logo
الحب في زمن الاحتلال

الحب في زمن الاحتلال

الشرق الأوسطمنذ يوم واحد
تسرد رواية «الحب في ضراوة الاحتلال» (ببلومانيا للنشر والتوزيع، 2024) للروائي فاضل خضير، عودة المهاجر (سامر) إلى وطنه عشية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وتتناول الخراب الذي حل بالأمكنة والبيئة والناس نتيجة ما قامت به القوات المحتلة، وذلك من خلال عين هذه الشخصية بوصفها عين كاميرا تلتقط تفاصيل ما أحدثه الاحتلال. السارد، سامر، يجد نفسه طارئاً خارج زمن الحدث. لا يستطيع أن يكون فاعلاً في هذه الأجواء، محدثاً نفسه: «مع الاستمرار في السير رحت أفقد كثيراً من تصوراتي للأماكن حتى شعرت بالغربة من هول المتغيرات، أصبحت وكأني قد فقدت ذاكرتي أو ثمة هوس داهمني (ص 9)»، لكنه يصر على استثمار وجوده الطارئ في وطنه، للتعرف على ظروف أصدقائه والبحث عن حبه الأول (رقية) التي تذكره بـ«أيام العشق العذري».
لقد غاب سامر عن وطنه فترة سبقت الاحتلال بفترة طويلة تجاوزت ربع قرن من الزمان، وخلال هذه الفترة شهد وطنه حروباً ضاريةً تمثلت بالحرب العراقية الإيرانية وحروب التسعينات ونتائج الحصار على بلاده، وبهذا المعنى فهو يعود بذاكرة معطوبة أمدها عشرون عاماً، لم يعش فيها تفاصيل تلك الحقبة في بلده، وهي من أغزر الانتكاسات والجروح العميقة في حياة الإنسان العراقي، متمثلةً بالحروب الضارية وصولاً إلى الغزو الأجنبي لأرضه!
بهذا المعنى تكون عين سامر هي التقنية الأساسية في معظم فصول الرواية، يرى فيها الشواخص المدمرة، إضافةً إلى إحساسه الطاغي بالفقدان عبر سرد الأحداث بضمير الأنا التي تشخص الخراب، وهو خلال سرده، لما يراه، يتعمق لديه الإحساس بكونه شخصيةً طارئةً على وطنه المبتلى بالاحتلال وعلى شخوص الرواية الآخرين.
لقد كان حضور سامر إلى وطنه شهادة تسجيلية، جسدتها الفصول الأربعة الأولى من روايته وكان فيها هو السارد والشخصية الرئيسية، حين أصبح هو ومواطنو بلده حبيساً بعالمية قاهرة جبارة تجبره على الحصول على أوراق «موقعة بإذنها حتى لو أراد الخروج من باب بيته بالذات (ص 114)».
وقد تعمق إحساس الفقدان والخيبة والخسران باستثمار لغة شعرية مؤثرة وضعها الروائي على لسان شخوص الرواية الآخرين وحواراتهم كي يكشف موطن عطبهم الذاتي، وكانت هذه اللغة سمة متقدمة في الرواية تحسب لمؤلفها، فهي لغة مكثفة تشير إلى ماض ضاج بالإنسانية وحب الآخر، كما يعبر عنه صديقه الأعمى نصير في أول لقاء لهما «كانت قلوبنا رقيقة، هادفة ميالة إلى الثبور، وكانت تتقطر إنسانية... أما لماذا أنا أستأنف الماضي؟ لأني رأيت بأم عيني ماذا يعني الاضطهاد... ماذا تعني الإمبريالية (ص 15)».
اتسمت لغة السرد على لسان شخوص الرواية الآخرين الذين عاشوا ماضي التجربة وحاضرها بالإحساس الطاغي بالفقدان والحسرة، وتميزت بقدرتها على التأثير على المتلقي، وأخذت دورها بالتغلغل تجاه أعماق الإنسان وخصوصياته، نسبة إلى لغة السرد بلسان شخصية سامر، التي اختصت بتجسيد مواطن الخراب والدمار بعين حيادية تبصر ولا تعلق (عين الكاميرا).
