
خاص "هي": إلهام علي مصدر للإلهام.. النور الذي لا يخبو في أعين الجيل الجديد
في فضاء تتزاحم فيه الأسماء وتتقاطع الوجوه، تتفرّد الفنانة السعودية إلهام علي بحضور لا يخبو، ووهج لا تزيله الأيام. لم تكن يوما مجرد اسم يمر على الشاشة كغيره، بل كانت ولا تزال من تلك القِلة النادرة التي لا يقتصر أثرها على موهبتها التمثيلية، بل يتعدّاها إلى حضور إنساني صادق، يسبق الكاميرا ويتجاوز حدود المشهد. حضورها يمنح طمأنينة صامتة لا تطلب التصفيق، لكنها تترك أثرا لا يُنسى. معها، يصبح الفن رسالة والدعم مسؤولية، والعطاء امتدادا طبيعيا للدور الذي تؤديه، في الحياة كما على الشاشة.
نحتفي اليوم بإلهام، بصفتها مصدرا حقيقيا لإلهام الجيل الجديد. فليس خافيا على المتابع ما تقدّمه من دعم ومساندة للمواهب الصاعدة في الدراما الخليجية عموما، والسعودية على وجه الخصوص؛ إذ بات حضورها يتجاوز حدود الأداء ليغدو امتدادا من للثقة والتشجيع، والمشاركة الصادقة في بناء مستقبل أكثر إشراقا للفن.
وعلى ذلك، تتحدث مها الغزال التي جسّدت دور ابنتها في مسلسل "شارع الأعشى" عن علاقة تجاوزت حدود المشهد، لتغدو عِشرة فنية وإنسانية، فيها من الحنان بقدر ما فيها من الحزم والاحتواء. أما جود السفياني وميرال مصطفى، فقد التقتا بإلهام في "خريف القلب"، حيث أدّت فيه دور والدتهما، فجمعت بين الواقع والدور بصورة شبه متطابقة؛ صورة الأم الراعية، والداعمة، والتي تحيط من حولها بالثقة والطمأنينة. في شهادتهما، ترى كل منهما في إلهام بوصلة هادئة وسط فوضى البدايات، ووجها يُشبه الأمل حين يتجسّد على هيئة امرأة تعرف من أين تبدأ، وإلى أين تمضي.
من اليمين لليسار:
مها: بليزر أزرق سماوي طويل من علامة "جوب" Jubb فستان كحلي لدى متاجر رباعيات
ميرال: بليزر رمادي وجينز أزرق لدى متاجر رباعيات
جود: الإطلالة كاملة لدى متاجر رباعيات
مها الغزال: إلهام هي أمي الفنية
في مشهدٍ درامي يتسارع إيقاعه، تبرز وجوه شابة تحمل في ملامحها وعدا بمستقبل أكثر عمقا وصدقا. الممثلة السعودية الواعدة مها الغزال إحدى هذه الوجوه التي بدأت ترسم لنفسها حضورا خاصا، لا يعلو بالصوت، بل يرسخ بالصدق.
بالنسبة لمها يتجاوز حضور إلهام علي على الشاشة ليصبح أثرا لا يمحى، لم ترَ في إلهام مجرد شريكة في العمل، بل روحا راعية، وأما فنية من نوع خاص.
في كواليس مسلسل "شارع الأعشى"، حيث جسّدت مها دور "مزنة" ابنة الشخصية التي قدّمتها إلهام، لم تكن العلاقة بينهما تمثيلية فحسب، بل امتدت لتصبح لحظة تحوّل حقيقية في حياة مها الفنية.
بليزر أزرق سماوي طويل من علامة "جوب" Jubb
فستان كحلي لدى متاجر رباعيات
تصفها قائلة: "إلهام علي كانت أكثر من موجّهة، كانت الأم التي رعت خطواتي الأولى. في كل لحظة، كانت تمدّني بالقوة، وتحيطني باهتمام لا يُشبه المجاملة، بل ينبع من صدق داخلي لا يُشترى. كانت ترشدني، وتؤمن بي حتى قبل أن أؤمن بنفسي".
