
وزير الداخلية الفرنسي يؤكد أن خصومته مع الجزائر شخصية
تجاوب وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، مع دعوة لحضور إفطار بالمسجد الكبير بباريس، وجهها إليه شمس الدين حفيز، عميد المسجد، فيما تغيّب وزير الداخلية، برونو روتايو، عن الموعد، في موقف يؤكد أن الرجل يحمل ضغينة عنصرية تجاه الجزائر، تتجاوز الخلافات السياسية الدبلوماسية التي تعصف بالعلاقات الثنائية.
ويعتبر وزير الداخلية في فرنسا هو وزير الأديان، وهو الذي يشرف على تنظيم هذا القطاع، وهو المنفذ الذي اعتادت الحكومة الفرنسية من خلاله التدخل في تسيير الدين الإسلامي، ما يعني أن الوزير الذي كان عليه تلبية دعوة مسجد باريس، هو وزير الداخلية، برونو روتايو، وليس وزير الخارجية، وإن كان الأمر من باب المجاملة.
ويكشف هذا الموقف من روتايو أن لديه خصومة مع الجزائر تحركها الخلفيات الإيديولوجية التي يعتقدها الرجل، المحسوب على اليمين المسيحي المحافظ، والذي يؤمن بصراع الحضارات الذي يمتد جذوره إلى الحروب الصليبية، التي كان دافعها الرئيس هو محاربة المسلمين، كما هو معروف.
وفي خضم تبريره لهذا الغياب، قال المرشح لسباق رئاسة حزب 'الجمهوريون'، إن عدم تلبيته عميد مسجد باريس، نابع من قناعة لديه مفادها أنه 'لا يشارك إلا في المناسبات الدينية الرسمية'، في حين أن 'الإفطار ليست فعالية رسمية'، على حد ما قاله في الحوار الذي خص باه القناة الإذاعية الفرنسية 'سيد راديو'، صبيحة الأربعاء 19 مارس الجاري.
وتفاديا لتأويلات قد تترتب عن عدم تلبيته دعوة عميد مسجد باريس، دافع روتايو عما اسماه 'النموذج الجمهوري للدولة الفرنسية الذي هو اللائكية'، لكنه استدرك ليقول بأن تعلقه بهذا النموذج لم يمنعه قبل أسابيع من استقبال أعضاء 'FORIF' وهي هيئة تنظيم الديانة الإسلامية في فرنسا، تم استحداثها بعد حل ما كان يسمى 'المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية' قبل أزيد من سنتين من الآن.
أما وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، فقد لبّى دعوة الإفطار، ومن منبر مسجد باريس الكبير، عبر عن 'تمسك بلاده بالعلاقات الجزائرية الفرنسية'، متناغما مع تصريح عميد المسجد، شمس الدين حفيز، الذي دعا إلى تبني أسلوب التهدئة في الأزمة المتفاقمة بين الجزائر وباريس.
وقال جون نويل بارو إن 'فرنسا متمسّكة بعلاقتها مع الجزائر التي تربطنا بها علاقات معقدة لا مثيل لقوتها تعززها المصالح المشتركة'، مشيرا إلى أن 'التوترات الحالية التي لم نتسّبب بها والتي شهدت تطوّرا إشكاليا جديدا لا يصبّ في مصلحة أحد، لا فرنسا ولا الجزائر'، في إشارة إلى التصعيد الذي برز بحر الأسبوع الجاري، برفض الجزائر القائمة المستفزة التي سلمها وزير الداخلية الفرنسية، للقائم بأعمال سفارة الجزائر بباريس.
وفي السياق ذاته، تحدث السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافيي دريانكور، عن فشل حكومة بلاده في إدارة الأزمة مع الجزائر، وانتقد دريانكور في تدخل هاتفي في برنامج للإذاعة 'سود راديو'، بعض التصرفات الصادرة عن السلطات الفرنسية، وفي مقدمتها زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية ذات الأصول المغربية، رشيدة داتي، إلى الأراضي الصحراوية المحتلة، وهي الزيارة التي قال إنها تزيد من صب الزيت على النار، وتدفع السلطات الجزائرية إلى التصرف بتشدد أكثر، بالنظر إلى حساسية الملف الصحراوي.
