logo
مهرجان 'أصداء نسوية' 2024: يحتفي بالمقاومة النسوية ضد الأنظمة القمعية العالمية

مهرجان 'أصداء نسوية' 2024: يحتفي بالمقاومة النسوية ضد الأنظمة القمعية العالمية

تونس الرقمية٠٥-١٢-٢٠٢٤

تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الموافق لـ 10 ديسمبر من كل عام، تنظم جمعية 'أصوات نساء' النسخة الثانية لمهرجان 'أصداء نسوية' أيام 10 و11 و12 ديسمبر الحالي بقاعة مسرح سينما الريو بتونس العاصمة تحت شعار 'المقاومة النسوية ضد الأنظمة القمعية'.
ويقدم المهرجان لجمهوره مجموعة متنوعة من الأنشطة والعروض الفنية الملتزمة التي تسلّط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه النساء في حركات التحرير والمقاومة عبر التاريخ.
ويُفتتح المهرجان بعرض فيلم 'حيواتهن'، وهو وثائقي من إنتاج الجمعية يروي قصة مجموعة من الفلاحات في حراك ثائرات. كما يعرض فيلم 'أنا المغتصبة' للمخرجة وفاء خريفية، الذي يعكس نضال امرأة فلاحة بلا أرض. ويتناول قصة معركتها لتحويل سبخة قاحلة إلى أرض خصبة وتحقيق حلمها رغم الصعوبات. كما سيشهد اليوم الأول ماستر كلاس بعنوان 'النساء في مواجهة النيوليبرالية'، بالإضافة إلى عرض موسيقي لفرقة 'جذب'.
ويكون الموعد في اليوم الثاني من المهرجان بعرض مسرحي يحمل عنوان 'البوابة 52' من إخراج دليلة مفتاحي وتأليف دنيا منصرية، والذي يُحيي ذكرى النساء التونسيات المقاومات ضد الاستعمار. ثم يكون اللقاء بعد العرض مع ماستر كلاس بعنوان 'المقاومة النسوية ضد الأنظمة الاستعمارية'، إذ سيفتح النقاش حول دور النساء في مواجهة الاستعمار.
ويختتم المهرجان بعرض فيلم وثائقي بعنوان 'وداعاً طبرية' للمخرجة لينا سوالم، والتي تتناول فيه حياة هيام عباس المرأة الفلسطينية التي غادرت قريتها لتحقيق حلمها في أن تصبح ممثلة. ويعود الفيلم ليتبع آثار الأماكن والذكريات المتناثرة لأربع أجيال من النساء الفلسطينيات، مسلطا الضوء على مقاومتهن للتهجير والاحتلال. ثم يلي الفيلم عرض موسيقي لفرقة 'عيون الكلام'.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة 'زرياب المهارات' تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي
تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة 'زرياب المهارات' تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي

العرائش أنفو

timeمنذ 19 ساعات

  • العرائش أنفو

تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة 'زرياب المهارات' تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي

تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة 'زرياب المهارات' تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي المهرجان الدولي للعود بتطوان يرفع شعار 'إشراقات التسامح' وينفتح على فضاءات متعددة في دورته الـ26 تحت شعار 'إشراقات التسامح'، تحتضن مدينة تطوان أيام 29-30 و31 مايو 2025 الدورة الـ26 للمهرجان الدولي للعود، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبتعاون مع عمالة إقليم تطوان ومجلسها الإقليمي، وجماعة تطوان. وستتوزع العروض الفنية لدورة هذه السنة، التي تنظم في سياق خاص يتميز بإعلان مدينة تطوان عاصمة للثقافة والحوار بحوض البحر الأبيض المتوسط لسنة 2026، على فضاءات متعددة، وسيتم نقلها على شاشة ضخمة بساحة مولاي المهدي. وستتميز الدورة بتنوع العروض والمشاركات والتجارب الموسيقية القادمة من أستراليا، مصر، البحرين، الصين، السودان، تركيا، إسبانيا، سوريا والمغرب، حيث ستتحول مدينة تطوان إلى منصة لخلق فسحة جمالية وتبليغ رسالة إنسانية سامية تسعى للارتقاء بالأذواق، والتعبير عن مغرب منفتح على كل الثقافات والحضارات. وإلى جانب العروض الموسيقية، ستشهد الدورة تكريم رائد من رواد العزف على آلة العود ببلادنا، وتنظيم 'ماستر كلاس' حول العود الصيني الشهير باسم (Pipa) وآلة العود بصيغتها المغربية- الأندلسية، بالإضافة إلى عروض شعرية تنظم بتنسيق مع دار الشعر بتطوان في فضاء دار الغزواني التقليدية، إلى جانب لقاءات مع نجوم الدورة بدار العدي في المدينة العتيقة، ما يعكس أصالة المدينة ويثمن حضورها كمركز للإشعاع الحضاري وحاضرة للتعايش وملاذ للإبداع بلسان تمغربيت. ومن أقوى لحظات هذه الدورة، التي تأتي في سياق إعلان مدينة تطوان عاصمة للثقافة والحوار بحوض البحر الأبيض المتوسط لسنة 2026، حفل تسليم جائزة 'زرياب المهارات'، من طرف المجلس الوطني للموسيقى (عضو المجلس الدولي للموسيقى – الشريك الرسمي لليونسكو)، والتي آلت هذه السنة للفنان المبدع عبد الحق صابر تيكروين، تقديرا لمنجزه المتميز في مجال التأليف الموسيقي. وحسب رئيسة المجلس الوطني للموسيقى، وفاء بناني، فإن المجلس قرر منح جائزة 'زرياب المهارات'، هذه السنة، لفنان مغربي مقتدر كرس حياته منذ سنوات للموسيقى عزفا وتأليفا وتدريسا، إنه المبدع عبد الحق صابر تيكروين، الذي يعد من أبرز العازفين على آلة العود بالمغرب والعالم العربي. وقالت وفاء بناني، 'إن هذا التتويج يدخل في صميم أهداف المجلس الوطني للموسيقى، الذي يسعى إلى دعم الموسيقيين الذين تصب إبداعاتهم في خدمة وتعزيز مكانة الموسيقى في العالم، والانفتاح على جمهور واسع من خلال التركيز على ما هو إنساني والمساهمة في ترسيخ قيم السلام والتسامح والمحبة وغيرها من القيم النبيلة في العالم'. من جانبها قالت رئيسة لجنة جائزة زرياب المهارات، سميرة القادري، أن اللجنة اختارت تتويج تكروين، تقديرا لمهاراته الفنية في العزف على آلة العود والتأليف الموسيقي. وأضافت 'أن تتويج مبدع موسيقي من قامة الأستاذ تيكروين التفاتة مستحقة وواجبة في حق مبدع موسيقي جاد ساهم إسهاما كبيرا في إغناء الريبيرتوار الموسيقي المغربي والعربي والعالمي'. الفنان عبد الحق صابر تيكروين من مواليد مدينة الدار البيضاء، موسيقي ومؤلف مغربي بارز وأستاذ بالمعهد الوطني للموسيقى، يعرف بمهارته في العزف على آلة العود وبإسهاماته المتميزة في الموسيقى بأعمال تمزج بين التراث المغربي والتجديد الفني، مما يجعله من أبرز الأسماء في الساحة الموسيقية المغربية . أغنى عبد الحق صابر تيكروين الخزانة الموسيقية المغربية والعربية والعالمية بألبومات ناجحة من قبيل 'ينابيع' و'حلم' و'رسائل حب وحنين' و'البحر' و'النار في دمي'، ومعزوفات متميزة أمتع بها عشاق الموسيقى في مختلف المسارح العربية والعالمية. كما سبق لهذا المؤلف الموسيقي الغزير الإنتاج والعازف المقتدر على آلة العود أن ألف الموسيقى التصويرية لبعض المسلسلات التلفزيونية الشهيرة من قبيل 'المجدوب' لفريدة بورقية، و'دار الضمانة' لمحمد علي مجبود، 'صورتك بين عينيا' و'عيون غائمة' لسعيد خلاف و'حراز أيامي' لعبد الحي العراقي… والعديد من المسرحيات من قبيل 'الريح' و'يوليوس قيصر' و'أمولا نوبة'… كما كان أحد المؤسسين البارزين لفرقة 'النورس' الغنائية والموسيقية رفقة الفنانين كمال كاظمي وفتاح النكادي.

علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"
علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"

تورس

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • تورس

علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"

في فيلمه الجديد "أقورا" (إنتاج تونسي سعودي فرنسي مشترك 2024)، وهو عمل روائي طويل، يعمّق المخرج هذا المشروع الجمالي ويذهب فيه إلى أقصى مدى من العبث والغموض والرؤية النقدية عبر سرد فني يجمع بين البوليسي والفلسفي والأسطوري في آن واحد. وقد تمّ تقديم "أقورا" مساء الجمعة بقاعة سينما الريو بتونس العاصمة بحضور فريق الفيلم، علما أن العرض سيكون متاحا في القاعات للجمهور ابتداءً من يوم 16 أفريل الحالي. يبدأ الفيلم من فرضية بوليسية تتمثل في ثلاثة أشخاص يفترض أنهم ماتوا منذ سنوات، لكنهم يعودون فجأة إلى مدينتهم الصغيرة في ظروف غامضة. وفي الفيلم لا يهتم المخرج بالتحقيق بقدر ما يهتم بخلخلة الأحداث وخلق أجواء من التوتر والاضطراب. وهؤلاء "الراجعون" جعلهم علاء الدين سليم لا ليجيبوا عن سر عودتهم المفاجئة وإنما ليزيدوا الأسئلة كثافة، فهم لا يتكلمون كثيرا ولا يطالبون بشيء، حتى إن وجودهم في حد ذاته هو الاتهام، فهم ماض لا يموت وذاكرة لا يمكن دفنها. وهذا المنطلق البسيط نسبيا للفيلم سرعان ما يحوّله المخرج إلى بنية معقدة يتداخل فيها الزمان والمكان والحلم والواقع والعلم والخرافة والسياسة والدين لتصير المدينة كلها مسرححا لاختبار جماعي لهوية مشروخة ماضيها مُرّ وحاضرها مختنق بالصمت والنكران والنسيان الجمعي والانفصال المؤلم بين السلطة والشعب. ولذلك جاء عنوان الفيلم "أقورا" محملا بالتناقضات، فالأقورا هنا لم يكن يحمل معنى تلك الساحة العامة عند الإغريق حيث تجمع الناس وتُعقد الاجتماعات العامة بل كان رمزا للانفصال وانعدام الحوار بين السلطة (السياسية والدينية) وعامة الشعب من الكادحين والمهمشين. ويتقمص الأدوار الرئيسية في الفيلم الممثل ناجي القنواتي في دور المحقق الأمني وهو رجل بدا يائسا أكثر منه صارما إذ يتعامل مع عودة "الراجعين" كحالة شاذة يريد احتوائها. ويرافقه صديقه الطبيب الذي جسده الممثل بلال سلاطنية وهو الذي بدا أكثر إنسانية لكنه لا يقل ارتباكا. وحين تعجز السلطات المحلية عن السيطرة على الموقف، يتم إرسال محقق من العاصمة هو الممثل مجد مستورة الذي ظهر في ثوب شاب عصري محنّك لا يخلو من الكاريزما، فيبدأ مهمته بثقة زائفة سرعان ما تتحطم أمام لا منطقية ما يحدث. وبدلا من أن يطمئن سكان المدينة يزيد من اضطرابها إلى أن تصل طبيبة سامية تجسدها سنية زرق عيونه في محاولة يائسة لإعادة النظام أو بالأحرى فرض رواية رسمية تقفل الملف، لكن الجميع يضيع، فالفيلم لا يقدّم حلولا ولا يطرح نهاية. بل يكشف أن كل شخصية مهما بدت عقلانية أو قوية تحمل بداخلها خوفا دفينا من مواجهة الحقيقة. وليس