
اليابان تعتزم تشغيل محطة طاقة تجريبية تعمل بالاندماج النووي
أخبارنا :
أفادت صحيفة نيكي اليابانية، بأن الحكومة تخطط لاختبار نموذج أولي لمحطة طاقة نووية تعمل بالاندماج النووي في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.
ويشار إلى أن اليابان كانت قد اعتمدت في عام 2023، استراتيجية وطنية لتطوير الاندماج النووي الحراري، لكنها لم تتضمن أي إشارة إلى توقيت إجراء مثل هذه الاختبارات. وجاء فيها فقط، أن الحكومة ستضع جدولا زمنيا مناسبا "في أقرب وقت ممكن". ولكن الآن تقرر أن تتضمن الوثيقة الأساسية حول جهود اليابان في مجال الاندماج النووي الحراري، تحديد أطر زمنية تقريبية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يتم ضمن الاستراتيجية صياغة خارطة طريق للمشروع التجريبي. ومن المتوقع أن تتضمن الوثيقة إنشاء فريق عمل، ووضع إطار قانوني، واتخاذ قرار بشأن التمويل.
في عام 2023، قرر كونسورتيوم مكون من 16 شركة يابانية استثمار حوالي 10 مليارات ين (حوالي 73.6 مليون دولار) في مشروع لتطوير الاندماج النووي الحراري. ويضم هذا الاتحاد، شركة ميتسوبيشي، وشركة كانساي للطاقة الكهربائية (كيبكو)، بالإضافة إلى صندوق حكومي. وسيوظف الاتحاد المذكور استثمارات في شركة Kyoto Fusioneering ومقرها طوكيو، التي أسسها باحثون من جامعة كيوتو في عام 2019. وهي تعتبر الأكثر نجاحا بين الشركات اليابانية العاملة في مجال التخليق النووي الحراري. وتستخدم هذه التقنية من أفضل الجيروترونات - وهي مكونات مهمة مطلوبة لتسخين البلازما في المفاعل.
ويشار إلى أن تطوير التخليق النووي الحراري أصبح الآن في مرحلة تطوير التقنيات اللازمة للحفاظ على تفاعل مستقر في المفاعل النووي الحراري. وتسعى اليابان إلى الاضطلاع بدور قيادي في هذا المجال من أجل فتح سوق كبيرة للشركات اليابانية.
وتشارك اليابان في مشروع إنشاء المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (ITER). يتضمن المشروع بناء أول مفاعل توكاماك دولي في العالم - وهو مفاعل نووي حراري تجريبي من الجيل الجديد - بالقرب من مرسيليا في فرنسا.
ويشارك في إنشاء المفاعل خبراء من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والولايات المتحدة والهند وكازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية. يهدف المشروع إلى إثبات الجدوى العلمية والتقنية للحصول على الطاقة النووية الحرارية للأغراض السلمية. وبحسب استراتيجية تطوير المشروع المحدثة، ستبدأ التجارب الأولى على إيتر في عام 2034، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل الكامل لهذه المنشأة في عام 2039.
وكلمة "توكاماك" تعني "غرفة حلقية ذات ملفات مغناطيسية". مع مرور الوقت، أصبح هذا الاختصار باللغة الروسية مصطلحا دوليا. تم بناء أول مفاعل توكاماك في الاتحاد السوفيتي عام 1954. وتمتلك اليابان مفاعلين تجريبيين من مفاعلات توكاماك، JT-60 في محافظة إيباراكي وQUEST في محافظة فوكوكا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 9 ساعات
- أخبارنا
اليابان تعتزم تشغيل محطة طاقة تجريبية تعمل بالاندماج النووي
أخبارنا : أفادت صحيفة نيكي اليابانية، بأن الحكومة تخطط لاختبار نموذج أولي لمحطة طاقة نووية تعمل بالاندماج النووي في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين. ويشار إلى أن اليابان كانت قد اعتمدت في عام 2023، استراتيجية وطنية لتطوير الاندماج النووي الحراري، لكنها لم تتضمن أي إشارة إلى توقيت إجراء مثل هذه الاختبارات. وجاء فيها فقط، أن الحكومة ستضع جدولا زمنيا مناسبا "في أقرب وقت ممكن". ولكن الآن تقرر أن تتضمن الوثيقة الأساسية حول جهود اليابان في مجال الاندماج النووي الحراري، تحديد أطر زمنية تقريبية. وبالإضافة إلى ذلك، قد يتم ضمن الاستراتيجية صياغة خارطة طريق للمشروع التجريبي. ومن المتوقع أن تتضمن الوثيقة إنشاء فريق عمل، ووضع إطار قانوني، واتخاذ قرار بشأن التمويل. في عام 2023، قرر كونسورتيوم مكون من 16 شركة يابانية استثمار حوالي 10 مليارات ين (حوالي 73.6 مليون دولار) في مشروع لتطوير الاندماج النووي الحراري. ويضم هذا الاتحاد، شركة ميتسوبيشي، وشركة كانساي للطاقة الكهربائية (كيبكو)، بالإضافة إلى صندوق حكومي. وسيوظف الاتحاد المذكور استثمارات في شركة Kyoto Fusioneering ومقرها طوكيو، التي أسسها باحثون من جامعة كيوتو في عام 2019. وهي تعتبر الأكثر نجاحا بين الشركات اليابانية العاملة في مجال التخليق النووي الحراري. وتستخدم هذه التقنية من أفضل الجيروترونات - وهي مكونات مهمة مطلوبة لتسخين البلازما في المفاعل. ويشار إلى أن تطوير التخليق النووي الحراري أصبح الآن في مرحلة تطوير التقنيات اللازمة للحفاظ على تفاعل مستقر في المفاعل النووي الحراري. وتسعى اليابان إلى الاضطلاع بدور قيادي في هذا المجال من أجل فتح سوق كبيرة للشركات اليابانية. وتشارك اليابان في مشروع إنشاء المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (ITER). يتضمن المشروع بناء أول مفاعل توكاماك دولي في العالم - وهو مفاعل نووي حراري تجريبي من الجيل الجديد - بالقرب من مرسيليا في فرنسا. ويشارك في إنشاء المفاعل خبراء من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والولايات المتحدة والهند وكازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية. يهدف المشروع إلى إثبات الجدوى العلمية والتقنية للحصول على الطاقة النووية الحرارية للأغراض السلمية. وبحسب استراتيجية تطوير المشروع المحدثة، ستبدأ التجارب الأولى على إيتر في عام 2034، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل الكامل لهذه المنشأة في عام 2039. وكلمة "توكاماك" تعني "غرفة حلقية ذات ملفات مغناطيسية". مع مرور الوقت، أصبح هذا الاختصار باللغة الروسية مصطلحا دوليا. تم بناء أول مفاعل توكاماك في الاتحاد السوفيتي عام 1954. وتمتلك اليابان مفاعلين تجريبيين من مفاعلات توكاماك، JT-60 في محافظة إيباراكي وQUEST في محافظة فوكوكا.


أخبارنا
منذ 2 أيام
- أخبارنا
د. خالد وليد محمود : عن العمق الذي يتحكم في السطح
