logo
هل يكون زلزال إسطنبول الأخير مقدمة للزلزال الأكبر المنتظر؟

هل يكون زلزال إسطنبول الأخير مقدمة للزلزال الأكبر المنتظر؟

الوسط٢٤-٠٤-٢٠٢٥

Getty Images
رغم هدم وإعادة بناء العديد من المباني في إسطنبول خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الخبراء يعتقدون أن ذلك غير كافٍ
في أعقاب الزلزال بقوة 6.2 درجة الذي ضرب بحر مرمرة الأربعاء، أصبح من المثير للفضول معرفة كيف يمكن لهذا الزلزال أن يؤثر على خطوط الصدع حول إسطنبول.
ويدور جدل علمي حول ما إذا كان الزلزال الأخير، هو زلزال إسطنبول "الكبير" المتوقع منذ سنوات.
إذ يقول خبراء إن زلزالاً بقوة 6.2 درجة، ليس كافياً لتنفيس أو إفراغ طاقة الصدع الزلزالي الخطير في إسطنبول.
علق عضو أكاديمية العلوم، البروفيسور الدكتور ناجي غورور، على حسابه على موقع إكس قائلاً: "هذه ليست الزلازل الكبيرة التي نتوقعها في مرمرة. بل أنها تزيد من الضغط المتراكم على هذا الصدع. بمعنى آخر، إنها تجبره على الانكسار. الزلزال الحقيقي هنا سيكون أقوى وأكبر من 7 درجات".
وقال البروفيسور غورور إن الزلزال وقع في منطقة صدع كومبورغاز.
"مقدمة للزلزال الأكبر"؟
Getty Images
وفي رده على أسئلة خدمة بي بي سي التركية، قال عضو أكاديمية العلوم ومهندس الجيولوجيا البروفيسور الدكتور أوكان تويسوز إن الزلزال الذي بلغت قوته 6.2 درجة "مهم بسبب القلق من أنه قد يكون مقدمة لزلزال كبير".
وأشار البروفيسور تويسوز إلى أنه يتوقع منذ حدوث زلزال 17 أغسطس/آب 1999، حدوث زلزال جديد على هذا الصدع، قائلاً: "الصدع مقفل في هذه المنطقة، أي أن الضغط عليه يتراكم باستمرار. تنكسر بعض أجزاء الصدع التي لا تتحمل كل هذا الضغط وتتسبب بهذا النوع من الزلازل".
وأضاف البروفيسور تويسوز، الذي قال إن الأمر يتطلب حوالي 30 زلزالاً بقوة 6 درجات لإفراغ طاقة زلزال متوقع بقوة 7 درجات، هذه النقاط:
. "الزلزال الأخير أفرغ بعض الطاقة هنا ولكنه ليس زلزالاً من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الزلزال الذي تبلغ قوته 7 درجات والذي نتوقعه".
. "إسطنبول، أو بالأحرى منطقة مرمرة بأكملها، حامل بزلزال. قد يكون ما حصل بمثابة تحذير في هذا الصدد".
"هزة لا تنذر بقدومه"
Getty Images
من جهته، قال البروفيسور الدكتور جلال شنغور، الذي حضر برنامج الصحفي فاتح ألتايلي على يوتيوب، في تصريحاته المستندة إلى تحليلات الصدع التي تلقاها من مرصد قنديلي، إن الهزة التي حدثت في 23 أبريل/نيسان "ربما تكون قد قرّبت توقيت زلزال إسطنبول الكبير المتوقع قليلاً، لكنها لم تكن هزة تنذر بقدومه".
وأكد شنغور، الذي ذكر أن المناطق الساحلية مثل يشيلكوي وتوزلا معرضة للخطر بشكل خاص، أن الهزة الأخيرة أظهرت أن خط الصدع لن ينكسر في قطعة واحدة وأن حجم الزلزال الكبير المتوقع انخفض من 7.6 إلى 7.2.
