حلم الأمومة خلف القضبان: معركة قانونية غير مسبوقة في مصر
Getty Images
تزوجت مريم -اسم مستعار- في عام 2014 وكانت تحلم بالأمومة، ولكن وضعها الصحي لم يمكنها من الحمل بشكل طبيعي. وبعد عدة محاولات من خلال عملية الحقن المجهري، تكللت إحداها بالنجاح لتصبح حاملاً بتوأم ثلاثي.
إلا أن القدر لم يمهلها، حيث ألقي القبض على زوجها في عام 2015، وظل محبوسًا احتياطيًا على ذمة عدد من القضايا حتى صدر ضده حكم في عام 2022 بالسجن لمدة 15 عامًا من محكمة أمن الدولة طوارئ بتهمة الانضمام إلى "جماعة إرهابية"، وفقًا للمحامي سامح سمير، عضو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية٬ لـبي بي سي.
يقول إيهاب الجارحي٬ محامي المدعية لـبي بي سي إن الضغط العصبي والنفسي الذي تعرضت له مريم وقت القبض على زوجها أدى إلى تدهور حالتها الصحية، وبعد الولادة فقدت أطفالها الثلاثة.
وأضاف أن النيابة العامة أعلمتها بأن الحكم سيبدأ تنفيذه من تاريخ صدوره، أي أن الزوج لن يخرج من السجن قبل عام 2037.
Getty Images
صراع بين الزمن والقانون
فقدت مريم حلمها في الإنجاب طوال 9 سنوات قضاها زوجها في السجن حتى الآن، ومع بلوغها سن 36 عامًا، تسعى إلى تحقيق حلمها بالأمومة قبل أن تتضاءل فرصها مع اقترابها من سن الأربعين.
تقدمت الزوجة بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية للسماح لها بالحصول على عينة سائل منوي من زوجها لإجراء عملية الحقن المجهري، لكنها لم تتلقَ أي رد، بحسب محاميها.
فقررت اللجوء إلى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمحامي إيهاب الجارحي، لتقديم دعوى قضائية "لإلزام وزارة الداخلية بالسماح لها بالحصول على عينات وتحاليل من زوجها السجين لإتمام عملية الحقن المجهري على نفقتها الخاصة"، بحسب الدعوى المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري والتي حصلت بي بي سي على نسخة منها.
وأشارت الدعوى إلى أن هذا الطلب لا ينطوي على أي "إخلال قانوني"، بل يمثل إجراءً طبيًا ضروريًا يتماشى مع القوانين التي تتيح للمسجونين الحصول على الرعاية الصحية اللازمة٬ وفقا للمحامي سامح سمير.
الدعوي حاليًا أمام هيئة مفوضي الدولة، وعقدت الجلسة الأولى في 15 فبراير/شباط 2025 ،وأرجئت الدعوي للنظر مرة أخري وجلب المزيد من المستندات. ويرى المحامون أن الحكم سيكون له تأثير كبير على قضايا مماثلة، خاصة في ظل غياب أي سوابق قانونية لهذا النوع من الطلبات، وبالتالي قد يفتح حكم المحكمة الباب أمام مطالبات مشابهة في المستقبل.
هل "الخلوة الشرعية" خيار؟
من بين الحلول التي فكرت فيها الزوجة كانت "الخلوة الشرعية"، إلا أن حالتها الصحية لا تسمح لها بالإنجاب بالطريقة الطبيعية، ولا بد من التدخل الطبي، بحسب المحامي سامح سمير، الذي أضاف أن تلك الخلوة لم يعد يسمح بها في السجون المصرية، فضلًا عن أن الأمر يؤدي إلى "إحراج وخدش حيائها لا تطيقه".
مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء فاروق المقرحي، أكد أن القانون لا يوجد فيه ما ينص على حق اللقاء الانفرادي بين الزوج والزوجة والذي يُعرف بـ"الخلوة الشرعية"، ولكنها طُبقت في فترات سابقة بناءً على طلبات بعض المسجونين ممن انتموا للجماعات الإسلامية. إلا أن الأمر توقف لاعتبارات اجتماعية وصحية، بحسب تعبيره.
