logo
بعد ثلاثة عقود على اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، كيف ينظر الطرفان إلى مستقبل معاهدة وادي عربة؟

بعد ثلاثة عقود على اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، كيف ينظر الطرفان إلى مستقبل معاهدة وادي عربة؟

الوسط٢٩-١٠-٢٠٢٤

Google
الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يتوسط مصافحة ملك الأردن الحسين بن طلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في أكتوبر/تشرين أول 1994
ثلاثون عاماً مرّت على المصافحة التاريخية بين ملك الأردن السابق الحسين بن طلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، في صورة جمعتهم عند المنطقة الفاصلة بين البلدين في وادي عربة جنوبي الأردن.
لم تكن مجرّد صورة جمعت ساسة كبار، بل "احتفالية" تاريخيّة رسمت مستقبل المنطقة لثلاثين عاماً أو أكثر، وقّع خلالها الأردن وإسرائيل اتفاقية سلام برعاية أمريكية، اشتملت على 14 بنداً تناولت قضايا محورية مثل الحدود والأمن والمياه، فضلاً عن علاقات الجوار وملف اللاجئين والقدس.
بدأت المحادثات بين الأردن وإسرائيل عام 1994، عندما أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ووزير الخارجية شمعون بيريز الملك حسين بن طلال بأن الأردن قد يُستبعد من عملية السلام بعد اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وتحت ضغط الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، بدأ الأردن خطوات جدية نحو توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. كانت هذه الجهود علامة فارقة في تاريخ المنطقة، حيث سعت الولايات المتحدة إلى دعم عملية السلام وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي 25 يوليو/تموز 1994، جرى توقيع إعلان واشنطن في العاصمة الأمريكية، حيث وضع كل من رابين وحسين وكلينتون توقيعاتهم على وثيقة تاريخية. مثّلت هذه المعاهدة نقطة تحول في العلاقات بين الدولتين، وجعلت الأردن ثاني دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر.
في يوليو/تموز 1994، أعلن رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي عن "نهاية عصر الحروب"، ليعبر شمعون بيريز عن تفاؤله بقوله إن "الوقت قد حان من أجل السلام". وبدعوة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، اجتمع إسحاق رابين والملك حسين رسميًا في البيت الأبيض، مما أرسى الأسس لتوقيع معاهدة السلام.
وفي 26 أكتوبر/تشرين أول 1994، جرى التوقيع على المعاهدة خلال حفل أقيم في وادي عربة، حيث وقع رابين والمجالي المعاهدة في حضور الملك حسين والرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمان. شهد الحفل أيضًا وجود كلينتون ووزير الخارجية وارن كريستوفر، واختُتم بإطلاق آلاف البالونات في السماء.
Google
إطلاق بالونات في الهواء خلال مراسم توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في وادي عربة
يؤكد عضو مجلس الأعيان الأردني، محمد داوودية، وهو من النواب الذين وقعوا على اتفاقية السلام مع إسرائيل، أن الملك الحسين تعرض لضغوط هائلة ليكون من أوائل الموقعين على هذه الاتفاقية، وهو ما رفضه العاهل الأردني بشدة في ذلك الوقت، بحسب داوودية.
ويشير في حديثه مع بي بي سي، إلى أنه "بعد توقيع مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل، أصبح الأردن أمام خيارين: السلام أو الحرب، فاختار السلام".
ويفسر داوودية هذا الخيار بالقول: "إن الأردن لا يمكنه شن حرب لتحرير فلسطين، والبنية الأساسية للأردن تقوم على أساس الدفاع وليس الهجوم، وهو ما يجعله يميل نحو السلام، لأننا محصنين للدفاع عن أرضنا".
يقول المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل غولان برهوم إن إسرائيل كانت تنظر إلى الاتفاق على أنه "إنجاز" على الصعيد الإقليمي؛ "لأنه جعل العلاقات بين البلدين مكشوفة".
