
الحب في زمن الاحتلال
لقد غاب سامر عن وطنه فترة سبقت الاحتلال بفترة طويلة تجاوزت ربع قرن من الزمان، وخلال هذه الفترة شهد وطنه حروباً ضاريةً تمثلت بالحرب العراقية الإيرانية وحروب التسعينات ونتائج الحصار على بلاده، وبهذا المعنى فهو يعود بذاكرة معطوبة أمدها عشرون عاماً، لم يعش فيها تفاصيل تلك الحقبة في بلده، وهي من أغزر الانتكاسات والجروح العميقة في حياة الإنسان العراقي، متمثلةً بالحروب الضارية وصولاً إلى الغزو الأجنبي لأرضه!
بهذا المعنى تكون عين سامر هي التقنية الأساسية في معظم فصول الرواية، يرى فيها الشواخص المدمرة، إضافةً إلى إحساسه الطاغي بالفقدان عبر سرد الأحداث بضمير الأنا التي تشخص الخراب، وهو خلال سرده، لما يراه، يتعمق لديه الإحساس بكونه شخصيةً طارئةً على وطنه المبتلى بالاحتلال وعلى شخوص الرواية الآخرين.
لقد كان حضور سامر إلى وطنه شهادة تسجيلية، جسدتها الفصول الأربعة الأولى من روايته وكان فيها هو السارد والشخصية الرئيسية، حين أصبح هو ومواطنو بلده حبيساً بعالمية قاهرة جبارة تجبره على الحصول على أوراق «موقعة بإذنها حتى لو أراد الخروج من باب بيته بالذات (ص 114)».
وقد تعمق إحساس الفقدان والخيبة والخسران باستثمار لغة شعرية مؤثرة وضعها الروائي على لسان شخوص الرواية الآخرين وحواراتهم كي يكشف موطن عطبهم الذاتي، وكانت هذه اللغة سمة متقدمة في الرواية تحسب لمؤلفها، فهي لغة مكثفة تشير إلى ماض ضاج بالإنسانية وحب الآخر، كما يعبر عنه صديقه الأعمى نصير في أول لقاء لهما «كانت قلوبنا رقيقة، هادفة ميالة إلى الثبور، وكانت تتقطر إنسانية... أما لماذا أنا أستأنف الماضي؟ لأني رأيت بأم عيني ماذا يعني الاضطهاد... ماذا تعني الإمبريالية (ص 15)».
اتسمت لغة السرد على لسان شخوص الرواية الآخرين الذين عاشوا ماضي التجربة وحاضرها بالإحساس الطاغي بالفقدان والحسرة، وتميزت بقدرتها على التأثير على المتلقي، وأخذت دورها بالتغلغل تجاه أعماق الإنسان وخصوصياته، نسبة إلى لغة السرد بلسان شخصية سامر، التي اختصت بتجسيد مواطن الخراب والدمار بعين حيادية تبصر ولا تعلق (عين الكاميرا).
وقد اتضحت هذه الإشكالية اللغوية أيضاً في حواراته الكثيرة مع حبيبته رقية، أو عبر رسالتها الوحيدة له، إذ يتضح لسامر حجم الخسارة التي أصابت رقية وهي تلخص تجربة حياتها بعباراتها البليغة: «حالياً أعيش في الخيال على الأيام التي مضت من عمرنا قبل رحيلك... كل ما أملك من ذخيرة عمري هو فترة شبابي معك، لا أريد أن ألوث الماضي العتيد بالمشوهات التي لحقت بجمالي وأنسي، كفاني من العمر الذي أعيش فيه من الإخفاق والتردي... (ص 50)»، ثم تقول: «رحيلك أنقذ حياتك ودمر حياتي (ص 50)».
