logo
سلطان بن أحمد القاسمي يشهد افتتاح الدورة الرابعة للقمة البيئية المصاحبة لـ "اكسبوجر 2025"

سلطان بن أحمد القاسمي يشهد افتتاح الدورة الرابعة للقمة البيئية المصاحبة لـ "اكسبوجر 2025"

شهد سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس الشارقة للإعلام، صباح اليوم الإثنين، افتتاح الدورة الرابعة للقمة البيئية التي تقام ضمن فعاليات النسخة التاسعة من المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر 2024"، في منطقة الجادة.
انطلق حفل افتتاح القمة بعرض مادةً مرئية توضح المخاطر التي تواجهها البحار والمحيطات والغابات وما تتعرض له المنظومة البيئية ومختلف أنواع الكائنات الحيّة من مخاطر بسبب التلوث الناتج عن المخلفات البلاستيكية والأنشطة البشرية وكذلك التغيّر المناخي والحرائق وغيرها، خلال دورة الحياة التي تعيشها هذه الكائنات، كما استعرضت المادة تأثير هذه الملوثات على الكائنات البحرية والنظم البيئية، وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية البيئة.
وألقت معالي الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة، كلمةً تناولت فيها جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية والطبيعية، مشيرةً إلى أن الشارقة، تمضي في مسيرتها برؤية وحكمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، نحو تعزيز مكانتها الحضارية والثقافية المرموقة على مستوى المنطقة والعالم، وأن المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر" أصبح من العلامات الثقافية والإبداعية البارزة.
وتناولت معالي الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك ما يقدمه المهرجان الدولي للتصوير عبر المشاركين فيه من كل دول العالم من وعيٍ بقضايا التغير المناخي والبيئي، قائلةً // من خلال عدسات المصورين المحترفين المشاركين في مهرجان اكسبوجر هذا العام، نستطيع أن نرى بوضوح كيف أن أنماط الهجرة الحالية تعكس صحة البيئة والطبيعة، وكيف تؤثر هذه التغيرات على النظم البيئية من حولنا. لقد وثّق المصورون العديد من هذه التحولات، بعضها كان تدريجياً، والبعض الآخر كان مفاجئاً وواضحاً، ما أدى إلى تغيرات جذرية في أنماط الهجرة. وغالباً ما يكون المصورون هم أول من يلتقط التهديدات البيئية الجديدة ويقودون جهود رفع الوعي تجاه تلك المتغيرات. وبفضل هذه الميزة، فإنهم يلعبون دوراً محورياً في تنبيهنا إلى الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التحديات البيئية //.
وأشارت معالي وزيرة التغير المناخي والبيئة إلى الاهتمام اللامحدود من دولة الإمارات بالحياة الطبيعية والمناخ وجهودها في إيلاء قضايا البيئة أولوية حكومية، قائلة // في دولة الإمارات، ندرك جيداً مسؤوليتنا تجاه حماية كوكبنا والحفاظ على تنوعه البيولوجي، إذ نستضيف المكتب الإقليمي لاتفاقية الأمم المتحدة للحفاظ على الأنواع المهاجرة، الذي قاد العديد من المبادرات الناجحة لحماية الأنواع مثل الطيور الجارحة وأبقار البحر. كما نوفر ملاذاً آمناً للعديد من الأنواع المهاجرة، بفضل مناخنا الدافئ وحمايتها من التأثيرات البشرية، من خلال تخصيص 49 منطقة محمية تمثل 15.5% من إجمالي مساحة الدولة. كما حافظت الإمارات على ريادتها في فئة المناطق المحمية البحرية، إذ توسعت لتصل إلى 16 منطقة، ما يمثل أكثر من 12% من المساحة الساحلية، متجاوزة المعدل العالمي البالغ 7.5% //.