دعا شنغور أيضاً السكان إلى البقاء في منازلهم.
وعلى الجهة المقابلة، يزعم أساتذة وخبراء آخرون بأن الهزة التي حدثت يوم 23 أبريل/نيسان كانت بالفعل "زلزال إسطنبول الكبير المتوقع".
وفي حديثه لخدمة بي بي سي التركية، أكد بوراك تشاتلي أوغلو، رئيس مجلس إدارة غرفة مهندسي الجيوفيزياء فرع إسطنبول، أنّ زلزالا بقوة 6.2 درجة لا يمكن اعتباره زلزالاً صغيراً، وأضاف:
"انكسر الجزء الشرقي من هذا الخط في زلزال إزميت عام 1999، والجزء الغربي في زلزال مورفته عام 1912. كان هذا هو الجزء الوحيد المتبقي الذي لم ينكسر، والآن هو أيضاً انكسر".
ومن جهته، أكد البروفيسور عثمان بكتاش من قسم الهندسة الجيولوجية في جامعة كارادينيز التقنية، لخدمة بي بي سي التركية، أن الصدع في هذه المنطقة يستهلك طاقته ببطء من خلال تحركات تسمى "الزحف" باللغة الإنجليزية و"الانجراف" باللغة التركية.
ولذلك، يقول البروفيسور بكتاش إنه لا يتوقع حدوث زلزال أكبر في المنطقة.
Getty Images
أما الرئيس المؤسس لمركز أبحاث الزلازل بجامعة غازي، البروفيسور سليمان بامبال، فاعتبر أنّ كلا الجانبين في هذا النقاش "توصلا إلى استنتاجاتهما الصحيحة".
مضيفاً: "لا يمكن القول إنّ أحدهما صحيح بالتأكيد والآخر ليس كذلك".
كما ذكّر بأن هذا الصدع نفسه كان تسبب في زلزالين عام 1766، وقال: "من المعلوم أن هناك قسماً لم ينكسر حتى الآن باتجاه الشرق. إذا انكسر هذا الصدع، ولا نعرف متى سينكسر، لديه القدرة في رأيي، على إحداث زلزال تبلغ حدته أقل من 7 درجات، أي ما بين 6.5 و7 درجات".
اختلاف في توقع الآتي
Getty Images
ساحل كاديكوي في إسطنبول، تركيا، أثناء غروب الشمس يوم 5 يناير/كانون الثاني 2025
وبحسب الدكتورة ياسمين كوركوسوز أوزتورك، عضوة هيئة التدريس في معهد تقنيات الزلازل بجامعة بن علي يلدريم في إرزينجان، "يبدو أن الزلزال قد كسر الجزء الغربي الأقصى من الأجزاء الثلاثة التي ظننا أنها مغلقة تماماً، شرق خندق مرمرة المركزي مباشرةً. وذلك لأن توزيع الهزات الارتدادية يتلاشى فوراً عند الطرف الغربي من جزء صدع كومبورغاز".
إلا أنها ذكّرت بأن هناك تراكماً للطاقة على مدى 259 عاماً في الطرف الشرقي للصدع الذي تمزق الأربعاء، وقالت إن القسم الأقرب إلى وسط مدينة إسطنبول قد يشكل خطراً.
لكنها أضافت أنه من غير الممكن التنبؤ بموعد حدوث الزلازل.
أما هيئة تنسيق الكوارث في بلدية إسطنبول (AKOM)، فقالت في بيان أصدرته يوم 23 أبريل/نيسان، إن الزلزال الأخير والهزات الارتدادية التي ستستمر لفترة من الوقت لم تزيل خطر الزلازل الذي تواجهه إسطنبول ومنطقة مرمرة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الغطاء الثلجي للأنهار الجليدية السويسرية يتراجع -13% عن معدل 2010-2020
الغطاء الثلجي للأنهار الجليدية السويسرية يتراجع -13% عن معدل 2010-2020