ويشير برهوم إلى أن إسرائيل شهدت في تلك الفترة نزاعات داخلية حول اتفاقيات أوسلو، إذ لم تكن تعتبر بلاده، ياسر عرفات شريكاً حقيقاً في عملية السلام، بحسب قوله، "لكن الأمور كانت مختلفة تماماً بالنسبة للأردن، فالجميع في إسرائيل أجمع على أن اتفاق السلام مع الأردن سيحقق المصالح المشتركة للبلدين".
ويضيف برهوم: "الإسرائيليون أحبوا الملك الحسين في تلك الفترة لأنه بادلهم الاحترام رغم العداء".
محطات ملتهبة
مرت معاهدة السلام، التي عرفت بـ "اتفاقية وادي عربة"، بمحطات حرجة هددت استقرار الاتفاق، حيث واجهت تحديات سياسية وأمنية أثرت على العلاقات بين البلدين على مر السنين. تتجلى هذه المحطات في تصاعد التوترات الإقليمية وتغيرات المشهد السياسي.
بدأت الاتفاقية بالتأرجح بين البلدين في رسالة أرسلها الحسين بن طلال إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 1997، عبّر فيها عن استيائه ممّا ترتكبه إسرائيل في المنطقة بعد مذبحة قانا في جنوب لبنان، وبناء مستوطنات في القدس الشرقية، وحفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، وهو ما رآه الأردن نقضاً لبند الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
حادثة الباقورة
في 12 مارس/آذار 1997، قتل جندي أردني يدعى أحمد الدقامسة كان يقوم بدورية على الحدود المشتركة بين البلدين سبع طالبات إسرائيليات وجرح ست أخريات، لأسباب بقيت متضاربة حتى اليوم.
زار الملك حسين إسرائيل لتعزية عائلات القتيلات، مقدمًا لهم وعدًا بمحاسبة "القاتل"، الذي حوكم عسكرياً بالسجن لمدة عشرين عامًا، ليفرج عنه بعد انتهاء عقوبته في الثاني عشر من مارس/آذار 2017.
أزمة خالد مشعل
في 25 سبتمبر/أيلول 1997، تعرض خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لمحاولة اغتيال في العاصمة الأردنية عمان على يد عملاء من الموساد الإسرائيلي باستخدام جوازات سفر مزورة. وتمكن مرافقوه من القبض عليهم، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع الأردن، حيث هددت السلطات بقطع العلاقات مع إسرائيل ما لم تحصل على الترياق لإنقاذ مشعل.
وافقت إسرائيل على الكشف عن اسم الترياق، لكن العلاقات بين الأردن وإسرائيل تدهورت، حيث أُفرج عن عملاء الموساد مقابل إطلاق سراح 23 أردنياً و50 معتقلاً وسجيناً فلسطينياً، بما فيهم الشيخ أحمد ياسين.
أراضي الغمر والباقورة
في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلن الملك الأردني عبد الله الثاني انتهاء العمل بالمُلحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة السلام، مؤكداً فرض السيادة الأردنية عليهما. جاء هذا القرار بعد 25 عامًا من الانتفاع الإسرائيلي بهذه المناطق التي استأجرتها إسرائيل بموجب اتفاقية السلام.
MENAHEM KAHANA
انتهى العمل بالمُلحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة السلام في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019
اتفاق "على الرف" بعد حرب غزة
توترت العلاقات بين الأردن وإسرائيل على ضوء الحرب المشتعلة في غزة، إذ عبر الأردن عن استنكاره للهجوم الإسرائيلي على غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 من خلال استدعاء سفيره من إسرائيل، وإبلاغ وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي كان غادر المملكة سابقاً، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأردنية.
وعلى وقع الحرب، صرّح الأردن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي أن "اتفاقية وادي عربة في خضم ما ترتكبه إسرائيل من جرائم أصبحت ليست أكثر من وثيقة على رف يغطيها الغبار".
ويؤكد داوودية على موقف الأردن تجاه اتفاقية السلام، ويقول إن السلام بين البلدين وصل إلى "أقصى حالات البرود". وأوضح أن الأردن أوشك على "تمزيق معاهدة السلام" جراء الحرب الدائرة في قطاع غزة، على حد تعبيره.
وتزامناً مع حرب غزة، نفذ أردنيون عمليتين ضد إسرائيليين؛ الأولى عندما فتح سائق شاحنة أردني في سبتمبر/أيلول الماضي النار على عناصر من أمن معبر الكرامة الحدودي بين الأردن وإسرائيل، إسرائيلي الجنسية، وهو ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، قبل أن يُقتل منفذ العملية.
