logo
تجديدُ الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة

تجديدُ الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة

الشروقمنذ 2 أيام

في البداية أودّ أن أضبط المصطلح حتى يفقه القارئ ما أرمي إليه فلا ندخل في التيه الفكري بسبب تشعُّب الفهوم في تحديد المصطلحات، ولهذا أقول: إن الموضوع يتحدث عن 'الخطاب الديني' الذي يختصّ بالتبليغ عن الله ورسوله فيجمع بين القطعي الثابت الذي لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير لأنه واضح الدلالة، والمتغيّر الذي يكون محلّ اجتهاد المجتهد في ثبوته ودلالته، فتتنوع الآراء وتختلف الرؤى والنتائج اقتضاءً لتغيُّر المكان والزمان والحال، ويجعل الدين الإسلامي مرجعية لمنطلقاته الفكرية.
الأمر الخطير الذي يجب أن ننتبه إليه هو دعوة بعض الداعين إلى تجديد الخطاب الديني من دون التفريق بين الثابت القطعي والمتغيّر الاستنباطي، والحكم الإلهي الذي لا اجتهاد فيه والتفسير الاجتهادي الذي يحتمل أكثر من وجه، فيصبح النص القطعي الدلالة والثبوت في حد ذاته قابلا للنقد والتأويل والإلغاء.
هناك فريقٌ واسع من الكتاب والباحثين يرى أن 'الخطاب الديني المعاصر' يعاني خللا كبيرا ساهم في تأخر النهوض الحضاري، وشوّه صورة الإسلام في الداخل قبل الخارج، وعطّل عودته منهجا في الحياة العامة، وفي هذا المذهب النقدي بعمومه ما يبرر بعضا من محاذيره، ولكن الأمر الخطير الذي يجب أن ننتبه إليه هو دعوة بعض الداعين إلى تجديد الخطاب الديني من دون التفريق بين الثابت القطعي والمتغيّر الاستنباطي، والحكم الإلهي الذي لا اجتهاد فيه والتفسير الاجتهادي الذي يحتمل أكثر من وجه، فيصبح النص القطعي الدلالة والثبوت في حد ذاته قابلا للنقد والتأويل والإلغاء، بل وفي بعض الأحيان يصبح النص الضعيف والموضوع المردود، والتفسيرات الشاذة لبعض النصوص التي أهملها جمهور كبار أهل العلم المعتبرين أصلا لهذا التجديد المراد في الخطاب الديني، وهذا الاتجاه هو الذي تتزعمه فئة من المستشرقين وتلاميذهم من العرب، إلى حد محاولة 'تغريب الخطاب الديني' وتمييع محتواه!
لا خلاف على أن خطابنا الديني المعاصر أحوج ما يكون إلى التجديد، ولكن السؤال المطروح هو: ما محل هذا التجديد وما هي حدوده؟ وهنا مربط الفرس كما يقال.
