logo
حين يُخطئ الروبوت.. مَن يدفع الثمن؟

حين يُخطئ الروبوت.. مَن يدفع الثمن؟

الوطنمنذ 5 أيام
حين شرعت في بحثي الأكاديمي حول جرائم الذكاء الاصطناعي وآليات التصدي لها على المستويين الدولي والوطني، لم أكن أتخيّل أنني سأصطدم بهذه المساحات الرمادية من الفراغ القانوني، التي تحيط بما يُسمى اليوم بـ«الأخطاء الذكية»، ما كان يبدو لي في البداية تمريناً افتراضياً على الورق، بات مشهداً حياً يمر من بين تفاصيل الواقع، يتقاطع مع حياة الأفراد، ويطرق أبواب الأمن القانوني والاجتماعي بأسئلة مقلقة: ماذا لو أخطأ الروبوت؟ ومَن يدفع الثمن في هذه المعادلة الصامتة؟
الحوادث الناتجة عن الخوارزميات لم تعد مجرد سيناريوهات خيالية، ففي عام 2015، لقي عامل ألماني حتفه تحت ذراع روبوتية داخل مصنع فولكسفاغن، لم يكن هناك بشر مسؤول بشكل مباشر، بل نظام مبرمج تَصرّف على نحو لم يكن محسوباً، أمام هذه الحادثة، تحرك البرلمان الأوروبي، وأصدر عام 2017 تقريراً يُوصي بفرض التأمين الإلزامي على الروبوتات المستقلة، وإنشاء سجل قانوني خاص بها، وتأسيس صندوق تعويض في حال غياب طرف بشري مسؤول، تفاعلت كبرى شركات التأمين، مثل Allianz وMunich Re، وأطلقت بوليصات مخصصة للأضرار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث تشير تقارير عام 2023 إلى أن ما يقارب 63% من شركات التأمين الأوروبية تملك اليوم منتجات تأمينية متخصصة لهذا النوع من المخاطر. أما في دول الخليج، حيث تشهد المنطقة تسارعاً مذهلاً في مشروعات التحول الرقمي، فإن هذا النوع من التأمين لا يزال في طور الغياب، الروبوتات دخلت مجالات الأمن والصحة والتعليم والخدمات، إلا أن تشريعاتنا لم تلزم حتى الآن مشغّليها بأي تأمين يُحصّن المجتمع من أخطائها المحتملة، ومن منطلق تخصصي في هذا المجال، لا أرى في هذا الغياب فراغاً تنظيمياً فحسب، بل ثغرة قانونية وأخلاقية، قد تُفضي إلى انتهاكات صامتة لحقوق الأفراد دون وجود جهة تحمل المسؤولية أو توفر التعويض.
فحين نناقش مسألة التأمين الإلزامي، فإننا لا نتحدث فقط عن حسابات مالية أو ترتيبات إدارية، بل عن صميم حماية حقوق الإنسان، فالحق في الحياة، والسلامة الجسدية، هي حقوق لا يمكن المجازفة بها في مواجهة «عقل غير بشري»، وإن كانت الروبوتات تخلق مخاطر على هذه الحقوق – كما هو الحال في بعض حالات الخلل الخوارزمي – فإن الواجب القانوني والأخلاقي يُحتم على الدول ومؤسساتها ضمان تعويض فعّال، والتزام شفاف، لا يُترك لمزاج السوق أو فجوات التشريع، من هنا، فإن توصية البرلمان الأوروبي ليست فقط إطاراً قانونياً، بل التزاماً إنسانياً يؤسّس لعدالة تواكب الزمن.
هذه الحاجة الملحّة تدفعنا لإعادة التفكير في موقع الروبوت من المنظومة القانونية: هل نراه أداة؟ أم فاعلاً قانونياً غير بشري؟ الفقه التقليدي يُوزع المسؤولية على المستخدم أو المصنع أو المبرمج، لكنه يعجز عن تفسير الخطأ حين يصدر من «قرار خوارزمي»، ولهذا، تدعو بعض الدراسات لمنح الروبوت شخصية قانونية إلكترونية، تُربط بسجل تأميني، وتُخضعه للمساءلة.
ولعل النموذج الكوري الجنوبي جدير بالذكر، حيث قامت شركة Neubility، بالتعاون مع شركة التأمين Dongbu، بإطلاق بوليصات تغطي روبوتات التوصيل الذكية، تصل تعويضاتها إلى 700000 دولار في حال الضرر، ورغم أن دول الخليج تبذل جهوداً كبيرة لتعزيز حقوق الإنسان ومواكبة التطور التقني، إلا أن هذا النوع من التأمين ما زال ينتظر تفعيله ضمن إطار تشريعي شامل يضمن الأمان الرقمي والسلامة البشرية في آن.
ومن خلال تجربتي البحثية المتعمقة في هذا المجال، أصبح واضحاً أن مستقبل العدالة لا يُبنى في قاعات المحاكم وحدها، بل في مدى قدرة المنظومات القانونية على التنبؤ، لا الاكتفاء برد الفعل، وعلى احتواء مخاطر التقنية قبل أن تتحول إلى أضرار، وهنا، يصبح دور شركات التأمين جزءاً من شبكة الحماية القانونية والاجتماعية، لا مجرد جهة مالية كنوع من الآليات الدولية لمواجهة جرائم الذكاء الاصطناعي، فنحن لا نحتاج فقط إلى برمجة الروبوتات على الدقة، بل إلى برمجة قوانيننا على التوقّع، والوقاية، والإنصاف.
وحين يُخطئ الروبوت في غياب منظومة تعترف بخطئه وتُحمّله المسؤولية، فإن الذي يدفع الثمن ليس الآلة.. بل الإنسان.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العالم مهدد بخسارة 39 تريليون دولار بسبب اختفاء الأنهار
العالم مهدد بخسارة 39 تريليون دولار بسبب اختفاء الأنهار

