logo
القرآن الكريم كتاب الحياة

القرآن الكريم كتاب الحياة

شبكة النبأ٠٤-٠٣-٢٠٢٥

علينا أن نعلّم الناس ألفاظ القرآن، من القراءة والفهم كمقدمة للعمل، كذلك يجب أن نحاول فهم المعاني القرآنية ونطبقها، لأن القرآن كتاب التشريع، كما أن الكون هو كتاب التكوين، وقد جعل اللّه كل ما يحتاجه الإنسان في الأرض، وهكذا هي الآيات القرآنية يوجد فيها كل شيء مما يحتاجه الإنسان...
قال الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله): «خيركم مَنْ تعلم القرآن وعلمه»(1).
إنّ القرآن الكريم هو كتاب اللّه سبحانه وتعالى، الذي شاء أن يكون هادياً للبشر، وهو الكتاب السماوي الوحيد الذي صانه اللّه سبحانه وتعالى عن الزيادة والنقصان، بخلاف سائر الكتب السماوية التي فُقِد أكثرها، وما بقي منها تعرّض للتحريف.
ولأن القرآن الكريم هو كتاب هداية فهناك حثّ كبير على الاهتمام به، فالضمانة من الضلال تكمن في أمرين: القرآن الكريم وأهل البيت (عليه السلام)، يقول الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(2).
ومن مهام أهل البيت (عليه السلام) هي تفسير القرآن، كما كانت هذه مهمة الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: (وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ)(3)؛ لذا فإن كلام أهل البيت (عليه السلام) متطابق مع القرآن دائماً.
وإذا وجدنا كلاماً منسوباً للرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) أو لأهل البيت (عليه السلام) وهو مخالف للقرآن الكريم فهو لم يصدر عنهم(4).
وظيفتنا تجاه القرآن الكريم
إن وظائفنا تجاه القرآن عديدة منها:
وهذه الوظيفة تُراعى بشكل عام في مجتمعاتنا الإسلامية على أساس أنّ توقير القرآن واحترامه له فوائد كثيرة في الدنيا والآخرة، بينما تترتب على عدم توقيره آثار وضعية سيئة على الإنسان.
ينقل الوالد (رحمة اللّه عليه)، فيقول: في سالف الزمان في مدينة كربلاء المقدسة وسائر المدن، كان الكسبة يبدؤون أعمالهم ويفتتحون محالهم التجارية بآيات من القرآن الكريم(5).
ففي مقابل عدد كبير من الكسبة الذين يبدؤون بفتح محلاتهم التجارية بقراءة آيات من القرآن الكريم، كان ثمة شخص لا يقرأ القرآن، رغم أنه متدين، لكنه بخلاف الآخرين يأتي كل يوم صباحاً ويفتح محله ويبدأ العمل بصمت، وكان هذا منظراً غير متعارف في السوق، فكانوا يسألونه عن سبب عزوفه عن قراءة القرآن الكريم، فكان لا يجيبهم حتى ألحّوا عليه بالسؤال، فقال لهم: أريد قراءة القرآن لكن أشعر بأنّ شخصاً يمنعني كلما أردت ذلك، فلا أستطيع إلى ذلك سبيلاً، والسبب أنه كان لي قرآن مخطوط أعتزّ به، وكنت أصطحبه معي في الأسفار، كما كنت أحب الشعر والأدب، ومن الدواوين التي كنت أبحث عنها ديوان يزيد بن معاوية! لأن أشعاره وإن كانت تتضمن كثيراً من الكفريات إلّا أنها أشعار جميلة أدبياً! لأنّ معاوية عندما أراد أن يفرض يزيد حاكماً على الأمة الإسلامية رآه طائشاً، فاستشار شخصاً في كيفية جعل هذا الولد مطاعاً بين الناس؟ فقال له: علّمه القرآن وعلّمه الشعر، فأمّا القرآن فإنه يتمكن من خلاله من النفوذ إلى قلوب المسلمين، وأمّا الشعر فلكي ينفذ إلى قلوب العرب؛ لذا كان يزيد حافظاً للقرآن ويستشهد به في كلامه و«رُبّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه»(6) وفي الوقت نفسه كان أديباً.
يواصل ذلك الرجل: كنت لسنوات أبحث عن ديوان يزيد بن معاوية، وفي إحدى السنوات كنت في رحلة الحج، وكان القرآن الكريم بيدي، وعندما وصلت إلى المسجد الحرام رأيت رجلاً يبيع الكتب، ومن ضمنها ديوان يزيد، ففرحت بالعثور عليه، فأردت شراء الديوان، فرأى صاحب الكتب القرآن بيدي، فقال: لا أبيعه، لكن أبادله بالقرآن الذي تحمله!
قال الرجل: في البداية رفضت العرض وحاولت المساومة على السعر، لكنه كان مصراً على رأيه، وقال: إذا كنت تريد الديوان فعليك أن تبادله بالقرآن!! فقلت في نفسي: إنه توجد الكثير من نسخ القرآن، ويمكن أن أعوض هذه النسخة، وأحصل على نسخة أخرى، لكن ربما لا أحصل على ديوان يزيد بعد هذا، فدفعت له القرآن وأخذت منه الديوان.
يقول: بعد هذه الإساءة للقرآن الكريم ـ أن جعله ثمناً لديوان يزيد المليء بالكفر والفسق ـ سُلب مني توفيق قراءة القرآن الكريم، فأنا أفتح القرآن وأريد قراءته لكن كأن شخصاً يضع يده على فمي ويمنعني من القراءة!