الخيال في فيلم "أقورا" هروبا من الواقع، بل هو وسيلة لفهمه. وقد وظف علاء الدين سليم عناصر من السرد الفانتازي والميتافيزيقي ليخلق واقعا تتداخل فيه العوالم حيث تتكلم الحيوانات وتُمحى الحدود بين الحياة والموت. فالكلبة الزرقاء والغراب الأسود ليسا مجرد أدوات رمزية وإنما هما أصوات من خارج المنظومة البشرية وشهود على العبث الإنساني المستمر الذي تتكرر فيه الأخطاء نفسها تحت شعارات دينية أو سياسية قومية أو بيروقراطية. واشتغل المخرج في "أقورا" على مسألة الذاكرة الجماعية في المجتمع التونسي وحتى العربي حيث لا تزال هذه المجتمعات تعاني من آثار العنف السياسي والقمع والانتهاكات والإفلات من العقاب. وتمثّل الذاكرة الجماعية تهديدا حقيقيا للسلطة. ويفضح الفيلم آلية الإنكار والصمت والمضي قُدُما دون مساءلة أو عدالة. فالشخصات العائدة من الموت في الفيلم هي جراح ما تزال مفتوحة، فهناك امرأة قضت أثناء محاولة هجرة غير نظامية وشخصية أخرى ضحية تفجير إرهابي وعامل مفقود في منجم. كلها شخصيات مستوحات من حالات حقيقية لم تُفتح ملفاتها. وقد كانت عودة هذه الشخصيات مروّعة للناس لأن لا أحد منهم يريد مواجهة حقيقة موتها. وفي أحد أقوى أبعاد الفيلم، يعالج علاء الدين سليم العلاقة الملتبسة بين السلطة السياسية والدينية، حيث يُظهر كيف تتآمر المؤسستان على طمس الحقيقة تحت ذريعة "المصلحة العامة" أو "الاستقرار". ويظهر رجل الدين الذي جسده الممثل نعمان حمدة في الفيلم كشخص عاجز ومتواطئ، في حين تتصرّف السلطة السياسية ككائن بيروقراطي أعمى لا يسعى لفهم ما يحدث بل لاحتوائه ثم دفنه مجددا. وينتمي فيلم "أقورا" إلى نفس النسق الجمالي الذي صاغه علاء الدين سليم في أفلامه السابقة، لكنه بدا أكثر نضجا وأكثر تشظيا في الآن نفسه. وقد تميز الفيلم بحركة بطيئة للكاميرا ولقطات طويلة وجاء الحوار مقتصد والإيقاع أقرب إلى التأمل منه إلى التشويق. لكن هذا البطء وظّفه المخرج بإتقان ليجعل المتفرج يعيش حالات التوتر والغموض كما الشخصيات دون أن يمنحه لحظة ارتياح. وفي لحظات الجنون الإنساني، بدت الحيوانات (الكلبة والغراب) أكثر عقلانية من البشر. واختار المخرج إنهاء فيلمه بمغادرة الكلبة والغراب نحو مكان آخر أكثر هدوء حيث وضع الكلبة جراءها، وكأن المخرج جعل من مغادرة هذيْن الحيوانيْن الشاهدين على عبث الإنسان وموته الرمزي، انسحابا للوعي وانسحابا للتاريخ من مكان لم يعد يستحق البقاء فيه. فهذه المدينة كرمز للدولة والمجتمع تتحوّل إلى فضاء مسموم لا يتيح الحياة لا للبشر ولا حتى للحيوانات الرمزية. وفي ختام الفيلم، حوّل المخرج الكلبة من مجرد شاهدة على الأحداث إلى أم أي أنها تنقل ما رأته إلى الجيل القادم وإن كان في مكان آخر. وهنا يكمن البعد الأخلاقي للفيلم والمتمثل في أن الذاكرة يجب أن تُنقل حتى وإن لم تُسمع وأن بعض الذاكرة قد تبحث عن مكان يمكن أن تُنبت فيه دون أن تُقتل.

علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"
علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"

Babnet

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • Babnet

علاء الدين سليم يفتح جراح النسيان في فيلمه "أقورا"

منذ عرض فيلمه "آخر واحد فينا" سنة 2016 ثم "طلامس" (2019) وعلاء الدين سليم يرسّخ نفسه كصوت سينمائي تونسي متفرّد ومولع بالتجريب ومنشغل بالهوامش وبالكائنات المعزولة التي تمشي على تخوم الوجود. في فيلمه الجديد "أقورا" (إنتاج تونسي سعودي فرنسي مشترك 2024)، وهو عمل روائي طويل، يعمّق المخرج هذا المشروع الجمالي ويذهب فيه إلى أقصى مدى من العبث والغموض والرؤية النقدية عبر سرد فني يجمع بين البوليسي والفلسفي والأسطوري في آن واحد. وقد تمّ تقديم "أقورا" مساء الجمعة بقاعة سينما الريو بتونس العاصمة بحضور فريق الفيلم، علما أن العرض سيكون متاحا في القاعات للجمهور ابتداءً من يوم 16 أفريل الحالي. يبدأ الفيلم من فرضية بوليسية تتمثل في ثلاثة أشخاص يفترض أنهم ماتوا منذ سنوات، لكنهم يعودون فجأة إلى مدينتهم الصغيرة في ظروف غامضة. وفي الفيلم لا يهتم المخرج بالتحقيق بقدر ما يهتم بخلخلة الأحداث وخلق أجواء من التوتر والاضطراب. وهؤلاء "الراجعون" جعلهم علاء الدين سليم لا ليجيبوا عن سر عودتهم المفاجئة وإنما ليزيدوا الأسئلة كثافة، فهم لا يتكلمون كثيرا ولا يطالبون بشيء، حتى إن وجودهم في حد ذاته هو الاتهام، فهم ماض لا يموت وذاكرة لا يمكن دفنها. وهذا المنطلق البسيط نسبيا للفيلم سرعان ما يحوّله المخرج إلى بنية معقدة يتداخل فيها الزمان والمكان والحلم والواقع والعلم والخرافة والسياسة والدين لتصير المدينة كلها مسرححا لاختبار جماعي لهوية مشروخة ماضيها مُرّ وحاضرها مختنق بالصمت والنكران والنسيان الجمعي والانفصال المؤلم بين السلطة والشعب. ولذلك جاء عنوان الفيلم "أقورا" محملا بالتناقضات، فالأقورا هنا لم يكن يحمل معنى تلك الساحة العامة عند الإغريق حيث تجمع الناس وتُعقد الاجتماعات العامة بل كان رمزا للانفصال وانعدام الحوار بين السلطة (السياسية والدينية) وعامة الشعب من الكادحين والمهمشين. ويتقمص الأدوار الرئيسية في الفيلم الممثل ناجي القنواتي في دور المحقق الأمني وهو رجل بدا يائسا أكثر منه صارما إذ يتعامل مع عودة "الراجعين" كحالة شاذة يريد احتوائها. ويرافقه صديقه الطبيب الذي جسده الممثل بلال سلاطنية وهو الذي بدا أكثر إنسانية لكنه لا يقل ارتباكا. وحين تعجز السلطات المحلية عن السيطرة على الموقف، يتم إرسال محقق من العاصمة هو الممثل مجد مستورة الذي ظهر في ثوب شاب عصري محنّك لا يخلو من الكاريزما، فيبدأ مهمته بثقة زائفة سرعان ما تتحطم أمام لا منطقية ما يحدث. وبدلا من أن يطمئن سكان المدينة يزيد من اضطرابها إلى أن تصل طبيبة سامية تجسدها سنية زرق عيونه في محاولة يائسة لإعادة النظام أو بالأحرى فرض رواية رسمية تقفل الملف، لكن الجميع يضيع، فالفيلم لا يقدّم حلولا ولا يطرح نهاية. بل يكشف أن كل شخصية مهما بدت