وقد اتضحت هذه الإشكالية اللغوية أيضاً في حواراته الكثيرة مع حبيبته رقية، أو عبر رسالتها الوحيدة له، إذ يتضح لسامر حجم الخسارة التي أصابت رقية وهي تلخص تجربة حياتها بعباراتها البليغة: «حالياً أعيش في الخيال على الأيام التي مضت من عمرنا قبل رحيلك... كل ما أملك من ذخيرة عمري هو فترة شبابي معك، لا أريد أن ألوث الماضي العتيد بالمشوهات التي لحقت بجمالي وأنسي، كفاني من العمر الذي أعيش فيه من الإخفاق والتردي... (ص 50)»، ثم تقول: «رحيلك أنقذ حياتك ودمر حياتي (ص 50)».
إن حوارات رقية وصديقيه نصير الأعمى، وزهير الذي كان أسيراً في الحرب العراقية الإيرانية، تعلن عن لغة محملة بالإحساس والخسران، لغة مفارقة للغة السرد التي ينطق بها السارد (سامر) تغذيها قسوة الحاضر، وتهميش الذات العراقية المتطلعة نحو أفق الحرية، وتقييد حركتها بالفوضى وصعود النكرات والمنبوذين... وللكشف عن حاضر السرد يوظف الروائي تقنية اليوميات التي كتبها صديقه نصير قبل أن يصبح أعمى، وهي تضيء جانباً من الحراك الثقافي عبر تجمعات المثقفين في المدن العراقية بدايةَ دخول القوات الأجنبية وطموحهم في تأسيس تجمعات ثقافية وسياسية كانوا محرومين منها قبل دخول القوات الأجنبية، وتوفر أجواء تسمح بالكلام والنقد والتعبير عن الرأي، وهي شهادة تسجيلية لما جرى بداية الاحتلال، فقد كان ذلك «بمثابة دافع مشجع لترويض ما في داخل النفوس من انكسارات وتشنجات فرضتها علينا قوى خارجية (ص 27)»، لكن الحرية النسبية التي توفرت أثناء دخول القوات الأجنبية قد تحولت إلى فوضى كبيرة حين «تعددت وسائل القتل وخرق القانون، أصبحنا في محور العشوائية، أعني بإمكان أي فرد أن يبني بيتاً أو محلاً في أي مكان فارغ (...) تربعت مفاهيم الحرية على عرش مشيد من الخوف والجوع (ص 28)».
ومن خلال حواراته مع صديقه زهير، تتكشف أهوال الحرب العراقية الإيرانية بوقائع صادمة عاشها زهير الأسير وهو يصف مشهداً منها: «اختبأنا بساتر الشاطئ وكنا متعبين، قوانا منهكة من جراء السير في المنزلقات الرخوة. بعد حين رأينا من أعلى الساتر أنبوبة دبابة العدو يمتد، مشرفاً على رؤوسنا، لم يعد لنا حول، (...) قادونا كالأنعام، كانت برودة الطقس كالثلج، والرياح تصر بهبوبها، خلعوا من أقدامنا الأحذية العسكرية، ثم نزعوا من أكتافنا القماصل المغطاة من الداخل بالفرو، أجبرونا على الجري أمام دباباتهم، وجنودهم كانوا يسايروننا من الجانبين (ص 60)».
لقد حمل سامر أحلامه المؤجلة وبحث عن خلاص من شرك السلطة الجائرة التي جعلت حياته جحيماً اضطره للهروب إلى خارج الوطن تاركاً ذوات تنتظر منه الخلاص: «قصة الحب بينه وبين رقية»، مرض الأم وهي تعاني من غياب الابن، وضياع أمل الأخت في حياة مستقرة آمنة مع ولدها! كلها أسئلة أثيرت أمامه الآن وهو يتعرف على طبيعة الاحتلال وما رافقه من آمال ووعود في التغيير الموعود من قبل المحتلين قبل الاحتلال، الآن تسجل عيناه مظاهر الخراب الذي أحدثه الاحتلال على بنية بلاده وجعلها أنقاضاً لا حياة فيها، إضافةً إلى أسئلة تتعلق، بجدوى وجوده في مجتمع ينظر إليه باستغراب واستنكار وهو يرى «رتابة ملابسك، وهيئتك تدل على الكياسة والاحترام (ص 67)»، كما أشار له أحد الغرباء في المقهى، وأكدته رقية أيضاً في حوار خاص معه متعجبة من سعادته بوجوده في هذا الجو المخرب «أأنت سعيد في وجودك معي في هذه الغرفة الكئيبة؟ بالتأكيد يعد هذا المكان أشد كآبة إذا ما قورن ببذخ جلساتك المريحة هناك في بلد الغربة..! (ص 80)».