وتتذكر مها مشهدا مفصليا ترك في نفسها أثرا لا يُنسى: "كنت أصوّر مشهدا معقدا عاطفيا، شخصية مزنة كانت على حافة الانهيار. بعد تصوير اللقطة العامة، حان وقت التصوير القريب، ولم تكن إلهام مطلوبة ضمن الكادر. كان طُلب منها أن تأخذ استراحة، لكنها رفضت. اختارت أن تبقى، واقفة خارج الكاميرا، فقط كي تمنحني عينيها. تلك النظرة كانت كل ما أحتاج إليه. ثم اقتربت وهمست لي: "كوني أكثر، اشعري أكثر"، تلك اللحظة لم تكن تمثيلا، بل كانت دعما حقيقيا لا يُنسى".
بالنسبة إلى مها، تلك الجملة تلخّص هوية إلهام: "فنانة تمنح من دون أن تطلب، وتزرع في من حولها شعورا بالأمان والقدرة. لم تكن موجودة فقط في المشهد، بل كانت موجودة لأجلي".
لكن تأثير إلهام لم يقتصر على لحظة واحدة أو مشهد بعينه. تضيف مها: "إلهام علي تحمل رسالة أكبر من أدوارها. فهي تؤمن بأن الطريق لا يُشقّ وحده، وأن نجاح امرأة واحدة يمكن أن يكون بوابة لعشرات الأخريات. في أول يوم تصوير، قالت لنا: أنا هنا لأجلكم. نحن النجوم الكبار مهمتنا أن نفتح المجال. أنتم أبطال هذا العمل. شعرت وقتها بأنني لا أمثل فقط، بل أحمل مسؤولية، وهذا أعطاني دفعة لم أكن أتوقعها".
ميرال مصطفى: إلهام علي أيقظت في داخلي الشغف من جديد
من بين الأصوات الجديدة التي بدأت تشق طريقها بثقة في الدراما السعودية، تلمع ميرال مصطفى بحضور يشبه النسيم، هادئ لكنه يترك أثرا. لا تسعى للضوء بقدر ما تسعى للصدق، تؤمن بأن التمثيل ليس أداء محفوظا، بل لحظة حقيقية تُعاش بكامل الإحساس.
في "خريف القلب"، قدّمت أولى خطواتها الكبرى مع الفنانة السعودية إلهام علي، لم تكن خطوة مترددة، بل بداية واعدة لصوت نسائي شاب يحمل في داخله شغفا يتجاوز حدود الدور.
تتحدث الممثلة الصاعدة ميرال مصطفى لـ"هي" عن إلهام ليس فقط كنجمة درامية لامعة، بل بصفتها أثرا حيّا وملهما لمسيرة فنية بدأت في التشكّل.
بليزر رمادي وجينز أزرق لدى متاجر رباعيات
تابعت ميرال منذ سنوات أعمال إلهام بشغف، ووجدت في أدائها مساحة تتجاوز حدود الشاشة، كما تقول: "منذ أن بدأت أتابع أعمالها، كنت أسرح في أدائها، وكأنني أعيش المشهد معها. لم تكن مجرّد ممثلة، بل كانت تجربة. وشيئا فشيئا، أصبحت أحرص على متابعة كل ما تشارك فيه، حتى ألهمتني أن أبحث وأتعمق في عالم التمثيل نفسه. إلهام من أولئك الفنانين الذين يضيفون، سواء على الشاشة أو خلف الكواليس، وتلهم كل من لديه بذرة موهبة أو شغف بالفن".
