logo
فاطمة سعد... حين يصبح الصوت حياةً كاملة

فاطمة سعد... حين يصبح الصوت حياةً كاملة

النهارمنذ 4 أيام

في الطفولة، لا نتذكر فقط الرسوم، ولا أسماء الشخصيات، بل شيئاً أعمق، أكثر التصاقاً بالذاكرة الصوت، صوتاً يدخل القلب قبل أن نفهم معناه، ويصير لاحقاً جزءاً من وعينا العاطفي واللغويّ. وفي ذاكرة جيلٍ عربي كامل نشأ في تسعينيات القرن الفائت وبداية الألفية، يتردّد اسمٌ واحد كلما صعد صوت المغامرة، أو دمعت عيون الشخصية على الشاشة: فاطمة سعد.
وُلدت فاطمة قدورة سعد في دمشق يوم الأحد، الموافق لـ15كانون الثاني/يناير 1956. نشأت في بيئة دمشقية محافظة، غير أن صوتها كان يتمرّد من خلف الستار، يبحث عن التعبير والتجسيد. بدأ مشوارها المهني في عالم الدبلجة (أو كما كان يُطلق عليه قديماً "التلسين") عام 1978، وذلك من مبنى الإذاعة القديم في دمشق، حيث شاركت في دبلجة المسلسلات الروسية. ثمّ انتقلت تدريجياً إلى العمل في دبلجة الأفلام السورية، قبل أن تجد مساحتها الكبرى ومجدها الحقيقي في دبلجة الرسوم المتحركة.
رحلت فاطمة سعد بهدوءٍ يشبه صوتها، مساء السبت، وأعلنت نقابة الفنانين السوريين وفاتها رسمياً صباح الأحد، عن عمر ناهز الـ 59 عاماً، بعد مسيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود من العطاء الفني الصادق والمتواصل.
لقد كانت صوت "ماوكلي" فتى الأدغال، ذاك الطفل الذي ربّته الذئاب في غابة بعيدة، والذي حمل صوته نبرة الوحدة والبطولة والدهشة في آنٍ معاً. لكن حضورها تجاوز ذلك، إذ أدّت عشرات الشخصيات في مسلسلات شكّلت الوعي البصري واللغوي لأكثر من جيل: أبطال الديجيتال، لحن الحياة، القنّاص، كابتن ماجد، هزيم الرعد، أنا وأخي، سلاحف النينجا، وهمتارو، وغيرها الكثير من الإنتاجات التي عرضت على شاشة "سبيستون" وقنوات عربية أخرى.
لم تكن تؤدّي صوتاً فقط، بل كانت تنقل الأحاسيس بكلّ صدق. كانت توصل الفقد حين يغيب أحد الأصدقاء، الحيرة حين تقف الشخصية أمام خيار مصيري، البهجة الطفولية، وحتى الضحكة العابرة. كل ذلك بنبرة لا تشبه سواها، نبرة "فاطمة سعد" التي كانت، بحق، حجر الأساس في مدرسة الدبلجة السورية.
وبعيدًا عن الاستوديو، شاركت فاطمة في دورتين تخصصيتين في الإخراج الإذاعي في مركز التدريب التابع لاتحاد إذاعات الدول العربية، مما منحها معرفة تقنية عميقة ساعدتها على صقل أدائها. كذلك كانت حاضرة بصوتها أيضاً في أعمال إذاعية شهيرة أبرزها: "حكم العدالة" و"ظواهر مدهشة"، وهما من أنجح الأعمال الدرامية الإذاعية التي قدمتها إذاعة دمشق لسنوات طويلة.
جسدت الراحلة أيضاً شخصية "سمية بنت الخياط" في المسلسل التاريخي "عمر"، لتؤكد أنها لم تكن محصورة في الأداء الصوتي فقط، بل ممثلة تمتلك أدواتها الكاملة.
لكنها بقيت بعيدة عن الأضواء، تفضل أن تُعرف من خلال صوتها، لا صورتها. لم تكن من الساعين إلى المقابلات أو الشهرة، بل من المؤمنين بأن الفن الحقيقي يُصنع في الخفاء، ويظهر في قلوب الناس لا على أغلفة المجلات.
ومع إعلان وفاتها، تدفقت رسائل الحزن والأسى من زملائها في الوسط الفني، ممن عاشوا معها سنوات العمل والطفولة الصوتية المشتركة. كتب الممثل السوري مروان فرحات، الذي شاركها الأداء في كثير من الأعمال: "رفيقة الدرب الغالية... غيابك موجع، لا يُعوّض. اشتغلنا وعشنا معاً سنوات من الحلم والعمل. لن يُنسى صوتك، ولن تُنسى ذكرياتنا".
أما آمال سعد الدين فكتبت عبر إنستغرام":العزيزة الراقية الحنونة... السيدة فاطمة سعد في ذمة الله. الله يرحمك يا حبيبتي. كنتِ أختاً وصديقة وصوتاً لا يُنسى". ونعى أيمن رضا الراحلة عبر صفحته في "فايسبوك" بقوله: "فاطمة سعد في ذمة الله. الله يرحمها والعزاء لأهلها. كانت إنسانة طيبة وفنانة صادقة".
السيناريست رامي كوسا عبّر عن ألم الفقد بقوله: "موجع فقدك.. شكراً لأنك كنتِ شريكة في بدايات حلوة، سأظل أستعيدها كما أستعيد ضحكاتك العريضة التي تملأ الفراغ بهجةً"، في حين كتب قاسم ملحو: "رحيل المبدعة فاطمة سعد، صاحبة الصوت التمثيلي في دوبلاج الرسوم المتحركة، والذي رافق أجيالاً عديدة. ستبقى خالدة في الذاكرة".
لقد كانت فاطمة سعد صوتاً وضميراً فنياً. لم تسعَ إلى البطولة الظاهرة، لكنها كانت بطلة من نوع خاص: بطلة الأثر، بطلة الذاكرة، بطلة الطفولة التي تربّت على نبرتها، فارتبطت أصواتها فينا بمفاهيم الخير، والعدالة، والانتصار، والصداقة.
في زمن تتبدّل فيه الموجات والنجوم، يبقى صوت فاطمة سعد ثابتاً كمنارة على شاطئ الذاكرة، لا تغيب مهما هبّت العواصف. صوتٌ لا يُنسى، حتى وإن انطفأ الجسد، سيظل يتردّد في قلوبنا كلما قال أحدنا: ماوكلي... أوه، لقد كان ذلك صوت فاطمة سعد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فنانة شهيرة تتمنى أن "تموت محجبة".. من هي؟
فنانة شهيرة تتمنى أن "تموت محجبة".. من هي؟

