
«حرب العطش»... معركة موازية يخوضها الغزيون بلا أسلحة
يواجه قطاع غزة شحاً شديداً في توفر المياه بعد تشديد إسرائيل للحصار بإغلاقها المعابر ومنع تدفق الوقود، فضلاً عن قطعها خطي مياه مركزيين في مطلع يناير (كانون الأول) الماضي، وذلك قبل أسبوعين تقريباً من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 من نفس الشهر.
ويقول محمد العريني (57 عاماً) من سكان مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 6 أيام لم تصلنا أي إمدادات مياه، سواء عبر البلدية أو الآبار التي حفرت في المناطق، ولم يتوفر وقود لتشغيلها عبر مولدات الكهرباء».
وكان القطاع يعاني أصلاً من أزمة مياه جراء الحصار الإسرائيلي قبل الحرب، إذ قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2019 أن واحداً فقط من بين كل 10 أشخاص لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة، الذي كان يُقدر تعداده حينها 1.8 مليون شخص، بينما تجاوز الآن مليوني شخص.
ويضيف العريني: «نحارب الجوع من جهة، والقتل من جهة أخرى، والآن قطعوا عنا المياه، ومش ضايل (ولم يبق) يقطعوا عنا إلا الهواء». موضحاً أنه «إمدادات مياه السلطة البلدية كانت تصل مرتين أسبوعياً أحياناً، وفي بعض الأيام تتم الاستعانة بآبار المياه الأهلية، التي يتم تشغيلها بمولدات الكهرباء، غير أنه مع نفاد الوقود وارتفاع الأسعار، لم يعد المواطنوان قادرين على جمع المال لتشغيلها».
أشارت اليونيسف، في بيان، السبت الماضي، إلى أن «معدل الحصول على مياه الشرب لمليون شخص في غزة، بمن فيهم 400 ألف طفل، انخفض من 16 لتراً للشخص الواحد يومياً إلى 6 لترات فقط». محذرة من أنه «إذا نفد الوقود في الأسابيع المقبلة، فقد ينخفض المعدل إلى أقل من 4 لترات، ما يجبر العائلات على استخدام مياه غير آمنة ويزيد من خطر تفشي الأمراض، وخاصة بين الأطفال».
فلسطيني يملأ يوم الأحد زجاجات بالوقود المستخرج من البلاستيك المعاد تدويره في مصنع مؤقت في جباليا شمال غزة (أ.ف.ب)
وتُقدر الأمم المتحدة أن من حق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي (ما بين 50 و100 لتر لكل فرد يومياً).
وتحدث تامر النحال (61 عاماً) الذي يمتلك بئر مياه كان يغذي به أكثر من 50 منزلاً من جيرانه في منطقته بمخيم الشاطئ عن أنه لم يعد قادراً على توفير أي وقود لتشغيل البئر الذي يحتاج في كل مرة ما لا يقل عن 10 لترات من الوقود، مشيراً إلى أن «كل لتر كان يكلف نحو 20 شيقلاً (نحو 6 دولارات)، بينما أصبح سعر اللتر منذ أيام نحو 70 شيقلاً (نحو 19 دولاراً)».
وأشار إلى أن بعض المؤسسات والجهات المحلية في بعض الأحيان كانت تقدم بعض كميات الوقود لصالح تشغيل هذه المولدات إلا أنها توقفت بفعل الغلاء الذي طال الأسعار.
ويضيف النحال: «إحنا كمواطنين ما فيه عنا إمكانات لنشتري الوقود دائماً، ولا أحد مهتم بظروفنا... الوضع كله مأساوي ويزداد سوءاً».
وتضطر عائلات غزاوية لحمل المياه في غالونات لمسافات بعيدة تصل إلى 500 متر أحياناً بهدف الحصول على مياه صالحة للاستخدام الآدمي.
ويقول الشاب عز الدين أبو حمام (24 عاماً) وهو من سكان منطقة الميناء، غرب مدينة غزة، إنه يضطر يومياً للاصطفاف في طابور طويل لأكثر من ساعة، من أجل أن يحصل على نحو 50 لتراً من المياه الصالحة للشرب، وينقلها إلى شقة سكنية تقطن بها عائلته المكونة من 13 فرداً، موجودة على الطابق الرابع في بناية سكنية.
