
الراية فلسطينية والنصر للكوفية
هند بنت سعيد الحمدانية
ترفع الرايات في المعارك منذ الأزل، وتُفدى بالأرواح والأبدان، ويُلاذُ بها ويلتف حولها الجنود والجيوش؛ فهي رمز النصر القادم والحافز الأعظم الذي يُحرك ويُلهب مشاعر الجيوش نحو الصمود والكفاح والسعي للكرامة والنصر.
فها هي معركة مؤتة أعظم معارك المُسلمين تُخلِّد لوحة مهيبة في المقاومة والنضال؛ حيث يُواجه ثلاثة آلاف من المسلمين جيشًا كبيرًا من الروم وأنصارهم من العرب قوامه 200 ألف مقاتل، في مشهد جلل خلده التاريخ يأخذ راية المسلمين زيد بن حارثة ويذود عنها حتى يُقتل طعنًا بالرماح، ثم يمسك بالراية جعفر بن أبي طالب، فتقطع يمينه فيمسكها بشماله فتقطع، ثم يحتضنها بعضديه حتى يقتل في سبيل الله، فيأخذ راية المسلمين عبدالله بن رواحة ويتقدم بها وهو يقول: "أقسمت يا نفس لتنزلنه.. لتنزلن أو لتكرهنه.. إن أجلب الناس وشدوا الرنة.. مالي أراك تكرهين الجنة.. قد طال ما قد كنت مطمئنة.. هل أنت إلا نطفة في شنة".
عرف الجاحظ الرايات في كتاب "البيان والتبيين" فقال: "هي خُرَقٌ سود وحمر وصفر وبيض" ويُفهم من الجاحظ أنَّ الرايات في الأصل ما هي إلا قطعٌ من القماش ذات مقاساتٍ وألوانٍ مختلفة، لكنها تختص برمزيتها العميقة التي تلامس الإنسان وجذوره المُمتدة في الأرض.
ولا شيء يستحق الذكر عندما نذكر الإنسان والأرض سوى الإنسان الفلسطيني وجذوره الممتدة في كل شبر من أرض فلسطين، ورايته التي أصبحت ترفرف في سماء كل بلدان العالم بعد صحوة الوعي العالمي التي سجلها طوفان الأقصى المبارك والتي ما زالت تجوب كل شعوب العالم الحر من مشارق الأرض ومغاربها، رافعة العلم الفلسطيني ومكتسية الكوفية الفلسطينية، منددة الظلم والطغيان والإبادة هاتفةً باسم الحرية لفلسطين والحرية لغزة؛ فمئات الآلاف من أحرار العالم مستمرين في التظاهر ومتشبثين براية فلسطين وكوفيتها رغم كل التهديدات التي تطالهم والاعتقالات الجائرة في ساحات المدن والشوارع وداخل الجامعات، ومع ذلك فما زالت الكوفية تتربع صدور أشهر الفنانين العالميين، وما زال العلم الفلسطيني يرفرف فوق أبراج وبنايات مُعظم بلدان العالم، وما زالت جماهير كرة القدم تشكل الراية الفلسطينية في المجمعات الرياضية وتهتف بالحرية لغزة الأبية، العلم الفلسطيني لن يسقط والكوفية أصبحت أيقونة عالمية للصمود والحق والحرية.
ولعلَّ الحادثة المؤلمة والتي حدثت ضمن الإضراب العالمي للتضامن مع غزة، وأودت بحياة الشاب الشجاع التونسي فارس خالد أثناء محاولته رفع علم فلسطين فوق أعلى نقطة في إحدى البنايات مما أدى إلى سقوطه ووفاته، فيظهر والده مُحتسبًا وفخورًا مُخاطبًا المقاومة الفلسطينية في غزة بقوله: "ها قد أتاكم أخوكم"، ثم تُصِر والدته أن تشيع جنازته مكتسيةً بالعلم الفلسطيني.
