logo
رسالة من خارج الخريطة إلى قلب الأسطورة

رسالة من خارج الخريطة إلى قلب الأسطورة

جريدة الرؤية٠٥-٠٥-٢٠٢٥

د. قاسم بن محمد الصالحي
في مساء لا يشبه سواه، دوّى صفيرٌ بعيدٌ من حيث لا يتوقع أحد، لم يكن صفيرَ ريحٍ عابرة، بل كان صفير الجنوب العربي.. الجنوب المحاصر، المنهك، المراوغ فوق ركام الجغرافيا، المتماسك فوق حطام السياسة.. صفّر اليمن، فارتجف مطار بن غوريون، بوابة الكيان اللقيط إلى العالم، ومفخرة أمنها، ونقطة التقاء خيالها بالعالم الحديث.
الضربة لم تكن مجرد قذيفة تهتدي إلى مدرج مطار، بل كانت رسالة عابرة لحدود الحرب، مكتوبة بلغة جديدة، تقول.. "لسنا من الحلفاء، ولسنا على الجبهة، لكننا نعرف كيف نصل إلى عقر داركم، حين تعجزون عن إخماد شعلة في غزة".. ولفحاتها وصلت إلى صنعاء، فهبّت هناك ريحٌ حمراء، اخترقت الأجواء والمسافات، ووقفت على قلب الكيان اللقيط.. الردع كذبة، والخوف صناعة بشرية، يمكن تفكيكها بإرادة واحدة وجملة واحدة.. نحن هنا.
في يافا، لم يحتجْ الناس إلى عدّ الإصابات، الرعب لا يحتاج إلى فواتير خسائر مادية، يكفي أن يُقال.. "جاءهم الصاروخ من اليمن"، من جنوب العرب، من حيث كانوا يظنون أن الحرب قد أنهكته، وأن الحصار قد كتم أنفاسه.. لم تصب الضربة جسد الكيان اللقيط، بل ضربت قلب أسطورته.. أسطورة "الكيان الآمن وسط بحر العداء"، إنه قلب المشروع الصهيوني، أن يكون في المكان الخاطئ ويقنع العالم أنه محصّن، فجاءته الطلقة من حيث لا يحتسب، من خارج "معادلة الاشتباك"، لتعيد تعريف الهامش والمركز، وتخلط أوراق الجغرافيا.. هنا، في الأزقة العربية، لم يكن الناس بانتظار البيانات العسكرية، هم شاهدوا الضربة على هيئة ابتسامة نصر مؤجل، على وجوه عابري الشاشات، في المقاهي، في البيوت.. كانوا يعرفون أن الصواريخ والطائرات المسيرة لن تغير وجه المعركة، ولكن الضربة غيّرت وجه الزمن، فجعلت المستقبل ينطق بلغة جديدة.. أن تكون بعيدًا عن خريطة الحلفاء لا يعني أنك خارج التاريخ.
في حرب غزة، فشل الكيان اللقيط في تحقيق أهدافه رغم المجازر. لا حسم، لا استسلام، لا انتصار، وفي لحظة واحدة، صار اليمن الذي نسيه العالم، شريكًا في تشكيل الهزيمة الرمزية لهذا الكيان اللقيط، حين وجّه ضربته لا ليقتل، بل ليقول.. "الردع مات. ونحن شهود على جنازته"، ربما لم يكن في الضربة سوى ارتجاج طفيف في المطار، أو ارتباك في رحلات الطيران، لكنها أوقعت في قلب الكيان اللقيط زلزالًا صامتًا.. زلزالًا في صورة الجيش الأقوى، والمنظومات التي لا تخطئ، والتحالفات التي لا تُهزم، زلزالًا في يقين الغرب بأن أمن الكيان اللقيط غير قابل للاختراق.
وحده الرأي العام العربي فَهِم الرسالة دون الحاجة لترجمة، أن الشعوب حين تنطق، حتى من فوهات البنادق، فهي تعيد ترتيب الخريطة، لا بالحدود؛ بل بالرموز.
وهكذا صفع الجنوب العربي، لا خصمه، بل ذاكرة العالم، وأعاد غزة إلى قلب المعادلة، لا بوصفها محاصرة، بل محورًا للاتساق العربي الجديد، حيث المسافة لا تمنع الصوت، والصوت لا يخفت ما دام المعنى حاضرًا.. من بعيد، من جبل تهامة، من بين غبار الحرب، خرج الصاروخ الفرط صوتي ليُعيد للوعي العربي شيئًا من ثقته بنفسه، قال إن الهامش قد يتكلم، وإن الصمت ليس ضعفًا، بل انتظارًا للّحظة المناسبة، وحين جاءت، لم يكن الصوت هديرًا عسكريًا؛ بل ضميرًا سياسيًا يقول: "لسنا أقل شأنًا من أحد، ولسنا خارج الحساب".. إنه الجنوب العربي حين يصفر، فينسى المركز كيف يُنطق اسمه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غزة تحت الحصار.. الأمم المتحدة تطالب بإجراءات فورية
غزة تحت الحصار.. الأمم المتحدة تطالب بإجراءات فورية

