
التحديات المناخية تعزز فرص الزراعة العمودية
تشير التقديرات إلى أن أساليب إنتاج الغذاء الحديثة الحالية ستصبح غير مستدامة مع تزايد سكان العالم. وفي الوقت نفسه، يصعّب تغير المناخ زراعة المحاصيل وتربية الماشية وصيد الأسماك بالطرق والأماكن نفسها، مما حتم المرور إلى ما تعرف بالزراعة العمودية.
وتزداد حالات الجفاف والفيضانات تواترا وشدة، مما يُشكل تهديدا للأمن الغذائي العالمي، ويزيد من الضغوط على المزارعين ومربي الماشية. ومن المتوقع أن يُؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى تغيير نطاقات موطن العديد من أنواع الأسماك والرخويات، مما قد يُؤدي إلى اختلال النظم البيئية.
وفقا لأحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يؤثر الجفاف حاليا على مناطق كثيرة، ويتناقص معدل هطول الأمطار في هذه المناطق. وفي أفريقيا، يعاني ما بين 75 مليونا و250 مليون شخص من نقص المياه للاستخدام المنزلي والزراعة، مما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي للقارة بنسبة 50%. ومن المتوقع أن يستمر هذا التناقص خلال العقود القليلة القادمة.
وتتجه الأنظار نحو الزراعة العمودية لتوفير المزيد من المحاصيل سنويا، وتقليل الضغط على المزارع والأراضي الصالحة للزراعة في العالم.
فعلى عكس الزراعة التقليدية التي تُزرع فيها المحاصيل في طبقة واحدة، فإن هذه الطريقة المبتكرة لإنتاج الغذاء في طبقات عمودية ومتراصة بالكامل تُناسب مختلف الهياكل، مثل صناديق الشحن أو ناطحات السحاب، وتتمتع بإمكانات هائلة من حيث الإنتاج وخفض الانبعاثات الغذائية.
وتستخدم الزراعة العمودية تقنيات زراعية مُتحكما بها بيئيا لتحقيق أقصى استفادة من تقنيات الزراعة الداخلية. تتضمن هذه الطريقة التحكم في درجة الحرارة والإضاءة ومستويات الغاز بشكل اصطناعي، ويمكن إجراؤها جميعا داخليا في مساحات صغيرة أو ضيقة، لذلك يُقارن العديد من المزارعين الزراعة العمودية بالزراعة في البيوت المحمية.
وتقوم الزراعة العمودية على أربعة جوانب أساسية يجب مراعاتها، وهي الترتيب المادي، والإضاءة، ووسط النمو، وخصائص الاستدامة، وذلك بهدف زيادة كمية الغذاء المُنتَجة لكل متر مربع. ولتحقيق ذلك، تُزرع المحاصيل في هياكل حية تشبه الأبراج.
وللحفاظ على مستوى الإضاءة المثالي في المكان، يُستخدم مزيج من الإضاءة الطبيعية والاصطناعية. وتُحسّن إستراتيجيات مثل أحواض الزراعة الدوارة كفاءة الإضاءة، وبدلًا من التربة تستخدم الزراعة العموديةُ الزراعةَ الهوائية أو المائية أو مواد الزراعة المائية، مثل طحالب "السفاغنوم" وقشور جوز الهند وغيرها من الوسائط غير الترابية.
ولموازنة تكاليف الطاقة في الزراعة، تتضمن تقنيات الزراعة العمودية جوانب استدامة متعددة، مثل الزراعة المائية -زراعة النباتات بدون تربة، والزراعة الهوائية- وزراعة الأسماك والنباتات معا في مكان واحد وغيرها. وتشير البيانات إلى انخفاض استهلاك المياه في الزراعة العمودية بنسبة تبلغ 95%.
وتستخدم تقنية الزراعة الهوائية الداخلية، وهي طريقة زراعة بدون تربة بنظام ري بالرش يقلل من استهلاك النباتات للمياه بنسبة 95%؛ حيث تُزرع البذور في خرق، وتُستخدم زجاجات بلاستيكية مُعاد تدويرها كحاويات. يستخدم نظام الزراعة الهوائية الداخلية الرأسي للشركة مصابيح "ليد" (LED) تعتمد على أطوال موجية محددة لزيادة كفاءة التمثيل الضوئي للنبات إلى أقصى حد.
زراعة مستدامة
لا تقتصر فوائد الزراعة العمودية على زيادة إنتاجية المحاصيل الصغيرة فحسب، بل تشمل أيضا بعضا من أهم الطرق التي تُفيد بها بيئتنا من أهمها:
إعلان
توفير المساحة: يُوفّر تكديس طبقات من النباتات المساحة ويُنتج محاصيل أكثر، وتُتيح المزارع العمودية لأي شخص زراعة محاصيله بنفسه، سواء كان لديه حديقة خلفية أم لا.
تقليل استهلاك المياه: تستهلك أنظمة الري الزراعي كميات كبيرة من المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم كفاءة أساليب الري. ستساعد درجات الحرارة المُتحكم بها والأنظمة الذكية على تقليل فاقد المياه واستهلاكها.