إن وجوده في وطنه قد أثقل همومه وجعله غريباً حتى من ذويه: أمه وأخته وما شاهده وعاشه عن قرب لمصائر حلت بجيرانه، كالصراخ اليومي الذي يعلن عن قتل شاب من جيرانه أو فقدانه دون أمل بالعثور عليه.
في هذه الأجواء الغرائبية، تم حضوره شاهداً وفاعلاً لأحداث لم يكن طرفاً فيها، بل شاهد على تفاصيلها من ذلك: الجار الذي ينوي بيع ابنته الصغيرة إلى صديقه لقاء مبلغ من المال ينقذ به عائلته من خطر الجوع والفاقة!! وكان حدثاً مأساوياً: «لدي ثلاث بنات طلب صديقي أن أهديه واحدة، لأنه يعاني من العقم (...) مقترحاً علي مكافأة مالية، اقتنعت بالفكرة (...) فأنا رجل معوق من الصعب أن أتكفل بأكثر من طفلين، أين المعيب! أسألكم أين الخلل في ذلك...! (ص 73)».
أما السؤال الأهم الذي طرحه سامر على نفسه: «من أسهم في اضطهاد رقية... أنا أم النظام (ص 88)»، بعد أن عرف اتهامها له بتدمير حياتها عبر رسالتها القصيرة له: «رحيلك أنقذ حياك ودمر حياتي (ص 75)»، ويتعمق هذا الاتهام بحديث أمها العجوز التي أغلقت باب الصلح بينهما وأسدلت ستاراً كثيفاً على ذلك الماضي، قائلة: «لماذا لم تفكر آنذاك وأنت تغادر البلد بارتباطاتك السابقة مع الآخرين ها... أنت قد رجعت الآن بعد أكثر من عشرين عاماً، ورأيت الدمار أمامك، أنت أيضاً ساهمت بما حصل (ص 86)»، والعبارة الأخيرة تحمل مغزى أوسع: لقد كان هروبه وخلاصه الذاتي قد دمرا حياة حبيبته رقية وحياة عائلته: أمه التي أصابها الشلل وأخته التي فقدت مبررات حياتها، وكان خروجه قد مهد لدخول المحتل الأجنبي إلى بلاده لضعف من يدافع عنه!
إن معظم المشاهد التي سجلتها عين سامر تشي بخراب الوطن في بيئته وناسه، وتعلن عن ضياع هويته الوطنية، عبر بنية سردية تعكس ما فعله زمن الاحتلال بهذه الهوية، إذ أصبح المحتل «هو الدولة وهو القانون... (ص 111)»، وأصبح سامر متهماً بوطنيته بتهمة العمل مع جهاز مخابرات النظام السابق الذي هرب منه! وهي سخرية مرة أن يكون القتيل قاتلاً، وأن تصبح الهوية الوطنية متنازعاً عليها بين ماضٍ ملتبسٍ وحاضر طارد!
لقد طرحت رواية الروائي فاضل خضير «الحب في ضراوة الاحتلال» أسئلةً جريئةً عن الهجرة القسرية التي دفعت الآلاف من العراقيين إلى الهروب من وطنهم، تجاه البلدان الأجنبية، وحصولهم على الهوية الأجنبية، وموقف مواطنيهم منهم وهم يعودون إلى وطنهم القديم، للزيارة وتفقد ما بقي من آثار الماضي وشخوصه ثم يعودون إلى الملجأ الآمن.
وقد أوجزت كلمات «رقية» إشكالية «الوطني» الذي عاد إلى وطنه للزيارة وتفقد الماضي «الجميل» حين خاطبت سامر في رسالة قصيرة: «عش حياتك كما تشاء، ابتعد عن خصوصياتي، لم أعد أناسب زهوك الذي رأيتك فيه، وجه محمر، يزخر بنشوة الرفاه، وقامة ممشوقة، وهيكل صلد مهيوب، يسيل له لعاب النساء!! (ص 50)».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل أحب المتنبي أخت سيف الدولة؟
هل أحب المتنبي أخت سيف الدولة؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق الأوسط