وفي المقابل هنالك قصص كثيرة عن أناس احترموا القرآن الكريم فكسبوا التوفيق الإلهي في الدنيا والآخرة.
وهذا لا يحدث اعتباطاً، بل إنَّ أفعال الإنسان هي التي تأتي له بالتوفيق الإلهي، فمن يعمل بما يحبه اللّه تعالى فإنه تعالى يكافئه بأن يوفقه للتوبة، أو يمهد له الطريق لعمل صالح آخر، وكذلك قد يعمل الإنسان بالسيئات فيسلب اللّه منه التوفيق، حتى إذا جاءه العمل الصالح ليس بوسعه أن يُقدم عليه، وهو لا يعلم السر والسبب وراء هذه الحالة، والقرآن الكريم يجيب على ذلك بقوله: (ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسۡتَهۡزِءُونَ)(7).
ولذا يجب على الإنسان وفور ارتكابه الذنب أن يسارع للتوبة ويستغفر منه.
إنّ الاستهانة بالذنب من الكبائر؛ لأنّ الذنب الأوّل مثل الحلقة الأولى في السلسلة، تسحب بعدها بقية الحلقات: الثانية والثالثة وهكذا... وإذا بالإنسان يرى نفسه منغمساً في السيئات، ولا يجد مجالاً للعودة.
مرّ أكثر من 1400 عاماً على نزول القرآن الكريم ولغة الناس العربية قد طالها تغيير، ولولا القرآن الكريم لكانت اللغة العربية في خبر كان.
فقد ترى لغةً سادت قبل ألفي عاماً ـ مثلاً ـ وكان أناس ينطقون بها لكن لتفرقهم في أصقاع الأرض حصلت تغييرات على لغتهم، بحيث إن قوماً منهم لم يعودوا يفهمون لغة بني أعمامهم، مع أن الأصل واحد.
وكذلك اختلاف اللهجات بين البلاد العربية، وكأن تلكم اللهجات لا تعود إلى اللغة العربية.
وقد ابتعد كثير من العرب عن اللغة العربية الفصحى ـ لغة القرآن الكريم ـ وإن مناهج التعليم في المدارس هي من أسباب هذا التباعد إذ في كثير من البلدان العربية المناهج لا تعلم اللغة العربية، وحتى وسائل الإعلام لا تستعمل بعض المفردات القرآنية؛ والإنسان يألف الكلمة إذا سمعها باستمرار، لكن إذا لم يسمعها فإنه لا يفهمها ولا يعرف معناها.
وعلى كل حال يلزم تعلّم لغة القرآن وتعلّم قراءته وفهم معانيه.
الوظيفة الثالثة: العمل بالقرآن الكريم
إن القراءة والتعلّم أمران حسنان، ولكن الأهم العمل والتطبيق، فلا فائدة للقراءة من غير عمل، كالمريض الذي يذهب إلى الطبيب فيعطيه وصفة الدواء فيأخذها ويحافظ عليها ويعطرها، ويضعها في إطار جميل ويعلقها على الحائط، فهل تؤثر هذه الوصفة في شفائه من مرضه؟ كلا؛ لأنّ هذه الوصفة أعطيت له لكي يعمل بها، ويتناول الدواء المكتوب فيها، ثم يكون الشفاء من اللّه سبحانه وتعالى.
البعض يتصوّر أن الالتزام بالقرآن الكريم والعمل به هو الالتزام بالواجبات وترك المحرمات فقط، لكن هذا جزء من التديّن، وليس كل التديّن.
إذ ليس كل القرآن الكريم أحكاماً، وحسب المشهور فإن (500) آية منه حول الأحكام، بينما هنالك أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة آية في القرآن ترتبط بأمور أخرى وهي سائر مفردات حياة الإنسان وعقيدته.
إذ الإسلام دين يرافق الإنسان قبل ولادته ثم خلال حياته، وإلى بعد وفاته، يقول الرسول (صلى الله عليه وآله): «تخيّروا لنطفكم فإن العرق دساس»(8) بمعنى أن هنالك تعليماً لكيفية تكوّن المولود وهو بعد لم تنعقد نطفته، وقال (صلى الله عليه وآله): «إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول اللّه، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»(9)، حتى في بعض الأمور الجزئية فإن هنالك أحاديث وأحكام لها، مثلاً إذا أردت أن ترتدي حذاءك فابدأ بالرجل اليمنى، وإذا أردت نزعه فابدأ باليسرى(10)، وإذا أردت أن تدخل بيت الخلاء فابدأ بالرجل اليسرى، وإذا أردت أن تخرج فاخرج باليمنى، وفي دخول المسجد يكون العكس... .
إذن، في الإسلام نظام لكل تفاصيل حياة الناس، صحيح أن أغلبها ليست واجبات أو محرمات؛ لكنّها كلّها طريق إلى السعادة وإلى الحياة المطمئنة.
وهذا ما يجعلنا نتساءل: لماذا يعاني المتدينون في مجتمعاتنا من المشاكل في حياتهم؟ فهل السبب في أنهم لا يصلون مثلاً، أو أنهم يرتكبون الكبائر؟
كلا، هم يصلون ويتجنبون كبائر المحرمات عادة، مع ذلك نشاهد حصول المشاكل والأزمات الاجتماعية، وإنّما السبب في ذلك هو التخلّي عن النظام الإسلامي الذي يضم كل مفردات حياة الإنسان.
إنّ القرآن الكريم يشمل الأخلاقيات أيضاً، فهنالك العديد من الآيات القرآنية في ترك الرذائل وفي التحلّي بالفضائل، كما يشمل سائر الأُمور المرتبطة بحياة الإنسان.
