logo
شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز أوسكار

شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز أوسكار

Independent عربية٠٣-٠٣-٢٠٢٥

انتهى الحفل بفوز "أنورا" للمخرج الأميركي شون بايكر كأفضل فيلم لعام 2024، حاصداً خمس جوائز من أصل ثمانية ترشيحات. أربع من هذه الجوائز كانت من نصيب شون بايكر (54 سنة) بنفسه، حيث أعطي جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج، ليصبح أول سينمائي في تاريخ الـ"أوسكار" يحصل على هذه الجوائز الأربع الكبرى لفيلم واحد، وذلك باعتباره تولّى بنفسه مهام الإنتاج والإخراج والكتابة والتوليف. إنها أمسية "أوسكارية" تكرس فيها على أرفع منبر سينمائي في أميركا، بعد مرور أكثر من ربع قرن على انطلاقته. أما الجائزة الخامسة التي نالها الفيلم، فحصلت عليها ميكي ماديسون كأفضل ممثلة عن دورها فيه، مما شكل إحدى مفاجآت حفل تخلله العديد من الأشياء غير المتوقعة.
أدريان برودي فاز بجائزة أفضل ممثل في "الوحشي" (خدمة المهرجان)
يقدم بايكر في فيلمه هذا الذي كان سبق أن فاز بـ"السعفة الذهبية" في مهرجان كانّ 2024، عملاً من نوع التراجيكوميديا حاملاً إيانا كعادته إلى عالم المهمشين والمتروكين لمصيرهم في أميركا. النص هزلي الطابع ينطوي على الكثير من المفارقات والأحداث المتلاحقة بحيث لا يهدأ لنا بال، مما يسمح لكل شخص أن يتلقى الفيلم وفقاً لوعيه السياسي ومرجعياته الثقافية. الفيلم يسلي المشاهدين الذين يفضلون الحبكة الواضحة، بينما يوفر في الوقت ذاته مساحة للتأمل العميق لأولئك الذين يسعون إلى الذهاب أبعد من الظاهر.
أنورا (ميكي ماديسون)، شابة في العشرين تنحدر من أصول مهاجرة. تعمل في نادٍ ليلي كراقصة متعرية، ولا تمانع في تقديم خدمات إضافية لبعض الزبائن مقابل المال. تمارس مهنتها بما يتوافق مع قناعاتها، بعيداً من الأحكام المجتمعية المألوفة. تتغير حياتها عندما تلتقي بإيفان، الشاب الروسي الذي ينتمي إلى عائلة أوليغارشية غنية (يؤدي دوره مارك أيدلستاين). إيفان في مثل سنها ولكنه غير ناضج، فهو يقضي معظم وقته في تبذير أموال والده. بعد فترة قصيرة من تعارفهما، يقدم إيفان عرضاً لأنورا بالزواج، فتوافق على الفور، إذ ترى في هذا العرض فرصة لتحسين وضعها الاجتماعي.
فيلم "أميليا بيريز" لجاك أودريار الخاسر الأكبر (ملف الفيلم)
لكن عندما يكتشف والدا إيفان زواجه، يتحول مجرى الفيلم إلى مسار آخر. يأتي الوالدان مع قوتهما ونفوذهما، ويستعينان بثلاثة رجال قساة لفرض إرادتهما بهدف "تنظيف هذه الفوضى" وإلغاء عقد الزواج، في محاولة للعودة إلى الوضع الطبيعي، على نحو يضمن حماية طبقتهما الاجتماعية وامتيازاتهما. في عالمهما، مهما تكن تصرفات الشاب خاطئة، تبقى الفتاة هي المسؤولة الأولى، لأنها لا تنتمي إلى البيئة عينها.
قوة السلطة
يعكس شون بايكر في فيلمه شعوراً عميقاً بالعجز لدى شخصياته أمام قوة السلطة التي تقف في طريق أي تطلعات أو آمال للمستقبل. ولكن، على عكس الأفلام التي تركّز على تصوير الفقر بشكل مبتذل، يقدم هذا الصراع على نحو أقل وضوحاً وأكثر إحساساً بالمقاومة الصامتة، ليظهر التفاوت بين طبقة الأثرياء القادرين على فرض إرادتهم وحمايتهم لمكانتهم الاجتماعية، وبين الضعفاء الذين لا يمتلكون سوى أنفسهم، وأحياناً حتى هذا القليل يصبح بعيد المنال.
الفيلم الاستثنائي للمخرج الأميركي برادي كوربيت، "الوحشي"، (عُرض في مهرجان البندقية ونال جائزة الإخراج)، لم يحصد سوى ثلاث جوائز، صانعاً خيبة أمل عشاق هذا العمل الطموح. يتناول الفيلم السيرة المتخيلة لمعماري مجري (أدريان برودي) يهاجر إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ليخوض تجربة الحلم الأميركي، بما فيه من صعود وانهيار. أدريان برودي فاز عن دوره فيه بجائزة أفضل ممثل، محققاً فوزه "الأوسكاري" الثاني. أُسندت إلى الفيلم أيضاً جائزة أفضل موسيقى تصويرية من تأليف دانيال بلومبيرغ، وأخرى لأفضل تصوير سينمائي ذهبت إلى لول كرولي.
