
السكينة والهدوء الداخلي
في هذه الحياة تمر عليك العواصف والأعاصير، فماذا تفعل؟ إنك لا تستطيع تغيير ما حدث يا صاحبي؛ لهذا اصنع لنفسك كهف تأمل وقل لنفسك: "قدّر الله وما شاء فعل"… قل لنفسك: إن هذه الدنيا لحظات وتمر، وما بعد الحطام إلا ازدهار.
أمام مصائب الحياة، هناك من يقيم الدنيا ولا يقعدها.. وماذا بعد؟ هل بالمقدور تغيير المقدور؟ عليك بعد أن تأخذ جرعتك الطبيعية من الألم عند صدمتك الأولى أن تستعيد تعافيتك، لا بد لك من السكون والعودة إلى التوازن، كن رابط الجَأش وتماسك لتضبط الأمور بأعنتها، لقد فقد النبي حبيبه وفلذة كبده إبراهيم، فماذا قال؟ "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام
هل رأيت زهرة فواحة في قلب الصحراء؟ لماذا لا تستلهم منها؟ كن أنت الزهرة الجميلة أمام قسوة الحياة! إذا تغلبت عليك الأحزان فتنزه وامتصّ الصدمات، كن ككيس الهواء في سيارتك وتحلَّ بالتماسك والجَلَد، وضع أمامك لوحة منقوشًا عليها "إنما الصبر عند الصدمة الأولى". تخيل نفسك على سرج فرس، في أتون معركة حامية الوطيس، وقل: "الشجاعة صبر ساعة"، وانطلق بسيفك البتار لتهزم الأحزان والأخطار، فتّش واقتفِ الأثر، كن كيعقوب الذي أسلم أمره لله حين ابتُليَ بالفقد، حيث قال: "فصبرٌ جميل، واللَّه المستعان".
كان فيكتور هوغو، الأديب الفرنسي صاحب "البؤساء"، حينما يشتد به الأمر يلقي بالحصى بعيدًا في وسط البحيرة!. إنها طريقته المثلى للتنفيس واستعادة الهدوء، فلم لا تبتكر لك طريقة، كقراءة القرآن أو السجود؟ وليكن شعارك: {أَلا بذكر اللَّه تطمئنُّ القلوب}. بعض من أعرفهم إذا وقع في مصيبة أو ملمة فإنه لا يخرج من ألمه وكآبته إلا بعد سنوات وشهور، وقد يبقى الألم محتبسًا في جَنانه، البعض يفقد حياته أو قد يحاول الانتحار.
هناك درجات شديدة من الألم قد لا يحتملها البعض، كخسارة الثروات وفقد الأحبة. وقد يصيب امرأة حسناء -لا قدر الرحمن- تشوه، فكيف نُرجع الموازين لاعتدالها رغم الألم؟ البعض رغم ألمه يحول هذا الألم إلى إبداع، كالملحنين والشعراء!. تأمل قصيدة "الأطلال" لإبراهيم ناجي، واتلُ تأوهات محمود غنيم في رائعته "مالي وللنجم"، ونكتفي ببيت من أبيات أبي العتاهية، أصبح جرسًا في كل محفل، إذ قال حين تحسّر على شبابه في أواخر أيامه:
فيا ليت الشباب يعود يومًا .. فأُخبرُه بما صنع المشـيب
حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيرباناس، لتغدو عكازتك سلاح مجدك
إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام، وإذا كنت نجارًا فكُسر منشارك فبإمكانك جلب آخر غيره، حتى لو وقعت في الخسارة تذكر أنّ الله وهبك العافية، حتى لو كنت مريضًا فقيرًا فالمهم هو التعايش والقناعة؛ فكم من غني هو وريث بؤسه وشقائه! وكم من فقير عاش السعادة بكل فصولها!
ذات مرة شاهدت طفلًا رثّ الثياب يدفع عربة تسوُّق من مسافة بعيدة، يحمل فيها شقيقه الصغير مع قارورتي ماء كبيرتين، ما أدهشني هو الابتسامة التي تزين وجهه، كان مستمتعًا بدفع العربة وهي تصدر جلبة صاخبة ممتعة في أذنيه.. الدرس المستقى هو سرور القناعة والرضى، فإذا لم تكن سعيدًا فاستعر هذه الابتسامة، وتحلَّ بالرضى والقناعة، وتقمص دور السعداء، بل كن سعيدًا وأنت تقشر البرتقال وكأنك حزت جواهر الدنيا، تخيل هذه الثمرة مقطوفة من جنان الخلد وأنت الوحيد الذي ظفر بها، عندها ستشعر براحة عجيبة.