الوسط

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

الغطاء الثلجي للأنهار الجليدية السويسرية يتراجع -13% عن معدل 2010-2020

سجّلت كمية الثلوج التي تغطي الأنهار الجليدية في سويسرا نهاية الشتاء تراجعا بـ -13% عن المعدل المسجل من عام 2010 إلى عام 2020، بحسب ما أفادت الاثنين مجموعة خبراء مكلفين بمراقبتها. وأجرى رئيس شبكة المسح الجليدي السويسرية، غلاموس ماتياس هوس، وفريقه حملة قياس على سلسلة من الأنهار الجليدية السويسرية في شهري أبريل ومايو، جريا على عادتهم في هذا الوقت من كل سنة عندما يصل الغطاء الثلجي إلى ذروته، وفق وكالة «فرانس برس». وأوضحت غلاموس، في تقرير، أن كميات الثلوج على الأنهار الجليدية الـ21 التي شملها القياس كانت أقل بنسبة تتراوح بين صفر و52% من القيمة المرجعية، بينما تراوحت سماكة الثلوج بين متر واحد وأربعة أمتار. ويُظهر استقراء هذه القياسات على كل الأنهار الجليدية السويسرية المسجلة، البالغ عددها 1400، أن عجز تساقط الثلوج في الشتاء بلغ -13% مقارنة بالفترة الممتدة من 2010 إلى 2020. ولاحظت «غلاموس» أن هذه النسبة أقل سلبية مما كانت عليه خلال فصول الشتاء الشديدة الجفاف في عامَي 2022 و2023. وتوفر هذه القياسات التي تحلل عمق الثلوج وكثافتها مؤشرا لموسم الذوبان المقبل. وشرح هوس عبر منصة «إكس» أن «قياسات الثلوج على الأنهار الجليدية هذه تُظهر عاما جافا مع تأثيرات كبيرة على الذوبان خلال الصيف المقبل»، ووصفها بأنها «سنة صعبة أخرى تنتظر الأنهار الجليدية». ويُعد الغطاء الثلجي ضرورة مزدوجة للأنهار الجليدية، لأنه يساعد من جهة على إعادة شحن كتلتها، ومن جهة أخرى يحميها من الحرارة وأشعة الشمس في الربيع والصيف. وفي عامي 2022 و2023، عادل ذوبان الأنهار الجليدية السويسرية الشديدة التأثر بالتغير المناخي ما سجّل على هذا الصعيد بين عامي 1960 و1990، إذ فقدت ما مجموعه نحو 10% من حجمها. وعلى الرغم من تساقط الثلوج بكثافة في 2024، فإنها فقدت 2.4% من حجمها العام الماضي في حرارة الصيف بسبب الذوبان المتسارع الناجم عن الغبار الآتي من الصحراء الكبرى. وتؤدي هذا الرواسب الداكنة على الجليد إلى تقليل تأثير البياض، إذ يعكس السطح الأكثر بياضا مزيدا من الضوء، وبالتالي الحرارة.

