logo
نورة الهاشمي.. الرسم خزان الذاكرة

نورة الهاشمي.. الرسم خزان الذاكرة

صحيفة الخليجمنذ 2 أيام
لم يكن تناول مواضيع البيئة المحلية ومفردات التراث مجرد نقطة انطلاق في تجارب التشكيليين الإماراتيين، كون كل فنان يستقي إلهامه الإبداعي من الأشياء المحيطة به والتي يتفاعل معها، بل وكذلك استمر ذلك التأمل في تلك العناصر والمفردات بشكل أكثر عمقاً، لدى العديد من المبدعين من الرسامين عبر الانفتاح على التيارات العصرية والحداثية، وعمقوا من الحالة التراثية وصاروا ينظرون إليها بزاوية مختلفة عن الماضي.
إذا كان هناك العديد من الفنانين الإماراتيين من أجيال الرواد الذين التصقوا بالبيئة والطبيعة وعبروا عنها بصورة مميزة، فإن الأجيال الجديدة من المبدعين وسعوا من رؤيتهم تجاه الطبيعة ومفردات البيئة ومكوناتها من صحراء وجبل وسهل ووديان وبحر والكائنات التي تعيش فيها، ولعل من أبرز الفنانين المعاصرين التشكيلية نورة الهاشمي التي تعد من المبدعين الذين قدموا أعمالاً تحاور الطبيعة عبر منظور مختلف تلتقي فيه تيارات فنية من الواقعية والطبيعية بأشكالها المختلفة، وذلك قادها إلى تطوير أدواتها وتوسيع خبراتها في تكوين لغة بصرية معاصرة تستمد إلهامها من تفاصيل الحياة اليومية.
لنورة الهاشمي العديد من اللوحات التي تتأمل وتحاور فيها الطبيعة ومن هذه الأعمال اللافتة لوحة لغزالتين تسرحان في بيئة صحراوية تبحثان عن الكلأ في محيط تشح فيه الأشجار والنباتات، لكن المشهد في غاية الروعة والجمال حيث يجمع بين منظر تلك الصحراء الممتدة بلونها الأصفر الذهبي وكثبانها وتلالها الصغيرة، وبين جمال الغزالتين مع وجود القليل من الحشائش والشجيرات بألوان من الدرجات الباهتة من اللون الأخضر، حيث عملت الفنانة على عكس جماليات الصحراء كجزء من الطبيعة المحلية، فهي بالنسبة لها ليست مجرد رمال ممتدة بصورة لا متناهية، بل هي حياة تسير من الماضي إلى الحاضر وقيم وموروثات تنعكس على إنسان اليوم في سماته وقسماته.
تعبر تلك التفاصيل الجمالية التي برزت في مشهد اللوحة عن صورة حية شديدة الألق والبهاء من خلال استعراض جمال الصحراء، بسحرها وصفائها وهدوئها، وتحمل اللوحة كذلك دلالات وأبعاداً تتمثل في تعبير الفنانة عن الهوية والتراث والقيم الوطنية من خلال تلك الأشكال الرمزية التي وردت في العمل، وغاصت الفنانة عميقاً في الحياة التقليدية التي تميز المجتمع الإماراتي، وعملت من خلال اللوحة على أن تظهر التراث والطبيعة بشكل يتماشى مع متطلبات الفن المعاصر، فالهدف من العمل هو الإسهام في تعزيز الموروث وترسيخ الهوية الإماراتية في نفوس الأجيال المختلفة، فتلك المفردات والكائنات هي بمثابة رموز تشير إلى الحياة الاجتماعية في الدولة بصورها المختلفة.