ترفرف الراية الفلسطينية في سماء الحرية وتتوشح الأكتاف والصدور الكوفية الفلسطينية، والنصر وعدٌ من الله وفي الكتاب مذكور، لكن يبقى السؤال: ما دوري أنا العربي المسلم في هذه المعركة الدامية؟! معركة غزة ضد كل قوى الظلم والطغيان، العدو فيها بات معروفًا وواضحًا ووقحًا من الصهاينة واليهود والغرب والعرب. وهناك في الجانب الآخر في القطاع الضيق المُحاصر وحيدة غزة في معركتها الأخيرة وجيشها العزيز الراسخ الذي بات معروفًا وواضحًا أيضًا أمام كل أنظار العالم بجنوده المستضعفين من الأجنة والأطفال والنساء والرجال والبنات والبنين، وبقيت الراية الفلسطينية الفرض الذي حُق على جميع الأحرار حمله ورفعه، دوري ودورك أن نرفع الراية في كل محفل وغاية ونكتسي الكوفية الفلسطينية شرفًا وتحديًا وموقفًا؛ فالشاعر يرفع الراية في كل قصيدة وعند مطلع كل بيت، والرسَّام يرسم الراية في لوحة من الفن والنضال، والمُعلِّم يرفع الراية بين مقاعد الدراسة وفي أذهان طلابه، والكاتب يرفع الراية بين أسطر مقالاته، والأم والفنان والمطرب والملحن والسياسي جميعهم يرفعون الراية إلى أن تتحقق الآية: "
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
" (الحج: 40).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 2 أيام
- جريدة الرؤية
حين يعلو صوت الحنين
سهام بنت أحمد الحارثية harthisa@ الفقد ليس لحظة، بل عمرٌ جديد يبدأ دون من نحب... هو الامتحان الأعظم الذي تواجهه الأرواح، حين تُنتزع قطعة منها لا تُعوّض، ويرحل من كان ظلًا وسندًا ودعاءً لا ينقطع، وفي هذا المقام المهيب، وقفت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها-، تكتب بالكلمات ما تعجز عنه الحواس، وتُسطّر من الحزن ما لا تبلغه الدموع، مودّعة والدتها المرحومة السيدة خالصة بنت نصر البوسعيدي، التي ارتقت روحها إلى بارئها، وخلّفت في القلب فراغًا لا يملؤه سوى الرجاء. إنه فقد الأم… ذلك النوع من الرحيل الذي لا يُعلّم، ولا يُدرّب عليه الإنسان؛ بل يسكنه بغتة، كزلزال لا ينذر، ويقلب تفاصيل الحياة رأسًا على عقب، حين تغيب الأم، يغيب الأمان، ويغيب ذاك الحضن الذي وإن طال البعد عنه، يكفي أن نعلم بوجوده.. ويغيب الدعاء الصادق الذي يسبقك في كل صباح ومساء، دون أن تدري. لكن السيدة الجليلة لم تكتب من حطام الحزن؛ بل من نور الإيمان.. كتبت من مقام الرضا، لا الانكسار، ومن قمة الصبر، لا هوة الألم، واجهت الفقد بالكلمة، وسلّحت قلبها بالدعاء، وفتحت دفاتر البرّ، وقرأتها على الله، تسأله أن يُجزل الجزاء، ويعلي المقام، ويرزقها اللقاء. لقد كتبت عن والدتها لا لتُرثيها؛ بل لتشهد لها، لتُخبر الدنيا أن هذه الروح التي مضت، لم تكن كأي روح.. كانت يدًا خفية في الخير، وصوتًا لا يُسمع لكنه يصل، ووجهًا باسمًا في زمنٍ شحيح بالطيبة… كانت من أولئك الذين يمشون على الأرض في هدوء، لكن أثرهم لا يغيب، وسيرتهم لا تُنسى. واجهت السيدة الجليلة فداحة الفقد كما لا يفعل كثيرون؛ لم تتكئ على الحزن؛ بل على الذكرى الطيبة، ولم تنهَر أمام الموت، بل رفعت بصرها نحو السماء، وقالت: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ". في