logo
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي

"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي

Independent عربية١٧-٠٤-٢٠٢٥

إذا أردت الانفصال عن الواقع والابتعاد من مشكلات الحياة اليومية العادية، والغوص في عالم آخر له مشكلات مختلفة وغريبة وربما مريضة، عليك بمشاهدة الموسم السابع من "بلاك ميرور" (Black Mirror) التي تبثه منصة "نتفليكس".
ويأخذ العمل العبثي المشاهدين إلى مستقبل تكنولوجي قاتم يهدف هذه المرة إلى إحياء الماضي، ويواصل استكشاف الجوانب المظلمة للتكنولوجيا وتأثيرها في المجتمع من خلال ست حلقات مستقلة تتناول مواضيع متنوعة، مثل الذكاء الاصطناعي والوعي البشري وتطورات التكنولوجيا المتسارعة، ويقدم هذا الموسم تجربة مشوقة ومثيرة للتفكير مع حلقات تتراوح بين الرعب النفسي والدراما العاطفية.​
ومن أبرز المفاجآت حلقة تكميلية للحلقة الشهيرة "USS Callister" من الموسم الرابع، إذ يعود كل من كريستين ميليوتي وبيلي ماغنوسن وجيمي سيمبسون لاستكمال القصة السابقة، في حين ستقدم الحلقات الخمس الباقية قصة جديدة كلياً.
ومع انتهاء عرض كل حلقة يشرد المشاهد بما رآه، فهل فعلاً ستتحكم التكنولوجيا بنا قريباً، وهل سيدخل الذكاء الاصطناعي إلى ذكرياتنا ليعيد ترتيبها أو محوها، وهل سنكون قادرين على التواصل مع الموتى، ولماذاً أصلاً سنسلم أنفسنا وعقولنا إلى الآلة؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها بعد مشاهدة هذا الموسم السوداوي المظلم حول الحب والعلاقات وكيف تدمرها التكنولوجيا، حول الأنا التي سترضخ للتقدم والتطور.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
و"بلاك ميرور" مسلسل بريطاني يصنف كدراما وخيال علمي وديستوبيا المستقبل القريب، من إعداد تشارلي بروكر، وعرض للمرة الأولى على القناة الرابعة البريطانية في ديسمبر (كانون الأول) 2011. وفي عام 2015 اشترت "نتفليكس" حقوق إنتاج المسلسل وعرض منه حتى الآن سبعة مواسم، فمعظم الحلقات كتبها بروكر بمشاركة كبيرة من قبل المنتج التنفيذي أنابيل جونز.
وتدور أحداثه في إطار من الدراما والإثارة حول الجانب المظلم من التكنولوجيا في المستقبل القريب والبعيد وتداعياته على قرارات ومصائر أبطال العمل، كل حلقة لها قصة مختلفة وطاقم مختلف ولا تدور في إطار زمني واحد إلا نادراً، إضافة إلى تغيير في التصوير والمواقع، وعليه فإن الحلقات مختلفة الأحداث والشخصيات ولا يربط بينها غير مسألة التقنية الحديثة وتأثيرها في النفس البشرية.
​​​​​​​مشهد من الحلقة الأولى (نتفليكس)
ويتميز العمل بطابعه السوداوي والنقدي تجاه التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها في المجتمع والأفراد، ويغوص في أفكار جريئة وغير مريحة، ليطرح أسئلة أخلاقية معقدة حول علاقتنا بالتقنية.
وغالباً ما يقدم المسلسل رؤية مستقبلية متشائمة عن عالم تطغى عليه التقنيات الحديثة، إذ تنقلب ضد البشر أو تؤدي إلى نتائج كارثية وغير متوقعة، ويلاحظ المشاهد من خلال متابعة العمل كمّ التشاؤم الذي يحويه، إذ نادراً ما تنتهي الحلقات بنهاية سعيدة، وثمة دائماً إحساس بالمرارة أو المفارقة المزعجة.
وغالباً ما تقدم كل حلقة نوعاً من الابتكار وفكرة جديدة سابقة لعصرها، ولا يكتفي المسلسل بعرض التكنولوجيا بحد ذاتها بل ينتقد الطريقة التي يستخدمها البشر كنوع من النقد الاجتماعي، ويقول الكاتب تشارلي بروكر في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية عن الموسم الجديد إن "بعض الحلقات غير سارة على غرار بدايات بلاك ميرور"، في حين ثمة أخرى مؤثرة جداً مما يجعلها في الواقع مزيجاً من المألوف وغير المتوقع".
وتستلهم حلقات عدة الحنين إلى الماضي من خلال تقنيات تتيح إحياء ذكرى ما من خلال الغوص في صورة قديمة، أو إعادة صوغ فيلم بالأبيض والأسود بفضل الذكاء الاصطناعي، ومن بين الممثلين المشاركين في هذا الموسم بول جياماتي وينتر بريك ورشيدة جونز وإيسا راي وإيما كورين.