تنويع المحاصيل: تتيح لك الزراعة العمودية زراعة محاصيل متعددة في آنٍ واحد، وزيادة الإنتاج الغذائي.
بيئة مُتحكَم فيها: على عكس الحديقة الخارجية التي تتأثر بتغيرات درجات الحرارة وأشعة الشمس والصقيع، تُتيح لك الزراعة العمودية تحكما أكبر في بيئة نمو النباتات. وهو ما يزيد من فرص نجاح المحصول ويقلِّل من خسائره الناجمة عن الأمراض والطقس القاسي والآفات.
ورغم أن الزراعة العمودية قد تبدو حلا ممتازا في المساحات المحدودة، فإنها لا تناسب جميع النباتات، إذ لا يمكن زراعة أي نوع من الخضروات أو الزهور المعمرة، ولا الأشجار والشجيرات. لا يمكن زراعة سوى عدد قليل من المحاصيل الغذائية عموديا نظرا لضيق المساحة واحتياجات النمو، ومع ذلك قد يكون الأمر فارقا.
مستقبل الزراعة العمودية
يُطلق الكثيرون على الزراعة العمودية اسم "الزراعة المستقبلية"، فمع انتقال جزء كبير من سكان العالم إلى المدن بحلول عام 2050 والتزايد السكاني المستمر، ستزداد الرغبة في التوافق مع البيئة المحيطة، لا سيما فيما يتعلق بالطعام العضوي والطبيعي.
ويمكن للزراعة العمودية أن تساعد المحاصيل على الاستعداد لهذا التحدي المستقبلي من خلال الاستخدام الفعال للأراضي والمياه، فهي تقنية زراعية مستدامة تُنتج حلقات زراعية مستقرة دون المساس بالجودة، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا لأن 40% من أراضي العالم قد تدهورت بالفعل، ووفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة.
ومن بين الأسباب التي قد تدفع الشركات إلى اعتماد الزراعة العمودية تعزيز سلسلة التوريد، وخفض تكاليف الإنتاج، وتحصيل الإيرادات من المنبع أو المصب، والوصول إلى قنوات توزيع جديدة.
وحسب تقرير صادر عن الصندوق العالمي للطبيعة "دبيلو دبيلو إف" (WWF) عام 2020، نما نموذج الزراعة العمودية الداخلية بمعدل سنوي يزيد عن 24% منذ عام 2018، وتشير التقديرات إلى أنها مبيعاتها بلغت 3 مليارات دولار عالميًا بحلول عام 2024.
وتُعدّ الولايات المتحدة الأميركية الآن الدولة التي تضم أكبر عدد من المزارع العمودية، في وقت يشهد فيه هذا القطاع ازدهارا في دول آسيوية بما في ذلك اليابان والصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلند. كما توسعت المزارع العمودية في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تكشف دراسة حديثة عن الآثار المدمرة التي لحقت بالقطاع الزراعي في غزة، الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، توصل الباحثون في دراسة حديثة منشورة في دورية "ساينس أوف ريموت سينسنج" إلى أن ما بين 64% إلى 70% من حقول المحاصيل الشجرية، و58% من البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية التي تحفظ درجة حرارة محددة للمزروعات)، قد تعرضت للتدمير بحلول سبتمبر/أيلول 2024. هذه النتائج تُظهر حجم الكارثة التي ألمت بقطاع غزة، والتي ستترك آثارًا طويلة الأمد على الأمن الغذائي والقدرة الاقتصادية للسكان. ويقول هي ين، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا، ورئيس مختبر الاستشعار عن بعد وعلوم الأرض بجامعة ولاية "كنت" الأميركية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة في تصريحات حصلت عليها الجزيرة نت: "يُظهر تقييمنا معدلًا مرتفعًا للغاية من الأضرار المباشرة والواسعة النطاق التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة، سواءً مقارنةً بالتصعيدات السابقة هناك في عامي 2014 و2021، أو في سياق تصعيدات أخرى" ويضيف "على سبيل المثال، خلال حرب يوليو وأغسطس عام 2014، تضررت حوالي 1200 دفيئة زراعية في غزة. وهذه المرة، تضرر ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف هذا العدد." أقمار ترصد الكارثة! ويقول ين: "على مدار الأشهر السبعة عشر الماضية، قمنا بتحليل صور الأقمار الصناعية في أنحاء قطاع غزة لتحديد حجم الدمار الزراعي في المنطقة. ويكشف بحثنا المنشور حديثًا ليس فقط عن النطاق الواسع لهذا الدمار، بل أيضًا عن الوتيرة غير المسبوقة المحتملة التي حدث بها. يغطي عملنا الفترة حتى سبتمبر 2024، ولكن تتوفر أيضًا بيانات إضافية حتى يناير 2025." اعتمدت الدراسة على تحليل صور الأقمار الصناعية من نوع "بلانيت سكوب" و"سكاي سات"، والتي توفر دقة تصل إلى 50 سم، مما مكن الباحثين من مراقبة التغيرات في الأراضي الزراعية بدقة عالية. تم استخدام نماذج تعلم آلي لرسم خرائط مفصلة للأراضي الزراعية قبل الحرب وتقييم الأضرار التي لحقت بها خلال السنة الأولى من الحرب على غزة. يضيف ين: "قبل