كلماتها عزاء لكل من فقد، ولكل قلبٍ انفطر على رحيل أم، ولكل نفسٍ تبحث عن عزاء لا يأتي من الناس، بل من الله وفي كلماتها درس أن الفقد لا يُواجه بالبكاء فقط، بل بالتسليم، وأن الوفاء لا يكون بالنداء، بل بالدعاء، وأن الكلمة إذا خُطّت بصدق، صارت دعاءً، وإذا سُكبت من الحنين، صارت صلاةً. وأقول يا سيدة القلوب الراضية.. نسأل الله أن يربط على قلبك، ويجبر كسرك، ويجعل حزن قلبك رفعةً، وصبرك نورًا، وأن يُريك في كل ذكرى من والدتك ما يُبهج، وفي كل دعاء لها ما يُطمئن، اللهم اجعل هذا الفقد شاهدًا على محبتها، وهذا الصبر دليلًا على بِرِّها، واملأ قلبها سكينةً لا تنفد، ورضًا لا ينطفئ، وأجرًا لا ينقطع.


جريدة الرؤية
منذ 2 أيام
- جريدة الرؤية
السيدة الجليلة ترثي والدتها: كانت جبلًا من الصبر مُتجردة من زُخرف الترف
الرؤية- غرفة الأخبار نعت السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها- والدتها السيدة خالصة بنت نصر بن يعرب البوسعيدي، التي وافتها المنية يوم الإثنين الماضي، وارتقت إلى "جوار بارئها في لحظةٍ امتزج فيها الفقد بالتسليم، والحزن بالرجاء، مستبشرة برحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء"، بحسب بيان رسمي صادر عن السيدة الجليلة- أبقاها الله. وجاء في بيان النعي: "كانت النية البيضاء التي يعلمها رب العباد، ومد يد العون، والخبايا الصالحة، ساعيةً للجود والإحسان، سعي من يرجو فضل الله تعالى، تفيض بعطاءٍ لا يُرى، وبدعوات لا تُسمع، وتتصل حيث يُرجى آثارها، ويُجزى عند الله سعيها". وتابع البيان مُعدِّدًا مآثر الفقيدة: "لقد عاشت في بساطة متجردة من زخرف الترف، كأن أيامها نُسجت من خيوط الفطرة الأولى. لم تعرف روحها التكلف؛ بل مضت بخطى وئيدة يسندها الرضا، عالمها صفاء يعانق الروح واستقرار ينبع من صميم الإنسانية الخالصة. نفسها تأنس إلى البساطة أنس الطيور إلى فضائها. ومضى البيان قائلًا: "كانت جبلًا من الصبر، وركنًا للثبات. لقد اختبرتها الحياة، فكانت الجواب الجميل في كل امتحان، والمثال الرفيع للصبر والجَلد. وفي مرضها الأخير، ظلت روحها كما عاهدناها: معطاءًة، مُطمئنة، متوشحةً بالصبر، قريرةً بالرضا، مؤمنة بما كتب الله، لا تئن ولا تشتكي؛ بل تُسلِّم وتحمد وتشكر". واختتم البيان بالقول: "أقفُ على أعتاب الدعاء، أطرق باب الكريم الذي لا يرد سائلًا، أتضرع إليه بعين الرجاء أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأن يفتح لها بابًا من نور لا يُغلق أبدًا، وأن يجعل كل يدٍ أعانتها، وكل معروف أسدته، وكل ابتلاءٍ مرت به، شاهدًا لها لا عليها، وسببًا لرفعة درجتها، وبلاغًا لمقامها عند رب رحيم، وأن ينزلها منزلًا مباركًا؛ حيث لا ألم ولا فقد، ولا فناء، دار القرار، ودار الأبرار، والمقام الآمن، الذي لا يعقبه فزع، ولا يليه وداع". اللهم اجعلها من صفوة أوليائك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من السابقات إلى الخيرات، ومن الفائزات، المستبشرات بالرضوان. ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمدلله حمد الصابرين، الشاكرين المحتسبين.