أما الثانية، فجاءت بعد نحو عشرة أيام من ذكرى أحداث السابع من أكتوبر/تشرين أول، إذ اشتبك شابّان أردنيان في السابعة والعشرين من عمرهما مع قوّة من قوات الاحتياط الإسرائيلية بعد اجتيازهما الحدود الأردنية الفلسطينية بالقرب من قرية "نئوت هكيكار" ملحقة بالبحر الميت، لينتهي الأمر بجرح جنديين إسرائيليين ومقتل الشابين.
كيف ينظر الجانبان إلى الاتفاق بعد ثلاثين عاماً؟
يقول وزير الإعلام الأردني، الدكتور محمد المومني، لبي بي سي إن الأردن يتعامل مع معاهدة السلام كإحدى الأدوات الممكنة لدعم ومساعدة الشعب الفلسطيني.
ويؤكد المومني التزام الأردن بالمعاهدة، مشددًا على أنها تمثل سلامًا قانونيًا وسياسيًا يساعد الدولة على حماية مصالحها ويعزز من موقفها في مساندة الشعب الفلسطيني و"رفع الظلم التاريخي عنه".
من جانبه، يرى داوودية أن إسرائيل لم تلتزم ببنود المعاهدة باعتبارها "دولة حرب"، مشيراً إلى أن مشروعها "التوسعي الاستيطاني" يصطدم بالمشروع الإيراني في المنطقة، وهو تحقيق النفوذ في المنطقة العربية، بعيداً عن "دعم القضية الفلسطينية" التي يرى فيها مجرد "عناوين زائفة"، على حد قوله.
ويقول إن الاتفاقية التي "باتت على الرف" اليوم، تخدم مصالح الأردن في مجالات محددة مرتبطة بالدعم الفلسطيني، من خلال استمرار الوصاية على المسجد الأقصى، وتمكين الأردن من إرسال 1500 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة أسبوعيًا، وكسر الحصار عليه من خلال تنفيذ إنزالات جوية لمساعدات على القطاع، إذ كان الأردن "أول دولة عربية" يخطو في هذا الاتجاه، رغم التهديد الإسرائيلي، بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية.
Reuters
الأردن يواصل تنفيذ إنزالات جوية لمساعدات على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب
ويضيف: الاتفاقية تدعم جهود الأردن في تقديم الخدمات لأبناء الشعب الفلسطيني من خلال تسهيل الحج والعمرة، وتقديم الخدمات العلاجية في المؤسسات الطبية الأردنية، وغيرها من المنافع "غير المحدودة" على الصعيد الأردني – الفلسطيني، وهو الجانب الذي تقتصر عليه منافع اتفاقية السلام مع إسرائيل، على حد قوله.
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لبي بي سي، إنه من الصعب الحديث عن "سلام حار" بين البلدين في الوقت الراهن، نظراً للتوترات المتبادلة على وقع الحرب على حماس في قطاع غزة، مؤكداً على احتفاظ البلدين بالحد الأدنى من الاحترام والتعاون المتبادلين.
ويبينّ أنه لا توجد خلافات بين البلدين إلا فيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والقدس، مشيرا إلى أن إسرائيل ترى في معاهدة السلام "حجر الأساس للسياسة الإسرائيلية الإقليمية الرسمية".
يقارن برهوم بين الفترتين، مشيراً إلى أن اتفاق السلام عام 1994 شهد تبادل السفراء وعلاقات تجارية واقتصادية متعمقة، بينما اليوم تقتصر العلاقات بين البلدين على "الأمن والحدود"، نظراً لأن لإسرائيل أطول حدود مع الأردن، بحسب قوله.
ويعتبر برهوم أن الأردن يمثل لإسرائيل "نقطة عازلة ضد الطموحات الإيرانية للتوسع في المنطقة وتهديد أمن إسرائيل". ويضيف أن "الملكية الهاشمية" في العهدين الأخيرين "عملت على حماية أمن الحدود مع إسرائيل، وهو أمر تقدره بلاده"، وهو ما يراه الفائدة "الأكبر" التي تحققها إسرائيل من اتفاق السلام بعد ثلاثين عاماً.
"مصالح مشتركة"
ترتب على معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل اتفاقيات وقع عليها الطرفان لخدمة مصالحهما، شملت مجالات الأمن والدبلوماسية والمياه ومحاربة الجريمة والمخدرات ومجالات الطيران المدني، والبريد والاتصالات، والسياحة، والبيئة، والطاقة، وتنمية منطقة وادي عربة، والصحة، والزراعة، وتنمية منطقتي العقبة وإيلات.
ويبرز اتفاقان يشهدان جدلاً بين البلدين، الأول اتفاق "الكهرباء مقابل الماء" الذي ينص على أن تُصدِّر عمَّان، التي تتمتع بوفرة من المساحات المفتوحة وأشعة الشمس، نحو 600 ميغاواط سنوياً من الكهرباء المولَّدة من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل، مقابل أن تُصدِّر الأخيرة المياه إلى الأردن، إذ تمتلك إسرائيل برنامجاً متطوراً لتحلية المياه، ومن ثمَّ سيتعيَّن عليها من الآن فصاعداً تزويد جارتها الشرقية بـ 200 مليون متر مكعَّب من المياه المُحلَّاة.
