logo
تلميع الصورة بالبلطجة

تلميع الصورة بالبلطجة

كورد ستريت١٣-٠٥-٢٠٢٥

كوردستريت|| #آراء وقضايا
بقلم سمير عادل/ العراق
سمعنا من قبل عن نظرية 'السلام بالقوة' التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حال تنصيبه في ولايته الثانية، كأحد عناوين البلطجة الجديدة في السياسة العالمية. واليوم، نسمع عن محاولة تجميل صورة الحكومة العراقية بالقوة أيضًا. فقد أصدرت وزارة الداخلية العراقية قرارًا يقضي بمنع التظاهرات خلال فترة انعقاد 'القمة العربية'، بذريعة الحفاظ على الأمن والنظام العام. ويُعد هذا القرار، في ظاهره، انتهاكًا صارخًا لحق المواطنين في التعبير والتظاهر السلمي، لكنه في جوهره يعكس عمق الأزمة السياسية والاجتماعية البنيوية، ليس على مستوى الحكومة العراقية فحسب، بل على مستوى النظام السياسي القائم بأكمله.
ويبدو أن الحكومة العراقية ما تزال تعيش في عقود القرن الماضي، حيث تعتقد ما زال بالإمكان؛ التعتيم الإعلامي، طمس الحقائق، تزييف الواقع، وتضليل الرأي العام المحلي والدولي بشأن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكذلك حال الحريات وحقوق الإنسان في المجتمع العراقي. وحيث تتوهّم حكومة السوداني أن حجب الحقيقة يمكن أن يجمّل صورة العراق أمام الراي العام الإقليمي والدولي.
ان القرار السياسي الذي يقف خلف منع التظاهرات خلال انعقاد القمة العربية، يكشف عن محاولة واضحة لتسويق صورة السوداني وحكومته أمام جامعة الدول العربية، على أمل أن يحظى بدعمها السياسي واعترافها واعضائها بأي حكومة يسعى إلى تشكيلها بعد الانتخابات. كما يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق مكاسب انتخابية داخلية، عبر إظهار نفسه كقائد يحظى بقبول إقليمي، وإلى كسب ثقة الشركات الرأسمالية وتشجيعها على الاستثمار في العراق، رغم الواقع المضطرب الذي تحاول حكومته تغطيته بستار من الإنكار الإعلامي والبهرجة السياسية.
وكما حدث في تجارب الأنظمة العسكرية التي جاءت إلى السلطة عبر الانقلابات خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في ما يُعرف بدول 'المخروط الجنوبي' أو بلدان أمريكا اللاتينية، فقد شهدنا على سبيل المثال، وليس الحصر، تنظيم كأس العالم في الأرجنتين عام ١٩٧٨، في وقت كانت البلاد تخضع لحكم عسكري جاء بانقلاب دموي، تخلله تنفيذ سلسلة من الإعدامات والاعتقالات ضد المعارضين اليساريين واختفى قسرًا أكثر من 30,000 شخص، معظمهم من النشطاء اليساريين أو المعارضين السياسيين، وجرى تعذيب واحتجاز آلاف المعتقلين في مراكز سرية، وفرضت رقابة مشددة على الإعلام والمجتمع المدني. كان تنظيم كأس العالم، بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية آنذاك، جزءًا من محاولة مدروسة لتعزيز النزعة القومية في الأرجنتين عبر كرة القدم من جهة، ومن جهة أخرى لتجميل صورة النظام العسكري القمعي أمام العالم، وإعادة تأهيله سياسيًا، بعد أن شوهته جرائمه وانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد أنفقت الحكومة مبالغ ضخمة على البنية التحتية والمنشآت، في حين كانت البلاد غارقة في القمع والفقر والاختفاءات، مثلما يحدث اليوم بالإعداد لمؤتمر القمة العربية في بغداد. – انظر- عقيدة الصدمة-نعومي كلاين-
قد يتساءل البعض: ألا تبالي حكومة السوداني بصورة 'الديمقراطية' في العراق، أو بصورة حكومته أمام العالم، عندما تتخذ مثل هذه القرارات القمعية؟ والجواب لا يحتاج إلى كثير من الجهد؛ فـ 'الديمقراطية'، إذا ما عُرِّفت بمفهومها الغربي، لا تعني شيئًا لا لحكومة السوداني، ولا لجامعة الدول العربية وأعضائها، ولا حتى للشركات الرأسمالية وممثليها السياسيين في العالم. ما يهم هذه الأطراف حقًا هو وجود حكومة قادرة على السيطرة على الأوضاع السياسية بـ'الحديد والنار'، وتوفير بيئة آمنة وجذابة للاستثمار الرأسمالي في منطقتنا. ومتى ما تحققت هذه الشروط، يُمنح لتلك الحكومة الدعم الإعلامي والسياسي، بل وحتى المالي، بلا تردّد.
إن مكانة العراق في التقسيم العالمي للإنتاج الرأسمالي تتركّز في صناعة النفط، وعلى هوامش هذه الصناعة قد تُقام بعض المشاريع أو الصناعات التي تكمّل هذا الدور، لكنها في جوهرها تصب في خدمة سلسلة الإنتاج الرأسمالي العالمي، وتذهب الغالبية العظمى من أرباحها إلى جيوب الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، الدول الإمبريالية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي. أما الحصة التي تُمنح لتابعييها في العراق، والتي تمثّلها فعليًا حكومة السوداني وأطراف العملية السياسية، فلا يهم من أين تأتي أو كيف تُوزع. أي بعبارة أخرى، لا يكون لهذه الشركات من وسيلة لضمان استمرار أرباحها سوى عبر فرض شروط عمل قاسية على العمال، وتكريس مناخ من قمع الحريات، بهدف منع أي مطالب بالعدالة الاجتماعية أو تحسين مستوى المعيشة، لأن أي تحسّن في رفاهية العمال يعني اقتطاعًا من أرباح تلك الشركات، وهو ما تسعى بكل الوسائل إلى منعه.
ولا يمكن مقارنة الوضع في العراق بما هو عليه في الدول الغربية، حيث تشهد تلك البلدان، على سبيل المثال، خلال اجتماعات مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) أو قمم حلف الناتو، تظاهرات واسعة، واعتراضات جماهيرية، واشتباكات عنيفة مع قوات الشرطة، دون أن يُنظر إليها كتهديد للاستقرار أو مبرر لقمع الحريات.
لكن رغم ذلك، لا تُعد هذه التظاهرات تهديدًا حقيقيًا لاستقرار تلك الأنظمة، لأنها تقوم على مؤسسات راسخة ودول ذات هوية سياسية واضحة، وضربت جذورها في المجتمع عبر قرون. ولكن في العراق، فحتى هذه اللحظة، لا توجد 'دولة' بالمعنى السياسي والمؤسسي الكامل، ولا هوية سياسية متفق عليها.
إن جميع القوانين والقرارات التي تصدر في عهد حكومة السوداني ليست سوى محاولات لحسم مصير الدولة وهويتها السياسية، وهي محاولات لا تزال تتخبط في مهب الريح، بفعل التحولات العميقة التي تضرب منطقة الشرق الأوسط.
وبناءً على ذلك، لا حكومة السوداني، ولا الحكومات السابقة أو القادمة، قادرة على تحمل تظاهرات من النوع الذي نشهده في ما يُسمى بالدول الديمقراطية. ولهذا السبب، تسعى هذه الحكومة إلى توجيه ضربات استباقية لأي حركة احتجاجية جماهيرية قد تُحدث هزة إضافية لصورتها المهزوزة أصلًا أمام المجتمع الدولي.
إن صوت العاطلين عن العمل، والمحرومين، و الناقمين على منظومة الفساد والمحاصصة والطائفية، لن يُسكت بقرارات أمنية مؤقتة. بل سيظل يرتفع، مهما حاولت السلطة خنقه أو تجاهله، لأن الحق في الحياة الكريمة والعمل والكرامة الإنسانية لا يخضع لمزاج القمم أو حسابات الدعاية الرسمية.
ما يحتاجه العراق ليس تلميعًا زائفًا لصورة النظام، بل تغييرًا جذريًا للواقع السياسي والاجتماعي الذي أنتج كل هذا الخراب. ولن يكون ذلك إلا من خلال تمكين الجماهير من التعبير عن نفسها بحرية، وفرض التغيير بإرادتها، لا بخطب المؤتمرات وقرارات المنع. فالف قمة عربية ومؤتمر إقليمي ودولي يقام في العراق او يشارك حكومته فيه، لن يغير من صورة حقيقة النظام السياسي الحاكم في العراق القائم على منظومة الفساد والتضليل والقمع والتمييز بكل اشكاله الديني والطائفي والجنسي.
معجب بهذه:
إعجاب
تحميل...

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العمليات المشتركة: توصيات بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
العمليات المشتركة: توصيات بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب

الأنباء العراقية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الأنباء العراقية

العمليات المشتركة: توصيات بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب

بغداد – واع – حسن الفواز أصدرت قيادة العمليات المشتركة، اليوم الثلاثاء، توصيات بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال نائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن قيس المحمداوي خلال ورشة عمل مشتركة بين خلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة ومكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وحضرها مراسل وكالة الأنباء العراقية (واع): إن"الورشة ناقشت توصيات قيادة العمليات المشتركة بشأن معالجة أشكال الجريمة الاقتصادية والتحايل على النظام المصرفي وعمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب". وأضاف أن "متخصصين في مجالات تمويل الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال والجريمة المنظمة تمت استضافتهم خلال الورشة". وأشار الى أن "المواضيع التي ناقشتها الورشة ركزت أيضاً على التوصيات والنصائح الموجهة للمواطن بخصوص الإجراءات المصرفية الخاصة بالبطاقة الإلكترونية أو بطاقة الراتب وكيفية المحافظة عليها وعدم التلاعب بها، بهدف الحفاظ على الأمن الشخصي والاقتصادي للمواطن". وتابع أن "البلاد تتمتع حالياً بمنظومة أمن شاملة، ويلعب المواطن دوراً كبيراً في الاسهام بتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب، بالإضافة الى دوره في منع التحايل الاقتصادي وجرائم الترويج للمخدرات من خلال الابلاغ عنها". بدوره أوضح رئيس خلية الإعلام الأمني اللواء سعد معن لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "الورشة تضمنت جانباً توعوياً وتثقيفياً للمواطن، من خلال استضافة مختصين من البنك المركزي ومكتب مكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي". وذكر أنه "في ظل حالة الاستقرار الأمني التي يعيشها العراق والتي تضاهي مثيلاتها في باقي دول العالم، ركزت الورشة على الجهود المبذولة لإنهاء شبهات تمويل الإرهاب بشكل كامل من البلاد". وتابع أن "الورشة تتيح فرصة للمواطن للتعرف على الجهود الأمنية لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بحضور ممثلين عن مختلف الجهات الأمنية".

الإطار التنسيقي يبارك نجاح العراق في استضافة القمة العربية
الإطار التنسيقي يبارك نجاح العراق في استضافة القمة العربية

شبكة الإعلام العراقي

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة الإعلام العراقي

الإطار التنسيقي يبارك نجاح العراق في استضافة القمة العربية

بارك الإطار التنسيقي ، اليوم الثلاثاء ، جهود الحكومة في استضافة القمة العربية ، مؤكداً أن نجاح العراق في تنظيم القمة يعكس مكانته المحورية في المحيطين العربي والإقليمي ، جاء ذلك خلال الاجتماع الاعتيادي للإطار برقم (228) ، الذي عُقد في مكتب النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، وبحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني. وذكر بيان صدر عن الإطار التنسيقي، تلقته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن 'الإطار التنسيقي عقد اجتماعه الاعتيادي رقم 228 في مكتب النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، وبحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني'. وتابع: ' وفي مستهلّ الاجتماع بارك المجتمعون نجاح العراق في استضافة القمة العربية ، تأكيداً لدور العراق المحوري في المحيطين العربي والإقليمي '. وشدد المجتمعون، على ' أهمية متابعة مقررات القمة '، مثمنين ' جهود الحكومة وسائر أجهزة الدولة لدورها في إظهار القمة بأحسن وأبهى صورة'. وأشار البيان إلى أن ' المجتمعين ناقشوا مسار العمل الحكومي ومجمل التطورات في المنطقة ، حيث رحب الإطار التنسيقي بالاتفاق التركي مع الـ(بككا) مما ينهي مبررات الوجود التركي في الأراضي العراقية، وأهمية أن ينعكس ذلك على أمن المناطق الحدودية بين البلدين'. #حوار التضامن_تنمية #قمة_بغداد_2025 #مؤتمر_الاعلام_العربي المصدر : وكالة الانباء العراقية

بارزاني: العراق يمتلك مقومات تؤهله للعب دور محوري في استقرار المنطقة ومستقبلها السياسي
بارزاني: العراق يمتلك مقومات تؤهله للعب دور محوري في استقرار المنطقة ومستقبلها السياسي

شبكة الإعلام العراقي

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة الإعلام العراقي

بارزاني: العراق يمتلك مقومات تؤهله للعب دور محوري في استقرار المنطقة ومستقبلها السياسي

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني ، اليوم الثلاثاء ، أن العراق يمتلك مقومات استراتيجية تؤهله للعب دور محوري في استقرار المنطقة ومستقبلها السياسي. وقال بارزاني ، خلال مشاركته في جلسة خاصة ضمن فعاليات منتدى ' حوار طهران ' ، حضره مراسل وكالة الأنباء العراقية (واع): إن ' القمة العربية الـ34 التي انعقدت مؤخراً في العاصمة بغداد كانت ناجحة ' ، مشيراً إلى أن ' العراق يمتلك مقومات تجعله لاعباً محورياً في استقرار المنطقة ومستقبلها السياسي'. وأضاف أن ' العراق بلد مهم، ويمكنه أن يؤدي دوراً فاعلاً ومؤثراً في المستقبل ، لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات وتحديات'. وتابع أن ' قمة بغداد التي عُقدت كانت ناجحة بكل المقاييس ، وعكست صورة جديدة عن العراق كدولة تسعى للعب دور جامع ومؤثر في محيطها العربي ' ، متوقعاً أن ' يشهد العراق مستقبلاً أفضل في ظل هذا الانفتاح والدور الإقليمي المتصاعد '. #حوار التضامن_تنمية #قمة_بغداد_2025 #مؤتمر_الاعلام_العربي المصدر : وكالة الانباء العراقية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store