البلاد البحرينية

timeمنذ 20 ساعات

  • البلاد البحرينية

العالم مهدد بخسارة 39 تريليون دولار بسبب اختفاء الأنهار

حذّر تقرير صادر عن اتفاقية الأراضي الرطبة (رامسار) من أن استمرار تدهور الأراضي الرطبة حول العالم قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة تصل إلى 39 تريليون دولار بحلول عام 2050، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على هذه النظم البيئية الحيوية. ووفقًا للتقرير الصادر أمس الثلاثاء، فإن الأراضي الرطبة، بما في ذلك المستنقعات والأنهار والبحيرات وأشجار المانغروف والشعاب المرجانية، تتعرض لتدهور متسارع، حيث اختفى أكثر من 22% منها منذ عام 1970، في أكبر وتيرة فقدان لأي نظام بيئي عالمي. الأراضي الرطبة: درع طبيعي ضد تغير المناخ والكوارث تؤدي الأراضي الرطبة دورًا محوريًا في مواجهة التغير المناخي، إذ تساهم في تنظيم الفيضانات وتنقية المياه وامتصاص الكربون. كما توفر مصدر رزق لملايين الأشخاص من خلال مصايد الأسماك والزراعة، إلى جانب قيمها الثقافية والبيئية. لكن التقرير أشار إلى أن هذه الوظائف الحيوية مهددة بفعل الأنشطة البشرية والتوسع العمراني والتلوث وتغير استخدامات الأراضي، بالإضافة إلى الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر. خسارة تعادل نصف مليار ملعب كرة قدم تشير البيانات إلى أن العالم فقد ما يعادل 411 مليون هكتار من الأراضي الرطبة، أي ما يساوي نصف مليار ملعب كرة قدم، فيما تم تصنيف ربع المناطق الرطبة المتبقية بأنها تعاني من التدهور البيئي. دعا التقرير إلى ضرورة ضخ استثمارات سنوية تتراوح بين 275 و550 مليار دولار لوقف تدهور الأراضي الرطبة وإعادة تأهيل ما يمكن إنقاذه، مشيرًا إلى أن التمويل الحالي يعتبر "ضعيفًا للغاية" ولا يرقى إلى حجم التحديات البيئية. وقال هيو روبرتسون، رئيس الفريق المعد للتقرير: "لا يمكننا الاستمرار في تجاهل هذا التدهور البيئي الهائل، العواقب الاقتصادية والبيئية ستكون كارثية". أفريقيا وأمريكا اللاتينية في قلب الأزمة البيئية أشار التقرير إلى أن أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي تشهد أسوأ معدلات فقدان الأراضي الرطبة، بينما تتصاعد المخاطر في أوروبا وأمريكا الشمالية. وتعمل دول مثل زامبيا وكمبوديا والصين على تنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل الأنظمة البيئية المتضررة. ومن المقرر أن يُطرح التقرير للنقاش خلال الاجتماع الدولي للأطراف في اتفاقية رامسار، الذي تستضيفه مدينة شلالات فيكتوريا بزيمبابوي الأسبوع المقبل، بمشاركة 172 دولة وقّعت على الاتفاقية منذ عام 1971، لكن لم يتأكد حتى الآن حضور جميع الوفود الرسمية. تم نشر هذا المقال على موقع

الحكم بالسجن أكثر من 4 أعوام على رجلين قطعا شجرة شهيرة في بريطانيا
الحكم بالسجن أكثر من 4 أعوام على رجلين قطعا شجرة شهيرة في بريطانيا