شهدت هذه الاتفاقية جدلاً مؤخراً بعد أن رفضت الحكومة الإسرائيلية طلب عمان تمديد اتفاقية المياه لخمس سنوات، واكتفت بتمديدها ستة أشهر حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بضغط أمريكي.
أما الاتفاق الثاني فهو اتفاقية الغاز الأردنية-الإسرائيلية 2014، التي لا تزال سارية رغم المعارضة الأردنية الشعبية لها تحت شعار "غاز العدو احتلال"، بينما يراها الجانب الإسرائيلي "عملاً تاريخياً يعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية"، ويجعل من إسرائيل "قوة عظمى للطاقة توفر احتياجات جيرانها، وتعزز مكانتها كعامل مركزي في تزويد الطاقة في المنطقة"، بحسب تصريحات سابقة للخارجية الإسرائيلية.
يعلّق داوودية على ذلك بالقول إن الاتفاقيات التي تلت معاهدة السلام جاءت لتلبية مصالح مشتركة بين الأردن وإسرائيل، مشيرًا إلى أنها لا ترتبط بشكل مباشر باتفاقية وادي عربة، لكنها تحمل فوائد "كبيرة" للأردن، مما دفع المملكة لتوقيعها.
وأوضح داوودية أن اتفاقية الغاز "توفر على الأردن نحو 1.5 مليار دينار سنويًا"، وأن الأردن لا يوقع على هذه الاتفاقيات لمصلحة إسرائيل، بل لتحقيق منافع مشتركة تعود بالفائدة على البلدين، على حد قوله.
وفي هذا السياق، كشف تقرير أصدره مكتب الإحصاء الإسرائيلي في أغسطس/آب الماضي عن تراجع حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والأردن، على وقع التوترات بين البلدين جراء حرب غزة، ليبلغ 35 مليون دولار، بانخفاض نسبته 14 في المئة مقارنة بيونيو/حزيران 2023، بينما ارتفع مع أربع دول أخرى هي الإمارات ومصر والبحرين والمغرب.
ولم تصدر عن الجانب الأردني أية أرقام تتعلق بالتبادل التجاري مع إسرائيل رداً على أرقام الأخيرة.
يقول شتيرن إن التعاون الاقتصادي بين البلدين بات محدوداً، لكنه يحقق الفائدة التي يرنو إليها كل طرف، مشيراً إلى أن عدم الوصول إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يعمّق محدودية التعاون بين البلدين.
"لا فجوة بين السياسات الأردنية والموقف الشعبي"
Reuters
أردنيون ينظمون وقفات تضامنية لدعم الشعب الفلسطيني في حربه مع إسرائيل
يعتبر نقيب المحامين الأردنيين، يحيى أبو عبود، أن الممارسات الإسرائيلية "اللاأخلاقية واللاإنسانية واللاقانونية تجاه الشعب الفلسطيني، بما في ذلك المجازر والقتل الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون، بالإضافة إلى سياسة الفصل العنصري، قد عمّقت فكرة المقاومة الشعبية لدى الأردنيين على مدى ثلاثين عامًا".
وفي حديثه لبي بي سي، يشير إلى أن "إسرائيل تتجاهل جميع القرارات الدولية الصادرة بحقها، مما يعزز قناعة الشعوب العربية بعدم التعامل مع الكيان ورفض الاحتلال بأي شكل من الأشكال".
ويوضح أبو عبود أنه لا يرى أي فجوة بين الموقف الرسمي الأردني والموقف الشعبي، حيث "يتفق كل منهما على دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره". ومع ذلك، أوضح أن الموقف الرسمي يأتي في "إطار علاقات تحكمها معاهدة سلام بين الأردن وفلسطين".
وعمّا إذ واجهت نقابة المحامين الأردنيين أي تحديات قانونية في التعامل مع إسرائيل، يجيب أبو عبود بأن النقابة اتخذت قرارًا منذ زمن طويل "بعدم المرافعة أمام محاكم الاحتلال الإسرائيلي"، مع الأخذ بعين الاعتبار معاناة المحامين الفلسطينيين وما يتعرضون له من ظلم، خاصة بعد "استشهاد 100 محام في غزة"، على حد قوله.
من جانبه، يرى داوودية أن المواقف الشعبية الأردنية تحمل "رؤية واسعة"، حيث قال: "الجميع يدرك أن إسرائيل دولة عدوان وتوسع وحرب، لكن المواطن الأردني لا يأخذ بعين الاعتبار الأضرار المترتبة على إلغاء الاتفاقية وفقًا للشعارات التي يرفعها".