وهذه الأمور إذا التزم بها الإنسان فإنه يرتقي في الدنيا ويعيش سعيداً، وفي الآخرة تكون له درجة سامية، وقد ورد في الخبر: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه»(11)، لأن الأفضل في المقاييس الإلهيّة ليس الأكثر مالاً، ولا الأكثر جمالاً أو سلطة، فهذه موازين الحياة الدنيا التي لا قيمة لها، وإنّما الأفضل هو الذي يكون أقرب إلى اللّه سبحانه وتعالى؛ وذلك من خلال العمل بالقرآن الكريم؛ يقول اللّه عزّ وجلّ: (خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ)(12)، أي: ربما ترى شخصاً في الدنيا في مرتبة حقيرة بين الناس، ثم تراه يوم القيامة وهو في القمة، بينما ترى أناساً عندهم القدرة والجبروت والأموال والاحترام، وإذا بهم يوم القيامة يكونون في أسفل سافلين.
ثم بعد التعلّم لا بدّ من تعليم القرآن للآخرين، كأن يشكل الإنسان محفلاً قرآنياً، وليس بالضرورة أن تكون المحافل في مكان عام، وإنّما بإمكان كل منّا إقامة المحفل القرآني في بيته، ولو بحضور قليل، حتى ولو كان الحاضر شخصاً واحداً، فقد كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يصلّي سبع سنوات ويصلّي خلفه أمير المؤمنين فقط، وبعد سبع سنوات قال أبو طالب لابنه جعفر: (صلّ جناح أخيك)(13)، أي: كن في الطرف الثاني للرسول (صلى الله عليه وآله)، فهل قلّل هذا من قيمة هذه الصلاة؟ كلّا، إذ الكثرة والقلّة ليستا دليلين على النجاح أو الفشل، فبيت الإنسان الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء والملائكة كالنجم الذي يتراءى لأهل الأرض؛ وهنالك روايات كثيرة في هذا المجال.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبوراً كما فعلت اليهود والنصارى، صلوا في الكنائس والبيع وعطلوا بيوتهم، فإن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتسع أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لأهل الدنيا»(14).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن البيت إذا كان فيه المرء المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء»(15).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر اللّه عزّ وجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيئ لأهل السماء كما تضيئ الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر اللّه عزّ وجلّ فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين»(16).
ثم إنّ هذه المحافل تترك بالغ الأثر الإيجابي داخل الأُسرة، فالأطفال الصغار سيألفون هذه الأجواء؛ لأن البيوت التي فيها هذه الأمور ستربي الأولاد على الإيمان والسلوك والأخلاق الحسنة، وهو ما قد لا يجدونه في المدرسة والشارع، فإنّ الجو الإيماني أقوى تأثيراً من أي عامل خارجي.
القرآن منهجاً
من القوانين التكوينية للّه عزّ وجلّ أنه تعالى جعل العمل بالقرآن دواءً وحلّاً لكل المشاكل، أمّا ترك القرآن ـ ولو في زاوية منه ـ فسوف يكون سبباً للانغماس في المشاكل.
وللأسف أن الأكثر قد ترك العمل بالقرآن، فقد يقتني الطبعة الأكثر أناقة والأفضل مع ترك العمل بالقرآن في أكثر جوانبه، مع أن القرآن كتاب حياة، يقول اللّه عزّ وجلّ: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ)(17).
إن ترك العمل بالقرآن سبب لمشاكلنا في الدنيا وفي الآخرة، يقول اللّه عزّ وجلّ: (وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا)(18)، فهل هجر المسلمون القرآن من حيث الظاهر؟ لا لم يهجروه ظاهرياً، فحين تفتح الإذاعات الإسلامية من الصباح إلى المساء لا بدّ أن قسماً من وقتها يملؤه تلاوة القرآن!
إن القرآن الكريم موجود في بيوتنا، لكن يعلوه التراب، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «ثلاثة يشكون إلى اللّه عزّ وجلّ: مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه»(19). لأن اللّه عزّ وجلّ أنزل القرآن للعمل، فإذا لم نعمل ـ ولو بجزء من القرآن ـ فهذه مشكلة؛ لأنه عزّ وجلّ يقول: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ)(20)، والحرف يعني الطرف(21)، أي: على جهة المكان الذي تكمن فيه مصالحه، أمّا إذا تضرر المكان الذي تكمن فيه مصالحه، أو واجهته صعوبة، فإنه يترك العبادة!