ليبانون 24

timeمنذ 6 ساعات

  • ليبانون 24

فنانة شهيرة تتمنى أن "تموت محجبة".. من هي؟

فتحت الفنانة مروة عبد المنعم قلبها وتحدثت بصراحة عن الصراع الداخلي الذي تعيشه بين حبها العميق للفن منذ الطفولة، واشتياقها الروحي للتقرب من الله وارتداء الحجاب. وخلال لقائها في برنامج "قعدة ستات" مع الإعلامية مروة صبري ، اعترفت مروة بأنها كانت قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ قرار ارتداء الحجاب، لكنها ترددت خوفًا من التراجع لاحقًا، قائلة: "خفت ألبسه وأقلعه بعد كده.. ويا رب أموت محجبة وشهيدة". وأشارت إلى أنها على يقين بأن الحجاب فريضة، لكنها تواجه انتقادات قاسية: "الناس كفّروني لأني مش محجبة، بس أنا مؤمنة بعبادة جبر الخواطر.. العبادة مش بس صوم وصلاة". وأضافت: "أنا مؤمنة إني هتعاقب على تأخير الحجاب، بس يمكن ألبسه قبل ما أموت بيوم". وأكدت أن والدتها تساندها معنويًا وتدعو لها باستمرار، وتقول لها: "كمّلي طيبتك بالحجاب"، مشددة على أنها مؤمنة بأن رزقها سيزيد بعد اتخاذ القرار: "ربنا هيختبرني". ورغم أمنياتها الروحية، لا تزال مروة مرتبطة بعالم التمثيل، مؤكدة: "لقيت نفسي لسه بحب التمثيل.. ولو جاتلي أدوار، يا أعملها وأنا محجبة يا أرفض.. بس الشيطان بيحاول يخليني أبرر لنفسي حاجات كثير". (فوشيا)