هل أحب المتنبي أخت سيف الدولة؟

لم يحدث أن حَظِي شاعرٌ عربيٌّ، قديم أو معاصر، بما حظي به المتنبي من عناية واهتمام. لا بل إن ذينك العناية والاهتمام لم يقتصرا على الدارسين والمشتغلين بالنقد وحدهم، بل إن دائرة المحتفين بالشاعر وإرثه الإبداعي، قد بلغت من الاتساع بما يشمل معظم الناطقين بلغة الضاد في الأصقاع العربية المترامية. إلا أن تعقب الكثيرين، بمن فيهم المنافسون والحساد، لتفاصيل سيرة الشاعر، لم يحل دون بقاء الجوانب العاطفية والعشقية من حياته، في دائرة الإبهام والغموض المحير. وإذا كان في سيرة المتنبي وشعره ما يثبت ولعه بصليل السيوف وشهوة السلطة والحكم، أكثر من المغامرات المتصلة بالمرأة والعشق وملذات الجسد، كمثل قوله «ولا تحسبنّ المجد زقّاً وقينةً، فما المجد إلا السيف والفتْكةُ البكْرُ »، أو قوله «تروقُ بني الدنيا عجائبُها ولي فؤادٌ ببِيض الهند لا بِيضها مُغرى»، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المتنبي قد أغلق عينيه عما يراودهما من ألق الأنوثة الساحر، أو أصمَّ أذنيه عن النداءات المتعاظمة للرغبات. لكن ما يلفتنا في شعر المتنبي المتعلق بالمرأة هو خلوه من تسمية النساء اللواتي أحطن به بالاسم. فلا ذكْر أبداً لاسم أمّ أو أخت أو حبيبة أو زوجة، بحيث لم يكن لنا أن نعرف شيئاً يُذكر بشأن زواجه وإنجابه، لولا حديث المؤرخين عن مقتل ابنه محسَّد إلى جانبه، في الكمين الغادر الذي أعدّه له فاتك الأسدي عند أطراف بغداد. الواقع أن غياب التسميات النسائية الصريحة عن ديوان أبي الطيب لا يمكن تفسيره إلا في إطار السلوكيات المتحفظة للشاعر، إزاء كل ما يتعلق بالمرأة والحب، إضافة إلى أن أناه المتفاقمة دفعته إلى الاعتقاد بأنه هو بالذات الاسم الذي تمّحي فيه أسماء الدائرين في فلكه. ورغم أن رثاءه لجدته قد كشف عن موقعها الاستثنائي داخل نفسه المجهَدة، وبدا نكوصاً مشبعاً بالحنين نحو أرض الطفولة النائية، فهو لم يستطع إخفاء نزوعه النرجسي عن الأعين، حين خاطبها بالقول «ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍ، لكان أباكِ الضخم كونكِ لي أُمّا». اللافت أيضاً أن المتنبي لم يفرد للمرأة والحب قصائد قائمة بذاتها، بل اقتصر هذا الباب على مطالع القصائد التي توجه بها إلى ممدوحين متفاوتي الأهمية، لم يحوزوا باستمرار على إعجابه الفعلي. ومع أن بعض أبيات المتنبي الغزلية لا يخرج عن سياق النماذج والأساليب التي لم يملّ من تكرارها شعراء العصرين الجاهلي والإسلامي، فإن بعضها الآخر يتسم بالجدة والابتكار وبُعد الدلالة. فالشاعر الذي يستهل واحدة من مدائحه بالقول «أريقكِ أم ماء الغمامة أم خمر؟ بفِيَّ بُرودٌ وهو في كبدي جمرُ»، هو نفسه الذي يظهر قدرته الفائقة على توليد المعاني المبتكرة ذات الطابع الفلسفي، كما في قوله «تناهى سكون الحسن في حركاتها، فليس لراءٍ وجهها لم يمتْ عذرُ». وفي حين تتسم أغلب نصوص المتنبي الغزلية بالعفة والخفر، إزاء كل ما له علاقة بالمناحي الغرائزية والشهوانية، فإن الإشارات الحسية التي تشي بها نصوص أخرى، كالحديث عن اللثم والعناق وحلاوة القبل، هي من التواضع والاحتشام، بما لا يكاد يجاري طموحات العذريين في هذا المجال. أما لجوء الشاعر إلى استخدام صيغة الجمع في حديثه عن النساء، إضافة إلى استمرائه صيغ التعميم والخلاصات الحكمية، فقد يكونان ناجمين عن افتقاره إلى الحب الحقيقي الملموس أحياناً، أو عن رغبته الموازية في جعل التعميم نوعاً من «التعمية» على شؤونه العاطفية الخاصة أحياناً أخرى، كما في قوله: تخلو الديارُ من الظباء وعندهُ من كل تابعةٍ خيالٌ خاذلُ ألراميات لنا وهنّ نوافرٌ والخاتلاتُ لنا وهنّ غوافلُ كافأننا عن شِبْههنّ من المها فلهنّ في غير التراب حبائلُ وإذا كان موقف المتنبي المحافظ والمتعفف من المرأة هو الذي يفسر انحيازه إلى الجمال البدوي المتلفع ببراءته، في وجه الجمال الحضري المثقل بالمساحيق، فلشدّ ما يستوقفنا بالمقابل إظهاره المرأة في صورة الكائن المرادف للمكر والغدر