علينا أن نعلّم الناس ألفاظ القرآن الكريم، من القراءة والفهم كمقدمة للعمل، كذلك يجب أن نحاول فهم المعاني القرآنية ونطبقها في حياتنا، يقول اللّه تعالى: (وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ)(22)، لأن القرآن كتاب التشريع، كما أن الكون هو كتاب التكوين، وقد جعل اللّه تعالى كل ما يحتاجه الإنسان في الأرض كما قال: (وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ)(23)، وهكذا هي الآيات القرآنية الكريمة يوجد فيها كل شيء مما يحتاجه الإنسان في نظام حياته، لكن يجب أن يتفكّر ويتدبّر فيه لذا فإن أصل حلول مشاكلنا هو القرآن الكريم.
إن البعض يقول: إن مشاكلنا تكمن في الاستعمار، لكن في الحقيقة إن الاستعمار يستفيد من المشكلة الأساسية، والمشكلة فينا نحن، كمَن عنده أموال قيّمة وضعها في الشارع فيسرقه اللص، صحيح إن اللص سرقه، لكن اللص استفاد من عدم احتياط صاحبه، وهكذا استفاد الاستعمار من نقاط ضعفنا.
إن البلدان الإسلامية تواجه تحديات كثيرة لكن أخطرها الغزو الثقافي عبر نشر الثقافة الأجنبيّة في كل شيء بحيث تتحول المنظومة الفكرية للإنسان المسلم إلى منظومة فكرية أجنبيّة.
إن بعض المسلمين غير ملتزمين فهم يرتكبون المحرمات ويتركون الواجبات، وهذا أمر خطير ولكن الأخطر منه الآن أن المنظومة الفكرية لبعض المسلمين بدأت تتغير، فالعاصي يعلم أن عمله غير صحيح، وهناك احتمال أن يوفقه اللّه تعالى للتوبة في يوم ما، لكنه إذا اعتقد أن عمله صحيح فإن منظومته الفكرية تختل وبذلك تستبعد توبته، لأنه لا يرى عمله خاطئاً كي يفكر في الإقلاع عنه.
وعلى كل حال يمكننا أن نتغلب على الغزو الثقافي لكن بشرط العمل واتباع الإسلام في نظام متكامل، في الواجبات والمحرمات والأخلاق والآداب وسائر نُظُم الحياة.
* مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي
..................................................
(1) مستدرك الوسائل 4: 235.
(2) انظر: الكافي 2: 414؛ الأمالي، للشيخ الصدوق: 415؛ ومن العامة: مسند أحمد 3: 59؛ سنن الترمذي 5: 328؛ السنة: 336؛ السنن الكبرى 5: 45.
(3) سورة النحل، الآية: 44.
(4) انظر: المحاسن 1: 221، وفيه: ... عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب اللّه فهو باطل».
... عن الهشامين جميعاً وغيرهما قال: خطب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: «أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله».
... عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب اللّه فأنا قلته، وان لم يوافق كتاب اللّه فلم أقله».
(5) أمّا اليوم فلا أثر لهذه العادة الحسنة في غالب بلاد المسلمين، رغم وجود روايات عديدة تحثّ على قراءة القرآن يومياً؛ لقد ورد في الأحاديث: «القرآن عهد اللّه إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية» [وسائل الشيعة 6: 198]؛ فينبغي على المؤمن أن يبدأ يومه بقراءة صفحة من القرآن على الأقل.
ثم إن اللّه سبحانه لم يجعل فصولاً للقرآن كبقية الكتب بل ضمّن اللّه تعالى المطالب الأساسية في كل القرآن، ففي كل صفحة من القرآن توجد ـ غالباً ـ مسائل العقيدة والأحكام والأخلاق والمواعظ وغيرها.
(6) بحار الأنوار 89: 184.
(7) سورة الروم، الآية: 10.
(8) انظر: السرائر 2: 559.
(9) الكافي 5: 332.
(10) انظر: الكافي 6: 467، وفيه: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا لبست نعلك أو خفك فابدأ باليمين، وإذا خلعت فابدأ باليسار».
... عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان يقول: «إذا لبس أحدكم نعله فليلبس اليمين قبل اليسار، وإذا خلعها فليخلع اليسرى قبل اليمنى».
(11) مستدرك الوسائل 4: 235.
(12) سورة الواقعة، الآية: 3.
(13) انظر: الأمالي، للشيخ الصدوق: 508؛ وسائل الشيعة 8: 288؛ شواهد التنزيل 2: 333.
(14) الكافي 2: 610.
(15) الكافي 2: 610.
(16) الكافي 2: 610.
(17) سورة الأنفال، الآية: 24.
(18) سورة الفرقان، الآية: 30.
(19) الكافي 2: 613.
(20) سورة الحج، الآية: 11.
(21) مفردات ألفاظ القرآن 1: 228.
(22) سورة الأنعام، الآية: 59.
(23) سورة الرحمن، الآية: 10.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'
جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'

