logo
«جرّة غاز سبيسيال»... وجع مشترك وانفجار مرتقب على خشبة المسرح

«جرّة غاز سبيسيال»... وجع مشترك وانفجار مرتقب على خشبة المسرح

الشرق الأوسطمنذ 12 ساعات

تحمل مسرحية «جرّة غاز سبيسيال» جرعة كبيرة من الإبداع، وهي من كتابة وإخراج سارة عبدو وكريم شبلي، ومن بطولة سينتيا كرم وجوزيف زيتوني. ثنائية تضع الأصبع على الجرح، فتجعل المتلقي يشعر بالألم والواقع كما هو. أما الرسالة، فهي بسيطة وعميقة في آن واحد: «وجع الإنسان لا يفرّق بين جنسية وأخرى، ومشاعر الكره، مهما بلغت، تصبح فكرة مسطّحة وسخيفة أمام معاناة فُرضت عليه».
يأتي العمل ضمن الدورة الـ17 من مهرجان «ربيع بيروت»، الذي تنظمه «مؤسسة سمير قصير»، ويستضيفه «مسرح مونو» في بيروت حتى 29 يونيو (حزيران) الحالي.
شكلت كرم مع زيتوني ثنائية لافتة (الشرق الأوسط)
وفي ظلّ الاضطرابات السياسية المستمرة في لبنان وسوريا، تصعد إلى الخشبة شخصيات من هنا وهناك. ويسعى العرض المسرحي إلى اكتشاف وطأة الصدمة الجماعية وسبل الشفاء منها. تتشابك فيه الأزمنة والوقائع، وتُستعاد عَبْرَه مراحل من الحروب الماضية والحاضرة. يتداخل الماضي والحاضر في نصّ جريء وغني، فتمضي بنا المسرحية في رحلة قوامها الغربة والتشتّت، حيث يمتزج الضحك والدموع، وتُقدَّم الصدمة بوصفها وسيلة علاجية، توقظ المتلقي من غيبوبة أرهقته وأهدرت عمره.
تشكل عبوة الغاز، التي يُشير إليها العنوان، مفتاحاً لقصص معلّقة على شفير الانفجار. فهي أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة... وكبركان ينتظر لحظته ليلفظ حممه، يفجّر كلٌ من سينتيا كرم وجوزيف زيتوني «غازاته» على طريقة «عليّ وعلى أعدائي»، فيخلقان مساحة شفاء طال انتظارها.
بالنسبة إلى جوزيف زيتوني، يمثل هذا العمل محطة مفصلية في مسيرته؛ إذ يكشف عن موهبة تمثيلية ناضجة، تضعه وجهاً لوجه أمام فنانة يمكن عَدُّها من الحالات الاستثنائية. ويكفي أن يقول مَن عاصر أعمالها الاستعراضية والدرامية: «فخورون لأننا عشنا في زمن سينتيا كرم». فالأيام المقبلة لا بُد من أن تضع اسمها في مصافّ الأيقونات الفنية في لبنان.
سينتيا متقمصةً شخصية الفتاة السورية الثائرة (الشرق الأوسط)
وعلى مدى نحو ساعة، يتابع المشاهد المسرحية بلا كلل أو فتور؛ إذ إن خلطة الشخصيات والأحداث التي عُجِن بها النص لا تترك متّسعاً للملل.
يتنوّع العرض بعناصر فنية متعددة: من موسيقى وإيماء، إلى أزياء وديكورات، تسهم جميعها في إثرائه بصرياً ووجدانياً. وقد تبدو هذه العناصر بسيطة ظاهرياً، لكنها تُكمل منظومة عمل متقن ومحبوك بعناية.
يتقمّص الثنائي سينتيا كرم وجوزيف زيتوني أكثر من شخصية، ويتنقّلان بسلاسة بين اللهجتين اللبنانية والسورية. يُجسّد زيتوني شخصية «صبي الغاز» السوري، المكلف إيصال عبوة الغاز (دليفري) إلى المنازل. وإدراكاً لحساسية هويته، يحاول إخفاء لهجته عن السيدة اللبنانية ناديا (تؤديها كرم)، المعروفة بعدائها للسوريين، بعد اختفاء ابنها الوحيد جاد على أيديهم. يتحدث إليها باللهجة اللبنانية، لكنها تكتشف حقيقته، فتنهال عليه بوابل من الشتائم والإهانات.