حين رُشّحت ميرال لتجسيد شخصية "شوق" في مسلسل "خريف القلب" إلى جانب إلهام، شعرت بأن حلقة من الحلم بدأت تكتمل. "منذ لقائنا الأول، عاملتني إلهام كأنني نجمة من الصف الأول. كانت تشاركني خبرتها، وتدعمني، وتغمرني بثقتها، من أول مشهد حتى آخر يوم تصوير. حضورها، وشغفها، وحبها لعملها، كلها أمور انعكست عليّ مباشرة. كانت السبب في أنني اليوم أشعر بطاقة أكبر ورغبة حقيقية في أن أعطي أكثر، وأسعى لأتطور أكثر".
بالنسبة لميرال، وجود إلهام على الشاشة يتجاوز التمثيل: "وجود فنانة مثل إلهام مهم جدا لنا نحن مبدعي المنطقة. في كل مرة تظهر على الشاشة، تعيش الدور بأكمله، وكأنها لا تمثّل بل تعيش. قدرتها على التنقل بين الشخصيات، واختياراتها الدقيقة، وأداؤها الصادق، وحضورها الطاغي، وتواضعها، كل هذا يجعلها مختلفة. فهي تُشعرك بأن الفن صدق قبل أن يكون حرفة".
جود السفياني: رأيت في إلهام مرآة للقوة
من بين الوجوه الصاعدة التي بدأت ترسم حضورها بثقة في الدراما السعودية، تبرز جود السفياني ممثلة شابة استطاعت أن تتنقل بين أعمال متنوّعة، درامية وسينمائية، لتصوغ لنفسها أسلوبا خاصا في الأداء. بدأت من "الميراث"، وشاركت في عدد من الأعمال، كما ظهرت في عدد من الأفلام، لتؤكد أن حضورها لا يقتصر على الشاشة الصغيرة.
في مسلسل "خريف القلب"، جمعها الدور بالفنانة إلهام علي، تجربة تصفها جود بأنها أكثر من مجرّد تعاون مهني، بل لحظة فارقة أعادت تعريف علاقتها بالفن والطموح. إذ رأت فيها أكثر من ممثلة مخضرمة؛ رأت فيها مرآة للقوة، ورسالة خفية تقول لكل فتاة: أنتِ هنا، وصوتك مسموع.
الإطلالة كاملة لدى متاجر رباعيات
عند سؤالها عن الأثر الذي تركته إلهام علي في رحلتها الفنية، لا تتردد جود في وصفه بـ"التحوّل العميق في فهمها للفن"، قائلة: "إلهام علي كانت من أوائل الشخصيات التي جعلتني أشعر بأن الفن ليس مجرد تمثيل، الفن رسالة وحضور وثقة بالنفس. كنت أراها تكسر الصور النمطية بهدوء وأناقة، وهذا جعلني أصدق أكثر أن كل وحدة منا تستطيع أن تصنع لها طريقها الخاص، ولو كان مختلفا عن المعتاد. إلهام شجعتني على أكون نفسي أكثر، وأمشي بطموحي وأنا مرفوعة الرأس".
لكن تأثير إلهام لا يقتصر على الكواليس، بل يمتد إلى كل إطلالة لها على الشاشة، حيث تمثّل بصوتها ووقفتها حلم كل فتاة في المنطقة: "وجود إلهام على الشاشة بالنسبة إلي أكثر من مجرد تمثيل، كأنها تهمس لكل بنت سعودية وخليجية: مكانك محفوظ، وصوتك مسموع، أحلامك كبيرة، عندما أراها، أتذكر أن حدودنا ليست جغرافية. حدودنا السماء إذا آمنا بأنفسنا. هي تمثلني بطريقة راقية وحقيقية في آن واحد".