واعترف الدبلوماسي بأن الجزائر تحكمت في زمام المبادرة على مدار الأشهر الماضية من الأزمة مع فرنسا، لأن الرد الفرنسي لم يأت إلا بعد أربعة أشهر من انفجار الأزمة، وبالضبط في النصف الثاني من شهر نوفمبر المنصرم، بعد إقدام السلطات الجزائرية على سجن الكاتب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، بوعلام صنصال، الموجود قيد السجن على ذمة تهم خطيرة تتعلق بالجوسسة واستهداف الوحدة الترابية للبلاد.
وتبقى تصريحات المسؤولين الفرنسيين الداعية إلى التهدئة، غير مسنودة بالأفعال، فبعد يوم واحد فقط من تأكيد وزير الخارجية الفرنسية على أهمية العلاقات الثنائية، رفضت العدالة الفرنسية تسليم أحد أكبر المطلوبين للعدالة الجزائرية، وهو الوزير الأسبق للصناعة، عبد السلام بوشوارب المتورط في الكثير من قضايا الفساد خلال تقلده حقيبة وزارة الصناعة، حيث أقيم في عهده مصنع 'رونو' في الجزائر، بشروط مخزية وبنسبة اندماج لا ترقى إلى أدنى النسب في مختلف البلدان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الخبر
روتايو يطرق أبواب مسجد باريس بعد فوات الأوان
في أجواء ممزوجة بالحزن والغضب، ألقت الجالية المسلمة في فرنسا، أمس الإثنين، النظرة الأخيرة على جثمان الشاب المالي أبوبكر سيسي، الذي لقي حتفه غدرا داخل مسجد "خديجة"، ببلدة لاغراند كومب، جنوب شرقي فرنسا، أثناء أدائه الصلاة يوم 25 أفريل الماضي، في جريمة وحشية هزّت الرأي العام الفرنسي والعالمي. وقد ألقى عميد مسجد باريس الكبير، الدكتور شمس الدين حفيز، كلمة مؤثرة أمام الحشود التي امتلأت بها قاعة المسجد، قال فيها: "نجتمع لنحيط للمرة الأخيرة بجثمان أخينا أبوبكر سيسي، ذلك الشاب المؤمن، ابن مالي، الذي استقبلته فرنسا، وأحبته جاليته، قبل أن يقتل غدرا وهو ساجد لربه، في أسمى لحظة من لحظات العبادة والخضوع". وأكد الأستاذ حفيز، في كلمته، أن الجريمة التي أودت بحياة الشاب، البالغ من العمر 22 عاما، "لم تكن حادثة معزولة"، بل وصفها بـ"جريمة كراهية مروعة"، مشيرا إلى أنها "عمل إسلاموفوبي وإرهابي يجب تسميته كما هو، دون تردد". وحضر هذا الموعد ممثلون عن مختلف الديانات والطوائف، من بينهم الحاخام الأكبر موشيه ليفين، وممثلون عن الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، والبوذية، إضافة إلى شخصيات سياسية ودبلوماسية، بينهم أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي، وممثلون عن بلدية باريس، وسفارة مالي. وقال عميد مسجد باريس، موجها حديثه إلى الدولة الفرنسية: "المسلمون في فرنسا ينتظرون ما هو أكثر من الكلمات. نطالب بالمساواة، بالعدالة، لا أكثر ولا أقل". كما عبّر عن أسفه لما وصفه بـ"الغيابات المؤلمة"، ملمحا إلى تأخر بعض مؤسسات الدولة الفرنسية في إبداء التضامن المناسب، قائلا: "عندما يتأخر البرلمان ومجلس الشيوخ في الوقوف دقيقة صمت، فإنهم لا ينسون رجلا فحسب، بل ينسون ملايين المسلمين". وطرح الدكتور حفيز تساؤلا لاذعا أمام الحاضرين: "إذا ما استُبدلت كلمة الإسلام بأي ديانة أخرى، هل كانت ستكون ردة الفعل على الجريمة نفسها؟"