جريدة الرؤية
منذ 3 أيام
- جريدة الرؤية
سفارتنا في كوريا تحتفي بـ"شجرة اللبان العُمانية"
سول- العُمانية نظمت سفارة سلطنة عُمان في جمهورية كوريا، أمس فعالية مميزة لزراعة شجرة اللبان العُمانية، إضافة إلى زهرة السُّلطان قابوس بن سعيد- طيّبَ اللّٰهُ ثراه- وزهرة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه اللّٰهُ ورعاه- وزهرة السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها- في حديقة سول للنباتات؛ وذلك في إطار جهود السفارة المستمرة لتعزيز التبادل الثقافي والبيئي بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا، وتسليط الضوء على الروابط التاريخية العميقة التي تجمع سلطنة عُمان وجمهورية كوريا. وشهدت المناسبة حضور العديد من الشخصيات العامة والمسؤولين الذين شاركوا في زراعة الأشجار وفي مقدمتهم سعادة كيم هيونغ دونغ عضو الجمعية الوطنية ونائب رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الكورية- العُمانية، وسعادة تشونغ كوانغ يونغ المدير العام لمكتب شؤون أفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الشؤون الخارجية الكورية، وسعادة كيم تشانغ مو رئيس الجمعية الكورية- العربية، ومديرة حديقة سيئول للنباتات، وعدد من السفراء المعتمدين في جمهورية كوريا. وأعرب سعادة الشيخ زكريا بن حمد هلال السعدي، سفير سلطنة عُمان لدى جمهورية كوريا عن شكره للضيوف لحضورهم هذه المناسبة، وأشار إلى أن هذه الفعالية كانت مقررة العام الماضي احتفالاً بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا، ولكن إجراءات الحجر الصحي المتعلقة بالنباتات حالت دون تنفيذ الحدث في وقته. وأعرب عن تقديره لوكالة الحجر الصحي والنباتي في جمهورية كوريا، وحديقة سيئول النباتية وشؤون البلاط السُّلطاني (الحدائق والمزارع السُّلطانية) في سلطنة عُمان على تعاونهم وتفانيهم في تحقيق هذا الحدث. وأكد سعادة السفير على أهمية هذه المناسبة، واصفاً إياها بأنها تجسد قيم التعاون والحوار الحضاري، وقال "إن زراعة هذه الأشجار والزهور ليس مجرد فعل رمزي، بل تعكس التزامنا بالحفاظ على التراث الطبيعي والتاريخي لسلطنة عُمان". وأشاد سعادته بالروابط التاريخية بين البلدين، مؤكداً على امتدادها منذ عهد مملكة شيلا الكورية، مشيراً إلى وجود لبقايا من اللبان العُماني في معبد في مدينة كيونغجو في كوريا والتي تعود إلى أكثر من ألف عام وهذا خير دليل على عمق التبادل التاريخي والتجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا. بدورها، أعربت مديرة حديقة سيئول النباتية، عن امتنانها لجهود سفارة سلطنة عُمان في سيئول، مشيدة بالمبادرة التي تقدم رموزاً متجذرة في التراث العُماني، مؤكدة على أهمية الاستمرار في العناية بهذه النباتات لضمان نموّها الصحي في الحدائق الكورية. ويؤكد هذا الحدث التزام سلطنة عُمان بتعزيز الحوار الحضاري والتعاون البيئي من خلال مبادرات خلاقة تسلط الضوء على كنوزها الطبيعية القيّمة. وتشير إلى عمق التواصل الحضاري والتاريخي بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا منذ ألف عام.