صيدا أون لاين

timeمنذ 14 ساعات

  • صيدا أون لاين

جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'

لمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، أطلقت جمعية رعاية اليتيم في صيدا حملة " أضحى الخير 2025 " لإستقبال التبرعات والأضاحي وإيصالها الى مستحقيها. وتوجه رئيس الجمعية الدكتور سعيد مكاوي بكلمة بالمناسبة جاء فيها: "نتقدم من أهلنا الأحباء في مدينة صيدا ومن جميع الداعمين والمتبرعين الكرام وأسرة الدار بأسمى آيات التهنئة بقرب حلول عيد الأضحى المبارك سائلين الله تعالى ان يعيده بالخير واليمن والبركات ومتمنين لحجاج بيت الله الحرام حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً ان شاء الله. منذ تأسيسها في العام 1952، تواصل جمعية رعاية اليتيم رسالتها الإنسانية والإجتماعية والتكافلية تحقيقاً لرؤية المؤسسين في خدمة الإنسان والمجتمع والتي تابعت ولا تزال تجسيد أهدافها من خلال ما أرسته بدعم الخيرين من مراكز ومدارس وما تنفذه من برامج متخصصة وما تحققه من نجاح وريادة وتميز في مجال العمل الاجتماعي. واستمراراً لهذه الرؤية ، وجرياً على عادتها في كل سنة، تطلق جمعية رعاية اليتيم حملة أضاحي العيد لهذا العام تحت عنوان " أضحى الخير" ، احياء وتجسيداً لسنّة الأضاحي بما هي تضحية وعطاء وتقرب الى الله تعالى.وبالمناسبة، تشكر الجمعية كل المتبرعين والمساهمين الكرام ، مؤسسات وأفراداً ، في لبنان وخارجه ، وتؤكد لهم ان استمرارها بأداء رسالتها التكافلية هو بعد فضل الله وبركته وتوفيقه، بفضل مساندتهم الدائمة لها، في كل برامجها في مجال الرعاية التخصصية التربوية والنفسية والإجتماعية لأبناء الفئات الأكثر حاجة ، وتمكينهم بالعلم والمعرفة وتزويدهم بشهادة أو مهنة ليشقوا طريقهم في الحياة العملية نحو مستقبل آمن ومشرق. وكل عام وأنتم بخير". حملة أضحى الخير وأعلنت الجمعية إطلاق حملة " أضحى الخير" لإستقبال التبرعات والأضاحي للعام 2025 . وجاء في بيان صادر عن الجمعية : قال الله تعالى: ﴿لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ ( سورة الحج: 37). جرياً على عادتها مع اقتراب عيد الأضحى المبارك من كل عام ، وتحقيقاً لرسالتها في رعاية ومساعدة الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع، وبهدف دعم الأطفال الأيتام والعائلات المتعففة، تعلن جمعية رعاية اليتيم في صيدا عن إطلاق حملتها السنوية " أضحى الخير" لإستقبال التبرعات والأضاحي للعام 2025 لإيصالها الى مستحقيها. ويتم ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد ويتواصل طيلة أيامه ، وفقًا للضوابط الشرعية والمعايير الصحية. وحددت الجمعية ثمن الأضحية على الشكل التالي : * خروف عويس بلدي : 50-52 كيلو 350$ * عجل أوروبي كامل: 450 كيلو 1820$ * سبع العجل أوروبي: 260$ وبالمناسبة أيضاً ، تواصل الجمعية تنفيذ برنامجها " إدعم أمنيتي بصدقة"، بهدف تحقيق أمنيات أطفالها ، لزرع الفرحة في قلوبهم. فتحقيق حلم صغير يترك أثراً كبيراً . للحجز والتبرع للمشروعين وللمزيد من المعلومات، يُرجى الاتصال على رقم الهاتف: 07720788 / مقسم: 218 - 112 - 114 – 168 . او من خلال التبرع عبر تطبيق موقع الجمعية الإلكتروني وحساباتها على وسائل التواصل الإجتماعي. كما يُمكن للراغبين بالتبرع زيارة مكاتب جمعية رعاية اليتيم في مقرها: مبنى دار الفتاة - مستديرة السراي – صيدا . أضحى مبارك ، وكل عام وأنتم بخير".

إختفت سمة الحياء في مجتمعاتنا بعدما كانت دلالة على الوقار والاحترام والنبل، بل غدت أمراً معيباً ونظرة سفيهة لمن يتّصف ويتحلى بها
إختفت سمة الحياء في مجتمعاتنا بعدما كانت دلالة على الوقار والاحترام والنبل، بل غدت أمراً معيباً ونظرة سفيهة لمن يتّصف ويتحلى بها

النهار

timeمنذ 18 ساعات

  • النهار

إختفت سمة الحياء في مجتمعاتنا بعدما كانت دلالة على الوقار والاحترام والنبل، بل غدت أمراً معيباً ونظرة سفيهة لمن يتّصف ويتحلى بها

إختفت سمة الحياء في مجتمعاتنا بعدما كانت دلالة على الوقار والاحترام والنبل، بل غدت أمراً معيباً ونظرة سفيهة لمن يتّصف ويتحلى بها. في الماضي القريب كان الأهل يعلمون أولادهم القيم ومن بينها صفة الحياء والخجل، فعندما يصادفون أحداً يلقون عليه التحية وحينما يتواجدون في حفل مزدحم يتركون المقاعد للأكبر سناً فيبقون واقفين إلا إذا توفرت الأعداد للجميع. في صغرنا كنا كلما التقيت بجدي أقبل يده وأطلب بركته وحينما يتحدث أحدهم ونحن جالسون معه كنا نصغي بصمت وسكون مهيب، فلا نقاطعه أثناء مخاطبته للمجموعة إلا بعد انتهائه من الكلام، فهذه ميزة آداب الحديث بين الناس. كنا ننتظر والدي في المساء أثناء العشاء فلا نبدأ تناول الطعام قبل أن نتلو صلاة الشكر ويمد يده للقمة الأولى. في الماضي القريب كانت الصبية تخجل من الغزل والكلام المعسول ولا تخرج لوحدها في الليل مع رفيقها الشاب والذي كان واجباً عليه ان يزورها في بيت والديها ويطلب السماح منهم للتنزه معاً. بالأمس كان للوالدين الرهبة والاحترام من قبل أولادهما فلا يعلو صوتهم ولا يصرخون في وجه ألأهل، ليس خوفاً بل قناعة مقدسة فيهم بضرورة الرصانة والتقدير لمن ضحوا وتعبوا لأجلهم. في يومياتنا كانت هناك أمور كثيرة نحيا بها ونمارسها بحياء جميل مهذب تظهر فينا مدى الأخلاق والقيم التي تزين الإنسان في أعماقنا وتميزنا عن باقي المخلوقات في هذا العالم، هي سمات زرعها الخالق فينا لنكون من الصالحين والأخيار في هذه الدنيا فنلقى رضى الله والوالدين علينا ونجني كل ثواب ونِعم.