والخداع، في أبيات من مثل «إذا غدرتْ حسناء وفَّتْ بعهدها، فمن عهدها أن لا يكون لها عهدُ». وهو ما يبعث على التساؤل عما إذا كانت مثل هذه الرؤية ناجمة عن التأمل المحض في شؤون النساء وطبائعهن، أم أنها ثمرة تجارب الشاعر ومعاناته القاسية مع النساء. على أن الحديث عن عشق المتنبي يصعب أن يستقيم دون التطرق إلى طبيعة علاقته بخولة، أخت سيف الدولة الكبرى، التي ظلت على الدوام أقرب إلى الفرضية المحفوفة بالشكوك منها إلى اليقين القاطع. وإذا كانت قصيدة أبي الطيب في رثائها هي «الوثيقة» شبه الوحيدة التي اعتمدها النقاد والباحثون دليلاً على وجود علاقة عاطفية بين الطرفين، فإن في هذا الدليل الكثير من الإشارات الدالة على ما كان يكنّه لها من مشاعر الهيام والافتتان. وفي حين ينفي البعض وجود علاقة خاصة بين المتنبي وخولة بدعوى أن رثاء امرأة متوفاة لا يقيم حجة قاطعة على عشق الراثي لها، فإن آخرين يردون على ذلك بالقول إن في رثاء الشاعر لأخت سيف الدولة الأخرى ما يقدم براهين ساطعة الوضوح على أن علاقة الشاعر بالأختين الراحلتين لم تكن هي نفسها على الإطلاق. ففي رثاء الأخت الصغرى التي رحلت قبل شقيقتها بثمانية أعوام، يشغل امتداح المتنبي لسيف الدولة معظم أبيات القصيدة، وتتم التغطية على البرود العاطفي، باجتراح العظات واللقى التعبيرية المناسبة. ومع أن بين هذه اللقى ما يرقى إلى ذروة المعاني الإنسانية المبتكرة، كقول الشاعر «وإذا لم تجد من الناس كفْئاً، ذات خِدْرٍ أرادت الموتَ بعلا»، فإن القصيدة بمجملها كانت أقرب إلى التأمل الوجودي في الموت منها إلى الأسى العميق ومرارة الفقدان. أما رثاء المتنبي لخولة فقد بدا خارجاً من شغاف قلبه، ومضطرماً بنيران أخرى، تختلف تماماً عما هو سائد في تأبين الراحلين، وليست لتقع في باب الرثاء العادي أبيات من مثل: طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ حتى إذا لم يدع لي صدْقُهُ أملاً شرقتُ بالدمع حتى كاد يشرقُ بي أرى العراقَ طويلَ الليل مذ نُعيتْ فكيف ليل فتى الفتيان في حلبِ وإذ يردّ المتنبي على ما يظنه تشكيك سيف الدولة بحزنه الفعلي على أخته، مؤكداً ما بقلبه من حرقة وبعينيه من دموع، لا يتردد بالمقابل في الحديث عن حسْن مبسم الراحلة وبرد ريقها، الأمر الذي أخذه عليه الواحدي في نقده، ليس فقط لأن في ذلك تجرؤاً بالغاً على قريبات الأمراء والحكام، بل لأنه خلط، متعمد أو غير متعمد، بين مقام الرثاء ومقام الغزل. وحيث لم يكن بمقدور الشاعر أن يميط اللثام عن تفاصيل تولهه بخولة في معرض رثائه لها، فإن الإشارات التي راح يبثها في القصيدة كانت كافية تماماً لتركنا في دوامة من الألغاز، كمثل قوله «ولا ذكرتُ جميلاً من صنائعها، إلا بكيتُ ولا ودٌّ بلا سبب». فأي سبب مولِّد للبكاء والود أكثر من تتيمه البالغ بالأميرة الراحلة. وأغلب الظن أن خولة نفسها هي المعنية بالمطلع العشقي الفريد الذي استهل به المتنبي مديحه لسيف الدولة إثر هربه من كافور وقدومه إلى الكوفة، خصوصاً وأن في ذلك النص من الرقة وشجى النفس، ومناجاة الجمال المشرف على الأفول، ما يبعث على الاعتقاد بأنه مُهدى للمرأة نفسها، التي كانت تستعد آنذاك لمغادرة هذا العالم، ومن أبياتها قوله: ما لنا كلُّنا جوٍ يا رسولُ أنا أهوى وقلبكَ المتبولُ كلما عاد من بعثتُ إليها غار مني وخان فيما يقولُ زوّدينا من حسن وجهكِ ما دام فحسْنُ الوجوه حالٌ يحولُ وصِلينا نصلْكِ في هذه الدنيا فإن الُمقام فيها قليلً ومع أننا لا نملك بشأن عشق المتنبي لخولة ما يُخرجنا من مقام الحيرة إلى مقام اليقين القاطع، فإننا لا نعدم الإشارات الكثيرة الدالة على مثل هذا العشق. لكن السؤال الذي تتعذر الإجابة عنه هو ما إذا كانت خولة من جهتها قد بادلت شاعرها المتحالف مع القلق، حباً بحب. ولأن زمنها ومقامها لم يساعداها على الإفصاح عن مكنونات قلبها المكلوم، ولم يضف التاريخ إلى صمتها المطبق شيئاً يذكر، فإن الإجابة عن السؤال المطروح ستظل في عهدة الغيب، حتى إشعار آخر، أو كشوف مفاجئة.

