logo
شهداء الطحين.. أطفال غزة يُقتلون فوق أكياس الطحين والعالم يتفرج شبعانًا

شهداء الطحين.. أطفال غزة يُقتلون فوق أكياس الطحين والعالم يتفرج شبعانًا

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
لا يحتاج الأطفال في غزة، إلى ألعاب أو أحلام.. كل ما يحتاجونه كيس طحين، ورغيف خبز، وهدنة صغيرة من الموت.. لكن حتى هذه الأماني البسيطة باتت مستحيلة، فهناك.. كل من يسعى لسد رمق عائلته، قد يعود إلى خيمته ملفوفًا بكفن، وقد لا يعود أبدًا.
في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، لم يكن الطفل عبد الرحمن وابن خالته يحملان سوى كيسين صغيرين من الطحين، انتزعاهم من تحت أنقاض المجاعة التي تحاصر القطاع منذ شهور. كانا عائدين إلى خيام ذويهم على أمل أن يعودا برغيف يسد الرمق، يبدد شيئًا من جوع الأطفال، ويزرع ابتسامة صغيرة على وجوه أنهكها الحصار. لكن الموت كان أقرب إليهم من الخبز.
في لحظة خاطفة، وقبل أن يلامس الطحين موقدًا أو تنورًا، أطلقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صواريخها، لتحيل هذا الحلم البسيط إلى مأساة دامية. استُشهِد الطفلان، وسقطا على الأرض جنبًا إلى جنب، وإلى جوارهما كيسا الطحين وقد تناثر الطحين فوق الدم، في مشهد يختزل قسوة الحصار وجنون العدوان.
في حي الشجاعية بشكل خاص وفي غزة بشكل عام، الخبز ليس حقًا إنسانيًا.. بل خطرٌ قد يكلّفك حياتك.. قبل أيام فقط، وفي الحي ذاته – حي الشجاعية – استشهد الطفل فايز أبو سمرة (14 عامًا) أثناء محاولته العودة إلى بيتهم المدمر بحثًا عن كيس طحين كانت أمه قد خبأته ولم تستطيع حمله بعد أن نزحوا من منزلهم المدمر، كأنها تركت له شيئًا من الحياة بين الموت.
في مشهد موازٍ لهذه الفاجعة، لا يمكن للغزّيين أن ينسوا كيف استقبلت العواصم الخليجية الرئيس دونالد ترامب، بحفاوة الملوك، وبسطت له موائد الولائم، وقدّمت له من ثرواتها ما يكفي لإطعام قارة كاملة، فيما كانت غزة تعاني الجوع، وتصارع الموت في طوابير الإغاثة.
أي مفارقة هذه؟!.. بينما يُقصف أطفال غزة وهم يحملون كيس طحين، تُفتح قصور الخليج لقتلة الأطفال، وتُمنح صفقات السلاح والولاء السياسي على طبق من ذهب.. فأي عروبة هذه؟ وأي نخوة بقيت؟
شراكة في الجريمة
صمت العالم لم يعد تواطؤًا فحسب، بل صار جزءًا من آلة القتل.. لا يصمت العالم صدفة، إنه صمتٌ مدروس، مرتبط بالتحالفات، مغلف بالازدواجية، يدين القتل حين يمس مصالحه، ويصمت حين يكون القاتل 'حليفًا'، وهكذا.. يُقتل الأطفال في غزة لا لأنهم ارتكبوا ذنبًا، بل لأنهم فلسطينيون.. فقط.
أين هي المنظمات الإنسانية؟ أين ضجيج الإدانات؟ أين دعاة 'حقوق الإنسان'؟
بل أين أولئك الذين يرفعون شعارات الرأفة بالحيوانات، وهم يعجزون عن رؤية دماء الأطفال في الشوارع بلا حراك؟
أمهات ينتظرن.. وأجساد تعود بلا خبز
في لحظة القصف، كانت أم عبد الرحمن تنتظر عند مدخل الخيمة، تترقب عودة ولدها وأبن شقيقتها بالطحين. لكن القادم لم يكن خبزًا.. بل خبر استشهاد الطفلين.. 'أرسلتُه ليطعم إخوته.. فعاد ليكسر قلوبنا جميعًا'، قالت وهي تحتضن كيس الطحين الملطخ بالدم، كأنها تحتضن بقايا نجلها.
الخبز في غزة.. مشروع شهادة
الطفل الشهيد عبد الرحمن، لم يكن يحمل سلاحًا، ولا راية، ولا حتى لعبة.. كل ما كان يحمله هو كيس صغير من الطحين، ومهمّة شاقة تتلخص في إيصال هذا الكنز الأبيض إلى خيمة تنتظر أن تشتعل بنار الطهو بدلًا من الحزن.
في غزة، لم يعد الموت يأتي فجأة فقط، بل صار يتربص بكل من يحلم برغيف، ويترصد لكل من يحاول أن يقهر الجوع.. الأطفال هناك يغامرون بأنفسهم في أخطر المناطق، يعبرون الحقول المقصوفة، ويجتازون الطرق المحفوفة بالقذائف، فقط ليحصلوا على شيء من الدقيق، يسندون به أجسادهم النحيلة.
لقد تحوّل الخبز في غزة إلى مغامرة قاتلة، وأصبح كل كيس طحين مشروع جنازة مؤجلة، أما العالم.. فيقف على الرصيف الآخر، يتابع المجزرة، ويواصل صمته المخزي.
الجوع وحده كان كافيًا ليدفع هذين الطفلين إلى تحدي الموت، لكن في عُرف الاحتلال، حتى البحث عن لقمة صار تهمةً تستوجب القصف.. فهل بقي للعروبة وللإنسانية شيء من الحياء؟ هل بقي للضمير العالمي قدرة على الصراخ؟
لا شيء أصعب من أن تُقتل وأنت تحاول أن تأكل.. لا شيء أوجع من أن تُقصف وأنت تحمل الأمل، في غزة.. الجوعى لا يموتون من قلة الطعام، بل من قسوة من يمنعونه عنهم، ومن صمت من يستطيع أن يصرخ.. لكنه اختار أن يصمت.
ويبقى السؤال: إلى متى سيظل كيس الطحين في غزة أغلى من برميل نفط في الخليج؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القبض على متهمين باغتصاب وقتل طفلة ورميها في بئر بمحافظة البيضاء
القبض على متهمين باغتصاب وقتل طفلة ورميها في بئر بمحافظة البيضاء