وحين يُطلب منها تلخيص أثر إلهام في جملة واحدة، تقول: "إلهام بالنسبة للجيل الجديد مثل النور الذي يكبر بهدوء، تثبت لنا كل يوم أن الحلم مهما كان بعيدا، باستطاعته أن يصبح أقرب بالإيمان والتعب والنية الصافية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 34 دقائق
- الشرق الأوسط
أفلام مصرية على «أمازون»
> أبرم الزميل سامح فتحي اتفاقاً يستحق التقدير. في الشهر المقبل، ستَعرض منصَّة «أمازون» مجموعة كبيرة من الأفلام المصرية التي كان الزميل قد حاز على حقوقها ورمَّمها. > ليس هناك من بين المعنيين من يحرص على ترويج أفلام السينما المصرية القديمة كما يفعل سامح فتحي، وذلك منذ سنوات عدّة. لكن الاتفاق الحالي بينه وبين «أمازون» هو بمثابة قمَّة نشاطاته في هذا المجال حتى الآن. > من بين المجموعة التي ستعرضها المنصة المذكورة: «أيامنا الحلوة» لحلمي حليم (1955)، و«أمير الدهاء» لهنري بركات (1964)، و«الحاقد» لريمون منصور (1962)، و«كلهم أولادي» لأحمد ضياء الدين (1962). > لا تستدعي المناسبة عملية تقييم نقدية. معظم هذه الأفلام، وسواها من إنتاج الخمسينات والستينات، كانت جماهيرية بمستويات دون المقبول، لكنها كانت أيضاً السبب في ولادة الموجة المصرية الجديدة في السبعينات والثمانينات بوصفها ردَّ فعل رافضٍ لها. الواقع أن كل الموجات السينمائية في العالم، من بريطانيا إلى فرنسا والبرازيل والولايات المتحدة والعالم العربي، تزامنت في نهضة واحدة خلال تلك الفترة بصفتها حركة رفضٍ ورغبة في تجاوزِ السينمات السابقة. > من ناحية أخرى، كثيرٌ من الأفلام القديمة (كما نسميها) يبدو اليوم أفضل من الجديد السائد. المسألة ليست تحديث تقنيات وبلورةً «أسلوبية» ترقص فيها الكاميرا، ويُمنح كل ممثل 15 ثانية لإلقاء قنبلة حوارية خاطفة. أفلام الأمس استندت إلى تفعيلِ مناهجَ عملٍ، بصرف النظر عن قيمتها الفنية. > عبارة «الزمن الجميل» المنتشرة منذ سنوات هي رمزية أكثر منها وصفاً حقيقياً. في ذلك الحين، نظرَ نُقاد الفترة إلى أفلام حلمي رفلة، وحلمي حليم، ونيازي مصطفى، وحسام الدين مصطفى، وأحمد ضياء الدين، وسواهم نظرة نقدية حادَّة. هذه هي النظرة نفسها التي يُوجِّهها نُقاد اليوم صوب أي فيلم يخفق فنياً.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
خدم الوطن في القضاء.. وأفاد المجتمع بالوعظ والإرشادسليمان بن جمهور.. الناصح الأمين
لقد حُبب إليّ فن التراجم والسير منذ أن تعلقت بالقراءة وحب الكتاب، هذا فضلًا عن الالتقاء بالعلماء والأعيان الذين يسّر الله الطريق إليهم وسؤالهم عن حياتهم وسيرتهم ومواقفهم وعن كل ما يتعلق بمشوارهم، حتى كبار السن الذين ليسوا علماء ولا من الوجهاء أعشق الجلسة معهم وسماع حديثهم، وكما قال أستاذنا يعقوب الرشيد الدغيثر -رحمه الله-: "جالس من هو أكبر منك بعشرات السنين لتستفيد من تجربته وتتقي الأخطاء التي وقع فيها"، وهو ممن لازمته سنوات وأفدت من معلوماته وتجاربه فهو تاريخ متنقل وكنوز من المعرفة