جمعية القلم في فرنسا تقود حملة لتمويل دراسة الطالبة الغزاوية نور العاصي
جمعية القلم في فرنسا تقود حملة لتمويل دراسة الطالبة الغزاوية نور العاصي

الشرق الأوسط

timeمنذ 5 ساعات

  • الشرق الأوسط

جمعية القلم في فرنسا تقود حملة لتمويل دراسة الطالبة الغزاوية نور العاصي

حتى خريف 2023 كانت نور العاصي، وهي صحافية فلسطينية تبلغ من العمر 23 عاماً، تقيم في حي التفاح في شمال غزة. لكن الأسرة كلها اضطرت إلى الانتقال قسراً إلى بلدة دير البلح، وسط القطاع. في شرفة البيت الواقع قرب جامع يافا، والمستشفى الذي جرى هدمه، كتبت نور أولى قصائدها، وتمكَّنت من نشر أشعارها على منصة «إنستغرام»، مترجَمةً إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية. كما أرسلت إلى مواقع عالمية تغطيات صحافية محلية. ورغم الوضع الحالي الصعب فإن نور نالت، هذا العام، شهادة الليسانس في الأدب الفرنسي من جامعة الأزهر في غزة. وبفضل حبها للأدب راحت تنسج من يومياتها أشعاراً تناجي شجيرات البرتقال في حديقة البيت، وتُحوِّل قصائدها إلى يوميات. بل إن مواقع إعلامية وبرامج فرنسية مرموقة نشرت عدداً من كتابات نور ونصوصها. ففي البرنامج التلفزيوني الثقافي «المكتبة الكبرى» قرأت الروائية آني إرنو الحاصلة على «نوبل» سطوراً من قصيدة لنور العاصي، في تأكيد على الرهان الأخلاقي للمثقفين الفرنسيين إزاء هدم غزة. اليوم، وبسبب تدهور الحال هناك، تتمنى نور أن تواصل دراستها لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية من المعهد العالي للدراسات الاجتماعية في باريس. ولتحقيق هذا الهدف تدخَّل عدد من متابعي نور وكتاباتها؛ لكي يساعدوها في تحقيق أمنيتها. وبادرت جمعية «القلم» إلى اكتتاب لجمع مبلغ 30 ألف يورو لمصاريف سفر الشابة الغزاوية المتفوقة إلى فرنسا، ولتمويل سنتين دراسيَّتين، مع تكاليف السكن والمعيشة. وجاء في النداء الذي وجهته الجمعية، أن المساهمة في دعم نور العاصي تُمثِّل لفتةً أساسيةً تساعدها على استكمال عمل سياسي وإبداعي مهم. فهذه الطالبة تنتمي بصوتها وكتاباتها إلى تلك الشبيبة الفلسطينية الواعدة التي تشهد على الحيوية الثقافية في غزة.