إطلالة مميزة لليال الإختيار في حفل مؤسسة ماي شدياق
إطلالة مميزة لليال الإختيار في حفل مؤسسة ماي شدياق

الديار

timeمنذ 8 ساعات

  • الديار

إطلالة مميزة لليال الإختيار في حفل مؤسسة ماي شدياق

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب شاركت الإعلامية اللبنانية ليال اختيار صورا عبر صفحتها على انستغرام من حفل مؤسسة ماي شدياق الذي أُقيم في دبي. في الحفل، اختارت ليال إطلالة فاخرة، حيث ارتدت فستاناً أحمر ضيقاً على الجسم من تصميم نور فتح الله. كما اعتمدت تسريحة شعر وايفي منسدلة، واختارت بعض المجوهرات الفضية الفخمة التي تميزت بلون أحمر داخلي. وما إن شاركت ليال منشورها حتى انهالت التعليقات من متابعيها، الذين تغزلوا بها بكلمات مثل: "جمالك"، "منورة"، "برنسيس"، و"ملكة جمال".

تطورات جديدة بشأن إحالة ابن محمد رمضان الى دار رعاية.. هذا ما كشفه المحامي
تطورات جديدة بشأن إحالة ابن محمد رمضان الى دار رعاية.. هذا ما كشفه المحامي

الديار

timeمنذ 8 ساعات

  • الديار

تطورات جديدة بشأن إحالة ابن محمد رمضان الى دار رعاية.. هذا ما كشفه المحامي

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كشف أحمد الجندي، محامي نجل الفنان المصري محمد رمضان، أن أسرة الطفل المشتكية في حق موكله تسعى لابتزاز رمضان ومساومته للحصول على تعويض، لأنه نجم. وقال الجندي خلال لقاء له مع برنامج "ET بالعربي": "مفيش خناقة، أطفال في نادي بيلعبوا مع بعض، والأطفال تنمّروا على ابن محمد رمضان وقالوا له إنت إسود زي أبوك، فحصل خلاف بين الأطفال وتدافع، موضوع عادي جداً بيحصل في النادي". وتابع: "علشان والد الطفل نجم الموضوع اتصعّد، والطرف الثاني اشتكى وراح نيابة ومحكمة، ومؤخراً في الجلسة كانوا جايين يطلبوا تعويض، واضح إن الهدف الأساسي يطلبوا تعويض طمعاً في محمد رمضان مش أكثر، والأهداف من وراء هذا الكلام ابتزاز ومساومة محمد رمضان، وده ظهر في الجلسة إمبارح". ورداً على سؤال حول احتمال الصلح بين الطرفين، قال محامي محمد رمضان: "محدّش يكره الخير، لكن أسرة الطفل هدفها مادي، إزّاي ندفع حاجة على حاجة محصلتش؟ وإلا هنفتح المجال لأي حد يبتز محمد رمضان، ويتوجه ببلاغ ضده أو ضد أي حد من أهله". وأوضح المحامي أحمد الجندي سبب توجّهه للطعن في حكم المحكمة بإيداع نجل محمد رمضان دار رعاية قائلاً: "هو حكم غيابي صدر في غياب الدفاع، من غير مناقشة الطفل ولا سماع دفاعه، ونعتبره إخلال بحق الدفاع واستعجال في البت في الدعوى بدون سماع الأطراف وتمحص وجوه الشهود ومراجعة المستندات والكاميرات". وأضاف: "هنتقدّم بشكوى لهيئة التفتيش القضائي، وهنطعن على الحكم بالطرق القانونية، وبإذن الله تتحدّد جلسة جديدة ويحضر علي نجل محمد رمضان، وبإذن الله يثبت براءته". وكشف الجندي عن تأثير الحكم في الفنان محمد رمضان، والذي قال: "محمد حزين، مش كفاية اللي بيتعمل معايا... ابني كمان، ويا ريته راجل كبير، ده طفل عمره 10 سنين".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store