والمعلومات الحية. ومن الذين كنت أبحث عن حياتهم وسيرتهم وأسأل عنهم الفقيه القاضي الرحالة والشاعر الشعبي النحل سليمان بن محمد بن سليمان بن منصور بن جمهور -رحمه الله-، ومن الذين سألتهم عنه الأديب والرواية والقاضي حمد بن إبراهيم الحقيل -رحمه الله-، وحدثني أنه شاهده في المجمعة واعتقد أنه قال إنه زار والده في منزله وأثنى عليه وأنه صاحب نكتة ومرح، وقد ذكره الحقيل في كتابه (كنز الأنساب) وروى عنه بيتين من الشعر الشعبي سوف أرويها عنه؛ لأنني سمعتها منه عدة مرات، وقد كتبت عن سليمان بن جمهور عدة أسطر في مقالة من حلقتين عن القضاة الذين نظموا في الشعر الشعبي في صفحة "خزامى الصحاري"، وفي "سطور المشاهير" سوف نلقي الضوء على حياة ومسيرة ابن جمهور من خلال بعض المراجع التي وثقت سيرته. وأصل أسرة سليمان بن جمهور -رحمه الله- من الطائف، ثم انتقلت إلى نجد وبالتحديد في بلدة جلاجل وهذه البلدة من إقليم سدير. كتاتيب جلاجل وذكر المؤرخ الفقيه عبدالله البسام في (كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون) -المجلد الثاني- سيرة سليمان بن جمهور -رحمه الله-، وأنه من مواليد عام 1265هـ، وكذلك حدد محمد القاضي -رحمه الله- في كتابه (روضة الناظرين) -الجزء الأول- في ترجمة ابن جمهور التاريخ نفسه. ونشأ سليمان بن جمهور في جلاجل وقضى صباه وطفولته فيها ثم تعلم في كتاتيب هذه البلدة وحفظ القرآن الكريم، وهذه البلدة العريقة هي بلدة المؤرخ الشهير عثمان بن بشر -رحمه الله- مؤلف (عنوان المجد في تاريخ نجد) حيث ألّف تاريخه في جلاجل وتوفي 1290هـ فيها، ومن المؤكد أن ابن جمهور قد رأى وشاهد المؤرخ ابن بشر؛ لأنهما في بلد واحد، لكن هل أخذ عنه العلم أو جالسه لا علم لي بذلك، وحينما توفي ابن بشر كان عمر شخصيتنا خمس وعشرون عاماً فهو رجل يدرك جل ما حوله. عمر مديد وعاصر سليمان بن جمهور -رحمه الله- الإمام فيصل بن تركي في مرحلته الثانية الدولة السعودية الثانية، فقد طال عمر ابن جمهور وتوفي وعمره ستًا وتسعين عاماً، عمر مديد وحياة طويلة ومسيرة ذات محطات كثيرة متنوعة وثرية وليست عابرة فقط، وللأسف الشديد إن علماء نجد أو الذين يجيدون الكتابة من أهالي نجد لا يقيدون مشاهداتهم حينما يجوبون الأقطار ويقطعون القفار والوهاد، فهذا شخصيتنا من هؤلاء الذين لم يكتبوا تجربتهم في طلب العلم وعاصر أحداثًا كبيرة في نجد والجزيرة العربية وفي العراق، فهو رحالة ويكفي أنه عاصر بدايات عصر الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز منذ عام 1319هـ حتى إطلاق اسم المملكة العربية السعودية عام 1351هـ. رحّالة وجوّال وسليمان بن جمهور -رحمه الله- رحالة وجوال في طلب العلم من وهو من العلماء النجديين الذين طلبوا العلم خارج نجد، وكانت رحلته إلى العراق حيث العلم والعلماء في بغداد، وكانت بغيته آل الألوسي أشهر أسرة علمية في بغداد إن لم يكن في العراق، ولعل مجيء ابن جمهور إلى بغداد أوائل القرن الرابع عشر الهجري يعني ما بعد 