logo
مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان

مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان

العربي الجديد٠٨-٠٦-٢٠٢٥

نال المصور السوداني مصعب أبو شامة (27 عاماً) جوائز عالمية بينها "
وورلد برس فوتو 2025
"، المسابقة الأعرق للتصوير الصحافي، عن صورته "الحياة لن تتوقف" التي التقطها لعريس يحمل سلاحه يوم زفافه في أم درمان في ولاية الخرطوم. بدأ مشروعه "تدوين" خلال الحرب في بلاده باستخدام هاتفه موثقاً حياة السودانيين تحت القصف، وفاز من خلاله بجائزة تصوير للمشاريع الفوتوغرافية 2024 التي تمنحها مؤسسة تصوير التي أنشأتها متاحف قطر بقيادة رئيستها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني. في مقابلة مع "العربي الجديد"، يتحدث أبو شامة عن الصورة باعتبارها أداةَ مقاومة، وعن الفن بوصفه ضرورة إنسانية في زمن الحرب
ما القصة وراء صورة "الحياة لن تتوقف"؟ وماذا كنت تحاول أن تروي من خلالها؟
الصورة تجسد صديقاً لي، قرّر إقامة زفافه في أم درمان رغم كونها إحدى أكثر المناطق تعرضاً للقصف لوقوعها ضمن مناطق التماس بين طرفي النزاع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)، وإن كانت الغلبة فيها للجيش. سألته: كيف يمكنك الزواج في منطقة كهذه؟ فأجاب ببساطة: أهلي جميعهم هنا. طلب مني توثيق يومه المميز، فالتقطنا الصورة على سطح منزله، لأنه لم يكن هناك أي مكان آمن أو مناسب آخر. السلاح الذي ظهر في الصورة ليس مستغرباً بالنسبة إلينا. وجود السلاح هناك هو جزء من الحياة اليومية، بل يحمل رمزية خاصة في المناسبات، كما هو الحال في بعض المجتمعات العربية. لكن ما أضفى على الصورة معنى أعمق هو التوتر الذي كنا نعيشه خلال التصوير؛ كنا قريبين من الثكنات العسكرية، والخطر كان حاضراً في كل لحظة. من خلال هذه اللقطة، أردت القول إن الحرب لن تسلبنا كل شيء، والحياة مستمرة وسط احتمال الموت، والفرح ممكن في قلب الخطر.
هل كنت تتصور أن الكاميرا التي بدأت تلتقط بها تفاصيل عادية يومية ستتحول يوماً إلى شاهد حي على حرب؟ كيف بدأت الحكاية أصلاً بينك وبين التصوير؟
بدأت مشروعي في التوثيق الفوتوغرافي قبل اندلاع الحرب في السودان، وكان في الأصل ممارسة يومية بسيطة: التقاط صور للحياة كما أراها من حولي. لكن مع تصاعد الأحداث واندلاع القتال، وجدت نفسي عالقاً في البلاد من دون إمكانية للمغادرة. في تلك اللحظة، تحول التصوير من مجرد شغف شخصي إلى ضرورة إنسانية وتوثيقية. لم يكن هدفي مجرد نقل الحدث إخبارياً، بل محاولة سرد القصة الحقيقية لما يعيشه الناس: تفاصيل الألم والنجاة والكرامة وسط الفوضى.
نشأت في السودان في ظل أوضاع سياسية وإنسانية غير مستقرة. إلى أي مدى شكّلت هذه الخلفية رؤيتك للقصص التي تختار توثيقها بعدستك؟
في الحقيقة، لم أكن أتعامل مع التصوير بجدية في البداية، بل كان مجرد هواية. لكن مع اندلاع الحرب، بدأت أعي قوة الصورة وتأثيرها المباشر على الناس. كنت أنشر ما ألتقطه على صفحتي في "إنستغرام"، وفوجئت بتفاعل كبير وتعليقات قلقة وأسئلة حقيقية. شاب يسأل عن عائلته التي لم يتمكن من التواصل معها بسبب انقطاع الإنترنت، وآخر يريد أن يعرف ما يجري في مدينته. في عام الحرب الأول، لم يتمكن أي مصور صحافي من الوصول إلى المدينة حيث أعيش، كما أن التغطية الإعلامية كانت شبه معدومة. وجدت نفسي، من دون تخطيط مسبق، أتحول إلى صوت بصري ينقل ما يحدث من وقائع يومية وتفاصيل ربما كانت لتضيع في زحمة الأحداث.
شاركت في فيلم "
وداعاً جوليا
" (2023) الذي مثّل السودان في الترشيحات ل
جائزة أوسكار
عام 2024، إذ عملت تحت إشراف المخرج محمد كردفاني. كيف غيّرت هذه التجربة السينمائية علاقتك بالصورة والسرد؟ وهل ألهمتك للانتقال أكثر نحو العمل الروائي أو السينمائي؟
التجربة كان لها أثر عميق عليّ، ليس فقط لأنني كنت جزءاً من فريق عمل فيلم كبير مثّل السودان على مستوى عالمي، بل أيضًا لأنني كنت أتابع المشروع من قرب من خلال عملي في الشركة المنتجة. العمل مع محمد كردفاني، الذي كتب وأخرج الفيلم، كان فرصة تعلمت منها الكثير، سواء على مستوى السرد البصري أو بناء المشهد السينمائي. حتى اليوم، ما زلت على تواصل معه، وأستفيد من خبرته وتوجيهاته. هذه التجربة جعلتني أفكر أكثر في إمكانية التوجه مستقبلاً نحو مشاريع روائية أو سينمائية.