الحرب، كانت الطماطم والفلفل والخيار والفراولة تُزرع في الحقول المفتوحة والبيوت البلاستيكية، وكانت أشجار الزيتون والحمضيات تصطف على طول صفوفها في أنحاء غزة. وتُعد هذه الأشجار تحديدًا تراثًا ثقافيًا مهمًا في المنطقة، وكانت الزراعة جزءًا حيويًا من اقتصاد غزة. كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك هناك يُنتج في القطاع نفسه، وكان الغذاء يُشكل نسبة مماثلة من صادراته." وفقًا للدراسة، غطت المحاصيل الشجرية، مثل الزيتون والحمضيات، حوالي 23% من مساحة قطاع غزة قبل الحرب، أي ما يعادل 8242 هكتارًا. ومع نهاية سبتمبر/أيلول 2024، تضرر ما بين 5305 إلى 5795 هكتارًا من هذه المحاصيل، مع تفاوت كبير بين المحافظات. وقد شهدت مدينة غزة أعلى نسبة تدمير، حيث تضرر أكثر من 90% من المحاصيل الشجرية، تليها محافظة شمال غزة بنسبة 73%. في المقابل، كانت محافظة رفح الأقل تضررًا بنسبة 42%. دفيئات زراعية مدمرة احتوى القطاع على قرابة 7219 دفيئة زراعية قبل الحرب، معظمها يتركز في المناطق الجنوبية والوسطى من القطاع. بحلول سبتمبر 2024، تضررت 58% من هذه الدفيئات، مع تدمير كامل للدفيئات في مدينة غزة وشمال غزة بحلول نهاية عام 2023. بدأ الفريق عمله بتحديد محاصيل الأشجار المتضررة وغير المتضررة بصريًا لتدريب نموذج التعلم الآلي، حتى يتمكن من تحديد ما يبحث عنه. وبعد تشغيل النموذج على جميع بيانات الأقمار الصناعية، راجع الفريق عينة من النتائج للتأكد من دقتها. نظرًا للتباين الكبير في صور الدفيئات الزراعية عبر الأقمار الصناعية، استخدم الفريق طريقة منفصلة لرسم خريطة للأضرار التي لحقت بها. وجد الباحثون أن أكثر من 4 آلاف دفيئة زراعية قد تضررت بحلول سبتمبر/أيلول 2024، وهو ما يمثل أكثر من 55% من إجمالي الدفيئات الزراعية المرصودة قبل الحرب. يضيف ين "في جنوب القطاع، حيث وُجدت معظم الدفيئات الزراعية، كان الدمار مُستمرًا نسبيًا من ديسمبر 2023 فصاعدًا. ولكن في شمال غزة ومدينة غزة، وهما أقصى محافظتين شماليتين من بين المحافظات الخمس في القطاع، كان معظم الضرر قد وقع بالفعل بحلول نوفمبر وديسمبر 2023. وبنهاية فترة دراستنا، كانت جميع الدفيئات الزراعية قد دُمرت." أمن غذائي كارثي تشير الدراسة إلى أن الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للسكان، الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجاتهم الغذائية. قبل الحرب، كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك في غزة يُنتج محليًا، وكانت الزراعة تشكل جزءًا حيويًا من الاقتصاد المحلي. يجدر بالذكر أن الهجمات على الأراضي الزراعية محظورة بموجب القانون الدولي. إذ يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين من خلال (حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم) بأنه جريمة حرب. كما تُعرّف اتفاقيات جنيف هذه المواد التي لا غنى عنها بأنها (المواد الغذائية، والمناطق الزراعية لإنتاجها، والمحاصيل، والثروة الحيوانية، ومرافق وإمدادات مياه الشرب، وأعمال الري). يقول ين "أظهرت نتائجنا أن ما بين 64% و70% من جميع حقول محاصيل الأشجار في غزة قد تضررت. قد يعني ذلك إما تدمير بعض الأشجار، أو إزالة حقل الأشجار بالكامل، أو أي شيء بينهما. وقعت معظم الأضرار خلال الأشهر القليلة الأولى من الحرب في خريف 2023." لن تكون إعادة بناء القطاع الزراعي في غزة مهمة سهلة. فبالإضافة إلى إزالة الأنقاض وإعادة بناء الدفيئات الزراعية، هناك حاجة إلى تنظيف التربة من التلوث المحتمل وإعادة بناء البنية التحتية للري والصرف الصحي وهو ما قد يستغرق جيلًا أو أكثر. إذ تحتاج أشجار الزيتون والحمضيات 5 سنوات أو أكثر لتصبح منتجة، و15 عامًا حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل. ويختتم ين "تقدم دراستنا إحصاءات شفافة حول مدى وتوقيت الأضرار التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة. إلى جانب توثيق آثار الحرب، نأمل أن يُسهم ذلك في جهود إعادة الإعمار الضخمة المطلوبة." وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى الأمل في أن تُسهم هذه البيانات في دفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم سكان غزة ومساعدتهم على تجاوز هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
توقعات العلماء.. هل سيكون 2025 العام الأكثر حرارة على الإطلاق؟
