
صعود الآلة العارفة: الذكاء الاصطناعي بين وهم التزييف وحقيقة الإبداع
لم تعد الآلة اليوم تكتفي بمضاعفة الجهد، أو بتقليد اليد البشرية في المصانع؛ لقد أصبحت تقترب شيئًا فشيئًا من منافسة العقل ذاته، بل ادعاء امتلاك نُسَخٍ منه. والذكاء الاصطناعي، وقد تمدد في حياتنا كماءٍ لا لون له، يأخذ شكل الإناء الذي نضعه فيه، يحمل في داخله الوعد والتهديد معًا.
فهل نحن أمام نافذة مشرعة على مستقبل أكثر كفاءة، أم أمام هاوية زرقاء تتقن الابتلاع دون صوت؟
في خضم هذا المشهد المتحوّل، أطلقت جامعة ستانفورد أداة بحثية لافتة تُدعى *STORM*، أدهشت الأوساط العلمية بقدرتها على إنتاج تقارير ومقالات معرفية دقيقة تستند إلى أبحاث حقيقية منشورة، خلافًا لأدوات شائعة مثل ChatGPT التي، وإن أتقنت صناعة اللغة، فإنها لا تزال تعاني من اختلاق المراجع أو تزييف المصادر. STORM لا 'يتحدث فحسب'، بل 'يفهم' المادة العلمية، ويقدّم خلاصات مُستندة إلى أرض صلبة من المعرفة الموثقة.
لكنّ هذه الفروقات بين الأدوات لا تكشف فقط عن تباين في القدرات التقنية، بل تُلقي الضوء على جوهر النقاش: هل يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كمصدر موثوق للمعرفة؟ أم أننا أمام طيف واسع من الآلات، بعضها حكيم وبعضها مُقلّد، وبعضها لا يزال يتعلّم المشي على أرض المنطق؟
هذا التساؤل كان في صلب ندوة علمية نظّمتها *جامعة الشارقة بالتعاون مع هيئة كهرباء ومياه وغاز الشارقة* تحت عنوان: 'الذكاء الاصطناعي والتوأمة الرقمية لتطبيقات الطاقة'. لم يكن الحديث هناك عن الأدب الاصطناعي أو روبوتات الدردشة، بل عن أدوات تعيد تعريف مفاهيم الطاقة والخدمة والمؤسسة. عرضت الندوة تجارب رائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الطاقة، وإدارة الموارد، وتطوير التفاعل مع المستخدمين، كما في تجربة المساعد الافتراضي 'نفاع' الذي يجيب على استفسارات العملاء دون كلل.
في هذا السياق، تبرز *فكرة التوأمة الرقمية* لا كترف نظري، بل كحقيقة تشغيلية تعيد صياغة العلاقة بين البيانات والواقع؛ نسخة رقمية تتنفس مع نظيرها الفيزيائي، وتُنبّه المؤسسات قبل أن يحدث الخلل، وتوجّه الاستهلاك نحو الرشد، لا الإسراف. هذه التقنية، بدعم من الذكاء الاصطناعي، تُحوّل المؤسسة إلى كيان 'يتوقع'، لا فقط 'يتجاوب'، ويجعل من كل قرار إداريًّا امتدادًا لحسابات فورية ومعقدة تُجريها خوارزميات غير مرئية.
غير أن هذا التحول الرقمي، مهما بدا مدهشًا، ليس بلا ثمن. ففي جلسة نقاشية ضمن الندوة، طُرحت بجرأة الأسئلة الكبيرة: ما حدود الاعتماد على هذه النماذج؟ ما المخاطر الكامنة في تسليم أنظمتنا الحاسوبية مقاليد التقدير والتقرير؟ وهل ستُصبح العلاقة بين الإنسان والمؤسسة محكومة بواجهة افتراضية لا وجه فيها ولا قلب؟ (اقرأ المقال كاملًا بالموقع الإلكتروني)
لقد بدا واضحًا، من خلال النقاشات، أن *التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات، بل **مفاهيم يعاد تعريفها أخلاقيًّا ومجتمعيًّا*. ففي حين تؤكد بعض التجارب نجاح الذكاء الاصطناعي في التيسير والتمكين، لا يزال هناك قلق مشروع من أن يتحوّل التيسير إلى استغناء، والتمكين إلى عزلة بشرية خلف شاشات لا تنظر في العيون.