"لا أزال هنا" لوالتر ساليس حاز جائزة افضل فيلم دولي (ملف الفيلم)
منذ اللحظة الأولى، يأسر "الوحشي" انتباه المشاهد ويثير العديد من التساؤلات. القصة تأخذنا عبر رحلة تمتد لأكثر من نصف قرن وثلاث ساعات ونصف الساعة من سينما ملحمية مبهرة، محورها شخصية تحاول الهروب من ماضيها المظلم نحو مستقبل غامض، عابرةً من فظائع النازية إلى آمال الرأسمالية.
خلافاً لما كان متوقعاً، استُبعد "إميليا بيريز" للمخرج الفرنسي جاك أوديار، على رغم ترشحه لـ13 جائزة، مما يثير الأسئلة حول تأثير الجدال الذي أحيط به في الأسابيع الأخيرة، فانتهى الأمر بحصوله على جائزة واحدة فقط، تمثّلت في "أفضل ممثلة في دور ثانوي" فازت بها زويه سالدانا، بينما فاز كيران كولكين بجائزة أفضل ممثل في دور ثانوي عن أدائه في فيلم "ألم حقيقي".
يتناول الفيلم قصة تاجر مخدرات مكسيكي (كارلا صوفيا غاسكون) يخضع لعملية جراحية لتغيير جنسه، مما أثار ردود فعل غاضبة من المكسيكيين، وجعل المواقف تتشابك وتعزز الجدال حول الرسالة التي يحاول الفيلم إيصالها. تجاوز جاك أوديار الحدود التقليدية للسينما عبر تجربة بصرية وسمعية مبتكرة، تمتزج فيها الموسيقى بالمأساة لتروي قصة شخصية في عالم الجريمة المكسيكي. هناك حلم قديم يراود العابر جنسياً منذ طفولته: رغبة عميقة في التحول إلى امرأة. من خلال هذا الصراع الداخلي، قدم نظرة معقدة عن الهوية والجنس داخل سياق العنف والفساد الذي يعصف بعالم الجريمة المنظمة.
"لا أرض أخرى" عن مأساة فلسطين حاز جائزة افضل فيلم وثائقي (ملف الفيلم)
فيلم "المجمع السري" للمخرج الألماني إدفارد برغر، الذي كان مرشحاً لثماني جوائز "أوسكار"، انتهى بحصوله على جائزة واحدة فقط، وهي "أفضل سيناريو مقتبس". يتناول العمل انتخاب بابا جديد بعد وفاة الأخير، في إطار من الرسائل السياسية التي تهيمن على الأحداث. وكانت جائزة "أفضل فيلم دولي" من نصيب "لا أزال هنا" للمخرج البرازيلي والتر ساليس، الذي يتطرق إلى مأساة اختفاء المعارضين خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل.
على رغم ما يتردد عن "صهيونية" هوليوود، فإن العرب كان لهم نصيب من رد الاعتبار. "لا أرض أخرى" تُوِّج بجائزة أفضل فيلم وثائقي، وهو عمل يروي قصة معاناة أهل قرية مسافر في فلسطين، حيث قام المخرج الفلسطيني باسل عدرا، مع زميله الإسرائيلي يوفال أبراهام، بتوثيق الأحداث التي شهدتها قريته تحت وطأة الاحتلال. هذا الفيلم، الذي فاز في وقت سابق بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين 2024، أثار ضجة واسعة بسبب الطرح الصريح لما تعرض له أهل المنطقة. من جهة أخرى، كان فيلم "فلو" للمخرج الليتواني غينتس زيلبالوديس هو الفائز بجائزة أفضل فيلم تحريك، علماً انه كان عُرض في مسابقة "نظرة ما" داخل مهرجان كانّ الماضي ولم يكن له أي حظ.
على مستوى الأفلام القصيرة، نال "لستُ آلة" للمخرجة الهولندية فيكتوريا فارمردام جائزة أفضل روائي قصير، بينما نال "الفتاة الوحيدة في الأوركسترا" للمخرجة الأميركية مولي أوبراين جائزة أفضل وثائقي قصير. أما جائزة أفضل تحريك قصير فذهبت إلى "في ظل شجرة السرو" للمخرج الإيراني حسين مليمي. الجوائز التقنية وُزِّعت بين ثلاثة أفلام: "ويكد" (أفضل أزياء وأفضل ديكور) و"دون: الجزء الثاني" (أفضل صوت وأفضل مؤثرات بصرية) و"المادة" (أفضل ماكياج وأفضل تصفيف شعر).