وفي حديثه لبي بي سي، أوضح داوودية الفرق بين المقاومة والدولة، مشيرًا إلى أن للمقاومة أشكالًا متعددة؛ سواء كانت عسكرية أو سلمية أو اعتصام أو عصيان. وأكد أن "ما يقوم به الشعب الأردني هو مقاومة سلمية ضد جميع أشكال التوسع والصهيونية والتطبيع، مشددًا على أن السلطات الأردنية لا تعارض هذه التحركات، بل تسعى لضبطها لمنع تسلل أي مخرب أو عميل أو جاسوس إلى صفوف المتظاهرين".
وأكد داوودية أن التظاهرات التي ينظمها الأردنيون في مختلف مناطق المملكة هي حق مشروع، خاصة تلك التي تحدث أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان.
وتأسف إسرائيل للموقف الشعبي العربي بشكل عام، والأردني بشكل خاصّ، تجاه السياسات الإسرائيلية في المنطقة، بحسب ما يقول المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لبي بي سي.
ويعلّق أن إسرائيل تتفهم الدعم العربي للشعب الفلسطيني بما يمرّ به في الصراع مع إسرائيل، لكن السياسة في الأردن ليست سياسة شارع وإنما سياسة مؤسسات، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن "اسرائيل لا تتعامل مع الشعوب وإنما مع الدول" التي تربطها معها اتفاقيات وعلاقات ثنائية خاصّة.
هل تُلغى الاتفاقية على وقع التوتر بين البلدين؟
ردًا على سؤال بي بي سي حول إمكانية إلغاء الاتفاقية في ظل التوتر القائم بين البلدين، قال محمد داوودية إنه لا حاجة لإلغاء الاتفاقية في الوقت الحالي، "رغم أنها مجمدة بالأصل"، على حد قوله. وأوضح أن منافع الاتفاقية كبيرة للأردن، خاصة في دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الحروب التي تشنها إسرائيل.
وأشار داوودية إلى أن الأردن يحصل على مساعدات أمريكية تقدر بنحو 1.7 مليار دولار سنويًا، وأن إلغاء الاتفاقية قد يؤدي إلى "تسريح هذه المساعدات، وإلحاق الأردن بأزمات لا حصر لها".
وبينما يرى داوودية أنه لا حاجة لإلغاء الاتفاقية، يؤكد نقيب المحامين الأردنيين أن الأردن يمتلك الأدوات القانونية لطلب فسخ الاتفاقية عبر القضاء الدولي، ويستطيع تجميدها أو اتخاذ موقف صارم لإلغائها.
Reuters
وزير الخارجية الأردني: تهجير فلسطينيي الضفة للأردن بمثابة إعلان حرب
ويتفق أبو عبود مع داوودية على أن التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم يُعتبر سببًا قانونيًا يمكن أن يدفع الأردن نحو فسخ الاتفاقية، مشددًا على أن البند السادس من المادة الثانية من معاهدة السلام ينص على أن "تحركات السكان القسرية ضمن مناطق نفوذهما بشكل قد يؤثر سلبًا على الطرف الآخر ينبغي ألا يسمح بها".
يرى شتيرن أن الأردن وإسرائيل "بعيدان جداً" عن إلغاء الاتفاقية بينهما، وإن كان عدم الوصول إلى أفق سياسي لحل الدولتين سيؤثر على العلاقة مع الأردن، ويحدّ من قدرة البلدين على التقدم والاستفادة قدر الإمكان من الاتفاقية.
ويلفت المحلل السياسي الإسرائيلي النظر إلى أن بعض الأصوات في الحكومة الإسرائيلية ترى في الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وتدفع نحو تهجيرهم من الضفة إلى الأراضي الأردنية، لكن الموقف الرسمي الإسرائيلي يعارضها بشدة انطلاقاً من أن الأردن دولة مستقلة ذات سيادة كاملة لها احترامها، وهو ما يؤكده الجانب الأمني والدبلوماسي في إسرائيل، على حد قوله.
ويقول شتيرن إن المنطقة مقبلة، بعد الحرب الحالية، على فترة ستشهد تعزيزاً للعلاقات بين الدول، بما يشمل تقوية أواصر العلاقة بين الأردن وإسرائيل.
من جانبه، يستبعد المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل غولان برهوم أن تلغى الاتفاقية، أو يذهب البلدان نحو الحرب، بحسب المصالح المشتركة بين البلدين، فهو يرى أن "الخطر سيحيط بالأردن، والجيش الأردني قد يخسر الكثير، وهذا سيهدد استقرار المملكة".
ويضيف: "الأردن لن يتجه نحو الحرب، ليس حباً في إسرائيل، بل انطلاقاً من رؤية ملكية واقعية تدرك أهمية الحفاظ على المملكة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تتهم الحكومة السودانية بـ "استخدام أسلحة كيميائية" وتفرض عليها عقوبات
واشنطن تتهم الحكومة السودانية بـ "استخدام أسلحة كيميائية" وتفرض عليها عقوبات

