logo
أشرف النّاس… أخطر العملاء

أشرف النّاس… أخطر العملاء

محمد هادي صالح. شقيقه شهيد. ووالده في 'قوّة الرضوان'. وهو منشد دينيّ. له شهرة معقولة بين الناس. لكنّه يعمل لدى العدوّ الإسرائيلي: أيّ صورة أوضح من هذه؟
هو ليس وحيداً. تبيّن أنّ هناك كثيرين وكثيرات. رجالاً ونساء من داخل 'الحزب'. إحداهنّ في الهيئات النسائية كما يُشاع. وبعضهم يلبس عباءة 'الولاء'، ويكتب التقارير سرّاً.
لكنّ الصدمة ليست في فعل الخيانة، بل في البيئة التي جعلتها ممكنة: بيئة مغلقة، محصّنة بالوهم. مهووسة بالتفوّق. ومأخوذة بوهم الطهر السياسي: 'أشرف الناس'.
لم تُعطِ قيادة 'الحزب' جمهورها سلاحاً ومالاً فحسب. بل أعطتهم يقيناً بأنّهم: 'أشرف الناس'. بأنّهم مطهّرون ومعصومون. بأنّ مجرّد أن يكونوا مناصرين لـ'ولايه الفقيه'، علناً على الأقلّ، فإنّهم ليكونوا فوق الشبهات.
خلال السنوات الأخيرة، تحوّل الأمن الحزبي إلى شرطة رأي. يطارد الصحافيين. يهدّد الناشطين في الجنوب. يراقب عن كثب منشوراً على فيسبوك. ويفلت جحافل 'الجيش الإلكتروني' على 'إكس' لشتم أعراض أصحاب الرأي العلنيّ. ويقصف منزل ناشط في بعلبك لأنّه دعا إلى مأدبة غداء في بيته. في حين أنّ 'دود الخلّ منّو وفيه'. وكان المنشد الموقوف محمد هادي صالح يرسل أسماء القادة الجدد إلى الموساد الإسرائيلي، ليضيفهم إلى لوائح القتل.
بالطبع لم يخرج من بين المعارضين ولو عميلاً واحداً. كلّ العملاء خرجوا من عباءة 'الحزب' الضيّقة واللصيقة والمباشرة. أمّا المعارضون فكانوا وما زالوا وسيظلّون يختلفون في الرأي، لكن لا يقتربون من العدوّ ولا من العمل الأمنيّ أو العسكري.
ثغرة 'الحزب' في العقيدة.. وليس في الأمن
هنا تحديداً يكمن الفشل البنيويّ. حين تتحوّل المقاومة إلى سلطة. وتتحوّل السلطة إلى عبادة. ويُصبح النقد خيانة. بينما الخيانة تمرّ تحت عباءة 'الولاء'. ومن يصدّق أنّه فوق الشبهة، يتحوّل إلى ثغرة. ومن يظنّ نفسه منيعاً، يُصاب في مقتل.
'الحزب' في هذا المعنى لم يُحصّن نفسه. بل حوّل بيئته إلى قوقعة. لا تُفتَّش. لا تُحاسَب. لا تُسأل. ولم يجعل عداءه موجّهاً نحو العدوّ، بل نحو الداخل.
ما يتكشّف ليس ثغرة أمنيّة فقط. بل كارثة في العقيدة السياسية. كارثة في ترتيب الأولويّات. كارثة في تحويل البيئة إلى مَلَكية حزبية لا يطالها الشكّ. فكم 'منشداً' غير محمد هادي صالح يحمل خنجراً في حنجرته؟ وكم امرأة تعرف الأسرار وتخفيها خلف الشعارات؟ وكم عميلاً يغطّي خيانته براية المقاومة؟
تجريم الاعتراض السّياسيّ… وتربية 'العملاء'
المفارقة قاسية: 'الحزب' الذي جرّم المعارضين وشيطن المختلفين، هو نفسه من سلّم أمنه لأقرب المقرّبين، فقط لأنّهم من 'اللحم الحزبيّ'.
لقد خانهم خطابهم، قبل أن يخونهم المنشد. واليوم، المطلوب ليس القبض على العميل.
بل القبض على الوهم. فأن تكون مقاوماً، لا يعني أنّك منيع. ولا أنّ بيئتك معصومة.
ولا أنّ نشيدك أقدس من الحقيقة. فأخطر العملاء لا يأتون من البحر، بل من النبع. من أولئك الذين حفظوا الأناشيد عن ظهر قلب، لكنّهم باعوا القلب نفسه. من أولئك الذين أنشدنا معهم، وبكينا معهم، وصدّقناهم. وهم كانوا يجهّزون الطعنة. مستندين إلى خطاب عقائدي صنع وهماً جماعيّاً بأنّ 'البيئة' طاهرة، ومَن فيها فوق الشبهة.
العدوّ لم يخترق 'الحزب' من الخارج، بل دخل من بابٍ فتحه له 'أشرف الناس' بأنفسهم، حين شلّوا مناعتهم الداخلية، ووجّهوا أجهزتهم ضدّ من يعتبرونهم 'أعداء الداخل'، بدل أن يرصدوا الخطر الحقيقي الكامن في 'البيئة الحاضنة'.
كم عميلاً مثل محمد هادي صالح يعيش في هذا الجوّ من الحصانة؟ كم واحداً يعرف تحرّكات القادة، لكنّه لا يُسأل ولا يُحاسب، لأنّه فقط من العائلة 'الصحيحة'؟ وكم عميلاً نائماً تُطمئنه عقيدة التفوّق الحزبي، وتمنحه بطاقة 'الولاء' ليمرّ من الحواجز السياسية والأمنيّة؟
اليوم لا تكفي المحاكمات. المطلوب أكبر: مراجعة جذريّة للخطاب العقائدي. والاعتراف بأنّ الأمن لا يُبنى بالولاء وحده، بل بالمساءلة. وبأنّ تخوين المعارضين هو الخطيئة الكبرى. لأنّه ضيّع البوصلة.
المطلوب إعادة النظر في كلّ هذه المنظومة: في خطاب التقديس، في فكرة 'الاستثناء'… وفي وهم 'الطهر السياسي'.
محمد بركات - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يزعم إغتيال حسين نزيه برجي.. مَن هو؟
الجيش الإسرائيلي يزعم إغتيال حسين نزيه برجي.. مَن هو؟