من خلال مشروعك "تدوين" وصورك من قلب الحرب في السودان، كيف تحافظ على التوازن بين التوثيق الصادق وبين الحساسية الأخلاقية في تصوير المأساة؟
منذ البداية، لم أسعَ إلى تقديم رواية منحازة أو التحدث باسم أحد. كنت أكتفي بتصوير ما أراه أمامي، بكل ما في ذلك من ألم وتعقيد، ومن أي جهة صدر. التوثيق بالنسبة إلي كان فعلاً يومياً صادقاً، يعتمد على ما يحدث على الأرض. صحيح أن بعض الصور قد توثّق لجهة أكثر من غيرها، لكن ذلك لم يكن نتيجة انتقاء، بل ببساطة لأنني كنت موجوداً في منطقة تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، وبالتالي، فإن معظم الاعتداءات التي كنت أشهدها جاءت من الطرف الآخر، أي قوات الدعم السريع. هذا ما جعل الصور تعكس هذا الواقع. لم أهدف إلى إصدار أحكام، بل إلى نقل ما يجري بأكبر قدر ممكن من الصدق.
هل ترى أن التصوير يمكن أن يتحوّل إلى شكل من أشكال المقاومة؟ أم تفضّل التعامل معه باعتباره وسيلة تسجيل بصري محايدة؟
التصوير ليس مجرد أداة حيادية لتسجيل الأحداث، بل هو شكل حقيقي من أشكال المقاومة. هو جزء من الذاكرة الوطنية، خاصة في سياق الحرب، حين تغيب التغطية الإعلامية أو تُقيَّد، ويصبح التوثيق فعلاً شخصياً يقوم به من عاشوا التجربة.
حول العالم
التحديثات الحية
الملصقات الفلسطينيّة... فن تحركه إرادة المقاومة
الفن، بالنسبة إلي ليس محصوراً في إطار معين، بل هو وسيلة تعبير حرة يمكن أن تتناول السياسة والدين أو أي قضية تمس الإنسان. لا أؤمن ببقاء الفن بعيداً عن السياسة، لأن الواقع الذي نعيشه يفرض نفسه على كل أشكال التعبير. في السودان، مثلًا، ظهرت موجات فنية جديدة قبيل الثورة لم تكن موجودة من قبل، وكان ذلك تعبيرًا عن حاجة الناس للتنفيس وكسر الصمت. من دون الفن، يُحتمل أن يشعر كثيرون بالكبت والعجز. لذلك أرى أن للفن دوراً جوهرياً، ليس فقط في نقل الواقع، بل في تشكيله والتأثير عليه.
اليوم تقيم وتدرس الفن في نيويورك، بعيداً للمرة الأولى عن السودان. كيف غيّر هذا الانتقال من نظرتك لنفسك بصفتك فناناً سودانياً؟ وهل وجدت نفسك بين انتماءين؟
بلا شك، كان للانتقال تأثير كبير عليّ. هذه هي المرة الأولى التي أعيش فيها خارج السودان لفترة تتجاوز الشهر. فجأة وجدت نفسي بعيداً عن كل ما اعتدت عليه؛ عن الشوارع التي أعرفها، والأصوات، والناس الذين شكلوا تجربتي الفنية والإنسانية. رغم ذلك، لم أنقطع عن السودان. ما زلت أعمل مع بنوك الطعام (مطابخ خيرية) هناك، وأتواصل مع الأشخاص الذين التقطت صورهم ضمن مشروعي "تدوين". علاقتي بهم لا تقوم فقط على كوني مصوراً، بل على كوني الشخص الذي عرفوه في تفاصيل حياتهم اليومية الصعبة والعادية. أما هنا، في نيويورك، فلا أشعر حتى الآن بأنني استقررت فعلاً. لذلك، ورغم المسافة، لا يزال إحساسي أنني مقيم هناك، في السودان، بالجسد ربما لا، لكن بالروح وبالذاكرة، نعم.
لماذا اخترت المشاركة بـ"تدوين" في الأمسية التي نظمت بالتعاون بين مؤسسة غلف فوتو بلس (GPP) ومهرجان سَفَر السينمائي ومهرجان بيكهام 24 للتصوير المعاصر، في 17 مايو/أيار الماضي؟
لأنه ليس مجرد سلسلة من الصور، بل محاولة حقيقية لجعل العالم يرى ما يجري في السودان. أؤمن بأن الصورة يمكن أن تُحدث فرقاً، وبات هذا المشروع وسيلتي لحشد الدعم الإنساني، خاصة بعد انتقالي إلى الخارج.
أستخدم
وسائل التواصل الاجتماعي
وقناتي على "تليغرام" لجمع التبرعات، وأعمل على تمويل مطابخ مجتمعية تقدم الطعام للمتضررين داخل السودان. كما نظمت فعاليات في نيويورك بهدف التعريف بما يحدث هناك، وتلقيت دعماً مباشراً من أفراد تفاعلوا مع الصور، خاصة بعد عرض فيلمين وثّقا أوضاع مراكز الطعام.
يعرض مهرجان تصوير في قطر مشروع "تدوين" للمصور مصعب أبو شامة حتى 20 يونيو/حزيران الحالي. (إيتاليك آخر المقابلة على الموقع)

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسرحية "مايبي هابي إندينغ" تتصدّر جوائز توني الأميركية
مسرحية "مايبي هابي إندينغ" تتصدّر جوائز توني الأميركية

العربي الجديد

time٠٩-٠٦-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

مسرحية "مايبي هابي إندينغ" تتصدّر جوائز توني الأميركية

سيطرت المسرحية الغنائية الكورية الجنوبية "مايبي هابي إندينغ" (Maybe Happy Ending) التي قدمت في "برودواي" وتتناول قيام علاقة تواصل بين روبوتين، الأحد، على جوائز توني العريقة للأعمال المسرحية الأميركية، إذ حصدت ست مكافآت. كذلك، فاز نجما الموسم كول إسكولا ونيكول شيرزينغر بأول جائزة توني في مسيرتهما، في ليلة احتفت بانتعاش "برودواي" بعد ركود استمر لسنوات بسبب تداعيات جئحة كوفيد-19 . وتولّت سينتيا إيريفو، الحائزة على جائزة توني والتي رُشحت لنيل جائزة أوسكار عن دورها في فيلم "ويكد"، تقديم الحفلة التي أُقيمت في قاعة راديو سيتي ميوزيك هول في مانهاتن، وتميّزت بقائمة متنوّعة من الأعمال المتنافسة. وقالت إيريفو إن هذا العام كان الأكثر دراً للعائدات على الإطلاق في تاريخ "برودواي"، مضيفةً: "لقد عادت برودواي رسمياً". وفازت سارة سنوك التي سبق أن حصلت على جائزة إيمي عن دورها في مسلسل "ساكسيشن" ، بجائزة توني لأفضل ممثلة في مسرحية، إذ تولت كل الأدوار الـ26 في المسرحية المقتبسة من رواية "ذا بيكتشر أوف دوريان غراي" لأوسكار وايلد. واستقطبت مجموعة جديدة من العروض والنجوم 14,7 مليون شخص إلى "برودواي" هذا الموسم، محققةً إيرادات بلغت 1,89 مليار دولار في شباك التذاكر. تألق بعض من ألمع نجوم الفن في مسارح نيويورك، من بينهم جورج كلوني ودنزل واشنطن وجايك جيلينهال وكيران كولكين وجيريمي سترونغ. وقال مايكل أردن الذي فاز بجائزة توني لأفضل مخرج عن مسرحيته الغنائية "مايبي هابي إندينغ": "أرجوكم ارتادوا المسرح، سواء لحضور عرض في برودواي أو لمشاهدة مسرحية مدرسية". كذلك، فاز دارين كريس الحائز جائزة إيمي عن تجسيده دور القاتل أندرو كونانان في مسلسل "ذا أساسينيشن أوف جاني فيرساتشي: أميركان كرايم ستوري"، بجائزة توني لأفضل ممثل في "مايبي هابي إندينغ". قال خلال تسلمه جائزته: "أشعر بفخر كبير لأنني كنت جزءاً من هذا الموسم الرائع والمتنوع من مسرحيات برودواي هذا العام". كما فازت شيرزينغر بجائزة أفضل ممثلة في مسرحية غنائية عن تأديتها دور نورما ديسموند وهي نجمة خفّ بريقها، في مسرحية "سنسيت بولفارد" (Sunset Boulevard) التي فازت أيضاً بجائزة أفضل إعادة إنتاج لمسرحية موسيقية. قالت شيرزينغر التي كانت قائدة فرقة البوب الغنائية ذا بوسيكات دولز: "إذا كان هناك من يشعر بأنه لا ينتمي إلى مكان معّين أو أنّه لم يحقق نجاحاً بعد، فلا تيأس". تابعت: "واصلوا العطاء، فالعالم بحاجة اليوم إلى حبكم ونوركم أكثر من أي وقت مضى. هذا دليل على أن الحب ينتصر دائماً". موسيقى التحديثات الحية من المهرجانات إلى الراب: عودة إجبارية إلى الأصوات الشعبية مع أنّ مسرحية كول إسكولا الكوميدية القاتمة "أو، ماري!" (Oh, Mary) كانت الأوفر حظا لنيل جائزة توني لأفضل مسرحية جديدة، ذهبت هذه المكافأة إلى مسرحية "بربس" (Purpose) لبراندن جايكوبس-جينكنس، والتي فازت أيضاً بجائزة بوليتزر للمسرح عام 2025. لكن إسكولا حصد جائزة عن أدائه المتألق في هذه المسرحية، التي تُعيد تناول اغتيال أبراهام لينكولن من منظور زوجته، وهي امرأة مدمنة كحول تحلم بحياة نجمة ملهى ليلي. وقد تفوّق إسكولا على منافسين بارزين من بينهم كلوني. وحصدت مسرحية "أو، ماري!" أيضاً جائزة أفضل إخراج لسام بينكلتون، الذي توجه مباشرةً إلى سكولا في كلمته قائلاً: "لقد علّمتني أن أصنع ما أحبه لا ما أعتقد أن الناس يرغبون في رؤيته". أضاف وسط تصفيق حار: "يمكننا أن نسعد الناس في نهاية يوم سيئ، وهذا أمر بالغ الأهمية لي". وتضمنت الأمسية أداءً مميزاً لأغنية "روزز تورن" لماكدونالد، وأداءً آسراً لأغنية "آز وي نيفر سيد غودباي" لشيرزينغر. كما شهدت الحفلة لمّ شمل طاقم عمل مسرحية "هاميلتون" الأصلية، في وقت تحتفل فيه هذه المسرحية الغنائية الرائدة التي ألّفها لين مانويل ميراندا بالذكرى السنوية الـ10 لها. إضافةً إلى فقرة مؤثرة تكريماً لذكرى الأشخاص الذين خسرهم المسرح في العام الماضي، إذ أدّت إيريفو وسارة باريليس أغنية "تومورو" من مسرحية "أنّي" (Annie). وتوفي مؤلف هذه الأغنية تشارلز ستراوس في الشهر الفائت. وأشارت بعض الكلمات بشكل غير مباشر إلى الاضطرابات السياسية المستمرة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بعدما أثارت عمليات دهم أمر بها الرئيس دونالد ترامب لمنطقة يقطنها عدد كبير من الأشخاص من أصول أميركية لاتينية، احتجاجات واسعة. لكن لم يذكر أحد اسم ترامب بشكل مباشر. (فرانس برس)

مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان
مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان

العربي الجديد

time٠٨-٠٦-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان

نال المصور السوداني مصعب أبو شامة (27 عاماً) جوائز عالمية بينها " وورلد برس فوتو 2025 "، المسابقة الأعرق للتصوير الصحافي، عن صورته "الحياة لن تتوقف" التي التقطها لعريس يحمل سلاحه يوم زفافه في أم درمان في ولاية الخرطوم. بدأ مشروعه "تدوين" خلال الحرب في بلاده باستخدام هاتفه موثقاً حياة السودانيين تحت القصف، وفاز من خلاله بجائزة تصوير للمشاريع الفوتوغرافية 2024 التي تمنحها مؤسسة تصوير التي أنشأتها متاحف قطر بقيادة رئيستها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني. في مقابلة مع "العربي الجديد"، يتحدث أبو شامة عن الصورة باعتبارها أداةَ مقاومة، وعن الفن بوصفه ضرورة إنسانية في زمن الحرب ما القصة وراء صورة "الحياة لن تتوقف"؟ وماذا كنت تحاول أن تروي من خلالها؟ الصورة تجسد صديقاً لي، قرّر إقامة زفافه في أم درمان رغم كونها إحدى أكثر المناطق تعرضاً للقصف لوقوعها ضمن مناطق التماس بين طرفي النزاع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)، وإن كانت الغلبة فيها للجيش. سألته: كيف يمكنك الزواج في منطقة كهذه؟ فأجاب ببساطة: أهلي جميعهم هنا. طلب مني توثيق يومه المميز، فالتقطنا الصورة على سطح منزله، لأنه لم يكن هناك أي مكان آمن أو مناسب آخر. السلاح الذي ظهر في الصورة ليس مستغرباً بالنسبة إلينا. وجود السلاح هناك هو جزء من الحياة اليومية، بل يحمل رمزية خاصة في المناسبات، كما هو الحال في بعض المجتمعات العربية. لكن ما أضفى على الصورة معنى أعمق هو التوتر الذي كنا نعيشه خلال التصوير؛ كنا قريبين من الثكنات العسكرية، والخطر كان حاضراً في كل لحظة. من خلال هذه اللقطة، أردت القول إن الحرب لن تسلبنا كل شيء، والحياة مستمرة وسط احتمال الموت، والفرح ممكن في قلب الخطر. هل كنت تتصور أن الكاميرا التي بدأت تلتقط بها تفاصيل عادية يومية ستتحول يوماً إلى شاهد حي على حرب؟ كيف بدأت الحكاية أصلاً بينك وبين التصوير؟ بدأت مشروعي في التوثيق الفوتوغرافي قبل اندلاع الحرب في السودان، وكان في الأصل ممارسة يومية بسيطة: التقاط صور للحياة كما أراها من حولي. لكن مع تصاعد الأحداث واندلاع القتال، وجدت نفسي عالقاً في البلاد من دون إمكانية للمغادرة. في تلك اللحظة، تحول التصوير من مجرد شغف شخصي إلى ضرورة إنسانية وتوثيقية. لم يكن هدفي مجرد نقل الحدث إخبارياً، بل محاولة سرد القصة الحقيقية لما يعيشه الناس: تفاصيل الألم والنجاة والكرامة وسط الفوضى. نشأت في السودان في ظل أوضاع سياسية وإنسانية غير مستقرة. إلى أي مدى شكّلت هذه الخلفية رؤيتك للقصص التي تختار توثيقها بعدستك؟ في الحقيقة، لم أكن أتعامل مع التصوير بجدية في البداية، بل كان مجرد هواية. لكن مع اندلاع الحرب، بدأت أعي قوة الصورة وتأثيرها المباشر على الناس. كنت أنشر ما ألتقطه على صفحتي في "إنستغرام"، وفوجئت بتفاعل كبير وتعليقات قلقة وأسئلة حقيقية. شاب يسأل عن عائلته التي لم يتمكن من التواصل معها بسبب انقطاع الإنترنت، وآخر يريد أن يعرف ما يجري في مدينته. في عام الحرب الأول، لم يتمكن أي مصور صحافي من الوصول إلى المدينة حيث أعيش، كما أن التغطية الإعلامية كانت شبه معدومة. وجدت نفسي، من دون تخطيط مسبق، أتحول إلى صوت بصري ينقل ما يحدث من وقائع يومية وتفاصيل ربما كانت لتضيع في زحمة الأحداث. شاركت في فيلم " وداعاً جوليا " (2023) الذي مثّل السودان في الترشيحات ل جائزة أوسكار عام 2024، إذ عملت تحت إشراف المخرج محمد كردفاني. كيف غيّرت هذه التجربة السينمائية علاقتك بالصورة والسرد؟ وهل ألهمتك للانتقال أكثر نحو العمل الروائي أو السينمائي؟ التجربة كان لها أثر عميق عليّ، ليس فقط لأنني كنت جزءاً من فريق عمل فيلم كبير مثّل السودان على مستوى عالمي، بل أيضًا لأنني كنت أتابع المشروع من قرب من خلال عملي في الشركة المنتجة. العمل مع محمد كردفاني، الذي كتب وأخرج الفيلم، كان فرصة تعلمت منها الكثير، سواء على مستوى السرد البصري أو بناء المشهد السينمائي. حتى اليوم، ما زلت على تواصل معه، وأستفيد من خبرته وتوجيهاته. هذه التجربة جعلتني أفكر أكثر في إمكانية التوجه مستقبلاً نحو مشاريع روائية أو سينمائية. من خلال مشروعك "تدوين" وصورك من قلب الحرب في السودان، كيف تحافظ على التوازن بين التوثيق الصادق وبين الحساسية الأخلاقية في تصوير المأساة؟ منذ البداية، لم أسعَ إلى تقديم رواية منحازة أو التحدث باسم أحد. كنت أكتفي بتصوير ما أراه أمامي، بكل ما في ذلك من ألم وتعقيد، ومن أي جهة صدر. التوثيق بالنسبة إلي كان فعلاً يومياً صادقاً، يعتمد على ما يحدث على الأرض. صحيح أن بعض الصور قد توثّق لجهة أكثر من غيرها، لكن ذلك لم يكن نتيجة انتقاء، بل ببساطة لأنني كنت موجوداً في منطقة تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، وبالتالي، فإن معظم الاعتداءات التي كنت أشهدها جاءت من الطرف الآخر، أي قوات الدعم السريع. هذا ما جعل الصور تعكس هذا الواقع. لم أهدف إلى إصدار أحكام، بل إلى نقل ما يجري بأكبر قدر ممكن من الصدق. هل ترى أن التصوير يمكن أن يتحوّل إلى شكل من أشكال المقاومة؟ أم تفضّل التعامل معه باعتباره وسيلة تسجيل بصري محايدة؟ التصوير ليس مجرد أداة حيادية لتسجيل الأحداث، بل هو شكل حقيقي من أشكال المقاومة. هو جزء من الذاكرة الوطنية، خاصة في سياق الحرب، حين تغيب التغطية الإعلامية أو تُقيَّد، ويصبح التوثيق فعلاً شخصياً يقوم به من عاشوا التجربة. حول العالم التحديثات الحية الملصقات الفلسطينيّة... فن تحركه إرادة المقاومة الفن، بالنسبة إلي ليس محصوراً في إطار معين، بل هو وسيلة تعبير حرة يمكن أن تتناول السياسة والدين أو أي قضية تمس الإنسان. لا أؤمن ببقاء الفن بعيداً عن السياسة، لأن الواقع الذي نعيشه يفرض نفسه على كل أشكال التعبير. في السودان، مثلًا، ظهرت موجات فنية جديدة قبيل الثورة لم تكن موجودة من قبل، وكان ذلك تعبيرًا عن حاجة الناس للتنفيس وكسر الصمت. من دون الفن، يُحتمل أن يشعر كثيرون بالكبت والعجز. لذلك أرى أن للفن دوراً جوهرياً، ليس فقط في نقل الواقع، بل في تشكيله والتأثير عليه. اليوم تقيم وتدرس الفن في نيويورك، بعيداً للمرة الأولى عن السودان. كيف غيّر هذا الانتقال من نظرتك لنفسك بصفتك فناناً سودانياً؟ وهل وجدت نفسك بين انتماءين؟ بلا شك، كان للانتقال تأثير كبير عليّ. هذه هي المرة الأولى التي أعيش فيها خارج السودان لفترة تتجاوز الشهر. فجأة وجدت نفسي بعيداً عن كل ما اعتدت عليه؛ عن الشوارع التي أعرفها، والأصوات، والناس الذين شكلوا تجربتي الفنية والإنسانية. رغم ذلك، لم أنقطع عن السودان. ما زلت أعمل مع بنوك الطعام (مطابخ خيرية) هناك، وأتواصل مع الأشخاص الذين التقطت صورهم ضمن مشروعي "تدوين". علاقتي بهم لا تقوم فقط على كوني مصوراً، بل على كوني الشخص الذي عرفوه في تفاصيل حياتهم اليومية الصعبة والعادية. أما هنا، في نيويورك، فلا أشعر حتى الآن بأنني استقررت فعلاً. لذلك، ورغم المسافة، لا يزال إحساسي أنني مقيم هناك، في السودان، بالجسد ربما لا، لكن بالروح وبالذاكرة، نعم. لماذا اخترت المشاركة بـ"تدوين" في الأمسية التي نظمت بالتعاون بين مؤسسة غلف فوتو بلس (GPP) ومهرجان سَفَر السينمائي ومهرجان بيكهام 24 للتصوير المعاصر، في 17 مايو/أيار الماضي؟ لأنه ليس مجرد سلسلة من الصور، بل محاولة حقيقية لجعل العالم يرى ما يجري في السودان. أؤمن بأن الصورة يمكن أن تُحدث فرقاً، وبات هذا المشروع وسيلتي لحشد الدعم الإنساني، خاصة بعد انتقالي إلى الخارج. أستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وقناتي على "تليغرام" لجمع التبرعات، وأعمل على تمويل مطابخ مجتمعية تقدم الطعام للمتضررين داخل السودان. كما نظمت فعاليات في نيويورك بهدف التعريف بما يحدث هناك، وتلقيت دعماً مباشراً من أفراد تفاعلوا مع الصور، خاصة بعد عرض فيلمين وثّقا أوضاع مراكز الطعام. يعرض مهرجان تصوير في قطر مشروع "تدوين" للمصور مصعب أبو شامة حتى 20 يونيو/حزيران الحالي. (إيتاليك آخر المقابلة على الموقع)

استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله
استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله

العربي الجديد

time٠٦-٠٦-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله

يحتفل استوديو غيبلي هذا الشهر بمرور 40 عاماً على تأسيسه، نجح خلالها بتحقيق جائزتَي أوسكار وبناء قاعدة جماهيرية واسعة من الصغار والكبار، المعجبين بقصصه المعقدة ورسومه المتحركة المنجزة يدوياً. في الوقت نفسه، يواجه الاستوديو مستقبلاً غامضاً، إذ يرجح أن يكون فيلم "ذا بوي أند ذا هيرون" آخر أعمال المؤسّس المشارك الشهير هاياو ميازاكي، الذي يبلغ 84 عاماً، بحسب وكالة فرانس برس. أصبح الاستوديو الذي قدّم فيلم "سبيريتد أواي" الحائز على جائزة الأوسكار، ظاهرة ثقافية منذ أن أسّسه هاياو ميازاكي والراحل إيساو تاكاهاتا عام 1985. وقد ازدادت شعبيته مؤخراً بعد فوز فيلم "ذا بوي أند ذا هيرون" بجائزة أوسكار عام 2024، وببث منصة نتفليكس لأفلام استوديو غيبلي حول العالم. وقعت البريطانية جوليا سانتيلي، البالغة من العمر 26 عاماً والمقيمة في شمال اليابان، في غرام استوديو غيبلي بعد مشاهدتها فيلم "سبيريتد أواي" الكلاسيكي الصادر عام 2001 في طفولتها، وقالت لوكالة فرانس برس: "من وقتها بدأتُ بجمع جميع أفلامهم". بدورها، قالت مارغوت ديفال، إحدى المعجبات بأفلام غيبلي والبالغة من العمر 26 عاماً: "قصص غيبلي آسرة للغاية، والأعمال الفنية مذهلة"، وأضافت: "ربما أشاهد فيلم سبيريتد أواي نحو 10 مرات في السنة". سينما ودراما التحديثات الحية "نتفليكس" تستعرض أحدث عروضها في فعاليات "تودوم" "نفحة من الموت" قبل ظهور استوديو غيبلي، كانت معظم الرسوم المتحركة في اليابان، المعروفة بالأنيمي، تُصنع للأطفال. لكن ميازاكي وتاكاهاتا، وكلاهما من "الجيل الذي عرف الحرب"، أضافا عناصر أكثر قتامة تجذب الكبار، وفقاً لما قاله غورو، نجل ميازاكي، لوكالة فرانس برس. كما رأى الابن الذي يعمل مخرجاً في "غيبلي" أيضاً أن هناك "نفحة من الموت" في الأفلام، مضيفاً: "ليس كل شيء حلواً، فهناك أيضاً مرارة وأشياء من هذا القبيل تتشابك على نحوٍ جميل في العمل". واعتبر غورو ميازاكي أنّه "من المستحيل بالنسبة للشباب الذين نشأوا في زمن السلم، ابتكار عمل بنفس الإحساس والنهج والموقف"، كما لفت إلى أن فيلماً مثل "ماي نايبور توتورو"، يقدم مخلوقات لطيفة الشكل، لكنّه "مرعبٌ إلى حدٍ ما"، فهو يستكشف خوف أطفال من فقدان أمهم المريضة. وهي نظرة تتوافق مع رأي الأستاذة في جامعة تافتس في الولايات المتحدة ومؤلفة كتاب "عالم ميازاكي: حياة في الفن"، سوزان نابير، التي قالت لـ"فرانس برس": "في أفلام استوديو غيبلي، تجد غموضاً وتعقيداً، بالإضافة إلى رغبة في إدراك أن الظلام والنور غالباً ما