إن حوارات رقية وصديقيه نصير الأعمى، وزهير الذي كان أسيراً في الحرب العراقية الإيرانية، تعلن عن لغة محملة بالإحساس والخسران، لغة مفارقة للغة السرد التي ينطق بها السارد (سامر) تغذيها قسوة الحاضر، وتهميش الذات العراقية المتطلعة نحو أفق الحرية، وتقييد حركتها بالفوضى وصعود النكرات والمنبوذين... وللكشف عن حاضر السرد يوظف الروائي تقنية اليوميات التي كتبها صديقه نصير قبل أن يصبح أعمى، وهي تضيء جانباً من الحراك الثقافي عبر تجمعات المثقفين في المدن العراقية بدايةَ دخول القوات الأجنبية وطموحهم في تأسيس تجمعات ثقافية وسياسية كانوا محرومين منها قبل دخول القوات الأجنبية، وتوفر أجواء تسمح بالكلام والنقد والتعبير عن الرأي، وهي شهادة تسجيلية لما جرى بداية الاحتلال، فقد كان ذلك «بمثابة دافع مشجع لترويض ما في داخل النفوس من انكسارات وتشنجات فرضتها علينا قوى خارجية (ص 27)»، لكن الحرية النسبية التي توفرت أثناء دخول القوات الأجنبية قد تحولت إلى فوضى كبيرة حين «تعددت وسائل القتل وخرق القانون، أصبحنا في محور العشوائية، أعني بإمكان أي فرد أن يبني بيتاً أو محلاً في أي مكان فارغ (...) تربعت مفاهيم الحرية على عرش مشيد من الخوف والجوع (ص 28)».
ومن خلال حواراته مع صديقه زهير، تتكشف أهوال الحرب العراقية الإيرانية بوقائع صادمة عاشها زهير الأسير وهو يصف مشهداً منها: «اختبأنا بساتر الشاطئ وكنا متعبين، قوانا منهكة من جراء السير في المنزلقات الرخوة. بعد حين رأينا من أعلى الساتر أنبوبة دبابة العدو يمتد، مشرفاً على رؤوسنا، لم يعد لنا حول، (...) قادونا كالأنعام، كانت برودة الطقس كالثلج، والرياح تصر بهبوبها، خلعوا من أقدامنا الأحذية العسكرية، ثم نزعوا من أكتافنا القماصل المغطاة من الداخل بالفرو، أجبرونا على الجري أمام دباباتهم، وجنودهم كانوا يسايروننا من الجانبين (ص 60)».
لقد حمل سامر أحلامه المؤجلة وبحث عن خلاص من شرك السلطة الجائرة التي جعلت حياته جحيماً اضطره للهروب إلى خارج الوطن تاركاً ذوات تنتظر منه الخلاص: «قصة الحب بينه وبين رقية»، مرض الأم وهي تعاني من غياب الابن، وضياع أمل الأخت في حياة مستقرة آمنة مع ولدها! كلها أسئلة أثيرت أمامه الآن وهو يتعرف على طبيعة الاحتلال وما رافقه من آمال ووعود في التغيير الموعود من قبل المحتلين قبل الاحتلال، الآن تسجل عيناه مظاهر الخراب الذي أحدثه الاحتلال على بنية بلاده وجعلها أنقاضاً لا حياة فيها، إضافةً إلى أسئلة تتعلق، بجدوى وجوده في مجتمع ينظر إليه باستغراب واستنكار وهو يرى «رتابة ملابسك، وهيئتك تدل على الكياسة والاحترام (ص 67)»، كما أشار له أحد الغرباء في المقهى، وأكدته رقية أيضاً في حوار خاص معه متعجبة من سعادته بوجوده في هذا الجو المخرب «أأنت سعيد في وجودك معي في هذه الغرفة الكئيبة؟ بالتأكيد يعد هذا المكان أشد كآبة إذا ما قورن ببذخ جلساتك المريحة هناك في بلد الغربة..! (ص 80)».
إن وجوده في وطنه قد أثقل همومه وجعله غريباً حتى من ذويه: أمه وأخته وما شاهده وعاشه عن قرب لمصائر حلت بجيرانه، كالصراخ اليومي الذي يعلن عن قتل شاب من جيرانه أو فقدانه دون أمل بالعثور عليه.
في هذه الأجواء الغرائبية، تم حضوره شاهداً وفاعلاً لأحداث لم يكن طرفاً فيها، بل شاهد على تفاصيلها من ذلك: الجار الذي ينوي بيع ابنته الصغيرة إلى صديقه لقاء مبلغ من المال ينقذ به عائلته من خطر الجوع والفاقة!! وكان حدثاً مأساوياً: «لدي ثلاث بنات طلب صديقي أن أهديه واحدة، لأنه يعاني من العقم (...) مقترحاً علي مكافأة مالية، اقتنعت بالفكرة (...) فأنا رجل معوق من الصعب أن أتكفل بأكثر من طفلين، أين المعيب! أسألكم أين الخلل في ذلك...! (ص 73)».