وكتب تشارلي بروكر الموسم السابق أثناء جائحة "كوفيد-19" في وقت كان يشعر "بالاشمئزاز من التكنولوجيا"، ويحظى الجزء السابع من المسلسل بإعجاب محبيه القدامى بفضل "عودته للأساسيات مع استكشاف التطورات التكنولوجية في المستقبل القريب، ونبرة ساخرة ونقد اجتماعي"، ولا يظهر في العمل أن التكنولوجيا سيئة أو شريرة، لكن المشكلة تعود غالباً في خطأ أو سلسلة من العواقب.
والملاحظ أن العمل يتفوق عندما تكون التكنولوجيا مجرد جزء واحد من القصة وليس الهدف من القصة، وثمة تفاوت واضح في المستوى بين الحلقات الست، وقد تكون الأولى والخامسة من أبرز الحلقات التي قدمت طوال السلسلة لما فيها من صدمات نفسية.
الحلقة الأولى
تتناول الحلقة الأولى بعنوان "ناس عاديون" (Common People) قصة زوجين أنقذا بواسطة تقنية طبية معجزة، لكنهما يتعرضان للاختناق تدرجياً بسبب نموذجها القائم على الاشتراك، وهي نوع مألوف من حلقات Black Mirror، إذ يحدد بعض العلل الاجتماعية الواضحة المتعلقة بالطبقية والتكنولوجيا، ومن ثم يستغل فرضية الخيال العلمي لاستكشاف تلك القضايا بطريقة أكثر حدة.
يلعب كريس أودوود ورشيدة جونز دور زوجين يكافحان من أجل تغطية نفقاتهما، وعندما ينتهي الأمر بجونز في غيبوبة بسبب ورم في الدماغ، تُعرض على أودود فرصة لإنقاذها بتقنية جديدة مذهلة من شركة "ريفرمايند" الناشئة، ويستبدل الجراحون المنطقة المصابة بالسرطان بأنسجة اصطناعية، ويجري نقل أجزاء ذاكرة وشخصية جونز الموجودة في ذلك الجزء من أنسجة الدماغ إليها عبر السحابة مع رسوم اشتراك شهرية باهظة بالطبع.
وكان كل من أو داون وجونز ممتازين ومؤثرين في الحلقة، وكذلك تريسي إليس روس في دور المندوب غير المكترث المحبط لريفيرمايند، والمشكلة هي أنه في اللحظة التي يجري فيها تقديم فكرة الاشتراك الشهري يتضح على الفور إلى أين تتجه القصة.
إن المعضلة الوجودية المتمثلة في أن تكون حياتك مرتبطة بأهواء خدمة الاشتراك أمر مزعج ويصيبك بالإحباط، وتقدم الحلقة نقدًا لاذعاً لنظام الاشتراكات الرأسمالي، وبخاصة في سياق الرعاية الصحية، وتحمل الحلقة رسائل اجتماعية مهمة تنعكس بصورة كبيرة على الواقع الحالي ومنها استغلال الضعف الإنساني، إذ تقدم الشركة الحلول في لحظات اليأس ثم تستغل الاحتياج العاطفي لفرض شروط مجحفة، كما تسلط الضوء على فقدان السيطرة على الجسد، إذ يتحول جسد أماندا إلى منصة إعلانات مما يعكس تسليع الجسد البشري في العصر الرقمي، ويبرز بصورة واضحة الأداء التمثيلي القوي بخاصة لجهة الانهيار العاطفي التدرجي.
الحلقة الخامسة
"مديح" (Eulogy) هي الحلقة الأكثر تأثيراً في هذا الموسم، إذ يجسد بول جياماتي دور رجل يعلم بوفاة صديقته السابقة، ويتلقى طرداً من عائلة المرأة يحوي جهازاً يسمح له بالدخول إلى صوره القديمة ليظهر ذكرياته عنها كجزء من مشروع تأبين.
وتكمن المشكلة في أنه بسبب غضبه من انفصالهما محى أية صورة لوجهها والآن لا يستطيع تذكرها حقاً، ويدخل إلى الصور متتبعاً قصة العلاقة بينما يحاول يائساً استعادة صورة وجهها مرة أخرى.
جياماتي رائع، إذ يضفي جاذبية على دور رجل يفرز حقائق حياته الخاصة وما فعله وما لم يفهمه عن المرأة التي أحبها، وحافظ على انفعالات الشخصية وتطورها بطريقة مذهلة، وقدمت الحلقة قصة جميلة عن الندم وسوء التواصل والطريقة التي يبقى بها الحب في قلوبنا حتى مع تلاشي الذكريات.
الإعداد التكنولوجي هو أحد الخيوط المثيرة للإعجاب في هذه الحلقة الذي شارك في كتابتها كل من بروكر وإيلا رود، إذ تسمح المؤثرات الخاصة التي ظهرت لجياماتي بالقفز إلى الصور القديمة واستكشاف المشهد المعاد إنشاؤه من حوله، لكن بناء العالم خارج هذه المشاهد المدمجة بين مشاهد الحركة الحية هو المؤثر حقاً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من السحر إلى السحالي: أغرب نظريات المؤامرة في عالم الموسيقى
من السحر إلى السحالي: أغرب نظريات المؤامرة في عالم الموسيقى