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان
السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان

Independent عربية

timeمنذ 5 ساعات

  • Independent عربية

السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان

التأثير الكثيف الذي يصاحب المرء بعد أن يشتبك مع الذكريات له مذاق لا يمكن تحديده، ويصعب تسميته، بل يصعب الحكم عليه بأنه محفّز، أو مثير للألم. وربما هذان الإحساسان وسواهما ما يترك علاماته على من ينتهي من مشاهدة الفيلم البرازيلي "ما زلتُ هنا"، (I'm Still Here) الفائز بجائزة الأوسكار 2025 عن أفضل فيلم عالمي. قد يقول سياسي إن الفيلم يأتي في سياق "حتى لا ننسى"، وقد يرى مؤرخ أنه "محطة من تاريخ التحولات في البرازيل"، أما الشاعر فينظر إلى الأمر من زاوية "توثيق لعذابات المضطهدين، وهزائم الطغاة"، وكذلك ربما تفعل الناشطة النسوية التي ترى في شخصية (فرناندا توريس) رمزاً لإسهام النساء الخلاق في النضال ضد الديكتاتورية. وكل هؤلاء يتقاسمون الحق في تأويل الفيلم استناداً إلى ضرورة صيانة الذاكرة الفردية والجماعية من الفساد والتحلل والاجتزاء، وكذلك فضح محاولات السلطات طمس الماضي، والتنصل من مسؤوليتها عن تشويهه وتزييفه وتكدير صفو البشر. الفيلم، باللغة البرتغالية، لا يقدم نفسه باعتباره هجاءً سياسياً مباشراً لنظام العسكر الديكتاتوري، مع أن الأمر في عمقه كذلك، لكنه، وهذا أهم ما في الفيلم، يصوغ طريقة آسرة لكيفية التعبير السينمائي من خلال سبر أعماق الألم والقهر والخذلان. واختار المخرج والتر سالس أن يلجأ إلى السينما المتقشفة، إذ لا جماليات لونية بالطريقة المهندَسة التي نراها في سينما ويس أندرسون، ولا نعثر على تنقيب نفسي في دواخل الشخصيات، كما يحلو لأفلام تشارلي كوفمان أن تفعل. وحتى الانتقال عبر الأزمنة بتقنية (الفلاش باك) يتم في حدود بناء السرد السينمائي، ليكون قطعة من زمن تجري وقائعه عام 1970، خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل من عام 1964 إلى 1985. المخرج سالس صرح بأن الأفلام "أدوات ضد النسيان"، وأنه يعتقد أن "السينما تُعيد بناء الذاكرة"، لذا يهدف فيلمه إلى ضمان ألا ينسى أحد، وإدامة التواصل مع التاريخ. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كتب سيناريو الفيلم موريلو هاوزر وهيتور لوريجا، وهو مستوحى من مذكرات مارسيلو روبنز بايفا الصادرة عام 2015، الذي كان والده اليساري، عضو الكونغرس، روبنز بايفا، من بين ما يُقدر بـ20 ألف شخص تعرضوا للتعذيب، وثمة من يقول إن الرقم أعلى بكثير. الفيلم غني بالتفاصيل التي تستحق الثناء، وفي التعاطي مع الأحداث نلمس نفَسَاً جديداً يبدأ من الخاص ويغوص فيه إلى أبعد