وأضاف المقرحي أنه يسمح بزيارات منزلية في حالات محددة بناءً على طلب السجين وبعد قضائه مدة معينة وحسن سيرته داخل السجن.
في المقابل، تسمح بعض الدول العربية مثل السعودية بالخلوة الشرعية ضمن ضوابط محددة، حيث يتم توفير أماكن مخصصة داخل السجون، بحسب الموقع الرسمي وزارة الداخلية السعودية. كذلك تسمح قطر بالأمر وفق ضوابط محددة.
Getty Images
قضية غير مسبوقة في المحاكم المصرية
يؤكد عدد من خبراء القانون الذين تواصلت معهم بي بي سي أن هذه القضية غير مسبوقة، وستشكل نتيجتها سابقة قانونية قد تؤثر على قضايا مماثلة مستقبلًا.
ترى المحامية مها أبو بكر أنه "من الناحية القانونية، لا يوجد نص يمنع هذا الإجراء، وبالتالي يظل الأصل هو الإباحة طالما لم يصدر تشريع واضح بحظره".
من جهتها تقول المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إن هذا الطلب يمكن اعتباره ضمن إطار الإجراءات الطبية التي يمكن للسجين القيام بها في إحدى المستشفيات.
وبحسب الدعوى، فإن مستشفى السجن بها الإمكانيات "الكافية لسحب كافة عينات التحاليل المطلوبة قبل العملية، فضلًا عن إتاحة القانون للمسجون أن ينتقل إلى مستشفى حكومي لأي إجراءات طبية ضرورية لإتمام عملية الحقن المجهري للزوجة".
ويوضح اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ، إن هذا النوع من الطلبات لم يُطرح من قبل طوال فترة عمله التي زادت على ثلاثين عامًا، وبالتالي يحتاج إلى دراسة متأنية.
ويضيف المقرحي: "عملية الحقن المجهري ليست مجرد إجراء طبي فقط، بل ترتبط بأبعاد قانونية واجتماعية وأخلاقية يجب النظر إليها بتمعن. وأوضح أن الوضع القانوني للسجين يجب أن يؤخذ في الاعتبار بجدية، حيث إنه "لا يجب دعم أو التعاطف مع شخص مدان بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، لأنه قد يؤثر علي مستقبل الطفل".
يقول إيهاب الجارحي٬ محامي المدعية٬ أن الدعوة تستند إلى مبدأ شخصية العقوبة الذي نص عليه الدستور المصري، بحيث لا تطال العقوبة غير الجاني الذي ثبتت مسؤوليته عنها٬ بالتالي يجب النظر إلي حق المدعية في الإنجاب مهما كان الوضع القانوني للزوج.
Getty Images
ماذا عن مستقبل الطفل؟
أشارت المحامية مها أبو بكر إلى أن الوضع القانوني للزوج لن يؤثر بالضرورة علي سير القضية، ولكن يجب أيضًا مراعاة العوامل الاجتماعية والنفسية وتأثير وجود طفل بدون أب لفترة طويلة داخل السجن، "فبينما تمتلك الأم الحق في اتخاذ قرارات إنجابية، يجب أن يكون هناك تقييم لمدى قدرة الطفل على العيش في بيئة مستقرة".
من جهتها، ترى المحامية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن "الحق في الإنجاب هو جزء أساسي من حقوق الإنسان، ويجب ألا يُحرم أي شخص منه بسبب وضعه القانوني أو الاجتماعي".