، داعيا إلى "فتح العيون على حقيقة مناخ الإسلاموفوبيا الذي يتفاقم في فرنسا"، على حد تعبيره. في سياق متصل، استقبل عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، أمس، وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، في المسجد، في زيارة تعد الأولى من نوعها للوزير روتايو، الذي ساهم، خلال الأشهر الأخيرة، في نشر الكراهية ضد المسلمين في فرنسا، والجزائريين بشكل خاص، ودفع بالعلاقات الفرنسية - الجزائرية إلى القطيعة. رغم زيارة روتايو المتأخرة لمسجد باريس، إلا أن تلك الخطوة لا تكفي لمحو سجله المثقل بالخطابات التحريضية ضد المسلمين والجزائريين. فهي، في أحسن الأحوال، محاولة متأخرة لإصلاح ما أفسدته مواقفه السابقة. وإذا كانت الزيارة تعكس تحولا في موقف الدولة الفرنسية بعد صدمة الاعتداء الإرهابي، فإن بناء الثقة مع الجالية المسلمة يتطلب أكثر من مجرد زيارات رمزية، بل مراجعة جادة للخطاب السياسي والسلوك المؤسساتي تجاهها. تجدر الإشارة إلى أن الوزير روتايو رفض، شهر مارس الماضي، دعوة وجهها له عميد مسجد باريس لحضور مأدبة إفطار رمضانية، مبررا ذلك بأن الإفطار "ليس مناسبة رسمية"، وأنه يشارك فقط في الفعاليات الدينية الرسمية. هذا الموقف أثار انتقادات، خاصة وأن وزير الداخلية يُعد المسؤول المباشر عن شؤون الأديان في فرنسا، وكان من المتوقع أن يلبي مثل هذه الدعوة، بينما حضر وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، الإفطار في المسجد الكبير، وأكد خلال كلمته على تمسك فرنسا بعلاقاتها مع الجزائر، داعيا إلى التهدئة في ظل التوترات الدبلوماسية القائمة بين البلدين.


الشروق
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الشروق
هذه أسباب الأزمة بين الجزائر وفرنسا وأثق في الرئيسين
سفير باريس لم يعد إلى منصبه بعد استدعائه من الإليزيه للتشاور قضية بوعلام صنصال مسألة قضائية محضة وليست سياسية يتحدث عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، في هذا الحوار مع 'الشروق' بمكتبه في مقر أكبر مؤسسة إسلامية في فرنسا، عن العلاقات المتوترة بين البلدين، وسبل عودتها إلى مسارها الطبيعي. شمس الدين حفيز، أكد أيضا، أن سفير باريس في الجزائر لم يعد إلى منصبه بعد أن تم استدعاؤه للتشاور، موضّحا أن قضية بوعلام صنصال قضائية محضة، داعيا السلطات الجزائرية إلى تعيين محام للدفاع عن الموظف القنصلي في فرنسا. وتطرق العميد إلى العلاقة مع وزير الداخلية برينو روتايو، وملف الأئمة المنتدبين ومقرئي التراويح وملفات شهادات الحلال وأمور أخرى. تمر العلاقات الجزائرية – الفرنسية بمرحلة توتر غير مسبوقة، كيف تقرؤون أسباب هذا التدهور من موقعكم كممثل لمؤسسة دينية جزائرية في قلب باريس؟ أولا، أعتقد أن هناك الكثير من سوء الفهم بين البلدين، كما أعتبر -وهذه وجهة نظر شخصية- أن العلاقة الاستعمارية بين الجزائر وفرنسا لم تنقطع بعد، فآثارها باقية إلى يومنا هذا، وخاصة في بقاء بعض مكونات المجتمع الفرنسي تعيش على ذلك الماضي. والدليل أنه يمكن ملاحظة أن اليمين المتطرف الفرنسي بادر بمهاجمة الجزائر بطريقة عنيفة ووصفها بـ'النظام' والديكتاتورية و'الدولة المارقة' من طرف البعض، وتوصيفات لا تشرّف إطلاقا. ليس سرا أن تعرف بأن اليمين المتطرف جنّد كل الإمكانات لإذكاء الحقد والغل ضد الدولة الجزائرية والجزائر كبلد، لكن خصوصا ضد الجالية الجزائرية في فرنسا، وكأنها مصدر كل المشاكل متناسيا أن الجزائري مواطن كامل الحقوق وهو ما نسعى جاهدين لتوضيحه، وينبغي الكف عن التعامل بالتمييز كلما تعلّق الأمر بفرنسي من أصول جزائرية، فأن تكون اليوم جزائريا في فرنسا أو فرانكو-جزائري يعتبر فعلا مشكلة حقيقية. أعتقد أن الميكانيزمات التي استخدمت قد ساهمت في خلق هذا الحنين إلى حقبة الجزائر الفرنسية أو بالأحرى فرنسا التي جاءت، حسبهم، لجلب الحضارة إلى شعب جاهل غير متعلّم ولا يعرف أي شيء. أول ما يجب إدراكه هو أن هذا الحنين ليس بريئا، إنه وليد سياسات ذاكرة ممنهجة، حاولت لعقود أن ترسّخ في الذهن الفرنسي صورة حضارية لمشروع استعماري بني على القهر والعنف والتمييز العرقي. منذ نهاية حرب الجزائر، لعبت بعض الخطابات السياسية دورا محوريا في تشكيل هذه الرواية التي تقول إن فرنسا 'جاءت لتعليم شعب جاهل'. لكن مؤرخين فرنسيين كبارا مثل بنجامين ستورا، كشفوا زيف هذه الصورة. بالمناسبة، أدعو هؤلاء لقراءة كتابه 'النسيان والعطب' (La gangrène et l'oubli) ، يؤكد من خلالها ستورا أن الحنين لفرنسا الاستعمارية ما هو إلا انعكاس لعجز سياسي وأخلاقي عن مواجهة الحقيقة. أما المؤرخ بيير فيدال-ناكيه، فقد أدان ممارسات التعذيب في الجزائر، معتبرا أن فرنسا 'لم تكن تنشر الحضارة بقدر ما كانت تمارس الإرهاب المنظّم باسمها'. وعليكم فقط قراءة كتابه 'l'Affaire Audin'. سياسيا، لم يتردّد الرئيس إيمانويل ماكرون، خلال زيارته للجزائر سنة 2017، في وصف الاستعمار بأنه 'جريمة ضد الإنسانية'، مؤكدا أن فرنسا عليها الاعتراف بتاريخها لا التهرّب منه. تصريح أثار موجة من الانتقادات في الأوساط اليمينية، لكنه شكّل لحظة فارقة في كسر الخطاب النمطي عن 'الجزائر الفرنسية'. ونحن نثمّنه ونشجّع استمرار عمل لجنة التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين لرفع اللبس عن بعض القضايا التي ما زالت عالقة. باختصار، هذا الحنين ليس انعكاسا لواقع مشترك بل بناء أيديولوجي، ساهمت فيه أدوات إعلامية وسياسية عديدة. أما الحقيقة، كما يقرّ بها المؤرخون النزهاء، فهي أن الاستعمار كان نظام قمع وعنصرية، لا مشروع تنوير وتحضّر. توقفي عند هذه النقطة لا يعني أننا نبقى حبيسي الماضي الاستعماري ولا نتقدم نحو المشاركة في حاضر ومستقبل العلاقات الثنائية التي تكون فيها كل الأطراف مستفادة ومبنية على قاعدة 'رابح/ رابح'. الحقيقة أن الوضعية الحالية، إذا استمرت، ستزيد حدتها لاحقا مدفوعة بذرائع واهية ومسوغات -وفي كل مرة كانت هناك مسوغات- وبالنسبة لي، عندما يكون هناك مشكل بين دولتين مثلما هو الحال الآن بين الجزائر وفرنسا، ولكن رأينا أيضا مشاكل بين فرنسا وأستراليا في قضية الغواصات التي وقّعت بشأنها