حد، من خلال حكاية عائلة تتبعثر سكينتها ذات يوم أحد، حينما يلقي العسكر القبض على رب العائلة (سيلتون ميلو) البرلماني المنشق عن السلطة العسكرية، ومن ثم على زوجته وابنته ذات الـ14 سنة، يتعرض الثلاثة إلى ضغط نفسي. تخرج الأم وابنتها ويبقى الأب، ولا تعود الأسرة تعرف عن الرجل شيئاً. غلالة كثيفة جداً من الغموض والأخبار المضللة تحيط بمصير الأسرة التي تتفسخ طمأنينتها، وتضطر إلى الرحيل من المنزل بعد بيعه. وعندما يصل الزوجة نبأ وفاة زوجها تخوض، بحكمة وصلابة، في دوامة معرفة الملابسات المحيطة بالموت، ثم تبدأ في المعاناة الكبرى والأشد التي تنتهي بسقوط نظام العسكر، وإصدار الحكومة المدنية اللاحقة شهادة وفاة تستخدم دليلاً رسمياً موثقاً لفظائع الديكتاتورية التي حكمت البرازيل، ويقول شهود إنها كانت مدعومة من الولايات المتحدة. أداء الزوجة، التي أصبحت في ما بعد محامية ومرجعاً قضائياً للدفاع عن حقوق المضطهدين وأصحاب الأرض الأصليين، هو الذي رفع الفيلم إلى مصاف التتويج في المناسبات العالمية، فحصدت جائزة غولدن غلوب، وحصد الفيلم جائزة أفضل سيناريو في مهرجان البندقية، وحاز أيضاً جائزة الأوسكار 2025، مع أنه حورب بعد إصداره في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من قبل اليمين البرازيلي المتطرف الذي يمثل امتداداً أيديولوجياً للديكتاتورية العسكرية. الفيلم ينهض على أرشيف عائلي ثري، فضلاً عن أرشيف سياسي تفصيلي عن أعوام القمع الطويلة. ويصح أن يوصف بأنه روائي وثائقي، لكن الوثائقية جاءت في حلة الاستعادة الذكية للماضي، من دون فصل بين الأزمنة. ولعل أجواء التصوير بالألوان الباهتة القليلة الجودة (وهذا مقصود) قد محت الفواصل، وجعلت المشاهد يعيش في عام 1970. أضف إلى ذلك الجهد المبهر الذي بذل من أجل إثبات أن الحياة تسير بكل عنفوانها على رغم سيارات العسكر ومعداته الثقيلة التي تجوب الشوارع بهدف بث الذعر في نفوس الناس. العائلة تلهو على شاطئ البحر برفقة الأصدقاء والبشر الكثير الذين أقبلوا على الحياة هازئين بالعسكر وبطشهم وزنازينهم. الفيلم بسِمته الهادئة وبالشحنة العاطفية الهادرة في مفاصله يعد انعطافة في تاريخ التناول السينمائي للديكتاتورية، لكنه يأتي امتداداً لأفلام عالمية لم تبدأ بفيلم شارلي شابلن "الديكتاتور العظيم" (The Great Dictator) الذي عرض للمرة الأولى في الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1940، ويتضمن هجاءً ساخراً للنازية وهتلر، على رغم العلاقة غير المتوترة في ذلك الحين بين أميركا وألمانيا. وشهدت أميركا اللاتينية مراجعات لحقب حكم العسكر، ومن أبرز طغاة تلك القارة كان الجنرال التشيلي بينوشيه الذي قدمه المخرج التشيلي بابلو لارين عام 2023 