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

من السحر إلى السحالي: أغرب نظريات المؤامرة في عالم الموسيقى

يمكن تتبّع أقدم نظريات المؤامرة إلى روما القديمة، حين ساد الاعتقاد بين الناس بأن الإمبراطور نيرون ادعى موته وهرب من مصيره. وربما يعتقد بعضهم بأن التطفل على الحياة الخاصة للمشاهير أمر طبيعي إلى حد ما، لكن أن تكون شخصية عامة عام 2025 فهو أكثر من ذلك بكثير - سواء كنت على قيد الحياة أو حتى في عداد الأموات، هناك دوماً جيل من المحققين الهواة، مسلحين بتطبيق "تيك توك"، يترصدونك ويصنعون سيناريوهات جامحة من خيالهم ويحللون كل شيء من كلمات أغانيك بالترتيب العكسي إلى حركات جسدك بحثاً عن إشارات خفية. أما أحدث النظريات التي تغزو الإنترنت، فتجاوزت كل حكايات الموت المزيف. إنها تدور حول الإشاعات التي تحيط بعلاقة المغنية سيلينا غوميز والعارضة هايلي بيبر زوجة حبيب سيلينا السابق نجم البوب جاستن بيبر. متحرّو ثقافة البوب على "تيك توك" توصلوا إلى نتيجة مذهلة: أن هايلي مارست نوعاً من السحر لتستبدل مصيرها بمصير سيلينا، وتسحب من حياتها كل ما هو جميل وتحتفظ به لنفسها. هل في هذا شيء من الحقيقة؟ بالطبع لا. ولهذا بالتحديد تسمى "نظريات مؤامرة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وصدقونا، هذه ليست إلا البداية. في السطور التالية، نستعرض أكثر نظريات المؤامرة جنوناً في عالم الموسيقى: من أين جاءت وكيف بدأت وإن كانت فيها ذرة من الحقيقة (تحذير: لا شيء منها يستند إلى الواقع). 10) تايلور سويفت وانتخابات الرئاسة الأميركية 2024 مع اشتعال حماسة الجمهور واقتراب الحمى الجماهيرية من ذروتها خلال نهائي السوبر بول الأميركي لعام 2024، وجدت تايلور سويفت نفسها، إلى جانب حبيبها ترافيس كيلس - نجم فريق كانساس سيتي تشيفز في قلب عاصفة من نظريات المؤامرة المتعددة التي روجت لها التيارات اليمينية. وتدحرجت إشاعات لا أساس لها من الصحة ككرة ثلج، تزعم أن نجمة البوب متورطة في عمليات نفسية تديرها وزارة الدفاع الأميركية، بل وصلت إلى حد الادعاء بأنها وكيلس طرفان في مؤامرة كبرى تهدف إلى إعادة انتخاب الرئيس حينها جو بايدن. وجرت تغذية هذه المزاعم السخيفة من قبل شخصيات بارزة في المشهد الإعلامي والسياسي، من ضمنها المرشح الجمهوري السابق للرئاسة فيفيك راماسوامي والناشطة السياسية لورا لومر ومقدمة البرامج في شبكة "ون أميركا نيوز" أليسون ستاينبرغ. وعلق حينها جويل بيني، أستاذ الإعلام المشارك في جامعة مونتكلير ستيت لـ"اندبندنت" قائلاً إن هذه الهجمات تبدو محاولة استباقية لإضعاف التأثير المحتمل لـسويفت في نتائج انتخابات عام 2024، مضيفاً "يتماهى الناس مع الثقافة الشعبية، يراقبونها عن كثب، وهذا ما يحرك السياسة في زمننا الحالي - إنه الاهتمام والانتماء". رويزن أوكونور 9) جيم موريسون لم يمُت في مطلع هذا العام، سلط وثائقي جديد مؤلف من ثلاثة أجزاء الضوء على واحدة من أغرب نظريات المؤامرة التي تحيط بجيم موريسون، المغني الراحل وقائد فرقة "ذا دورز" تزعم بأنه لم يمُت فعلاً، بل ادعى وفاته. الوثائقي الذي حمل عنوان "قبل النهاية: في البحث عن جيم موريسون"Before The End: Searching for Jim Morrison الذي أنجزه جيف فين، وهو معجب شغوف بالفرقة، عُرض على منصة "أبل تي في بلس" ومنصات بث أخرى. ومن بين أبرز ما يعتبره الفيلم "دليلاً"، هناك شخص يدعى فرانك، هو عامل صيانة ظهر في صورة ملتقطة عام 2013 إلى جانب عازف الدرامز في الفرقة، جون دينسمور، وادعى فين أن هذا الرجل قد يكون موريسون متنكراً. لكن حتى فرانك نفسه بدا مذهولاً من الفكرة، وعندما سُئل صراحة: "هل أنت جيم موريسون؟"