شهد العالم في عام 2024 درجات حرارة غير مسبوقة، فقد سجل أعلى متوسط شهري للحرارة على الإطلاق، وشهد ثلثا سطح الأرض شهرًا أو أكثر من درجات الحرارة القياسية، متجاوزة في بعض المناطق المعدلات السابقة بما يصل إلى 5 درجات مئوية. بعد انقضاء هذا العام الذي حطّم الأرقام القياسية في معظم القارات، يراقب علماء المناخ عام 2025 عن كثب، ليس فقط بسبب الحرارة، بل لأنه سيُمثّل اختبارًا حاسمًا لفهمنا لمدى سرعة ارتفاع درجة حرارة الكوكب. أرقام قياسية مفاجئة منذ بداية عام 2025، تحطمت بعض الأرقام القياسية السابقة، فقد سجلت درجات الحرارة العالمية في الربع الأول من هذا العام ثاني أعلى درجة حرارة مسجلة، مواصلةً بذلك موجة حر استثنائية بدأت في يوليو/تموز 2023. وفي فبراير/شباط الماضي، أفادت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة أن الشهر الأول من عام 2025 كان أحر شهر يناير على الأرض في تحليلات بيانات الطقس العالمية التي تعود إلى عام 1850. وشهدت مساحات اليابسة العالمية أعلى درجات حرارة مسجلة في عام 2025، كما شهدت المحيطات العالمية ثاني أعلى درجات حرارة لها. كما صنفت وكالة ناسا، و خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لمراقبة تغير المناخ ومنظمة "بيركلي إيرث" (منظمة غير ربحية مستقلة تُركز على تحليل بيانات درجة حرارة الأرض لأغراض علم المناخ)، يناير/كانون الثاني 2025 على أنه أحر شهر يناير على الإطلاق، بزيادة قدرها 1.59 درجة مئوية عن الفترة 1880-1899، وتجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في يناير/كانون الثاني 2024 بمقدار 0.12 درجة مئوية. بالنسبة للعديد من علماء المناخ، مثل عالم الأرصاد الجوية المتخصص في الأعاصير جيف ماسترز، الذي شارك في تأسيس خدمة الطقس التجارية "ويزر أندرجراوند"، كان الرقم القياسي الجديد لشهر يناير غير متوقع، إذ تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل العام الماضي، عندما أسهم التقلب المناخي الطبيعي في إحداث ظاهرة النينيو القوية، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وتشير ظاهرة النينيو المعروفة أيضًا بالتذبذب الجنوبي، إلى ظاهرة مناخية طبيعية تتكرر كل سنتين إلى 7 سنوات، وتستمر عادة من 9 إلى 12 شهرًا، ويصبح فيها سطح المياه في وسط المحيط الهادي الاستوائي وشرقه دافئًا إلى ساخن، ولذا تحدث تغيرات في أنماط الطقس التي تؤدي إلى ظواهر مثل الجفاف الشديد وحتى الأعاصير. وبالنسبة لعلماء آخرين، مثل نيك دانستون من مكتب خدمة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة، فليس هذا رقما مفاجئًا بذلك المعنى، ويقول في حديثه للجزيرة نت "يأتي شهر يناير هذا العام بعد أن كان عام 2024 أحر عام على الإطلاق، كما أن هناك تقلبات أكبر في شهر واحد مقارنةً بالعام بأكمله". وأشار عالم المناخ برايان بريتشنايدر إلى أن أشهر يناير الثلاثة السابقة الأكثر دفئًا حدثت جميعها خلال أحداث النينيو، عندما أسهمت مياه المحيطات الدافئة في شرق المحيط الهادي في رفع درجة الحرارة العالمية بنحو 0.2 درجة مئوية. ولكن في يناير/كانون الثاني 2025، كانت درجات الحرارة أقل من المتوسط في شرق المحيط الهادي، وذلك بسبب ما صنَّفته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي على أنه نتيجة لظاهرة النينيا الضعيفة التي حدثت في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وحلَّت محل ظاهرة النينيو، والتي تُخفّض درجات الحرارة العالمية قليلًا. ومن النادر تحطيم الرقم القياسي الشهري لدرجات الحرارة خلال ظاهرة "النينيا"، التي تُمثل مرحلة التبريد من دورة "التذبذب الجنوبي"، وتحدث عادةً كل 3 إلى 5 سنوات تقريبًا، ولكنها قد تحدث أحيانًا على مدار سنوات متتالية، وترتبط بالانخفاض الدوري في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق وسط المحيط الهادي الاستوائي. تقلبات مارس/آذار لم يكن يناير/كانون الأول الماضي الشهر الوحيد الذي حطَّم الأرقام لقياسية هذا العام، ففي مارس/آذار 2025، ظلت درجات الحرارة العالمية مرتفعة بشكل غير طبيعي، مسجلة ثاني أحر شهر مارس عالميًا، والأكثر حرارة في أوروبا على الإطلاق. وبلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 14.06 درجة مئوية، أي أعلى بمقدار 0.65 درجة مئوية عن متوسط مارس للفترة 1991-2020، وأقل بمقدار 0.08 درجة مئوية فقط عن أعلى درجة حرارة مسجلة لشهر مارس/آذار عام 2024. ووفقًا لبيانات خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، شهد مارس 2025 ثاني أعلى درجة حرارة لسطح البحر عالميًا خارج المناطق القطبية، حيث بلغت 20.93 درجة مئوية، أي أقل بقليل (0.12 درجة مئوية) من مارس/آذار 