هذه اللوحة تنتمي إلى اهتمامات الفنانة بعناصر التراث الشعبي، وهناك العديد من اللوحات الأخرى لها تبرز فيها اشتغالات جمالية على فنون الصيد والفروسية وكل المهن والهوايات والأنشطة الاجتماعية التي مارسها الأجداد، وكل لوحة تحمل في طياتها جزءاً من الحكايات القديمة، ويشير عدد من النقاد إلى أن ما يميز أسلوب نورة الهاشمي في أعمالها ومن ضمنها هذه اللوحة جمعها بين الألوان الترابية والعناصر التراثية، لتشكل مشاهد تلقي بظلالها على الذاكرة الإماراتية، وتبقي على روح التراث حية ومتجددة في وجدان مختلف الأجيال، وهذه اللوحة وغيرها هي بمثابة ألبوم ينعش الذاكرة الإماراتية ويجعل الحياة فيها باقية في الأذهان، فذلك الإبداع الفني المبذول في العمل هو بمثابة عصف ذهني في كيفية الحفاظ على تلك المشهديات من الاندثار بفعل زحف الحضارة والمعاصرة.
*طبيعة صامتة
اللوحة تبرز براعة الفنانة كذلك في استخدام تقنيات مختلفة، وتوظيف الألوان الزيتية والمائية بصورة مغايرة ومبتكرة، حيث عملت على صناعة مشهد بصري يحيل مباشرة إلى ما تعنيه الصحراء بالنسبة للإماراتيين ومنطقة الخليج ككل، إذ عكست في العمل عبر ضربات الفرشاة ذلك التنوع والثراء الذي يميز الصحراء والأنشطة الاجتماعية التي تمارس فيها، فمشهد الغزالتين في اللوحة يوحي بأن هناك من يراقبهما، في إشارة إلى نشاط الصيد وهو أحد الأنشطة التراثية، ونجحت الفنانة في إبراز أكثر من عنصر تراثي في العمل، إضافة إلى الاشتغالات الإبداعية على جمال الطبيعة الصامتة.
*أبعاد
ويبدو من الواضح أن اللوحة جمعت بين الأبعاد الجمالية والفكرية لدى الفنانة التي حولت اهتمامها بالطبيعة والتراث إلى لوحات فنية، ويعود ذلك إلى صقل نورة للموهبة بالتعمق في المعرفة فهي تعد من أولى الفنانات اللاتي تخرجن في كلية الفنون بجامعة الإمارات، ثم سافرت إلى باريس من أجل مزيد من المعرفة الفنية، ومارست كافة أنواع الفنون: الرسم الزيتي، والمائي، والخزف والنحت والسجاد، وتعرفت إلى جميع الحرف الفنية، ثم بعد التخرج عملت لمدة عامين مدرِّسة فنون، عقب ذلك دخلت مجال «الجرافيك ديزاين»، وحاولت من خلاله مواكبة العصر الحديث مما أكسب أعمالها أبعاداً جمالية مختلفة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رحلة 1000 كيلومتر في الصحراء تعيد الشباب الإماراتي إلى جذورهم
رحلة 1000 كيلومتر في الصحراء تعيد الشباب الإماراتي إلى جذورهم