، أجاب: "أنا لست جيم ... لكنني أحب أغنية ['نحن جميعاً واحد' We All Are One] لـجيمي كليف". توفي موريسون بصورة مفاجئة في باريس عام 1971، عن عمر 27 سنة نتيجة فشل في القلب. وعثرت حبيبته المرتبطة به من فترة طويلة باميلا كورسون على جثته في حوض استحمام شقته الباريسية حيث كانا يعيشان معاً. وغذت الظروف الغامضة التي رافقت وفاته الهالة الأسطورية المحيطة به، وبعد مرور أكثر من 50 عاماً، لا يزال قبره في مقبرة بير-لاشيز من أبرز المزارات السياحية في باريس. رويزن أوكونور 8) بول مكارتني ميت تعد نظرية المؤامرة الشهيرة "بول مكارتني ميت" من أكثر النظريات رواجاً في تاريخ الموسيقى، وتزعم أن نجم فرقة "البيتلز"، بول مكارتني، توفي في حادثة سير عام 1966، واستُبدل بشخص يشبهه تماماً. وتشير بعض الروايات إلى أن زملاءه في الفرقة اختاروا التستر على وفاته لأنهم لم يستطيعوا مواجهة الخسارة (وما كان بإمكان جمهوره تحملها). بينما تذهب نظريات أخرى إلى أن الأمر لم يكُن خياراً، بل فُرض عليهم فرضاً. وتقول النظرية إنه مع مرور السنوات، بدأ أعضاء الفرقة مثقلون بالكذبة، وراحوا يبعثون تلميحات ورسائل مشفرة داخل أغنياتهم، في محاولة خفية لإيصال الحقيقة إلى جمهورهم. من أغرب الأدلة التي استُند إليها، صورة غلاف ألبوم "آبي رود" Abbey Road الصادر عام 1969، حيث يظهر مكارتني حافي القدمين ويسير بخطى غير منسجمة مع بقية أعضاء الفرقة، مما اعتبر دلالة رمزية على موكب جنازة. كما لاحظ بعضهم أن مكارتني ظهر في الصورة ممسكاً سيجارته بيده اليمنى، على رغم أنه أعسر. لكن التفسير الأكثر منطقية هو أن مكارتني اعتاد بالفعل أن يمسك السيجارة بغير يده الأساسية، وأنه خلع صندله في يوم التصوير ببساطة لأنه كان غير مريح. وعلق مكارتني بنفسه على هذه النظرية في مقابلة مع مجلة "رولينغ ستون" عام 1974، قائلاً: "اتصل بي أحدهم من المكتب وقال 'إسمع يا بول، لقد مُتّ'. فأجبت 'أوه، لا أتفق مع هذا الكلام'". إيلي ميور 7) لورد في الـ40 من عمرها عندما لمع اسم لورد للمرة الأولى في سماء الشهرة عام 2013 بأغنيتها الناجحة "رويالز" (ملكيون) Royals، لم تكُن تجاوزت الـ17 من عمرها، لكن نضج كلماتها وحرفيتها الفنية أثارا شكوك بعض النقاد الذين كانوا مقتنعين بأنها أكبر بكثير من سنها المعلن. وازدادت الشكوك إثر "زلات" بدت عفوية في بعض المقابلات، مثل حوارها مع مجلة "روكي ماك" عام 2014، حين قالت إن كتاباً ما أثّر فيها "خلال سنوات المراهقة ... أعني، أنا ما زلت مراهقة". هكذا ظهرت مجموعة من منظري المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقت على نفسها اسم "حراس الحقيقة عن عمر لورد"، واستشهدوا أيضاً بكلمات أغنيتها "تيم" (فريق) Team الصادرة عام 2013، إذ تغني فيها: "سئمت تقريباً من أن يطلب مني رفع يدي في الهواء/ هكذا فقط/ أنا أكبر قليلاً الآن مما كنت حين اعتدت الفرح بلا مبالاة/ هكذا فقط". ولم تكُن لورد غافلة عن هذه الأقاويل، بل تعاملت معها بدهاء وسخرية، حتى إنها قالت في مقابلة مع مجلة "فانيتي فير"، "مرحباً، أنا إيلا، وعمري الحقيقي 45". لكن على ما يبدو فإن الجدل خف عندما نشر صحافي من موقع "هير بن" Hairpin شهادة ميلاد لورد على الإنترنت. رويزن أوكونور. 6) إلفيس ادعى وفاته يبدو أن جمهور الموسيقى لا يمل من نسج الروايات حول نجومهم الراحلين، وكأن فكرة موت الأيقونات لا تحتمل. وليس ملك موسيقى الروك إلفيس بريسلي استثناء. فثمة نظرية شهيرة لا أساس لها من الصحة تزعم أن بريسلي لم يمُت بنوبة قلبية في أغسطس (آب) من عام 1977، بل ادعى وفاته واختفى عن الأنظار، وزعم كثرٌ أنهم لمحوه بعد وفاته في مواقف وأماكن متعددة. وفي ثمانينيات القرن الماضي، أخذت هذه النظرية زخماً إعلامياً واسعاً، بعدما زعمت إحدى المعجبات أنها رأت إلفيس في مطعم "برغر كينغ" بولاية ميشيغان، ومن ثم تبناها كتّاب مثل غايل بروير جورجيو التي اقترحت في كتابها "أوريون" Orion أن بريسلي دبّر موتاً وهمياً ليهرب من أضواء الشهرة، وكذلك ميجر بيل سميث الذي نشر أشرطة صوتية ادعى أنها دليل على أن بريسلي لا يزال حياً. وبلغ الجدل حول هذه النظرية حداً دفع القنوات التلفزيونية إلى تخصيص برامج كاملة عنها، من بينها "ملفات إلفيس" الصادر عام 1991 و "نظرية مؤامرة إلفيس" في السنة التالية. لكن على رغم كل ما قيل وقدم، تبقى هذه المزاعم بلا أي سند حقيقي، بخاصة أن من وجد جثته في ذلك اليوم كانت حبيبته، جينجر ألدن. إيلي