
حديث الجمعة : (( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ))
استكمالا للأحاديث التي سبقت عن بعض صفات المنافقين ، وأحوالهم في القرآن الكريم ،يذكر الله عز وجل صفة أخرى في الآيتين الكريمتين الثانية والأربعين والثالثة والأربعين بعد المائة من سورة النساء إذ يقول جل شأنه : (( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلى قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا )) ، فهذه الصفة من علامات النفاق أيضا، لأن الله عز وجل قد جعل للصلاة أوقاتا معلومة من الليل والنهار، يتوجه فيها المؤمنون إليه بقيام، وركوع ،وسجود مع ذكر معين يكون تكبيرا ،،وتسبيحا، وتلاوة للقرآن، ودعاء ، وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بمنتهى التركيز وبمنتهى الحضور الذهني و الوجداني للذات الإلهية ،لأن الأمر يتعلق بوقوف بين يدي رب العزة جل جلاله لمناجاته ، الشيء الذي يقتضي الانصراف الكلي إليه دون الانجرار الذهني والوجداني وراء الأحوال الدنيوية التي يمر بها المؤمنون في حياتهم اليومية وهم يصلون .ومعلوم أن المنافقين يعدمون هذا الحضور الذهني الوجداني ، وهذا التركيز في صلاتهم كما سيأتي بيانه لاحقا.
وقبل ذلك لا بد من التذكير بأن للصلاة جانبا ماديا يتمثل في الهيئات المعلومة لها من تكبير ،وقيام، وركوع ، وحمد ، وسجود ،وذكر باللسان كما أن لها جانبا معنويا يتمثل في استحضار الذات الإلهية وجدانيا ،ويكون ذلك بالجَنَان ، ولا بد للجانبين معا من تلازم يكون بينهما ضرورة كي تؤدى هذه العبادة على الوجه المطلوب . ولقد أكد الله تعالى على ضرورة حضور الجانب المعنوي في الصلاة ،وهو الأهم مع الجانب المادي ، وحث عليه لأنه وسيلة استحضار الذات الإلهية علما بأن انصراف الأذهان إلى التفكير في مختلف أحوال وشؤون الحياة يقف حاجزا وحائلا دون تحقيق هذا الاستحضار حين يصير غيره من المشاغل صارفا عنه ، ولا يبقى حينئذ من الصلاة إلا جانبها المادي المجرد من نظيره المعنوي ، علما بأن الجانب المادي إنما هو بمثابة وعاء للجانب الروحي .
ولما كانت الصلاة التي كتبها الله تعالى على عباده المؤمنين بهذه الهيئة المركبة بجانبين متلازمين لا ينفكان عن بعضهما ، فإن الاتفاق بين المصلين في أداءها حين تقام يكون في الجانب المادي المشهود حين يصطفون ، وهم يؤدون عمليا أركانها من تكبير، وقيام ، وتلاوة للقرآن الكريم ، وركوع، وسجود ، ودعاء ،وتسليم ،وذكر ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله ، ولكن الاختلاف بينهم يكون في الجانب المعنوي، وهو مستويات متفاوتة من حيث درجة التركيز في استحضار الذات الإلهية استحضارا ذهنيا ، و وجدانيا يليق بجلال الله تعالى ، ومن حيث درجة التركيز في التدبر، والتفكر فيما يتلى من كتابه عز وجل ، وهذه أحوال متداخلة فيما بينها ،لا يمكن الفصل بينها ، وهي تجتمع كلها في مسمى الخشوع .