وتضيف أن "القانون المصري لا يميز بين النساء بناءً على ظروف أزواجهن، ومن ثم يجب التعامل مع هذه القضية على أنها مسألة تتعلق بالحق الشخصي للمرأة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 2 ساعات
- الوسط
حادثة إعدام "خاطفة الدمام" تثير الجدل في السعودية
Getty Images صورة تعبيرية نفّذت السطات السعودية، الأربعاء، حكم القتل بالتعزير (الإعدام) بحق المواطنة مريم المتعب المعروفة بـ"خاطفة الدمام" وشريكها اليمني، منصور قايد، بعد إدانتهما بتهمة خطف ثلاثة أطفال قبل أكثر من 25 عاماً. تعود القضية إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، ووقعت أحداثها في المنطقة الشرقية من المملكة. ظهرت القضية للعلن عام 2020، حينما حاولت المرأة استخراج أوراق ثبوتية للأطفال بعد بلوغهم سن العشرينيات، وذلك بغرض العمل والزواج. وأسهمت عزلة المرأة عن الناس وانقطاعها عن الأهل في تأجيل الكشف عن جريمتها، وفق بيان سابق للنيابة السعودية، حيث قامت المرأة بتربية الأطفال والاعتناء بهم، وأخيراً محاولة نسبهم إليها وإلى رجال غير آبائهم. وقالت وزارة الداخلية السعودية في بيان الأربعاء: "أقدمت مريم بنت محمد بن حمد المتعب، سعودية الجنسية، وبمشاركة منصور قايد عبدالله، يمني الجنسية، على خطف ثلاثة أطفال حديثي الولادة من مأمنهم بالمستشفى، وذلك عن طريق الحيلة والخداع على أمهاتهم، ونسب المخطوفين إلى غير آبائهم، وممارسة أعمال السحر والشعوذة، وقيام منصور بتسهيل مهام مريم المذكورة والتستر عليها في وقائع الخطف بعد علمه بذلك". وأضاف البيان أن الجهات الأمنية تمكنت من القبض على المتهمين، وأسفر التحقيق معهما عن توجيه الاتهام إليهما بارتكاب الجريمة. وبإحالتهما إلى المحكمة المختصة، تمت إدانتهما وصدر بحقهما الحكم المشار إليه. وتابع: "ولأن ما قاما به المدعى عليهما فعل محرم ومعاقب عليه شرعاً، وهو من الاعتداء على الأنفس البريئة مسلوبة الإرادة، ومن الإفساد في الأرض، فقد تم الحكم عليهما بالقتل تعزيراً". وأكد البيان أن الحكم أصبح نهائياً، بعد أن نال كافة درجات التقاضي وأُيّد من المحكمة العليا، ثم صدر أمر ملكي بإنفاذه. وأثار تنفيذ حكم الإعدام بحق خاطفة الدمام ترحيب كثير من السعوديين، الذي أعربوا عبر وسائل التواصل عن سعادتهم لتحقيق العدالة. ما هو القتل تعزيراً؟ تعد عقوبة القتل بالتعزير أحد ركائز النظام القضائي في المملكة، والذي يقوم على أحكام الشريعة الإسلامية. وتفرض هذه العقوبة على الجرائم التي لم تقرر لها الشريعة الإسلامية عقوبة محددة، وترك تقديرها لولي الأمر الذي يتمثل الآن في سلطات الدولة المعنية. ولكلمة "تعزير" في اللغة العربية معانٍ عديدة أبرزها: الردع والمنع كما تعني أيضاً اللوم أو التأديب. وتعني الكلمة اصطلاحاً: العقوبة التي يفرضها الحاكم على المذنب بما يراه مناسبا، وذلك جزاء على عقوبة ليس فيها حد مقدر في الشرع، بهدف ردع الجاني وغيره عن معاودة ارتكاب الجريمة. وتستهدف هذه العقوبة الجرائم التي تهدد أمن وسلامة المجتمع مثل تجارة المخدرات وتهريبها والخطف وغيرها. وتخضع القضايا التي قد تستلزم هذه العقوبة إلى تحقيقات شاملة، تليها محاكمات تأخذ في الاعتبار جميع الظروف المحيطة بالجريمة. ومنذ أبريل/ نيسان عام 2020، أوقفت السعودية أحكام القتل تعزيراً لمن لم يبلغوا 18 عاما من العمر وقت ارتكابهم الجريمة. ورغم بشاعة جريمتها، أثار تنفيذ حكم الإعدام في المرأة مشاعر متناقضة لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية، إذ انتقد بعضهم فرحة الشباب الذين كانوا مخطوفين بإعدامها على الرغم من قيامها بتربيتهم، لكن آخرين دافعوا عن هذه الفرحة. جذور القضية تعود وقائع القضية إلى خطف ثلاثة أطفال بالمنطقة الشرقية من المملكة في التسعينيات وهم: نايف القرادي، اختطف من مستشفى القطيف المركزي عام 1994. يوسف العماري، من مستشفى الولادة والأطفال بالدمام عام 1997. وفي عام 2000 اختطف موسى الخنيزي من المستشفى ذاته. كيف تكشفت الجريمة؟ في عام 2020، تقدمت مريم المتعب بطلب استخراج أوراق ثبوتية - هوية وطنية بغرض العمل والزواج - لطفلين زعمت أنها لقيطان عثرت عليهما قبل أكثر من 20 عاماً، وتولت تربيتهما والاعتناء بهما، وهو ما أثار شكوك السلطات المختصة. أحيل الملف إلى النيابة العامة، التي باشرت التحقيق وربطت الواقعة بسلسلة من بلاغات اختفاء أطفال من المستشفيات في التسعينيات، وأمرت بإجراء الفحوصات البيولوجية لإثبات النسب الحقيقي للأطفال. وفي بيان أصدره المتحدث باسم النيابة العامة في السعودية بتاريخ 17 أبريل/ نيسان 2020، قال إن "النتائج البيولوجية وردت بعدم ثبوت نسب المخطوفين إلى المتهمة، وثبوت نسبهم لأسر سعودية أخرى سبق أن تقدمت ببلاغات عن اختطاف أطفالهم". وأضاف المتحدث أن فريق التحقيق في النيابة العامة "نفّذ 247 إجراءً في القضية، منها 40 جلسة تحقيق مع 21 متهماً وشاهداً، وانتهى بتوجيه الاتهام لخمسة أشخاص، بينهم السيدة التي تولت عملية الخطف، ومساعدان لها، أحدهما يمني الجنسية". ومع تكشف خيوط الجريمة عاد الأطفال المختطفون إلى ذويهم الحقيقيين، وبصدور وتنفيذ الحكم بالقتل تعزيراً على مريم المتعب وشريكها اليمني، منصور قايد، الذي ساعدها في التستر على جرائم الخطف وتسهيل تنفيذها. بالمرأة الخاطفة، التي أدينت أيضاً بممارسة أعمال السحر والشعوذة، متمنياً أن تطبق هذه العقوبة على من يمارس السحر والشعوذة في ليبيا. ومع ذلك، أثارت هذه العقوبة غضب بعض المنظمات الحقوقية، كما جاء على حساب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.


الوسط
منذ 4 أيام
- الوسط
سوريا تبدأ مرحلة "العدالة الانتقالية" وتحذر التنظيمات المسلحة من تحدي سلطة الدولة
Getty Images هيئة العدالة الانتقالية ستعمل على "محاسبة" من تورط في انتهاكات ضد السوريين أصدرت رئاسة المرحلة الانتقالية السورية قرار تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، استنادا إلى الإعلان الدستوري للبلاد. كما دعا وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، المجموعات المسلحة الصغيرة التي لم تندمج بعد مع الأجهزة الأمنية إلى القيام بذلك في غضون "عشرة أيام". وأصدر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، يوم الأحد، مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، إيمانا بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة". وبحسب المرسوم فإن الهيئة تهدف إلى كشف وتوثيق "الانتهاكات" الجسيمة التي "ارتكبها النظام السابق" بحق المواطنين، ومحاسبة المسؤولين عنها، بالإضافة إلى "تعويض الضحايا" وجبر الأضرار التي لحقت بهم. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن تشكيل الهيئة برئاسة عبد الباسط عبد اللطيف، وهو مكلف بوضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ الإعلان الصادر في 17 مايو/آيار. وتعد هذه الخطوة متوافقة مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد في فبراير/شباط الماضي. وتتمتع الهيئة بـ "الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري"، وتمارس أعمالها في جميع أنحاء سوريا. وكان هناك مطالبات كثيرة بأهمية العمل على تحقيق العدالة الانتقالية كجزء لا يتجزأ من الحل السياسي الشامل في سوريا. تحذير المسلحين Getty Images حذر أبو قصرة في بيان على منصة إكس، مساء السبت، من أن هذه المجموعات "ستواجه إجراءات غير محددة"، وتأتي هذه المناشدات والتحذيرات في إطار محاولة السطلة الانتقالية في دمشق ترسيخ سلطة الدولة بعد ستة أشهر من الإطاحة ببشار الأسد. وشكّل انتشار الأسلحة خارج سيطرة الحكومة تحدياً لجهود رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، التي تسعى إلى ترسيخ سلطة الدولة ومواجهة فوضى السلاح في البلاد سواء من الجماعات المؤيدة له أو المعارضة. وأكد وزير الدفاع السوري في البيان على أن "الوحدات العسكرية" قد دُمجت الآن في "إطار مؤسسي موحد"، واصفاً ذلك بالإنجاز الكبير. لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة انضمام "المجموعات المسلحة الصغيرة" المتبقية إلى الوزارة خلال مدة أقصاها عشرة أيام من تاريخ هذا الإعلان، لاستكمال جهود التوحيد والتنظيم. ولم يحدد الوزير أسماء الفصائل التي يقصدها أو مناطق تواجدها على الأراضي السورية، لكنه لم يكن موجها إلى جماعة بعينها مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي قوة كبيرة يقودها الكرد وحاربت تنظيم الدولة (داعش) بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال الشرقي. ووقعت قسد بقيادة الجنرال مظلوم عبدي، اتفاقا مع الشرع في وقت سابق من هذا العام، يتضمن الاندماج مع مؤسسات الدولة السورية وخاصة وزارة الدفاع. اختراق هام وحققت السطلة المؤقتة تقدما هاماً في السياسة الخارجية، بعد لقاء الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السعودية الأسبوع الماضي، والإعلان عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وعلق وزير الداخلية السوري أنس خطاب، على القرار الأمريكي بأنه سوف يدعم الجهود "لتعزيز الأمن والاستقرار وتعزيز السلم الأهلي في سوريا والمنطقة". وواجهت سوريا عدة موجات عنف هذا العام، في المناطق الجنوبية والساحل السوري في الغرب. وفي الجنوب أفادت تقارير بمقتل أكثر من 100 شخص في اشتباكات اندلعت بين مسلحين سنة ومقاتلين دروز في مناطق درزية قرب دمشق، في أبريل/نيسان الماضي. ونفذت السلطات السورية مداهمات يوم السبت استهدفت "خلايا" تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في حلب.


الوسط
منذ 7 أيام
- الوسط
"الاكتئاب المبتسم كان سبباً في انتحار ابنتي"، فهل يعاني أبناؤنا بصمت؟
Getty Images وراء الضحكات التي كانت تملأ وجه "شهد" إشراقاً، كان يكمن ألم عميق وصراع مع الاكتئاب، انتهى بقرار مفاجئ أنهت به حياتها. "شهد كانت طبيعية جداً، اجتماعية، نشيطة، وحين أناديها دائماً كانت تلتفت إليّ مبتسمة. لم يظهر عليها أي شيء يدعو للقلق، بل على العكس، كانت تضحك الليلة السابقة للحادثة على أمور بسيطة، وكان ضحكها مبالغاً فيه، وهذا كان المؤشر الوحيد، لكنني لم أفهمه وقتها". في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول عام 2024، أنهت الطالبة شهد، البالغة من العمر 17 عاماً، حياتها داخل دورة المياه في مدرستها في سلطنة عُمان. وتروي والدتها، السيدة عذراء، لبي بي سي تفاصيل الحادثة المؤلمة. "ابتسامة المراهق قد تُخفي سراً" صرحت والدة شهد لبي بي