وتابعت // تم اختيار 10 مناطق رطبة في الدولة كمواقع ذات أهمية دولية، وأدرجت (أمانة المواقع الهامة للتنوع البيولوجي) تسعة مواقع إماراتية كأماكن مهمة عالمياً تضم العديد من الكائنات والنباتات المهددة بالانقراض. هذه الجهود تحمي مئات الأنواع من الطيور التي تصل سنوياً إلى الدولة، كما نولي أهمية خاصة لبرامج حماية الكائنات المهددة، حيث تضم الدولة 58 نوعاً من الثدييات و72 نوعاً من الزواحف والبرمائيات و598 نوعاً من النباتات الوعائية و459 نوعاً من الطيور، وأطلقنا عام 2022 القائمة الحمراء الوطنية للأنواع المهددة بالانقراض، لتوفير تقييم شامل لحالة الأنواع في البيئة المحلية //.
واختتمت معالي الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك كلمتها بالإشارة إلى المشاريع الرائدة في التوازن البيئي، وقالت // ندرك في الإمارات أن التنوع البيولوجي يرتبط بشكل وثيق بجهودنا للتكيف مع التغير المناخي، حيث تلعب الأنواع المهاجرة دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن البيئي. ومن خلال الابتكار والسياسات المتطورة، نعمل على تلبية احتياجات النمو السكاني مع حماية النظم البيئية، ملتزمين باتفاق باريس للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية. وفي هذا السياق، نواصل تعزيز الزراعة الذكية مناخياً ونظم الغذاء المستدامة، حيث تمثل مشاريع رائدة مثل (مزارع مليحة) و(سبع سنابل) في الشارقة نماذج لاستصلاح الأراضي الزراعية بشكل مستدام. وتعكس هذه الجهود أهمية البحث العلمي والابتكار في إنشاء نظم غذائية وزراعية متطورة، تسهم في استعادة التوازن البيئي وزيادة قدرتنا على مواجهة التغيرات المناخية //.
وكانت علياء بوغانم السويدي، مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة قد ألقت كلمةً تناولت فيها رحلات هجرات الطيور عبر الأقاليم المناخية المتنوعة، والتي تبرز إحدى أهم مظاهر الحياة الطبيعية، وتوازنها، وواحدة من أعظم أسفارها وذلك من أجل الحياة والتكيّف مع التغيرات المستمرة على هذا الكوكب، مشيرةً إلى أن هذه الطيور المهاجرة تمثّل الأصوات التي تحمل للكون نبض الحياة مع تغير الفصول.
وأضافت السويدي لافتةً إلى تأثير التغير المناخي على الهجرة الطبيعية وتوازن الحياة الطبيعية، وقالت // لآلاف السنين لطالما كانت هذه الهجرة رمزا لإيقاع الحياة وإعادة توازنها، تقطعُ فيها الطيور مسافات شاسعة بحثا عن ملاذها الآمن، لكنها اليوم مع التغيرات المناخية المتسارعة والتدخل البشري غير المسؤول أصبح فضاؤها مليئا بالمخاطر. هذه ليست مجرد أزمة تخص الطيور، بل إنذار لنا جميعا، فنحن جزء من هذا النظام، إما أن نكون سببا في تفاقم المشكلة أو جزءً من الحل //.
