logo
كتابة في الظلام

كتابة في الظلام

إيطاليا تلغراف٠٨-٠٤-٢٠٢٥

إيطاليا تلغراف
وضاح عبد الباري طاهر
لا شَكَّ أنَّ لغتنا العربية رائعة وراقية وجميلة، لكنها أيضًا لها مشاكلها الخاصة التي لا تخلو منها أي لغة؛ لا سيما عيوبها الكتابِّية.
وإذا ما تأملنا حروف العربية سنجد في صور بعضها تشابهًا كالباء والياء والتاء والثاء والنون فـ «بُسْر» مثلاً قد تتصحف إلى «يُسْر»، و«يحسبون»، قد تصير إلى «يحسنون»، وعلى هذا فقس. هذا فضلاً عن مشاكل نطق مفرداتها بشكل صائب وسليم، حيث يذكر بعض الباحثين في ترقية الكتابة العربية وحل مشاكلها أنَّ لفظة «ملك»، تنطق بوجوه كثيرة قد تبلغ زهاء السبعة عشر وجهًا.
ثم إنَّ التصحيف والتحريف في العربية قد تنحو في معانيها إلى معانٍ أُخَر تثير اللبس، وربَّما الحبس، ولا تخلو أيضًا من الطرافة والمتعة والضحك.
يفرق بعض اللغويين بين التصحيف والتحريف. فالتصحيف يختصَّ بالحروف المُعْجَمة (المنقوطة)، والمهملة (الحروف التي تخلو من النقط): كالشين والسين، والزاي والراء، والباء والتاء والثاء، والجيم والخاء والحاء، والذال والدال، والضاد والصاد، والطاء والظاء. أمَّا التحريف فيصيب بقية الحروف.
لم يسلم حتى القرآن الكريم من داء التصحيف. فيذكر السيوطي في (تدريب الراوي) أنَّ عثمان بن أبي شيبة؛ وهو من أئمة الحديث قرأ: (جعل السفينةَ في رِجْل أخيه)، فلمَّا قيل له: إنَّمَا هو (جعل السقاية في رحل أخيه)، ما كان جوابه عليهم إلا قوله: أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم. (2/ 195).
وهَبْ يا عثمان أنك لا تقرأ لعاصم، أيستقيم في عقلك هذا الهراء الذي تقوله؟!
وبهذا يتبين أنَّ الزمخشري لم يتجنَ على أهل الحديث حين قال: وإنْ قُلتُ مِنْ أهلِ الحديثِ وحزبهِ
يقولونَ: تيسٌ ليس يدري ويَفهمُ
وقد سبقه المعري -رحمه الله- بقوله: لنا خالقٌ لا يمتري العقلُ أنهُ
قديمٌ فما هذا الحَديثُ المُولَّدُ؟
وقال ابن شهاب منتقدًا الوهابية: وتسموا بأهل الحديثِ وهاهم
لا يكادونَ يفقهونَ حديثا
وإذا ثبت داء التصحيف والتحريف لألفاظ ومعاني القرآن الكريم، فليس بغريب أن يصاب بهِ الحديث النبوي أيضًا، فألفَّ علماء الحديث فيهما كتبًا كثيرة منها على سبيل المثال كتاب (إصلاح غلط المحدثين)، للخطابي.
ولمَّا فتحت بلاد فارس، واختلط الفرس والعرب، وكانت بعض الحروف يستعصي نطقها على الفرس، كان ذلك محل تندر من العرب، ومن الأدباء بشكل خاص، فيذكر الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) قصصًا طريفة عن هذه الظاهرة حتى تلك التي أثِرَت عن بعض الصحابة كصهيب الرومي -رضي الله عنه- الذي يصفه الجاحظ بأنه كان يرتضخ لكنةً رومية فيقول: «إنك لهائن». يريد إنك لخائن.
ويذكر عن أزدا انقاذار ذي اللكنة النبطية أنه كان يجعل الحاء هاءً، وأنه أملي على كاتب له فقال: اكتب «الهاصل ألف كُرّ». (الكُرّ: مكيال يكال به الطعام). فكتبها الكاتب بالهاء كما لفظ بها أزدا، فأعاد عليه الكلام، فأعاد عليه مثل ذلك، فلما فَطِنَ المملي لاجتماعهما على الجهل قال: «أنت لا تُهْسِن أنْ تكتب، وأنا لا أهْسِن أنْ أُملى».
ويذكر أنَّ مولىً لزياد بن أبيه قال له ذات مرة: «أهدوا إلينا هُمَار وَهْش». يريد حمار وحش. فقال زياد أيُّ شيء تقول ويلك! فقال: «أهدوا إلينا أيرًا». يريد عَيْرًا. فقال زياد: الأول أهون'. (1/ 95- 96).
