غير مرة، من والده ومن أناس آخرين عاشوا قصصا مشابهة، تقايض فرصة العمل المتواضعة بالسكوت على فقدان حياة عامل، بسبب افتقار المصنع لشروط السلامة المتعارف عليها في البلدان المتحضرة، التي تعد الإنسان أثمن ما في الوجود. يستهل المخرج فيلمه بمشهد انفعالي متوتر، فنرى الأخ الأصغر مارو يقف مهددا أمه وأخاه بقطع شريان يده، إن لم يسمحا له بترك المدرسة والنزول إلى العمل، فتنهار الأم التي سنعرف أنها مريضة، وتعاني من ورم في الساقين. أما حسام فلا يأخذ الأمر على محمل الجد، ومع ذلك تنتهي الأزمة لمصلحة مارو، فيترك الدراسة وينهمك في العمل، ليكتشف شيئا واحدا هو سبب وفاة أبيه، الذي ظل غامضا لديه. مقايضة الموت بفرصة عمل متواضعة تحظى شخصية حسام (الممثل أدهم شكري) باهتمام المخرج وكاتب السيناريو محمد رشاد، فقد تبين أن هذا الشاب له علاقة بتجار المخدرات، الذين يتمترسون في الجبل، وكأنه مستعمرة لهم، وأن الشرطة لا تستطيع ملاحقتهم ودهم مواقعهم الحصينة النائية التي لا تغطيها شبكة الهاتف. تتكشف أبعاد شخصية حسام تباعا، فما إن يلتقي به المهندس كريم حتى يخبره بأنه لن يسأل عن سجله الجنائي، فنعرف أن هذه الوظيفة التي أسندت له ولأخيه الأصغر هي تعويض عن موت الوالد، مقابل التخلي عن رفع دعوى قضائية، للمطالبة بحقوقه بعدما توفي في حادث عرَضي لم يصدقه أغلب عمال المصنع. يعيد عليه العم مصطفى خطوات تشغيل الآلة بالترتيب، وينبهه إلى ضرورة الاهتمام بعمله ومستقبله، وألا يسمع كلام العمال الذين يبالغون كثيرا، ويخبره بأن موت والده كان حادثة عرضية لا غير، وأنه كان يعاني من آلام في القلب منذ سنة أو يزيد. تكتم على السر الذي يعرفه الجميع يجد مارو إعياء شديدا من العمل الشاق، حتى أنه كان ينام واقفا في سيارة العمال، قبل أن يخصصوا له مقعدا فيها، ومع ذلك يبدو أنه منتبه جدا إلى ما يدور في البيت والمصنع على حد سواء. فهو يعرف أن أخاه حسام كان يذهب إلى الجبل، ويعمل عند 'العرباوية' الذين يتاجرون بالمخدرات، وأنه سمع هذا الكلام من والده، لكن حسام كان ينفي ذلك جملة وتفصيلا، لأن الذي يذهب إلى الجبل إما أن يكون قد صدر بحقه حكم إعدام أو سجن مؤبد، أو أنه يخشى القتل، فيلوذ بذلك المكان النائي المعزول المحصن. تكسر مكالمة عبير رتابة الإيقاع الذي يعيشه حسام، فقد جاءت هذه المكالمة مثل مفاجأة سارة ومدهشة في حياته العقيمة، التي تتوزع بين الممنوعات والأخبار المخجلة، وهو يتكتم عليها غير مدرك أنها مكشوفة للجميع، بدءا من ضابط الشرطة، ثم الأم التي فضحت سرقاته، حتى لثمن الدواء الذي تتعالج به من آلام الساقين، ثم مارو الذي تبين أنه يعرف كل شيء. يلقن مارو أخاه الأكبر دروسا في رد الاعتبار والأخلاق والأخذ بالثأر، حتى أنه ترك الدراسة وتخلى عن كل شيء من أجل 'الانتقام'، لكنه لا يقدر على تنفيذه، بسبب صغر سنه، وضعف قدراته البدنية عن مواجهة من هم أسن منه. اتصالات