اليمن الآن

timeمنذ 24 دقائق

  • اليمن الآن

القبض على متهمين باغتصاب وقتل طفلة ورميها في بئر بمحافظة البيضاء

أعلنت مليشيا الحوثي، ضبط متهمين باغتصاب وقتل طفلة في مديرية الصومعة، بمحافظة البيضاء، بعد أيام على اختطافها. وقال الإعلام الأمني للمليشيات الحوثية، في بيان، اليوم الثلاثاء، إن شرطة محافظ البيضاء (الخاضعة للمليشيات) تمكنت من ضبط المتهمين باغتصاب وقتل طفلة في مديرية الصومعة. وأوضح البيان أنه تم القبض على شخصين متهمين باغتصاب وقتل الطفلة أنهار العامري في مديرية الصومعة، وسيتم إحالتهما للعدالة فور استكمال الإجراءات القانونية. وكان أهالي منطقة العقلة، في مديرية الصومعة، قد عثروا، يوم الأحد، على جثة الطفلة (أنهار العامري) بعد اختطافها من منزل جدها، يوم الخميس الماضي. وأوضحت المصادر أن الطفلة كانت في منزل جدها، قبل أن يختطفها عمّال في المنزل، لتختفي منذ يومين، قبل أن يتم العثور عليها، يوم أمس الأحد، في بئر قريبة. وتشهد مناطق سيطرة المليشيات الحوثية جرائم قتل واختطاف، وفوضى أمنية غير مسبوقة.

البيضاء.. الشرطة تضبط المتهمين باغتصاب وقتل طفلة
البيضاء.. الشرطة تضبط المتهمين باغتصاب وقتل طفلة

26 سبتمبر نيت

timeمنذ 35 دقائق

  • 26 سبتمبر نيت

البيضاء.. الشرطة تضبط المتهمين باغتصاب وقتل طفلة

26سبتمبرنت:- أعلنت شرطة محافظ البيضاء تمكنها من ضبط المتهمين باغتصاب وقتل طفلة في مديرية الصومعة. وأوضحت شرطة المحافظة أنها ألقت القبض على شخصين متهمين باغتصاب وقتل الطفلة أنهار العامري في مديرية الصومعة، وسيتم إحالتهما للعدالة فور استكمال الإجراءات القانونية. * الاعلام الامني

ترحيل المهاجرين من جيبوتي.. واليمنيون ليسوا الاستثناء
ترحيل المهاجرين من جيبوتي.. واليمنيون ليسوا الاستثناء

اليمن الآن

timeمنذ 43 دقائق

  • اليمن الآن

ترحيل المهاجرين من جيبوتي.. واليمنيون ليسوا الاستثناء

تداول ناشطون أنباء عن ترحيل السلطات الجيبوتية لليمنيين، غير أن منصة "صدِّق" أوضحت أن الإجراءات تشمل جميع المخالفين لقوانين الإقامة من مختلف الجنسيات، وليست موجهة لليمنيين فقط. وأشارت إلى أن هذه الخطوات ليست جديدة، إذ نفذت جيبوتي حملات مشابهة في الأعوام الماضية، كان آخرها قرار رسمي في أبريل 2023 بترحيل المهاجرين غير النظاميين. يُذكر أن عدد اللاجئين اليمنيين المسجلين رسمياً في جيبوتي يبلغ 3,721 شخصاً بحسب الأمم المتحدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store