ليلى أحمد زاهر تستعيد نشاطها الفني بعد الزواج بهذا العمل
ليلى أحمد زاهر تستعيد نشاطها الفني بعد الزواج بهذا العمل

مجلة سيدتي

timeمنذ 6 ساعات

  • مجلة سيدتي

ليلى أحمد زاهر تستعيد نشاطها الفني بعد الزواج بهذا العمل

ليلى أحمد زاهر من حكاية هند - الصورة من الشركة المنتجة استعادت الفنانة ليلى أحمد زاهر نشاطها الفني من جديد بعد إجازة الزواج التي حصلت عليها خلال الفترة الماضية، وتحديداً منذ احتفالها بزفافها إلى الفنان والمنتج هشام جمال الذي أقيم في إبريل الماضي، بمنطقة هرم سقارة وبحضور حشد كبير من الفنانين وصناع الدراما والسينما، حيث بدأت ليلى تصوير مسلسل جديد يُسجل أول أعمالها بعد الزواج. أبطال "حكاية هند" من مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو" ليلى أحمد زاهر تعمل حالياً على تصوير حكاية بعنوان " هند" ضمن حكايات مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو" حيث تتصدر ليلى بطولة العمل الذي يضم في قائمة أبطاله كلُ من: حازم إيهاب ، حنان سليمان ، هاجر الشرنوبي، مؤمن نور، عزوز عادل، ياسمين رحمي وعدد آخر من الفنانين الشباب، والحكاية من من تأليف هند عبد الله وإخراج خالد سعيد. يمكنكِ قراءة.. مشاهير اختاروا الأماكن الأثرية لإقامة مناسباتهم.. أحدثهما ليلى أحمد زاهر وهشام جمال مسلسل " ما تراه ليس كما يبدو" من إنتاج K Media g للمنتج كريم أبو ذكري، ومكون من 35 حلقة، بواقع 7 حكايات، كل حكاية من 5 حلقات، بفريق عمل مستقل، سواء الأبطال أو التأليف أو الإخراج، وتم الانتهاء من تصوير أولى الحكايات بعنوان سم " فلاش باك". بطولة: أحمد خالد صالح، ومريم الجندي، فيما يتواصل تصوير حكاية أخرى بعنوان "just you" بطولة تارا عماد وبسمة داود وعمرو جمال. ليلى أحمد زاهر تصور مسلسلاً ثانياً بعنوان "ولد وبنت وشايب" يذكر أن ليلى أحمد زاهر بدأت هذا الأسبوع تصوير مسلسل ثانٍ بعنوان " ولد وبنت وشايب" حيث تشارك في بطولته إلى جانب أشرف عبد الباقي ، نبيل عيسى، انتصار، علاء عرفة ومروان المسلماني، قصة محمد بركات، سيناريو أحمد الشماع والسيد عبدالنبي، وإخراج زينة عبدالباقي، ومقرر عرضه حصرياً على منصة watch it الرقمية. آخر أعمال ليلى أحمد زاهر الدرامية يشار إلى أن آخر أعمال ليلى أحمد زاهر الدرامية جاءت خلال مسلسل " أعلى نسبة مشاهدة"، الذي تم عرضه في موسم دراما رمضان 2024، وشاركت في بطولته إلى جانب سلمى أبو ضيف، انتصار، محمد محمود، فرح يوسف، إسلام إبراهيم، أحمد فهيم، إلهام صفي الدين، إنعام سالوسة، وضيفة الشرف هند عبد الحليم، والمسلسل من تأليف سمر طاهر، وإخراج ياسمين أحمد كامل. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store