سي أن ابنتها "توفيت اختناقاً"، لكنها لم تكشف عن الوسيلة أو الطريقة. في الأشهر الأخيرة، لاحظت الأم أن سلوك شهد أصبح أكثر لطفاً داخل المنزل، وكانت تتحدث بإيجابية عن علاقاتها في المدرسة، وقد أكدت لها شهد أن بعض الفتيات اللاتي كن يتنمرن عليها قد تحسن تعاملهن معها وأصبحن أكثر وداً. وأضافت: "من الساعة العاشرة حتى الواحدة والنصف، غابت شهد عن الغرفة الصفّية بينما كانت حقيبتها موجودة داخلها. ورغم ذلك، لم يقم أحد من المعلمات أو الطالبات بالبحث عنها، وعندما تم العثور عليها، كانت في دورة المياه". بعد الحادثة، تم تشخيص حالة شهد بما يعرف بالـ "الاكتئاب المبتسم" بعد الاضطلاع على دفتر مذكراتها، التي بدأت في اللجوء إليه للتعبير عما بداخلها منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وهو ذات التوقيت الذي بدأت فيه تواجه التنمر من بعض زميلاتها. كان الدفتر يحتوي على مذكرتين مؤرختين في نفس يوم وفاتها. في الأولى كتبت: "حاولت أمس أن أقتل نفسي لكن فشلت، ربما لأنني أحب الحياة". وفي الثانية قالت: "أشعر أنني فقدت السيطرة على نفسي، أشعر أنني سأُجَنّ أو ربما أصبت بالجنون، ولا أعلم ما هي النهاية". تقول والدة شهد: "عرفت عن هذا الدفتر لأول مرة في المستشفى، لم أكن أعلم شيئاً عما تمر به. كنت أخاف على ابنتي أكثر من أي شيء، لكنني لم أبحث في دفاترها أو كتاباتها". وتضيف: لو كنت أعرف عن "الاكتئاب المبتسم"، ربما لكان لدي فكرة أنه رغم ابتسامة المراهق وضحكاته، قد يكون وراءها سرٌ خفيّ. هل يشعر المراهقون بالإرهاق؟ Getty Images تُعرّف أخصائية الإرشاد الإكلينيكي في مجال الصحة النفسية، بسمة آل سعيد، الصحة النفسية بأنها حالة من التوازن العاطفي والنفسي والعقلي، يتمتع فيها الفرد بالقدرة على مواجهة ضغوط الحياة والتأقلم معها، إلى جانب قدرته على بناء علاقات صحية مع الآخرين. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني 1 من كل 7 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً على مستوى العالم من اضطراب نفسي، ما يمثل 15 في المئة من العبء العالمي للأمراض في هذه الفئة العمرية. ورغم ذلك، "تظل هذه الحالات في الغالب غير معترف بها وغير معالجة". تشير المنظمة إلى أن الاضطرابات النفسية قد تؤثر تأثيراً عميقاً على الذهاب إلى المدرسة وأداء الواجبات المدرسية. ويمكن للانسحاب الاجتماعي أن يؤدي إلى زيادة العزلة والوحدة. ويمكن أن يفضي الاكتئاب إلى الانتحار. إذ تشير أرقام المنظمة إلى أن الانتحار يعد ثالث سبب رئيسي للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً. وتلفت آل سعيد إلى أنه في بعض الأحيان، تكون محاولات الانتحار وسيلة لطلب الانتباه أو توجيه رسالة، لكنها قد تنتهي بشكل مأساوي. اضطرابات نفسية تهدد المراهقين: كيف نحميهم؟ تتعدد الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المراهقون، كما تشير آل سعيد، ومنها: الاكتئاب، والقلق، واضطرابات الأكل، والاضطرابات الحركية، وتشتت الانتباه، واضطرابات السلوك، بالإضافة إلى إدمان الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تؤثر بشكل كبير في صحتهم النفسية. من بين الاضطرابات التي يعاني منها المراهقون، تبرز اضطرابات القلق كأكثرها شيوعاً. وتشير الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن 5.5 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً يعانون من اضطرابات القلق. كما تعتبر الاضطرابات السلوكية ، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، من المشكلات الشائعة بين المراهقين ويؤثر على 2.9 في المئة منهم، بحسب المنظمة. وتوضح آل سعيد أن من أمثلة الاضطرابات النفسية الشائعة التي يعاني منها المراهقون؛ الاكتئاب، ومنها "الاكتئاب المبتسم". وتكمن خطورة هذا النوع من الاكتئاب في صعوبة ملاحظته من قِبل الآخرين، مما يعقّد عملية تقديم الدعم والمساعدة. تضيف آل سعيد أن المكتئب المبتسم هو الشخص الذي يخفي آلامه خلف ابتسامة، ويظهر أمام الآخرين وكأنه طبيعي. "قد يكون ناجحاً، نشيطاً، واجتماعياً، لكنه في الواقع يعاني في صمت". وتشير آل سعيد إلى أهمية انتباه الأهل للتغيرات السلوكية والنفسية التي تظهر على أبنائهم، إذ إن التدخل المبكر قد يساهم في تقديم الدعم النفسي المناسب ويحول دون تفاقم المشكلة أو تطورها مستقبلاً. الإصغاء أمر ضروري، فالمراهقون في كثير من الأحيان "يتكلمون بصمت". من أبرز هذه العلامات التغيير المفاجئ في السلوك أو المزاج: إذا لاحظ الأهل تصرفات غير معتادة أو تغييرات مفاجئة في مزاج الطفل، قد يكون ذلك مؤشراً على وجود مشكلة. ورغم أن البعض يعتقد أن هذه التغيرات جزء من مرحلة المراهقة، إلا أن هناك فرقاً بين التغيرات الطبيعية والمشكلات النفسية التي تتطلب تدخلاً. الانعزال قد يكون أمراً طبيعياً لفترة قصيرة، لكنه يصبح مقلقاً إذا تحول إلى انعزال كلّي عن العائلة والأصدقاء لفترات طويلة، مما يستدعي انتباه الأهل لمراجعة حالته النفسية. Getty Images يُعتبر إيذاء النفس من العلامات الخطيرة التي تحدث غالباً في الخفاء، حيث يسعى المراهق لإخفاء الجروح أو الآثار الناتجة عنها. ومع ذلك، قد تظهر بعض الإشارات الجسدية، مثل ارتداء ملابس طويلة بشكل غير معتاد لإخفاء آثار الإيذاء، أو تغيّرات في لغة الجسد تدل على محاولة إخفاء الألم. تروي هاجر، البالغة من العمر 23 عاماً، لبي بي سي: "تعرضتُ للتحرش وأنا في العاشرة من عمري، مما دفعني إلى الدخول في حالة نفسية سيئة وازداد شعوري بكراهية جسدي". في سن الخامسة عشرة، حاولت هاجر الانتحار، ولم يكن ذلك بسبب التحرش فقط، بل أيضاً بسبب انتقالها من دولة إلى أخرى، مما سبّب لها صدمة نفسية. "أصبحتُ أنعزل عن العالم وأبتعد عن الاختلاط بالآخرين". " كنت أشعر بسعادة عند رؤية الدم، وكأنني تخلصت من مشاعري السلبية لهذا قمت بإيذاء نفسي بجرح يدي". بدأتْ هاجر بارتداء ملابس طويلة حتى في فصل الصيف لإخفاء أي آثار للإيذاء الجسدي. وتصف هاجر ما مرّت به قائلة: "لا أعتبرها تجربة انتحار، بل هي محاولة لتفريغ مشاعري، إلا أنني في بعض اللحظات أردتُ الموت". لجأت هاجر إلى جلسات العلاج النفسي عبر الإنترنت مع الأخصائية نور وليد، بسبب "صعوبة الوصول إلى العلاج النفسي في اليمن". وتصف هاجر تجربتها العلاجية بأنها كان لها تأثير عميق في حياتها، إذ أصبحت أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرها وحققت نضجاً أكبر. وتؤكد قائلة: "أنا اليوم بخير". ومن العلامات المهمة التي يجب الانتباه لها تغيُّرات في نمط الأكل مثل فقدان الشهية الشديد أو الإفراط في الأكل، وتقول آل سعيد: "إذا تمكّن أبناؤنا من عبور جسر المراهقة بسلام، ستكون حياتهم المستقبلية أفضل. أما إذا واجهوا اضطرابات في هذه المرحلة، فقد تستمر التحديات معهم في المستقبل". لذلك، نولي اهتماماً كبيراً لهذه الفترة الحساسة. تقول مها، ذات الـ 39 عاماً، "منذ السابعة عشرة، بدأتُ أعاني من اضطراب الطعام وزيادة الوزن، مما أدى لشعوري