وتناولت السويدي في كلمتها أهمية الجهود التي تعمل عليها إمارة الشارقة المتنوعة في الوعي البيئي ورعاية الطيور وتوفير ملاذات آمنة لها عند هجراتها المستمرة، قائلةً // ما يجمعنا اليوم في القمة البيئية ضمن مهرجان اكسبوجر وضع خطوات فعلية لحلول جديدة. التغيير ممكن والإنسان قادر على إعادة توازن الطبيعة، وهنا في الشارقة لدينا العديد من المحميات الطبيعية لتكون الوجهة الآمنة لهذه الطيور، ونذكر محمية واسط التي تحتضن أكثر من مئتي نوع من الطيور المهاجرة لتعيد الحياة إلى بيئتها الأصلية //.
ووجّهت مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة في ختام كلمتها دعوةً للفنانين والمصورين إلى الإسهام في نشر الوعي بأهمية المحافظة على الطبيعة والإشارة إلى الأزمات التي تواجهها، قائلةً // لنوجه عدساتنا ليس فقط لتوثيق سحر الطبيعة التي تجيد بجمالها إخفاء آلامها، بل لنقل رسالتها بالحفاظ على بقائها. مسؤوليتنا أن نصنع الأمل، أن نبني مستقبلاً تحلّق فيه الطيور بلا خوف، لتبقى الهجرة رمزاً للحياة فلتكن هذه القمة امتداداً لجهود التغيير //.
وسلّط المصور العالمي جيريت فين خلال كلمته إلى القمة البيئية، الضوء على الرحلات الشاقة التي تقطعها الطيور الشاطئية عبر القارات، متحدثًا عن عدد من أنواع الطيور التي تجسّد روح التحدي والمثابرة، إذ تطير بلا توقف لمسافات شاسعة بحثًا عن موائل آمنة للتكاثر، وقال // هذا الطائر يزن ما يعادل شريحة خبز، ومع ذلك يقطع مسافة تصل إلى 10,000 كيلومتر من فنزويلا إلى التندرا القطبية، ليعود في كل عام إلى نفس الموقع الذي بنى فيه عشه //، واستعرض صورًا مذهلة لمجموعات من الطيور وهي تؤدي طقوسها الفريدة، حيث تضع بيضها في المناطق القطبية الشمالية ثم تترك صغارها لتجد طريقها بنفسها.
وأبرز فين من خلال مشاهد بصرية مدهشة كيف تواجه هذه الطيور تحديات بيئية هائلة، من تدمير الموائل الطبيعية إلى تغيرات المناخ، مؤكدًا أن التوثيق البصري هو أداة قوية لإلهام العالم وحثّه على اتخاذ خطوات جدّية لحماية هذه الكائنات، بالإضافة إلى ضرورة الجمع بين العلم والإعلام البصري لرفع مستوى الوعي البيئي، مع التركيز على جهود المراقبة والتصوير التي تتيح للعلماء والباحثين فهم طبيعة هذه الهجرات المذهلة.
وشارك خايمي روخو، المصور الفوتوغرافي وعالم البيئية الإسباني، خلال كلمته، تجربته الممتدة لعشرين عامًا في تتبع هجرة الفراشات الملكية، والتي تُعد واحدة من أكثر الهجرات تعقيدًا وإلهامًا في عالم الحيوان، وتُواجه تراجعًا بنسبة 90٪ على مدار الثلاثين عامًا الماضية، مّوضحاً أن هذه الفراشات تستغرق ما بين ثلاثة إلى خمسة أجيال لإكمال رحلتها الطويلة من كندا والولايات المتحدة إلى المكسيك، حيث تستقر لفصل الشتاء قبل أن تبدأ رحلة العودة. وعرض روخو صورًا توثّق هذه الرحلة الاستثنائية، مشيرًا إلى اكتشاف مستشعرات طبيعية في رؤوس الفراشات تساعدها في الملاحة عبر آلاف الكيلومترات.