ذات نفَس عاطفي تتمنع عبير في الكشف عن هويتها، مع أنها تكون يوميا في المصنع، وبعد مكالمات عدة يتعرف عليها حسام، ويكتشف الطريقة التي أخذت بها رقم هاتفه. ففي أثناء عزاء والده، كانت أمه تتصل به لتخبره بوفاة أبيه، لكنه لم يرد فاضطرت للاتصال به من هاتف آخر، فكان هاتف عبير، ثم إنها حفظت الرقم، وأخذت تتصل به بين آونة وأخرى. ونعرف من خلال لقاء قصير أن أمها وخالتها كانتا تشتغلان في المصنع، ثم توفيت الأم وتبنت خالتها تربيتها. يسهم مارو في استفزاز حسام، وتحريضه على الانتقام، حينما يتهمه بالجبن، ويصفه بالفرخة العاجزة عن فعل أي شيء. هروب إلى الجبل من ضربة مميتة تتطور الأحداث تباعا، فيمتنع حسام عن جلب المخدرات للمهندس كريم، لأن أخاه الأصغر عرف مجمل التفاصيل التي تربطه بجماعة الجبل. وفي خضم انغماس حسام في أكثر من موقف متوتر، سواء مع المهندس كريم وطلباته التي لا تنتهي، أو مع أخيه الذي بدأ يشتبك مع مسؤوله المباشر في العمل، نسمع خبرا مفاجئا مفاده أن حسام قد ضرب المهندس إيهاب ضربة مميتة، وهرب مسرعا لا يلوي على شيء. لم يجد حسام بدا من الهرب إلى الجبل، والأغرب من ذلك كله أن مارو قرر مؤازرة أخيه والتشبث به، ليس بسبب رابطة الدم، بل لأنه أخذ بثأر الوالد الذي مات غيلة كما يرى هذا الصبي الصغير ذو العقل الكبير والرؤية النفاذة، التي تتجاوز حدود طفولته. ربما تكون المكالمة الأخيرة رمزية ودالة بين حسام وعبير، فهو يريد أن يسمعها ويتكلم معها على الدوام، لكن الهاتف سيكون خارج التغطية إذا ما صعد إلى الجبل، فالجبل يمنحه الحماية من جهة، لكنه يحاصره بالعزلة الأبدية من جهة أخرى. يمكن تصنيف 'الجبل' في هذا الفيلم نموذجا للمكان الهامشي، الذي يوجد في غالبية المدن المصرية، ولا سيما المدن الكبيرة، كالإسكندرية -التي تدور فيها أحداث الفيلم- والقاهرة وغيرها من المدن، التي تحتضن هذا النمط من الأعمال الخارجة على القانون. فمن لا يدخل في العمل معهم لا يستطيع أن ينجو بنفسه، ويكون غالبا هدفا سهل التصفية، فيجهزون عليه في رابعة النهار، ويضعون حدا لحياته التي لا تساوي نقيرا من وجهة نظر الكائنات العاملة في الممنوعات والمحرمات، التي تدمر أرواح الشباب وعقلياتهم، وتمزق النسيج الاجتماعي المصري. محمد رشاد.. مخرج ذو نبرة سياسية واجتماعية خافتة مَن يدقق في تفاصيل هذا الفيلم جيدا، سيلمس النبرة السياسية اليسارية الخافتة، التي نقرأها على الآلات القديمة المصنوعة في الاتحاد السوفياتي، كما أن المناطق العشوائية والمهمشة هي إشارة أخرى تعزز هذا الاتجاه، أو تشير إليه في الأقل. ثم إن شريحة العوائل الفقيرة هي التي تتسيد قصة الفيلم المحورية، وربما تذهب أبعد من ذلك حينما نكتشف أن المهندس كريم يتعاطى الأشياء المحرمة دينيا واجتماعيا وأخلاقيا. لم يشأ المخرج محمد رشاد أن يقدم لنا فيلما باذخا، يعتمد على قصة مخملية تتأجج بالخيال الرومانسي