عقلانية أو قوية تحمل بداخلها خوفا دفينا من مواجهة الحقيقة. وليس الخيال في فيلم "أقورا" هروبا من الواقع، بل هو وسيلة لفهمه. وقد وظف علاء الدين سليم عناصر من السرد الفانتازي والميتافيزيقي ليخلق واقعا تتداخل فيه العوالم حيث تتكلم الحيوانات وتُمحى الحدود بين الحياة والموت. فالكلبة الزرقاء والغراب الأسود ليسا مجرد أدوات رمزية وإنما هما أصوات من خارج المنظومة البشرية وشهود على العبث الإنساني المستمر الذي تتكرر فيه الأخطاء نفسها تحت شعارات دينية أو سياسية قومية أو بيروقراطية. واشتغل المخرج في "أقورا" على مسألة الذاكرة الجماعية في المجتمع التونسي وحتى العربي حيث لا تزال هذه المجتمعات تعاني من آثار العنف السياسي والقمع والانتهاكات والإفلات من العقاب. وتمثّل الذاكرة الجماعية تهديدا حقيقيا للسلطة. ويفضح الفيلم آلية الإنكار والصمت والمضي قُدُما دون مساءلة أو عدالة. فالشخصات العائدة من الموت في الفيلم هي جراح ما تزال مفتوحة، فهناك امرأة قضت أثناء محاولة هجرة غير نظامية وشخصية أخرى ضحية تفجير إرهابي وعامل مفقود في منجم. كلها شخصيات مستوحات من حالات حقيقية لم تُفتح ملفاتها. وقد كانت عودة هذه الشخصيات مروّعة للناس لأن لا أحد منهم يريد مواجهة حقيقة موتها. وفي أحد أقوى أبعاد الفيلم، يعالج علاء الدين سليم العلاقة الملتبسة بين السلطة السياسية والدينية، حيث يُظهر كيف تتآمر المؤسستان على طمس الحقيقة تحت ذريعة "المصلحة العامة" أو "الاستقرار". ويظهر رجل الدين الذي جسده الممثل نعمان حمدة في الفيلم كشخص عاجز ومتواطئ، في حين تتصرّف السلطة السياسية ككائن بيروقراطي أعمى لا يسعى لفهم ما يحدث بل لاحتوائه ثم دفنه مجددا. وينتمي فيلم "أقورا" إلى نفس النسق الجمالي الذي صاغه علاء الدين سليم في أفلامه السابقة، لكنه بدا أكثر نضجا وأكثر تشظيا في الآن نفسه. وقد تميز الفيلم بحركة بطيئة للكاميرا ولقطات طويلة وجاء الحوار مقتصد والإيقاع أقرب إلى التأمل منه إلى التشويق. لكن هذا البطء وظّفه المخرج بإتقان ليجعل المتفرج يعيش حالات التوتر والغموض كما الشخصيات دون أن يمنحه لحظة ارتياح. وفي لحظات الجنون الإنساني، بدت الحيوانات (الكلبة والغراب) أكثر عقلانية من البشر. واختار المخرج إنهاء فيلمه بمغادرة الكلبة والغراب نحو مكان آخر أكثر هدوء حيث وضع الكلبة جراءها، وكأن المخرج جعل من مغادرة هذيْن الحيوانيْن الشاهدين على عبث الإنسان وموته الرمزي، انسحابا للوعي وانسحابا للتاريخ من مكان لم يعد يستحق البقاء فيه. فهذه المدينة كرمز للدولة والمجتمع تتحوّل إلى فضاء مسموم لا يتيح الحياة لا للبشر ولا حتى للحيوانات الرمزية. وفي ختام الفيلم، حوّل المخرج الكلبة من مجرد شاهدة على الأحداث إلى أم أي أنها تنقل ما رأته إلى الجيل القادم وإن كان في مكان آخر. وهنا يكمن البعد الأخلاقي للفيلم والمتمثل في أن الذاكرة يجب أن تُنقل حتى وإن لم تُسمع وأن بعض الذاكرة قد تبحث عن مكان يمكن أن تُنبت فيه دون أن تُقتل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store