كما ناقش روخو خلال كلمته المخاطر التي تهدد هذه الفراشات، مثل فقدان الموائل الطبيعية بسبب الزراعة الصناعية واستخدام المبيدات، مؤكدًا الحاجة الملحة لحمايتها. واستعرض تجربة وضع أجهزة تتبع خفيفة على أجنحة الفراشات، مما مكّن العلماء من فهم مسارات هجرتها بدقة غير مسبوقة، وأشار إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه الأفراد والمنظمات في الحفاظ على هذه الكائنات المذهلة، والتي وصفها بأنها ليست مجرد كائنات جميلة، بل رمز للحياة البرية المتشابكة التي تربطنا بالطبيعة.
واستعرض رالف بيس، الصحفي المتخصص في التصوير البيئي تحت الماء، في ختام القمة، الدور الحيوي للهجرات التي تشهدها المحيطات في الحفاظ على النظم البيئية البحرية، مؤكّدًا أن هذه الهجرات ليست مجرد ظاهرة طبيعية، بل عنصر أساسي في توازن البيئة العالمية، لافتاً إلى دور المحيطات في حماية البشرية من خلال امتصاص 30% من الكربون الزائد، إلى جانب دورها في توفير ما يصل إلى نصف الغذاء الذي يحتاجه العالم. وتناول بيس دور الحيتان التي تلعب دورًا حيويًا في تخصيب المحيطات وتساهم في تجديد المغذيات البحرية، مشيراً إلى أنّه تم فقد ما يصل إلى 3 ملايين حوت بسبب الصيد. كما عرض صورًا لأنواع بحرية نادرة مثل الحيتان الزرقاء وأسماك القرش، مبرزًا تأثير الصيد والتغيرات المناخية على أنماط هجرتها وسلوكها.
وتطرّق بيس إلى التهديدات التي تواجه الكائنات البحرية، مثل ارتفاع حرارة المحيطات وتأثيرها على تعشيش السلاحف البحرية، إضافةً إلى فقدان ملايين الكائنات البحرية بسبب التغيرات البيئية المفاجئة، مؤكداً أن الحفاظ على المحيطات لا يقتصر فقط على حماية الكائنات التي تعيش فيها، بل يمتد ليؤثر على حياة البشر، نظرًا لدورها المحوري في توفير الغذاء وتنقية الهواء وموازنة المناخ. وأشار في ختام كلمته إلى أهمية البحث العلمي والتقنيات الحديثة في دراسة هذه الظواهر، إلى جانب تكاتف الجهود لحماية هذه العجائب الطبيعية للأجيال القادمة.
حضر افتتاح القمة البيئية في دورتها الثالثة بجانب سمو نائب حاكم الشارقة كل من الشيخ الدكتور عبد العزيز بن علي النعيمي المستشار البيئي لحكومة عجمان، ومعالي الدكتورة آمنة بنت عبدالله الضحاك وزيرة التغير المناخي والبيئة، وسالم علي المهيري رئيس المجلس البلدي لمدينة الشارقة، وطارق سعيد علاي مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وحسن يعقوب المنصوري أمين عام مجلس الشارقة للإعلام، وعدد من المسؤولين في المجال البيئي، وجمع غفير من الفنانين والمصورين المشاركين في المهرجان من الناشطين في مجال حماية البيئة، والإعلاميين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الملكة رانيا تخطف الأنظار في نيويورك بإطلالة من برادا
الملكة رانيا تخطف الأنظار في نيويورك بإطلالة من برادا