نتفق على أن الدين الإسلامي الكامل الشامل المحفوظ بالوحيين هو مرجعُ الخطاب الديني، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.[ المائدة:3 ]، من هنا كان من المهم التعامل مع دعوة التجديد بنوع من الحيطة والحذر حتى لا نسقط في هاوية الاجتهاد في مساحة الأصول التي لا تقبل اجتهادا، أو محاولة 'توأمة تفكيرنا الديني' بالديانات الأخرى لإنتاج خطاب يقبله الآخر ومن يسير في ركابه.
والدقة تقتضي أن تكون الدعوة إلى تجديد وسائل الخطاب الديني وآلياته حتى يتوافق مع متطلبات العصر، فيصبح الخطاب الديني أكثر تفاعلا وتأثيرا في الأمة، وفي غير المنتمين إليها من الأمم الأخرى.
إن خطاب القرآن والسنة الصحيحة صالحٌ لكل زمان ومكان، وهذا من الإعجاز الإلهي، غير أن المشكلة التي قد تواجه قدرة الخطاب الديني الحالي على أداء دوره المنوط به يتحمَّل الجزء الأكبر من وجودها في الواقع 'المُخَاطِبُ الديني' الذي لا يُعبّر بحق في كثير من الأحيان عن مدلول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بسبب عدم تأهيله الفكري والنفسي، أو لارتباطه بإيديولوجيات تستخدم النص خارج مدلوله الصحيح عن دراية أو جهل فتَضل وتُضِل، فيلتصق خطابها بالإسلام، ويتحول إلى عنوان له فيتحمل وزرها وهو بريء منها!
إننا نعيش عصر التقنية العالية ووسائل الاتصال القادرة على الوصول إلى أبعد نقطة من الأرض، وللأسف نحن المسلمين ما نزال لم نبرع في تسخير التكنولوجيا في سبيل نشر ما نملكه من حق، وما ننشره يفتقد إلى كثير من عناصر الابتكار والجمال أسلوبا وهيأة، كمثل الذي يقدِّم أشهى المأكولات على صينية صدئة يتقزَّز منها الناظرون، وكم من بضاعة ذات جودة عالية متكاملة لا ينقصها شيءٌ ولكنها معلبة بطريقة سيئة فلا تلقى رواجا عند الناس، فإذا جرى تغيير التعليب وإعداده بشكل جيد ومبدع فإن البضاعة ذاتها تلقى رواجا كبيرا. والأمثلة على هذا المعنى في الواقع كثيرة.
أعتقد أننا لا بد أن نبذل جهدا كبيرا في التفكير في تجديد الوسائل والآليات في خطابنا الديني والإبداع فيها وتحسينها لتواكب العصر، وأن نحذر من إعادة التفكير باسم التجديد في الدين خارج إطار النصوص الهادية، فمن اعتمد على عقله فقط ضل، ولا بد أن نهتم بإعداد 'المُخَاطِب الديني' المعبِّر بحق عن وسطية الإسلام واعتداله الذي يعتمد منهج التبشير والتيسير الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم خير من خاطب الناس فأحسن التبليغ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21].