"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟
"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟

الوسط

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟

Getty Images في ظل التوسع المستمر في إنشاء "مزارع الرياح"، قد يحدث أن تتسبب بعض هذه المزارع، دون قصد، فيما يُطلق عليه "سرقة الرياح" من مزارع أخرى، الأمر الذي قد يُثير المخاوف حيال قدرة بعض الدول على تحقيق هدف صافي انبعاثات كربونية صفرية. ومع ازدياد انتشار مزارع الرياح البحرية، أي تلك المساحات البحرية المخصصة لوضع محطات توليد الطاقة بالرياح، في شتى أرجاء العالم، في إطار السعي لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، بدأت تبرز على السطح ظاهرة تثير القلق وتحظى باهتمام كبير، إذ قد تؤدي ظروف معينة إلى "سرقة" بعض المزارع الرياح التي تستفيد منها مزارع أخرى. ويقول بيتر باس، وهو باحث علمي في شركة "ويفل" الهولندية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة والتنبؤ بالأرصاد الجوية: "مزارع الرياح تُولّد الطاقة عن طريق تيارات الهواء، وهذه العملية تؤدي بطبيعتها إلى تراجع سرعة الرياح". ويضيف أن الرياح تتباطأ سرعتها خلف كل توربين داخل المزرعة، مقارنةً بسرعة الرياح أمامه، وأيضاً تتباطأ خلف المزرعة بأكملها مقارنةً بالرياح التي تهب من أمامها"، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "تأثير الذيل الهوائي". بعبارة أخرى بسيطة، تستخلص التوربينات الدوّارة في مزارع الرياح الطاقة من تلك التيارات الهوائية، ما يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي يُضعف سرعة الرياح خلف المزرعة، ويمكن أن يمتد هذا الذيل الهوائي لمسافة تتجاوز 100 كيلومتر في حالة المزارع البحرية الكبيرة والكثيفة، وتحت ظروف جوية معينة، بيد أن باحثين يقولون إن الامتداد المعتاد لهذا الذيل غالباً يبلغ عشرات الكيلومترات. Getty Images يمكن أن تمتد موجة الرياح الناتجة عن توربينات الرياح لأكثر من 100 كيلومتر وتشير دراسات إلى أنه في حالة إنشاء مزرعة في اتجاه الرياح قبل مزرعة رياح أخرى، فإنها قد تُضعف إنتاج الطاقة بالنسبة للمزرعة التي تقع في اتجاه الرياح بنحو 10 في المئة أو أكثر. ويُطلق على هذه الظاهرة عموما مصطلح "سرقة الرياح"، بيد أن إيريك فينسرواس، محامٍ نرويجي متخصص في طاقة الرياح البحرية، يقول: "مصطلح (سرقة الرياح) قد يكون مضللاً إلى حد ما، إذ لا يمكن سرقة ما لا يمكن تملّكه، فالرياح ليست ملكاً لأحد". وعلى الرغم من ذلك، يلفت إلى أن هذه الظاهرة قد تترتب عليها آثار سلبية متعددة على الشركات المطوّرة في قطاع مزارع الرياح، وقد تتسبب، في بعض الحالات، في حدوث مشكلات تمتد عبر الحدود الوطنية". جدير بالذكر أن هناك بالفعل عدداً من النزاعات القائمة بين شركات قطاع مزارع الرياح بشأن ما يُشتبه بأنه "سرقة للرياح"، الأمر الذي يُثير مخاوف الدول التي تعوّل على توسيع مشاريع الرياح البحرية لتحقيق أهدافها المناخية الصفرية. وعلى الرغم من أن ظاهرة "سرقة الرياح" كانت معروفة نظرياً منذ فترة طويلة، إلا أن حدّتها تزداد في الوقت الراهن نظراً للتوسع السريع في مزارع الرياح البحرية، ولضخامة حجم هذه المشروعات وكثافتها، وفقاً لما يؤكده الخبراء. وبحسب محاكاة أجراها بيتر باس بالتعاون مع باحثين من جامعة "دلفت" للتكنولوجيا والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية، من المتوقع أن يزداد تأثير الذيل الهوائي على إنتاج الطاقة البحرية في بحر الشمال خلال العقود المقبلة، وذلك نتيجة تزايد الاكتظاظ بمزارع الرياح في هذه المنطقة التي تشهد طفرة في التوسع البحري. ويؤكد باس أن كلما كانت مزرعة الرياح أكبر وأكثر كثافة، كان تأثير الذيل الهوائي أقوى. Getty Images تعمل الدول على تكثيف استخدام طاقة الرياح البحرية، مما يؤدي إلى نزاعات بين مطوري مزارع الرياح بشأن "سرقة الرياح" وأُطلق مشروع بحثي جديد في المملكة المتحدة الشهر الماضي، يهدف إلى