وإذا كان الجانب المادي في أداء الصلاة لا تصرف عنه مشاغل ، فإن الجانب المعنوي منه على العكس من ذلك تصرف عنه المشاغل نظرا لطبيعته الوجدانية والذهنية ، ذلك أن ذاكرة الإنسان لا ينقطع نشاطها المتمثل في تداعي الأفكار كلما حصل ما يقدحها في الذهن حين ترد عليه منبهات خارجية عن طريق السمع أو البصر أو داخلية عن طريق التخيل . والإنسان في صلاته قد تنحرف به ذاكرته عن استحضار الذات الإلهية ذهنا ووجدانا على الوجه المطلوب حين تتداعى أفكارها المختلفة التي تطوح به في مشاغل وهموم دنياه ، فتصرفه عن الغاية المثلى من عبادة الصلاة . ويضاف أيضا إلى ما تنشغل به الذاكرة عن هذه الغاية الأسمى وجود المخلوق الشرير إبليس اللعين الذي يجري من الإنسان مجرى الدم ،ولا ينقطع عنه نفثه، ونفخه ،و لا ما يوسوس به مما يصرفه أيضا عن استحضار الذات الإلهية ، والتفكر في كلامه ، وتدبره ، ولهذا يكره إتيان عبادة الصلاة عند حضور الطعام أو عند مدافعة الأخبثين ، وهما مركبان يركبهما إبليس اللعين للصد عن الخشوع في الصلاة ، وإفساد جانبها المعنوي . وقد توجد أيضا أمور أخرى صارفة عنه ، والتي يكون مبعثها جموح الهوى والغرائز .
ومما ميز به الله تعالى بين عباده المؤمنين وبين المنافقين هوالفرق بينهم في الجانب المعنوي من الصلاة حيث قال جل شأنه : (( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلى قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا )) ، ففي هاتين الآيتين الكريمتين ذكر الله عز وجل محاولة المنافقين مخادعته ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ ، وهذه المحاولة إنما هي في الحقيقة مخادعة للمؤمنين من خلال إظهارالمنافقين لهم الإيمان الكاذب والمغشوش مع إضمار الكفر أو الشرك . وقد توعدهم الله تعالى بعاقبة السوء مهما طالت مخادعتهم للمؤمنين .
ومن صور هذه المخادعة أن المنافقين ينحشرون في الصلاة مع المؤمنين ، ويحضرونها معهم في مساجدهم ، علما بأن حضور الصلاة شهادة على إيمان الظاهر ، وليس على باطنه الموكول علمه إلى الله عز وجل المطلع على السرائر.
وكشف الله تعالى عن هذه المخادعة من خلال مؤشرات تلحظ عند المنافقين منها التكاسل في الصلاة ، وهو عدم الاكتراث بها ، وله عدة صور منها الغياب عنها مع الجماعة في بيوت الله عز وجل في أوقات معلومة فيه بعض المشقة كصلوات الليل دون أعذار مقبولة شرعا أو حضورها المتأخر باستمرار ، أوالفتور في أداء جانبها المادي كراهة لها أو سآمة منها.
ومن المؤشرات أيضا الرياء ، وهو الحرص على إظهار القيام بها للخلق عوض أن يكون المقصود بها هو الخالق سبحانه وتعالى دون شريك معه في ذلك . والرياء يكون عاما عند المنافقين في كل العبادات ، وليس في عبادة الصلاة وحدها ، فهم يراءون في صومهم ، وزكاتهم ، وحجهم ، كما أنهم يراءون في معاملاتهم التي تكون في الظاهر عكس ما يبطنون . ومن المؤشرات أيضا على المخادعة قلة ذكر الله تعالى، ذلك أن المنافقين يشاركون المؤمنين في الجانب المادي من الصلاة قياما، وركوعا ،وسجودا دون انخراطهم في الجانب المعنوي الذي هو الغاية والمنتهى منها من خلال صدق التفكر والتدبر في كلام الله عز وجل ، وصدق التوجه إليه ، وصدق استحضار ذاته الإلهية ، وصدق مناجاته تضرعا ، وتوسلا ، ورغبة، ورهبة ، وخوفا ، وطمعا .
