أطفالنا.. لسان الحال وحال اللسان
* حتى لا يتهم هذا المقال بالتشاؤمية على الأثر، أقول أولاً بعدم ظني أن لغتنا العربية بخطر محدق وإنما هي في أول مراحل الهوان. تتبوأ العربية المرتبة الخامسة في عدد المتحدثين عالمياً وليست على قائمة نصف لغات العالم المتوقع اندثارها مع أفول قرننا الزمني هذا حسب اليونيسكو. يعود الفضل في هذا لكنز اسمه التراث العربي يحوي القرآن الكريم والشعر العربي في باكورته ثم أمهات الكتب والعلوم نتاج التدوين بالعربية بعد الفتوحات بأمر الخليفة عبدالملك بن مروان أكرم الله صنعه. أما الهوان الذي أصاب لغة الضاد، وهو محور الاهتمام هنا، فهو من صنع الإنسان العربي المعاصر. يقول ديفيد كريستال في كتابه «موت اللغة» إن اللغة لا تموت في الغالب لموت ناطقيها بل لاتخاذهم موقفاً سلبياً من لغتهم وخضوعهم للغة حضارة سائدة في زمنها. يرى كريستال أن الحل لمنع ذلك -بعد جمع الإحصائيات وفهم الأرقام- يتمركز حول خلق علاقة إيجابية بين الإنسان ولغته قوامها الاعتزاز باللغة واستيعاب منابع قوتها، أو ما يدعوه كريستال «بريستيج اللغة». هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه دون إقحام اللغة والزج بها بكثافة في المناهج الدراسية والمعاملات الحكومية وحتى في التكنولوجيا الرقمية والألعاب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي حسب القدرة. السبب في ذلك هو أن الاعتزاز باللغة وتلمس بريستيجها لا يمكن زرعه قهراً وإنما يأتي طوعاً بعد تشرب اللغة والتقرب منها. بمعنى آخر، يمكن وصف المرحلة الأولى لهوان اللغة ثم موتها البطيء بموقف أطفالها منها وظنهم السيئ بها أنها لغة مقيدة وغير فعالة. وهذا موقف أظنه بدأ يتشكّل لدى الطفل العربي دون محاولات جادة لمنعه.هنا وقت تعريج على حال أطفالنا في المملكة العربية السعودية وفهم موقفهم من لغتهم. أظن استيعاب الموقف مشوشاً بعوامل متضاربة منها اختلاف عينة التعليم الخاص عن العام، والمادة العلمية عن الأدبية، واللغة المكتوبة عن المتحدثة، والورقية عن الرقمية، وحتى اللغة الدارجة عن الفصحى. الموضوع شائك ويحتاج إلى لجان متخصصة لفهمه، والفهم بداية العمل على إنعاش اللغة ومنع موتها البطيء. الدراسات والأرقام في هذا المجال شحيحة رغم أهميتها، لكن استطلاعاً حديثاً من جامعة الملك سعود على عينة أطفال من مدارس خاصة بالرياض سلّط الضوء على أرقام مخيفة. وجد الاستطلاع أن ربع الأطفال لا يتكلمون سوى الإنجليزية في كل مناحي الحياة، وربعاً آخر يفضل الإنجليزية، وربعاً يستطيع التنقل بين اللغتين، وربعاً أخيراً يفضل أو لا يتكلم سوى بالعربية. خلصت الدراسة إلى أننا نعيش بداية منحى تغير في لسان أطفالنا.إحياء اللغة بعد موتها طريق وعر، لكن إبقاءها حية ومتماسكة حتى يتغير حال الحضارات المتقلب ممكن وسهل. لا يذكر التاريخ على المثال الأول سوى إحياء العبرية في القرنين الماضيين بعد اندثارها الكامل وبعض لغات السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية. أما تمكين اللغة الوطنية فنراه حاضراً بشكل قوي في الصين وفرنسا ودول كثيرة. حتى الدول الأقل شأناً تنبهت للمشكلة، فقامت الفلبين على سبيل المثال بإنشاء برنامج اللغات الأم أساساً في التعليم الابتدائي «Mother Tongue-Based Multilingual Education» لتعزيز لغاتها القومية الأصلية. يرى بعض الباحثين أن العربية كبيرة وغزيرة على الاندثار، ولكنها قد تتفكك وتعوج ببطء كاللاتينية إلى لغات مختلفة، وهذا شأن لا يقل خطورة عن الاندثار الكامل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في مبادرة «طريق مكة»
وأكدت العريف سارة الجهني، على شرف الخدمة العظيمة التي كلفت بها في بلدان الحجاج ومشاركتها في الجهود المبذولة لتقديم الجودة العالية في تنظيم رحلتهم، مبينة أن المشاعر لاتوصف في رؤية أعينهم المليئة بالشوق والفرح لتأدية الفريضة. ونوهت بالمسؤولية الكبيرة في تمثيل الوطن في المهمة بمبادرة "طريق مكة" وأملها أن تكون عند حسن الظن وأن يكتب الله عز وجل لها ولزملائها المثوبة والأجر في خدمة الدين والوطن. بدورها أعربت العريف دلال شبياني عن سعادتها بالمشاركة في طريق مكة بمملكة ماليزيا والإسهام بالخدمة العظيمة عبر المبادرة بالتسهيلات والاحترافية في تيسير رحلة الحجاج. وغادرت أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من مملكة ماليزيا ، إلى المملكة يوم 29 أبريل 2025م، عبر صالة المبادرة في مطار الدولي، متجهة إلى مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بمنطقة المدينة المنورة. وتهدف مبادرة "طريق مكة" إلى تقديم الجودة العالية في خدمة ضيوف الرحمن، باستقبالهم وإنهاء إجراءاتهم في بلدانهم بسهولة ويسر، بدءًا من أخذ الخصائص الحيوية وإصدار تأشيرة الحج إلكترونيًّا، مرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة، بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، وترميز الأمتعة وفرزها وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، والانتقال مباشرة إلى الحافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الشريكة إيصال أمتعتهم إليها.