تقديم صورة أوضح عن تأثير الذيل الهوائي، وذلك بغية مساعدة الحكومات والشركات المطوّرة في تحسين استراتيجياتها وتفادي النزاعات المستقبلية. ويلفت بابلو أورو، باحث بارز في مجال الهندسة المدنية بجامعة مانشستر والمُشرف على المشروع، إلى أن هذا المشروع سيعمل على وضع نموذج لتأثيرات الذيل الهوائي وتأثيرها على إنتاجية مزارع الرياح بحلول عام 2030، وهو الوقت الذي يُتوقع أن تحتوي فيه المياه البريطانية على آلاف التوربينات الإضافية مقارنة بالوضع الحالي. ويقول: "شهدنا تأثيرات الذيل الهوائي لعدة سنوات، وكنا على علم بحدوثها. وتكمن المشكلة في أنه من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني، نحن بحاجة إلى نشر قدر معين من طاقة الرياح البحرية. وبالتالي، في عام 2030، نحتاج إلى ثلاثة أضعاف القدرة الحالية، الأمر الذي يعني أنه في غضون أقل من خمس سنوات، يجب علينا نشر آلاف التوربينات الإضافية". ويضيف: "بعض هذه التوربينات ستعمل على مقربة شديدة من توربينات قائمة بالفعل، مما يجعل الوضع يزداد ازدحاماً على نحو تدريجي، وبالتالي بدأت تأثيرات الذيل الهوائي تُظهر أثراً بالغاً في الوقت الراهن". وتعهدت الحكومة البريطانية بأنه بحلول عام 2030، ستتمكن المملكة المتحدة من توليد الطاقة الكافية من المصادر المتجددة، مثل الرياح، لتلبية احتياجاتها من الكهرباء. وتسلط خطة حكومية بريطانية، صدرت العام الجاري، الضوء على ضرورة فهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل في هذا السياق، ووصفتها بقضية ناشئة تخلق حالة من الغموض بالنسبة لمزارع الرياح البحرية. ويقول أورو إن هناك حالياً عدداً من النزاعات في المملكة المتحدة بين الشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية بشأن تأثيرات الذيل الهوائي المحتملة، ويرى أن هذه النزاعات تُعزى جزئياً إلى الغموض بشأن التأثير الدقيق لهذه التيارات الهوائية. فعلى سبيل المثال، قد لا تُعبّر الإرشادات الحالية في المملكة المتحدة بشأن المسافات اللازمة لفصل مزارع الرياح البحرية لتجنب تأثيرات الذيل الهوائي، عن مدى تأثير هذه التيارات بشكل دقيق، فضلا عن ذلك وبسبب بناء مزارع الرياح البحرية في مجموعات، قد يكون من الصعب تقدير كيفية تأثير كل مزرعة على إنتاج الطاقة في مزرعة أخرى. ويوضح أورو: "عندما توجد مزرعتان للرياح، يكون من السهل جداً تقييم التفاعل بين مزرعة الرياح (أ) ومزرعة الرياح (ب)، والعكس أيضاً، لكن ماذا لو كان هناك ست مزارع رياح؟ كيف ستتفاعل هذه المزارع مع بعضها البعض؟ هذا ما لا نعرفه، ولكن من المؤكد أنه سيحدث مع التوسع المستمر في بناء مزارع الرياح". ويقول: "القضية الأخرى هي أن التوربينات أصبحت أكبر حجماً بشكل ملحوظ"، فالتوربينات أصبحت أطول، وأصبحت شفراتها أطول لزيادة قدرتها على توليد المزيد من الطاقة من الرياح. كما أن التوربينات الحديثة تحتوي على شفرات يصل طولها إلى ما يزيد على 100 متر، وهو ما يعادل طول ملعب لكرة القدم. Getty Images أصبحت توربينات الرياح أطول وشفراتها أكبر، في محاولة لالتقاط المزيد من الطاقة من الرياح ومن بين أكبر التوربينات البحرية، يستطيع كل توربين توليد طاقة تكفي لنحو 18 ألف إلى 20 ألف أسرة أوروبية، إلا أن هذه الزيادة في الحجم قد تؤدي إلى تفاقم تأثير الذيل الهوائي، حيث أن زيادة قُطر الدوّار قد يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي أطول، حسبما يقول أورو، مؤكداً أن هناك حاجة للمزيد من البحث لفهم هذا التأثير. وكان فينسرواس قد أشرف على دراسة لتأثيرات الذيل الهوائي والفجوات أثناء قيامه بأبحاث الدكتوراه في جامعة بيرغن في النرويج، وركزت الدراسة على تحليل كيفية تأثير ذيل هوائي من مزرعة رياح مخطط لها في النرويج على مزرعة رياح موجودة في الدنمارك بشكل سلبي. ويحذر فينسرواس من أن عدم معالجة مشكلة إدارة تأثيرات الذيل الهوائي قد يؤدي إلى نزاعات قانونية وسياسية، مما يؤدي إلى صعوبة جذب الاستثمارات في طاقة الرياح. ويقول: "من