اتفاقية ثم ألغيت لاحقا، رأينا كيف تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في هذه القضية. ينبغي أن نعلم أن التوترات بين بلدين أمر عاد ومتعارف عليه في العالم، لكن لما يتعلق الأمر بنا (الجزائر وفرنسا)، يتم إذكاء التوترات في كل مرة وتزداد حدتها، إلى درجة أننا وصلنا إلى حد الهستيريا بعد توقيف بوعلام صنصال. بمناسبة توقيف صنصال، كيف تفسّرون الهستيريا التي صاحبت ذلك في الإعلام الفرنسي وبين رموز التيار اليميني المتطرف؟ أشير هنا إلى أن بوعلام صنصال هو مواطن جزائري ودخل الجزائر بجواز سفر جزائري، ودأب على دخول البلاد بصفة منتظمة لأن لديه أملاك في الجزائر وتقلّد مناصب سامية في الدولة. وهذا الأمر يمكن أن يحدث مع أي جزائري مقيم في الخارج أن يدخل إلى البلاد هكذا بجواز سفره الجزائري، لكن فجأة تخرج قضية جنسيته الفرنسية ويدفع بها إلى الواجهة، رغم أنه حصل عليها مؤخرا فقط وتحديدا خلال الصيف الماضي. وانطلاقا من هذه الوضعية، نحن أمام نظامين قضائيين متضادين، الأول من الطرف الجزائري الذي يقول بأن صنصال مواطن جزائري وارتكب تجاوزات من وجهة نظر القانون الجزائري، في المقابل، الطرف الفرنسي الذي اعتبره مواطنا فرنسيا وكاتبا وبأن سجنه مساس بحرية التعبير وإدخاله السجن وهو رجل مسن، وما صاحبها من المصطلحات التي استعملت في الإعلام الفرنسي، في حين أن توقيفه والحبس تحت النظر جرى وفق احترام القانون وجرى تمكينه من التواصل مع عائلته والجميع كان على علم بأنه جرى استجوابه من طرف مصالح الشرطة وهناك وكيل جمهورية يتابع الحجز ثم النظر ولم يتم المرور عبر إجراءات خارجة عن القانون. لكن الرسائل التي جرى التسويق لها هنا في فرنسا كانت في كل مرة تزعم أنه تم اختطافه وتم أخذه كرهينة والنظام الجزائري… إلخ من التوصيفات بمعنى أنه تم استعمال كل المصطلحات لمفاقمة علاقات البلدين. ما هو دورك كمواطن فرانكو-جزائري؟ في كل مناسبة، أذكّر مواطنينا الفرانكو- جزائريين أنه يجب علينا عدم القبول بهذه الوضعية لأننا نتعرض باستمرار لسيل من الشتائم هنا من طرف وسائل إعلام فرنسية، وتم وصفنا بأننا غير مندمجين. أذكّر أيضا بدور الفرانكو-جزائريين هنا في فرنسا ومنهم وزراء وعديد الأطباء والقضاة والمحامين والمهندسين، ناهيك عن العمال البسطاء. نحن نعلم اليوم أن المستشفيات الفرنسية يعمل بها عدد كبير من الأطباء الجزائريين سواء في الاستعجالات أو غيرها ورؤساء مصالح وفي كبريات البنوك والشركات الكبرى في البورصة 'كاك 40' والذين نجحوا بشكل مبهر. واليوم رئيسة معهد 'باستور' التي نفتخر بها هي جزائرية وحصلت على شهادتها الجامعية في الجزائر، وتحديدا من جامعة باب الزوار. ونفس الشيء ينطبق على الجزائريين في دول أخرى، على غرار كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، ولذلك، القول بأن الجزائريين في الخارج غير مندمجين أمر خطير للغاية. بالنظر للظروف غير المسبوقة التي تمر بها العلاقات الثنائية، هل نحن أمام قطيعة؟ أنا لديّ الثقة في رئيسي البلدين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، وأعتقد ذلك من منطلق صداقتهما والاهتمام الكبير الذي يكنه كل رئيس لشعبه، فماكرون مدرك جيّدا بأن فرنسا والشعب الفرنسي والدولة الفرنسية من مصلحتهم الكاملة أن تكون لديهم علاقة عادية بل وتفاضلية مع الجزائر. والرئيس عبد المجيد تبون هو أيضا مدرك للأبعاد التاريخية للعلاقات مع فرنسا، من منطلق أنه عاش نهاية الحرب التحريرية وتقلّد مناصب سيادية، فهو يعرف جيّدا العلاقات بين البلدين ويدرك أنه من مصلحة الشعب الجزائري أن تكون هناك علاقات هادئة مع فرنسا. اليوم، نحن نصل، لأول مرة، إلى هذا المستوى من التوتر في علاقات البلدين، فالسفير الجزائري غير موجود في فرنسا، وسفير فرنسا في الجزائر تم استدعاؤه للتشاور. وهل عاد السفير الفرنسي إلى منصبه؟ لا… يبدو أنه لم يعد بعد إلى منصبه في الجزائر العاصمة، ولذلك الوضعية غير مسبوقة. المهم في القضية أنني أعتقد أنه بفضل حكمة رئيسي البلدين أتمنى أن لا نصل إلى نقطة اللارجوع والوضعية التي لا يمكن إصلاحها، لأن القطيعة الدبلوماسية النهائية ستكون كارثية على الجميع وخصوصا على الجالية الجزائرية بفرنسا. بعد هدوء نسبي عقب مكالمة الرئيسين، عاد التوتر مجددا، إثر توقيف موظف قنصلي جزائري وتحجج باريس بأن القضية بين يدي القضاء الذي هو سيد وهو الوحيد المخول بالخوض في الموضوع.. ألا يكشف هذا الأمر نفاقا فرنسيا مفضوحا من منطلق أن الرئيس ماكرون وأعضاء من الحكومة طالبوا في أكثر من مرة بإطلاق سراح بوعلام صنصال رغم أن القضية بين يدي العدالة الجزائرية؟ أعتقد أول شيء يجب القيام به الآن هو تعيين محام من طرف الدولة الجزائرية يكون بإمكانه الاطلاع على الملف وفهم ما الذي يجري فعليا والخروج من السياق السياسي وهذا هو المهم، لأن هذا الموظف القنصلي في السجن حاليا وهذا أمر مفزع لأن لديه عائلة وأطفالا. علينا التوقف عن الإدلاء بتصريحات والتوقف عن اللعب في ميدان سياسي لأن ذلك لا يجدي نفعا. مرة أخرى أعتقد من غير الجيد الخوض في السياسة لما يتعلق الأمر بقضية بين أيدي القضاء، لأن قضية بوعلام صنصال، مسألة قضائية وهي بصدد المعالجة من طرف العدالة الجزائرية، ومحكمة الدار البيضاء أصدرت حكما، والنيابة العامة وصنصال كلاهما استأنف الحكم، ومجلس قضاء الجزائر سيفصل في هذا الملف وربما المحكمة العليا الجزائرية لاحقا. أنا كمحام مارست المهنة في الجزائر وفرنسا أيضا أؤمن بالمؤسسات القضائية في البلدين ولذلك يجب أن نترك العدالة تقوم بعملها والتوقف عن الإدلاء بالتصريحات والخوض في السياسة. لاحظنا أن الشحن الإعلامي في فرنسا قد هدأ نوعا ما تجاه الجزائر… هل هو وقت العمل في الخفاء؟ أتمنى فعلا أن نكون قد وصلنا إلى هذه المرحلة، لأنه وبكل صراحة من مصلحة البلدين اليوم العودة إلى وضع يمكن من خلاله تسيير وإدارة الوضعيات الأكثر تعقيدا في علاقات الطرفين، لكن بطريقة هادئة وسرية. من غير المعقول أن يتم تسيير وضعيات مماثلة في كل مرة بتأزيم الوضع والمرور عبر وسائل الإعلام. وما يثبت حسن نية الطرف الجزائري هو أنه عقب زيارة جون مانويل بارو إلى الجزائر ولقائه بالرئيس عبد المجيد تبون، أدلى بتصريح لخص فحوى المحادثات، والوزير بارو اقتبس من كلام رئيس الجمهورية مصطلح 'رفع الستار' من أجل مستقبل علاقات البلدين، وهذا كله عامل ثقة لأن العلاقات الثنائية بين البلدين بحاجة للثقة المتبادلة. لكن وجب الإشارة إلى أن هذه الثقة المتبادلة تم إلحاق الضرر بها عبر قضية دنيئة، واليوم يجب العودة إلى الواقع الذي أراه أنا كمحام في الحقيقة القضائية ويجب وقف المضاربة يمينا وشمالا لأننا أمام مسألة قضائية ونترك القضاة يقومون بعملهم ولهم ما يكفي من الضمير والقدرات لإنهاء هذه المسائل. أطراف فرنسية شنت ضدكم حملة شعواء بسبب مواقفكم، من تعتقدون أنه يقف وراءها؟ بطبيعة الحال هناك أطراف من اليمين المتطرف وراء هذه الحملة، لكن وجب الإشارة أيضا إلى أنه في جريدة 'لوبينيون' التي هاجمتني أتت على ذكر 3 أشخاص هم في الواقع جزائريون، وليسوا من اليمين المتطرف واتهموني زورا بالسرقة وما إلى ذلك من الكذب والافتراءات. لذلك، فإن الهجمات التي تأتي من اليمين المتطرف يمكن لا أقول تفهمها ولكن توقعها، من موقعي كممثل للإسلام وكعميد لأكبر مؤسسة إسلامية في فرنسا والدين الإسلامي ينظر إليه بنوع من الريبة هنا في فرنسا خصوصا من اليمين المتطرف. في نفس الوقت أنا مواطن جزائري ومسلم وقريب من الرئيس الجزائري وهذا الأمر لا يتحمله الكثيرون وليسوا فقط من اليمين المتطرف الفرنسي ولكن أيضا من طرف جزائريين ولهذا السبب، فإن الهجمات التي تأتي من إخوانك الجزائريين ويتهمونك كذبا وزورا فهذا الأمر لن أتسامح معه إطلاقا. خلال رمضان الماضي، رفض وزير الداخلية الفرنسي برينو روتايو دعوتكم لحضور مأدبة إفطار، بينما حضر وزير الخارجية، لماذا هذا الرفض برأيكم رغم أنه يعتبر وزير الأديان؟ فعلا هو وزير الأديان وأنا قمت بدعوته والتقيته وتحادثت معه واقترحت عليه أن يأتي للإفطار مثلما فعل الوزير الذي سبقه وهو جيرالد دارمانان، دون أي عقدة وأصبح هذا تقليدا انتهجه مسجد باريس الكبير، كما أننا استقبلنا هنا وزراء كثرا وكان المسجد يقوم بدعوة رؤساء ومسؤولين كبار في الدولة، فالرئيس ساركوزي جاء لمشاركة الإفطار معنا لما كان وزيرا للداخلية وجاء عندما كان رئيسا للجمهورية، وحتى عندما لم يعد رئيسا للبلاد دعوته مرتين أو ثلاثا ولبى دعوتنا. كما لبى دعوتنا أيضا رؤساء حكومات على غرار فرانسوا فيون في عدة مرات بما فيها الإفطار في رمضان، ونفس الشيء خلال عهدة فرانسوا هولاند وعديد المسؤولين الآخرين. لذلك، فإن التذرع بمسوغ مفاده عدم إمكانية حضور حدث ديني، فإن كل طرف سيستخلص الدروس من هذه القضية، وهذا أمر مؤسف فهو (روتايو) مسؤول عن العلاقات مع الأديان، وأنا شخصيا نددت بكونه استقبل مسؤولي ديانات أخرى لكنه لم يقم باستقبالي. من البداية، صرحت بأن هذا الأمر غير مقبول لأنه مسؤول عن كل الأديان وليس بعضها فقط. كلمة أخيرة؟ أدعو بكل صدق لأن تعود العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى طبيعتها لأن هناك الكثير من الأمور التي يمكن بناؤها معا ومسجد باريس سيلعب دوما دوره كجسر وهمزة وصل بين الطرفين.