تيار اورغ

timeمنذ 7 ساعات

  • تيار اورغ

الجيش الإسرائيلي يزعم إغتيال حسين نزيه برجي.. مَن هو؟

كتب المتحدث بإسم جيش الإحتلال أفيخاي أدرعي على منصة "إكس": "عملية استهداف جديدة: جيش الدفاع يواصل القضاء على عناصر ومن بينها عنصر في حزب الله من مجال انتاج الوسائل القتالية في لبنان". وأضاف أدرعي: "تتولى المديرية مسؤولية تطوير وإنتاج وصيانة الوسائل القتالية وتوسيع قدرات التموين في الحزب الإرهابي. منذ انشائها أدارت المديرية مشاريع عديدة لانتاج الوسائل القتالية بما فيها انتاج الصواريخ الدقيقة". وقال: "وكان حسين نزيه برجي يعمل مهندسًا ذو خبرة طويلة في التنظيم وتولى مسؤولية انشاء بنى تحتية لانتاج صواريخ أرض أرض دقيقة حيث هدفت عملية استهدافه إلى ضرب جهود اعمار حزب الله بعد حملة سهام الشمال". وختم: "شكلت أنشطة برجي خرقًا فاضحًا لاتفاق التفاهمات بين إسرائيل ولبنان. سيواصل جيش الدفاع العمل لإزالة كل تهديد على دولة إسرائيل".

هل ساهمت واشنطن في 'تأهيل الشرع'؟.. رد دمشق الحازم يكشف الحقيقة
هل ساهمت واشنطن في 'تأهيل الشرع'؟.. رد دمشق الحازم يكشف الحقيقة

لبنان اليوم

timeمنذ 10 ساعات

  • لبنان اليوم

هل ساهمت واشنطن في 'تأهيل الشرع'؟.. رد دمشق الحازم يكشف الحقيقة

في ردّ لافت على تصريحات السفير الأميركي السابق لدى دمشق، روبرت فورد، التي أثارت جدلًا واسعًا خلال الساعات الماضية، أكّد وزير الخارجية السورية، أسعد الشيباني، اليوم الأربعاء، أن زيارات فورد السابقة إلى سوريا كانت تهدف إلى 'الاطلاع على التجربة الثورية السورية' في مناطق المعارضة. وجاء تصريح الشيباني عبر حسابه على منصة 'إكس'، حيث قال: 'زيارات السيد روبرت فورد، كما غيره من الوفود الأجنبية، كانت جزءًا من محاولة فهم التجربة الثورية السورية عن قرب، والاطلاع على واقعها في المناطق المحررة وتطورها عبر المراحل المختلفة.' وتعليقًا على المستجدات السياسية، أضاف الشيباني: 'ما حدث في الثامن من كانون الأول هو إنجاز سوري خالص، تتويج لتضحيات شعبنا الذي صمد طويلًا رغم الخذلان، ودفع ثمنًا باهظًا لنيل حريته وكرامته.' وأكد الوزير على أهمية استثمار المناخ السياسي الإقليمي والدولي الحالي، معتبرًا أن الأولوية اليوم تكمن في إعادة بناء سوريا، مع التشديد على عدم الالتفات إلى محاولات التشويش على قدرات السوريين وقيادتهم. فورد يتحدث عن 'تأهيل الشرع'… ودمشق تنفي وكان السفير الأميركي السابق، روبرت فورد، قد صرّح في مقابلة إعلامية أن للولايات المتحدة دورًا غير مباشرًا في تأهيل الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، لافتًا إلى أن مشاركته السياسية جاءت عبر منظمة بريطانية غير حكومية مختصة بحل النزاعات. وقال فورد: 'كنت أعمل في العراق بين عامَي 2000 و2003، حيث كان أحمد الشرع آنذاك أحد القادة البارزين في تنظيم القاعدة شمالي العراق. ومنذ عام 2023، بدأت بالتعاون مع منظمة بريطانية تهدف إلى نقله من بيئة الجماعات المسلحة إلى العمل السياسي.' إلا أن مصدرًا رسميًا في الحكومة السورية نفى هذه الرواية بشكل قاطع، مؤكدًا في تصريح لموقع 'سكاي نيوز عربية' أن تصريحات فورد لا تتطابق مع الواقع، ولا تعكس ما جرى فعلًا خلال اللقاءات أو المشاورات السابقة، مشيرًا إلى أنها 'تحريف للوقائع'.

بالفيديو: غارة معادية على عين بعال
بالفيديو: غارة معادية على عين بعال

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 10 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

بالفيديو: غارة معادية على عين بعال

انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... استهدفت غارة إسرائيلية صباح اليوم الأربعاء سيارة في بلدة عين بعال الواقعة في قضاء صور جنوب لبنان وفي هذا الإطار، أفادت معلومات صحافية عن سقوط شهيد جراء الاستهداف الإسرائيلي. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store