الوسط

timeمنذ 13 ساعات

  • الوسط

واشنطن تتهم الحكومة السودانية بـ "استخدام أسلحة كيميائية" وتفرض عليها عقوبات

Reuters رجل سوداني يعرض صندوق ذخائر عثر عليه في مدرسة بالعاصمة السودانية الخرطوم قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات جديدة على السودان بعد ثبوت استخدام حكومته أسلحة كيميائية العام الماضي في الحرب الأهلية المستمرة ضد قوات الدعم السريع. وسيتم تقييد الصادرات الأمريكية إلى البلاد ووضع حدود للاقتراض المالي اعتباراً من السادس من يونيو/حزيران القادم، بحسب بيان للمتحدثة باسم الوزارة تامي بروس. وسبق أن اتُهمت القوات المسلحة السودانية وجماعة الدعم السريع بارتكاب "جرائم حرب" أثناء الصراع. تواصلت بي بي سي مع السلطات السودانية للتعليق على الإجراءات الأمريكية الأخيرة، وأفاد المسؤولون السودانيون بأنهم لم يصدروا بياناً رسمياً حتى الآن. وقُتل أكثر من 150 ألف شخص خلال الصراع الذي بدأ قبل عامين عندما بدأ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع صراعاً شرساً على السلطة. وفي الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السوداني العاصمة الخرطوم، لكن القتال لا يزال مستمراً في أماكن أخرى. ولم يتم تقديم أي تفاصيل بشأن الأسلحة الكيميائية التي قالت الولايات المتحدة إنها عثرت عليها، لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في يناير/كانون الثاني أن السودان استخدم غاز الكلور في مناسبتين، وهو ما يسبب مجموعة من التأثيرات المؤلمة والمدمرة، وقد يكون قاتلاً. "تدعو الولايات المتحدة حكومة السودان إلى وقف كل استخدامات الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية"، بحسب البيان، في إشارة إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية التي التزمت الدول الموقعة عليها بتدمير مخزوناتها من الأسلحة. ووافقت جميع دول العالم تقريباً - بما فيها السودان - على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، باستثناء مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان، وفقاً لجمعية الحد من الأسلحة، وهي منظمة غير حزبية مقرها الولايات المتحدة. وأضافت الجمعية أن "إسرائيل وقعت على الاتفاقية لكنها لم تُصادق عليها"، ما يعني أنها لم تُؤكد قانونياً مشاركتها فيها. وأضافت بروس أن "الولايات المتحدة تظل ملتزمة بشكل كامل بمحاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية". Reuters أعضاء من مركز مكافحة الألغام يضعون ذخائر غير منفجرة في سيارة، بعد أن عزز الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم من قوات الدعم السريع هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على السودان. ففي يناير/كانون الثاني، فرضت عقوبات على قادة من طرفَيِ الصراع. اتهمت الولايات المتحدة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بـ"زعزعة استقرار السودان وتقويض هدف التحول الديمقراطي"، وهو ما أدانته وزارة الخارجية السودانية ووصفته بأنه "غريب ومقلق". وعلى صعيد متصل أيضاً، اتهم وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، بارتكاب "إبادة جماعية" في البلاد. ويتنافس طرفا الصراع على السلطة منذ العامين الماضيين، ما أدى إلى نزوح نحو 12 مليون شخص وترك 25 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية. وبحسب وكالة فرانس برس، فإن العقوبات الجديدة لن يكون لها تأثير يذكر على البلاد نتيجة هذه الإجراءات السابقة. أثارت هذه الخطوة الأمريكية الأخيرة توترات بشأن تورط الإمارات العربية المتحدة في الصراع. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والسودان قد ظلت قائمة حتى وقت سابق من هذا الشهر، عندما اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما تنفيه الإمارات. وبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإمارات الأسبوع الماضي، سعى الديمقراطيون في الكونغرس إلى منع بيع الأسلحة من الولايات المتحدة إلى الإمارات، جزئياً بسبب تورطها المزعوم في الصراع. وقال مصدر دبلوماسي سوداني لوكالة رويترز للأنباء إن الولايات المتحدة فرضت العقوبات الجديدة على السودان "لصرف الانتباه عن الحملة الأخيرة في الكونغرس ضد الإمارات". وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفضت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة مسعى السودان لمقاضاة الإمارات العربية المتحدة بتهمة "الإبادة الجماعية".

ترامب يقيم عشاءً لمستثمري العملات المشفرة وسط انتقادات بالفساد
ترامب يقيم عشاءً لمستثمري العملات المشفرة وسط انتقادات بالفساد

الوسط

timeمنذ 14 ساعات

  • الوسط

ترامب يقيم عشاءً لمستثمري العملات المشفرة وسط انتقادات بالفساد

أقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الخميس، عشاء مغلقا في نادي الغولف الذي يملكه قرب واشنطن، جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة ما أثار انتقادات من مشرّعين ديموقراطيين وناشطين اعتبروا ذلك «فسادا» صارخا. وحضر العشاء 220 من أكبر حاملي العملة $TRUMP، وخصّت الفعالية كبار 25 مستثمرا بجلسة خاصة، وفق ما أفاد الموقع الإلكتروني للحدث، وسط تداخل مفترض لسلطة ترامب الرئاسية مع مصالحه التجارية، وفق وكالة «فرانس برس». وأطلق ترامب العملة $TRUMP قبل ثلاثة أيام من تنصيبه، ما رفع ثروته بالمليارات وأثار تساؤلات أخلاقية. فيما ردّ البيت الأبيض بأن ترامب حضر بصفته «الشخصية». وفي الخارج رفع متظاهرون لافتات كتب عليها «أوقفوا فساد العملات المشفرة»، فيما وصفت السناتور إليزابيث وارن الفعالية بـ«حفلة فساد»، متهمة ترامب باستخدام المنصب لجني الأرباح. «مثال صارخ» على استفادة ترامب من الرئاسة وكان من بين الحاضرين رجل الأعمال الصيني الأصل جاستن سَن، مؤسس العملة ترون (TRON) والذي وعد بضخ 93 مليون دولار في مشاريع مرتبطة بترامب، بينها 20 مليونا في العملة $TRUMP. وخضع «سَن» لتحقيق أميركي يتعلق بالتلاعب بالأسواق، لكن الجهات الناظمة التي يسيطر عليها أفراد معينون من ترامب علقت في فبراير الإجراءات لـ60 يوما للتفاوض على تسوية. ونشر سَن مقطعا مصورا من داخل «صالة كبار الشخصيات»، قال فيه إنه بانتظار ترامب. من جهته، اعتبر جاستن أونغا من منظمة «أوقفوا فساد المال السياسي» العشاء «مثالا صارخا» على استفادة ترامب من الرئاسة بينما يزعزع الاقتصاد الأميركي. وقال «هذا ليس مجرد باب خلفي للفساد، بل مدخل رئيسي مفروش بالسجاد الأحمر». وتزامن العشاء مع دفع مجلس الشيوخ الأميركي بمشروع قانون جديد أطلق عليه «جينياس» (GENIUS) ينظم العملات المشفرة، في خطوة طالما طالب بها هذا القطاع. في الوقت نفسه، وسّع ترامب وأبناؤه دونالد جونيور وإريك، استثماراتهم في العملات الرقمية، عبر شركة جديدة أطلق عليها «وورلد ليبرتي فاينانشال»، عقدت شراكات مع مستثمرين من الشرق الأوسط. قفزة غير مسبوقة واتخذ ترامب خطوات ملموسة لتقليل الحواجز التنظيمية، بما في ذلك الأمر التنفيذي بإنشاء «احتياطي بيتكوين استراتيجي» للممتلكات الحكومية من العملة الرقمية الرائدة. وسجل سعر البيتكوين قفزة غير مسبوقة الخميس متجاوزا 111 ألف دولار، قبل أن يتراجع بشكل طفيف.

ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق
ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق

الوسط

timeمنذ 17 ساعات

  • الوسط

ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق

Getty Images في مشهد مشحون بالتوتر داخل البيت الأبيض، يوم الأربعاء، وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لرئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، اتهامات مثيرة للجدل بشأن ما قيل عن استهداف المزارعين بيض البشرة في بلاده. بدأ اللقاء بين الرئيسين بأجواء اتسمت بالود والمرح، لكن سرعان ما اتخذ اللقاء منحىً مختلفاً عندما طلب ترامب من فريقه عرض مقطع فيديو يُظهر في معظمه أحد المعارضين البارزين في جنوب أفريقيا، يوليوس ماليما، وهو يردد أغنية يحثّ فيها على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. كما اشتمل الفيديو على مشاهد أظهرت صفوفاً من الصلبان، ادعى ترامب أنها تشير إلى موقع دُفن فيه مزارعون بيض البشرة بعد قتلهم، كما سلّم ترامب للرئيس رامافوزا نسخاً من مقالات ادعى أنها توثّق حالات عنف مستشرية تستهدف الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا. ولطالما لجأ داعمو إدارة ترامب إلى المبالغة في طرح الادعاءات الرامية إلى ممارسة العنف ضد الأقلية البيضاء، ومن أبرز هؤلاء الداعمين، إيلون ماسك، والمذيع السابق في قناة فوكس نيوز، تاكر كارلسون، الذي قدّم تقارير بشأن ما وصفه بإبادة جماعية مزعومة خلال الولاية الأولى للرئيس، وقد ثبت أن بعض هذه الادعاءات غير صحيح على نحو جليّ. هل تدل صفوف الصلبان على قبور مزارعين بيض البشرة؟ YouTube أشار ترامب إلى هذه الصورة المأخوذة من مقطع يظهر صفوفاً من الصلبان على طريق ريفي تضمّن المقطع الذي عرضه ترامب في المكتب البيضاوي مشاهد لصفوف من الصلبان البيضاء تمتد على جانب طريق ريفي، وقال ترامب: "هذه مواقع دفن هنا، إنها مدافن، أكثر من ألف مزارع أبيض". بيد أن تلك الصلبان لا تدل على قبور حقيقية، فالفيديو يعود لاحتجاجات نُظّمت تنديداً بمقتل زوجين من المزارعين بيض البشرة هما، غلين وفيدا رافيرتي، كانا قد قُتلا رمياً بالرصاص في مزرعتهما، بعد تعرّضهما لكمين عام 2020. وتداول مستخدمون المقطع عبر منصة يوتيوب بتاريخ السادس من سبتمبر/أيلول، أي في اليوم التالي للاحتجاجات. وقال روب هوتسون، أحد منظّمي الفعالية، لبي بي سي: "لم يكن الموقع مقبرة، بل كان نُصباً تذكارياً"، مضيفاً أن الصلبان وُضعت كـ "نصب تذكاري مؤقت" تكريماً للزوجين. Google صورة من خدمة "غوغل ستريت فيو" ملتقطة في مايو/أيار 2023، وتظهر أن الصلبان لم تعد قائمة في المكان ولفت هوتسون إلى أن الصلبان جرى تفكيكها لاحقاً. واستطاع فريق بي بي سي لتقصي الحقائق تحديد الموقع الجغرافي للفيديو، وتبيّن أنه في منطقة ضمن مقاطعة كوازولو-ناتال، بالقرب من مدينة نيوكاسل، وتُبيّن صور خدمة "غوغل ستريت فيو" الملتقطة في مايو/أيار 2023، أي بعد قرابة ثلاث سنوات من نشر الفيديو، أن الصلبان لم تعد قائمة في المكان. هل وقعت إبادة جماعية بحق مزارعين بيض البشرة؟ Getty Images قال ترامب خلال الاجتماع: "كثيرون يساورهم القلق بشأن ما يحدث في جنوب أفريقيا. لدينا العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يتعرضون للاضطهاد، ويهاجرون إلى الولايات المتحدة، ولذلك نقبل طلبات من عدة أماكن إذا شعرنا بوجود اضطهاد أو إبادة جماعية". كان ترامب قد أدلى سابقاً، في عدة مناسبات، بتصريحات بشأن موضوع "إبادة بيض البشرة"، ويبدو أنه كان يشير إلى هذا الأمر. فخلال مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق الشهر الجاري، قال: "هذه إبادة جماعية تحدث الآن"، في إشارة إلى مقتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وتُعدّ جنوب أفريقيا من بين الدول الأعلى عالمياً من حيث معدلات القتل. ووفقاً لإحصائيات خدمة شرطة جنوب أفريقيا، شهد العام الماضي ما يزيد على 26 ألف حالة قتل. من بين هذه الحالات، بلغ عدد القتلى داخل مجتمع المزارعين 44 شخصاً، من بينهم ثمانية مزارعين. ولا تتضمن الإحصائيات