2024. وكانت درجات الحرارة في مارس/آذار الماضي مرتفعة على الرغم من ضعف ظروف ظاهرة النينيا خلال الشهرين الأولين من العام، والتي عادةً ما تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة، وقد بدأت متأخرةً كثيرًا عن التوقعات السابقة، بعد أن كان شهر يناير/كانون الثاني الأكثر حرارة في التاريخ المسجل. هذا يجعل مارس الشهر العشرين خلال الأشهر الـ21 الماضية الذي تجاوز فيه متوسط درجة الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية التي تم تحديدها في قمة المناخ "كوب 21" لعام 2015، عندما وقّع 196 طرفًا على اتفاقية باريس. كما سجّل أبريل/نيسان الماضي ثاني أحر شهور أبريل عالميًا، حيث بلغ متوسط درجة حرارة الهواء السطحي 14.96 درجة مئوية، أي أعلى بمقدار 0.60 درجة مئوية من متوسط الفترة 1991-2020 لشهر أبريل، وأبرد بمقدار 0.07 درجة مئوية من أبريل/ نيسان 2024 القياسي، وأكثر دفئًا بمقدار 0.07 درجة مئوية من ثالث أعلى شهر في عام 2016. كانت فترة الـ12 شهرًا، من مايو/أيار 2024 إلى أبريل/ نيسان 2025، أعلى بمقدار 0.70 درجة مئوية عن متوسط الفترة 1991-2020، وأعلى بمقدار 1.58 درجة مئوية عن مستوى ما قبل الصناعة. بالإضافة إلى الحر شبه القياسي، سجَّل جليد بحر القطب الشمالي في مارس/آذار أدنى مستوى شهري له منذ بدء تسجيلات الأقمار الصناعية قبل 47 عامًا، متجاوزًا أدنى مستوى سابق سُجّل عام 2017 بمقدار 150 ألف كيلومتر مربع. ويصل جليد بحر القطب الشمالي إلى أقصى مستوى له في مارس من كل عام، مما يجعل أقصى مستوى لهذا العام، هو الأدنى على الإطلاق في المنطقة. وكشفت البيانات الأولية الصادرة عن المركز الوطني الأميركي لبيانات الثلوج والجليد أن غطاء الجليد البحري في القطب الشمالي شهد انخفاضًا قياسيًا جديدًا بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، وهو ثاني أدنى مستوى شهري مسجل لامتداد الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية في ذلك الوقت من العام. توقعات متباينة بدراسة العلاقة بين الأشهر الثلاثة الأولى من العام ودرجات الحرارة السنوية لكل عام منذ عام 1970، بالإضافة إلى ظروف ظاهرة النينيو، وتطورها المتوقع خلال الأشهر المتبقية، وضعت منصة "كاربون بريف" المتخصصة في علوم وسياسات تغير المناخ، توقعات لمتوسط درجة الحرارة العالمية النهائية المُرجح لعام 2025. وتشير توقعات"كاربون بريف" إلى أن عام 2025 سيكون بالتأكيد أحد أكثر 3 أعوام حرارة، مع أفضل تقدير يُقارب درجات الحرارة العالمية في عام 2023. ومع ذلك، يفترض هذا النموذج أن عام 2025 سيتبع أنماط المناخ التي شوهدت في الماضي. واستنادًا إلى بيانات درجات الحرارة للأشهر الثلاثة الأولى من العام، تشير توقعات مكتب خدمة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة إلى أن عام 2025 من المرجح أن يكون أحد أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، ليأتي بعد عامي 2023 و2024 مباشرة. أحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك هو احتمالية أن تكون ظاهرة النينيا قصيرة الأجل على الأرجح، مع عدم استبعاد احتمال حدوث ارتفاع غير عادي في درجات الحرارة أو عودة ظاهرة النينيو، التي تُسبّب ارتفاعًا في درجات الحرارة العالمية وأنماطًا جوية غير متوقعة كما حدث في عامي 2024 و2023، وهذا يعني موجات حرّ أطول، وجفافًا أكثر، وهطول أمطار غزيرة في بعض المناطق. ويقول دانستون الذي قاد إنتاج توقعات خدمة الأرصاد الجوية الوطنية "يبدو أن الربع الأول من عام 2025 يُشير إلى أنه يسير على مسارٍ ليكون من بين الأعوام الثلاثة الأكثر دفئًا، على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلًا، وكما هو الحال دائمًا، لا يُمكننا استبعاد ثوران بركاني كبير يُؤدي إلى تبريد الكوكب بشكلٍ مفاجئ". ردًا على هذه التوقعات، تقول جوليان ستروف، كبيرة العلماء في المركز الوطني الأميركي لبيانات الثلوج والجليد "من المستحيل التنبؤ بما إذا كنا سنحطم رقمًا قياسيًا آخر هذا العام. تحدث أشياء كثيرة في النظام المناخي، ويمكن للتقلبات الداخلية إما أن تزيد من الاحترار أو تبطئه". وتضيف في تصريحات للجزيرة نت "لست متأكدة من كيفية توقّع أن يكون هذا العام مشابهًا للعامين الماضيين، لا سيما وأنّ ظاهرة النينيو في مرحلة محايدة، ولكن من المرجح أنّه أن يستمرّ هذا الاتجاه". وتجدر الإشارة إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 قد لا تُمثل العام بأكمله، إذ إن ارتفاع معدلات الاحترار التاريخية يعني أن درجات