logo
"طرق الحج".. من دروب المشقة والخوف إلى مسارات الراحة والأمان

"طرق الحج".. من دروب المشقة والخوف إلى مسارات الراحة والأمان

سعورسمنذ 4 ساعات

ففي الماضي، كانت قوافل الحجيج القادمة من مختلف الأقطار تمر عبر مسارات شاقة، كدرب الحج الشامي والمصري والعراقي واليمني، تعبر من خلالها الجبال والصحارى، وتواجه تقلبات الطبيعة وندرة الماء، فضلًا عن احتمالات انقطاع الإمداد أو التعرض للخطر. وكان الطريق يستغرق شهورًا، ويعتمد الحجاج على محطات الاستراحة والآبار المنتشرة على طول المسار، بالإضافة إلى جهود الأهالي والقبائل في تأمين الغذاء والمأوى.
ورغم كل تلك التحديات، كانت هذه الرحلات تمثل تجارب إيمانية عميقة، يتجلّى فيها الصبر والتوكّل، وتُسجّل في مدونات التاريخ بروايات الرحالة والمؤرخين، الذين وصفوا تفصيلًا مشقّة الطريق وأحوال الحجيج.
ومع توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بدأ فصل جديد من التغيير الجذري في مسارات الحج، حيث أُنشئت شبكات طرق برية وخطوط سكك حديدية وموانئ ومطارات، رافقها تطوير منظومة النقل والخدمات اللوجستية، حتى أصبحت الرحلة التي كانت تستغرق شهورًا لا تتجاوز اليوم بضع ساعات، محاطة بأعلى معايير السلامة والرعاية.
وفي إطار هذه النقلة النوعية، شهدت المملكة توسعًا كبيرًا في شبكات المطارات المنتشرة في جميع مناطقها، حيث أصبحت بوابات جوية متكاملة على مدار العام، تستقبل مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم. وقد خضعت هذه المطارات لتحديثات شاملة، شملت التوسعة، ورفع الطاقة الاستيعابية، وتطوير مرافقها بما يواكب الزيادة المستمرة في أعداد الزوار.
كما اعتمدت منظومة الحج على أحدث الحلول الرقمية والتقنيات الذكية، التي سهّلت الإجراءات بشكل غير مسبوق، من خلال أنظمة إلكترونية متكاملة تُدار بذكاء اصطناعي، تتيح تتبع حركة الحشود، وإصدار التصاريح، وتقديم الخدمات التوعوية واللوجستية بمرونة وسرعة، عبر تطبيقات ذكية متعددة اللغات.
ومن أبرز المبادرات الرائدة في هذا السياق، مبادرة "طريق مكة"، التي أطلقتها المملكة لتيسير إجراءات الحجاج من بلدانهم، إذ يتم استكمال كافة إجراءات الدخول من المطارات في الدول المستفيدة، بما في ذلك التحقق من الوثائق، إصدار تأشيرات الدخول، تسجيل الخصائص الحيوية، والتخليص الجمركي، لتصل أمتعة الحاج مباشرة إلى مقر إقامته في المملكة، في تجربة تُجسّد التكامل التقني والخدمي من نقطة الانطلاق حتى الوصول.
وعلى الصعيد الإنساني، عززت المملكة خدماتها بحضور تطوعي واسع، بمشاركة آلاف المتطوعين في الميدان، لتقديم الدعم والإرشاد والمساندة، مما يعكس روح العطاء والتكافل، ويُجسّد القيم السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير تجربة حج استثنائية ترتقي إلى تطلعات القيادة الرشيدة.
واليوم، تواصل المملكة تقديم نموذج متقدم في إدارة شؤون الحج، من خلال رؤية المملكة 2030، التي وضعت خدمة الحجيج في صدارة أولوياتها، عبر تطوير البنى التحتية والمرافق الذكية في المشاعر المقدسة، وتيسير التنقل بين المواقع بوسائل حديثة، تشمل القطارات، والحافلات الترددية، والطرق السريعة، إلى جانب أنظمة إلكترونية تسهم في تنظيم الحشود وتيسير الإجراءات.
ويؤكّد هذا التحول الشامل التزام المملكة الراسخ بخدمة الإسلام والمسلمين، ويجسّد رسالتها في توفير أجواء آمنة ومريحة لحجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسكهم بطمأنينة، مستشعرين عمق الرسالة ومهابة المقصد.
وتبقى طرق الحج، من الماضي إلى الحاضر، شاهدًا حيًا على تطور هذه البلاد المباركة، وسعيها المستمر لجعل الرحلة الإيمانية أكثر رحابة وسلامًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الفحلتين".. استراحة درب الحاج الشامي
"الفحلتين".. استراحة درب الحاج الشامي