وبهذا تتشتت أذهان المنافقين بسبب التناقض الصارخ بين أدائهم المادي للصلاة ، وأدائهم المعنوي لها بحيث يتوزعهم الحضور البدني مع المؤمنين ، والغياب الوجداني والذهني المنصرف كليا إلى الكفر والشرك ، لهذا وصفهم الله تعالى بالتذبذب ببن الانتساب إلى المؤمنين ظاهرا ، والانتساب إلى الكافرين والمشركين باطنا ، وليس الأمر في هذه الحالة متعلقا بمنزلة بين المنزلتين كما قد يخطر على بال البعض، بل هم في واقع الحال منحشرون في زمرة الكفر والشرك لا يؤدون الصلاة على وجهها مع المؤمنين ، ولا يتركونها كترك الكافرين والمشركين لها ، وهي حال أسوأ من حال هؤلاء .وقد عقب الله تعالى عن هذه الحال من النفاق بأنها من الضلال الذي يضل به سبحانه وتعالى هؤلاء المنافقين لعلمه بما هم عليه في سرائرهم ، وهو رد على مخادعته التي تكون من خلال مخادعتهم عباده المؤمنين عن طريق مشاركتهم في الصلاة مشاركة تقتصر على جانبها المادي فقط .
مناسبة حديث هذه الجمعة هي أولا تنبيه المؤمنين من الوقوع غفلة أو سهوا في بعض منزلقات النفاق أثناء أدائهم عبادة الصلاة ، إما تخلفا عن أدائها في بيوت الله تعالى أو تلكؤا أو تأخرا في إدراك أدائها أو تكاسلا وتراخيا في أدائها ، وثانيا تحذيرهم من مخادعة المنافقين لهم من خلال حضورهم الصلوات معهم ، وقد كشف الله تعالى في محكم التنزيل النقاب عن كيفية إتيانهم الصلاة بكسل وتراخ واضحين يدلان على ريائهم فيها ،وعلى تذبذبهم الصريح بين الإيمان والكفر والشرك . ومعلوم أن الحذر من المنافقين يعتبر صيانة لدين الإسلام ودفاعا عنه، لأنهم أخطر عليه من أعدائه الكافرين والمشركين الظاهرين ، فهم بمثابة طوابير خامسة يخدمون مخططاتهم وأهدافهم الخبيثة والماكرة .
وهنا لا بد من تنبيه المؤمنين إلى التمييز بين المنافقين الذين تمحضوا للنفاق الصريح من خلال مؤشرات بينة ، ودالة على نفاقهم، والتي لا ترقى إليها الشكوك بالنظر إلى ما يصدر عنهم من أقوال أوأفعال شاهدة على خالص نفاقهم وولائهم لأعداء الإسلام والمسلمين كما هو شأن من يجاهرون بهذا الولاء لهم ،ولا يخفونه ،ويلقون إليهم بالمودة ، وبين بعض ضعاف الإيمان الذين يتكاسلون إما عن جهل أو عن غفلة ، ودون قصد في صلاتهم دون أن تكون لديهم خلفية النفاق ، ولهذا لا بد أن يُحتَرز من سوء الظن بإيمانهم ،و اتهامهم ظلما بالنفاق ، فيكون ذلك اعتداء عليهم ووبالا على من يتهمهم .
ولا بد أيضا من التمييز بين كسل المنافقين في الصلاة ، وبين كسل بعض ضعاف الإيمان من المؤمنين الذين عافاهم الله من آفة النفاق ، ذلك أن كسل المنافين يكون دائما ومستمرا ، وصفة ملازمة لهم لا تنفك عنهم أبدا ، بينما كسل ضعاف الإيمان يكون في بعض أحوالهم إما لجهلهم بحقيقة الجانب المعنوي في الصلاة الذي تختزله لفظة خشوع أو غفلتهم عن ذلك أو وقوعهم تحت ضغط مشاغل وهموم دنياهم التي يعتريهم التفكير فيها أثناء صلاتهم .ولا يمكن أن يكون خشوع المؤمنين في صلاتهم على وتيرة واحدة، بل تختلف درجاته فيه بينهم .ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تجاوز حد النشاط في العبادات والذي من شأنه أن يوقع في الفتور والسآمة منها بقوله : » عليكم من الأعمال بما تطيقون ، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا » ، كما أنه من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن شرع لهم سجودا لجبر صلواتهم إذا ما اعتراهم فيها شيء من السهو.