جوزيف زيتوني في شخصية «إمّ شربل» بالمسرحية (الشرق الأوسط)
يحاول الصبي امتصاص غضبها، ويقابل عداءها بتفهّم وتعاطف. ومع تطوّر الأحداث، يكشف لها عن معاناته الشخصية، وعن رفضه النظام السوري، فتبدأ جدران الكراهية في التصدُّع، وتُفتح نافذة نحو فهمٍ أعمق، وربما نحو مصالحة مؤجّلة.
فهو أيضاً خسر حبيبته، وتعرَّض لأبشع أنواع المعاملة على يد نظام إرهابي اختطفه. والدته عاشت سنوات من الانتظار والألم، تترقَّب عودته من «سجن صيدنايا» ببارقة أمل لا تخبو. وعلى الخشبة، تكتشف الأم اللبنانية أن مأساة نظيرتها السورية لا تختلف كثيراً، وأن الوجع واحد؛ والمصدر هو نفسه. ففقدان الابن أشبه باقتلاع القلب من الجسد، وسكّينٍ يغوص في أعماق الأمومة.
في هذا السياق، تنفجر مشاعر سينتيا كرم على المسرح، وكأنها تُفرغ أمومتها المؤجَّلة بكل أبعادها. تُبكينا وتُضحكنا، تَفجعنا وتُبهرنا، بأداء يتجاوز التمثيل إلى تطهير عاطفي صادق، تقدّمه من خلال خلطة تمثيلية آسرة وعميقة.
في الواقع، لطالما عَدَّتْ سينتيا كرم نفسها «أمّ الكل». وقد قالت في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «حلمت بأن أرزق بطفل أُربيه على طريقتي، لينمو بفرح وينشر المحبة. لكن ظروفي وظروف عملي المضني حالت دون تحقيق هذا الحلم. لذلك أشعر اليوم بأني (أمّ الكل)، وأتعامل مع الناس على هذا الأساس».
سينتيا كرم أبدعت في تقمّص أكثر من شخصية (الشرق الأوسط)
حتى في مسلسل «بالدم»، برعت كرم في أداء دور الأم، وأبكت الجمهور في مشاهد مؤثّرة طبعت الذاكرة، حتى أصبح ابنها الدمية «غدي» حديث الناس في لبنان والعالم العربي.
وفي انتقال لافت بين مستويات الأداء، تأخذنا سينتيا كرم إلى آفاق تمثيلية جديدة: من شخصيةِ الأم الحامل، إلى الفتاةِ السورية الشقراء المليئةِ بالحيوية؛ الممثّلةِ جيلَ الشباب السوري الثائر على الظلم، ثم إلى صورة الأم التي شاخت منذ ثمانينات الحرب، لكنها ما زالت تنتظر ابنها بدمعة لا تجف.
أما جوزيف زيتوني، فيتألق في تعدد الأدوار: من «صبي الغاز» السوري، إلى الشاب الحالم بمستقبل رومانسي مع حبيبته، ومن ثَمَّ إلى الخالة اللبنانية «أم شربل»، جارة «ناديا»، التي عايشت ولادة ابنها الوحيد في خضمّ الحرب، فنقلت بعفوية ودفء مشاعر الأمومة والحنين.
جرعات الإبداع التي يقدّمها هذا الثنائي لا تُشعرك أبداً بالتكرار أو التخمة، بل تفتح شهيتك للمزيد. فلقاء تمثيلي بهذا المستوى من الانسجام والاحتراف نادر الحدوث، ويستحق كل احتفاء وتقدير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"ربنا يسعد بك مصر".. رسالة عادل إمام لتركي آل الشيخ خلال زيارته بمنزله
"ربنا يسعد بك مصر".. رسالة عادل إمام لتركي آل الشيخ خلال زيارته بمنزله