خليج تايمز

timeمنذ 3 ساعات

  • خليج تايمز

رحلة 1000 كيلومتر في الصحراء تعيد الشباب الإماراتي إلى جذورهم

مع شعور أكثر من 40% من الشباب الإماراتي بالانفصال عن تراثهم الثقافي، أطلقت مبادرة إماراتية رحلات صحراوية بطول 1000 كيلومتر لإعادة بناء هذه الروابط الحيوية. تدعو مبادرة "مسراح"، التي تعني "الانطلاق صباحًا"، الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا من جميع شرائح المجتمع إلى "السير على درب تراثهم" من خلال رحلة بدنية وثقافية مكثفة تعكس التقاليد الإماراتية العريقة. يبدأ البرنامج الطموح، والمكون من مرحلتين، بتدريب 500 مشارك على المهارات التقليدية، بما في ذلك ركوب الجمال والفنون الشعبية والحرف التراثية، في معسكر شرطة الهجن بأبوظبي. يخضع كل مشارك لـ 12 ساعة تدريب على مدار أسبوع، بحضور جلسات مدتها أربع ساعات، أربعة أيام أسبوعيًا، قبل اختيار 100 مشارك للتحدي الأبرز: رحلة صحراوية بطول 1000 كيلومتر عبر إمارة أبوظبي. قال خليفة المزروعي، المغامر الإماراتي والمؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي شارك في البرنامج، لصحيفة "خليج تايمز": "هذه الرحلة ليست مجرد تحدٍّ جسدي، بل هي مسارٌ لإعادة اكتشاف الصلة العميقة بين شعبنا والصحراء". وأضاف: "أثناء تجوالي في الصحراء، وتجربة نفس التضاريس التي عاشها أجدادنا، شعرتُ بالصبر والقوة ينموان بداخلي - صفاتٌ تُميّز تراثنا". تابع آخر الأخبار. تابع KT على قنوات واتساب. وتعالج المبادرة فجوة حرجة حيث يشارك أقل من 30% من الشباب الإماراتي بانتظام في أنشطة تراثية تعتمد على الصحراء، مع أكثر من 35% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يعيشون أنماط حياة غير نشطة تفصلهم عن البيئات الطبيعية. تتضمن وحدات التدريب تعريف المشاركين بالثقافة الإماراتية الأصيلة من خلال ثلاث محطات أساسية: مقهى لإعداد المأكولات التقليدية ورواية القصص، وورش عمل الفنون الشعبية التي تغطي عروضاً مثل العيالة والحربية، ومراعي الإبل لرعاية الحيوانات بشكل عملي وإتقان الأدوات التقليدية. View this post on Instagram A post shared by Active Abu Dhabi (@active_abudhabi) وأكدت المزروعي على التأثير التحويلي للبرنامج: "أريد أن يرى الشباب الإماراتي أن ثقافتنا حية - إنها ليست مجرد قصص، بل شيء يمكنك الشعور به في كل خطوة، وفي كل لحظة تحت شمس الصحراء". يشمل التدريب الشامل تشريح الجمل، وتركيب السروج باستخدام الأدوات التقليدية، وتقنيات جمع الحطب على نار المخيم، والحفاظ على التقاليد الشفهية. يهدف المنهج إلى إتقان المشاركين لمهارات البقاء الأساسية في الصحراء، مع تعميق ارتباطهم بالقيم الإماراتية المتمثلة في التحمل والصبر والتعاون المجتمعي. قال منصور الظاهري، رئيس مجلس إدارة "أكتيف أبوظبي": "يُمثل مشروع "مسراح" إنجازًا مُلهمًا في جهودنا المتواصلة لتمكين الشباب وتعزيز ارتباطهم بالهوية الوطنية. نشجع الشباب من المواطنين والمقيمين على المشاركة في هذه التجربة الاستثنائية التي ستُسهم في صقل شخصياتهم وتعميق تقديرهم للتراث الإماراتي". وتهدف المبادرة إلى إنشاء سفراء ثقافيين قادرين على الحفاظ على المعرفة التراثية ونقلها إلى الأجيال القادمة، ومعالجة التحدي الأوسع الذي تواجهه دولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل التحديث السريع. يمكن للمواطنين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا التسجيل عبر موقع حيث يستمر التدريب من 21 أغسطس إلى 19 أكتوبر 2025. تتوفر المزيد من المعلومات على الموقع الإلكتروني لمبادرة أبوظبي النشطة. كل شيء عن التمور: معرض دبي يُقرّب السكان من شجرة النخيل والتراث الإماراتي الإمارات العربية المتحدة: منحة تصل إلى 100 ألف درهم إماراتي لمشاريع إماراتية للحفاظ على الثقافة والتراث

وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان
وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان

البيان

timeمنذ 19 ساعات

  • البيان

وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان

وقالت خولة المجيني: «تشكل هذه الزيارة إلى اليابان جزءاً أساسياً من التزامنا بتطوير مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، وتتمثل رؤيتنا ببناء منظومة مستدامة لصناعة الرسوم المتحركة في الشارقة والعالم العربي، ومن خلال التواصل مع قياديين عالميين في هذا القطاع».

متحف المستقبل عالم من الخيال والترفيه والمعرفة في قلب دبي
متحف المستقبل عالم من الخيال والترفيه والمعرفة في قلب دبي

البيان

timeمنذ 19 ساعات

  • البيان

متحف المستقبل عالم من الخيال والترفيه والمعرفة في قلب دبي

ومن بين هذه الوجهات يبرز متحف المستقبل كأحد أبرز المعالم التي تجسد رؤية دبي في استشراف الغد وصناعة تجارب غامرة تمزج بين التكنولوجيا والخيال العلمي، بما يلبي تطلعات العائلات والزوار من مختلف أنحاء العالم. ويضم المتحف معارض دائمة متنوعة تدمج بين التكنولوجيا والخيال العلمي تتيح للزوار من مختلف الأعمار الاستمتاع بتجارب فريدة وغامرة حول مستقبل الفضاء، والبيئة، والتكنولوجيا. كما يضم المتحف مساحات مخصصة للأطفال مثل منطقة «أبطال المستقبل»، ما يجعل زيارة المتحف تجربة عائلية متكاملة تجمع بين الترفيه، التعليم، والتواصل العائلي. يمكن للزوار الانطلاق من أحد أبرز معارض المتحف الدائمة، وهو «المحطة الفضائية المدارية أمل»، التي تنقلهم في رحلة استكشافية إلى الفضاء من خلال تجربة محاكاة متقدمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store