جريدة الرؤية

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

غزة تحت الحصار.. الأمم المتحدة تطالب بإجراءات فورية

نيويورك – الوكالات أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الخطة الإسرائيلية المقترحة بشأن قطاع غزة "لا ترقى إلى مستوى المبادئ الإنسانية"، مشددًا على أن ما هو مطلوب بشكل عاجل هو "فتح المعابر وضمان وصول المساعدات دون عوائق". وأوضح المكتب في بيان أن الإجراءات المقترحة ضمن الخطة لا تلبي الاحتياجات الفعلية للسكان المدنيين في القطاع، والذين يواجهون أوضاعًا كارثية منذ شهور، مطالبًا بإجراءات عملية وفورية لضمان دخول الإمدادات الإنسانية والطبية والغذائية. وأضاف المكتب: "ما نحتاجه فعليًا هو تدفق آمن وكافٍ للمساعدات من خلال فتح جميع المعابر، وليس ترتيبات جزئية أو غير كافية".

"حماس" تؤكد: لا معنى لأي مفاوضات في ظل "تجويع غزة"
"حماس" تؤكد: لا معنى لأي مفاوضات في ظل "تجويع غزة"

جريدة الرؤية

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

"حماس" تؤكد: لا معنى لأي مفاوضات في ظل "تجويع غزة"

غزة- الوكالات أكّد عضو المكتب السياسي في حركة حماس اليوم الثلاثاء باسم نعيم أن "لا معنى" لأي مفاوضات لوقف النار في ظل حرب التجويع" الإسرائيلية في قطاع غزة، مطالبا المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف "جريمة التجويع". وقال نعيم لوكالة الصحافة الفرنسية "لا معنى لأي مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا معنى للتعامل مع أي مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار، في ظل حرب التجويع وحرب الإبادة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة". وأضاف أن "المجتمع الدولي مطالب بالضغط على حكومة (بنيامين) نتنياهو لوقف جريمة التجويع والتعطيش والقتل في غزة".

"الصهاينة غير مرحب بهم".. مطعم إيطالي يطرد عائلة إسرائيلية (فيديو)
"الصهاينة غير مرحب بهم".. مطعم إيطالي يطرد عائلة إسرائيلية (فيديو)

جريدة الرؤية

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

"الصهاينة غير مرحب بهم".. مطعم إيطالي يطرد عائلة إسرائيلية (فيديو)

روما- الوكالات طلب مطعم في نابولي الإيطالية من عائلة إسرائيلية مغادرة المكان قبل أيام، بعد أن قيل لهم "الصهاينة غير مرحب بهم هنا". الحادثة، التي تم تصويرها في فيديو وانتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر نقاشا حادا بين العاملة في المطعم وزوجين إسرائيليين، حيث طلبت العاملة من الزوجين الرحيل بسبب "مقتل الأبرياء في غزة". الزوجان، اللذان يعيشان في إسرائيل ويشيران إلى أنفسهما كيهود إسرائيليين، زعما أنهما تم طردهما فقط بسبب هويتهما الإسرائيلية اليهودية. في الفيديو، يُسمع مالك المطعم وهو يطلب منهما المغادرة دون دفع الفاتورة. VIDEO | "And tell the Zionists they're not welcome here." (An Israeli family boasting about the genocide they're committing in Gaza was expelled from a restaurant in Naples, by a very savvy owner) — Antifa_Ultras (@ultras_antifaa) May 5, 2025 في رد فعل على الحادثة، نشر مطعم "لا تافرنا دي سانتا كيارا" بيانا على صفحته على فيسبوك يشرح الموقف. وقال في البيان "إن الزبائن قد أشاروا إلى "دعمهم لجرائم حكومة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني". وأضاف البيان: "كمواطنين أصحاب ضمائر حية، نستنكر الإبادة الفلسطينية المستمرة كجريمة ضد الإنسانية". وذكر البيان أيضا "أن السياح اتهموا المطعم بمعاداة السامية مشددين على أن دعم الفلسطينيين يعني دعم الإرهاب. وأشار البيان إلى أن المطعم يعارض "الفصل العنصري الإسرائيلي ودعم الإبادة الفلسطينية المستمرة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store