ميور 5) ستيفي وندر ليس كفيفاً حقاً من بين الشخصيات الشهيرة التي تطرقت إلى هذه النظرية، كل من شاكيل أونيل ودونالد غلوفر، المعروف أيضاً باسم "تشايلديش غامبينو" اللذين اقترحا أن أسطورة موسيقى السول ستيفي وندر ربما ليس كفيفاً حقاً. ووُلد وندر قبل الموعد المحدد بستة أسابيع، وكان يعاني مرض اعتلال الشبكية الناتج من الخداج، وهو مرض يوقف نمو العين ويمكن أن يتسبب في انفصال الشبكية، مما جعله فاقداً للبصر منذ ولادته. على رغم ذلك، لم يتوقف كثير من المشككين، أو "حراس الحقيقة حول ستيفي وندر" [أي المشككين في حقيقة إصابته بالعمى]، عن طرح افتراضاتهم بأن المغني قد لا يكون أعمى تماماً أو ربما ليس ضريراً على الإطلاق. وقال أونيل في حديثه إلى برنامج "أن بي أي على تي أن تي" NBA on TNT عام 2019: "كنا نعيش في أحد المباني في [شارع] ويلشير... كان موقف السيارات تحت الأرض، وكنا نركن السيارات هناك. كنت دخلت المبنى بالفعل وأنا في الطابق السفلي، وفجأة انفتح الباب [المصعد]. كان ستيفي وندر، دخل وقال 'كيف أحوالك يا شاك [شاكيل]؟'. ضغط على الزر، وخرج بمفرده إلى الطابق الذي كان متوجهاً إليه ثم ذهب إلى غرفته. اتصلت بكل شخص أعرفه وأخبرتهم القصة". أما دونالد غلوفر، فقال خلال لقاء له مع جيمي كيميل عام 2018: "استخدمت أغانيه في مسلسل 'أتلانتا' وكان يتعين الحصول على إذن خاص. فاتصلت به، وحصلت على رقم هاتفه، وكنا نتبادل الرسائل النصية، وهو [أمر] غريب جداً... كنت أرسل له الرسائل قائلاً 'مرحباً ستيفي، أريد استخدام أغنيتك'. وكان يرد قائلاً 'أرسل لي النص، دعني أقرؤه'. وحُوّل النص إلى لغة برايل ثم إرساله إليه ليقرأه، ومن ثم لم نسمع أي شيء". ثم تسلم غلوفر أول نسخة مبدئية من الحلقة وأخبر وندر أنه يريد رؤية كيف ستبدو الحلقة مع استخدام أغنيته. ويضيف غلوفر: "فأجابني برسالة نصية قائلاً 'رائع، أحببت ذلك' ... كنت أفكر طوال الوقت 'كيف فعل ذلك؟'. كنت أتساءل إن كان يلمس شاشة التلفزيون ويقول 'هذا مضحك'؟". وتحدث وندر عن هذه الإشاعات خلال مقابلة مع صحيفة "غارديان" عام 2012 قائلاً: "تعرفون، الأمر مضحك لكنني لم أعتبر يوماً كوني ضريراً عائقاً، ولم أعتبر أبداً كوني أسود عائقاً. أنا ما أنا عليه. أحب نفسي! ولا أعني بذلك تكبراً - بل أحب أن الله منحني القدرة على أخذ ما كان لدي وتحويله إلى شيء مميز". رويزن أوكونور 4) نظرية استبدال أفريل لافين عندما ظهر نجم أفريل لافين في عالم الموسيقى عام 2002، متفجرة في زيها الذي يحمل مربعات من القش وشباك صيد السمك والأسلوب المراهق الذي يعكس الغضب، أصبحت الفتاة الأبرز في تلك اللحظة. لكن، وفقاً لنظرية مؤامرة شهيرة تتعلق بالاستبدال التي نشأت على صفحة معجبين برازيلية، كانت لافين تعاني الشهرة في بداية مسيرتها إلى درجة أن شركتها بدأت باستخدام شبيهة لها تدعى ميليسا فانديلا للظهور بدلاً منها. وتفترض هذه النظرية أن لافين توفيت بعد فترة قصيرة من إصدار ألبومها الأول "دع الأمور" Let Go عام 2003، لذا بدأ فريقها باستخدام ميليسا بصورة كاملة. وما هو "الدليل"؟ أن لافين الحقيقية كانت ترتدي السراويل، بينما كانت ميليسا ترتدي الفساتين والتنانير الأنثوية، إضافة إلى التغيرات المزعومة في ملامح وجهها وصوتها مقارنة بما كانت عليه لافين قبل عام 2003. كما يشير المعجبون إلى أن ميليسا أضافت تلميحات ورسائل خفية تشير إلى هذه الحكاية، كما في أغنية "اختفيت بعيداً" Slipped Away من عام 2004، التي تقول كلماتها: "اليوم الذي اختفيت فيه كان اليوم الذي اكتشفت فيه أن الأمور لن تبقى على حالها". (وبالطبع، قد تكون هذه الأغنية عن فقدان شخص عزيز أو عن فراق). وتتضمن "الأدلة" الأخرى صوراً لـ لافين من جلسة تصوير كُتب فيها على يدها اسم "ميليسا". وردت لافين على هذه النظرية مرات عدة على مر السنين، وقالت أخيراً خلال مقابلة مع مدونة "كول هير دادي" Call Her Daddy الصوتية: "إنها سخيفة للغاية. بصراحة، ليس الأمر بذلك السوء. قد يكون أسوأ، أليس كذلك؟ أعتقد بأنني حصلت على نظرية جيدة. لا أعتقد بأنها سلبية أو غريبة، لذلك كل شيء على ما يرام". إيلي ميور 3) مايكل جاكسون على قيد الحياة في الواقع يتذكر الجميع المكان الذي كانوا فيه عندما سمعوا خبر وفاة مايكل جاكسون عام 2009. الظروف الدراماتيكية التي رافقت وفاته، والقضية القانونية التي أعقبتها والتي شهدت إدانة طبيبه كونراد موراي بتهمة القتل غير العمد عام 2011، جعلت الملابسات تبدو أكثر غموضاً - وكان ذلك قبل أن تبدأ نظرية المؤامرة بالانتشار. وعلى رغم التحقيقات القانونية والطب الشرعي في وفاته، يعتقد بعض المعجبين بأن ملك البوب زيّف وفاته بهدف الهروب من الديون المدمرة واتهامات إساءة معاملة الأطفال التي كان يواجهها في ذلك الوقت. وبعد فترة وجيزة من إعلان وفاته عام 2009، ظهر مقطع فيديو زائف يُزعم فيه أن جاكسون كان على قيد الحياة، وهو يخرج من سيارة الطبيب الشرعي، مما تبين لاحقاً أنه كان خدعة. ومع ذلك، لا يزال المعجبون يواصلون تحليل تفاصيل الأيام التي سبقت وفاته، بينما تعود صور شهادات الوفاة "المزيفة" لتظهر بين الحين والآخر على الإنترنت. وتركز مئات مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت على لقطات يعتقد بأنها تظهر مايكل جاكسون حياً في فعاليات لعائلته وحفلات للجوائز، مختبئاً في الخلفية ومتنكراً. واقترحت بعض الإشاعات أنه يعيش إما في غلوسترشير في إنجلترا، أو في البحرين. وهناك موقع كامل مخصص لمحاولة اكتشافه، هو ومع ذلك، لم يُثبت أي من هذه الادعاءات أو تقديم أدلة قوية تدعمها. إيلي ميور 2) جاستن بيبر يستطيع التحول إلى سحلية لا يمكن دائماً تتبع جذور نظريات المؤامرة، لكن من بين أغرب ما راج منها، تلك "القصة" الغريبة التي تدعي أن نجم البوب العالمي جاستن بيبر تحول أمام أعين مئات المعجبين إلى مخلوق زاحف لزج يشبه السحلية. في البداية، بدا أن مصدر القصة هو موقع إخباري أسترالي يدعى "بيرث ناو" Perth Now، إذ انتشرت لقطة شاشة على وسائل التواصل الاجتماعي لمقالة يفترض أنها نُشرت فيها. وتضمنت اللقطة روايات صادمة مما قيل إنه حدث: "انكمش رأسه، وتحولت عيناه إلى السواد مع خط أسود في المنتصف... ازداد طوله أقداماً عدة، وغطت جسده حراشف [ملونة] مقززة. حدث الأمر بسرعة، لكن الجميع شاهده وبدأوا بالصراخ والبكاء. كثرٌ ركضوا نحو المخارج". لكن موقع "بيرث ناو" نفى تماماً علاقته بالقصة، مشيراً إلى أنه لا يعتمد في تنسيق عناوين أخباره استخدام حرف كبير في بداية كل كلمة، مما ظهر في الصورة المتداولة. كما لفت إلى أن توقعات الطقس في تلك اللقطة كانت خاطئة بالنسبة إلى ذلك اليوم تحديداً. رويزن أوكونور 1) هايلي بيبر بدّلت مصيرها بمصير سيلينا غوميز منذ خُطبت العارضة هايلي بالدوين إلى جاستن بيبر بعد أشهر قليلة فقط من انفصاله عن سيلينا غوميز عام 2017، بدأت الإشاعات تلاحقها وتزعم أن بين المرأتين عداوة مستترة لا تهدأ، تتجلى في لقطات مبطنة من بالدوين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو محاولات لتقليد غوميز (وهي اتهامات نفتها بالدوين وممثلوها مراراً، بينما دعت غوميز جمهورها إلى التوقف عن مهاجمة بالدوين عبر الإنترنت). لكن نظرية المؤامرة الأحدث لا تكتفي بالإشارة إلى التوتر بين الطرفين، بل تزعم أن هايلي لجأت إلى وسائل غامضة وروحية لتبديل مصيرها مع سيلينا. النظرية انتشرت بصورة رئيسة على "تيك توك" وتقول إن شخصاً ما قادر على استخدام السحر ليستولي على المسار القدري لشخص آخر، فيمتص طاقته وفرصه وحتى ملامحه الجسدية. إنها فكرة تبدو جامحة الخيال، أليس كذلك؟ وعام 2023، كتبت غوميز على "إنستغرام": "تواصلت معي هايلي بيبر وأخبرتني بأنها تتعرض لتهديدات بالقتل وكثير من الكراهية السامة. هذا لا يمثلني. لا يجب أن يواجه أحد هذه الكمية من الكراهية أو التنمر. كثيراً ما دافعت عن اللطف وأتمنى بصدق أن يتوقف هذا كله". وبغض النظر عن رأيكم حول العلاقة بين الاثنتين، فإن إشاعة بسيطة بدت بريئة في البداية قد تتحول إلى كم هائل يخرج عن السيطرة من الادعاءات الغريبة وغير القابلة للتصديق. انتظروا بضعة أشهر فقط وستخرج نظرية جديدة لا محالة.