البوابة

time٠١-٠٥-٢٠٢٥

  • البوابة

الملكة رانيا تخطف الأنظار في نيويورك بإطلالة من برادا

تألقت الملكة رانيا العبدالله خلال لقائها نائبة الأمين العام للأمم المتحدة على هامش اجتماع مؤسسة الأمم المتحدة في نيويورك، واختارت الملكة إطلالة معاصرة راقية بصيحة الكاب الرائجة من علامة برادا ونسقته معه فيست من ذات العلامة. تفاصيل إطلالة الملكة رانيا في نيويورك ارتدت الملكة رانيا طقم باللون الكحلي ذات تصميم عصري من علامة برارا ونسقت معه قميص بصيحة الكاب من قماش الشيفون المطبع برسمة الورود البيضاء، أما الحذاء الذي اعتمدته الملكة رانيا من AQUAZZURA Bellezza، جاء بتصميم أنثوي يتميز بكعب رفيع عالي، وجلد لامع بتدرج اللون البني مطابق للقميص، وحملت حقيبة من نفس لون الحذاء مما زاد من أناقتها وأنوثتها. وأضافة على الإطلالة أقراط أذن ذهبية متدلية وعليها حبة من اللؤلؤ مقدمة من TIIGAN Fine Jewelry، ومن الناحية الجمالية، اعتمدت رانيا العبدلله على تسريحة شعر فرد منسدلة على كتفيها، والتي أبرزت ملامحها بكل وضوح، ولجأت إلى لمسات من المكياج البرونزي المتوهج، ووضعت أحمر شفاه ناعم.