إن عام 2025 وما بعده سيكون مفصلًا حاسمًا في هذا المسار. فمع أدوات مثل STORM، وتطبيقات التوأمة الرقمية في المؤسسات الخدمية، تتسارع وتيرة التحول بوتيرة تسبق قدرة البشر أحيانًا على التنظيم أو التأمل. وبين هذا الصعود التكنولوجي المتسارع، ومخاوف الفقدان البشري، *يبقى التحدي الحقيقي هو صياغة علاقة متوازنة بين الإنسان والآلة*: علاقة تُبقي للعقل البشري سيادته، وللتقنية مكانها كخادم لا سيد، وكشريك لا بديل.
فهل ننجح في بناء هذا التوازن؟ أم أن الآلة ستواصل صعودها حتى تنسى أنها من صنع أيدينا؟
السؤال مفتوح، والزمن كفيل بالإجابة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
آبل تعيد بناء سيري: ذكاء اصطناعي بتصميم جديد
أفادت تقارير تقنية أن شركة آبل الأمريكية تسعى في الوقت الحالي إلى تصحيح مسارها في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد أن واجهت سلسلة من الانتقادات والإخفاقات عقب محاولتها الأولى في هذا المجال خلال العام الماضي. من الإخفاق إلى الإصلاح: كيف تخطط آبل لإنقاذ مساعدها الرقمي ومستقبلها في الذكاء الاصطناعي؟ وقالت التقارير إنه رغم الضجة الإعلامية التي أحاطت بإطلاق مبادرة Apple Intelligence، إلا أن الواقع الفني والتقني كان أقل من التوقعات بكثير، ما دفع الشركة الأمريكية إلى إعادة تقييم خطتها بالكامل. وأوضحت نقلاً عن مصادر مطلعة، أن آبل تركز حالياً على إعادة تصميم مساعدها الصوتي سيري، وذلك من خلال تطوير نسخة جديدة قائمة على نماذج اللغة الكبيرة LLM، والتي تعرف داخلياً باسم سيري LLM. وأشارت المصادر إلى أن هذه النسخة تهدف إلى منح سيري قدرات أكثر تقدماً في فهم السياق، إجراء المحادثات، وتحليل المعلومات. ولفتت التقارير إلى أن المشروع قد واجه صعوبات داخلية كبيرة، أبرزها التردد من جانب كريغ فيدريجي، رئيس قسم البرمجيات في الشركة، في تخصيص استثمارات حقيقية للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى البداية المتأخرة لآبل مقارنة بمنافسيها، حيث إنها لم تبدأ فعلياً في تطوير استراتيجيتها إلا بعد ظهور ChatGPT في أواخر عام 2022. ونوهت المصادر إلى أن جون جياناندريا، المسؤول عن قسم الذكاء الاصطناعي والذي انضم إلى آبل قادماً من قوقل عام 2018، كان من المتحفظين تجاه الذكاء التوليدي، ورفض دمجه بشكل واسع في منتجات آبل، مما عطل التقدم في تطوير سيري، مردفة إنه مؤخراً، تم استبعاده من مشاريع سيري والروبوتات، وسط أنباء عن قرب إحالته إلى التقاعد. وبينت التقارير أنه في محاولة منها لإنقاذ المشروع، تعمل آبل حالياً من خلال فريق متخصص في مدينة زيورخ، على بناء نسخة أكثر ذكاء من سيري، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع التركيز على الحفاظ على خصوصية المستخدمين. وأكملت المصادر أنه من بين الأفكار المطروحة: السماح لسيري بتصفح الإنترنت، والاعتماد على مصادر متعددة، مشيرة إلى أن آبل قد دخلت في محادثات مع شركة Perplexity لدمج هذه القدرات في متصفح سفاري. وأضافت التقارير أن آبل قد بدأت تستوعب أن المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي لم تعد خياراً، بل ضرورة مصيرية للحفاظ على مكانتها وسط كبرى شركات التكنولوجيا. تم نشر هذا المقال على موقع