العامة المتاحة لدينا تصنيفاً لهذه الأرقام بحسب العِرق. وعلى الرغم من ذلك، فهي لا تقدم دليلاً يدعم الادعاءات المتكررة التي أدلى بها ترامب بشأن "إبادة بيض البشرة". وفي شهر فبراير/شباط، رفض قاضٍ من جنوب أفريقيا فكرة حدوث إبادة جماعية، ووصفها بأنها "وهمية على نحو واضح" و"غير واقعية". ويجمع اتحاد الزراعة في ترانسفال، الذي يمثل المزارعين، بيانات تقدم نظرة بشأن الهوية العرقية للضحايا، ويعتمد الاتحاد على تقارير وسائل الإعلام، ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي، وتقارير أعضائه. وتشير أرقام الاتحاد للسنة الماضية إلى حدوث 23 حالة قتل لأفراد بيض البشرة خلال هجمات على المزارع، فضلاً عن مقتل 9 من أصحاب البشرة السوداء. وحتى الآن خلال هذا العام، سجّل اتحاد ترانسفال الزراعي مقتل ثلاثة من ذوي البشرة البيضاء، وأربعة من ذوي البشرة السوداء في مزارع جنوب أفريقيا. هل دعا مسؤولون في جنوب أفريقيا إلى العنف ضد مزارعين بيض البشرة؟ Getty Images انفصل يوليوس ماليما عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في عام 2012، وشكّل لاحقاً حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" عرض ترامب، خلال اللقاء المتوتر، مقاطع من تجمعات سياسية شارك فيها الحضور بأداء أغنية "اقتل البور"، وهو مصطلح في جنوب أفريقيا يشير إلى المزارعين من أصل أوروبي، وهي أغنية مناهضة للفصل العنصري يصفها النقاد بأنها تحث على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. وكانت محاكم جنوب أفريقيا قد وصفت هذه الأغنية بأنها دعوة تحض على الكراهية، إلا أن أحكاماً قضائية حديثة قضت بجواز غنائها قانونياً في التجمعات، واعتبر القضاة أنها تعبر عن وجهة نظر سياسية ولا تحرض مباشرة على العنف. وادعى ترامب أن الذين كانوا يقودون الغناء "مسؤولون" و"أفراد يشغلون مناصب حكومية". وكان من بين الذين قادوا التجمع يوليوس ماليما، الذي سبق له قيادة جناح الشباب في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، وكان قد غادر الحزب في عام 2012 ولم يشغل أي منصب رسمي في الحكومة، ويتزعم حالياً حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية"، الذي حصل على نسبة 9.5 في المئة في انتخابات العام الماضي، ودخل صفوف المعارضة ضد التحالف الحزبي الجديد متعدد الأحزاب. وردّاً على اتهامات ترامب، أكد رامافوزا أن حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" يُعد "حزباً صغيراً لأقلية"، مشيراً إلى أن "سياسة حكومتنا تتعارض تماماً مع التصريحات التي أدلى بها". في الفيديو، سُمع شخص آخر يغني عبارة "أطلق النار على البور" في تجمع آخر. إنه الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي انتهت ولايته في 2018، ويعود الفيديو إلى عام 2012 عندما كان يشغل منصب الرئاسة، وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قد تعهد بالتوقف عن أداء هذه الأغنية في وقت لاحق. وقد غادر زوما حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لاحقاً، ويتزعم حالياً حزب "رمح الأمة" المعارض، الذي حصل على ما يزيد على 14 في المئة من الأصوات في انتخابات العام الماضي. ما هي الوثائق التي عرضها ترامب كأدلة؟ Reuters ترامب يعرض مجموعة من المقالات التي تدّعي أنها الدليل على قتل مزارعين بيض البشرة عرض ترامب، خلال اللقاء، عدداً من المقالات التي ادعى أنها تقدم دليلاً على قتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وظهرت صورة واضحة أثناء حديث ترامب الذي قال: "انظروا! هنا مواقع دفن منتشرة في كل مكان. هؤلاء جميعهم مزارعون بيض البشرة دُفنوا". وتبين أن الصورة ليست من جنوب أفريقيا، بل هي فعلياً من تقرير عن قتل النساء في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تحققت خدمة بي بي سي لتقصي الحقائق من الصور، مؤكدة أنها مقتطفة من فيديو لوكالة رويترز للأنباء جرى تصويره في مدينة غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية في فبراير/شباط.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store