رغم الأجنحة التي حلّقت بي... لم أغادر الأردن أبدًا
رغم الأجنحة التي حلّقت بي... لم أغادر الأردن أبدًا

جو 24

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • جو 24

رغم الأجنحة التي حلّقت بي... لم أغادر الأردن أبدًا

الكابتن اسامة شقمان جو 24 : أكثر من أربعة عقود وأنا أُحلّق بين الغيوم، طيارٌ عابرٌ للحدود والقارات، زرت خلالها أكثر من 75 مدينة تمتد من نيويورك الشاهقة بناطحاتها، إلى روما العتيقة بأزقتها المتعبة من التاريخ، ومن طوكيو التي تتلألأ أضواؤها كأنها تهمس بالحداثة، إلى كيب تاون التي ينام البحر عند قدميها كطفل وديع. رأيت مدنًا تنبض بالنظام، تغتسل بالكهرباء، وتغفو على ألحان التكنولوجيا. رأيت كيف روّض الإنسان الطبيعة، وكيف صنع من الحديد والبرمجيات عالماً يبدو كالحلم. فكنت كل مرة أهمس لنفسي: لعل هذا هو الكمال الذي نظن أننا نريده. لكنني كنت في كل مرة أعود، أعود إلى عمان. إلى شوارعها المزدحمة، إلى طوابير الانتظار في الدوائر الحكومية، إلى انقطاع المياه، إلى الكهرباء التي تتدلّى بخجل من أعمدة الزمن، إلى نقص المستشفيات وضعف التعليم وغلاء المعيشة. إلى وطنٍ يبدو – من الخارج – وكأنه تائه بين صفحات كتاب التنمية، يبحث عن سطرٍ يليق به. ومع ذلك، كنت أعود. لا من باب الواجب، بل من باب الحبّ، والدهشة، والانتماء الذي لا تفسّره الجغرافيا. قد يقول قائل: "أنت طيار! رأيت العالم بأسره! كيف تقبل أن تعيش في بلد يُرهقك في أبسط خدماته؟" وأجيبهم: "رأيت كل شيء، ولم أرَ الأردن في أي شيء." في كل مطار هبطت فيه، كنت أبحث عن شيء لا أراه. شيء لا يُباع في متاجر باريس، ولا يُزرع في حدائق سنغافورة. شيء لا يُبرمج في وادي السيليكون ولا يُؤرشف في أرشيفات أوروبا. إنه الوطن، لا بوصفه قطعة أرض، بل بوصفه إحساسًا مُرًّا كالقهوة، عذبًا كالدفء الذي يسري في صدرك حين تسمع صوت أمّك تقول: "نيالك رجعت". في كل مرة أنظر فيها من نافذة الطائرة إلى مدن العالم التي تنام على نظمٍ محكمة، أُصاب بشيء من الحسد... ثم أضحك. لأنني أعلم أن ما نملكه نحن لا يُقلَّد. كيف تقلّد "المحبة العشوائية"؟ كيف تزرع "الدفء البسيط" في أرصفة باريس؟ كيف تعلّم الشعوب أن تحبّ بلدها رغم كل شيء؟ رغم الفساد؟ رغم التعب؟ نعم، نعاني. بل نحن في عنق زجاجة لا نكاد نخرج منها. ولكننا - لسبب لا تشرحه الكتب - نبتسم، ونصبر، ونكتب القصائد في حبّ وطنٍ لا يبادلنا ذات الخدمات التي نُؤديها له كل يوم. نحن لا نحبّ الأردن لأنه كامل، بل نحبه لأنه ناقص، ونحن نكمله. ورغم كل ما ذُكر، فإن هناك مَن يحاول، بصمت، أن يرفع رأس هذا البلد بين الأمم. ففي مؤشر التنمية البشرية لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة، جاء الأردن في المرتبة 102 من أصل 191 دولة، بتصنيف "تنمية بشرية عالية" وقيمة بلغت 0.720، وهي مرتبة تشير إلى توازن بين الطموح والإمكانات. وفي تقرير أوكسفام لعام 2024، تقدّم الأردن إلى المرتبة 43 عالميًا في مؤشر الالتزام بالحد من عدم المساواة، متصدرًا الدول العربية بفضل تحسينات في هيكل الضرائب وحقوق العمل. أما في مؤشر الفساد العالمي لعام 2024، فقد حصل الأردن على 49 نقطة من أصل 100 واحتل المرتبة 59 عالميًا من بين 180 دولة، مسجلًا تحسنًا ملموسًا مقارنة بالسنوات الماضية. وفيما يخص الحرية الاقتصادية، جاء الأردن في المرتبة 93عالميًا في مؤشر عام 2023، والمرتبة الخامسة إقليميًا من بين 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي مرتبة تؤشر إلى أفق مفتوح بانتظار من يزرعه. وفي مؤشر عدم التوازن في التنمية الاقتصادية، انخفضت القيمة إلى 4.1 في عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007، بما يعني بداية توجه أكثر عدالة في توزيع التنمية. في الفلسفة يقولون: "الانتماء ليس اختيارًا، بل شعورٌ يتجذر بك دون إذن منك." وأنا أقول: "قد تنتمي لكل أرض تهبط فيها، لكنك لا تنتمي بحق إلا لأرضٍ حين تهبط فيها، تشعر بأنك عدت إلى نفسك." لقد حلقّت فوق السحاب، لكنني لم أهرب. رأيت الأرض من أعلى، لكنني لم أتخلّ عنها. لأن الوطن ليس مكانًا تعيش فيه، بل مكانٌ تعود إليه كلما عشتَ في غيره. أربعون عامًا وأنا أرى العالم يركض، فيما نحن نمشي بتثاقل. ومع ذلك، لم أندم يومًا أنني أردني. بل كلما سألني أحدهم في باريس أو مونتريال أو كيب تاون: "من أين أنت؟" كنت أرفع رأسي وأقول: "من بلدٍ صغير، لكن قلبه كبير... من الأردن." كابتن اسامه شقمان . تابعو الأردن 24 على