في فيلم (El Conde) بصورة مصاص دماء يبلغ من العمر 250 سنة، إذ بعد أن تظاهر بموته، يختبئ بينوشيه (خايمي فاديل)، المعروف أيضاً باسم "أل كوندي"، في عرينه المتداعي في باتاغونيا، آملاً في الموت. ومن تشيلي إلى الأرجنتين نطل عبر فيلم "أزور" (Azor) على الأحوال السياسية العاصفة في الأرجنتين عام 1980، لنكتشف كيفية استيلاء الاستبداد على السلطة في فترة استمرت ما بين عامي 1976 و1983 حين جرى تطهير عسكري للحكومة والمدنية، مما أسفرعن قتل وتعذيب واختفاء آلاف والسيطرة الباطشة على ممتلكات الناس وأراضيها. وعن جرائم الاختفاء القسري التي ارتكبها الحكم العسكري في الأرجنتين أنجز المخرج خوان ماندلباوم فيلمه الوثائقي "مفقودنا" مدفوعاً بالرغبة الشديدة في تخليد ذكرى الضحايا، وعدم إفلات الجناة من العقاب. ولا يمكن الخروج من الأرجنتين من دون التنويه بفيلم "التاريخ الرسمي أو الحكاية الرسمية" (La historia oficial) الذي أنتج عام 1985، وأخرجه لويس بوينسو، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 1986. يعالج الفيلم الاختفاء القسري من خلال قصة زوجين أرجنتينيين يصطدمان بحقيقة كون ابنتهما المتبناة مختطفة، أم من أُم معتقلة سياسية. ونالت القارة السوداء حصة كبيرة من الأفلام التي هجت الأنظمة الديكتاتورية فيها، ومن أبرز تلك الأفلام "آخر ملوك اسكتلندا" (The Last King of Scotland)‏ الذي أنتج عام 2006 والمستوحى من رواية تحمل الاسم نفسه. يجسد الفيلم، شخصية الجنرال عيدي أمين حاكم أوغندا منذ 1971 إلى 1979، وأدى هذا الدور باقتدار بليغ الممثل فوريست ويتاكر، واستحق بفضله جائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيس عن دوره في هذا الفيلم الذي أخرجه كيفين ماكدونالد. الطغاة منتشرون في القارات جميعها، من أوروبا إلى أميركا اللاتينية إلى أفريقيا إلى آسيا، حيث نطالع في الأخيرة نموذجاً للديكتاتورية التي ما زال يجسدها النظام في كوريا الشمالية. فعلى رغم أن فيلم "المقابلة" (The Interview) زاد من اشتعال الخلاف بين بيونغ يانغ وواشنطن، فإن أثر الفيلم، الذي أخرجه عام 2014 سيث روغن وإيفان غولدبيرغ، كان كبيراً لجهة تعريف العالم بما يجري في هذا البلد. الفيلم يتحدث في قالب كوميدي عن صحافيين يتلقيان تعليمات باغتيال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بعد أن يتمكنا من الحصول على مقابلة معه. ما يميز الأفلام التي استُعرضت أنها مشغولة بحس جمالي فائق وبأداء تمثيلي مبهر، فنُبل القضية لا يبرر التفريط بالقيم الفنية لحساب تمرير خطاب سياسي أو أيديولوجي، ولعل هذه النقطة تشير إلى بعض الأفلام العربية التي غرقت في الإسفاف والمباشرة، فكانت بمثابة محامٍ فاشل عن قضية عادلة.