التديُّن الشكليّ.. هل أصبح الأكثر شيوعاً
التديُّن الشكليّ.. هل أصبح الأكثر شيوعاً

شبكة النبأ

timeمنذ 20 ساعات

  • شبكة النبأ

التديُّن الشكليّ.. هل أصبح الأكثر شيوعاً

التديُّن الانتقائي، الذي يظهر من خلال أداء العبادات مثل الصلاة والصوم والحج، وفي الوقت نفسه، هناك إهمال لقيم أخلاقية أساسية مثل النزاهة الاجتماعية أو الأمانة في العمل. وهكذا، فإن التديُّن الانتقائي، أو ما يُعرف أحياناً بـ التديُّن الشكلي، هو ظاهرة نفسية واجتماعية تتجلى في تبني جوانب معينة من الدين... الهوية الدينية أو المذهبية غالباً ما تُختزَل في الانتماء العائلي أو الاجتماعي (مثل الانتساب إلى مذهب أو طائفة دون دراسة وفهم)، والممارسات الشكلية (أداء الصلاة، والصوم، أو اتباع العادات دون حضور القلب)، وأيضاً التمسك بالرموز الخارجية (اللباس، والشعارات، أو الخطابات). بالتالي، هذه الهوية تتبلور الى تديُّن، الذي هو نهاية المطاف، تدين ناتج عن انتماء اجتماعي - ثقافي – تقاليدي أكثر منه تديُّن عَقَدي، وهو تديُّن شكلي أكثر منه إيماني. في المقابل، هناك الانتماء الديني الحقيقي أو التديُّن الحقيقي، وهو إنتماء/تديُّن ناتج عن فَهْم الغاية من الدين، والغاية من العبادة (كالصلاة سبيلٌ لتهذيب النفس، لا مجرد حركات جسدية)، وتحويل القيم الدينية إلى سلوكيات أخلاقية (كالصدق، والعدل، والرحمة، والأمانة، والاحترام)، ثم التفكر في الآيات الكونية والقرآنية لترسيخ الإيمان وصقله والارتقاء به. وهكذا، يجب التمييز بين الدين كـ "إيمان وتديُّن حقيقي" والدين كـ "هوية اجتماعية وتديُّن شكلي"، من خلال أمثلة تاريخية ومعاصرة عن التديُّن الشكلي أو التديُّن غير الحقيقي: أمثلة تاريخية - المنافقون في عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ذكر القرآن الكريم صفاتهم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ)(البقرة: 9). كانوا يعلنون إيمانهم، ويشاركون المسلمين في عباداتهم، لكن قلوبهم فارغة من الإيمان، فانتقدهم القرآن الكريم لانفصالهم عن التديُّن الحقيقي أو جوهر الدين. - الخوارج في التاريخ الإسلامي، اشتهروا بالتمسك الحرفي بالنصوص والعبادات، لكنهم انحرفوا عن روح الإسلام حين سفكوا الدماء بحجة "التكفير". رُوي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال في الخوارج: "أيها الناس إني سمعت رسول الله يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا يجاوز قراءتهم تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" (بحار الأنوار: ج 33 - ص 329). أي أن الخوارج كانوا يقرأون القرآن الكريم لكن لم يصل إلى قلوبهم ليُغيّر أخلاقهم، وكانوا يصلون ويصومون لكنهم كانوا في أبعد مكان عن الدين، فكان مآلهم أن يقاتلوا علياً بن أبي طالب الذي قال فيه نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله): "هذا أول مَنْ آمن بي، وأول مَنْ يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين" (*). وقال (صلى الله عليه وآله): "إن هذا أخي، ووصييّ، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا" (**). فأي إيمان أو تدين لدى هؤلاء "المتدينين" وهو كفّروا وقاتلوا أمير المؤمنين. - تحوّل فقهاء أو علماء الدين إلى أدوات لتبرير سياسات الحكام الظالمين، متناسين وصايا وتحذيرات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وقد قال: "ألا إن شر الشر شرار العلماء" (منية المريد: ص 137). وقال (صلى الله عليه وآله): "ويل لامتي من علماء السوء" (الكافي: ج 2 – ص 319). وعنه (صلى الله عليه وآله) لما سئل عن شر الناس، قال: "العلماء إذا فسدوا" (تحف العقول: ص 35). وقال (صلى الله عليه وآله): "سيأتي على أمّتي زمان لا يبقى من القرآن إلّا رسمه، ولا من الإسلام إلّا اسمه، يسمّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود" (بحار الأنوار. ج 2 – ص 109). أيضاً، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن علماء الدين المنافقين: "وإنْ حكموا أسرفوا، قد أعدوا لكل حق باطلاً، ولكل قائم مائلاً، ولكل حي قاتلاً.. يقولون فيشبهون، ويصفون فيموهون.. فهم لمة الشيطان، وحمة النيران، أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" (نهج البلاغة). لاشك، عند هذا النوع من العلماء، الانتماء الديني أو التديُّن "الشكلي" هو مجرد غطاء لتحقيق مصالح دنيوية، ولا شأن لها بقيم الدين ولا مبادئ التديُّن الحقيقي. أمثلة معاصرة - مجتمعات تهتم بالمظهر وتغفل عن الجوهر؛ مثل التركيز على "الحجاب الشكلي" دون مراعاة أخلاقيات التعامل كمن ترتدي الحجاب وتُسيء إلى جيرانها. أو الاهتمام ببناء المساجد الفاخرة بموازة إهمال القيم الإنسانية؛ مثل نصرة المظلوم، ومساعدة الفقراء، ونشر التسامح في المجتمع، وحُسْن التعامل مع الناس، أو مسؤول "متديِّن" يزعم أنه يدافع عن الدين أو الطائفة لكنه يسرق أموال الشعب، الذي أتباع ذلك