الوطن

timeمنذ 2 أيام

  • الوطن

الحكم بالسجن أكثر من 4 أعوام على رجلين قطعا شجرة شهيرة في بريطانيا

حُكم الثلاثاء على رجلين أُدينا بقطع شجرة شهيرة بالمملكة المتحدة (بريطانيا)، في عمل أثار غضباً واسعاً على مستوى البلاد، بالسجن أكثر من 4 أعوام. وأدانت هيئة محلفين بمحكمة نيوكاسل في مايو (أيار) الماضي دانيال غراهام (39 عاماً) وآدم كاروثرز (32 عاماً) لقطعهما شجرة في منطقة سيكامور غاب عام 2023، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية». وحظيت «سيكامور غاب تري»، التي كانت تقع بين تلتين، ويبلغ عمرها مائتي عام، بشهرة عالمية بفضل فيلم «روبن هود» عام 1991، ويظهر فيه النجمان كيفن كوستنر ومورغان فريمان، وهما يسيران أمام هذه الشجرة الضخمة. وقُدرت الأضرار التي ألحقها هذا العمل التخريبي بالشجرة بأكثر من 622 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 816 ألف دولار)، فيما قُدِّرَت الأضرار التي لحقت بـ«جدار هادريان» القريب، المصنّف من «اليونيسكو» موقعاً للتراث العالمي، بنحو 1144 جنيهاً استرلينياً (1521 دولاراً). وأثار قطع هذه الشجرة غضباً وانفعالاً في المملكة المتحدة، نظراً لتعلق عامة الناس بها. وفي إعلانها القرار بالمحكمة نفسها، قالت القاضية كريستينا لامبرت إن أفعالهما انطوت على «درجة كبيرة من التخطيط والتحضير» وأدّت إلى «صدمة وذهول» على نطاق واسع. وأضافت أن الشجرة كانت بالنسبة إلى المقيمين في المقاطعة «معلماً ورمزاً لجمال المناظر الطبيعية البرية». وحُكم على كل من غراهام وكاروثرز بالسجن 4 سنوات و3 أشهر. وكان الرجلان توجها إلى الموقع قرب هيكسهام بسيارة غراهام من نوع «رينج روفر» ليلة 27 سبتمبر (أيلول) 2023، وقطعا جذع الشجرة بمنشار كهربائي في غضون دقائق، وفقاً لما ذكره المدعي العام ريتشارد رايت في جلسة سابقة. وأضاف: «بعد إتمام مهمتهما الحمقاء، عاد الرجلان في سيارة الـ(رينج روفر) إلى كارلايل»، حيث كانا يقيمان. واختيرت شجرة القيقب، التي كانت تُلتقط أمامها صور عائلية وصور زفاف للذكرى، «شجرة العام في إنجلترا» عام 2016. وعدّت هيئة «هيستوريك إنغلاند» الحكومية أن خسارة هذه الشجرة «تركت أثراً شديداً على الناس في شمال شرقي إنجلترا، وأيضاً على المستويين الوطني والعالمي».

عُثر عليها في النيجر..طرح أكبر صخرة من كوكب المريخ بمزاد علني في نيويورك
عُثر عليها في النيجر..طرح أكبر صخرة من كوكب المريخ بمزاد علني في نيويورك

البلاد البحرينية

timeمنذ 4 أيام

  • البلاد البحرينية

عُثر عليها في النيجر..طرح أكبر صخرة من كوكب المريخ بمزاد علني في نيويورك

تنظم دار "سوذبيز للمزادات" في نيويورك، الأربعاء المقبل، مزادا لبيع أكبر صخرة من المريخ تم اكتشافها على سطح الأرض، والتي يبلغ وزنها 54 رطلا (25 كلغ)، وذلك بسعر يتراوح بين مليوني إلى أربعة ملايين دولار، بحسب التقديرات الأولية. وتطرح "دار سوذبيز" الصخرة المعروفة باسم NWA 16788 ضمن مزاد خاص بالتاريخ الطبيعي، والذي يتضمن أيضا هيكلا عظميا لديناصور سيراتوصور صغيرا، يتجاوز ارتفاعه 6 أقدام (مترين) ويبلغ طوله نحو 11 قدما (3 أمتار). وقالت دار المزادات إن النيزك يعتقد أنه انفصل عن سطح كوكب المريخ نتيجة اصطدام كويكب ضخم به، قبل أن يقطع مسافة 140 مليون ميل (225 مليون كيلومتر) ليصل إلى الأرض، حيث سقط في الصحراء الكبرى، وفق وكالة "فرانس برس"(أ.ف.ب). وأضافت الدار أن باحثا عن النيازك عثر عليه في النيجر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وأوضحت "دار سوذبيز" أن هذه الكتلة الصخرية ذات الألوان الحمراء والبنية والرمادية أكبر بنحو 70% من ثاني أكبر قطعة من المريخ تم اكتشافها على سطح الأرض، وتبلغ أبعادها نحو 15 بوصة × 11 بوصة × 6 بوصات (375 ملم × 279 ملم × 152 ملم). وقالت نائبة رئيس قسم العلوم والتاريخ الطبيعي في دار سوذبيز، كاساندرا هاتون، في مقابلة، إن "هذا النيزك المريخي هو أكبر قطعة من كوكب المريخ تم اكتشافها على الإطلاق بفارق كبير. لذا، فهو يزيد عن ضعف حجم ما كنا نعتقد سابقا أنه أكبر قطعة معروفة من المريخ". ويقام المزاد، الأربعاء المقبل، ضمن فعاليات "أسبوع المهووسين 2025"، الذي تنظمه دار سوذبيز ويضم 122 قطعة، من بينها نيازك أخرى وأحافير ومعادن ذات جودة عالية تشبه الأحجار الكريمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store