المرجح أن يكون بحر الشمال، وخاصة بحر البلطيق، في أوروبا على الأقل، مركزاً لإنشاء مزارع رياح بحرية على نطاق أوسع. لذا فإن قضية تأثيرات الذيل الهوائي من المرجح جداً أن تؤثر على انتقال الطاقة في بحر الشمال، وفي أماكن أخرى". وعلى صعيد الفرص الاستثمارية، يمكن أن تسبب تأثيرات الذيل الهوائي الصغيرة نسبياً مشكلات للشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية، كما يقول فينسرواس. ويضيف: "تكاليف بناء مزارع الرياح البحرية هائلة"، وذلك بسبب ضخامة هذه المزارع وأيضاً الأعمال المعقدة المرتبطة بها، مثل نشر السفن الخاصة، ولتبرير الاستثمار في هذا المجال وتحقيق الربح "من الضروري للغاية للشركات المطوّرة أن تكون قادرة على التنبؤ بأن المزرعة ستنتج كمية معينة من الكهرباء لمدة 25 أو 30 عاماً"، وهو العمر الافتراضي النموذجي لمزارع الرياح. ويلفت فينسرواس إلى أن حتى التراجع البسيط وغير المتوقع في تلك الطاقة المنتجة قد يخل بحسابات الاستثمار ويجعل المزرعة غير قابلة للتطبيق من الناحية المالية. ويحذر من أنه إذا حاولت الشركات المشغّلة أو الدول تجنب تأثيرات الذيل الهوائي عبر تأمين أفضل المواقع لأنفسها، فقد ينشأ خطر آخر، إذ قد تتسبب تأثيرات الذيل الهوائي في ما يعرف بـ "ظاهرة السباق نحو البحر"، أي تسريع الدول وتيرة تطوير مزارع الرياح بغية الاستفادة من أفضل موارد الرياح المتاحة حتى الآن، وقد يؤدي هذا التسريع في عملية التطوير إلى زيادة خطر إغفال جوانب أخرى هامة في تخطيط مزارع الرياح، مثل حماية البيئة البحرية. Getty Images ويرى أورو، من جامعة مانشستر، أيضاً أن هناك خطراً متزايداً من حدوث مشاكل عبر الحدود، مشيراً إلى أن "جميع الخلافات المطروحة حتى الآن في المملكة المتحدة هي بين مزارع الرياح البريطانية، ولكن ماذا لو حدث في المستقبل نزاع بين مزرعة رياح بريطانية ومزرعة رياح هولندية أو بلجيكية أو فرنسية؟ لذلك، كلما استطاعنا التنبؤ بهذه الحالة مسبقاً، وإعداد الأرضية لذلك، كان الأمر أفضل. وهذا يقلل من عدم اليقين ويحقق أكثر فائدة للصناعة". ويوصي فينسرواس الدول الأوروبية بمعالجة مشكلة سرقة الرياح من خلال التعاون والتشاور مع بعضها البعض عند تخطيط مزارع الرياح، فضلا عن وضع قوانين واضحة تساعد في إدارة الرياح كموارد مشتركة. ويقول إن الأمر في جوهره يمكن التعامل معه على أن الرياح مثلها مثل الموارد البحرية الأخرى المشتركة التي تخضع للتنظيم، مثل حقول النفط التي تعبر حدود الدول، أو الأسماك. ويضيف أنه لحل هذه المسائل المعقدة، من المفيد أن تتمتع الدول الأوروبية المعنية بعلاقات سياسية جيدة فيما بينها. ويقول: "علينا أن نلجأ إلى خفض الكربون في قطاعات الطاقة، ويجب أن يتم ذلك بسرعة كبيرة، هذا هو الطموح الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسياسات الرياح البحرية". ويضيف: "لذلك، لا شك في أن كل هذا يحدث بسرعة شديدة. لكن لا يجب أن يمنعنا ذلك من إيجاد حلول جيدة لأن الأمور تحدث بسرعة"، فلا توجد مصلحة لأحد في الصراع على الرياح، بل "يوجد دافع للتعاون من أجل التوصل إلى حلول عادلة بين الدول، على الرغم من أن التوسع في إنتاج طاقة الرياح يمضي قدماً بسرعة كبيرة". وليس الاتحاد الأوروبي وحده الذي يسابق الزمن لفهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل، فعلى سبيل المثال، تسعى الصين إلى توسيع مزارع الرياح البحرية لديها بسرعة، وقد لفت الباحثون الانتباه إلى التأثير المتزايد للذيل الهوائي على مزارع الرياح البحرية الصينية. ومنذ إعلان المشروع في شهر مارس/آذار، تلقى أورو عدداً كبيراً من رسائل البريد الإلكتروني من أشخاص مهتمين بالمشروع، وهو يرى أن هذا يوضح مدى الحاجة إلى الدراسة، قائلاً :"نحتاج إلى فهم هذا الأمر، ونحتاج إلى المضي قدماً من أجل وضع نماذج له، حتى يكون لدى الجميع ثقة، لأننا بحاجة إلى هذه الكمية من الرياح البحرية للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، ويجب أن نحقق ذلك".