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

"ربنا يسعد بك مصر".. رسالة عادل إمام لتركي آل الشيخ خلال زيارته بمنزله

زار المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه بالسعودية، الفنان عادل إمام في منزله بمنطقة المنصورية بمحافظة الجيزة، حيث نشر آل الشيخ صورة تجمعه بنجلي الزعيم، المخرج رامي إمام والفنان محمد إمام. وعلق آل الشيخ على الصورة قائلا: اليوم يوم سعيد جداً بالنسبة لي، حيث زرت فيه الأسطورة العربية، الأستاذ الكبير عادل إمام، وسعدت جداً برؤيته بصحة وعافية. وأضاف: وكعادته لم تخلُ الجلسة من بعض الضربات في منتصف الجبهة، ووجدته متابعا دقيقا لأعمال صندوق بيج تايم، ولأخبار الأفلام والمسرحيات، وقال لي جملة ستبقى عالقة في ذهني كثيراً وهي "ربنا يسعد بيك مصر". كما أخبره الزعيم أنه يتنفس المسرح وهو أحب الأماكن إليه. وأخبر رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه عادل إمام بما يتم التحضير له في الوقت الحالي، وأنه يعمل رفقة محمد ورامي إمام على تجديد فيلمي "البحث عن فضيحة" و"شمس الزناتي"، وهما من أهم الأعمال التي لعب عادل إمام بطولتها، وكان سعيدا للغاية بهذا الأمر. عيد ميلاد الزعيم عادل إمام واحتفل مؤخراً الفنان عادل إمام بعيد ميلاده الـ85، وسط أفراد أسرته، حيث اقتصر الحفل على حضور عدد من أفراد العائلة فقط، وذلك بناء على رغبة أبنائه، الذين فضلوا أن يكون الاحتفال بذكرى ميلاد الزعيم أسرياً بعيداً عن الأضواء والنجوم.

تركي آل الشيخ يزور «الزعيم» عادل إمام في منزله بمصر.. ما القصة؟
تركي آل الشيخ يزور «الزعيم» عادل إمام في منزله بمصر.. ما القصة؟

عكاظ

timeمنذ 6 ساعات

  • عكاظ

تركي آل الشيخ يزور «الزعيم» عادل إمام في منزله بمصر.. ما القصة؟

روى رئيس الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، تفاصيل زيارته للفنان الكبير عادل إمام في منزله، كاشفاً عن حالته الصحية والجلسة التي جمعتهما حول الأفلام والأعمال المسرحية. وقال آل الشيخ في منشور له عبر حسابه بمنصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «اليوم يوم سعيد جداً بالنسبة لي حيث زرت فيه الأسطورة العربية الأستاذ الكبير عادل إمام وسعدت جداً برؤيته بصحة وعافية وكعادته لم تخلُ الجلسة من بعض الضربات في منتصف الجبهة». وأضاف: «وجدته متابعاً دقيقاً لأعمال الصندوق وأخبار الأفلام والمسرحيات، وقال لي جملة ستبقى عالقة في ذهني كثيراً وهي «ربنا يسعد بيك مصر»، وقال لي كمان إنه بيتنفس المسرح وإنه أحب الأماكن ليه». وأكد رئيس الهيئة العامة للترفيه أنه أخبر «الزعيم» بالأعمال التي يعمل على إعادة تقديمها بشكل معاصر من أعماله الفنية، معلقاً: «قلت له أنا ورامي ومحمد إنهم بيجددوا الآن فيلم (البحث عن فضيحة) وأيضا (شمس الزناتي)». واختتم آل الشيخ حديثه قائلاً: «كان سعيداً جداً، وبيتابع الأهلي في كأس العالم، وشربت عنده أحلى شاي العروسة، ربنا يحفظه ويسعده زي ما كان سبب في سعادة الملايين 60 سنة». أخبار ذات صلة