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وصايا ذهبية للحجّاج..
وصايا ذهبية للحجّاج..

جزايرس

timeمنذ يوم واحد

  • جزايرس

وصايا ذهبية للحجّاج..

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. للفوز بالذنب المغفور والحج المبروروصايا ذهبية للحجّاج..لا يعادل فضل الحج المبرور فضل فهو علامة على رضا الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه وتحصيل غفرانه والحج المبرور يغفر جميع الذنوب وبه يقول الله تعالى: ((إن الحسناتِ يُذهبْنَ السيِّئات)) ومن علامةِ قبولِ الطاعةِ فعلُ الطاعةِ بعدها.لذلك هناك من النصائح الهامة التي يجب أن يحرص عليها الحاج حتى لا يضيع حجه هباءً منثورا ويكن كالتي نقَضت غزلها من بعدِ قوّة أنكاثاً.ولعل أول نصائح الحج المبرور هي الإخلاص لله تعالى وخلوة هذه العبادة العظيمة من الرياء والنفاق والسمعة فلا بد من استحضار النية عند إرادتك هذه الفريضة العظيمة فإنّ العبد يُعطى من الأجر بقدر نيته قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) البينة:5.وقال سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) الزمر:2.وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه رواه مسلم.فصدق النية أهم شيء في عمل الحاج ومجاهدة النفس على الإخلاص ورفض الرياء أمرٌ شديد ولكنه يسير على من يسّره الله عليه ومن ألزم نفسه الإخلاص تلذذ بالطاعات وقد سئل سهل بن عبدالله: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيها نصيب.والرياء هو الشّرك الخفي الذي حذّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: إن أخوفَ ما أخافُ عليكم: الشركُ الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء . رواه أحمد.وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء إذا قلناه أذهب الله عنا صغار الشرك وكباره فعن مَعْقِلَ بنَ يَسَار قَال: انْطَلَقْتُ مع أَبِي بَكْر الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يا أَبا بَكْر لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ فَقَال أَبُو بَكْر : وهل الشِّرْكُ إِلا مَنْ جَعَلَ مع اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ؟ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ أَلا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْء إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وكَثِيرُهُ؟ قَال: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ .*التوبةيجب على الحاج التوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب والمعاصي وإذا كان عنده مظالم للناس فعليه أنْ يُردها إليهم ويطلب مسامحتهم ليستقبل حجه بالتوبة والتخلص من المظالم.*الدعاء والذكرالدعاء هو مخ العبادة والذكر هو أساس العمل الصالح قال صلى الله عليه وسلم: الدُّعاء هو العبادة .قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزُ الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام رواه ابن حبان.وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ ربكم تبارك وتعالى حَييٌ كريم يَستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أنْ يَردهما صِفراً خَائبتين رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.*تجنب الجدال واحرص على الطاعاتيقول الله سبحانه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]احرص على الطاعات والقربات والتقرّب بأنواع العبادات من ذكر الله تعالى بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والصلاة بوقتها مع الجماعة وأنواع الصدقات والدعاء لنفسك وأهلك وإخوانك المسلمين.فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ يوم أكثرَ من أنْ يُعتقَ اللهُ فيه عبداً من النار من يومِ عَرفة وإنه ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أرادَ هؤلاء؟ .فلا خير في حج ّ يخلطه صاحبه بالمعاصي فإنها أيام الطاعات والذّكر والقربات وأسواق التقوى فالذي يعصي الله فيها هو الخاسر عاجلاً وآجلاً.*الصحبة الصالحةالتمس من يُعينك على طاعة الله وينصحك لنفسك عن معاصي الله عليك بالجلساء الطيبين والأخوة الصالحين في سفرك كما في بلدك فإنّ الصحبة لها أثرها الكبير على الصاحب وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم المثال الرائع في الجليس الصالح والجليس السوء فقال صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل السمك ونافخ الكبير فحامل المسك: إمّا أن يُحْذِيَك وإما أنْ تبتاع منه وإمّا أنْ تجدَ منه ريحاً طيبة ونافخ الكير: إما أنْ يُحرق ثيابك وإما أنْ تجد منه ريحاً خبيثة . متفق عليهفالرفقة الصالحة تُعينك على ما ينفعك من أمور الدين والدنيا والرفقة السيئة تعينك على ما يضرك ويشقيك.*النفقة الحلالعلى الحاج أنْ ينفق في حجه من زاد وراحلة من الكسب الحلال ليكون حجه مبروراً وذنبه مغفورا وسعيه مشكورا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) المؤمنون: 51 وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة: 172.ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له؟. رواه مسلم.وأنتَ تلبسُ ملابس الإحرام تذكَّرُ حينما تكونُ وحيداً في كفنِكَ الأبيض فاليومَ عملٌ ولا حساب وغداً عرضُ كتاب وحساب.. فماذا أعددت؟لا تترُكِ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر ولْيكن ذلكَ برفق وحلم ولين.. والدالُّ على الخير كفاعله ((وما تفعلوا من خير يعلمْهُ الله)). احرص على اغتنام لحظاتك وأوقاتك.. وتجنب اللَّغط واللغو.. ولْيكن شعارك: (فلا رفَثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) فإنما هي أيامٌ معدودات.. ثم ترجعُ بجائزة (رجع من ذنوبه كيومِ ولدته أمه).. ولْيكن حجُّكَ خالصاً من الجدالِ والمِراء.. وأكثر من ذكرِ ربِّكَ لينشرِحَ قلبُك ((إنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيِّئات)).

بين النية وما يلقى في النفس والإخلاص في العمل
بين النية وما يلقى في النفس والإخلاص في العمل