جوليان أسانج في مهرجان كان تزامنا مع عرض فيلم وثائقي عنه
جوليان أسانج في مهرجان كان تزامنا مع عرض فيلم وثائقي عنه

Independent عربية

timeمنذ 11 ساعات

  • Independent عربية

جوليان أسانج في مهرجان كان تزامنا مع عرض فيلم وثائقي عنه

كان مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج الذي "تعافى" من سنوات سجنه الطويلة بحسب زوجته ستيلا أسانج، موجوداً في مهرجان كان السينمائي أمس الأربعاء لمواكبة فيلم وثائقي عنه يتضمن لقطات لم يسبق أن عُرضت. ولم يشأ الناشط الأسترالي الذي انتهت مشاكله القضائية في يونيو (حزيران) 2024 بعدما مكث في السجن في بريطانيا خمس سنوات وحضر للترويج لفيلم "ذي سيكس بيليون دولار مان" The six billion dollar man للمخرج الأميركي يوجين جاريكي، الإدلاء بأية تصريحات مباشرة، وأوضحت زوجته لوكالة الصحافة الفرنسية أنه سيفعل "عندما يشعر بأنه جاهز". إلاّ أنه ظهر في جلسة تصوير الثلاثاء وهو يرتدي قميصا أبيض يحمل أسماء أطفال فلسطينيين قُتلوا في غزة في الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع ردا على هجوم حركة "حماس" عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ويرغب مخرج الأفلام الوثائقية يوجين جاريكي في أن يعطي فيلمه صورة جديدة عن أسانج (53 سنة) يُبرز فيها "صفاته البطولية"، ويدحض الأفكار المسبقة عن الرجل الذي جعلته أثار الجدل بأساليبه وشخصيته. وأُطلِق سراح أسانج في يونيو الفائت من سجن بريطاني يخضع لحراسة شديدة بعدما عقد اتفاقا مع الحكومة الأميركية التي كانت تسعى إلى محاكمته بتهمة نشر معلومات دبلوماسية وعسكرية سرية للغاية. وأمضى الناشط خمس سنوات وراء القضبان في إنجلترا، كان خلالها يرفض تسليمه إلى الولايات المتحدة، بعدما بقي سبع سنوات في السفارة الإكوادورية في لندن، حيث طلب اللجوء السياسي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقالت زوجته المحامية الإسبانية السويدية ستيلا أسانج التي تولت الدفاع عنه في المحكمة "نعيش (راهنا) وسط مكان طبيعي خلاّب (في أستراليا). جوليان يحب قضاء الوقت في الهواء الطلق، لقد تعافى جسديا ونفسيا". أما جاريكي فلاحظ أن أسانج "عرّض نفسه للخطر من أجل مبدأ إعلام الرأي العام بما تفعله الشركات والحكومات في مختلف أنحاء العالم سرا". ورأى المخرج البالغ 55 سنة أن أي شخص على استعداد للتضحية بسنوات من حياته من أجل المبادئ يجب اعتباره شخصا يتمتع بـ "صفات بطولية". ويتضمن فيلمه لقطات حميمة وفرتها ستيلا أسانج التي انضمت إلى ويكيليكس كمستشارة قانونية. وأنجبت المحامية طفلين من زوجها أثناء وجوده في السفارة الإكوادورية في لندن. وينفي جاريكي في فيلمه أي صلة بين ويكيليكس والاستخبارات الروسية في ما يتعلق بتسريب رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي مباشرة قبل انتخابات 2016 الرئاسية الأميركية التي أسفرت عن هزيمة هيلاري كلينتون أمام دونالد ترمب.

"عميل سري" و"صراط"... سينما "كان" المشعة بقلق الوجود
"عميل سري" و"صراط"... سينما "كان" المشعة بقلق الوجود