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟
هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

الوسط

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

Getty Images تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستحسن من حياة البشر من خلال تأدية مهام مملة أو شاقة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، ومن ثم تمنحنا فرصة أكبر للاستمتاع بالحياة أو التفرغ لأشياء أخرى أكثر أهمية. هذه هي وجهة نظر المتحمسين لما يعرف بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) التي انتشرت بشكل مهول في الأعوام القليلة الماضية، ولا سيما وسط الشعبية الهائلة التي حظي بها روبوت الدردشة "تشات جي. بي. تي" الذي بلغ العدد الأسبوعي لمستخدميه النشطين في فبراير/شباط الماضي مليون مستخدم، وفق شركة "أوبن. إيه. آي" التي أطلقته في عام 2022. على سبيل المثال، مهام مثل تلخيص الوثائق الطويلة أو صياغة رسائل إلكترونية روتينية أو ترجمة نصوص بسيطة أو كتابة سيرتك الذاتية بطريقة مهنية – كلها أشياء يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بها في ثوان معدودات. لكن هناك من يحذر من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلا من أن يطلق العنان لأدمغتنا للانخراط في أشياء أهم وأعمق، قد يجعلنا "أكثر غباء". فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل نستطيع الاستفادة من إمكانياته الهائلة من دون أن يؤدي ذلك إلى أن نصبح أقل ذكاء وإبداعا؟ إضعاف مهارات التفكير النقدي من بين أحدث الدراسات التي ربطت بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرات المعرفية والإدراكية للبشر دراسة أجرتها شركة مايكروسوفت بالتعاون مع باحثين من جامعة كارنيغي ميلون في وقت سابق من العام الحالي. الدراسة، التي شملت 319 شخصا يعملون في مهن تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، وجدت أن هذه التقنية تغير طريقة التفكير النقدي لدى هؤلاء الأشخاص. فهي تقلل المجهود الذهني المطلوب لتنفيذ المهام، فيفرط المستخدمون في اعتمادهم على مخرجات الذكاء الاصطناعي، خصوصا عندما يثقون بها أكثر من اللازم. ويتحول المستخدمون من جامعين للمعلومات إلى متحققين من صحتها، من منفذين نشطين للمهام إلى مشرفين على مخرجات الذكاء الاصطناعي. وحددت الدراسة عدة أشياء قالت إنها تعرقل التفكير النقدي في المهام التي يساعد الذكاء الاصطناعي في تنفيذها، من بينها انخفاض الدافع للتفاعل بعمق مع المحتوى، وعدم امتلاك القدرة أو المعرفة الكافية لتقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. وهناك دراسة أخرى أجراها الدكتور مايكل غرليتش مدير معهد الاستشراف الاستراتيجي والاستدامة المؤسساتية بكلية التجارة السويسرية (إس.بي.إس) على 666 شخصا، وجدت أن ثمة صلة بين الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرة على التفكير النقدي. يقول البروفيسور غرليتش لـ"بي. بي. سي. عربي" إن البحث الذي أجراه أظهر أن أدوات الذكاء الاصطناعي "تشجع على التفريغ الإدراكي، أو بعبارة أخرى الاستعانة بمصدر خارجي هو الآلات للتفكير نيابة عنا. هذا ليس سلبيا في حد ذاته، ولكن إذا اعتدنا عليه، فإنه قد يقوض من قدرتنا على القيام بالتفكير المنطقي المعقد أو حل المشكلات أو التفكير النقدي". التفكير النقدي لا يعني مجرد اكتشاف الأخطاء، بل هو عملية ذهنية معقدة تمكن الشخص من الحكم على معلومة ما بشكل منطقي وموضوعي من خلال فهم وتفسير الأدلة التي يجمعها عن طريق الملاحظة والقراءة والتجربة والنظر بعين الشك إلى الافتراضات القائمة وأخذ وجهات النظر المختلفة بعين الاعتبار. وللتفكير النقدي أهمية كبيرة في تعزيز اتخاذ القرارات وتحسين مهارات حل المشكلات وتقييم المعلومات وبناء الحجج القوية وزيادة الوعي بالذات والإبداع وتحسين مهارات اللغة والتعبير عن الأفكار. يضيف غرليتش أن "عضلاتنا الذهنية، كتلك التي تستخدم في التفكير التحليلي، من الممكن أن يصيبها الوهن إذا لم تُدَرب بانتظام. ومع مرور الوقت، قد يؤدي اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي إلى تقويض قدرتنا على التفكير النقدي، ولا سيما في المواقف المصيرية أو الغامضة التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التعامل معها. لقد أظهرت دراستي أن الشباب والأشخاص محدودي التعليم بوجه خاص يميلون إلى الاستعانة بتلك التقنية للقيام بعملية التفكير، وهو ما أدى إلى انخفاض مهارات التفكير النقدي لديهم". Getty Images هل تحارب أدمغتنا على عدة جبهات؟ التحذير من الإفراط في استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لما قد يكون له من تأثير سلبي محتمل على وظائفنا المعرفية والإدراكية يضاف إلى تحذيرات مماثلة من الإفراط في استخدام التقنيات الرقمية الحديثة خلال العقد الأخير. على سبيل المثال، هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ. وفي نهاية عام 2024، اختار قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية مصطلح "brain rot" أو "تعفن الدماغ" ليكون مصطلح العام. يشير المصطلح إلى "التدهور المفترض لحالة الشخص العقلية والفكرية، ولا سيما عندما يُنظر إليه على أنه نتيجة للاستهلاك المفرط للمواد (خاصة محتويات الإنترنت) التي تعد تافهة أو لا تشكل تحدياً للعقل"، وفق تعريف القاموس. ربما يتساءل البعض