رغم الأجنحة التي حلّقت بي .. لم أغادر الأردن أبدًا
رغم الأجنحة التي حلّقت بي .. لم أغادر الأردن أبدًا

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

رغم الأجنحة التي حلّقت بي .. لم أغادر الأردن أبدًا

أكثر من أربعة عقود وأنا أُحلّق بين الغيوم، طيارٌ عابرٌ للحدود والقارات، زرت خلالها أكثر من 75 مدينة تمتد من نيويورك الشاهقة بناطحاتها، إلى روما العتيقة بأزقتها المتعبة من التاريخ، ومن طوكيو التي تتلألأ أضواؤها كأنها تهمس بالحداثة، إلى كيب تاون التي ينام البحر عند قدميها كطفل وديع. رأيت مدنًا تنبض بالنظام، تغتسل بالكهرباء، وتغفو على ألحان التكنولوجيا. رأيت كيف روّض الإنسان الطبيعة، وكيف صنع من الحديد والبرمجيات عالماً يبدو كالحلم. فكنت كل مرة أهمس لنفسي: لعل هذا هو الكمال الذي نظن أننا نريده. لكنني كنت في كل مرة أعود، أعود إلى عمان. إلى شوارعها المزدحمة، إلى طوابير الانتظار في الدوائر الحكومية، إلى انقطاع المياه، إلى الكهرباء التي تتدلّى بخجل من أعمدة الزمن، إلى نقص المستشفيات وضعف التعليم وغلاء المعيشة. إلى وطنٍ يبدو – من الخارج – وكأنه تائه بين صفحات كتاب التنمية، يبحث عن سطرٍ يليق به. ومع ذلك، كنت أعود. لا من باب الواجب، بل من باب الحبّ، والدهشة، والانتماء الذي لا تفسّره الجغرافيا. قد يقول قائل: "أنت طيار! رأيت العالم بأسره! كيف تقبل أن تعيش في بلد يُرهقك في أبسط خدماته؟" وأجيبهم: "رأيت كل شيء، ولم أرَ الأردن في أي شيء." في كل مطار هبطت فيه، كنت أبحث عن شيء لا أراه. شيء لا يُباع في متاجر باريس، ولا يُزرع في حدائق سنغافورة. شيء لا يُبرمج في وادي السيليكون ولا يُؤرشف في أرشيفات أوروبا. إنه الوطن، لا بوصفه قطعة أرض، بل بوصفه إحساسًا مُرًّا كالقهوة، عذبًا كالدفء الذي يسري في صدرك حين تسمع صوت أمّك تقول: "نيالك رجعت". في كل مرة أنظر فيها من نافذة الطائرة إلى مدن العالم التي تنام على نظمٍ محكمة، أُصاب بشيء من الحسد... ثم أضحك. لأنني أعلم أن ما نملكه نحن لا يُقلَّد. كيف تقلّد "المحبة العشوائية"؟ كيف تزرع "الدفء البسيط" في أرصفة باريس؟ كيف تعلّم الشعوب أن تحبّ بلدها رغم كل شيء؟ رغم الفساد؟ رغم التعب؟ نعم، نعاني. بل نحن في عنق زجاجة لا نكاد نخرج منها. ولكننا - لسبب لا تشرحه الكتب - نبتسم، ونصبر، ونكتب القصائد في حبّ وطنٍ لا يبادلنا ذات الخدمات التي نُؤديها له كل يوم. نحن لا نحبّ الأردن لأنه كامل، بل نحبه لأنه ناقص، ونحن نكمله. ورغم كل ما ذُكر، فإن هناك مَن يحاول، بصمت، أن يرفع رأس هذا البلد بين الأمم. ففي مؤشر التنمية البشرية لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة، جاء الأردن في المرتبة 102 من أصل 191 دولة، بتصنيف "تنمية بشرية عالية" وقيمة بلغت 0.720، وهي مرتبة تشير إلى توازن بين الطموح والإمكانات. وفي تقرير أوكسفام لعام 2024، تقدّم الأردن إلى المرتبة 43 عالميًا في مؤشر الالتزام بالحد من عدم المساواة، متصدرًا الدول العربية بفضل تحسينات في هيكل الضرائب وحقوق العمل. أما في مؤشر الفساد العالمي لعام 2024، فقد حصل الأردن على 49 نقطة من أصل 100 واحتل المرتبة 59 عالميًا من بين 180 دولة، مسجلًا تحسنًا ملموسًا مقارنة بالسنوات الماضية. وفيما يخص الحرية الاقتصادية، جاء الأردن في المرتبة 93 عالميًا في مؤشر عام 2023، والمرتبة الخامسة إقليميًا من بين 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي مرتبة تؤشر إلى أفق مفتوح بانتظار من يزرعه. وفي مؤشر عدم التوازن في التنمية الاقتصادية، انخفضت القيمة إلى 4.1 في عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007، بما يعني بداية توجه أكثر عدالة في توزيع التنمية. في الفلسفة يقولون: "الانتماء ليس اختيارًا، بل شعورٌ يتجذر بك دون إذن منك." وأنا أقول: "قد تنتمي لكل أرض تهبط فيها، لكنك لا تنتمي بحق إلا لأرضٍ حين تهبط فيها، تشعر بأنك عدت إلى نفسك." لقد حلقّت فوق السحاب، لكنني لم أهرب. رأيت الأرض من أعلى، لكنني لم أتخلّ عنها. لأن الوطن ليس مكانًا تعيش فيه، بل مكانٌ تعود إليه كلما عشتَ في غيره. أربعون عامًا وأنا أرى العالم يركض، فيما نحن نمشي بتثاقل. ومع ذلك، لم أندم يومًا أنني أردني. بل كلما سألني أحدهم في باريس أو مونتريال أو كيب تاون: "من أين أنت؟" كنت أرفع رأسي وأقول: "من بلدٍ صغير، لكن قلبه كبير... من الأردن."

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store