وبناء على ما تقدم تكون عبادة الصلاة على ثلاثة أوجه ، صلاة بخشوع ، وهي صلاة المؤمنين التي امتدحها الله تعالى في محكم التنزيل ، وصلاة ضعاف الإيمان بخشوع أقل، والذين عافاهم الله تعالى من آفة النفاق ، وصلاة المنافقين نفاقا خالصا لا خشوع فيها بل هي محض رياء .
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق، وما يوقع فيه من قول أو عمل ، ونعوذ بك من خداع وكيد المنافقين الذين لا يخفى عنك خداعهم وكيدهم بعبادك المؤمنين . اللهم إنا نسألك نعمة الخشوع التي هي منة منك في صلواتنا لا تدرك إلا بعون منك سبحانك .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العيون الآن
منذ 2 ساعات
- العيون الآن
العيون تحتضن يوما دراسيا وطنيا لتجويد خدمات الجالية المغربية بالخارج..
العيون الآن الحافظ ملعين ـ العيون في سياق العناية الموصولة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لمغاربة العالم، وتجسيدا لتوجيهات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أعلنت الوكالة الحضرية للعيون – الساقية الحمراء عن حزمة من التدابير والإجراءات المواكبة لعملية 'مرحبا 2025″، الرامية إلى تحسين ظروف استقبال أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وتيسير اندماجهم المؤقت أو الدائم بجهة العيون الساقية الحمراء. وفي هذا الإطار، احتضن المقر الجديد للوكالة بمدينة العيون، يومه الأربعاء، يوما دراسيا بحضور عدد من الفاعلين والمهنيين والخبراء وممثلي القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والمجتمع المدني، خصص لمناقشة سبل تجويد الخدمات الموجهة للجالية وتعزيز آليات التنسيق بين مختلف المتدخلين. وفي تصريح لممثل الوكالة الحضرية، السيد إبراهيم بلالي، أوضح أن تنظيم هذا اليوم الدراسي يأتي في إطار التعبئة الوطنية الشاملة لإنجاح عملية 'مرحبا'، التي تحظى برعاية ملكية سامية، وتفعيلا لتعليمات وزارة إعداد التراب الوطني الرامية إلى تعبئة كل المصالح والمكونات المؤسساتية الجهوية، من بينها الوكالة الحضرية، وشركة 'العمران الجنوب'، والمديرية الجهوية للإسكان، والمفتشيتين الجهويتين لإعداد التراب والهندسة المعمارية. وأضاف بلالي أن الوكالة باشرت، بشكل استباقي، اجتماعات تنسيقية مع باقي الفاعلين، أسفرت عن اتخاذ مجموعة من التدابير الميدانية، منها إحداث فضاءات استقبال خاصة بمناطق العبور، لا سيما مطار الحسن الأول بالعيون، إلى جانب تفعيل شباك وحيد داخل الوكالة، تشرف عليه خلية خاصة تعنى بمواكبة مغاربة العالم إداريا واستثماريا خلال مقامهم الصيفي. وأشار إلى أن الخلية تضم أطرا من مختلف المديريات، وتعمل على ضمان سلاسة معالجة الملفات المتعلقة بالسكن، والرخص، والتخطيط، وكذا تسهيل المساطر العقارية والقانونية، مؤكدا أن 'كل هذه الجهود تندرج في إطار سياسة القرب وتكريس التفاعل المباشر مع مغاربة العالم'. من جهته، ثمن الدكتور طالب بويا زايدنا، المهتم بقضايا الهجرة، مبادرة الوكالة الحضرية، معتبرا أن اللقاء يندرج ضمن مقاربة تشاركية لإعادة فتح النقاش حول قضايا مغاربة الخارج، خصوصا خلال فترة الصيف التي تشهد توافدا مكثفا على الجهة. وأشار زايدنا إلى أن اللقاء ناقش قضايا أساسية تمس واقع مغاربة المهجر، وفي مقدمتها تبسيط المساطر الإدارية المرتبطة بالقانون 19.55، إلى جانب الإكراهات المرتبطة بالولوج إلى المعلومة، لا سيما ما يتصل بالمنصات