وكان قريبًا لي يعمل في «صحيفة الثورة»، في المطبعة، ويأتي له السائق التابع للمؤسسة بالسيارة إلى البيت منتصف الليل لاصطحابه، وكان السائق يقوم بضرب الجرس ضربًا شديدًا مزعجًا بشكل متوالٍ حتى يوقظ النائم الذي لا يَعْتَم أن يقوم مسرعًا لإضاءة السراج الخارجي، ليشعره أنه في الطريق إليه، ثم يغسل وجهه على عجل ويخرج.
كانت المطبعة حينها على هيئتها البسيطة؛ حيث تُرصُّ الحروف ويتم وضعها وترتيبها عند الطباعة بواسطة طبَّاعين مختصين.
ولأنَّ أكثر الطباعين والخطاطين كانوا يتناولون القات، وربما غالب بعضُهم النوم ليلته كلها، فلا يجد إليه سبيلاً، حتى إذا حانت ساعة العمل، سَقطَ عليه النوم اللذيذ؛ فيستسلم له لكن لا يلبث أن يوقظه صوت الجرس المدوي، فيخرج من فوره كالسكران.
في تلك الفترة حصل خطأ طباعي أيام الرئيس الغشمي، فقد نزل عنوان بالمانشيت العريض على الصفحة الأولى من الصحيفة:
«الغشمي يَسْكَر»، بدل الغشمي يَشْكُر. وحُبِسَ حينها مسئولو الصحيفة على ذمة ذلك الخطأ الطباعي، وكذلك الخطاط.
وفي دورة حضرتها قبل سنوات التقيت بزميلة من عدن صارت تعمل بعدها في الـ BBC، وكان لا بدَّ حِينها مِنْ إنشاء مجموعة على الهواتف، وتبادل الأرقام بين المشاركين؛ فشدَّدَتْ هذه الزميلة على ترك مراسلتها برسائل لا فائدة منها؛ تلك التي تتسم بالوعظ السخيف، والدعوات الطويلة العريضة التي يُنسِى آخرها أولها؛ نحو:
«اللهمَّ إنَّ لي أخًا/ أختًا…»، أو تلك الصيغ الواردة في آخر الرسائل: «ربي يحفظك»،.. إلخ هذه الإكليشات المملة غير المفيدة، فضلاً عن مساوئها التي قد تأتي بنتائج عكسية.
صَادفَ أنَّ صديقًا لي كان يتراسل مع زميلة له بشأن موضوع يتعلق بالعمل، وأرادَ أن يختم كلامه بـ «ربي» يحفظك. فانقلبت الراء بقدرة قادر إلى حرف الزاي. ولا تسأل بعدها ماذا حصل، وأيُّ مشكلة قد أن يقع فيها هذا الأخ مع زميلته التي غضبت منه، واتخذت موقفًا حادًا نحوه. وكان صاحبنا المسكين لا يدري ماذا صنع في ليلته الليلاء؛ حتى إذا بكَّرَ في اليوم التالي إلى عمله، ودَلفَ إلى مكتبه مؤديًّا تحية الصباح لزملائه- تفاجأ بوجوههم عابسةً، وبنظراتهم المُزوَرَّة الحانقة، أعقبها خروج زميلته من المكتب، فاستغرب، ولمَّا سأل زميله:
فأجابه:
ليش؟! إيش سويت؟!
فأخبره بقصة ليلة البارحة والدعوات الحارة الحميمية التي قام بإرسالها إليها دون قصد.
لم تسعْ صاحبنا أرضٌ ولا سماء، ولم يدرِ ماذا يصنع بفعلته الشنعاء التي لم يتعمدها، فالدعاء الذي كان يرجو بركته وحسن عائدته، صار لعنةً تلاحقه ويخشى عواقبه.
كان يحدث نفسه فيقول:
أين أذهب بوجهي عنها، وما عسايَ أن أقول لها؟
لكنه في آخر الأمر استجمع شجاعته، وذهب إليها معتذرًا؛ ليبين لها أنَّ ما حصل لم يكن إلا خطأً غير مقصود تسبب به «الكيبورد» اللعين.
وفي أحد الأيام صباحًا، وأنا أتابع قناة إخبارية، كانت المذيعة تسأل أحد المحللين الروس ممن يتحدث العربية، فوجهت إليه سؤالاً:
فأجابها: «الأ… باب كثيرة ». وغَيَّر السين إلى زاي. فابتسمت المذيعة باستحياء، ونسيت السؤال التالي.
ولستُ أدري لماذا كُلُّ حروفنا العربية تتغير إلى هذا الحرف؛ أعني حرف الزاي. إذ يبدو أنه حرف مقدس في لا وعينا الإنساني.
