logo
المفتي: الزكاة ليست تفضُّلًا من الغني على الفقير وإنما هي 'حق واجب'

المفتي: الزكاة ليست تفضُّلًا من الغني على الفقير وإنما هي 'حق واجب'

أكد الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن المشكلات الأسرية التي نشهدها اليوم تعود في جانب كبير منها إلى غياب الاقتداء بالنموذج النبوي في المعاملة بين الزوجين، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جسَّد في حياته اليومية مع أهل بيته أرقى معاني الرحمة واللطف وحسن العِشرة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
وأوضح فضيلته، خلال لقائه اليومي ببرنامج "اسأل المفتي" الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق على فضائية "صدى البلد"، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدرك طبيعة المرأة جيدًا، وأن العاطفة لديها قد تغلب أحيانًا على العقل، وهو ليس انتقاصًا من شأنها، وإنما أمرٌ فُطرت عليه لتحقيق التوازن في الحياة الأسرية. وأورد فضيلته مثالًا على ذلك عندما كسرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إناءً أرسلته السيدة صفية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدافع الغيرة، فما كان منه إلا أن ابتسم قائلًا: «غارت أمكم»، ثم قام بتعويض السيدة صفية بإناء جديد من آنية السيدة عائشة؛ مما يدل على حكمته في التعامل مع المواقف بحب واحتواء، بعيدًا عن التوبيخ والتصعيد.
وأشار فضيلة المفتي إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقتصر على التعامل بحكمة في لحظات الغضب، بل كان يمازح أهل بيته ويشاركهم لحظات المرح، مستشهدًا بسابقته الشهيرة مع السيدة عائشة في إحدى الغزوات، حيث تغلبت عليه في السباق المرة الأولى، ثم غلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاحقًا بعدما تقدمت قليلًا في السن، وقال لها مازحًا: «هذه بتلك».
وتابع فضيلة المفتي موضحًا أن الوفاء والاعتراف بفضل الآخرين كانا من أبرز صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما ظهر جليًّا في حديثه المتكرر عن السيدة خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها، حيث كان يذكر فضلها ومواقفها الداعمة له، حتى أثار ذلك غيرة السيدة عائشة، فقالت له: «يا رسول الله، قد أبدلك الله خيرًا منها»، فرد عليها بقوله: «والله ما أبدلني الله خيرًا منها»، مستذكرًا تضحياتها ودعمها له في أصعب المواقف.
وأوضح فضيلة المفتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يكتفي بالحديث عن فضائل السيدة خديجة، بل كان يكرم صديقاتها وأهلها حتى بعد وفاتها؛ مما يعكس عمق الوفاء النبوي، وهي قيمة نفتقدها كثيرًا في مجتمعاتنا اليوم، حيث أصبحت المصالح تطغى على معاني الإخلاص والاعتراف بالجميل.
وأضاف فضيلة المفتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان نموذجًا فريدًا في مراعاة مشاعر الآخرين، سواء داخل بيته أو في تعامله مع الصحابة والناس عامة، حيث كان يتجنب التصريح بما قد يحرج الآخرين، مستشهدًا بموقفه عندما كان مجتمعًا مع الصحابة وأحدث أحدهم بإخراج الريح، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من أكل لحم جزور فليتوضأ»، ليجنِّبه الشعور بالإحراج أمام الناس.
كما ضرب فضيلة المفتي مثلًا آخر بموقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بال أحد الأعراب في المسجد، فأراد الصحابة نهره بشدة، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بعدم مقاطعته، ثم قام بتوجيهه بالحسنى وتعريفه بحرمة المسجد؛ مما جعل الأعرابي يقول: «اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»، فانظر كيف حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الموقف من الغضب إلى درس تعليمي راقٍ دون تجريح أو إساءة.
وانتقل فضيلة المفتي للحديث عن أخلاقيات الحرب في الإسلام، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوصي أصحابه بعدم الاعتداء على غير المحاربين، وعدم قتل الأطفال والنساء والرهبان، وعدم هدم دور العبادة، بل إنه عندما رأى التمثيل بجثمان عمه حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- توعد في البداية بالانتقام، لكنه عاد وامتثل لأمر الله في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، فاختار الصبر ورفض الانتقام، ضاربًا بذلك أعظم الأمثلة في العفو عند المقدرة.
وختم فضيلة المفتي حديثه عن السيرة النبوية بقوله: "أين نحن اليوم من هذه القيم العظيمة؟! العالم يشهد حروبًا لا تراعي للإنسانية حرمة، بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع لنا دستورًا أخلاقيًّا في الحرب والسلم، يدعو للعدل والرحمة والتسامح".
وفي الجزء الأخير من الحلقة، أجاب فضيلة المفتي عن سؤال حول حكم زكاة المال وموعد إخراجها، مؤكدًا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بُني الإسلام على خمس»، مشيرًا إلى أن الله تعالى قرنها بالصلاة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
وأوضح فضيلته أن الزكاة ليست تفضُّلًا من الغنيِّ على الفقير، وإنما هي حق واجب في المال؛ لأنها تطهيرٌ للنفس من الشح، وتزكيةٌ للمال، وتحقيقٌ للتكافل الاجتماعي، مستدلًّا بقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وحول موعد إخراج الزكاة ومقدارها، بيَّن فضيلة المفتي أنه إذا بلغ المال النصاب (وهو ما يعادل 85 جرامًا من الذهب)، وحال عليه الحول، وجب إخراج 2.5% منه.
أما عن حالة من اقترض من البنك، وكان يسدد الأقساط، فهل تجب عليه الزكاة؟ فأوضح فضيلته أن القاعدة الشرعية تقضي بأن الضرورة تُقدَّر بقدرها، فلا يمكن إصدار فتوى عامة دون معرفة تفاصيل الحالة، فإذا كان الشخص يمتلك أصولًا وأموالًا أخرى تكفي لسداد الدَّين، فلا تسقط عنه الزكاة، أما إذا كان الدَّين يشكل عبئًا حقيقيًّا، فيُنظر في الأمر وفقًا لظروفه الشخصية.
وفي ختام الحلقة، شدد فضيلة المفتي على أهمية الفهم الصحيح للأحكام الشرعية، ودعا إلى الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه ومعاملاته، قائلًا: "إذا أردنا أن نحيا حياة مستقرة، فعلينا أن نستلهم من السيرة النبوية قيم الرحمة والتسامح والتراحم، فهي المنهج الأسمى في بناء مجتمع متماسك ومتوازن".
Page 2