الخبر

timeمنذ يوم واحد

  • الخبر

بين النية وما يلقى في النفس والإخلاص في العمل

افتتح السيوطي كتابه 'الأشباه والنظائر' بقاعدة 'لا ثواب بدون نية'، وبالصيغة السابقة، واستعمل معظم الفقهاء عند الحديث على قاعدة النية عبارة 'الأمور بمقاصدها'، وهي إحدى القواعد الكلية الخمس. وأصل هذه القاعدة هو الحديث الصحيح المشهور الذي أخرجه الأئمة الستة بلفظ واحد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه'. قال الإمام الشافعي عن هذا الحديث أنه يدخل في ثلث العلم وهو قول الإمام أحمد، وقال الإمام أحمد في موضع آخر: (أصول الإسلام على أحاديث، وذكر منها حديث 'إنما الأعمال بالنيات')، وإلى نفس المعنى ذهب أبو داود والبيهقي. ولعل أفضل تعريف للنية عند العلماء، في نظري، هو ما قاله البيضاوي: 'النية هي الإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضى الله تعالى وامتثال حكمه'، والملاحظ على تعريف البيضاوي أنه لم يجعل النية هي مجرد قصد الفعل أو العزم عليه، وإنما اشترط مع ذلك القصد ابتغاء رضى الله سبحانه وتعالى والاستجابة لأوامره. فإن كانت النية من الأمور النفسية الباطنية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، فإن هناك أشياء أخرى تلقى في النفس وهي غير العزم الذي عُبِر به عن النية، وحاصل ما قاله العلماء في هذه المسألة أن ما يلقى في النفس خمسة أشياء، هي: أولا: الهاجس، وهو ما يلقى في النفس ابتداء، ولا يؤخذ به صاحبه إجماعا لأنه ليس من فعله، وإنما هو شيء ورد عليه لا قدرة له ولا صنع. ثانيا: الخاطر، وهو جريان الهاجس في النفس. ثالثا: حديث النفس، وهو ما يقع من التردد بين الفعل وعدمه. والخاطر وحديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم 'إن الله تجاوز لأمتي ما حدثتها به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به'، وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع الخاطر من باب أولى. قال ابن مالك معلقا على الحديث في 'شرح المشارف'، حديث النفس المتجاوز عنه نوعان ضروري: وهو ما يقع من غير قصد، واختياري: وهو ما يقع بقصد، والمراد بالحديث الثاني إذ الأول معفو عن جميع الأمم إذا لم يصر عليه، لامتناع الخلو عنه، وإنما عفي النوع الثاني عن هذه الأمة تكريما له عليه الصلاة والسلام. رابعا: الهم، وهو ترجيح قصد الفعل بغض النظر عن طبيعة ذلك الفعل كونه خيرا أو شرا، وقد تبيّن في الحديث الصحيح أن من هم بحسنة كتبت له حسنة ومن هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يفعلها، قال صلى الله عليه وسلم: 'إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل'. وجاء في الحديث القدسي 'إن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها سيئة وإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا همّ بحسنة ولم يعملها فاكتبوها حسنة وإن عملها فاكتبوها عشرا'. وينقسم الهمُّ إلى قسمين: الأول، أن يهم بالشيء ويفعل ما يقدر عليه منه، ثم يحال بينه وبين إكماله، فهذا يكتب له الأجر كاملا؛ لقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} النساء:100، بل إن الإنسان إذا كان من عادته العمل، وحيل بينه وبينه لسبب؛ فإنه يكتب له أجره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: 'إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا'. القسم الثاني، أن يهم بالشيء ويتركه مع القدرة عليه؛ فيكتب له به حسنة كاملة؛ لنيّته. خامسا: العزم، وهو قوة القصد والجزم به مع إرادة الفعل، وهو النية التي نحن بصدد الحديث عنها. أما الإخلاص فهو من أعظم ما يترتب على التمييز في النية، وهو أن يقصد الإنسان بعمله وجه الله لا يريد غيره، وقال الحموي في معنى الإخلاص: 'قيل هو سر بينك وبين ربك لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله'. والإخلاص قدر زائد على مجرد نية العمل، بل لابد من نية نفس العمل والمقصود له. ولذلك، لا يقع الإخلاص بدون نية، وتقع بدونه، وبناء عليه، فإن نظر الفقهاء قاصر على النية، وأحكامهم إنما تجري عليها، وأما القدر الزائد عليها من الإخلاص فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، ومن ثم صحح الفقهاء عدم وجوب الإضافة إلى الله في جميع العبادات. وفي هذا الباب يدخل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن رجل يقاتل شجاعة وحمية ورياء، فأي ذلك في سبيل الله تعالى؟ فقال: 'من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله'.

وصايا ذهبية للحجّاج..
وصايا ذهبية للحجّاج..

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ يوم واحد

  • أخبار اليوم الجزائرية

وصايا ذهبية للحجّاج..