المجنح، فتلك قصص لا نجدها إلا في الأحياء الثرية النادرة، لكنه اختار مكانا عشوائيا وعائلات فقيرة لا تجد متسعا من الوقت حتى للقيلولات الخاطفة، فلا غرابة أن يناموا واقفين في السيارات التي تقلهم بين بيوتهم والمصنع. وهذا هو دأب الأفلام المستقلة، لتكشف لنا الواقعية الفظة والخشنة، التي يعيشها غالبية أبناء الشعب المصري، الباحث عما يسد الرمق. وقد اعتمد مخرج الفيلم على عمال حقيقيين، منحوا الفيلم لمسة واقعية أبعدته عن التصنع والافتعال. كما أن الغموض المستحب الذي أضفاه كاتب السيناريو على موت الأب قد صنع مناخا تشويقيا، سوف يلازم المتلقين على مدار الفيلم (94 دقيقة)، فلم نشعر بثقله مع أن إيقاعه بطيء. جدير بالذكر أن فيلم 'التسوية' أو 'المستعمرة' -بعنوانه الأجنبي الثاني- هو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج والكاتب محمد رشاد، وقد اشترك في مسابقة 'آفاق' في الدورة الـ75 من مهرجان برلين السينمائي الدولي. بقي أن نقول إن المخرج محمد رشاد قد أنجز 4 أفلام، وهي على التوالي: النسور الصغيرة. بعيدا. مكسيم.

باهتا وثقيلا.. هكذا يبدو العيد بغزة في ظل الحرب
باهتا وثقيلا.. هكذا يبدو العيد بغزة في ظل الحرب

الجزيرة

time٣٠-٠٣-٢٠٢٥

  • الجزيرة

باهتا وثقيلا.. هكذا يبدو العيد بغزة في ظل الحرب

غزة- إنها تكبيرات العيد ينبعث صوتها من مُصل أسفل البيت، هرعت أم حسام شبات إلى النافذة في محاولة منها لتصديق ما تسمع، "عيد؟ عيد؟"، سألت من حولها وهي تبحث في وجوههم عن نفي ما تتوجس منه، سدّت أذنيها بكفيها، فهي لا تريد سماع ما يستدعي ذكرياتها مع ابنها الشهيد. لأول مرة يبدو العيد مرعبا لأم حسام وتصرخ من قدومه، فلم يمر على فقد ابنها سوى بضعة أيام، وتنادي الأم المكلومة من أعمق نقطة في قلبها "آه يمه، آه يا حسام يمه وينك؟! تعال إليّ، جاء العيد ووجهك العيد يمة". وبعد بكاء وانهيار مدة من الزمن، تماسكت أم حسام قليلا وتحدثت إلى الجزيرة نت، وتقول وهي تضع كفها على صدرها "نار تأبى الانطفاء تندلع في قلبي، لقد كان حسام يحب العيد ويحب شراء الملابس الجديدة، يحب كعك العيد الذي أصنعه وقهوته، يحب عيش طقوس العيد وتفاصيله". كانت أم حسام تتلهف لقدوم العيد هذه المرة، فقد انتهت الحرب وعادت من نزوحها إلى الشمال، والتقت بحسام الذي كان لا يزال حيا يُرَزق كما تقول، لكنها لم تكن تعلم أن الحرب ستعود لتختطف منها أقرب أبنائها إليها "لقد تُوفي والده وهو صغير، فبنيته خلية خلية حتى صار شابا مفتول العضلات طويلا، ثم راح في غمضة عين". عيد بطعم الفقد بينما تكتمل فرحة الأطفال بعيدهم مع عائلتهم السعيدة، حُرمت بنان عابد (13 عاما) من ذلك، فقد نجت وحدها من استهداف أودى بحياة عائلتها كلها، تقول بنان -وهي ابنة الصحفية الشهيدة إيمان الشنطي- "يستوطن داخلي الحزن، ورغم أن أعمامي وخالاتي يحاولون تعويض الفراغ الذي حل بحياتي، فإن غصة ما