«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل
«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل

الشرق الأوسط

timeمنذ 17 ساعات

  • الشرق الأوسط

«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل

يحار المايسترو أي حذاءٍ ينتعل قبل الوقوف على الخشبة لقيادة الأوركسترا. ولكن قبل الحذاء، عليه أن يردّ على اتّصالٍ من والدته ينبئه بوفاة والدته! نعم، للمايسترو والدتان ستتّضح هويّتاهما وقصتاهما لاحقاً. بهذا المشهد الذي يدور عام 1994، ينطلق فيلم «قطار الأطفال» (The Children's Train) على «نتفليكس». وما إن يقف المايسترو على المسرح حاملاً كمانَه أمام الحضور والعازفين، حتى تبدأ رجعة زمنيّة طويلة تروي حكاية «أميريغو سبيرانزا» المستوحاة من أحداث حقيقية، والمقتبسة عن رواية صدرت عام 2019 للكاتبة فيولا أردوني. وإذا كانت شخصية سبيرانزا متخيّلة، فإنّ القصة بتفاصيلها التاريخية والاجتماعية مستقاة من أرض الواقع. الفيلم الإيطالي يأخذ مشاهديه إلى الفترة الممتدّة ما بين 1944 و1946، أي إلى نهايات الحرب العالمية الثانية. كان سبيرانزا في الثامنة من عمره، يتعلّم العمليات الحسابية من خلال عدّ أحذية المارّة، بينما قدماه حافيتان. عصفت الحرب بمجاعتها وظلمها ودمارها بالجنوب الإيطاليّ، فتحوّل أطفال نابولي إلى متسوّلين يأكلون القطط إن جاعوا، ويلعبون وسط الركام، ويجمعون الخرق البالية لمساعدة أهلهم في المصروف. وسط هذه المأساة، تجد والدة أميريغو، «أنطونييتا»، نفسها عاجزة عن تأمين الطعام والرداء والتعليم لابنها الذي خسرت قبله ولداً. الأبُ سافر ولم يعد، فاضطرّت أنطونييتا للقيام بأي شيء من أجل سدّ جوع طفلها. ملصق الفيلم الإيطالي «قطار الأطفال» (نتفليكس) في تلك الأثناء، ينشط الحزب الشيوعي الإيطالي في مجال الاهتمام بضحايا الحرب. من بين مبادراته: «قطار السعادة» الذي يقلّ أطفالاً من الجنوب إلى الشمال، للمكوث لدى عائلاتٍ باستطاعتها أن تؤمّن لهم حياة لائقة، لبضعة أشهر على الأقلّ. بين أقاويل الجيران الذين يصرّون على أنّ «القطار الشيوعيّ» يأخذ الأطفال إلى المحارق وقطع الرؤوس في سيبيريا، وبين نصائح مسؤولي الحزب بضَمّ أميريغو إلى الرحلة، تقع أنطونييتا في الحيرة. غير أنّ قسوة الفقر والجوع لا تترك أمامها خياراً سوى إرساله. مثله مثل 70 ألف طفل آخر، ينسلخ أميريغو عن والدته التي تتسلّح بالقسوة كي يسهل عليها التخلّي. أرغمت الحرب العالمية الثانية عدداً من الإيطاليين على التخلِّي عن أطفالهم من أجل تجنيبهم الجوع (نتفليكس) ثمّة سحرٌ ما في الأفلام الإيطالية؛ خصوصاً تلك التي تروي التاريخ. فكيف إذا كان أبطال الفيلم أطفالاً يركبون قطاراً يعبر الطبيعة الإيطالية الخلّابة، آخذاً إياهم إلى مصيرٍ مجهول؟ ليس «قطار الأطفال» من صنف الأفلام التي تضيّع وقت المُشاهد. فقد أتقنت المخرجة كريستينا كومنشيني مهمتها، ساردة حقبة لا يعرفها كثيرون عن تاريخ إيطاليا، من دون أن تغفل عن التفاصيل الإنسانية. وما يساعدها في إيصال الرسالة، السيناريو البسيط والسلس، إضافة إلى أداءٍ مميّز للممثّلين، ولا سيما الصغار منهم، وعلى رأسهم كريستيان تشيرفوني بشخصية أميريغو. يقدِّم الطفل كريستيان تشيرفوني أداءً مميَّزاً بشخصية أميريغو سبيرانزا (نتفليكس) على متن القطار، لا ثياب بالية على الأجساد الصغيرة الهزيلة؛ بل ملابس دافئة ومعاطف، ولا أقدام حافية هنا. يرفض أميريغو خلع حذائه الجديد، رغم مقاسه الضيّق، حتى خلال النوم. مع ذلك، فإنّ الأطفال قلقون ويعبّرون صراخاً وتمرّداً. ولكن في المحطة الشمالية؛ حيث يستقبلهم أهالي مودينا ومسؤولو الحزب بعطفٍ كبير، وبطعامٍ لم يتذوّقوا مثله من قبل، تبدأ النفوس في الهدوء، ويخفت الشكّ بأنّ المصير هو المحرقة. يجد كل ولدٍ عائلة باستثناء أميريغو الذي عليه الاكتفاء بشابّة من أعضاء الحزب حاضنةً موقّتة. لا علاقة لها بالأمومة، وشخصيّتها القاسية لا توحي بأنها قادرة على الاعتناء بطفل. ولكن سرعان ما يذوب جليدها أمام طيبة أميريغو وعاطفته البريئة. يجد في «ديرنا» وعائلة شقيقها دفئاً حُرم منه. تكتمل طفولته وسطهم؛ حيث يأكل حتى الشبع، ويذهب إلى المدرسة، ويتلقّى دروس العزف على الكمان على يدَي شقيقها. لا يخلو الأمر من مواقف يواجه فيها التنمّر من أترابه، بينما الشوق إلى والدته لا يفارقه، وينتظر مرور أشهر الشتاء حتى يعود إلى نابولي. ديرنا... الناشطة الحزبية التي اكتشفت أمومتها مع أميريغو (نتفليكس) ينجح الفيلم في تقديم المشهد الاجتماعي الإيطالي في تلك الآونة بكل تفاصيله. التفاوت بين أهل الجنوب والشمال في إيطاليا لناحية انعكاسات الحرب على كلٍّ من المنطقتَين، والنظرة إلى الحركات السياسية التي نمَت على ضفاف الحرب كالفاشيّة والشيوعيّة، والتماسك الوطني الذي دفع الشماليين إلى احتضان الجنوبيين. تتوطّد العلاقة بين ديرنا وأميريغو، وتشغّل المخرجة عدستها والحوار هنا من أجل إظهار وجهَين للأمومة سادا في إيطاليا آنذاك. مشاعر الطفل متأرجحة بين أمَّين: الأولى التي أنجبته ورعته قدر ما استطاعت ثم اضطرّت للتخلّي عنه كي لا يجوع ويتشرّد، والثانية التي اكتشفت أمومتها من خلاله فحضنته ومنحته العاطفة والأمان. إلى أن تواجه ديرنا الامتحان ذاته الذي كان على أنطونييتا مواجهته. انتهى الشتاء وعلى أميريغو العودة إلى والدته. تودّعه بالدموع والطعام والكمان الذي صنعه له شقيقها في عيد ميلاده. ولكن في نابولي، يجد الطفل نفسه على موعدٍ مع القسوة والحرمان من جديد. يتعامل الفيلم بسلاسة مع إشكاليَّة الأم البيولوجية والأم الحاضنة (نتفليكس) ستعبر سنواتٌ خمسون قبل أن يستوعب أميريغو القرار الصعب الذي كان على والدته البيولوجيّة أن تتخذه. سنواتٌ لا يدخل الفيلم في تفاصيلها؛ بل يكتفي بالقليل عن أميريغو المايسترو الخمسينيّ، مركّزاً على السنتَين اللتَين أخذتاه من نابولي إلى مودينا في الثامنة من عمره. قد يشعر المُشاهد بأنّ ثمة عناصر ناقصة في الحكاية، وبأنه يرغب في معرفة مزيد عن سيرة أميريغو الفنية، وكيف تطوّرت علاقته بوالدتَيه. ولكن تلك الثغرات لا تُفرغ «قطار الأطفال» من معانيه العميقة، بدليل أنّ الفيلم نال إجماعاً إيجابياً من النقّاد وتقييماتٍ جماهيرية عالية.