أما السؤال الأهم الذي طرحه سامر على نفسه: «من أسهم في اضطهاد رقية... أنا أم النظام (ص 88)»، بعد أن عرف اتهامها له بتدمير حياتها عبر رسالتها القصيرة له: «رحيلك أنقذ حياك ودمر حياتي (ص 75)»، ويتعمق هذا الاتهام بحديث أمها العجوز التي أغلقت باب الصلح بينهما وأسدلت ستاراً كثيفاً على ذلك الماضي، قائلة: «لماذا لم تفكر آنذاك وأنت تغادر البلد بارتباطاتك السابقة مع الآخرين ها... أنت قد رجعت الآن بعد أكثر من عشرين عاماً، ورأيت الدمار أمامك، أنت أيضاً ساهمت بما حصل (ص 86)»، والعبارة الأخيرة تحمل مغزى أوسع: لقد كان هروبه وخلاصه الذاتي قد دمرا حياة حبيبته رقية وحياة عائلته: أمه التي أصابها الشلل وأخته التي فقدت مبررات حياتها، وكان خروجه قد مهد لدخول المحتل الأجنبي إلى بلاده لضعف من يدافع عنه!
إن معظم المشاهد التي سجلتها عين سامر تشي بخراب الوطن في بيئته وناسه، وتعلن عن ضياع هويته الوطنية، عبر بنية سردية تعكس ما فعله زمن الاحتلال بهذه الهوية، إذ أصبح المحتل «هو الدولة وهو القانون... (ص 111)»، وأصبح سامر متهماً بوطنيته بتهمة العمل مع جهاز مخابرات النظام السابق الذي هرب منه! وهي سخرية مرة أن يكون القتيل قاتلاً، وأن تصبح الهوية الوطنية متنازعاً عليها بين ماضٍ ملتبسٍ وحاضر طارد!
لقد طرحت رواية الروائي فاضل خضير «الحب في ضراوة الاحتلال» أسئلةً جريئةً عن الهجرة القسرية التي دفعت الآلاف من العراقيين إلى الهروب من وطنهم، تجاه البلدان الأجنبية، وحصولهم على الهوية الأجنبية، وموقف مواطنيهم منهم وهم يعودون إلى وطنهم القديم، للزيارة وتفقد ما بقي من آثار الماضي وشخوصه ثم يعودون إلى الملجأ الآمن.
وقد أوجزت كلمات «رقية» إشكالية «الوطني» الذي عاد إلى وطنه للزيارة وتفقد الماضي «الجميل» حين خاطبت سامر في رسالة قصيرة: «عش حياتك كما تشاء، ابتعد عن خصوصياتي، لم أعد أناسب زهوك الذي رأيتك فيه، وجه محمر، يزخر بنشوة الرفاه، وقامة ممشوقة، وهيكل صلد مهيوب، يسيل له لعاب النساء!! (ص 50)».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
رنين الشعّار لـ«الشرق الأوسط»: أقدّم في ألبومي مشاعر وأحاسيس تراودني
تعدّ الفنانة رنين الشعّار صاحبة موهبة غنائية لافتة. فهي من القليلات بين نجمات الفن اللاتي يغنين على قواعد مدروسة وصحيحة. فابنة الفنان كريم الشعّار ورثت عن والدها الفن الأصيل، وكذلك الأذن «السّميعة» التي لا تخطئ. تشرّبت منه البصيرة الفنية، وتعدّه مثلها الأعلى، كما اكتسبت منه الأخلاقيات في التعامل مع الآخر. وتعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتعلّم منه الدروس بالشكل المباشر، فأنا مراقبة جيدة. ولأنه شخص متطلّب، زرع فيّ حبّ القيام بمهماتي على أكمل وجه. وهو ما أثّر في أدائي الفني. فأبحث دائماً عن مستوى معيّن في العمل الفني، وأرفض تقديم ما لا يوافق قناعاتي». تحيي رنين الشعار حفلات غنائية كثيرة خارج لبنان (حسابها على {إنستغرام}) أخيراً أحيت رنين شعّار حفلاً غنائياً في الكويت. وجاءت مشاركتها من ضمن مهرجان «صيفي ثقافي»، يقام هناك في موعده من كل عام. وتصف الجمهور الكويتي بالمتذوّق، ومن غير السهل إرضاؤه. وتعلّق: «كنت قلقة من ملاقاة جمهور من هذا المستوى، ولكنني ارتحت عندما تفاعل مع أدائي إلى آخر حدّ». سؤال يردّده كثر حول عدم مشاركة رنين الشعّار في مهرجانات وحفلات في لبنان. فهل تعدّه لم ينصفها باعتبارها موهبة متوهجّة؟ تردّ لـ«الشرق الأوسط»: «هذا السؤال لم يعد يراودني بتاتاً. فهناك بالطبع من يقدّر موهبتي، ولدي أشغالي الكثيرة التي تعوّضني عن هذا الغياب في وطني. ولكن مهما بلغ الفنان من نجاحات خارج بلده، فهو لا بدّ أن يحبّ نكهة نجاحه في موطنه. فكنت أفضّل لو أن حضوري فيه كان أكبر. والجواب اليقين لا يمكن أن يردّ عليه سوى متعهدي الحفلات». يضم الألبوم أغنية رومانسية كتبتها بالفصحى (حسابها على {إنستغرام}) تؤكد رنين أنها اليوم ما عادت تعتب على أحد. وتضيف: «كنت أعتب عندما كنت أصغر سنّاً وأكثر حماساً. حالياً لم يعد هذا الأمر يثير اهتمامي. وأعتبر ما أعيشه في هذا الصدد يشبه العلاقة مع الشريك، فعندما يهملك ولا يسأل عنك تبادليه بالمثل». وعمّا إذا تعدّ نفسها بعيدة عن الساحة الفنية، فتقول: «أقف في الوسط، لا سيما أن الظروف التي مرّ بها لبنان لم تكن مشجّعة لإقامة نشاطات فنية. ولذلك ركّزت أكثر على حفلاتي خارج لبنان، كما في كندا وقطر. ولكن ليس من الضروري أن أنتمي إلى شلّة معينة على الساحة كي أعدّ قريبة منها. أعرف تماماً الحلو والمرّ الذي يقوله عني البعض. ولكن في النهاية كل منّا يحبّ أن يحجز له مكانة في بلده». أحيت شعّار أخيراً حفلاً غنائياً في الكويت (حسابها على {إنستغرام}) حالياً بدأت رنين الشعّار تضع لمساتها الأخيرة على ألبوم غنائي جديد تستعد لإصداره، ويتضمن أغنيات لبنانية ومصرية، وهو من تأليفها وتلحينها. «رغم كل الوجع الذي أصابنا جراء حالة لبنان غير المستقرة، فإني آثرت تنفيذ ألبوم جديد. أعرف جيداً أني تأخرت لإصدار أول ألبوم لي، ولكنني رغبت في أن تحمل هذه التجربة العناصر الفنية المطلوبة، فاشتغلتها بتأنّ ووضعت في الألبوم كل الجهد الذي يتطلّبه». تقول إن موضوعات أغانيها تتناول الحب، وكذلك أخرى اجتماعية جريئة. وتوضح: «هناك أغنية رومانسية كتبتها بالفصحى. فأنا من الأشخاص الذين يحّبون التعبير عن مشاعر الحب بالفصحى، وأقدّم في مجمل الألبوم مشاعر وأحاسيس تراودني. هناك موضوعات مختلفة، بينها ما يحكي عن الانفصال، وكذلك عن التقدير الذاتي عند المرأة، وعدم تقديم التنازلات من قبلها». تصف رنين الشعّار نفسها بأنها صاحبة حركة دائمة «لا أهدأ بتاتاً مع كل ظروفي المتواضعة. فشخصيتي الفنية باحثة دائمة عن الأفضل والتنوع في الأعمال. ومع احترامي للجميع، فإن لبنان يستأهل صناعة فنية حقيقية وأصيلة، بعيداً عن الاستخفاف والاستهتار». وتشير إلى أن البعض وضعها في قالب فني جدّي، ولكنها ستكسره في ألبومها المقبل والمؤلف من 5 أغنيات. «هناك أغنية يتضمنها ستشكّل صدمة للبعض؛ لأنّه لن يتوقّع أن أؤديها. فصحيح أنني مشهورة بالطرب الأصيل، ولكن رغبت في التغيير وتقديم ما يشبه شخصيتي الحقيقية القريبة من الناس». ويتألف الألبوم من أغنيتين بالفصحى وواحدة بالمصرية وأخريين