وفي إحدى المرات قرأت مقالاً لأحد الصحفيين نُشِرَ في إحدى الصحف اليمنية يتحدث فيه عن المعارضة، وينتقد بحماس لقاءهم المشترك واصفًا إياهم أنهم لا يرومون من كلِّ سياساتهم إلا «اقتسام الكُعْ….ة.». أرادَ أنْ يقولَ: «اقتسام الكعكة»، فتحولت الكاف الثانية إلى لام!
وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ المسألة الجنسية إحدى القضايا الجوهرية الملحة التي تؤرق الفكر الإنساني بعامّة، والعربي واليمني بشكل خاص، وأنَّ البشرية برمتها تدندن حولها، إلا أنَّ الشعوب الأخرى قد وجدت لها منافذَ ومصارف وحلولاً، وكان الإسلام والقرآن في عصر النبوة سبَّاقًا إلى ذلك، فقد وجد لها سبيلاً عن طريق زواج المتعة، وعمل به كثير من الصحابة منهم ابن عباس، حتى سارت بفتواه الركبان، وقال في شأنها بعض الشعراء: أقولُ للشيخِ لمَّا طالَ مجلِسُهُ
يا صاحِ هل لكَ في فتوى ابن عباس؟! هل لك رخصةُ الأعطافِ آنسةٌ
( تَكونُ مثواكَ حتى مرجِعَ الناسِ
وأهل التفسير والمحدثون يذكرون مثل ذلك، كما في صحيح البخاري وشروحه كشرح العيني الحنفي، حيث يروي البخاري بسنده: 'تمتعنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزل القرآن. قال رجل برأيه ما شاء'.
ويذكر ابن عبد البر في «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد»، بسنده إلى جابر بن عبد الله: 'كُنَّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث'. (10/ 112).
ويسوق ابن عبد البر بسنده عن 'عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: كانت بمكة امرأة عراقية تتنسك جميلة لها ابن يقال له أبو أمية، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها. قلت: يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على المرأة! قال: إنَّا قد أنكحناها ذلك النكاح للمتعة.
قال ابن جريج: وأُخبِرتُ أنَّ سعيدًا قال: هي أحلُّ من شرب الماء. يعني المتعة'. (10/ 114).
وفيه أيضًا أنَّ أسماء بنت أبي بكر كانت تذهب إلى جوازه؛ ولم يكن زواجها بالزبير إلا متعة، ويعمل به الشيعة الاثنا عشرية في فتاواهم؛ وهو في أصل مذهبهم، وينسبونه إلى الإمام علي زين العابدين، والباقر، والصادق -رضي الله عنهم- وهذا ما يؤكده ابن عبد البر في «التمهيد»، وصاحب «الأزهار» الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الذي ينسبه لجعفر الصادق.
والإمامية الآن تفتي به للمطلقات والأرامل، لكنَّ السلطة السياسية تجاوزت النصوص لمصلحة ارتأتها من تلقاء نفسها، كما تجاوزتها في مسألة الطلاق الثلاث في مجلس واحد، وقامت بإمضائها، مع أنَّ الدليل بضدها، وقد جرت عليها المذاهب السنية الأربعة، وخالفهم في ذلك الإمامية والزيدية، والدليل معهم. ولمَّا أفتى العلامة ابن تيمية بأنها طلقة واحدة عملاً بمقتضى الدليل، قامت عليه القيامة ولم تقعد، وتمَّ حبسه في سجن القلعة.
ويذكر السيوطي في تفسيره «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» عن عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: 'يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمةً من الله رحمَ بها أمة محمد، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي'. (2/ 487).
وكنتُ أظنُّ قديمًا أنَّ هذه العبارة افتجرها الشيعة من عند أنفسهم حتى وقفت عليها أيضًا في تفسير «المحرر الوجيز»، لقاضي غرناطة المفسر الكبير ابن عطية، حيث يقول في تفسير قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهنَّ أجورهن فريضة):
'روي عن ابن عباس أيضًا ومجاهد والسدي وغيرهم: أنَّ الآية في نكاح المتعة، وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير، «فما استمتعتم به منهنَّ إلى أجل مسمى فآتوهنَّ أجورهن».
وقال ابن عباس لأبي نضرة: هكذا أنزلها الله عز وجل. وروى الحكم بن عتيبة أنَّ عليًّا -رضي الله عنه- قال: لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي'. (4/9).
ونحن إلى الآن لا زلنا نعيش ونعاني من مشكلة الكتابة أو مشكلة الجنس بمعنييهما الحقيقي والمجازي، وما ترتب على ذلك من أعراض اجتماعية كثيرة لازالت تعلن عن نفسها وتظهر بشكلٍ واعي وغير واعي في سلوكنا وأخلاقنا وأحاديثنا وسقطات ألسنتنا.
وبهذا يتبين أنَّ ببين اللغة مقروءةً ومنطوقةً والجنس نسبًا قويًّا وعِلاقةً وثيقة. ويتحدث النقاد الغربيون عمَّا يصطلحون عليه بـ «لذَّة النص» The desire of text؛ فاللغة الحقيقية -كما يذهبون- ليست إلا صيحات جنسية، أو صيحات ألم ذات مقطع واحد يلتصق فيها الدال بمدلوله، فيصيران شيئًا واحدًا.
وأذكر أثناء دراستي للغة الإنجليزية عبَّرتْ لأحد زملائي عن مدى شغفي وحبي لها وكان مِمَّا قلت له: لو كانت الإنجليزية امرأة، لتزوجتها.
وما كان التعبير عن الزواج إلا لياقةً اجتماعية مني، وامتثالاً للسلوك الأمثل في التعبير؛ لاحتشامي لهذا الصديق؛ وإلا فإنَّ التعبير الظاهر بالزواج ليس في حقيقة الأمر إلا رغبةً دفينةً في مضاجعتها. والإنجليز يعبرون عن العملية الجنسية بـ «ممارسة الحب»؛ Making love.
ولَعَّلَّ أقدم مَنْ شَبَّه العملية الجنسية بالكتابة هو أبو نواس في أبياتٍ له يقول فيها: وشادنٍ نَطقتْ بالسحرْ مُقلتهُ مُزنَّرٍ إلفِ تسبيحٍ وتقديسِ نَازعتهُ الكأسَ في رِفقٍ أحِدُّثهُ
( في زِيِّ قاضٍ ونُسْكِ الشيخِ إبليسِ تناولَ الكأسَ من كفِّي وأنشدَني
(حيِّ الهِدَمْلَةَ مِنْ ذَاتِ المواعِيسِ) لمَّا سَكِرتُ وكلُّ الشَّرْب قد سَكِروا وَخِفتُ صَرعتهُ إيايَ في الكُوسِ غطِطُتُ مستنعسًا عمدًا لأنعِسَه
ُ فاسْتَشعرتْ مقلتاهُ النومَ مِنْ كيسي فامتدَّ فوق سريرٍ كانَ أعْجَبَ لي على تَشعِثِّهِ مِنْ عَرشِ بِلقيسِ فقمتُ أمشقُ في قِرطاسهِ بِيدٍ خطَّاطةٍ لا تعايا في القراطيسِ
ولا تخفى الاستعارات والتشبيهات الجنسية التي تحفل بها أبيات أبي نواس.
خاتمة وسؤال لا بُدَّ منه
في الأخير، هل علينا أن نتخلى عن الكتابة بمعنييها الحقيقي والمجازي بناءً على قرارات سلطة سياسية؛ ضاربين عُرْض الحائط نداءَ الفطرة المغروسة في الطبيعة الإنسانية، خوفًا من الوقوع في فتن أو مشاكل التصحيف والتحريف؟!
فالسلطة السياسية التي خالفت النصوص في منع وتحريم زواج المتعة، هي نفسها التي منعت الشاعر الكبير بشار بن برد عن التغزل بالنساء. تلك السلطة ممثلة بالمهدي العباسي الذي حظر على شاعر فقير ضرير مثل بشار مجرد التغزل بالنساء، ثم اتهمه بالزندقة لأسباب سياسية معروفة وقام بقتله وتصفيته؛ وهو الذي يبيح لنفسه كُلَّ أنواع الملذات، وعلى رأسها حرية الممارسة الجنسية مع زوجات ومحظيات وجوارٍ لا يأتي عليهنَّ العدّ في زوايا قصره الكبير ببغداد.
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كنوز صلاة الفجر
كنوز صلاة الفجر