الرقمية التي أحدثتها الوزارة، والتي 'لا تزال دون مستوى التطلعات'، حسب قوله. ودعا طالب بويا إلى ضرورة إحداث مكاتب للتوجيه والمواكبة داخل نقاط العبور، كالمطارات والموانئ، إلى جانب خلق خلايا تفكير جماعية تعمل على تقديم مقترحات عملية لتسهيل عودة واستقرار مغاربة العالم. أما الفاعل الجمعوي عبد الله الحيرش، فقد أبرز أهمية اللقاء في تعزيز جسور التواصل مع الجالية، مشيرا إلى أن اللقاء ناقش مجموعة من الإشكالات التي تواجه أبناء الجهة المقيمين بالخارج، خصوصا في ما يتعلق بولوجهم لفرص الاستثمار والسكن. وشدد الحيرش على ضرورة تعميم نتائج هذا اللقاء وتوصياته على أوسع نطاق، من أجل تحفيز الجالية على الانخراط في تنمية أقاليمها الأصلية، مؤكدا أن 'الرسالة وصلت، ونأمل أن تتوسع لتشمل كل جهات الجنوب، من العيون إلى الداخلة'. واختتم اليوم الدراسي برفع مجموعة من التوصيات العملية التي من شأنها تحسين ظروف استقبال مغاربة العالم، وتجويد الخدمات المقدمة لهم، مع التأكيد على أهمية الاستمرار في اعتماد مقاربة شمولية تجمع بين الرقمنة، والتواصل القريب، والتدبير المؤسساتي الفعّال. ويُعد هذا اللقاء نموذجا يعكس مدى التفاعل الجهوي مع التوجيهات الوطنية، ويبرز الدور المتنامي للوكالات الحضرية كمحاور أساسي في سياسات التعمير والتواصل مع المواطن، سواء داخل الوطن أو خارجه.


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
الإبهار.. في آيتي الليل والنهار
أمر الله تبارك وتعالى عباده أن يتفكروا في خلق السموات والأرض وما جعل الله فيهما من الآيات الباهرات، والدلائل البينات، والمعجزات القاهرات الدالة على عظمته وحكمته وكامل قدرته. وقد حوى الكون من هذه الآيات ما يبهر العقول القويمة والنفوس السليمة والفطر المستقيمة ويجعل الإنسان يقر بعظمة خالق الكون، ويؤمن به وبربوبيته وألوهيته. وكثير من آيات الله تخفى على الناس لشدة ظهورها، أو لدوام اعتيادها؛ فتغفل القلوب والعقول عنها.. ومن هذه الآيات ما دل الله عليه بقوله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء:12]، وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}(آل عمران: 190)، وقال: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}[يس:37]. فالليل آية من أعجب آيات الخالق سبحانه، ولذلك أقسم الله تعالى بها في كتابه أكثر من مرة، وبين فضله على عباده في وجودها وتقلبها وإتيانها وذهابها وتقلب الليل مع النهار، قال سبحانه: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس . والصبح إذا تنفس}[التكوير:17]، وأقسم به إذا غشِي الشمسَ حين تغيب: {والنهار إذا جلاها . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}[الشمس:4]، وإذا غطَّى الخلائق بظلامِه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى والنهار إذا تجلى}[الليل:1، 2]، وأقسم به إذا سكَن فأظلم: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}[الضحى: 2]. ومن عجيب صنع الله في هذه الآية ودلائل قدرته وقوَّته وإحكام مُلكِه أنه يدخل الليل في النهار والعكس، ويورد أحدهما على الآخر في سلاسة عجيبة وتدرج مبهر وانسيابية خلابة؛ حتى ينتقل الناس من أحدهما إلى الآخر بدون فزع أو خوف، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}[لقمان: 29]، وقال: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [يس: 37]. وخَلقُ الليل