باللبنانية. تعاونت في الألبوم مع موزعين موسيقيين أمثال جورج قسيس وإيليا قسطا وألكس. «جميع الأغاني وحتى المقدمات الموسيقية هي من تأليفي. وأتمنى أن يرى الألبوم النور في نهاية الصيف الحالي». وعن سبب تأخرها في تنفيذ أول ألبوم لها تردّ: «هناك ظروف عديدة أخّرتني، ولطالما رغبت في تلحين أغنيات لي، فأنا أحب المشاغبة في النغمات والأغنية. ولدي مخزون غني بالموسيقى الشرقية والغربية. فرغبت في توظيفها بمجال التلحين». تتحدّث رنين شعّار عن والدها عبد الكريم بإسهاب، وتصفه بصاحب تجربة وزمن فنيين يختلفان تماماً عما نعيشه اليوم. «لا شك أن ظروفه كانت أصعب ونتحدث معاً عن هذا الموضوع دائماً. فنحن اليوم في زمن التنافس الشديد. ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا تسهم بذلك مباشرة. وهو ما يدفع كل جيل إلى أن يلحق بجيله من الفنانين. وهذا الاختلاف يطبّق أيضاً على الإنتاجات التلفزيونية وبرامج الهواة». وترى أن يكون الفنان نجل فنان آخر يصعّب الأمور أكثر. «والدي صاحب موهبة كبيرة جداً. وهو ما يشعرني بأني نقطة في محيطه. ولكنه في الوقت عينه خدمني موسيقياً بشكل ملحوظ. وبالنسبة لأبناء جيلي، فلدي خلفية فنية غزيرة ومتشعبة الأنماط».


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: تحررت من القيود في ألبوم «أُفق»
قال المؤلف الموسيقي المصري، هشام خرما، إن فكرة ألبومه الجديد «أُفق» وُلدت من شعوره الداخلي بضرورة التحرر من القيود الفنية، سواء كانت تلك القيود نابعة من داخله، أو فرضتها عليه الأعراف الموسيقية السائدة. وأضاف أنه كان يشعر خلال مراحل سابقة من مشواره الفني بأنه يسير بمحاذاة الحائط، متجنباً التجريب المفرط، لكنه قرر هذه المرة أن يكسر كل القوالب، ويخوض مغامرة حقيقية مع الأصوات والإيقاعات والثقافات المختلفة، حتى لو لم يكن على دراية كاملة بالنتيجة النهائية. خرما يتمرد على الأنماط التقليدية (حسابه على {فيسبوك}) وأشار خرما في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى أنه أراد أن يكون الألبوم مزيجاً بين المألوف و«اللامتوقع»، فبدأ في تجميع أفكار موسيقية جديدة ومختلفة عما قدمه في السابق، محاولاً الوصول إلى أفق جديد من التفكير والتأليف، وأوضح أن «اختيار اسم (أُفق) جاء من رغبتي في التعبير عن هذه الحالة من التمدد والانفتاح، حيث يعكس الاسم حالة كسر الحواجز، سواء الذهنية أو الإبداعية، والانطلاق إلى فضاء أوسع من الأصوات والأنماط الموسيقية». وعن توقيت بداية العمل على الألبوم، كشف خرما أن «أول لحن وُلد قبل نحو أربع سنوات، لكنني بدأت العمل جدياً على المشروع منذ ثلاث سنوات تقريباً»، مشيراً إلى أن عملية الإنتاج شهدت الكثير من التجريب والتبديل، حيث تعاون مع مطربين من دول مختلفة، وجرب مع آخرين لم تكتمل معهم التجربة، كما أخضع كل تفصيلة في الألبوم لعمليات مراجعة وتطوير مستمرة امتدت لسنوات. ويضم ألبوم «أُفق» عشر مقطوعات تمزج بين الموسيقى الشرقية والغربية بأسلوب روحي وحداثي، منها مقطوعات أوركسترالية مثل «Awakening» و«أُفق»، وأغانٍ صوفية وعالمية مثل «أيها القلب» مع