النفس كالطفل تصدّق الأكاذيب، فقط حاول إقناعها لترضى بطبيعة حياتك، فإذا كنت مريضًا ممددًا على فراش أبيض ولا تستطيع تحريك شيء سوى أصابع يديك وقدميك، فابتهج وقل لنفسك: "أنا بخير؛ فلديّ القدرة على تحريك أصابعي!!"… بفصيح القول: اخدع نفسك، ويلزمك قبول هذا الخداع الحميد، تعايش مع مصائبك المستدامة، وتكيف مع جميع ظروفك وأحوالك، كن هادئًا وسعيدًا على أي حال؛ إذا كنت ثريًّا فابتسم، وإذا كنت فقيرًا فابتسم وكن أسعد البشر، حتمًا ستجد لديك شيئًا يعزز فيك حماس السعادة.
حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيرباناس، لتغدو عكازتك سلاح مجدك وفروسيتك، إنك لا تحتاج لخوض مباراة مبارزة، فقط أغمض جفنيك وستشاهد المسرح المضاء، وما البطل فيه إلا أنت!. الحياة المريرة اجعلها قلعة ملح تذوب أمام موج خيالك.
كل واحد فينا يعيش زوايا ألم، فهل انتهت الحياة؟ كلا، علينا تخطي العقبات بلياقة الفرسان، ولنستمتع بجمال الطبيعة… إذا وقعت وردة زاهية بين أناملك فتأمل روعتها بكل صدق وصفاء، تحسس نعومتها وشم عبيرها، وتمعن في رونقها البهي، إننا نحتاج لدورة استنطاق الجمال، فليس الجمال منحصرًا في الطواويس فقط، بل إنّ لكل شيء من الجمال نصيبًا.
هل تعلم يا رفيقي أني أكتب هذه السطور وأنا في الحديقة، وبجواري منظر جميل أحببت أن أنقله إليك بكل صدق؟.. ثلاث فتيات صغيرات جميلات يتراقصن أمام مرشات النوافير، البعض لا يكترث لهذا المنظر العابر، ولكن المتأمل يرى الروعة، تخيل نفسك فنانًا يرسم لوحة، أو مصورًا يفتش عن لقطة.. الحياة مليئة بالسعادة التي تريح النفس وتبعث الهدوء! بصدق، أشاهد الآن جمهرة من طلبة الثانوية وهم يتراقصون بصفقات بديعة، أرى رجلًا يمسك بيد والده المسن ليخطو بعكازته بعض الخطى، ثم يجلس معه بعد هنيهة في مقعد بالجوار، وأرى والدًا يدفع ابنه في أرجوحة يحلّق بها نحو السماء. هل ندرك هذه الروعة؟ لماذا لا نشاهد جمال لون الغراب؟ لماذا لا نصغي لتغريد البلابل؟ لماذا لا نتأمل روعة هذه الشمس الساطعة التي تغمرنا بالدفء، وهذا النسيم العليل الذي يسرحنا من الهموم؟
إعلان
قال رجل مسن تكالبت عليه الأمراض والعلل: "الحياة حلوة"، فهل هو صادق في ما يقول؟ بالطبع هو صادق رغم العلات، هو نظر للجانب المشرق فيها، فلم لا ننظر كما نظر؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ يوم واحد
- العرب القطرية
مؤلف كتاب «الذكاءات العشر»: قطر نموذج واقعي لنهضة تستند إلى الذكاء القيادي
الدوحة - العرب دشن الدكتور محمد عطا عبد التواب، إصداره الجديد «أدعم الذكاءات العشر مفاتيح التميز وصناعة المستحيل»، ضمن فعاليات النسخة الماضية بمعرض الدوحة الدولي للكتاب. يأتي الكتاب استلهامًا من شعار القيادة الذكية ومن التجربة القطرية العالمية الرائدة في صناعة نهضة شاملة بعقول وقيادات ملهمة أن فن تطويع الذكاءات واتخاذ القرارات المصيرية في عصر الفوضى والعشوائية مما ألهم الكاتب أن الذكاءات سواء الحياتية أو القيادية هي المسار الطبيعي لتحقيق الإنجازات وبناء الأوطان. ويطرح الكتاب دعوة شاملة لإعادة فهم قدرات الإنسان من خلال نموذج متكامل يشمل عشرة أنواع من الذكاءات، ليست فقط في الإطار الأكاديمي أو العقلي، بل تمتد لتشمل الذكاء الاجتماعي، المالي، القيادي، العاطفي، الابتكاري، الواقعي، الاصطناعي، الذاتي، العائلي، والاستباقي. وقال المؤلف الدكتور محمد عطا عبد التواب، في تصريح خاص بمناسبة تدشين الكتاب «إنه يطرح رؤية