أخبار الخليج
منذ 4 أيام
- أخبار الخليج
OpenAI ومايكروسوفت تعيدان النظر في بنود شراكتهما
تعيد شركتا مايكروسوفت و OpenAI النظر في بنود شراكتهما، والتي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، وذلك لتحقيق المصالح والأهداف التي تسعى كل منهما لتحقيقها. وتعمل الشركتان على إعادة صياغة بنود عقد شراكتهما، بحيث تتمكن مطورة ChatGPT من خوض عملية اكتتاب عام مستقبلاً، مع استمرار وصول مايكروسوفت إلى نماذج الذكاء الاصطناعي فائقة التطور الخاصة بها، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز». وشكّل عملاق نظام التشغيل «ويندوز» ( Windows ) عامل رفض رئيسي وراء تعطيل خطط الشركة الناشئة، التي تبلغ قيمتها 260 مليار دولار، للخضوع لإعادة هيكلة مؤسسية من شأنها أن تبعد المجموعة عن جذورها كمنظمة غير ربحية. وكانت إحدى المسائل الشائكة المطروحة على طاولة المفاوضات هو حجم الحصة التي ستحصل عليها مايكروسوفت، في حال تمت إعادة هيكلة OpenAI ، نظير ما استثمرته، والذي وصل إلى قرابة 13 مليار دولار.


البلاد البحرينية
منذ 5 أيام
- البلاد البحرينية
بين 'COPILOT' و 'CHATGPT' ماذا أنجزت وزارة التربية والتعليم؟
في العام الماضي 2024، أعلنت وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين بيانات مستقاة من تقارير 'شركة مايكروسوفت'، وهو العام ذاته الذي حصدت فيه الوزارة المركز الأول عربيًّا والثالث عالميًّا في عدد المدارس الحاصلة على لقب المدارس الحاضنة للتكنولوجيا (SHOWCASE SCHOOL). عودا إلى 2005 وبإمكاننا عدّ هذه المرتبة نتاج عمل مضى على تنفيذه 19 عامًا.. كيف؟ لدينا اليوم 61 مدرسة حاصلة على اللقب، من بينها 7 مدارس تناله لأربع دورات، و16 مدرسة تناله لثلاث دورات، والمعيار المعتمد هنا هو الكفاءة في تفعيل البرامج والتطبيقات الرقمية، والتطور المنجز في كل سنة (دورة)، وحين نقول أن ذلك نتاج عمل 19 سنة؛ كون عاهل البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وجه لتدشين مشروع 'جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل' في أوائل العام 2005، وكان ذلك بمدرسة الهداية الخليفية، ومنها انطلقت التوجيهات ومعها الخطط التي تطبيق المستجدات العلمية والتكنولوجية، وتوفر خدمة التعليم العصري. تنافس خليجي ويحظى مسار تطوير التعليم الرقمي بدعم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وبالتالي، لدى مملكة البحرين رؤيتها التي تنفذها وزارة التربية والتعليم وتشمل دراسة برامج التطوير الجديدة في التعليم الرقمي، وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي مثل ميزة مساعد الذكاء الاصطناعي لتطبيقات وخدمات 'مايكروسوفت 365' الـ 'COPILOT'، وروبوت المحادثة الشبيهة بمحادثات البشر وفهم اللغة وتحليل توليدها 'CHATGPT'، واستنادًا إلى مرتبتها المتقدمة بين دول العالم والدول العربية، فالبحرين تنافس بلا شك، لاسيما أن دول مجلس التعاون الخليجي تتسابق لإدخال مناهج الذكاء الاصطناعي بمدارسها، ويحوي هذا الملف رصدا لمسار العمل في كل دول خليجية.