أطفال فلسطينيون في طريقهم للحصول على مساعدات غذائية يوم الأحد في خان يونس بغزة (رويترز)
ويشير أبو حمام إلى المشقة في الوقوف بالطابور من أجل كمية بسيطة، إلى جانب حملها إلى طابق علوي لتوصيلها إلى عائلته التي تضم 7 فتيات. وبيّن أنه «عندما كانت تصل إمدادات المياه من البلدية كانت تخفف عنهم قليلاً رغم أن المياه التي كانت تصل ملوحتها عالية جداً تضاهي ملوحة مياه البحر».
وقال: «نحن شباب قد نتحمل المشقة والمعاناة، لكن ما ذنب بعض الأطفال والنساء أن يتحملوا مثل هذه المعاناة، وهم يصطفون طوابير، ويحاولون نقل المياه لمنازلهم».
وبحسب بيان لوزارة الصحة في قطاع غزة، أمس، فإن تعطل خطوط المياه يزيد من المخاطر الصحية والبيئية وتفشي الإسهال والأمراض الجلدية، مشيرةً إلى أنه تم تسجيل 52 حالة وفاة بين الأطفال بسبب هذه الظروف، ومنها سوء التغذية..
يقول عاصم النبيه، المتحدث باسم بلدية غزة، إن المدينة كما باقي مدن القطاع تعيش في أزمة عطش كبيرة بسبب عودة العمليات الإسرائيلية والتوغل في بعض المناطق، مشيرةً إلى أن الاحتلال أوقف خط مياه «ميكروت» الذي كان يغذي نحو 70 بالمائة من الاحتياجات المائية للمدينة.
وبيّن النبيه، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذا الخط الذي يصل من إسرائيل إلى قطاع غزة، توقف عن العمل يوم الخميس الماضي، الأمر الذي أدّى إلى وقف إمدادات المياه بعد أن فقدت بلدية المدينة، وبلديات المدن الأخرى في القطاع، معظم الآبار الجوفية التي كانت تستخدم لتزويد السكان بالمياه باستخدام الوقود.
طفل فلسطيني ينتظر الحصول على مساعدات غذائية يوم الأحد في خان يونس جنوب غزة (رويترز)
ولفت إلى أن بعض المصادر الأخرى للمياه «تم تدميرها من خلال القصف الجوي أو بفعل العمليات البرية، كما جرى سابقاً تدمير جميع آبار حي الزيتون، جنوب مدينة غزة، بهدف تعميق الأزمات الحالية التي يعيشها السكان»
النبيه أكد كذلك أن «تشديد الحصار الإسرائيلي على غزة يحرم جميع بلديات القطاع من توفير الوقود اللازم لتشغيل ما تبقى من آبار أو مصادر مياه أخرى». مشيراً إلى أن «طواقم البلديات عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات التي من المفترض أن تقدمها للسكان، وذلك في ظل تدمير الاحتلال لأكثر من 75 بالمائة من إمكانات بلدية غزة وبلديات مدن أخرى بالقطاع».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 12 ساعات
- حضرموت نت
تدشين العمل في مشروع بناء مركز التغذية في عتق بشبوة
دشن أمين عام المجلس المحلي بمحافظة شبوة عبدربه هشلة ناصر اليوم ومعه مدير عام مكتب الصحة والسكان بالمحافظة الدكتور علي الذيب العمل في مشروع بناء مركز التغذية الصحية في عتق مركز المحافظة والذي سيتم تمويله من قبل الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني بتكلفة تبلغ ثمانمائة ألف دولار وسينفذه مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع . وقد عبر أمين عام محلي المحافظة ومدير مكتب الصحة والسكان بالمحافظة عن شكرهما وتقديرهما للحكومة الألمانية على تبنيها لهذا المشروع الهام الذي سيساهم في تحسين وتطوير مستوى الخدمات الصحية المقدمة لأمراض سوء التغذية بين الأطفال بالمحافظة ، مؤكدان على ضرورة الاسراع في تنفيذ المشروع خلال الفترة المحددة لذلك والمقدرة بتسعة أشهر والالتزام بالمواصفات والمقاييس الفنية الخاصة بذلك . شارك في عملية التدشين عدد من القيادات والكوادر الصحية بالمحافظة .