جديدة لبناء شخصية متكاملة، قادرة على قيادة الذات والآخرين، والتعامل بكفاءة مع تحديات الحياة المعاصرة، وتحقيق نهضة مجتمعية شاملة مبنية على العلم، الأخلاق، والذكاء متعدد الأبعاد، لافتا إلى أنه يهدف لنشر الوعي بأهمية الذكاءات المتعددة كأساس للنجاح الشامل. وأوضح أن الكتاب يتضمن الذكاء الذاتي المتمثل في القدرة على فهم الذات وإدارتها بوعي وتحفيز ذاتي، والذكاء العائلي بالقدرة على بناء أسرة متماسكة قائمة على الحوار والتعاون، والذكاء الاجتماعي مثل التمتع بعلاقات فعالة ومؤثرة، وفهم مشاعر وسلوكيات الآخرين، بالإضافة إلى الذكاء العاطفي عبر ضبط الانفعالات، وإدارة المشاعر لتحقيق توازن داخلي إيجابي، لافتا إلى أن الكتاب يتناول الحديث عن الذكاءات الأخرى مثل الذكاء القيادي، والمالي، والاستباقي، والواقعي، والذكاء الاصطناعي، والذكاء الابتكاري القدرة على الإبداع، وخلق أفكار وحلول غير تقليدية. وأشار إلى أن الكتاب يتناول الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره مثالاً للنماذج الإيجابية الملهمة، إذ جمع بين كافة الذكاءات في إدارة الدولة، الأزمات، العلاقات، والبناء الحضاري، كما يطرح الكتاب دولة قطر كنموذج ومثال واقعي للنهضة المستندة إلى استثمار الذكاء القيادي والابتكاري والتعليمي. وقال المؤلف إن الكتاب يتضمن النادي الأهلي المصري كنموذج للذكاء في دمج الرياضة بالقيم والقيادة الاجتماعية والتنمية المستدامة، شخصيات عالمية مثل «ستيف جوبز»، «جاك ما»، «أنجيلا ميركل»، «نيلسون مانديلا»، والمصري الراحل الحاج محمود العربي كنموذج وطني في استخدام الذكاء الصناعي، والمالي والذاتي والخيري، كما يتضمن مؤسسات كبرى: مثل مؤسسة قطر، مؤسسة الأزهر، شركات عالمية ناجحة كمثال على التكامل الذكائي المؤسسي. ويخلص المؤلف إلى أن رسالة الكتاب، تكمن في أن امتلاك نوع واحد من الذكاء لم يعد كافيًا للنجاح، بل إن التكامل بين الذكاءات العشرة هو السبيل الحقيقي لبناء إنسان متوازن، ومجتمع مزدهر، وحضارة مستدامة. لافتا إلى أن الكتاب بمثابة خارطة طريق لكل فرد ومؤسسة تسعى لتحقيق الريادة الأخلاقية والعلمية والعملية.


العرب القطرية
منذ 2 أيام
- العرب القطرية
صاحب السمو يُشرّف أفراح آل ثاني
الدوحة - العرب شرّف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، الحفل الذي أقامه سمو الشيخ محمد بن خليفة بن حمد آل ثاني، بمناسبة زفاف نجله الشيخ «خليفة». حضر الحفل سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل ثاني نائب الأمير، وعدد من أصحاب المعالي والسعادة الشيوخ والوزراء، ولفيف من الأهل والأصدقاء، الذين قدّموا أجمل التهاني والتبريكات، وتمنّوا للمعرس حياة تظللها المودة والهناء. وأسرة تحرير العرب تقدّم خالص الأمنيات القلبية للمعرس الشيخ «خليفة»، متمنية له حياة زوجية يملؤها الفرح والسرور، وأن يرزقه الله الذرية الصالحة.. جعله الله زواجاً مباركاً.


العرب القطرية
منذ 2 أيام
- العرب القطرية
أفراح سعادت
الدوحة - العرب احتفل السيد حسين أبو الحسن سعادت بزواج نجله «علي»، وأقام بهذه المناسبة حفلاً بهيجاً، حــضـره لفــيف من الأهــل والأصـــــدقاء، الذين قـــدمـوا أجــمـل التهــاني والتبريكات، وتمنوا للمعرس حياة تظللها المودة. وأسرة تحرير العرب تقدّم خــالص التهــاني للمـعرس «علي»، متمنية له حياة زوجية مليئة بالفرح والسرور، وأن يرزقه الله تعالى الذرية الصالحة، جعله الله زواجاً مباركاً.