الحدث
منذ 3 ساعات
- الحدث
250 مظلة متحرّكة مزوّدة بـ 436 مروحة رذاذ لتلطيف الأجواء في ساحات المسجد النبوي
يُعد مشروع تظليل ساحات المسجد نموذجًا متقدمًا في توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة ضيوف الرحمن، ويجسّد في الوقت ذاته اهتمام القيادة الرشيدة - أيدها الله - بتعزيز مستوى الراحة والطمأنينة للمصلين والزوار، وتوفير بيئة روحانية متكاملة تليق بمكانة المسجد النبوي. ويتضمن المشروع قرابة (250) مظلة متحركة موزعة في الساحات المحيطة بالمسجد النبوي، جُهزت بـعدد (436) مروحة رذاذ، تحتوي كل مروحة منها على (16) منفذًا لرش المياه المعالجة، بهدف تلطيف الأجواء خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، وتوفير مناخٍ معتدل، يُسهم في رفع مستوى الراحة داخل الساحات. وتستوعب المظلات أكثر من (228) ألف مصلٍ في الوقت نفسه، ضمن منظومة متكاملة تراعي الجوانب الروحانية والخدمية، حيث تم تخصيص غرفة تحكم مركزية لإدارة وتشغيل المظلات بكفاءة عالية، تضمن الاستجابة الفورية لمتغيرات الطقس واحتياجات الزوار. ويعد المشروع أحد المبادرات النوعية التي تجمع بين التصميم المعماري الراقي، والدقة التقنية العالية، بما يعكس العناية الشاملة بساحات المسجد النبوي، ويعزز مكانة المدينة المنورة، وجهة دينية وروحانية رائدة لجميع المسلمين.


شبكة عيون
منذ 5 ساعات
- شبكة عيون
436 مروحة رذاذ لتلطيف أجواء ساحات المسجد النبوي
436 مروحة رذاذ لتلطيف أجواء ساحات المسجد النبوي ★ ★ ★ ★ ★ يُعدّ مشروع تظليل ساحات المسجد نموذجًا متقدمًا في توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة ضيوف الرحمن، ويجسّد في الوقت ذاته اهتمام القيادة الرشيدة ــ أيدها الله ــ بتعزيز مستوى الراحة والطمأنينة للمصلين والزوار، وتوفير بيئة روحانية متكاملة تليق بمكانة المسجد النبوي. ويتضمن المشروع قرابة (250) مظلة متحركة موزعة في الساحات المحيطة بالمسجد النبوي، جُهزت بعدد (436) مروحة رذاذ، تحتوي كل مروحة منها على (16) منفذًا لرش المياه المعالجة، بهدف تلطيف الأجواء خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، وتوفير مناخٍ معتدلٍ، يسهم في رفع مستوى الراحة داخل الساحات. وتستوعب المظلات أكثر من (228) ألف مصلٍ في الوقت نفسه، ضمن منظومة متكاملة تراعي الجوانب الروحانية والخدمية، حيث تم تخصيص غرفة تحكم مركزية لإدارة وتشغيل المظلات بكفاءة عالية، تضمن الاستجابة الفورية لمتغيرات الطقس واحتياجات الزوار. ويعد المشروع أحد المبادرات النوعية التي تجمع بين التصميم المعماري الراقي، والدقة التقنية العالية، بما يعكس العناية الشاملة بساحات المسجد النبوي، ويعزّز مكانة المدينة المنورة، وجهةً دينيةً وروحانيةً رائدة لجميع المسلمين. الوطن السعودية