1300هـ تقريبًا، يقول محمد بن عثمان القاضي في كتابه (روضة الناظرين) والبسام في (كتابه علماء نجد): إن شخصيتنا درس على العلامة نعمان بن محمود الألوسي، وهذا الأخير توفي 1317هـ، وكان قبل 1300هـ سافر إلى مصر لطبع تفسير والده روح المعاني وسافر إلى الشام وكانت له رحلات حتى استقر عام 1301هـ في بغداد حتى وفاته، وبهذا يكون ابن جمهور درس عليه بعد هذا التاريخ، والألوسي بحر من العلوم وهو رئيس المدرسين في بغداد، ولا أعلم كم المدة التي قضاها فيها، ولازم شخصيتنا كذلك العلامة المؤرخ اللغوي محمود شكري الألوسي مؤلف (النبذة التاريخية النجدية) وغيرها من المؤلفات وتوفي عام 1342هـ. الهند والزبير وبعد بغداد رحل سليمان بن جمهور -رحمه الله- عن طريق البحر إلى الهند، يقول القاضي في كتابه (روضة الناظرين) أنه التقى بعلماء الحديث، أمّا البسام فيذكر أنه سافر لأجل التجارة، ولعل الأمرين قد حصلت لشخصيتنا، وإذا التقى بعلماء الحديث من الممكن أنهم أجازوه بمروياتهم، رجع ابن جمهور إلى العراق مرةً أخرى وسكن إلى الزبير بقصد الدراسة على علمائها في الفقه الحنبلي، وعلماء الزبير حنابلة؛ لأنهم في الأصل نجديون، ونجد أغلبها حنابلة بل جلهم، وشخصيتنا من أهالي نجد من سدير، وكذلك مدينة الزبير فيها أغلبية من أهالي سدير، حطت رحال شخصيتنا في الزبير واعتكف بغرض العلم وتحصيله ولم يشتغل بأي شيء سوى ملازمة الدرس، فكان من العلماء الذين أخذ عنهم العالم محمد بن عوجان -رحمه الله- أخذ عنه الفقه والفرائض، وابن عوجان من فقهاء المذهب الحنبلي، وذكر البسام والقاضي أن شخصيتنا قد انتفع بملازمة هذا العالم انتفاعًا كثيرًا، وبهذا حفظ الفقه الحنبلي واستوعبه، وكذلك المواريث، ولعل هذا من حسن تدريس ابن عوجان لتلاميذه، فليس كل عالم أو طالب يجيد التدريس وإيصال المعلومة بأسلوب سهل وسلس، وقد يكون غزير المعرفة، لكنه لا يتقن الشرح وتفكيك المتون في الفقه والعقيدة والنحو، وبهذا صار شخصيتنا بعد هذه الرحلات العلمية من أهل العلم والمعرفة وكان أهلًا لأن يفتي ويقضي. قابل المؤسس وبعد سنوات كثيرة وعندما كبر سليمان بن جمهور -رحمه الله- في العمر اتجه إلى الرياض وقابل المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وهنا يقول البسام عند مجيئه للرياض: فلما استقر الحكم للملك عبدالعزيز وزالت تلك الدعايات التي شوهدت العقيدة السلفية التي أحياها الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عاد ابن جمهور إلى بلاده «نجد»، وحلَّ بالرياض، واجتمع بالعلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فعَّرف الملك عبدالعزيز به كما عرّف به أهل العلم، فأكرمه الملك كعادته في إكرامم أهل العلم وأمر بإنزاله في بيت وتأثيثه له وإجراء نفقات لائقة به، كما باحثه أهل العلم وصار له معهم اجتماعات عرف من خلالها صحة هذه الدعوة ونقاوتها وبعدها عن الخرافات والبدع، فدخلت الدعوة السلفية في قلبه، وصار هو من أكبر دعاتها، ويضيف البسام قائلاً: وحين