للفوز بالذنب المغفور والحج المبرور وصايا ذهبية للحجّاج.. لا يعادل فضل الحج المبرور فضل فهو علامة على رضا الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه وتحصيل غفرانه والحج المبرور يغفر جميع الذنوب وبه يقول الله تعالى: ((إن الحسناتِ يُذهبْنَ السيِّئات)) ومن علامةِ قبولِ الطاعةِ فعلُ الطاعةِ بعدها. لذلك هناك من النصائح الهامة التي يجب أن يحرص عليها الحاج حتى لا يضيع حجه هباءً منثورا ويكن كالتي نقَضت غزلها من بعدِ قوّة أنكاثاً. ولعل أول نصائح الحج المبرور هي الإخلاص لله تعالى وخلوة هذه العبادة العظيمة من الرياء والنفاق والسمعة فلا بد من استحضار النية عند إرادتك هذه الفريضة العظيمة فإنّ العبد يُعطى من الأجر بقدر نيته قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) البينة:5. وقال سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) الزمر:2. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه رواه مسلم. فصدق النية أهم شيء في عمل الحاج ومجاهدة النفس على الإخلاص ورفض الرياء أمرٌ شديد ولكنه يسير على من يسّره الله عليه ومن ألزم نفسه الإخلاص تلذذ بالطاعات وقد سئل سهل بن عبدالله: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيها نصيب. والرياء هو الشّرك الخفي الذي حذّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: إن أخوفَ ما أخافُ عليكم: الشركُ الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء . رواه أحمد. وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء إذا قلناه أذهب الله عنا صغار الشرك وكباره فعن مَعْقِلَ بنَ يَسَار قَال: انْطَلَقْتُ مع أَبِي بَكْر الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يا أَبا بَكْر لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ فَقَال أَبُو بَكْر : وهل الشِّرْكُ إِلا مَنْ جَعَلَ مع اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ؟ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ أَلا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْء إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وكَثِيرُهُ؟ قَال: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ . *التوبة يجب على الحاج التوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب والمعاصي وإذا كان عنده مظالم للناس فعليه أنْ يُردها إليهم ويطلب مسامحتهم ليستقبل حجه بالتوبة والتخلص من المظالم. *الدعاء والذكر الدعاء هو مخ العبادة والذكر هو أساس العمل الصالح قال صلى الله عليه وسلم: الدُّعاء هو العبادة . قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزُ الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام رواه ابن حبان. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ ربكم تبارك وتعالى حَييٌ كريم يَستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أنْ يَردهما صِفراً خَائبتين رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. *تجنب الجدال واحرص على الطاعات يقول الله سبحانه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] احرص على الطاعات والقربات والتقرّب بأنواع العبادات من ذكر الله تعالى بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والصلاة بوقتها مع الجماعة وأنواع الصدقات والدعاء لنفسك وأهلك وإخوانك المسلمين. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ يوم أكثرَ من أنْ يُعتقَ اللهُ فيه عبداً من النار من يومِ عَرفة وإنه ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أرادَ هؤلاء؟ . فلا خير في حج ّ يخلطه صاحبه بالمعاصي فإنها أيام الطاعات والذّكر والقربات وأسواق التقوى فالذي يعصي الله فيها هو الخاسر عاجلاً وآجلاً. *الصحبة الصالحة التمس من يُعينك على طاعة الله وينصحك لنفسك عن معاصي الله عليك بالجلساء الطيبين والأخوة الصالحين في سفرك كما في بلدك فإنّ الصحبة لها أثرها الكبير على الصاحب وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم المثال الرائع في الجليس الصالح والجليس السوء فقال صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل السمك ونافخ الكبير فحامل المسك: إمّا أن يُحْذِيَك وإما أنْ تبتاع منه وإمّا أنْ تجدَ منه ريحاً طيبة ونافخ الكير: إما أنْ يُحرق ثيابك وإما أنْ تجد منه ريحاً خبيثة . متفق عليه فالرفقة الصالحة تُعينك على ما ينفعك من أمور الدين والدنيا والرفقة السيئة تعينك على ما يضرك ويشقيك. *النفقة الحلال على الحاج أنْ ينفق في حجه من زاد وراحلة من الكسب الحلال ليكون حجه مبروراً وذنبه مغفورا وسعيه مشكورا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) المؤمنون: 51 وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة: 172. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له؟. رواه مسلم. وأنتَ تلبسُ ملابس الإحرام تذكَّرُ حينما تكونُ وحيداً في كفنِكَ الأبيض فاليومَ عملٌ ولا حساب وغداً عرضُ كتاب وحساب.. فماذا أعددت؟ لا تترُكِ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر ولْيكن ذلكَ برفق وحلم ولين.. والدالُّ على الخير كفاعله ((وما تفعلوا من خير يعلمْهُ الله)). احرص على اغتنام لحظاتك وأوقاتك.. وتجنب اللَّغط واللغو.. ولْيكن شعارك: (فلا رفَثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) فإنما هي أيامٌ معدودات.. ثم ترجعُ بجائزة (رجع من ذنوبه كيومِ ولدته أمه).. ولْيكن حجُّكَ خالصاً من الجدالِ والمِراء.. وأكثر من ذكرِ ربِّكَ لينشرِحَ قلبُك ((إنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيِّئات)). حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store