أميمة جعواني و«Le Silence» مع إيليم، إضافة إلى مقاطع مصورة. الموسيقار المصري هشام خرما ({الشرق الأوسط}) واعتبر المؤلف الموسيقي الألبومات السابقة له مراحل لاكتشاف صوته الخاص، موضحاً: «لكنني كنت لا أزال ملتزماً ببنية موسيقية تقليدية نوعاً ما، أما في (أُفق) فقد سمحت لنفسي بمساحة أكبر من التجريب، حتى في هيكلة المقطوعات، وهذا التحرر انعكس على تعليقات الجمهور، الذي وصف بعض (التراكات) بأنها مليئة بالمفاجآت، إذ لم يكن الجمهور قادراً على التنبؤ بمسار المقطوعة»، وهو ما اعتبره خرما نابعاً من انفتاحه على أفكار غير تقليدية، وميله أيضاً نحو «التحرر من القواعد الصارمة في التوزيع والتأليف»، على حد تعبيره. وأكد خرما أن «روح الألبوم مستوحاة من فكرة الرحلة، سواء كانت رحلة داخلية أو خارجية»، مشيراً إلى أنه حاول أن ينقل للمستمعين هذه الرحلة من خلال الأصوات المختارة، والتعاون مع مطربين وموسيقيين من ثقافات مختلفة. أراد خرما أن يكون الألبوم مزيجاً بين المألوف واللامتوقع ({الشرق الأوسط}) وتطرق إلى استعانته بمغنية مغربية وأخرى سويدية ومغنية لبنانية تؤدي بالفرنسية، إلى جانب إدخال آلات أفريقية وهندية وآسيوية وأوركسترالية، لخلق فسيفساء موسيقية ذات طابع عالمي لكن بروح شخصية، موضحاً أن «الروح هي الخيط الرابط بين هذه التجارب المتعددة». وقال إن «الفنان الجيد يضع روحه في الموسيقى، وقد ركزت في هذا الألبوم على إنتاج جمل لحنية قوية تعلق بذهن المستمع، وتعود إليه بأشكال متعددة طوال (التراك) الواحد، بشكل يحافظ على التماسك، لكنه لا يلغي عنصر الدهشة». وتحدث خرما عن تأثير تجربته في تأليف الموسيقى للأعمال الدرامية والسينمائية، موضحاً أن مشاركته في أعمال مثل «سوتس بالعربي» ساعدته على اكتساب مرونة في التعامل مع أنماط موسيقية جديدة مثل «الفانك والجاز والبلوز»؛ ما «أثرى قاموسه الموسيقي وفتح له آفاقاً جديدة للتأليف»، وفق قوله. غلاف الألبوم ({الشرق الأوسط}) وعن اختياراته للآلات الموسيقية، أوضح أنه يحب المزج بين الآلات الشرقية والآلات النادرة من آسيا وأفريقيا، وأنه كان يحدد الآلات التي يستخدمها بحسب طبيعة كل مقطوعة، لافتاً إلى استخدمه الإيقاعات الإلكترونية و«المقسوم» بصيغة محدثة، تتناسب مع الحالة العامة للألبوم، وحرصه على أن تظل الآلات جزءاً من شخصية كل «تراك»، لا مجرد زينة صوتية. أما عن مقطوعة «Move On»، فأكد خرما أنه قدمها للمرة الأولى في حفل افتتاح مهرجان «القاهرة للدراما»، ولقيت تفاعلاً كبيراً من الجمهور، مشيراً إلى أنه فضّل أن يتم إطلاقها رسمياً ضمن الألبوم بعد فترة طويلة من اختبارها في الحفلات. وأوضح أنه وزعها لاحقاً بشكل أكثر نضجاً وثراءً، لتتماشى مع بنية الألبوم وتطوره، لافتاً إلى أن الألبوم بأكمله قام على فكرة «الأوركسترا الهجينة»، التي تدمج بين الأوركسترا التقليدية والصوت الإلكتروني الحديث. وأوضح أن هذه الفكرة منحته فرصة لصناعة صوت جديد، يتلاءم مع طبيعة الموسيقى التي يقدمها، خصوصاً أن التكنولوجيا الحديثة فتحت له أبواباً غير محدودة من التجريب في الأصوات، عبر أدوات الذكاء الاصطناعي