الحرارة، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، تميل إلى الارتفاع في أشهر الشتاء (ديسمبر ويناير وفبراير) في نصف الكرة الشمالي. وتُشير تقديرات حديثة أخرى – مثل تلك التي نشرتها منظمة "بيركلي إيرث" – إلى أن احتمالية أن يسجل عام 2025 رقمًا قياسيًا جديدًا في درجات الحرارة تبلغ 34%، وهذا أقل بقليل من نسبة 38% المتوقعة في نهاية مارس/آذار الماضي، وأن يكون ثاني أكثر الأعوام حرارةً على الإطلاق بنسبة 46%. ومن المرجح أن يشهد ما تبقى من عام 2025 انخفاضًا طفيفًا عن درجات الحرارة المسجلة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار. وإذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يكون عام 2025 أقل دفئًا من الرقم القياسي المسجل في عام 2024. وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، يتوقع ماسترز، العالم الذي عمل سابقًا مع فريق رصد الأعاصير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أن يشهد عام 2025 موجات حرارة عالية، لكنه قد لا يتخطى الرقم القياسي لعام 2024، ويعود ذلك إلى أن هذا العام بدأ بظاهرة النينيو القوية، التي رفعت درجات الحرارة العالمية بشكل طفيف، ولكن من غير المتوقع أن يشهد ما تبقى من العام ظروف النينيو. ويستدل ماسترز على ذلك بقوله "شهد العام الماضي أكبر معدل زيادة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما سيُبقي درجات الحرارة العالمية قريبة من مستوياتها القياسية، على الرغم من أن التقلبات الطبيعية ستُفضي إلى درجات حرارة أكثر انخفاضًا". اختبار حاسم لتغير المناخ بخلاف تلك التوقعات، ظهرت نظرية جديدة مثيرة للقلق في طليعة علوم المناخ لتفسير الارتفاعات المفاجئة في درجات الحرارة، وتتوقع أن يُصنّف عام 2025 من بين أشد الأعوام حرارة على الإطلاق رغم ظاهرة النينيا. في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا، جادل العالمان بوشكر خاريشا وجيمس هانسن من معهد الأرض بجامعة كولومبيا، بأنه من المتوقع أن يكون ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا العام مماثلا لارتفاع العام الماضي (العام القياسي) ما لم يحدث ثوران بركاني كبير يُبرّد الكوكب. يقول خاريشا، في حديثه للجزيرة نت "من السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كان سيُسجل رقمًا قياسيًا جديدًا، ولكن كما أوضحتُ أنا وهانسن في منشور غير رسمي حديث، نتوقع أن يظل قريبًا جدًا من (أو ربما يتجاوز) الرقم القياسي المسجل في العام الماضي". بالإضافة إلى استمرار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة الإنسان، يجادل خاريشا بأن هناك سببين رئيسين: أولًا، حساسية مناخ الأرض لزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي، وثانيًا، الانخفاض الكبير في انبعاثات الهباء الجوي (الجسيمات الدقيقة في الغلاف الجوي) الناتجة عن صناعة الشحن العالمية، وهي مهمة للغاية ليس فقط لأنها تعكس ضوء الشمس، ولكن أيضًا لأنها تزيد من اتساع الغيوم وسطوعها". ويضيف "في أوراقنا البحثية الأخيرة، نقيِّم أن كلا العاملين (تأثير الهباء الجوي على الغيوم وحساسية المناخ) قد تم التقليل من شأنهما منذ فترة طويلة من قبل مجتمع علوم المناخ السائد، لذلك بالنسبة لنا، لم تكن درجات الحرارة المرتفعة الشهرية الأخيرة مفاجئة للغاية لأنها تتفق مع تحليلاتنا الأخيرة". ويجادل خاريشا بأن عام 2025 سيكون بمثابة "اختبار حاسم" لنظرياتهما حول تسارع الاحتباس الحراري، فإذا ظلت درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية أو أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية -على الرغم من تلاشي ظاهرة النينيو- فسيؤكد ذلك حدوث تحول جوهري في ديناميكيات المناخ. من ناحية أخرى، إذا انخفضت درجات الحرارة بشكل ملحوظ في عام 2025، فهذا يشير إلى أن دورات الاحترار السابقة الناجمة عن ظاهرة النينيو لا تزال مهيمنة، وأن بعض الارتفاع الأخير في درجات الحرارة ربما كان مؤقتًا. على أي حال، هذا العام أكثر من مجرد عام حار آخر، إنه تجربة حاسمة لعلم المناخ. إذا كانت توقعات خاريشا صحيحة، فقد ندخل مرحلة جديدة خطيرة من تغير المناخ، حيث يستمر الاحتباس الحراري حتى بدون تأثير النينيو.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب
في عالم تتزايد فيه أهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عصا سحرية تتمتع بالقدرة على إحداث نقلة نوعية وإحداث ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمالية والسياسة. ومن بين الشخصيات العربية البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبئي، أثبت البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مكانته في الابتكار والأبحاث بالولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب أستاذ في جامعة نيويورك (NYU) ومدير مختبر التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في الجامعة. وفي لقاء خاص مع الجزيرة نت، أشار باري إلى ضرورة اهتمام الشباب ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مؤكدا على ضرورة إنشاء أول جامعة ووزارة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. المسار الأكاديمي وُلد أنس باري في مدينة طنجة بالمغرب حيث درس في المدارس الحكومية وتخصص في الرياضيات. وأشار أنس في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أكمل دراسته في جامعة الأخوين بإفران بتمويل من قرض طلابي، وحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، متخرجا في صدارة دفعته عام 2007. وعند التحاقه للعمل بشركة "ميرسك"، كان باري من أوائل الموظفين الذين أسهموا في بناء البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم وأكبر ميناء في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. ولتحقيق طموحاته الأكاديمية، تقدم بطلبه في برنامج فولبرايت ـوهو أحد أكثر المنح الدراسية شهرة في العالمـ وحصل على المنحة الدراسية في المحاولة الثانية. وفي عام 2010، انتقل إلى واشنطن العاصمة ليكمل دراسة الماجستير ثم الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، وتخرج في صدارة دفعته بمعدل 99%. وقد ركز بحثه في الدكتوراه على التنقيب في البيانات والذكاء الجماعي، وهما فرعان من الذكاء الاصطناعي. وأصبح من أوائل الباحثين الذي طوروا خوارزميات مستوحاة من الطبيعة، وتحديدا سلوك الطيور، لتصميم نماذج تحليل تنبؤية. ويعتقد باري أن حلول العديد من مشاكل العالم موجودة في الطبيعة "هذا الإيمان قادني إلى التخصص في الذكاء الجماعي ودراسة السلوك الجماعي للأنواع الذكية مثل الطيور والنحل والدلافين لتطوير خوارزميات تُستخدم اليوم على نطلق واسع في منصات مثل نتفليكس وأمازون وأنظمة صنع القرار". التدريس والبحث بعد حصوله على الدكتوراه، انضم البروفيسور المغربي إلى مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة كعالم بيانات رئيسي، قبل العودة إلى الأوساط الأكاديمية كأستاذ في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، حيث حصل على جائزة أفضل أستاذ للسنة. وقبل 10 سنوات، انتقل إلى جامعة نيويورك ليشغل منصب أستاذ وباحث، ويدير مختبرا يضم أكثر من 29 عالما "أعمل مع نخبة من كبار العلماء في معهد كورانت، الذي يُعد أحد أفضل المراكز عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي". وبالتوازي مع التدريس، شغل باري عدة أدوار استشارية مع مؤسسات معروفة، مثل وول ستريت ومنظمات الرعاية الصحية والأمم المتحدة وغيرها. أول جامعة للذكاء الاصطناعي وأكد الأستاذ في جامعة نيويورك للجزيرة نت على ضرورة إحداث تغيير جذري للنظام التعليمي في الدول العربية، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات الحكومية بشكل خاص. وقال "يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي لضمان ولوج الطلاب العرب سباق التنافس على المستوى العالمي والاستفادة من الإمكانات التكنولوجية لإعداد جيل جديد من المفكرين واستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات رئيسية، كالزراعة والسياحة والطاقة المتجددة". وتابع البروفيسور باري "عندما شهدنا 3 ثورات تكنولوجية كبرى في القرن الماضي ـالحاسوب الشخصي والإنترنت والذكاء الاصطناعي- كنا في موقع المستهلك فقط. أما اليوم، فيمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لقيادة هذه الثورة بدل البقاء في مقعد المتفرجين والتابعين لها فقط". وبالتالي، يقترح باري إنشاء أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المغرب أو إحدى الدول العربية، تشمل كلية علوم الكمبيوتر وكلية التحليلات التنبؤية وكلية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ويعتبر البروفيسور المغربي أن هذه المبادرة ستضمن تخرج الآلاف من الخبراء في هذا المجال "وسيكون ذلك أفضل استثمار تقوم به الدول العربية في تاريخها. ومن موقع الجزيرة نت، أدعو إلى العمل الفوري وأنا مستعد للتعاون بخطة واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذا الطموح واتخاذ خطوات جريئة وفعالة نحو