بالإحباط. لجأتُ لأدوية تقليل الشهية، ورغم فقداني الوزن، أصبحت أخاف من الميزان وأشعر بتأنيب الضمير إذا تناولت الطعام، وهو ما استمر معي حتى الآن". "لا أريد أن أخسر أبنائي" كشفت دراسة أجريت في جامعة مولود معمري "تيزي وزو" في الجزائر لعام 2023-2024 على 50 طالباً، أن القلق الاجتماعي، الذي يعد من أبرز الاضطرابات النفسية، يتأثر بشكل كبير بالمعاملة السلبية والتسلطية التي يتعرض لها الأبناء من الوالدين، خاصة خلال مرحلة المراهقة. وبذلك، يعاني المراهق من ضغوط داخلية وخارجية ناتجة عن تنشئته الأسرية، مما يبرز الحاجة الملحة للعناية والدعم من قِبل الوالدين ليشعر بالاستقرار النفسي ويساهم في بناء علاقات اجتماعية صحية. وقد توصلت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة بين أساليب المعاملة الوالدية ومستوى القلق الاجتماعي لدى المراهقين. تؤكد الدكتورة نهاية الريماوي، وهي معالجة نفسية واختصاصية تربوية، أن الصحة النفسية للمراهق تتأثر بتداخل عدة عوامل، أبرزها تقدير المراهق لذاته، حيث تؤثر "صورة الذات" في توازنه النفسي. ضعف الثقة بالنفس قد يؤثر سلباً على مشاعره وحياته اليومية. تروي والدة آدم، البالغ من العمر 14 عاماً، أنها لاحظت تراجع تحصيله الدراسي، وبدأت في مقارنته بزملائه. تقول: "ابني كان يشعر بالفشل ويقول 'أنا غبي'. المجتمع يركز فقط على التحصيل الأكاديمي، في حين أن ابني اجتماعي ولديه حس فكاهي، لكن تم تهميش هذه الصفات". وتضيف: "لا أريد أن أخسر أبنائي، ولن أسمح لأي معايير مجتمعية أن تقصر تقييمهم على تحصيلهم الأكاديمي. إنجازاتهم هي التي تحددهم". تشير الأخصائية بسمة آل سعيد إلى أن بعض العبارات التي يقولها المراهقون قد تكون مؤشراً على مشاعر العجز والاكتئاب. كثيراً ما يتجاهل الأهل هذه الكلمات على أنها مجرد تعبيرات عابرة، لكنها قد تكون علامات تحذيرية لمشاعر أعمق. وبدورها تؤكد الريماوي، وهي مستشارة أسرية أيضاً، أنه إذا شعر الأهل بأن الصعوبات التي يواجهها أبناؤهم المراهقون أكبر من قدرتهم على التعامل معها، فإن اللجوء إلى مختص يصبح خطوة ضرورية. لكن قبل ذلك، يجب التأكد من عدم وجود أنماط تربية خاطئة مثل الحماية الزائدة أو المقارنة المستمرة بالأقران، لأنها قد تؤدي إلى تمرد المراهقين. وتشدد على أهمية "تقبل أبنائنا كما هم"، مع مراعاة أن قدراتهم تختلف عن قدرات الآخرين. من المهم أن نركز على تعزيز الجوانب الإيجابية في شخصياتهم، ليشعروا بأنهم مميَّزون بصفاتهم الفريدة، بدلاً من فرض الصفات التي يرغب الأهل في أن يمتلكوها. Getty Images يرى المختصون أن العديد من الأسر تفتقر إلى الحوار المفتوح مع الأبناء، مما يمنعهم من فهم أفكارهم ومشاعرهم. تؤكد آل سعيد أنه من الضروري أن يتجنب الأهل ردود الفعل الحادة، حتى يشعر الأبناء بالراحة والقدرة على التعبير بحرية. كما يُفضَّل أن يكون الحوار مشابهاً لتواصل الأصدقاء، بلا أي حواجز. فالتواصل الفعّال يعد من الأسس المهمة في بناء علاقة أسرية صحية. وتشدد الريماوي على أن مرحلة المراهقة لا يُفترض أن تكون مليئة بالصراعات أو الاضطرابات النفسية، بل يمكن أن تمر بسلاسة إذا توفر للمراهق بيئة داعمة وقدرة على التعامل مع التحديات. وتوضح أن دور الأهل يبدأ منذ الطفولة، فالنشأة في بيئة مستقرة وسليمة تهيئ الطفل لدخول المراهقة بثقة وأمان. "التفهم، والحوار، والدعم النفسي، إلى جانب الحب والتقدير، تشكّل أسساً قوية لمساندة المراهق، وتعزيز نقاط قوته، ومعالجة جوانب الضعف لديه".