حضرموت نت
منذ 13 ساعات
- حضرموت نت
تدشين العمل في مشروع مركز التغذية في عتق
شبوة – سبأنت دشن أمين عام المجلس المحلي بمحافظة شبوة عبدربه هشلة، اليوم، معه مدير مكتب الصحة والسكان الدكتور علي الذيب، العمل في مشروع بناء مركز التغذية الصحية في عتق، بتمويل الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني بتكلفة 800 الف دولار، وسينفذه مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع. وثمن هشلة الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة الألمانية، وتبنيها هذا المشروع الذي سيساهم في تحسين وتطوير مستوى الخدمات الصحية المقدمة لأمراض سوء التغذية بين الأطفال..مؤكدا ضرورة الاسراع في تنفيذ المشروع خلال الفترة المحددة، وفق المواصفات والمقاييس الفنية الخاصة بذلك.


الوئام
منذ 17 ساعات
- الوئام
الأطعمة المعالجة.. خطر خفي يُهدد الدماغ
كشفت أبحاث علمية حديثة عن علاقة مقلقة بين الاستهلاك المفرط للأطعمة المعالجة وزيادة خطر الإصابة باضطرابات عصبية ونفسية خطيرة، مثل الخرف والتوحد. وتُرجع هذه الدراسات السبب الرئيسي إلى تلوث هذه الأطعمة بجزيئات البلاستيك الدقيقة، التي تتسلل إلى الجسم وتُحدث أضرارًا جسيمة. وأوضح باحثون في جامعة 'بوند' الأسترالية، في مراجعة علمية شاملة، أن الأطعمة المصنّعة مثل رقائق البطاطا 'الشيبس'، وألواح البروتين، والوجبات المغلفة بالبلاستيك، تحتوي على تركيزات عالية من البلاستيك الدقيق. هذه الجزيئات الخطيرة لا تكتفي بالتواجد في الجهاز الهضمي، بل يمكنها عبور الحاجز الدموي الدماغي، وهو ما يُعد إنجازًا مُقلقًا لهذه المواد. بمجرد وصولها إلى الدماغ، تسبب هذه الجزيئات التهابات، وإجهادًا تأكسديًا، واضطرابًا في أنظمة الناقلات العصبية، مما يؤثر سلبًا على وظائف الدماغ. الدكتور نيكولاس فابيانوا من جامعة أوتاوا حذر من أن تراكم هذه الجزيئات يُساهم في تلف الجهاز العصبي المركزي، ويُؤثر على الصحة النفسية، وقد يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم. وما يزيد القلق هو رصد تراكم أعلى للبلاستيك الدقيق في أدمغة مرضى الخرف مقارنة بالأشخاص الأصحاء، مما يُشير إلى ارتباط محتمل بينهما. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمراجعة العلمية أضافت أن جزيئات البلاستيك الدقيق تُؤثر أيضًا على محور الأمعاء – الدماغ عن طريق الإضرار بميكروبيوم الأمعاء، وهو عامل يرتبط بشكل متزايد باضطرابات طيف التوحد. لمواجهة هذا التهديد المتزايد، اقترح العلماء تطوير مؤشر جديد يُعرف بـ 'مؤشر البلاستيك الدقيق الغذائي ''DMI، والذي سيساعد في قياس مستوى التعرض لهذه الجزيئات من خلال الأطعمة، كما طرح الدكتور ستيفان بورنشتاين فكرة استخدام تقنية 'الأفرسيس' -وهي عملية فصل مكونات الدم- كوسيلة محتملة لإزالة البلاستيك الدقيق من الجسم. وعلى الرغم من أن العلاقة المباشرة بين هذه الجزيئات والتوحد لا تزال قيد البحث المكثف، فإن الأدلة المتراكمة تُعزز المخاوف بشأن التأثيرات الصحية المحتملة للأطعمة المعالجة بشكل مفرط، وتُشدد على ضرورة تقليل استهلاكها قدر الإمكان للحفاظ على صحة الدماغ والجهاز العصب