أخبارنا : يعتمد العالم اليوم بشكل متزايد على الاتصال الرقمي، وتقف خلف هذا الاعتماد بنية تحتية حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل. تتمثل هذه البنية في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95% من حركة البيانات الدولية، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهري، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنها تمثل العصب الفعلي للاقتصاد الرقمي العالمي. تمتد هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكون من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية. وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمن انتقال منخفض مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر. رغم التصور الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعية في نقل البيانات الدولية لا يتجاوز بضع نسب مئوية، لأن الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع استجابة. ويتم تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70% من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع. ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوة. فالكابلات البحرية تمثل أصلًا استراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحرية محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلحة الأمريكية عليها بشكل مباشر لنقل بيانات استخباراتية بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات. تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب. ففي عام 1959، قطعت خمس كابلات أمريكية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتهمت واشنطن آنذاك السفن السوفيتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة. وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأمريكية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عام 2023 و2024، تضررت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية. هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفية، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري «Dunant» الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية. ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، تمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول «الجيوسيبرانية» التي تمتلكها. تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات. على ضوء ما تقدم وفي ظل تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل استراتيجي ذي حساسية فائقة. ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعية. فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر. عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد استراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها. في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الاستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الاستراتيجي. فهل سيبقى العزب مجرد ممر عبور للكابلات، أم أن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي!

الدستور
منذ 2 أيام
- الدستور
عن العمق الذي يتحكم في السطح
يعتمد العالم اليوم بشكل متزايد على الاتصال الرقمي، وتقف خلف هذا الاعتماد بنية تحتية حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل. تتمثل هذه البنية في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95% من حركة البيانات الدولية، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهري، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنها تمثل العصب الفعلي للاقتصاد الرقمي العالمي.تمتد هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكون من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية. وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمن انتقال منخفض مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر.رغم التصور الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعية في نقل البيانات الدولية لا يتجاوز بضع نسب مئوية، لأن الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع استجابة. ويتم تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70% من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع.ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوة. فالكابلات البحرية تمثل أصلًا استراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحرية محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلحة الأمريكية عليها بشكل مباشر لنقل بيانات استخباراتية بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات.تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب. ففي عام 1959، قطعت خمس كابلات أمريكية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتهمت واشنطن آنذاك السفن السوفيتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة. وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأمريكية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة.وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عام 2023 و2024، تضررت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية. هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفية، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري «Dunant» الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية.ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، تمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول «الجيوسيبرانية» التي تمتلكها.تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات.على ضوء ما تقدم وفي ظل تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل استراتيجي ذي حساسية فائقة. ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعية. فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر.عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد استراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها. في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الاستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الاستراتيجي. فهل سيبقى العزب مجرد ممر عبور للكابلات، أم أن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي!