logo
ما مدى الانحطاط الذي يمكن أن يبلغه مارك زوكربيرغ بعد تحالفه مع ترمب

ما مدى الانحطاط الذي يمكن أن يبلغه مارك زوكربيرغ بعد تحالفه مع ترمب

Independent عربية١٧-٠١-٢٠٢٥

من الواضح أن التغييرات التي شهدتها أكبر شركة تواصل اجتماعي في العالم هذا الأسبوع أسقطت عنها قناعاً.
لكن طبعاً ليس من وجهة نظر مارك زوكربيرغ، فإن كنتم تتابعون أخباره مثلي منذ فترة طويلة فلعلكم تعلمون أنه عندما يقرر رئيس "فيسبوك" و"إنستغرام" أن يخلع قناعاً، يكون قد أعد حتماً قناعاً جديداً يحل مكانه.
لكن من وجهة نظر الشركة الأم "ميتا" فإن الإصلاحات الجديدة التي يجريها زوكربيرغ لتصحيح علاقاته مع دونالد ترمب تفضح الطبيعة الخاوية للوعود الرسمية والاعتذارات الصادرة عن الشركة على مر ثمانية أعوام مضت، والتي زُعم فيها أن الشركة تهتم بمكافحة التضليل الإعلامي والتعصب الأعمى.
لقد قام الرئيس التنفيذي للشركة والبالغ من العمر 40 سنة بنشر مقطع فيديو الثلاثاء الماضي، قال فيه إنه يريد "العودة لجذورنا في مجال حرية التعبير"، و"العمل مع الرئيس ترمب" على مكافحة الرقابة حول العالم، وفي حال كنتم تتساءلون عن السبب الذي دفعه إلى القيام بذلك الآن، فهو ذكره عندما قال "إن الانتخابات الأخيرة تبدو وكأنها مفترق طرق ثقافي".
والتغيير الأكثر تأثيراً الذي ستقدم عليه "ميتا" هو "التخفيف" من قدرة الذكاء الاصطناعي على فرض الرقابة على المحتوى المنشور على منصات الشركة، وتوجيه نظام الرقابة لرصد المحتوى المثير للشبهات بصورة أقل بكثير بدلاً من انكبابه على فرض رقابة مفرطة، ومن بين الإصلاحات الأكثر إثارة للانتباه إلغاء "ميتا" وظيفة التحقق من الوقائع، إذ اعتادت الشركة أن ترسل مقالات مثيرة للجدل إلى صحافيين مستقلين، ومن ثم تقيد الوصول إلى المقالات المصنفة على أنها غير دقيقة.
وقررت "ميتا" أيضاً التساهل مع قوانينها المتصلة بخطاب الكراهية فأضافت استثناءات جديدة على المحتوى المعادي للمتحولين الجنسيين، وكذلك ستكف الشركة عن تقييد المحتوى السياسي على منصاتها وتنقل الفريق المسؤول عن الصدقية والسلامة لديها من كاليفورنيا "المتحيزة والمتحررة" إلى تكساس غير المنحازة والمحايدة سياسياً.
وبموازاة ذلك عينت الشركة، رئيسة منظمة UFC للفنون القتالية المختلطة، دانا وايت وحليفة ترمب في مجلس إدارتها، وتبرعت بمبلغ مليون دولار لصندوق تنصيب ترمب.
ولعل استقالة رئيس الشؤون العالمية في "ميتا" نيك كليغ المعروف بميوله الوسطية، والذي أدار في الماضي حزب "الديمقراطيين الليبراليين" البريطاني لم تأتِ كمفاجأة، وسيحل مكانه المسؤول الجمهوري المخضرم جويل كابلان.
وكتب كليغ عبر تطبيق "ثريدز" أنه "من الواضح أن [كابلان] هو الشخص المناسب للقيام بالدور المناسب وفي الوقت المناسب".
ولا شك في أن قرار "ميتا" بالإعلان عن إصلاحاتها المتعلقة بـ "حرية التعبير" عبر محطة إعلامية يحمل هو التالي رسالة واضحة، إذ قامت الشركة بإعلانها المذكور خلال مقابلة حصرية مع كابلان ضمن برنامج "فوكس أند فريندز" Fox & Friends على قناة "فوكس"، وقال كابلان في سياق البرنامج التلفزيوني اليميني الميول "لقد تعرضنا على مدى الأعوام الأربعة الماضية إلى ضغوط مجتمعية وسياسية هائلة كي نفرض مزيداً من القيود والرقابة، والآن نحن أمام فرصة حقيقية [لتغيير هذا الأمر]"، ثم أضاف "نحن في انتظار إدارة جديدة ورئيس جديد، وهما من كبار المدافعين عن حرية التعبير، وهذا يُحدث فرقاً كبيراً".
بالطبع كان كلامه هذا في معظمه نفاقاً، فتنظيم الخطاب يقع في صميم نموذج أعمال شركة "ميتا" ويعتمد على تعزيز وقمع أنواع مختلفة من المحتوى خوارزمياً للحفاظ على تفاعل المستخدمين، وغالباً ما تروج هذه الأنظمة الآلية لمواد ضارة أو مثيرة للجدل مما يؤدي بطبيعة الحال إلى مطالب متزايدة من السياسيين والجمهور بمزيد من الرقابة، فالالتزام الحقيقي بحرية التعبير يتطلب إصلاحات أعمق وأكثر كلفة بكثير.
من جهته يقول ترمب إن مارك زوكربيرغ يستجيب "على الأرجح" لتهديداته في موضوع التحقق من الوقائع، لكن ما يحدث على أرض الواقع ليس سوى محاولة حزبية سافرة للتودد للرئيس الأميركي المستقبلي المعادي علناً لحرية التعبير، وهو استسلام لصناعة الأخبار الكاذبة المؤيدة لحملة "اجعل أميركا عظيمة مجدداً" (ماغا) التي ساعدت ترمب في الوصول إلى السلطة، وهو ما أحب أن أسميه "مجمع الهراء الصناعي".
وعلى رغم كثرة المعلومات المضللة في أوساط اليساريين، تشير أعوام من البحث والتقارير إلى أن المحافظين هم أكثر من سينتفع من التغييرات المرتقبة، ولا شك في أن محللي زوكربيرغ قد أبلغوه بذلك، لو افترضنا طبعاً أنه يسمح لهم بقول مثل هذه الأمور، وهو إما لا يكترث أو يعتبر أن هذا هو الهدف الفعلي [من التغييرات الحاصلة].
وفي هذا السياق يكفي النظر إلى الطريقة التي تحدث فيها زوكربيرغ عن المحققين في الوقائع أثناء إعلانه إلغاء مهماتهم، وهو صرح قائلاً "لقد حاولنا بنية صادقة التصدي لمخاوف [عن التضليل الإعلامي] لكننا لم نتحول إلى لجنة تحكيم تبحث عن الحقيقة"، ثم أضاف "لكن المحققين في الوقائع كانوا شديدي الانحياز سياسياً وقد أسهموا في تدمير الثقة أكثر مما ساعدوا في بنائها، خصوصاً في الولايات المتحدة".
من جهتهم يدحض المحققون هذه الادعاءات بشدة، وزوكربيرغ لم يعطهم أية أدلة تدعمها، لكن حتى لو وضعنا هذا الجدل جانباً فمما لا شك فيه هو أن زوكربيرغ يعيد هنا كتابة التاريخ، فبين عامي 2004 و2016 توسعت منصة "فيسبوك" بصورة منقطعة النظير في بيئة شبه خالية من التنظيم، فابتعلت أجزاء كبيرة من الويب المفتوح وأصبحت حارساً ووسيطاً بين جماهيرها ووسائل الإعلام.
وفي أواخر عام 2016 بدأ العالم يستوعب كم صار نفوذ "فيسبوك" مهيمناً، إذ لم تكتف منصات الموقع بدعم الأخبار المضللة في الولايات المتحدة بل أسهمت أيضاً في ارتكاب إبادة جماعية في ميانمار [وفقاً لتقارير دولية، بما في ذلك تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أسهم "فيسبوك" في انتشار الدعاية المعادية للـ "روهينغا" والتي استخدمت لتبرير حملات القمع الوحشية التي شنتها السلطات العسكرية].
ورداً على ذلك ناشدت "فيسبوك" مرافق الأخبار التقليدية لتساعدها في التخفيف من وطأة ممارساتها التجارية وطالبتها بالتحقق من الوقائع في المحتوى المتداول على منصاتها.
في الواقع لم يشكل ذلك أبداً نوعاً من القيود المفروضة من الجهات التنظيمية على "فيسبوك"، بل كان عبارة عن "شراكة" غير متكافئة بقيت "فيسبوك تمسك فيها دوماً بزمام الأمور، فلم تكتف بفرض السرية على عمل المحققين، بل حددت أيضاً شروط الاتفاق وقررت أي محتوى سيخضع للتحقق من الوقائع، وحددت كيفية التصرف بناء على أحكام المحققين.
واشتكى بعض المحققين من أن "فيسبوك" تستغلهم ببساطة باعتبارهم "متخصصين في العلاقات العامة في الأزمات"، وتتذرع بخبرتهم لتبقى بمعزل عن الانتقادات، وشعر آخرون بأن حجم موقع "فيسبوك" وتأثيره عبر قنوات توزيعهم جعلا مشاركتهم "ملزمة"، وفي النهاية يبدو أن زوكربيرغ بات يعتبر أن هؤلاء "الشركاء" يشكلون عبئاً ولم يعودوا درع وقاية.
لقد طاولت انتقادات مماثلة كل جانب تقريباً من عمليات "ميتا"، وفي كل المبادرات الجديدة اللافتة التي صممت ظاهرياً لمكافحة التضليل الإعلامي بدا دوماً أن الشركة تتلكأ في التنفيذ، وبصفتي صحافياً معنياً بالتكنولوجيا، وكوني أتابع أخبار الشركة وأغطيها باستمرار، لاحظت دوماً وجود تفاصيل مخفية أو استثناءات في كل ما كانت تقوم به هذه الأخيرة.
وإن كان زوكربيرغ يظن الآن أن هذه الأفعال الموصوفة تشير حتى هي إلى استسلامه لعصابة تيار "اليقظة" المتحيزين فلا يمكن أن يلوم إلا نفسه، ومن ثم فإن زوكربيرغ هو رأس "ميتا" بلا منازع وقد أحكم قبضته على الشركة بالكامل عام 2012، وعلى ما يبدو فهو يشعر بالأسى لأن جهوده لم تثمر نجاحات طويلة الأمد، مع أنه من الصعب بناء الثقة إن كان يصر باستمرار على عدم التخلي عن أي نفوذ، أكان على الصعيد الخاص أو على صعيد شركته.
وعلى ما يبدو فزوكربيرغ يعتبر أن عقد تحالف حماسي مع ترمب هو أفضل درب يسلكه من الآن فصاعداً، والحقيقة أن مقطع الفيديو الذي نشره الثلاثاء أشعل التوترات مع الاتحاد الأوروبي الذي وصف قوانين ضبط المحتوى الجديدة، مثلها مثل نظام الرقابة الرقمية المنتشر في الصين، بأنها تهديدات يُسعى إلى التصدي لها.
من جهته وصف صديقي الصحافي البريطاني والخبير في تأثير شركات التكنولوجيا الكبيرة، جيمس بول، هذا التصرف بـ "الإقطاع الرقمي"، وفي هذا الإطار أعتقد أنه يمكن استخدام مصطلح سياسي أكثر حداثة لوصف تحالف الشركات الكبرى مع القومية الاستبدادية العدوانية.
ومن ثم فإن الأخطار جمة في مطلق الأحوال، وفي إشارة إلى تراجع مستويات الرقابة قال أحد موظفي "فيسبوك" السابقين في تصريح لنشرة "بلاتفورمر" التكنولوجية "أعتقد حقاً أن ذلك يمهد لإبادة جماعية"، مضيفاً أنه "أمر سبق أن رأيناه وحياة أشخاص فعليين ستكون في دائرة الخطر، وبالتالي أنا محطم".
هل يعني ما سبق أن مارك زوكربيرغ كان دوماً مؤيداً خفياً لترمب؟ أشك في ذلك فعلاً، فالمقربون من زوكربيرغ كثيراً ما وصفوه بالقول إنه "ليبرالي بطبعه"، بينما قال مستخدمون سابقون لموقع "فيسبوك" إن تحوله السياسي الأخير يبدو صادقاً، لكن سجل زوكربيرغ يشير إلى أنه كثيراً ما تحدث وتصرف بالاستناد إلى ما يعتبره أفضل لشركة "ميتا"، وما فعله هذا الأسبوع لا يختلف البتة عما سبق.
والحال أن كل ما سبق يمثل انتصاراً لأولئك الذين أمضوا العقد الماضي وهم يجادلون أن "ميتا" لم تُظهر يوماً أي اهتمام بمسؤولياتها المدنية، وأن المسؤولين فيها لم يبذلوا سوى الحد الأدنى من الجهود المطلوبة منهم كي لا يخضعوا للمساءلة.
وفي النهاية من اللافت أن يكون ترمب شخصياً، في إحدى لحظات الصفاء الذهني النادر لديه، هو الذي قدم موجزاً ملخصاً عن الوضع عندما سأله أحد الصحافيين: "هل تعتقد أن [زوكربيرغ] يستجيب مباشرة للتهديدات التي وجهتها إليه في الماضي؟"، في إشارة إلى المرة التي هدد فيها ترمب بسجن زوكربيرغ مدى الحياة، فأجاب ترمب قائلاً "على الأرجح نعم، على الأرجح".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غاز كردستان... شراكات "منقوصة" وثروة محاطة برقابة 4 دول
غاز كردستان... شراكات "منقوصة" وثروة محاطة برقابة 4 دول

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

غاز كردستان... شراكات "منقوصة" وثروة محاطة برقابة 4 دول

في خطوة وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ استثماراته بقطاع الطاقة وقع إقليم كردستان العراق اتفاقين بقيمة إجمالية تصل إلى 110 مليارات دولار مع شركتين أميركيتين في واشنطن لتطوير حقلين رئيسين للغاز الطبيعي في الإقليم. ومع أنها تنعش الآمال بتعزيز أمن الطاقة المحلي، لكنها تعيد وبقوة إشعال فتيل الخلاف المستعصي بين حكومتي بغداد وأربيل حول إدارة الثروات الطبيعية لتفتح الباب مجدداً أمام تساؤلات حول توقيتها وشرعيتها القانونية وجدواها الاقتصادية وما تفرزه من تداعيات جيوسياسية في ظل التجاذب القائم بين الولايات المتحدة وإيران. وشكَّل الـ19 من مايو (أيار) الجاري منعطفاً مهماً في مساعي إقليم كردستان إلى ترسيخ مكانته كلاعب في سوق الطاقة الإقليمية، ففي العاصمة الأميركية واشنطن، وتحديداً في مقر غرفة التجارة الأميركية، وضع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني توقيعه على اتفاقين استراتيجيين مع شركتي (HKN Energy) و(Western Zagros) الأميركيتين، ويحمل اختيار مكان التوقيع دلالات سياسية واضحة تعكس رغبة أربيل في الحصول على دعم وغطاء أميركي لهذه الخطوة. ويستهدف الاتفاقان تطوير حقلين واعدين للغاز الطبيعي يقعان في منطقة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية، وهي منطقة تخضع تقليدياً لنفوذ حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني، الشريك الرئيس في حكومة أربيل التي يقودها الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، وتقدر احتياطات الحقل الأول وهو حقل "كوردمير" بنحو 3.6 تريليون قدم مكعبة من الغاز، أما الحقل الثاني فهو حقل "طوبخانة" الذي يحوي ما يقدر بـ1.8 تريليون قدم مكعبة من الغاز. سجال جديد قديم تؤكد أربيل أن الهدف من الصفقة هو تعزيز وتأمين الحاجات المحلية المتزايدة، وأن نطاقها قد يتوسع مستقبلاً ليشمل مناطق أخرى من العراق، في محاولة لتصوير الصفقة على كونها ذات منفعة وطنية مشتركة، كما شددت على أنها امتداد لتفاهمات وعقود سابقة، وأن ما جرى هو مجرد "استبدال للشركات المنفذة ضمن الأطر القانونية"، وأن الشركتين المعنيتين تعملان بالفعل في الإقليم منذ سنوات. وأكدت أربيل أن هذا الحق في إدارة ثرواتها مكفول للإقليم دستورياً ككيان فيدرالي ضمن العراق الموحد، فيما عبر مسرور بارزاني عن امتعاضه مما وصفه بـ"تفسيرات خاطئة في بغداد من دون مبرر"، مؤكداً أن الخطوة تتماشى مع الحقوق الدستورية للإقليم، وأن حكومته ستستمر في تنفيذ هذه الحقوق. ولم تكد تمضي ساعات قليلة على الإعلان حتى جاء الرد سريعاً من بغداد عبر صدور بيان شديد اللهجة من وزارة النفط العراقية أعلنت فيه رفضها القاطع للخطوة، واعتبرتها مخالفة صريحة لقرارات سابقة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وشددت على أن أي استثمار في قطاع الطاقة يجب أن يمر حصراً عبر قنوات الحكومة الاتحادية. وجاء ذلك في ظل استمرار إخفاق الحكومتين في استئناف صادرات النفط من كركوك وحقول الإقليم المتوقفة منذ نحو عامين عبر ميناء جيهان التركي جراء الخلافات وألحقت خسائر تقدر بنحو 20 مليار دولار، عقب صدور حكم عام 2022 من المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية قانون النفط والغاز المعمول به في الإقليم، وألزم حكومة أربيل بتسليم إمداداتها إلى الحكومة الاتحادية، ليشكل الأساس القانوني الذي تستند إليه بغداد. تجاوز للصلاحيات ويثير المشهد القانوني المحيط بالاتفاقين جدلاً محموماً، ذلك أن صفة حكومة مسرور هي حكومة تصريف أعمال، وقد تأخر تشكيل الحكومة على رغم مرور سبعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية الكردية، ليبرز تساؤل جوهري حول مدى الصلاحيات القانونية الممنوحة لإبرام اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد ذات قيمة مالية ضخمة. يشير خبراء قانونيون منهم رئيس منظمة "رونبين" لشفافية عمليات النفط والغاز يادكار كلالي إلى أن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وفقاً للمادة 64 من الدستور العراقي، تنحصر في إدارة الشؤون اليومية للدولة ولا تمتد لتشمل اتخاذ قرارات استراتيجية أو إبرام اتفاقات تتطلب موافقة البرلمان. ويحذر كلالي من أن مثل هذه الاتفاقات قد تكون عرضة للإلغاء لاحقاً، كما أنها قد تواجه طعناً قانونياً أمام المحكمة الاتحادية، مستشهداً بحالات سابقة حدثت في عهد حكومة مصطفى الكاظمي. علاوة على ذلك يرى المحلل السياسي رواء موسى أن عقوداً بهذا الحجم تتطلب بالضرورة موافقة برلمان كردستان نفسه، حتى لو كانت الحكومة منتخبة وليست موقتة، مشيراً إلى أن "الحصول على موافقة البرلمان الكردستاني يتطلب تصويت 66 نائباً من أصل 100، وهذا لم يحدث"، مضيفاً أنه طالما لا يوجد دستور خاص بإقليم كردستان، فإنه يظل محكوماً بالدستور الاتحادي العراقي الذي يضع قيوداً على صلاحيات الإقليم في عقد اتفاقات دولية بصورة منفردة، بخاصة في قطاع استراتيجي كالطاقة". عودة على بدء هذه الشكوك والتحفظات القانونية تفتح الباب أمام احتمالات لجوء بغداد مجدداً إلى التحكيم الدولي أو المحاكم الدولية لمقاضاة الإقليم، كما حدث سابقاً في نزاعات نفطية أخرى، كما أنها قد تتحول إلى ورقة سياسية تستخدمها القوى المختلفة في بغداد لاستمالة الناخبين مع اقتراب موعد الانتخابات الاتحادية المقررة قبل نهاية العام الحالي عبر إظهار الحزم في الدفاع عن "حقوق العراق" وثرواته. ومع ذلك لا يستبعد البعض إمكان أن تغض بعض الأطراف مثل تيار رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني النظر عن هذه الإشكاليات وتتجنب التصعيد، أملاً في كسب ود ودعم القوى الكردية لضمان الفوز بولاية ثانية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لم تقتصر التساؤلات على الجوانب القانونية والسياسية، بل امتدت لتشمل الشركتين المعنيتين، فقد شككت بعض الآراء في الأهمية الفعلية لهذه الشركات وفي حجم التضخيم الإعلامي الذي رافق الإعلان عن الاتفاقين. ويشير الباحث القانوني قهرمان حسن إلى أن الاتفاق أبرم "مع شركات خاصة وليس مع الحكومة الأميركية بصورة مباشرة، مما يقلل من البعد الاستراتيجي الرسمي للصفقة"، مضيفاً أنها تثير شكوكاً حول المقار الفعلية والخبرة السابقة لهاتين الشركتين، ويلفت الانتباه إلى أن معظم شركات النفط والغاز العاملة في الإقليم تأسست تزامناً مع تطور قطاع النفط فيه، ولم يكن لكثير منها خبرة سابقة واسعة في هذا المجال قبل دخولها السوق الكردية. مراهنة محفوفة بالأخطار وتتوافق رؤية المحلل السياسي دلشاد أنور مع هذه الشكوك، إذ يرى أن القيمة المعلنة للعقدين تبدو "مبالغاً بها" بالنظر إلى حجم الحقلين المشمولين بالاتفاق، ويتساءل عن كيفية احتساب الأرباح والنفقات على مدى العقود الطويلة القادمة في ظل التقلبات المستمرة لأسعار الطاقة العالمية. ويضيف أنور أن أربيل ربما تحاول استغلال وجود مسؤول مقرب من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في إحدى الشركتين للحصول على دعم أميركي، لكنه يحذر من خطورة "المقامرة" والمراهنة على إدارة ترمب التي لا يمكن التنبؤ بسياساتها. وتزداد الشكوك عمقاً مع الإشارة إلى تحقيق نشره مركز "ستاندر" للتحليل الاقتصادي الذي أشار إليه المتخصص الاقتصادي نبيل المرسومي، ويفيد هذا التحقيق بأن الشركتين لا تمتلكان مكاتب فعلية في الولايات المتحدة، وأن إحداهما مسجلة باسم جندي أميركي متقاعد، بينما الأخرى مسجلة بأسماء أشخاص غير معروفين، وليس لهما تأثير يذكر على دوائر صنع القرار في الحكومة الأميركية. ويذهب التحقيق إلى حد الإيحاء بأن ما جرى هو مجرد "تغطية لإضفاء الشرعية" على عمليات قد تكون أربيل هي المالك الرئيس فيها، بخاصة أن نشاط الشركتين يقتصر تقريباً على العمل داخل كردستان. رسائل واشنطن لطهران من زاوية أخرى يربط المراقبون الخطوة بالسياق الجيوسياسي الإقليمي والدولي المعقد، وبصورة خاصة عن علاقة الولايات المتحدة بكل من العراق وإيران، ويحمل الموقف الأميركي الرسمي، الذي بدا مسانداً لخطوة أربيل، في طياته رسائل سياسية موجهة إلى بغداد. وتذهب بعض القراءات إلى أن واشنطن تحاول من خلال دعمها لأربيل في ملف الطاقة، ممارسة نوع من الضغط على الحكومة العراقية لتقليل اعتمادها الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، حيث تعطي واشنطن العراق استثناءات متكررة من العقوبات المفروضة على طهران، مما يثير امتعاض دوائر أميركية ترى في ذلك "تقاعساً" من بغداد عن إيجاد حلول بديلة. وما يعزز هذا التوجه ما قاله وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، عندما شدد على ضرورة "ضمان الحكم الذاتي للأكراد" والسماح لهم بتأمين "شريان اقتصادي" خاص بهم، مع تأكيد أهمية احترام الشركات الأميركية العاملة في العراق واستقلالية الأكراد، وأشار إلى رفض بلاده استمرار "النفوذ الإيراني على بعض قطاعات الحكومة العراقية". ورقة لكبح بغداد هذه التصريحات فسرت على أنها تمثل تحولاً في السياسة الأميركية، أو في الأقل تكثيفاً للجهود، لمصلحة دعم الأكراد كأداة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق وإثناء بغداد عن الاعتماد المفرط على طهران في مجال الطاقة. وأشار الباحث قهرمان حسن إلى أن السياسة الأميركية التقليدية كانت تهدف إلى الحفاظ على إقليم كردستان ككيان فيدرالي مستقر ضمن عراق قوي وموحد، لكن يبدو أن هناك تحولاً نحو محاولة "مأسسة قطاع الطاقة" في الإقليم بهدف "قطع الأموال عن إيران"، وذلك عبر التركيز أولاً على تلبية الحاجات المحلية من الطاقة في كردستان، ثم استخدام أي فائض مستقبلي كأداة في المفاوضات مع بغداد. من ناحية أخرى يرى المحلل سردار عزيز أن هذا التحول قد يكون مرتبطاً بسياسة الرئيس الأميركي السابق ترمب التي ركزت على جذب الاستثمارات الخارجية إلى الولايات المتحدة وتشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار في الخارج، لكنه يطرح تساؤلات حاسمة حول رد فعل بغداد المحتمل، وكيف سيكون الرد الأميركي إذا ما اعترضت بغداد بقوة، أو إذا مارست واشنطن ضغوطاً فعلية لدعم أربيل، محذراً من أنه إذا لم تتحقق هذه السيناريوهات، فقد تواجه العقود عقبات كبيرة وتتعقد العلاقة بين أربيل وبغداد بصورة أكبر.

خبير سياسي لـ'الوئام': العقوبات الأمريكية أداة 'قوة ناعمة' للسيطرة على السودان
خبير سياسي لـ'الوئام': العقوبات الأمريكية أداة 'قوة ناعمة' للسيطرة على السودان

الوئام

timeمنذ 2 ساعات

  • الوئام

خبير سياسي لـ'الوئام': العقوبات الأمريكية أداة 'قوة ناعمة' للسيطرة على السودان

الوئام – خاص أعلنت الإدارة الأمريكية أنها بصدد فرض عقوبات جديدة على السودان، على خلفية مزاعم باستخدام الجيش السوداني غازات محرّمة دوليًا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن بلادها توصلت، في أبريل الماضي، بموجب 'قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية'، إلى أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية في عام 2024، وفق تعبيرها. العقوبات الأمريكية: أداة ضغط سياسي في هذا السياق، يؤكد الدكتور عادل عبدالعزيز الفكي، الخبير في الشأن السوداني، أن العقوبات الأمريكية على السودان تمثل نهجًا تقليديًا تتبعه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بهدف التحكم في المشهد السياسي السوداني، عبر استخدام سلاح العقوبات كجزء من مفهوم 'القوة الناعمة'. ويضيف 'الفكي' في حديث خاص لـ'الوئام': الولايات المتحدة فرضت، منذ عام 1988، عقوبات شاملة على السودان، ثم قامت برفعها جزئيًا في عام 2017، وتم إنهاؤها نهائيًا في 20 مايو 2021. لكن في أكتوبر من العام نفسه، أعلنت الخارجية الأمريكية تعليق مساعداتها للسودان، على خلفية اعتقال مسؤولين مدنيين، وقررت وقف تقديم مساعدات بقيمة 700 مليون دولار من المخصصات الطارئة'. عقوبات دولية تتبع النهج الأمريكي ويشير الخبير السوداني إلى أن المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة إلى الدول الغربية، تبنّت الموقف الأمريكي نفسه، مشروطةً تقديم أي قروض أو منح للسودان بوجود حكومة مدنية تقود البلاد. 'القوة الناعمة' لإخضاع السودان ويؤكد 'الفكي' أن عرقلة مسار إعفاء الديون، وإيقاف القروض والمعونات من مؤسسات بريتون وودز (الخاضعة للنفوذ الأمريكي)، يُعدّ جزءًا من أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد السودان والجيش السوداني في الوقت الراهن. حكومة مدنية… ولكن العقوبات مستمرة ويختتم الدكتور عادل الفكي حديثه بالقول: 'كان من المتوقع، بعد تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، وبدئه في ترشيح وزراء مدنيين من التكنوقراط، أن تنتفي الأسباب التي استُند إليها في تعليق التعاون الدولي مع السودان'. وأضاف: ' لكن من الواضح أن الإعلان عن عقوبات جديدة، دون معلومات دقيقة أو منطق واضح، يُعدّ قطعًا لمسار جديد كان يُنتظر أن يُبنى مع تعيين حكومة مدنية. وهذا ما يتطلب إرادة وطنية قوية لإعادة تخطيط العلاقات الاقتصادية الخارجية، والتركيز على التعاون مع دول الشرق وأصدقاء السودان، لتجاوز الهيمنة الغربية'.

موسم الهجرة إلى بريطانيا... طلبات الأميركيين للإقامة غير مسبوقة
موسم الهجرة إلى بريطانيا... طلبات الأميركيين للإقامة غير مسبوقة

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

موسم الهجرة إلى بريطانيا... طلبات الأميركيين للإقامة غير مسبوقة

خلال الـ12 شهراً التي سبقت مارس (آذار) الماضي تقدم أكثر من 6000 مواطن أميركي بطلبات للحصول على الجنسية البريطانية أو الإقامة والعمل في البلاد بصورة دائمة، وهو أعلى رقم منذ بدء تسجيل بيانات مماثلة عام 2004، وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية. وخلال هذه الفترة قدم 6618 أميركياً طلبات للحصول على الجنسية البريطانية من بينها أكثر من 1900 طلب بين يناير (كانون الثاني) ومارس، وهو ما تزامن مع بداية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية. شكل الارتفاع الكبير في الطلبات في بداية عام 2025 أعلى عدد يسجل لأي ربع سنة على الإطلاق، وتأتي هذه الأرقام في وقت تسعى فيه السلطات البريطانية، تحت حكم حكومة حزب العمال، إلى خفض معدلات الهجرة إلى البلاد. وتعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بـ"استعادة السيطرة على حدودنا"، محذراً من أن الهجرة غير المنضبطة يمكن أن تجعل البلاد "جزيرة للغرباء، وليست أمة تسير قدماً معاً". وتظهر الأرقام البريطانية أن صافي الهجرة إلى بريطانيا انخفض بنحو النصف عام 2024، ليصل إلى 431 ألفاً، مقارنة بعام 2023. حملة صارمة ضد الهجرة ويأتي الارتفاع الكبير في طلبات الإقامة من المواطنين الأميركيين في وقت يقول فيه محامو الهجرة في الولايات المتحدة إنهم يشهدون زيادة في الاستفسارات. ويشير بعضهم إلى المناخ السياسي المنقسم بشدة في الولايات المتحدة بقيادة ترمب الذي يواصل هو الآخر شن حملة صارمة ضد الهجرة. وقال محامي الهجرة في شركة "ويلسونز سوليسيتورز" بلندن موهونثان بارامسفاران لصحيفة "نيويورك تايمز" إن الاستفسارات في شأن الإقامة في بريطانيا قد زادت "في أعقاب الانتخابات مباشرة وما صاحبها من تصريحات متفرقة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف بارامسفاران "هناك بالتأكيد زيادة في استفسارات المواطنين الأميركيين. بعض الذين كانوا يعيشون هنا قد يكونون يفكرون. أريد خيار الحصول على الجنسية المزدوجة في حال لم أرغب في العودة إلى الولايات المتحدة". من جانبها كانت الشريكة في مكتب "لورا ديفاين إميغريشن" المتخصص في الهجرة من الولايات المتحدة إلى بريطانيا زينة لوشوا أكثر صراحة في الإشارة إلى "المشهد السياسي" في ظل حكومة ترمب، وقالت لصحيفة "التايمز" إن الارتفاع في الطلبات لا يقتصر على المواطنين الأميركيين فحسب، بل يشمل أيضاً جنسيات أخرى مقيمة هناك. وأوضحت لوشوا "الاستفسارات التي نتلقاها ليست بالضرورة متعلقة بالجنسية البريطانية، بل تتعلق أكثر بالسعي إلى الانتقال للعيش هنا". ارتفاع عدد طلبات الأميركيين ومع ذلك قد لا يعكس ارتفاع عدد طلبات الأميركيين للإقامة في بريطانيا بالضرورة الأوضاع السياسية في أي من البلدين. فمن بين 5521 طلب إقامة دائمة قدمها مواطنون أميركيون العام الماضي، كان معظمها من أشخاص مؤهلين بسبب روابط عائلية أو زواج. وأشار بارامسفاران إلى أن مثل هذه الطلبات من المرجح أن تواصل الارتفاع، بعدما مددت الحكومة البريطانية فترة التأهل من 5 أعوام إلى 10 أعوام قبل التقديم على الإقامة الدائمة، لكن سياسيين في حكومة حزب العمال لمحوا إلى إمكان تمتع بعض المتقدمين بفرص لتجاوز هذه المتطلبات. ويعكس هذا جانباً من تفكير ترمب في الولايات المتحدة، إذ طرح فكرة "بطاقة ذهبية" للهجرة، وهي بمثابة توسيع لبرنامج EB-5 الذي يمنح البطاقات الخضراء للمستثمرين الأجانب وعائلاتهم. وفي وقت سابق من مايو (أيار) الجاري قالت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر أمام البرلمان، "سيكون هناك أحكام تتيح تأهيلاً أسرع، تأخذ في الاعتبار مساهمات الأشخاص"، مشيرة إلى أن الحكومة البريطانية "ستقدم متطلبات لغوية جديدة وأعلى" لأن "القدرة على التحدث بالإنجليزية أمر أساس لتمكين الجميع من الإسهام والاندماج".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store