الشروق

timeمنذ يوم واحد

  • الشروق

كنوز صلاة الفجر

يُروى عن صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنس بن مالك –رضيَ الله عنه- أنّه كان يبكي كلما تذكَّر فتح 'تُسْتر'، المدينة الفارسية الحصينة التي حاصرها المسلمون سنة ونصف السّنة، ثم تحقّق لهم فتحها؛ سبب بكائه ربّما يكون غريبا في موازين أهل زماننا، لكنّه ليس كذلك في موازين عبادٍ لله امتلأت قلوبهم بخشية الله وتعظيمه. لقد فُتح حصن المدينة قبيل ساعة الفجر، واندفع جيش المسلمين إلى الحصن مستغلّين تلك الفرصة، فدارت معركة في منتهى الضراوة، وفي النهاية كتب الله النصر. لقد تحقق النصر، لكن بعد شروق الشمس، وبعد خروج وقت صلاة الصّبح. فرح المسلمون بالنّصر، وحزنوا لفوات صلاة الفجر، على الرّغم من أنّهم كانوا معذورين، في حال التحامٍ كامل مع العدوّ، لم يكن ممكنا معه إقامة الصّلاة، ولكنّ القلوب الحيّة حزنت على فوات صلاةٍ هي أحبّ الصّلوات إلى الله جلّ وعلا، وإلى عباده الصّالحين الذين يدركون أثرها في تزكية الأنفس وإعلاء الهمم وصناعة الرّجال. هكذا انتصر الأوّلون وسادوا الدّنيا حينما كانت قلوبهم عامرة بخشية الله، وأنفسهم لوّامة لا ترضى بالتّقصير في حقّه جلّ في علاه.. وفي زماننا، ضيّع كثير من المسلمين الصّلوات واتّبعوا الشّهوات، فذلّت الأمّة وهانت وأصبحت غرضا للأمم من حولها. نعم أخي المؤمن.. ربّما تكون بتقصيرك في حقّ دينك، وإصرارك على إضاعة صلاة الفجر، سببا في زيادة جراح الأمّة، وإطالة محنتها.. وقبل هذا، ربّما تكون إضاعتك لصلاة الفجر سببا في ضيق نفْسك ووهن بدنك وتعسّر أمورك.. اسأل نفسك: كم سنة وأنت تنام عن صلاة الفجر؟ ماذا جنيت من نومك عن هذه الفريضة التي تشهدها ملائكة اللّيل والنّهار؟ وهَن وفتور وضجر وقلق وحيرة وسوادُ وجهٍ وقسوة قلب.. هذا هو حصادك في كلّ هذه السّنوات التي نمت فيها عن صلاة الفجر. وهذا ما جنيته على نفسك بإصرارك على هذه الكبيرة المنكرة. دعوة للتدبّر أخي المؤمن.. في كلّ ليلة تقبض روحك وتعاد إليك بعد طلوع الشمس سالمة مسلّمة، فتفتح عينيك على ضوء الصّباح وضيائه؛ أما خشيت أن تفتح عينيك في يوم من الأيام ولأوّل مرّة على ظلام حالك ليس ظلام الدّنيا ولكنّه ظلام حفرة القبر، فهل ترى ينفعك النّوم حينها؟ أخي المؤمن.. هل تأمّلت حالك، كم مرّة قمت باكرا لموعد بينك وبين بشر مثلك؟ أنسيت موعدك كلّ صباح مع ربّ الأرباب؟ كم مرّة قمت قبل الفجر لسفر من الأسفار؟ كلّما كان سفرك أطول كان زهدك في النّوم أكثر؛ فهلاّ قمت –أخي- لتتزوّد لسفر طويل لا رجوع بعده. هل سمعت أُخيّ قول نبيّ الهدى -عليه الصّلاة والسّلام-: 'أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوا'؟ أترضى لنفسك أن تحشر يوم القيامة مع المنافقين؟ ربّما تصلّي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء لوقتها، وتصوم وتتصدّق، وتحشر مع المنافقين لأنّك لا تصلّي الفجر لوقتها، وتتهاون في أحبّ صلاة إلى عباد الله المؤمنين وأبغضها إلى المنافقين. كنوز صلاة الفجر أخي المؤمن. لا شكّ أنّك سمعت وقرأت مرارا وتكرارا قول ربّك جلّ وعلا: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))، أ تدري ما المقصود بقرآن الفجر؟ إنّها صلاة الفجر، وهل تدري معنى قوله تعالى ((إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))؟ معناه أنّ ملائكة الليل وملائكة النّهار تجتمع لصلاة الفجر. إنّه سرّ تلك الرّوحانيّة وذلك الأنس والانشراح والطّمأنينة التي تجدها تلك القلّة المؤمنة التي تصلّي الفجر في بيوت الله، إنّها أسعد ساعة في اليوم كلّه، كيف لا والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: 'ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها'، ومعنى هذا أنّ السّعادة التي يجدها من يصلّي الفجر لوقتها أعظم من سعادة من اجتمعت أمامه نعم الدّنيا بأسرها، ألا تحبّ أخي المؤمن أن تكون أسعد من الملوك؟ ألا تحبّ أن تكون أسعد من أثرياء هذا العالم؟ صلّ الفجر لوقتها تكن كذلك، وتحْظَ بمعية الله وحفظه ورعايته، يقول عليه الصّلاة والسّلام: (من صلّى الفجر فهو في ذمّة الله)، بمعنى أنّه في حفظ الله ورعايته سبحانه، ومَن حفظه الله فمن ذا الذي يضرّه؟ ((فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)). هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة، فتأمّل معي قول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: 'لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها'، معنى هذا أنّك إذا صلّيت الفجر والعصر لوقتهما كُتبت لك براءة ونجاة من النّار. فيا لها من غنيمة ثمنها يسير ويسير جدّا. ليس هذا فقط وإنّما هناك المزيد، اقرأ معي هذا الحديث الذي يقول فيه نبيّنا -عليه الصّلاة والسّلام-: 'من صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه'، إذا صلّيت الصّبح في جماعة كُتب لك أجر قيام ليلة بأكملها. فياله من ثواب جزيل لقاء عمل يسير لمن استعان بالله وطلب هداه، ربّما لا زلت تريد المزيد، وفعلا هناك المزيد، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة'؛ في عرصات يوم القيامة، يوم يحشر العصاة والمذنبون والكفرة والمنافقون سود الوجوه، تكون أنت ممّن يحظى ويسعد بذلك النّور التّامّ في وجهك وعلى الصّراط مع عباد الله المشّائين في ظلمات اللّيالي إلى بيوت الله عزّ وجلّ.. ثمّ في النّهاية يكون مستقرّك في الجنّة التي وعد الله عباده المحافظين على صلاة الفجر، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'من صلّى البردين دخل الجنّة'، والبردان هما الصّبح والعصر، فإذا داومت على صلاة الفجر وصلاة العصر لوقتهما ولقيت الله على ذلك كنت من أهل الجنّة، نعم من أهل الجنّة. وماذا بعد؟ وبعدُ أخي المسلم، يا من عدت إلى النّوم عن صلاة الفجر بعد رمضان. يا من تصلّي الفجر في بيتك. أرأيت كم ضيّعت على نفسك من الخيرات والبركات والحسنات؟ سعادة ما بعدها سعادة، حِفظ من الله من كلّ مكروه، حسنات تصبّ عليك صبّا، نور يوم القيامة، نجاة من النّار وفوز بدار الأبرار. ألا فتب إلى الله من النّوم عن صلاة الصّبح، واعقد العزم أن تبدأ من الغد بحول الله، وتسعى جاهدا لتكون من أهل الفجر الذين يحبّهم الله ويحبّونه؛ إنّك لن تفشل أبدا إذا توكّلت على الله وسألته بإلحاح أن يعينك على نفسك.. ربّما تنام حين تنام وأنت لم تفكّر في القيام للصّلاة، ربّما تنام وأنت تتمنّى ألاّ تستيقظ حتّى تجد لنفسك الأعذار والمبرّرات، ربّما تنام وأنت جازم وموقن أنّك ستفتح عينيك من الغد على الدّنيا، ربّما تنام على غير طهارة، ربّما تنام وأنت تفكّر في هموم الدّنيا بل ربّما تغمض عينيك على مشاهد وصورٍ لا يرضاها الله على شاشة الهاتف، تزرع شوكا وتريد أن تجني عنبا. محال أخا الإسلام.. إذا أردت طاعة الله في أوّل النّهار فلا تعصه في أوّل اللّيل، إذا أردت الاستيقاظ باكرا فنم باكرا ودع عنك السّهر في القيل والقال.. نَمْ أخي باكرا.. لا تنم إلاّ على طهارة.. اقرأ أذكار النّوم، اقرأ آية الكرسيّ والمعوّذتين، ادع الله أن يبعثك إذا نادى مناديه للصّلاة، استعن بمنبّه واجعله بعيدا عنك حتّى لا توقف رنينه وأنت لا تشعر، أوص من يوقظك ولو عن طريق الهاتف، حاول أن تستحضر أنّ نومتك ربّما تكون آخر نومة لك في هذه الحياة.