الدين أو المذهب جزء منه، أو سياسي "متديِّن" يُقسِم على الحفاظ على حقوق شعبه لكنه يخون شعبه ويبيع وطنه. - الخطاب الديني أو الطائفي المُتعصِّب الذي يكرِّس انقسام المجتمع إلى طوائف متكارهة وفئات متناحرة وجماعات متنافرة، فيصبح الانتماء الديني أو المذهبي هوية عدائية تُبرِّر الكراهية، وتكرّس الضغينة، وتقصي قيم التسامح والتعايش والتعاون، بعيداً عن قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103). مثال على ذلك، صراعات حول تفاصيل فقهية وتاريخية، بينما يتشاركون في الإهمال الأخلاقي (كترك السعي الى الإصلاح، أو السكوت عن الجور، أو عدم نصرة المظلوم، أو خذلان الفقير والمريض والمحروم، أو الكذب، أو الظلم). - التديُّن الانتقائي، الذي يظهر من خلال أداء العبادات مثل الصلاة والصوم والحج، وفي الوقت نفسه، هناك إهمال لقيم أخلاقية أساسية مثل النزاهة الاجتماعية أو الأمانة في العمل. وهكذا، فإن التديُّن الانتقائي، أو ما يُعرف أحياناً بـ التديُّن الشكلي، هو ظاهرة نفسية واجتماعية تتجلى في تبني جوانب معينة من الدين (غالباً الطقوسية أو المرئية) مع إهمال أو تجاهل القيم الأخلاقية والإنسانية الأساسية التي تشكل جوهر الدين. بالتالي، هو ممارسة الفرد أو الجماعة لبعض مظاهر التدين (كالصلاة، الصوم، الحجاب، الذهاب إلى الحج أو المسجد...) مع تجاهل أو تبرير السلوكيات غير الأخلاقية مثل الكذب، والغش، والظلم، والفساد. هذا النوع من التديُّن لا يُظهِر التزاماً متكاملاً بقيم الدين، بل يختار ما يناسبه، ويُهمّش ما يتطلب تضحية أو مراجعة للذات. - في جانب من كلمته الرمضانية السنوية، في العام الماضي 1445هـ، قال سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): "أتذكّر أنه قبل قرابة سبعين سنة كان الفساد نادراً. فمن يساوينا بالعمر، يتذكّرون ندرة وجود الفساد في ذلك الزمان بين الرجال والنساء. وعلى سبيل المثال: كان الطلاق في ذلك الزمان لا يقع إلاّ بالقليل والقليل، وكان مذموماً. وكذلك كان زواج الشباب والشابات في تلك الحقبة الماضية لا يواجه ما يواجهه اليوم من مشاكل وصعوبات، وكان الطلاق في كل شهر لا يتجاوز ثلاث حالات في كل محافظة كربلاء المقدّسة وحواليها وأطرافها، لكن إحصائيات الطلاق اليوم فاقت حدّ حتى التصوّر واتّسعت دائرته بشكل رهيب، فالكثير من حالات الطلاق تقع اليوم في أيّام الخطوبة والعقد بل وحتى في مراسيم إجراء عقد الزواج!" وأضاف سماحته: "الإحصائيات الكثيرة لعمليات الخطف والقتل والانتحار وتعاطي المخدرات والسرقات والرشاوى ازدادت في المجتمعات البشرية. وخلال ثلاثين سنة من وجودي في مدينة كربلاء المقدّسة لا أتذكّر وقوع حالة واحدة من الانتحار، ولكن نسمع في مجتمع اليوم دائماً انتحار فلان الشخص وآخر وآخر، ويخلقون بانتحارهم ويسبّبون تبعات مؤلمة لوالديهم أو لنسائهم أو لأبنائهم أو لأزواجهم ويتأثّروا به". والعراق من أبرز الأمثلة على التديُّن الشكلي. رغم أنه هذا البلد هو الأكثر بعدد العطل والمناسبات والفعاليات الدينية، على مستوى العالم، إلا أنه وبحسب المنظمات الدولية يحتل الصدارة في قائمة الفساد على مستوى العالم، فيما الفشل يدب في مفاصل الحكومة وعموم الحياة السياسية. بالإضافة الى الفساد في المجتمع من خلال الغش في بيع الأدوية والرشوة واختلاس المال العام، وصولاً إلى المحسوبية والتمييز في التعاملات الحكومية، على سبيل المثال. أيضاً تزايد خطير في تعاطي المخدرات، وارتفاع نسب انتحار الشباب. وبناءً على آخر تقرير لـ "منظمة الشفافية الدولية" عن مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2023، (على مقياس من "0 - شديد الفساد" إلى "100 - خالٍ من الفساد") كان الترتيب العالمي لـ: العراق (154 من 180 دولة)، لبنان (149 من 180 دولة)، مصر (130 من 180 دولة)، إيران (141 من 180 دولة)، وتركيا (101 من 180 دولة)، على سبيل المثال. بالتالي، فإن هذه الدول الخمس تعاني من مستويات فساد مرتفعة نسبياً، مع تفاوت في الأسباب، رغم وجود الحالة الدينية واضحة في مجتمعات هذه الدول. في الوقت أن لبنان والعراق من بين الأسوأ في المنطقة العربية، وفقاً لـ مؤشر مدركات الفساد (CPI). كيف يصبح التدين شكلياً؟ فَهْمُ الدين بمعزل عن العقل ما هو إلا تشويه للدين وانحراف في التدين، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ لا عقل له لا دين له." وهكذا، حين يغيب العقل فإن العبادات والطقوس الدينية تصبح جوفاء، ويصبح التدين مجرد ممارسات شكلية لا تؤثر في السلوك، ولا تضبط الجوارح. فترى الشخص يُصلي ويصوم ويحج ويدعو الناس الى الورع والفضيلة، لكنه يكذب، ويغش، ويظلم، ويرتكب الفساد، وأيضاً يخون شعبه ويخذل بلده. أيضاً، يصبح التديُّن شكلياً أو مزيَّفاً، عندما يتحول إلى مجرد عادات أو تقاليد اجتماعية؛ مثل توارث الأفكار دون بحث أو اقتناع. ويصبح التديُّن شكلياً، عندما يُستخدم لأغراض سياسية؛ كأن ترفع جماعة شعارات دينية للوصول إلى السلطة. كما، يصبح التديُّن شكلياً، عندما يفتقد المراجعة النقدية، ويتحول الى إنسياق بلا حجة وانقياد بلا بيّنة. يُروى أن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد وجَّه عتاباً أو نقداً أو توبيخاً لجماعة من شيعته حضروا عنده بأجسادهم دون عقولهم وقلوبهم، فكانوا ساهين ولاهين وغافلين عن إدراك ما كان يقوله (عليه السلام)، وهو ما أغاظ الإمام، حتى أطرق ملياً، ثم رفع رأسه، وقال لهم كلاماً؛ دعاهم فيه الى التمسك بطاعة الله سبحانه، ثم وعظهم ليستردوا عقولهم، ويعودوا الى الإيمان الحقيقي والتديُّن الواعي، ومما قاله (عليه السلام): "إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتاً. ألا يا أشباحاً بلا أرواح، وذباباً بلا مصباح، كأنكم خشب مسندة وأصنام مريدة" (تحف العقول: ص 291). إن نَقْدَ أو توبيخ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لجماعة من شيعته أو لمجتمعات الدينية غير ملتزمة بقيم الدين وروح الإسلام، هذا النقد أو التوبيخ إنما هو تذكير بأن الإيمان/التديُّن ليس هوية تُورَّث أو شكلاً يُقلَّد، بل حركة وعي تُحيي القلب وترتقي بالسلوك الإيماني؛ قولاً وعملاً. فكما أن الشجرة الميتة -وإنْ كانت ضخمة- لا تُثمِر، فإن الانتماء بلا وعي داخلي يصبح فكرة فارغة أو حركة خاوية، كما أن التديُّن بلا فهم لجوهر الدين يصبح بلا مضمون. يقول المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده): "صحة المبادئ شيء، وتطبيق تلك المبادئ على الواقع شيء آخر، وإذا لم يطبّق الإنسان أعماله على تلك المبادئ الصحيحة، عاش حالة الدروشة." ويقول: "لا الدين وحده، ولا الأخلاق وحدها، بل دين وأخلاق. وهكذا؛ فمَنْ لا فضيلة له، لا دين له، وإنْ صلّى وصام وزكّى وحج، ومَنْ لا دين له، لا فضيلة له، وإنْ جاد وأعطى، وواسى ووفى." بهذا النص، الإمام الشيرازي الراحل يعيد يؤكد أن التديُّن الحقيقي وحدة عضوية بين الإيمان والعمل، وبين الاعتقاد والسلوك، ويحذّر (قده) من اختزال الدين في طقوس أو مظاهر تفتقر إلى العمق الأخلاقي. وهو بذلك يتماهى مع الرؤية القرآنية التي تُعلي من شأن التقوى كمرادف للعمل الصالح؛ (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ...)(البقرة: 177)، وأيضاً قوله سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البيّنة: 5). في السياق، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، وكم من قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر والعناء" (غرر الحكم: ص 4763). وقال (عليه السلام): "إنَّ لأهل الدين علامات يُعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، واتباع العلم، وما يقرّب إلى زلفى" (نهج البلاغة – الخطبة رقم 193). إن التديُّن الشكلي ليس جديداً، لكن تحوله إلى ظاهرة أو يصبح التديُّن الأكثر شيوعاً، يعكس أزمة في الفهم الصحيح للدين وتشوّه في التدين، في الوقت أنه يدل على أزمة في التديُّن الحقيقي، وهذه أزمة بالغة الخطورة، وإن هذه الخطورة لن تقف عند حد بل تشتد تداعياتها وتأثيراتها بمرور الأيام. وهكذا، فإن العلاج يبدأ بإعادة تعريف "التديُّن الحقيقي" كوحدة لا انفصام فيها بين العبادة والأخلاق، وبين القول والعمل، فإنما روح العبادة هي مكارم الأخلاق، وإن من التديُّن الحقيقي "احترام الذات"، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ كَرُمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية" (غرر الحكم: ص 8730)، كما أن من التديُّن الحقيقي "حُسْن السلوك" مع الأسرة والأهل والجيران والأصدقاء والمجتمع، بل مع الجميع، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقورٌ في الهزاهز، صبورٌ عند البلاء، شكورٌ عند الرخاء، قانعٌ بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في نَصَب، والناس منه في راحة، وإن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه، واللين والده" (الخصال: ص 406). وإن التديُّن الحقيقي هو الذي وصفه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث قال: "المؤمن مَنْ طاب كسبه، وحسنت خليقته، وصحَّت سريرته، وأنفق الفضل مِنْ ماله، وأمسك الفضل مِنْ قوله، وكفى الناس شره، وأنصف الناس مِنْ نفسه" (الكافي: ج 2 - ص 235). إذن؛ أين غالبية الناس مِنْ هذه الصفات؟! أو أين غالبية الناس مِْن بعض هذه الصفات؟!!! ..................................... (*) أخرجه الطبراني في الكبير، وأخرجه البيهقي في سننه، وابن عدي في الكامل، وهو الحديث 2608 من أحاديث الكنز: ص 156 ج 6. (**) راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 217، وتاريخ ابن الأثير ج 2 ص 22، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 116، مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 111، والمستدرك للحاكم ص 159 ج 1).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store