والمكتبات الصوتية العالمية. وأكد أن التكنولوجيا كانت عاملاً محورياً في إنتاج هذا الألبوم، ليس فقط من حيث تنوع الأصوات، بل أيضاً في سهولة التعاون مع موسيقيين ومطربين من أنحاء العالم، واكتشاف أنماط وأفكار جديدة تسكن في خياله، ويبحث عن أدواتها في الواقع. وتحدث خرما عن التنوع اللغوي في الأغاني، مؤكداً أنه كان يرغب منذ فترة طويلة في خوض تجربة الغناء بالفرنسية، إلى جانب حبه العميق للأصوات المغربية، واللغة الفصحى في الأغاني الصوفية، وهو ما تحقق في تعاونه مع أميمة جعواني. وقال إنه جرب الأغنية الصوفية مع عدد من المطربين لكن لم يصل إلى الإحساس المنشود، حتى تعاون مع أميمة جعواني التي اعتبر خرما صوتها ملائماً لرؤية المقطوعة. وعن موقفه من الأغاني مقارنة بالمقطوعات، قال إنه يعرف تماماً أن الأغنية تصل أسرع إلى الجمهور، لكن علاقته بالموسيقى الآلية عميقة؛ لأنها تتيح له التعبير عن إحساسه بشكل مباشر، من دون كلمات. «الفنان الجيد يضع روحه في الموسيقى» هشام خرما وقال: «في الحفلات أحرص على أن تكون الغلبة للمقطوعات، حتى وإن شارك بعض المطربين معي في الغناء؛ لأنني أعتبر المقطوعة هي قلب مشروعي الفني». وأكد أنه لا يشعر بأي قلق من صدور الألبوم وسط زخم من الإصدارات الأخرى، بل يعتبر ذلك أمراً صحياً ومفيداً للجميع، لأنه يساعد الفنانين على الاستماع لبعضهم البعض، وتطوير أنفسهم عبر المنافسة الإيجابية. وعن إمكانية تقديم الألبوم لايف، أشار إلى أنه يخطط بالفعل لتقديم مقطوعات من الألبوم في حفلاته المقبلة، مضيفاً: «عملت على توزيع المؤثرات الصوتية بحيث تقدم للجمهور تجربة غامرة وكأنه داخل (التراك)، كما يحدث في قاعات السينما». وقال إن «هذه الفكرة سيبدأ تنفيذها في حفل مرتقب خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول)، حيث سيكون بمثابة تدشين فعلي للألبوم على المسرح». وعن تصوير «التراكات» التي يؤلفها، أوضح خرما أنه صور بالفعل مقطوعتين، وهناك نية لتصوير مقطوعات أخرى لاحقاً، مؤكداً أن جمال الموسيقى يكمن في أنها ليست مقيدة بزمن معين، ويمكن إحياء مقطوعة بعد سنوات من صدورها، كما حدث مع مقطوعة «وادي الملوك»، التي أُعيد تقديمها بعد عامين في حفل عند الأهرامات. وأشار إلى أن هناك مشاريع جديدة قيد الإعداد، ستتضمن تعاونات غير تقليدية، ومزجاً بين الموسيقى والفنون البصرية وربما التكنولوجيا، مشيراً إلى أن العودة إلى الموسيقى التصويرية للأفلام والمشاريع الدرامية واردة جداً.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
أبو حامد الغزالي ضيفاً على «بيت السناري» في القاهرة التاريخية
قبل نحو أربعة أعوام، أطلقت الكاتبة المصرية وأستاذة علم اللغويات، ريم بسيوني، سلسلة ندوات شهرية مجانية حول الفكر الصوفي وأسرار اللغة استضافها المركز الثقافي «بيت السناري» بالقاهرة التاريخية، وشهد مساء يوم الخميس، تتويج تلك المحاضرات والنقاشات المُطوّلة بإطلاق كتاب «برفقة أبي حامد الغزالي - إصلاح القلب». ويُعدّ الكتاب الإصدار الثاني للكاتبة ضمن سلسلة «رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة» من