سعورس

timeمنذ 4 ساعات

  • سعورس

"الفحلتين".. استراحة درب الحاج الشامي

ووثّق عدد من المؤرخين والرحالة هذا الموضع، منهم "السمهودي" في كتابه "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى"، إذ أشار إلى أنهما قناتان تحتهما صخر على مسافة يوم من المدينة ، كما أكد "الفيروزآبادي" في "المغانم المطابة في معالم طابة" أهمية الموقع بوصفه من المعالم البارزة التي مر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وجيش المسلمين في طريقهم إلى تبوك. وأورد "محمد بن عبدالله المولوي" المتوفى سنة 1070ه، في كتابه "رحلة الشتاء والصيف" أن الموقع يضم قناتين على شاهق جبل من غربي الجادة، بينما ذكر "السويدي" في "النفحة المسكية في الرحلة المكية" أن التسمية تعود إلى انعزال الجبل عن العمران، كالفحل الذي إذا قرع الإبل اعتزلها. وأوضح المؤرخ والباحث في التاريخ الإسلامي الدكتور فؤاد المغامسي أن "جبل الفحلتين" المعروف أيضًا ب"فيفاء الفحلتين"، يقع في محيط قرية "شجوى" شمال غرب المدينة المنورة ، ويتمتع بموقع جغرافي بارز لا تخطئه العين، وتحيط به أرض منبسطة يحدّها عدد من المرتفعات. وأشار إلى أن هذه البقعة كانت تُستخدم محطة استراحة على درب الحاج الشامي، وقد عُرفت محليًا بمسميات مثل "حصن عنتر" أو "إسطبل عنتر"، وتنتشر حولها آثار لمبانٍ ومرافق يُرجّح أنها خُصّصت لخدمة قوافل الحجاج والمسافرين، فيما يبلغ ارتفاع الجبل قرابة 1084 مترًا. وأفاد أن الجبل يمثّل نقطة مرور رئيسة للقوافل التجارية وقوافل الحجيج القادمة من الشام وبلاد الشمال، إذ كانت تتخذ من هذا الموقع محطة للتزوّد والاستراحة، في ظل صعوبة المسافات وقسوة البيئة، ضمن المسارات التاريخية والجغرافية للحج، وبيّن أن درب الحج الشامي يمر بتضاريس متنوعة، ويزخر بعدد من المواقع التي ارتبطت بالسيرة النبوية ودروب الحجيج.

«قُرح».. محطة تاريخية لقوافل الحجاج والتجارة جنوب «العُلا»
«قُرح».. محطة تاريخية لقوافل الحجاج والتجارة جنوب «العُلا»

سعورس

timeمنذ 4 ساعات

  • سعورس

«قُرح».. محطة تاريخية لقوافل الحجاج والتجارة جنوب «العُلا»

وتقع «قُرح» على بُعد نحو عشرين كيلومترًا جنوب البلدة القديمة في «العُلا»، بالقرب من قرية «مغيْراء»، وتنتشر آثارها في سهل فسيح تحيط به جبال متوسطة الارتفاع، ما يجسد أهميتها الجغرافية في شبكة الطرق القديمة، كما عُرفت منذ ما قبل الإسلام بنشاطها التجاري، حيث كانت حاضرة وادي القرى ومجمعًا لأسواق العرب، كما ورد في وصف المؤرخ «ابن الكلبي» الذي عدّها مركزًا تجاريًا وثقافيًا ومهدًا للفنون. وتوالت الإشارات إلى قُرح في مؤلفات الجغرافيين والرحالة، إذ وصفها «الأصطخري» في القرن الرابع الهجري بأنها من كبريات مدن الحجاز بعد مكة ، والمدينة ، واليمامة، مشيرًا إلى ما فيها من عيون ونخيل وحركة تجارية مزدهرة، كما صنّفها «المقدسي» ضمن أهم نواحي الجزيرة العربية، وذكر أنها من أكثر البلاد عمرانًا وأهلاً وتجّارًا بعد مكة المكرمة ، مشيدًا بأسواقها وقلاعها وتنوع سكانها القادمين من مناطق متعددة. ومع مرور الزمن، بدأت ملامح الانحسار تظهر على المدينة ، وقد رصد الجغرافي «ياقوت الحموي» في القرن السابع الهجري ما أصابها من اندثار نسبي، إلا أنه أشار إلى استمرار تدفق مياهها وبقاء آثارها شاهدة على ماضيها المزدهر. وفي أواخر القرن السادس الهجري، بدأ اسم «قُرح» يتوارى تدريجيًا، لتحل مكانها مدينة «العُلا» الواقعة شمال الوادي، والتي وصفها الرحالة «ابن بطوطة» خلال مروره بها عام 725ه بأنها قرية كبيرة حسنة تتوفر فيها المياه والبساتين، وكانت تمثل محطة استراحة رئيسة لقوافل الحجاج المتجهين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.وتضم آثار «قُرح» بقايا منشآت معمارية وأسواقًا وشوارع وقصورًا تجسد حجم النشاط الاقتصادي والعمراني الذي شهدته المدينة ، كما تظهر أنماط معمارية تعود للعصور الإسلامية الأولى، ما يدل على استمرار الاستيطان والنمو الحضاري بعد الإسلام. وكانت المدينة تقع على مسار «طريق البخور» التاريخي، الذي كان يستخدمه التجار في نقل السلع الثمينة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها، مرورًا بوادي القرى، ما منحها دورًا حيويًا في الربط بين المراكز التجارية والحضارية في شبه الجزيرة. وتواصل الهيئة الملكية لمحافظة العُلا جهودها في الكشف عن أسرار هذه المدينة العريقة، من خلال تنفيذ أعمال مسح وتنقيب ميداني بالتعاون مع خبراء دوليين ومراكز بحثية متخصصة، بهدف توثيق تاريخ «قُرح» وإبراز دورها كمركز محوري في مسارات الحجاج والتجار عبر القرون.