ينسجمان"، وذلك على العكس من أفلام الرسوم المتحركة الأميركية التي تتناول الخير والشر بحدود واضحة بينهما. على سبيل المثال، فيلم "ناوسيكا" الذي تدور أحداثه بعد نهاية العالم، ويُعتبر أول فيلم من إنتاج استوديو غيبلي رغم إصداره عام 1984، لا يتضمن شريراً واضحاً، بحسب نابير، التي أشارت إلى أن الفيلم "يروي قصة أميرة مستقلة فضولية تجاه الحشرات العملاقة والغابة السامة" بدا "جديداً للغاية" عند عرضه، وابتعد عن "صورة البطلة السلبية التي تحتاج إلى إنقاذ". الطبيعة في عوالم "غيبلي" تُصوّر أفلام استوديو غيبلي أيضاً عالماً يتواصل فيه البشر بعمق مع الطبيعة وعالم الأرواح. من الأمثلة على ذلك فيلم "برينسس مونونوكي" الصادر عام 1997، الذي يروي قصة فتاة رباها ذئب في الغابة، وتصفه نايبر بأنه "تحفة فنية، وفيلم صعب في الوقت نفسه"، مضيفةً إنه عمل "جاد، مظلم، وعنيف" يُقدّره البالغون أكثر، كما لفتت إلى أن أفلام الاستوديو الياباني "تتميز بطابع بيئي وروحاني، وهو ما أعتقد أنه مناسب جداً لعالمنا المعاصر في ظلّ أزمات المناخ". من جهتها، لفتت الأستاذة في جامعة سينشو اليابانية، ميوكي يونيمورا، التي تدرس النظريات الثقافية للرسوم المتحركة، إن مشاهدة أفلام غيبلي أشبه بقراءة الأدب، أضافت: "لهذا السبب يشاهد بعض الأطفال فيلم توتورو 40 مرة"، مشيرةً إلى أن المشاهد "يكتشف شيئاً جديداً في كل مرة". تأثيرات أدبية رأت يونيمورا أن ميازاكي وتاكاهاتا استطاعا خلق عوالم خيالية بفضل انفتاحهما على الثقافات الأخرى، وشملت التأثيرات الأجنبية الكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيري ورسام الرسوم المتحركة بول غريمو، وهما فرنسيان، والفنان الكندي فريدريك باك، الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمه "الرجل الذي زرع الأشجار". كذلك، نبّهت يونيمورا إلى أن دراسة تاكاهاتا للأدب الفرنسي في الجامعة كانت "عاملاً أساسياً" في ذلك، مشيرةً إلى أن "كلاهما يقرأ كثيراً، وهذا سبب رئيسي لتفوقهما في كتابة السيناريوهات وتأليف القصص". نجوم وفن التحديثات الحية مِس ريتشل: مستعدة للمخاطرة بمسيرتي لمناصرة أطفال غزة كان ميازاكي قد قال في وقتٍ سابق بأنه استلهم فيلم "ناوسيكا" من كتب عدّة، بما في ذلك الحكاية اليابانية "السيدة التي أحبّت الحشرات" التي تعود للقرن الـ12، والأساطير اليونانية. واعتبرت يونيمورا أن استوديو غيبلي لن يكون كما كان بعد توقف ميازاكي عن إنتاج الرسوم المتحركة، "ما لم تظهر موهبة مماثلة"، فيما قالت ديفال، إحدى المعجبات بأعمال الاستوديو: "غيبلي محبوب على نطاق واسع لدرجة أنني أعتقد أنه سيستمر، طالما أنه لا يفقد جماله، طالما أنه يحمل في طياته الجهد والرعاية والحب".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store