عما إذا كان اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي التوليدي أسوأ من اعتمادنا على محركات البحث على الإنترنت، أو الإفراط في مشاهدة المحتوى "التافه" على وسائل التواصل الاجتماعي. يرى البروفيسور غرليتش أن "ما تفعله وسائل التواصل ومحركات البحث بالأساس هو تشتيت انتباهنا أو توجيهه، وعادة ما يؤدي ذلك إلى تفتيت تفكيرنا وإغراقنا بالمعلومات الضحلة. أما الذكاء الاصطناعي التوليدي فينتج لنا محتوى، ومن ثم يخطو خطوة إضافية، إذ يفكر بالنيابة عنا. إنه اختلاف صغير ولكن مهم للغاية. عندما نتوقف عن صياغة حججنا أو التحقق من صحة المعلومات بشكل مستقل، فإننا نخاطر ليس فقط بفقدان تركيزنا، ولكن أيضا باستقلالنا المعرفي". ويضيف: "لذا، فإنه رغم أن الاتجاهين مثيران للقلق، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الفكر البشري قد تشكل تحدياً أعمق وأطول أمدا لكيفية بنائنا للمعرفة واتخاذنا للقرارات". Getty Images هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ الوجه الآخر قد يبدو الأمر بسيطا: اعتمادنا الزائد على الذكاء الاصطناعي وجعله يفكر بدلا من أن نفكر نحن ونستخدم وظائفنا الإدراكية والمعرفية سيؤدي إلى تقويض قدرتنا على التفكير المنطقي أو النقدي، ومن ثم يجعلنا أقل ذكاء أو "أكثر غباء" كما يحلو لبعضهم أن يقول. لكنّ للصورة أبعادا أخرى. فالذكاء البشري مفهوم معقد يتأثر سلبيا أو إيجابيا بعوامل عديدة، منها الجينات الوراثية والتغذية والصحة البدنية والتعليم والتربية والتلوث، وهو ما يجعل من الصعب برأي بعض الخبراء النظر إلى تأثير عامل واحد بمعزل عن باقي العوامل. كما أن هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير الطريقة التي نفكر بها، ولكن ليس بالضرورة إلى الأسوأ. يقول دكتور كارلوس زدنيك مدير مركز فلسفة الذكاء الاصطناعي بجامعة إيندهوفين في هولندا لـ بي. بي. سي. عربي إن من بين الآثار التي قد تترتب على ذلك هو "أن تفكيرنا، أو الطريقة التي نعبر بها عن تفكيرنا، على الأرجح سوف تتغير. ففي حين كنا في السابق نعبر عما نفكر فيه بالكلام أو الكتابة أو الرسم أو عزف الموسيقى مثلا، في المستقبل قد نعبر عنه بطرق تعتمد على التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي أو استخدامها لمساعدتنا على القيام بكافة تلك الأنشطة وغيرها. وبالطبع هذه ليست ظاهرة جديدة، ففان غوخ أظهر عبقريته بالطريقة التي كان يستخدم بها فرشاة الرسم، وروجر فيدرر بطريقة استخدامه لمضرب التنس...الجيل القادم من المفكرين ربما سيظهر مواهبه بالطريقة التي يستخدم بها الذكاء الاصطناعي". Getty Images تزايد استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، بما في ذلك بين الشباب والأطفال كيف نستفيد من دون أن نصبح "أكثر غباء"؟ الدراسة التي أجرتها مايكروسوفت أظهرت أن الأشخاص الذين لديهم ثقة بالنفس كانوا أكثر نزوعا لاستخدام التفكير النقدي للتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي. وخلصت إلى أن ثمة حاجة إلى أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مصممة بحيث تعزز التفكير النقدي لدى العاملين في مجالات تتطلب استخدام المعلومات. وإلى أن يتحقق ذلك، يتعين على المستخدم التعاطي مع الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعله يتفادى خطر أن يؤدي ذلك إلى إضعاف قدراته على اتخاذ القرارات وعلى مهاراته الإدراكية والمعرفية. يقول البروفيسور غرليتش: "كلما تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه مساعد قائد الطائرة وليس طيارا آليا، كلما حافظنا على قدراتنا الإدراكية والمعرفية بل وعززناها". ويضيف أنه ينبغي أن "نتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بوصفه بديلا للتفكير، ولكن كشريك نتناقش معه، كشيء يتحدانا وينقح أفكارنا ويساعدنا على استكشاف وجهات نظر مختلفة. ولتفادي البلادة الفكرية، يجب أن نتفاعل بشكل واعٍ مع مخرجات الذكاء الاصطناعي، ونطرح أسئلة وننتقد الافتراضات ونتحقق من صحة المزاعم". أما الدكتور زدنيك فيشدد على أهمية "محو الأمية" في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك التعريف بما تعنيه تلك التقنية، وكيف تعمل، وما تستطيع وما لا تستطيع تحقيقه، ومتى ينبغي استخدامها، ومتى لا ينبغي استخدامها. ويضيف: "أتوقع أن تنتشر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، ولذا من المهم أن يتم هذا النوع من محو الأمية مبكرا وعلى نطاق موسع. الأطفال ينبغي أن يتعلموه، والمعلمون ينبغي أن يدرسّوه. لا يجب أن نحظر على الأطفال استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب أن نعلمهم كيف يستخدمونه بحكمة". ويشير زدنيك كذلك إلى أهمية تحمل الحكومات مسؤولية إدارة تقنية الذكاء الاصطناعي "بما يحقق توازنا بين سلامة المجتمع من جهة، والنمو الاقتصادي والابتكار من جهة أخرى". خلاصة القول: الذكاء الاصطناعي التوليدي مثله مثل أي تقنية أخرى يمكن أن تكون له منافع هائلة للأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يعود علينا بالضرر، والأمر يتوقف إلى حد كبير على طريقة استخدامنا له. ومن خلال التوعية بإمكانياته وطريقة عمله ومواطن ضعفه، والتشجيع على التفاعل معه بشكل لا يلغي تفكيرنا، يمكننا استثمار إمكاناته الهائلة من دون أن نصبح أقل ذكاء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store