"طرق الحج".. من دروب المشقة والخوف إلى مسارات الراحة والأمان
"طرق الحج".. من دروب المشقة والخوف إلى مسارات الراحة والأمان

سعورس

timeمنذ 4 ساعات

  • سعورس

"طرق الحج".. من دروب المشقة والخوف إلى مسارات الراحة والأمان

ففي الماضي، كانت قوافل الحجيج القادمة من مختلف الأقطار تمر عبر مسارات شاقة، كدرب الحج الشامي والمصري والعراقي واليمني، تعبر من خلالها الجبال والصحارى، وتواجه تقلبات الطبيعة وندرة الماء، فضلًا عن احتمالات انقطاع الإمداد أو التعرض للخطر. وكان الطريق يستغرق شهورًا، ويعتمد الحجاج على محطات الاستراحة والآبار المنتشرة على طول المسار، بالإضافة إلى جهود الأهالي والقبائل في تأمين الغذاء والمأوى. ورغم كل تلك التحديات، كانت هذه الرحلات تمثل تجارب إيمانية عميقة، يتجلّى فيها الصبر والتوكّل، وتُسجّل في مدونات التاريخ بروايات الرحالة والمؤرخين، الذين وصفوا تفصيلًا مشقّة الطريق وأحوال الحجيج. ومع توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بدأ فصل جديد من التغيير الجذري في مسارات الحج، حيث أُنشئت شبكات طرق برية وخطوط سكك حديدية وموانئ ومطارات، رافقها تطوير منظومة النقل والخدمات اللوجستية، حتى أصبحت الرحلة التي كانت تستغرق شهورًا لا تتجاوز اليوم بضع ساعات، محاطة بأعلى معايير السلامة والرعاية. وفي إطار هذه النقلة النوعية، شهدت المملكة توسعًا كبيرًا في شبكات المطارات المنتشرة في جميع مناطقها، حيث أصبحت بوابات جوية متكاملة على مدار العام، تستقبل مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم. وقد خضعت هذه المطارات لتحديثات شاملة، شملت التوسعة، ورفع الطاقة الاستيعابية، وتطوير مرافقها بما يواكب الزيادة المستمرة في أعداد الزوار. كما اعتمدت منظومة الحج على أحدث الحلول الرقمية والتقنيات الذكية، التي سهّلت الإجراءات بشكل غير مسبوق، من خلال أنظمة إلكترونية متكاملة تُدار بذكاء اصطناعي، تتيح تتبع حركة الحشود، وإصدار التصاريح، وتقديم الخدمات التوعوية واللوجستية بمرونة وسرعة، عبر تطبيقات ذكية متعددة اللغات. ومن أبرز المبادرات الرائدة في هذا السياق، مبادرة "طريق مكة"، التي أطلقتها المملكة لتيسير إجراءات الحجاج من بلدانهم، إذ يتم استكمال كافة إجراءات الدخول من المطارات في الدول المستفيدة، بما في ذلك التحقق من الوثائق، إصدار تأشيرات الدخول، تسجيل الخصائص الحيوية، والتخليص الجمركي، لتصل أمتعة الحاج مباشرة إلى مقر إقامته في المملكة، في تجربة تُجسّد التكامل التقني والخدمي من نقطة الانطلاق حتى الوصول. وعلى الصعيد الإنساني، عززت المملكة خدماتها بحضور تطوعي واسع، بمشاركة آلاف المتطوعين في الميدان، لتقديم الدعم والإرشاد والمساندة، مما يعكس روح العطاء والتكافل، ويُجسّد القيم السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير تجربة حج استثنائية ترتقي إلى تطلعات القيادة الرشيدة. واليوم، تواصل المملكة تقديم نموذج متقدم في إدارة شؤون الحج، من خلال رؤية المملكة 2030، التي وضعت خدمة الحجيج في صدارة أولوياتها، عبر تطوير البنى التحتية والمرافق الذكية في المشاعر المقدسة، وتيسير التنقل بين المواقع بوسائل حديثة، تشمل القطارات، والحافلات الترددية، والطرق السريعة، إلى جانب أنظمة إلكترونية تسهم في تنظيم الحشود وتيسير الإجراءات. ويؤكّد هذا التحول الشامل التزام المملكة الراسخ بخدمة الإسلام والمسلمين، ويجسّد رسالتها في توفير أجواء آمنة ومريحة لحجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسكهم بطمأنينة، مستشعرين عمق الرسالة ومهابة المقصد. وتبقى طرق الحج، من الماضي إلى الحاضر، شاهدًا حيًا على تطور هذه البلاد المباركة، وسعيها المستمر لجعل الرحلة الإيمانية أكثر رحابة وسلامًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store