زالت تخنقني". ترى بنان أن ما يواسيها ويخفف عنها هو "علمها بأن عائلتها في مكان أفضل، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله"، وهو عزاؤها في كل مرة تفقد فيها السيطرة على مشاعرها، كما تقول. أما بين خيام النازحين، فجولة واحدة كفيلة بقلب مفهوم العيد كما يُعرّفه أصحاب المعاناة، فهنا تجلس زوجة أسير مع أطفالها على باب الخيمة، ترى أن عيدها سيكون يوم اجتماعها بحبيبها، حتى وإن استمرت الحرب، فهي توقن أن "عودته مُبددة للخوف مُعينةً على احتمال نوائب الدهر"، كما تقول. مقابلها يجلس عجوز هرم على كرسيه يقرأ القرآن، يتنقل ببصره بين صفحتي المصحف والسماء التي تكتظ بالطائرات، يُعلّق أبو جمال للجزيرة نت "يحتفل العالم خلال العيد بالألعاب النارية، أما نحن فالنار تنهمر فوق رؤوسنا منذ شهور"، وتجلس بجواره ابنته وردة التي تحتضن طفلها، وتكمل حديث والدها قائلة "عيدنا يوم ننجو نحن وأطفالنا من كل هذا الموت". وتستهجن أم أحمد سؤال الجزيرة نت عن شعورها مع قدوم العيد، "عن أي عيد تتحدثين؟" ثم تفتح كفها لتحاول حصر فقدها قائلة "زوجي، وأولادي الاثنان، وأولادهم، وأزواج بناتي الثلاث اللواتي ترملن أمامي، ونُسفت جُل بيوتنا وفقدنا سياراتنا وتجارتنا، ونحن منذ شهور في هذه الخيمة، هل سمعت من قبل عن عيد في خيمة؟!". وبعينين مليئتين بالعتب تقول "سيمر العيد كالعيدين السابقين، وكأيّ يوم في السنة، الفرحة فيه غائبة منذ تمكّن الفقد منا". عيد باهت وفي حين كانت تزدحم شوارع قطاع غزة عادةً في مثل هذه الأيام استعدادا لاستقبال العيد، يبدو مشهد اليوم مختلفا، ففي سوق الزاوية شرق مدينة غزة، يقف البائع أبو عمر أمام متجره الصغير لبيع الزينة والألعاب، لكنه بالكاد يجد من يشتري، يقول للجزيرة نت بحسرة "في الأعياد السابقة، كان المحل يعجّ بالزبائن، لكن الأوضاع الاقتصادية الآن صعبة للغاية والقدرة الشرائية شبه معدومة". ويضيف أبو عمر "الناس بالكاد يستطيعون توفير الطعام والدواء، فمن أين لهم المال ليشتروا ما يعدونه من الرفاهيات"، وبينما يتحدث الرجل للجزيرة نت، وقف طفل صغير مع والدته أمام واجهة المتجر ينظر بإعجاب إلى لعبة بلاستيكية، لكن الأم تمسك بيده وتبتعد سريعا دون أن تشتري شيئا. يبدو العيد باهتا في غزة، فلم تبقِ الحرب شيئا من شكله القديم أو لونه المعهود، لا ضحكات صاخبة ولا ملابس جديدة، حتى التهاني فيه تبدو ثقيلة على ألسنة الغزيين، فلا مساجد لأداء صلاة العيد بعد أن طالتها كلها يد الخراب الإسرائيلية، كما أن التصعيد الميداني وتخوّف الناس من التجمهر يحول دون صلاتهم في العراء. حتى الزيارات الاجتماعية وصلة الأرحام باتت محدودة جدا، فارتفاع أسعار الوقود ضاعف من أجرة المواصلات العامة، كما أنه قلل من توفر المركبات التي يحتاجونها للتنقل بين أقربائهم. كما أنهم لو أرادوا إحياء العيد بإعداد طبقي السماقية الغزاوية والسمك المملح (الفسيخ)، فإنهم يحتاجون مبلغا مضاعفا عن الأعياد السابقة، فالغلاء الفاحش الذي طال جميع مناحي الحياة في غزة يقابله قلة ما في اليد وشح البضائع التي لم تتدفق إلى الأسواق منذ إطباق الاحتلال حصاره، وإغلاق المعابر في وجه البضائع قبل قرابة شهر. أسواق بلا عيد الشحّ بدا واضحا خلال تجول الجزيرة نت في أسواق غزة لرصد حالتها، حيث تبدو أرفف المحال فارغة إلا من بعض البضائع، كما أن عددا منها أغلق أبوابه لنفاد بضائعهم، وهو أمر ينطبق على المنتجات الغذائية أو الملابس على حد سواء. تحدثت الجزيرة نت إلى مروان وهو تاجر يبيع الملابس في سوق الرمال وسط مدينة غزة، حيث قال "لقد قمنا بشَحن بضائع جديدة من الخارج عندما توقف إطلاق النار، ودفعنا ثمنها كاملا، لكن إغلاق الاحتلال للمعبر حال دون وصولها إلينا لاستغلال موسم العيد، وظلت عالقة على بوابته". يضيف مروان بحسرة "كلما حاولنا رفع رؤوسنا بعد النكبة التي حلت بنا، عادت أمورنا أسوأ مما كانت عليه"، وعزا مروان غلاء أسعار الملابس إلى سببين: الأول هو قلتها، والآخر بسبب زيادة التكاليف التشغيلية المُلقى على عاتق التجار. يقول "تضاعفت تكلفة كيلو الكهرباء التي نستمدها من المولدات لإنارة محلاتنا من نصف دولار إلى 10 دولارات للكيلو الواحد، كما اضطررنا لرفع أجرة العمال لارتفاع تكاليف المواصلات وغلاء المعيشة". وإضافة لسوء الوضع المعيشي وغلاء المتوفر، أرجع مروان أسباب ضعف الإقبال على الشراء إلى الفصل بين شطري القطاع، ويقول "فقدت أكثر من 50% من زبائن المحل الذين كانوا يأتون للشراء من الجنوب، أما اليوم فمع خطورة الوضع وتضاعف أسعار المواصلات فلا أحد يأتي إلينا منهم". ومع تفاقم مشكلة السيولة المالية في غزة، فقد صار اعتماد جزء كبير من الغزيين على التحويل البنكي الإلكتروني الأمر الذي يشكّل عبئا لأصحاب المحال لضرورة توفير الإنترنت في المحال لإتمام الدفع، فضلا عن تبعات ذلك من تكدس الزبائن في انتظار الاتصال بالإنترنت والدفع، وهو أمر مرهق لسوء خدمة الإنترنت في غزة بعد تدمير الاحتلال شبكاته خلال الحرب. ولفت إلى أن فترة فتح المحل تقتصر على 6 ساعات فقط، حيث يضطرون لإغلاقه مع غروب الشمس، "فشوارع المدينة الخالية من الكهرباء تجعلها كمدينة أشباح مع حلول الظلام، كما أن الوضع الميداني خاصة مع استئناف الحرب ما زال مخيفا وخطرا"، كما يقول مروان. وخلال مقابلة الجزيرة نت مع التاجر، كانت ملاك -التي فقدت والدتها خلال الحرب- بصحبة خالتها، تقفان لدفع ثمن الفستان المزركش الذي تحتضنه الطفلة بيديها، وعلى وجهها الحزين تتلألأ ابتسامة ناصعة، تقول خالتها "العيد للصغار، لقد حرمتهم إسرائيل من كل شيء، فلماذا نحرمهم نحن من مجرد شعورِ سعادةٍ يمكن أن يعيشوه مقابل فستان منفوش، أما نحن فندعو الله أن يخلصنا من مأساتنا ومن انطفاءة الروح التي نعيشها".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store