عبدالعزيز الفريحي: فكرة «ستار» ضمن مساعي تطوير المشهدمسرحية «تحت السواهي» كوميديا وفكرة جديدة
عبدالعزيز الفريحي: فكرة «ستار» ضمن مساعي تطوير المشهدمسرحية «تحت السواهي» كوميديا وفكرة جديدة

الرياض

timeمنذ 8 ساعات

  • الرياض

عبدالعزيز الفريحي: فكرة «ستار» ضمن مساعي تطوير المشهدمسرحية «تحت السواهي» كوميديا وفكرة جديدة

أسدل الستار مساء أمس، عن العرض المسرحي "تحت السواهي"، على مسرح محمد الشدي في جمعية الثقافة والفنون بالرياض، وذلك في إطار جهود هيئة المسرح والفنون الأدائية بدعم المشهد المسرحي المحلي وتشجيع المواهب الوطنية، ضمن برنامج "ستار". وشهدت المسرحية التي أشرفت عليها الجمعية، بدءًا من البروفات وصولًا إلى العروض على مسرحها خلال الفترة من "12 حتى 14" يونيو الجاري، حضورًا من الوسط الفني والنقاد والمهتمين بالمسرح، إذ تميزت بأسلوب درامي مبتكر يجمع بين الأصالة والمعالجة الحديثة، متناولة قضايا اجتماعية مستوحاة من قصة واقعية في قالب كوميدي بين شقيقتين يتيمتين "نورة " بالشخصية النجدية و"بدرية" بالشخصية الحجازية وهما تتخبطان في ظروف الحياة الصعبة. تحلمان بالثراء السريع فـيسلكان دروبا مختصرة بمساعدة ابن عمهما "سعيد" الذي لا يرى في الدنيا إلا "بدرية". بينما تتصاعد الأحداث في إطار كوميدي، مع وصول العاملة إلى منزلهما، ليتحول بيتهما الشعبي إلى صالون نسائي سري يعج بالموسيقى والقصص والحكايات المثيرة لنساء وفتيات الحي. هذا وبين الفنان القدير عبدالعزيز الفريحي، المشرف على المسرحية فنياً بقوله: "حقيقة أشرفت على مسرحية "تحت السواهي"، لأنها فكرة متكاملة ومترابطة في جميع التفاصيل على خشبة المسرح، ولأنني ابن هذا الفن العتيق فسروري الكبير بقدوم هذه المواهب، التي ستعطي المسرح بعدًا آخر، من حيث المهنة وستساعد أيضًا في الاستمرارية". وأوضح الفريحي أن فكرة "ستار" تأتي ضمن مساعي جمعية هيئة المسرح والفنون الأدائية، لتعزيز الحراك المسرحي في المملكة، وتمكين صنّاع المحتوى والمبدعين من تقديم أعمال تُلامس المجتمع وتعكس تطلعاته. وهو ما بذلناه في مسرحية "تحت السواهي" التي أقيمت على مسرح محمد الشدي، في جمعية الثقافة والفنون بالرياض، متأملين أن نقدم هذا النموذج الراقي في مسرحنا السعودي. يُذكر أن مسرحية "تحت السواهي"، من بطولة أسامة الزهراني والشيهانة لطيفة وناد الحكمي، ومشاركة راشد العنبر، أفنان، ندى إبراهيم، فيف أحمد، عائشة الجهني، سارة، تركي الخريجي. ومن تأليف محمد الفهادي، ومساعد مخرج وجدان شاكر، وإخراج ناصر البريدي، وإشراف عام الفنان القدير عبدالعزيز الفريحي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store