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب
ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب

مصرس

timeمنذ 44 دقائق

  • مصرس

ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب

قالت الدكتورة هبة إبراهيم، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن التقاط الصور الشخصية (السيلفي) أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة أمر غير مستحب، لأنه يُخرج الإنسان عن روحانية العبادة وخشوعها، خاصة أن الطواف عبادة في حكم الصلاة، ولا يصح أن يتخللها انشغال بأمور دنيوية. وأوضحت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، خلال حوار مع الإعلامية سالي سالم، ببرنامج "حواء"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد، أن المسلم عند ذهابه إلى بيت الله الحرام، ووقوفه أمام الكعبة المشرفة، ينبغي أن يُعظّم هذا المقام، ويستشعر جلال الموقف، قائلة: "أنا رايحة أطوف حوالين بيت ربنا، أدعي، أذكر الله، أقول الأذكار والأدعية المأثورة من مكان لمكان... مش منطقي أسيب الخشوع ده علشان سيلفي أو مكالمة".اقرأ أيضاً.. عضو ب«العالمي للفتوى»: الغش في الامتحان حرام شرعاً حتى لو سمعت إجابة بالصدفةوأضافت أن الانشغال بالتصوير خلال الطواف قد يؤدي إلى فقدان التركيز في الدعاء والذكر، ويُضعف من حضور القلب في هذه اللحظات العظيمة، مشيرة إلى أن المسلم يمكنه التقاط الصور في أوقات أخرى بعد الانتهاء من النسك، دون أن يُفوّت على نفسه الرهبة والجلال والسكينة التي تملأ القلب خلال الطواف.وتابعت: "أنا مش بقولك ما تتصورش خالص، لكن خلّي الصورة بعد ما تكمّل مناسكك.. خلي الطواف كله لله، وماتضيعش على نفسك فرصة مش هتتكرر بسهولة".

أسامة الجندي: الاتقان فلسفة العمل التي ترسم طريق النجاح (فيديو)
أسامة الجندي: الاتقان فلسفة العمل التي ترسم طريق النجاح (فيديو)

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

أسامة الجندي: الاتقان فلسفة العمل التي ترسم طريق النجاح (فيديو)

قال الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، إن الاتقان في العمل يتجلى كقيمة جوهرية لا تنفصل عن جوهر الرسالة الإسلامية، موضحًا أن تلك القيمة ليست مجرد سمة مهنية، بل هي انعكاس عميق لفلسفة تسري في عروق الحياة، وتجعل من كل جهد بشري لبنة في بناء الكمال الإنساني. وشدد الجندي، خلال مشاركته في برنامج "مع الناس" عبر قناة الناس، على أن الإتقان لا يقف عند حدود المهارة الفنية أو البراعة في الإنجاز، بل يتجاوز ذلك إلى مفاهيم سامية تشمل الإبداع والتميز، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، وهو نداء واضح للسير في درب التفوق. وأوضح الجندي أن الاتقان يتداخل مع روح التقوى، إذ لا يمكن للعمل أن يبلغ ذروته دون أن يتسلح صاحبه بوعي عميق بأن الله يراقب خطواته، مؤكدًا أن الإنسان المتقن ليس مجرد عامل يؤدي وظيفته، بل هو صاحب رسالة يترك أثرًا أينما حلّ، فالتألق الحقيقي يكمن في جوهر الروح، وليس في الزخارف الظاهرة.

"الشخص ده بس هو اللي يدخل بيتك".. رسالة مهمة من الشيخ رمضان عبدالمعز
"الشخص ده بس هو اللي يدخل بيتك".. رسالة مهمة من الشيخ رمضان عبدالمعز

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

"الشخص ده بس هو اللي يدخل بيتك".. رسالة مهمة من الشيخ رمضان عبدالمعز

قال الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، إن تقوى الإنسان هي الأساس والمعيار، مشددا على ضرورة أن يكون التعامل مع تقيا. وأوضح خلال تقديمه لبرنامج "لعلهم يتقون"، المذاع على قناة "DMC"،: "(لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ)، مبينا أن الشخص التقي لايحسد ولا يخرج أسرار البيت للخارج. وتابع: "غير التقي بدخوله للمنزل تكثر المشاكل وتتصاعد الأمور، عكس أثر دخول التقي للمنزل". وأكد أن تقوى الله جاءت كوصية مباشرة من الله تعالى لعباده، مضيفًا: "ما أجمل أن يعيش الإنسان وهو يتقي ربه"، لافتا إلى أن الله سبحانه وتعالى أوصى نبيه الكريم بتقواه، مشيرًا إلى أن الناس قد تتعجب من ذلك، لكن النبي لم يغضب، فمن الذي يغضب إذا قيل له "اتق الله"؟ لا يغضب من هذه الكلمة إلا المنافق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store