بعد النهار رحمة من الله بعباده، فإنه سبحانه جعل النهار للسعي في الأرض وطلب الرزق، والاجتهاد والعمل، ولابد لهم بعد التعب والنصب من السكون والراحة: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}[النبأ: 10ـ11]، وأخبر أنها رحمة منه بهم فقال: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}[القصص: 73]. {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}[غافر:61]. وقد كان سبحانه قادرًا أن يجعل حياتهم كلها ليلا بلا نهار أو نهارًا بلا ليل، ولو فعل ما قدر أحدٌ على تغيير خلقِه ومراده، ولكنه خلافُ الحكمةِ؛ كما بين ذلك جل وعلا بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)}[القصص:71]. والليل محل النوم.. والنومُ نعمة أخرى من نِعَم الله الجسيمة، يحتاجه الغنيّ والفقير، والكبير والصغير، والذكر والأنثى، وبِفضل من الله جعله يسيرًا في كلّ مكان، ويناله كلّ مخلوق بلا ثمَن، ليس بمتاعٍ يحمله المسافِر فيجهَد، ولا بذِي ثمَن يفقِد الفقيرُ ثمنَهُ فيحزَن، ولا ذِي عَرَضٍ يعجز الضعيفُ والصغير عن نقلِه. تُغمَضُ العينانِ فترتَفع الروح، فينالُ الجسدُ الراحةَ والسكون، قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}[النبأ: 9]. وهو من آيات الله العظيمةِ الدالةِ على قوَّته وجبروته، قال جلَّ شأنه: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[الروم: 23]. يميتُ البشرَ بالنوم ثم يوقِظهم متى شاء إذا شاءَ، ولا ينام هو لكمال حياته وقيوميته، فلا تأخذه سنة ولا نوم، وفي الحديث: (إنَّ اللهَ لا ينامُ ، ولا ينبغي له أن ينامَ ، ولكن يخفضُ القسطَ ويرفعُه ، يُرفعُ إليه عملُ اللَّيلِ قبل عملِ النَّهارِ ، وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ)[رواه مسلم]. واليقظة أيضا نعمة وكما أن النوم نعمة وآية فكذلك اليقظة بعد النوم آية أخرى من آيات ذي الجلال والإكرام؛ فإن النومُ قسيمُ الموت ويُذكِّرُ به، وهو وفاة صغرى، كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَ ٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر:42]. ومِن دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عند نومِه: (إن أمسَكت نفسي فارحمها)[متفق عليه].. وعند البخاري عن حذيفة بن اليمان قال: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا). فاليقظة بعد النوم حياة جديدة، فكم من نائمٍ ماتَ في نَومَته، وكم من نائم نام سنين طويلة كأصحاب الكهف، والعزير نبي الله، نام الأوائل ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ونام الآخر مائة عام، ولولا أن الله بعثهم من نومهم لما قاموا إلى يوم القيامة.. فاليقظة من النوم نعمة؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يشكر الله ويحمده إذا استيقظ.. كما في صحيح البخاري: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ). الليل كله نعم والليل محل نعم كثيرة، دنيوية وأخروية.. ومن نعم الله الشرعية في الليل: أن الصلاة فيه أفضل الصلاة بعد الفرائض؛ فقد روى مسلم في صحيح عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[رواه مسلم]. أن التأثر بالقرآن فيه أكبر، وتعلُّقُ القلوبِ فيه بالله أرجَى، قال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً}[المزمل:6]. فأمر الله رسولَه بالإكثارِ من الصلاةِ والتسبيحِ فيه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل:2]، وقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [الإنسان: 26]، واقتفى الصالحون أَثَرَه فـ {كانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:17ـ18]. أن فيه صلاةُ الوتر، واللهُ وِتر يُحبُّ الوتر، وصلاةُ آخر الليل مشهودة، ومن صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصفَ الليل، ومن صلَّى الفجرَ في جماعةٍ فكأنما قام الليلَ كلَّه. أن العبد يكون فيه أقرب إلى الله من غيره: فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر اللهَ في تلك السَّاعة فكُنْ) [رواه النَّسائي والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ]. ودعاء الليل مسموع، وأقرب للإجابة؛ خصوصا في جوف الليل ووقت السحر وقت النزول الإلهي فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل في ثلث الليل الآخر ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) [رواه البخاري]. وفي صحيح مسلم: (إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة). ودعوةُ المستيقِظ من اللّيل مع الذّكر مستجابَة، وصلاتُه مقبولة، قال عَليه الصّلاة والسّلام: (مَن تَعارَّ من الليل ـ أي: استيقظ ـ فقال: لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير، الحمدُ لله، وسبحانَ الله، ولا إلهَ إلاَّ الله، والله أَكبر، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بِالله، ثم قال: اللّهمّ اغفر لي، أو دعا إلا استُجِيبَ له، فإن توضَّأ وصلّى قُبِلت صلاتُه)[رواه البخاري]. وفي الليل ليلة القدر، وفيه بدأ نزول القرآن، ونزلت فيه آيات التوبة على الثلاثة الذين خلفوا، فقبول التوبة فيه أرجى من غيره. وهو جُنة المتعبدين، ومتعةُ القائمين، ومنحةُ المحبين، يخلون فيه برب العالمين، فالسعيدُ مَن تفكَّر في آياته، وانتفع بأوقاته، فأراح بدنه، وأراح قلبه ونفسه، وتقرب إلى ربه، واغتَنَم ساعاته بالقرُبات، وتزود فيه بالأعمال الصالحات ومجانبةِ السيَّئات.


مراكش الآن
منذ 2 أيام
- مراكش الآن
الجمعية اليوسفية بمراكش تحيي أجواء روحانية في 'يوم الدليل' بمدينة البيضاء
في أجواء إيمانية عامرة بالخشوع والمحبة، شاركت الجمعية اليوسفية للتراث والسماع وتلاوة دلائل الخيرات، برئاسة بلطاقي الحاج مولاي أحمد، في فعاليات 'يوم الدليل' الذي احتضنته الزاوية العلوية الشاذلية بمدينة الدار البيضاء، تحت إشراف الشيخ المهدي منصور حفظه الله. وتأتي مشاركة الجمعية اليوسفية ضمن جهودها المتواصلة في صون التراث الروحي المغربي والتعريف بجمالية فن السماع وتلاوة دلائل الخيرات، حيث شكل الحفل مناسبة متميزة للتلاقي بين مختلف الفرق والمجموعات المهتمة بالذكر والمديح. وقد نوهت الجمعية في تصريح رسمي بروعة التنظيم وحرارة الاستقبال، مؤكدة أن هذا الحدث الديني شكل لحظة استثنائية اتسمت بالصفاء الروحي، وجسدت أسمى معاني المحبة والوفاء لخير البرية، النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وشهدت المناسبة لحظات مؤثرة من الإنشاد الجماعي والصلاة على النبي، في مشهد روحاني بديع عكس عمق التعلق بالمرجعية الصوفية وثراء الموروث المغربي الأصيل في هذا المجال. وفي ختام مشاركتها، أعربت الجمعية عن شكرها العميق للقائمين على الزاوية العلوية الشاذلية، مشيدة بمبادرتهم في إحياء هذا اليوم المبارك، الذي يعزز من أواصر التراحم والتواصل بين أبناء المدرسة الروحية المغربية.