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ يوم واحد

  • أخبار اليوم الجزائرية

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي الأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الأضحية من مناسك الحج وهدي إبراهيم عليه السلام وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – صلى الله عليه وسلم – بسنته وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد. – كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن النصف فما زاد ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها وأن الا يضحى بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها والشرقاء التي شقت أذنها والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالمصلى ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب. *سنن الحبيب – ومن جملة هديه صلى الله عليه وسلم في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته: 1- استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث. 2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة بأن تكون الذكاة بآلة حادة وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم. 3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك. 4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. 5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً وتوارى السكين عنها ولا يظهر السكين إلا عند الذبح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. 6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي صلى الله عليه وسلم أن دعا بقبول الأضحية منه. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي

جزايرس

timeمنذ يوم واحد

  • جزايرس

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحيالأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الأضحية من مناسك الحج وهدي إبراهيم عليه السلام وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – صلى الله عليه وسلم – بسنته وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد.– كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن النصف فما زاد ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها وأن الا يضحى بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها والشرقاء التي شقت أذنها والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالمصلى ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة.– وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب.*سنن الحبيب– ومن جملة هديه صلى الله عليه وسلم في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته:1- استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث.2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة بأن تكون الذكاة بآلة حادة وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم.3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك.4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وفي رواية: أقرنين فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده.5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً وتوارى السكين عنها ولا يظهر السكين إلا عند الذبح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. 6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي صلى الله عليه وسلم أن دعا بقبول الأضحية منه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store