Independent عربية

timeمنذ 20 ساعات

  • Independent عربية

"عميل سري" و"صراط"... سينما "كان" المشعة بقلق الوجود

وسط تنوع الأصوات والأساليب التي طغت على أفلام مسابقة مهرجان "كان" السينمائي، بين الـ 13 والـ 24 من مايو (أيار) الجاري، برز فيلمان مهمان بأسلوبيهما المتناقضين ولكن المتكاملين في جوهرهما، "عميل سري" للبرازيلي كليبير مندونسا فيلو، و"صراط" للفرنسي أوليفييه لاشيه، وكلاهما يقدم رحلة سينمائية تتجاوز حدود الحكاية نحو اختبار وجودي، فالأول يغوص في متاهات الخوف السياسي والذاكرة الجمعية، فيما يسبح الثاني في فضاءات الصحراء بحثاً عن الذات والآخر، ومن خلال رؤيتين للحياة يحدث لقاء عند سؤال مركزي وهو كيف يمكن للسينما أن تكون أداة مواجهة، سواء مع الداخل الروحي أو مع الماضي القمعي؟ وقد نال الفيلمان أعلى درجات تقييمات النقاد. "عميل سري" في "عميل سري" يعود المخرج البرازيلي كليبير مندونسا فيلو لمدينته الأصلية ريسيف، لا ليقدم مجرد حكاية عن فرد أو فترة تاريخية، بل ليحفر في طبقات الزمن البرازيلي جرحاً ظل مفتوحاً، وبين ماض ديكتاتوري ثقيل وحاضر يبحث عن معنى في أرشيفه، يصوغ فيلو عملاً معقداً ومتشظي البنية ينساب ما بين الأجناس السينمائية بسلاسة نادرة، جامعاً بين السرد الشخصي والحس السياسي في مزيج لا يمكن اختزاله أو تصنيفه بسهولة. تدور أحداث الفيلم عام 1977 في خضم الكرنفال السنوي الصاخب، إذ يعود مارسيلو (فاغنر مورا)، وهو رجل أربعيني أرمل، لريسيف محاولاً بناء حياة جديدة، لكن العودة لا تعني بداية جديدة بقدر ما هي استدعاء لماض لم يحسم، فكل شيء في المدينة يوحي بأن هناك طبقة غير مرئية من القلق والتوجس، وهذا الجو الخانق الذي يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية يكشف عن آلة قمع تتجاوز الجسد لتخترق النفس. غير أن مندونسا لا يرضى بسرد خطي تقليدي، فالفيلم يتحرك على مستويات متداخلة، فمن جهة نتابع مارسيلو في حاضره المحاصر بالماضي، ومن جهة أخرى نشهد على جيل جديد من الطلاب يعود إلى أرشيف تلك المرحلة باحثاً عن حكايات المنسيين وأصوات جرى إسكاتها، وفي هذا التوازي يتبدى أن النظام القمعي لا يموت ببساطة بل يعيد إنتاج نفسه عبر النسيان وعبر محو الذاكرة الجماعية، ومن هنا تأتي أهمية "عميل سري" كفعل مضاد للنسيان، وكاستعادة فنية لمقاومة صامتة تتطلب شجاعة الذاكرة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) جمالياً يتفنن المخرج في خلق عالم مزدوج، صاخب وملون من الخارج وخانق ومظلم من الداخل، ومما يثير الإعجاب أيضاً جرأة المزج بين الأساليب والنبرات عبر الانتقال بحرية بين الكوميديا السوداء والفانتازيا والتجسس والدراما العائلية، فمشاهد الساق التي أصبحت حدثاً إعلامياً بعدما التهم فك مفترس الرجل وترك ساقه يتصرف من تلقاء ذاته قد يبدو عبثياً، لكنه يتماشى مع مناخ الفيلم ويعكس جنون المرحلة وانزلاق الواقع نحو الغرائبي، وفي هذا التهجين الأسلوبي تظهر قدرة فيلو على تجاوز القوالب الجاهزة، فهو لا يقدم درساً في التاريخ وإنما تجربة فكرية عن كيف تكتب الذاكرة وكيف تلغى. "صراط" وجودي أما الفرنسي من أصل إسباني، أوليفييه لاشيه، الذي يخوض غمار المسابقة للمرة الأولى، فيأتي فيلمه الجديد "صراط" كطرح جمالي وفكري مختلف أَسَر قلوب النقاد، فلاشيه الذي أنجز فيلمه الروائي الطويل الأول "ميموزا" في المغرب يعود هذه المرة لصحرائه الممتدة حاملاً في جعبته رؤية فنية تنبض بتداخل الثقافات، ومدعومة بروحية تؤكد اهتمامه العميق بهذه الثيمات، ليكون الفيلم بمثابة شهادة حسية على هذا الانتماء الثقافي المتشعب. في "صراط" نتابع الأب (سرجي لوبيز) الإسباني الجنسية في رحلة يائسة للبحث عن ابنته التي اختفت منذ أشهر بلا أثر، سوى إشاعة تقول إنها قد تكون حاضرة في حفل مرتقب يقام في عمق الصحراء، يرافقه في هذه الرحلة الابن، في ما يصبح الحفل مركز الثقل في السرد ومكاناً صوفياً يحتشد فيه المهمشون من كل فج ليحتفلوا بالحياة والحرية والتحليق خارج قوالب الواقع. والعنوان "صراط" مستوحى من المفهوم الإسلامي الذي يشير إلى الجسر الرفيع الواصل بين الجحيم والجنة، وكأن الفيلم برمته عبور على هذا الحبل المشدود بين اليأس والرجاء والفناء والانبعاث، إلا أن لاشيه لا يقدمه من منظور ديني بل يعيد توظيفه في إطار سينمائي يحمل بعداً فلسفياً وتأملياً، إذ يدعونا لاشيه إلى رحلة فيها من الهلوسة والانجذاب ما يجعلنا نتفاعل شعورياً قبل أن نفهم منطقياً، ولعل الفهم في هذه الحال ليس الغاية بقدر ما هي التجربة والدخول الكلي في الفيلم، فهل ثمة حاجة إلى الفهم أصلاً إن كنا مدعوين إلى عبور وجودي مماثل يغير نظرتنا إلى الحياة؟ وعندما تقرر السلطات المحلية فض الحفل يرفض بعض المشاركين الانصياع ويواصلون الرحلة إلى منطقة صحراوية أخرى على مشارف الحدود الموريتانية، فيلحق بهم الأب على رغم طلبهم منه عدم تتبعهم، مدفوعاً بأمل خافت في العثور على ابنته، وعلى مدى ساعتين نتماهى مع هذا الأب المكسور ونغرق معه في بحر التيه والضياع، حيث تبدو الصحراء بلا نهاية والبحث لا يقود إلا إلى مزيد من التساؤلات. إنها رحلة وجودية قبل أن تكون بحثاً مادياً، فيها تذوب الأمكنة وتبرز الأحاسيس كبوصلة وحيدة، فالصحراء هنا ليست مجرد خلفية وإنما كيان سينمائي حي يشكل مشهداً مهيباً للصمود والقفز فوق العقبات، ومن الصعب ألا نستحضر بعض الأفلام التي تجري فصولها في الصحراء، إذ يتقاطع الفيلم معها في الفلسفة البصرية والتجريد، لكن لاشيه يحافظ على كاراكتيره الخاص فيعرف تماماً كيف يمنح فيلمه هوية فريدة عبر إيقاعه المتأمل ومزجه البديع بين الصوت والصورة. وفي النهاية سندرك أن الغاية ليست الحفل وإنما الطريق إليه، إذ إنه أشبه بسراب على نسق الحياة نفسها بكل ما تعترضه من أوهام وآمال وخيبات، لكن في المقابل لا شيء يعترض طريق لاشيه وهو يحملنا بخطى واثقة إلى عالم مواز.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store