أعفي من العمل استقر في مسقط رأسه بلده جلاجل إحدى بلدان مقاطعة سدير، فأقام فيها حتى توفي فيها عام 1361هـ، وقد أفادني الشيخ عبدالعزيز بن سليمان بن سعيد أحد قضاة محكمة التمييز بالمنطقة الغربية بأن لابن جمهور أحفاداً، وأنهم من طلاب العلم، وأنه زامل بعضهم في الدراسة. قاضي رنية وعيّن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سليمان بن جمهور -رحمه الله- قاضيًا لبلدة رنية، وهذا أول عمل قضائي يتولاه، ثم بعد ذلك عينه مرشدًا وواعظًا لهجرة «الصرار» عند قبيلة العجمان، وشخصيتنا من الوعاظ المؤثرين في نصحهم وإرشادهم، ولعل ذلك تأثره بشيخه نعمان الألوسي الذي وصف بأنه ابن الجوزي زمانه، ثم بعد ذلك عين مستشارًا عند نائب الملك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل -الملك فيما بعد- فكان نعم المستشار الأمين الصادق، فكان يطرح رأيه بدقة حينما تطلب منه المشورة والمستشار، مؤتمن فيما استشير فيه، كأنه قاضي وأمامه الخصوم لا يميل مع أحد الطرفين وهكذا شخصيتنا، وكانت آخر أعماله في القضاء في أبها، ويروي الفقيه عبدالله البسام في هامش ترجمة شخصيتنا أن الوجيه عبدالله العسكر -أمير المجمعة سابقًا- لما عيّنه الملك عبدالعزيز أميرًا على أبها، طلب ابن عسكر من الملك عبدالعزيز أن يختار مرافقين معه إلى أبها، وأن يرسل معه قاضيًا ويكون في السنتين الأولى إمامًا للصلاة فقط، فاختار شخصيتنا إمامًا ثم بعد ذلك بعد سنتين قاضيًا معه. راعية الأثل وروى الباحث عبدالعزيز العويد -في إحدى مقاطع اليوتيوب- أن سليمان بن جمهور -رحمه الله- لمّا كان صغير السن اتجه هو وأخوه دخيل من سدير إلى القصيم، وكانت هذه السنة قاسية على نجد، فرحلا إلى القصيم طلبًا وسداً للرمق، فلما وصلا هناك مكثا فيه مدة ثم رجعا إلى سدير، وفي أثناء الطريق نفد ما معهما من الزاد والماء وسقطا مغشيًا عليهما، ومرت بهما امرأة وأنقذتهما وسقتهما وأطعمتهما، ووضعت عليهما شجر الأثل حتى يزول عنهما شدة الحر، وبعدما نشطا واستعدا للرحيل زودتهما بالماء والطعام، ولم ينس شخصيتنا هذا الفعل العظيم من هذه المرأة المحسنة، فلما كبر واشتد عوده خصص لهذه المرأة أضحية باسم راعية الأثل، وهذا من أعظم الوفاء وحسن العهد، ولولا عناية الله ثم هذه المرأة لأصبح شخصيتنا وأخاه من عداد الموتى. ليس مُكثراً وسليمان بن جمهور -رحمه الله- من الشعراء المجيدين للشعر الشعبي، والظاهر أنه ليس مكثرًا من الشعر ولم يتفرغ له، ولو بذل نفسه لأبدع كثيرًا، لكن الله اختار له ما هو أفضل، العلم والقضاء والنصح ونفع الأنام، ويروي الأديب القاضي حمد الحقيل -رحمه الله- بيتين فيهما طرافة لشخصيتنا وهما: مع السلامة يا القدوع والعود الأزرق واللحم بشر عيونك بالدموع من كثر تنفيخ الفحم كريم المنطق وقال حمد بن عبدالله بن خنين في مقالة له بمجلة «العدل» عن سليمان بن جمهور -رحمه الله-: كان عف اللسان كريم المنطق، من أبعد الناس عن الغيبة وسوء الظن والخوض في الخصومات، حريصاً على جمع