المستقبل". كما حثّ باري كل دول المنطقة على تطوير إستراتيجية وطنية لإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي على غرار وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في الإمارات العربية المتحدة. ويرى المتحدث أن التجربة الإماراتية نموذج يمكن الاحتذاء به بعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم. جوائز وابتكارات وتقديرا لما حققه في التعليم والبحث، حصل أنس باري على جائزة مارتن لوثر كينغ لعام 2025، وتُمنح هذه الجائزة لأعضاء هيئة التدريس المتميزين الذين يُجسدون روح الدكتور كينغ الابن في دراسته وحياته وعمله في مجال العدالة، والذين يُروجون لمبادئ وأخلاقيات مساهمات كينغ العالمية الواسعة في أبحاثهم وتدريسهم وقيادتهم وجهودهم في بناء المجتمع. وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور إن "هذا التقدير يحمل معنى كبيرا لي ويعكس القيم التي أسعى لغرسها في طلابي، خاصة خدمة الناس والأمم، وهي قيم نجدها عند المغاربة والشعوب العربية". وقد قاد أنس باري أول فريق من علماء الحاسوب والأطباء لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالحالات الشديدة من كوفيدـ19 في عام 2020، من خلال الجمع بين التحليلات التنبؤية والبيانات السريرية والعوامل الديمغرافية للمرضى وغيرها. وفي عام 2021، أنشأ أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المعلومات المضللة حول فيروس كورونا وقياس مستوى الثقة في اللقاحات. وبعدها بعامين، شارك في إنشاء خوارزمية لإعادة تعريف أنظمة التوصية من خلال برنامج "بايرورانك" (PyRoRank) الذي استلهم سلوكه من الطريقة التي تنتظم بها أسراب الطيور ذاتيا. وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قاد البروفيسور فريقا من العلماء لتصميم أداة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج الانتخابات والتنبؤ بها. وعند سؤاله عن المشاريع التي يعمل عليها حاليا، قال باري إنه يركز على البحث في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية حيث يتعاون مع خبراء بارزين، من بينهم البروفيسور ديفيد ناغل ـوهو أحد كبار الباحثين العالميين في مجال الطاقةـ لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستكشاف مصدر جديد واعد للطاقة يُعرف باسم التفاعلات النووية منخفضة الطاقة (LENR). وأضاف "هدفنا هو تسريع البحث والتطوير التجاري لهذا المصدر النووي المبتكر، الذي قد يُحدث ثورة في إنتاج الطاقة العالمي. وقد تم عرض أعمالنا في أهم المؤتمرات الدولية للطاقة النووية، ولا نزال نواصل توسيع آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع". وإلى جانب ذلك، يعمل مختبره البحثي على تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، وعلوم المناخ، وتطوير الذكاء الاصطناعي. وصفة النجاح وعن وصفة النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي، أكد أنه بالإضافة إلى الخبرة العملية والعلمية، يُعتبر الإصرار والالتزام وتعزيز حس الفضول والانفتاح على التعاون من كلمات السر للتفوق في هذا المجال. كما ركز في حديثه للجزيرة نت على قيم إنسانية عديدة، مثل التفاني في العمل والصدق، قائلا "والدتي الراحلة رشيدة بارگاش غرست فيّ قيمة النزاهة والصدق في كل الجهود التي أبذلها، وكانت تقول لي دائما: اعمل بجد وأمانة في كل ما تقوم به". وأضاف "المغاربة والشباب العربي شعوب موهوبة وملتزمة بالعمل الجاد لأنه يسري في دمائها. وبما أن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور والانتشار، سيتزايد الطلب على خريجي الجامعات الذين يملكون معرفة ومهارات متخصصة فيه. لذا، أنصحهم ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، فعلى الرغم من إمكانياته الهائلة فإنه يأتي مع اعتبارات أخلاقية مهمة للغاية". وقال البروفيسور "طوال مسيرتي المهنية، واجهت العديد من التحديات والرفض. عندما التحقت بجامعة الأخوين، كان تمويل دراستي صعبا ورغم مساعدة والديّ، اضطررت إلى أخذ قرض كبير من البنك. كما تم رفض طلبي للحصول على منحة فولبرايت في المرة الأولى، لكنني تقدمت مرة أخرى ونجحت". وتابع أنس باري "واجهت العديد من الرفض في فرص العمل، وكنت عاطلا عن العمل لمدة تزيد عن سنة. استمرت حالات الرفض والإخفاقات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. الرحلة لم تكن سهلة قط؛ فالفشل والرفض جزء من التجربة. نحن كبشر لا نفشل، بل نتعلم من إخفاقاتنا. وفي النهاية، أولئك الذين ينجحون هم الذين لا يستسلمون أبدا".