جودي فوستر من مهرجان كان: التمثيل ليس غاية.. بل وسيلة لنقل قصة حقيقية (فيديو)
جودي فوستر من مهرجان كان: التمثيل ليس غاية.. بل وسيلة لنقل قصة حقيقية (فيديو)

الرجل

timeمنذ 3 أيام

  • الرجل

جودي فوستر من مهرجان كان: التمثيل ليس غاية.. بل وسيلة لنقل قصة حقيقية (فيديو)

في مقابلة حديثة أجرتها مع مجلة Variety على هامش مهرجان كان السينمائي 2025، أبدت النجمة الأمريكية جودي فوستر، البالغة من العمر 62 عامًا، دهشتها من اندفاع بعض الممثلين الشباب إلى القبول بأي دور، حتى إن كان في فيلم "سيئ" أو بمحتوى ضعيف، معتبرة أن التمثيل لا يجب أن يكون هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لنقل القصص القوية فقط. قالت فوستر: "أرى كثيرًا من الشباب يقولون: لا يهمني إن كان الحوار ضعيفًا أو الدور تافهًا. هم فقط يريدون الظهور". وأضافت بوضوح: "لو لم أمثل مجددًا، لن أهتم. ما أريده هو أن أكون أداة تُستخدم لصالح القصة". شغفها لا يزال قائمًا.. لكن بشروط رغم تاريخها الطويل في هوليوود، أشارت فوستر إلى أن شغفها بالتمثيل ما زال قائمًا، ولكن "بشروط صارمة". إذ أكدت أن مشاركتها في الفيلم الفرنسي الجديد Vie Privée جاءت فقط لأنه "المادة المناسبة" التي تحدثت إليها، مشيرة إلى أن الشخصية والدور كانا على مستوى من العمق يتناسب مع تطلعاتها الفنية. انتقادات لاذعة للجيل الجديد في جانب آخر من الحوار، لم تُخفِ فوستر انتقاداتها للجيل الجديد من الممثلين وخصوصًا جيل "Z"، موضحة أنهم "يفتقرون للانضباط"، وقالت: "أرسل إليهم ملاحظات على البريد الإلكتروني لأني أجد رسائلهم غير مدققة لغويًا، فيجيبون: 'لماذا أدقق؟ أليس ذلك تقييدًا لحريتي؟'". رغم ذلك، أوضحت فوستر أنها تبذل جهدًا للتواصل مع بعض المواهب الشابة مثل بيلا رامزي، لدعمهم وإرشادهم في مرحلة التكوين الفني، قائلة: "الأجمل من أن تكون بطلة القصة، هو أن تساعد الآخرين على إيجاد صوتهم الخاص". من النجومية المبكرة إلى الإلهام يُذكر أن جودي فوستر بدأت رحلتها الفنية منذ الطفولة، ورُشحت لجائزة الأوسكار في سن الـ14 عن دورها في Taxi Driver، قبل أن تفوز لاحقًا بجائزتين عن The Accused وThe Silence of the Lambs. وقد نالت ترشيحًا جديدًا للأوسكار مؤخرًا عن فيلم Nyad، إلى جانب ترشيحها لإيمي عن دورها في مسلسل True Detective: Night Country.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store