الكلمة ورأب الصدع، كان إماماً في العبادة والتقوى وورعاً في المال والتعفف عن المغريات، كثير الإحسان إلى الناس يسعى في مصالحهم ويقضي ديونهم ويعين فقيرهم ويصلح ذات بينهم ويجيب دعوتهم ويشفع لمحتاجهم، وكان إماماً في العلم والفقه تحصيلاً وفهماً وتكييفاً، ثم صار إماماً في التعليم بذلاً وتوفراً ومداومة وتفهيماً، كما أنه إماماً في الإصلاح والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المداراة واللطف والحكمة وتقدير المصالح والمفاسد، كم جرى بعد وفاته -رحمه الله- من محن وخطوب يتمنى المرء أن لو ظفر منه بجواب مسألة وكشف شبهة وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، فتح بابه وقلبه للناس، واستوعبهم بحبه وعطفه وحسن تعليمه لهم وحب الخير لكبيرهم وصغيرهم ما كان يستعصي عليه إنكار منكر مهما كان، لأنه كان ينكره بكل الحب واللطف واللين والحرص على هداية العاصي، كان الأهم الأبرز في جيله وعصره، ففي كل ملمة يفزعون إلى رأيه ومشورته، هكذا هم العلماء الربانيون وهكذا يكون أثرهم، وهكذا يكون الفراق والفقد ووجع رحيلهم، رحمة الله على هذا الشيخ الذي بذل حياته في العلم والتعليم والعبادة والنصح.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
بين الثقافة والصحافةالمجتمع والشريك الأدبي
المجتمع هو أنا وأنتم، وهي وهن؛ ممن كنا نتعطش إلى أبنية ثقافية ومجالس أدبية إضافية نتحدث فيها عن رواية أو قصيدة أو معانٍ فلسفية وتاريخ معرفي ثقافي بما يشبه الوجود الدائم قدر الإمكان، والمجتمع أيضاً هو أنت وهم، وهي وهن ممن لا يهتمون بالثقافة ولا بالأدب، ويسعون في مناكب الأرض كل حسب اهتمامه وهمومه وما يُسر له. جاء الشريك الأدبي، وهو البرنامج الذي يحمل الفكرة التي أشغلت المهتم بالثقافة ليجعل حتى من لا يهتم بالثقافة والأدب ينضم إلى قائمة المهتمين، ففي كل بيت هناك من يشغله الأدب وتستهويه الثقافة، فتحولت الأسرة مع هذا الفرد إلى متابع لهذا المشروع العبقري، وأصبحت تتابع هذا المهتم من أفرادها في ندوة منقولة أو مصورة بأي شكل وأي وسيلة، ودخل الشريك كل بيت ليحقق معنى الشريك تنظيراً وتطبيقاً. دعوني أقتطع من مقالي السابق المشار إليه أعلاه هذا الجزء: «كوب قهوة وكتاب؛ هذه أنصع وأجمل صورة ذهنية تجمع الأدب بالمقهى. لكن أن تصبح الصورة كتاباً ومقهى وأمسية أدبية وجمهوراً وتكريماً، فهذه قفزة على كل الصور الذهنية، وطمس لمحدودية الطموح، ونقل من الحلم المستحيل إلى الواقع المحقق، ما القصة؟». (انتهى الاقتباس). الجواب: إنه الشريك الأدبي؛ مشروع أدبي ثقافي سعودي ابتكاري عبقري؛ لا يحتكر فائدته على السعوديين بل يتعدى ليكون لمجتمع كامل يعيش فوق هذه الأرض وتحت سماء المملكة العربية السعودية من أبنائها أو المقيمين على أرضها، وهو جهد إنساني ومنتج بشري لن يصل إلى الكمال، ولكنه يقترب منه عندما يواصل تطوير أدواته، وجني ثمار ما يقال عنه، وما يكتب بحقه، وأن يكون قريباً من نبض المجتمع وصوت الناقد الموضوعي المنصف.