إصدار دار «المعارف المصرية» بعد كتابها «البحث عن السعادة» الذي تطرّق إلى رحلة تاريخية وفكرية عبر الصوفية منذ العصر الأموي وحتى العصر المملوكي. في لقائها مع جمهور «بيت السناري»، مساء الخميس، قالت ريم إن «ما تعلمته من أبي حامد الغزالي يفوق ما تعلمته على مدار رحلتها العلمية بجامعة أكسفورد، والولايات المتحدة». وتضيف أن «مسألة التعليم والتعلّم كانت محوراً رئيسياً في فكر الغزالي، بما في ذلك التدرّج بالتعلم، وفتح أفق أوسع من التلقين وفرض الرأي هو من الأفكار التي حملها مشروعه الفكري، وهي مسألة لها أهميتها المعاصرة والراهنة بشكل كبير». من حفل إطلاق الكتاب (الشرق الأوسط) ويُعد الإمام أبو حامد الغزالي، أحد أبرز علماء وفلاسفة المسلمين في القرن الخامس الهجري، واشتهر بنزعته الصوفية، كما اشتهر بمعاركه الفكرية خصوصاً مع الفلاسفة، ومن كتبه الشهيرة «إحياء علوم الدين»، و«المنقذ من الضلال»، و«فضائح الباطنية»، و«تهافت الفلاسفة». وحول كتابها الأحدث «برفقة أبي حامد الغزالي - إصلاح القلب»، قالت ريم بسيوني: «استمر العمل على هذا الكتاب سنوات، وخلال المحاضرات التي استضافها (بيت السناري) لأعوام، كنت أقوم فيها بعرض أجزاء من هذا الكتاب خلال العمل به، وكانت نقاشات الحضور تفتح أمامي مسارات جديدة للتأمل». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «حرصت في الكتاب على تضمين مقولات لأبي حامد الغزالي بلغته حتى لو كانت صعبة، بوصفه جزءاً من أمانة البحث، واعتمدت على تبسيطها في الكتاب للقارئ». وكانت ريم بسيوني قد أصدرت العام الماضي روايتها «الغواص: أبو حامد الغزالي» من وحي توغلها في دراسة عالم الإمام الراحل، وهو ما تشير إليه في كتابها الجديد، وتقول: «كان هدفي الكتابة عن الغزالي بطريقة علمية، ولكن برفقة الغزالي وجدتني أغوص معه في العلوم وفي النفس والقلب». وتسجّل ريم في كتابها الأحدث حالة «الخوف» من مقاربة شخصية بحجم الغزالي في عمل روائي، وتقول: «وأنا أكتب روايتي كان الخوف الأكبر هو القرب من شخصية بهذا الصدق والإخلاص». جانب من الحضور في «بيت السناري» (الشرق الأوسط) وفي كلمته خلال حفل إطلاق الكتاب قال مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، إن الكتاب ينتمي إلى فكرة «البحث عن الإنسان»، فيما أشار الكاتب المصري إيهاب الملاح، المشرف العام على إدارة النشر والمحتوى بمؤسسة دار المعارف المصرية، إلى أن «العودة إلى منابع الصوفية في الثقافة الإسلامية يُخفف حدة تلك القسوة التي صار عليها عالمنا الغارق في الجفاف والخشونة». ويتنقل الكتاب بين موضوعات مختلفة مستقاة من فكر الإمام الغزالي بداية من تعريف القلب، والصبر، والتوحيد والتوكل، والحب والرضا، ومعنى الحقيقة، وفصل الإلهام، والفلسفة. وترى ريم أن «جانباً كبيراً ممن ينتقدون الغزالي ويصفونه بأنه كان ضد الفلسفة والعقل بسبب كتابه (تهافت الفلاسفة) لم يقرأوا مشروعه كاملاً، أو قرأوه بعيداً عن سياقه، فقد تعرّض الغزالي في حياته للتكفير وإحراق كتبه في عصره، لذلك فإن قراءة مشروعه اليوم مهم، ويشجعنا على معرفة أنفسنا أكثر».