الشروق
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الشروق
المسلمون في فرنسا مواطنون من الدرجة الثانية والدولة مقصرة بحقهم
اتهم عميد مسجد باريس، شمس الدين حفيز، أوساطا سياسية وإعلامية فرنسية، بالتستر على الأعمال العدائية والعنصرية التي ترتكب بحق الجالية المسلمة في فرنسا، ودعا السلطات إلى تحمل مسؤولياتها كاملة إزاء ما يحصل، من خلال الانتقال من مشاعر المواساة إلى تقديم مقترحات جادة وحقيقية لمحاصرة هذه الظاهرة التي تتفشى بشكل كبير في فرنسا. وغرّد شمس الدين حفيز بمجموعة من المناشير على حسابه في منصة 'إكس'، منتقدا تقصير الدولة الفرنسية في حماية المسلمين وأماكن عبادتهم، على عكس أفراد ودور عبادة بقية الطوائف من ديانات أخرى، في لهجة غير معهودة من عميد مسجد باريس، الذي عهد عنه الهدوء في مثل هذه المناسبات. وأورد عميد مسجد باريس مقتطفات من فيديوهات لبرامج حوارية في أكثر من قناة فرنسية، كان ضيفا على بلاطوهاتها، في أعقاب الجريمة الوحشية التي راح ضحيتها شاب في العشرينيات من عمره من مالي، يدعى أبو بكر سيسي، في أحد المساجد الفرنسية صبيحة الجمعة المنصرم، تضمنت تصريحات ومواقف نارية، ضد السلطات الفرنسية، وضد بعض الأوساط السياسية والإعلامية المعروفة بنزعتها المعادية للجالية المسلمة، ولكن من دون أن يشير إليها بالاسم. وقال شمس الدين حفيز منتقدا: 'في كل مرة يتم إخفاء أو التستر على الأفعال المشحونة بالكراهية والعداء ضد المسلمين. وفي بعض الأحيان يتم التقليل من خطورتها. لقد بات واضحا أن سياسة الكيل بمكيالين أصبحت لا غبار عليها. أقولها بكل هدوء، عندما يتعلق الأمر بمسلم، يصبح النقاش يتمحور حول مشتبه به'. ويمضي الرجل الأول في مسجد باريس معلقا على وضع المسلمين في فرنسا: 'يمكن القول إن المواطن الفرنسي المسلم أصبح مواطنا من الدرجة الثانية، أقول هذا وأؤكد عليه. ربما يكون هذا قويا، ولكن في نفس الوقت، منذ سنوات، أصبح الإسلام والمسلمين في فرنسا بمثابة الذريعة أو المسوغ لكل ما يحصل على التراب الفرنسي'. وشدد: 'يجب عدم إهمال الحزن والألم والغضب لجزء من الجالية المسلمة، يجب الاستماع لانشغالاتهم'. شمس الدين حفيز الذي يتوفر على خلفية قانونية واسعة باعتباره محاميا، بدا قويا في طرحه وحجيته، ما مكنه من تشريح وضع المسلمين بشكل أكثر دقة، قائلا إنهم تحولوا منذ سنوات إلى 'مادة دسمة في الحملات الانتخابية في فرنسا وما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة خير مثال على ذلك. الصحف تنسب كل شيء للمسلمين، وتنسب الكثير مما يحصل لأخطاء المسلمين. هذا ليس من العدل. هل كان لا بد من أن نتعرض لمآس كتلك التي وقعت مؤخرا، حتى نرتقي إلى مستوى الآخرين في التعامل معنا؟'. ولاحظ عميد مسجد باريس: 'نشعر بأن الجالية المسلمة لا تعامل كغيرها من أبناء فرنسا، عندما تكون هناك أفعال معادية للمسلمين، كما حصل في رمضان الأخير عندما أحرق أحد المساجد، ولا رد فعل. حتى صبيحة الجمعة (الأخير) عندما تمت دعوتي من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، لحضور جنازة البابا فرانسيس، لم نشعر بأن هناك جريمة وقعت في مسجد وراح ضحيتها شاب مسلم، وذلك بالرغم من أن فيديو الجريمة كان متداولا على شبكات التواصل الاجتماعي. هذا يدفع إلى الاعتقاد، عن صحة أو عن خطأ، بأن أبناء الجالية المسلمة هم مواطنون من الدرجة الثانية'. ويؤكد شمس الدين حفيز أنه شخصيا يتعرض للتمييز في فرنسا، مقارنة بغيره من الفرنسيين من أصول غير فرنسية: 'هم يقولون عني إنني جزائري أكثر من فرنسي، هل سمعتم يوما ما أحد يقول بأن إيريك سيوتي (زعيم حزب الجمهوريون السابق) إيطالي، أو كريستيان استروزي (منتخب محلي لليمين المتطرف) إيطالي.. لقد ضُرب النسيج الاجتماعي في فرنسا..' ويختم رجل القانون تذمره قائلا: 'ليس هناك حماية لأماكن العبادة التابعة للمسلمين، والدولة الفرنسية مقصرة في هذا. يجب الانتقال من المشاعر إلى تقديم اقتراحات جادة لمحاصرة العداء والكراهية ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا'.