logo

موريتانيا: النمو المتسارع أم الانتحار المتسارع..!

الوطن١٨-٠٣-٢٠٢٥

تصاعد نزيف واردات موريتانيا من المواد الغذائية حتى تجاوز بكثير مداخيل الخزينة العامة من جميع ثروات البلاد بمختلف أنواعها...!
فما الذي أوصل قطاعنا الزراعي إلى هذا المستوى الكارثي من الفشل في تلبية احتياجاتنا الغذائية حتى إنه لا يلبي منها إلا نحو 30% حسب ما ورد في تقرير لصندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية صدر سنة 2021؟ ولماذا تحولت موريتانيا من أول دولة عرفت الزراعة في إفريقيا، أو على الأقل في غرب إفريقيا، قبل نحو 5000 سنة، كما يقول علماء الحفريات، من خلال منطقة تيشيت، إلى تذيل دول غرب إفريقيا في هذا المجال؟ وهل إلى حل من سبيل؟
تقول الأرقام الرسمية لمكتب الإحصاء الحكومي إن مداخيل الخزينة العامة لسنة 2023، من جميع ثروات البلاد، من سمك وذهب وحديد ونحاس ونفط، ومن أصول الدولة كالبنك المركزي ومطاري انواكشوط وانواذيبوا، بلغت 292,23 مليار أوقية قديمة مثلت نحو 34% من المداخيل العامة، بينما مثلت العائدات من الضرائب 60,4% والباقي هبات.
هذا في حين بلغت فاتورة الواردات الغذائية في السنة ذاتها 379 مليار أوقية قديمة حسب أرقام المكتب الحكومي نفسه.
وهذا ما يعني أن مداخيل البلاد من جميع ثرواتها وأصولها لا تغطي إلا نحو 77% من فاتورة وارداتها الغذائية السنوية، وأن علينا استكمال نحو ربع الفاتورة بالقروض الخارجية...!
فهل هذا وضع رشيد لدولة فقيرة تزداد معاناتها من عبء مديونيتها المتصاعدة وتعاني من حين لآخر من أزمة في تأمين العملة الصعبة لوارداتها الخارجية؟
إن تحليل أرقام الميزانية الوطنية يشي بغياب الإدارة السياسية الجادة لوضع حد لهذا الخلل التنموي الخطير، برغم الأحاديث الرسمية عن أولوية قطاع الزراعة والحرص على تأمين السيادة الغذائية.
فالزراعة ظلت دائما القطاع الفقير الذي لا يصرف له إلا زكاة الميزانية كما هو الحال في الميزانية الماضية المعدلة لسنة 2024، التي لا يتجاوز نصيبه فيها 2,5% مقابل أكثر من 10% للجيش.
وهذا عكس التزامات موريتانيا في إحدى القمم الإفريقية سنة 2010 وهي التزامات قضت بتخصيص الدول الإفريقية 10% على الأقل من ميزانياتها للزراعة.
وهذا الشح في التمويل الزراعي رمى بالبلاد في ذيل دول المنطقة حيث لا يتجاوز إنتاج موريتانيا من الحبوب في الموسم الزراعي الأخير 5،6% من إنتاج مالي و13% من إنتاج السنغال و 0،7% من مجموع إنتاج غرب إفريقيا كما يبين الجدول التالي:
أما جارتانا الشماليتان فقفزتهما الزراعية أكبر، وأكثر تنوعا من أن تقاس بإنتاج الحبوب وحدها.
فقد بلغت قيمة الإنتاج الزراعي الجزائري 2022 نحو 35 مليار دولار، بينما ينفذ المغرب حاليا خطة للوصول بقيمة إنتاجه الزراعي إلى نحو 26،5 مليار دولار قبل حلول 2030.
وهذا التأخر الفادح في الإنتاج الزراعي عن ركب جيراننا، الأغنياء منهم والفقراء على حد سواء، مرده إلى تأخرنا الفادح عنهم في الصرف على القطاع الزراعي حيث لا تتجاوز ميزانية موريتانيا للزراعة للعام الماضي (2024) نسبة 18،7% من ميزانية ا لزراعة في مالي، و 33،4 من ميزانية الزراعة في السنغال و 3،7 و 1.3% من ميزانيتي الزراعة، على التوالي في المغرب والجزائر كما هو واضح من الجدول التالي:
وشح حكومات موريتانيا في تعاملها مع الزراعة لا يتجلى فقط في الميزانيات الهزيلة لوزارة الزراعة، وإنما يظهر بصفة أكبر في الانعدام شبه الكامل للقروض الزراعية كما يبين الجدول التالي:
ويعني غياب القروض المتوسطة والطويلة المدى في موريتانيا عدم تمكن المزارعين من اقتناء المعدات الزراعية وأنظمة الري الحديثة. وعدم تمكنهم من إجراء الاستصلاحات المناسبة مما يحد من الإنتاجية.
هذا مع ملاحظة أنني لم أعثر في الانترنت على أية بيانات عن حجم القروض التي قدمها القرض الزراعي الموريتاني للمزارعين خلال السنوات السبع الأخيرة.
وقد طلبت من عدة زملاء التواصل مع موظفي القرض للحصول على البيانات المحدثة، لكن جميع الموظفين الذين تواصل معهم هؤلاء الزملاء اعتذروا "لأن البيانات لا يسمح بالكشف عنها إلا بإذن خاص من المدير".
والسبب في تحول القرض الزراعي في سريته إلى ما يشبه مقر الكاجيبى هو أن مبالغ القروض الزراعية تدهورت بشكل حاد، حتى صار الناس يتندرون بأن عدد موظفي القرض - على قلتهم – يفوقون عدد مراجعيه. وهذا وضع محرج للقرض وللحكومة التي تدعي إعطاء الأولوية للزراعة.
هذا بينما يقول مدير عمليات البنك الدولي في مالي، إن ثلثي التمويل في القطاع الزراعي بمالي مصدره الدولة.
ولايقل حرج موقف موريتانيا، عند مقارنتها بجاراتها من حيث إنتاج الحبوب وميزانيات الزراعة، وحجم القروض الزراعية، عن حرج موقفها عند المقارنة مع جاراتها من حيث مستوى الدعم المقدم للزراعة. والمقصود بالدعم المبالغ التي تدفعها الحكومات من تكلفة الزراعة حتى تصبح عملية الإنتاج الزراعي مشجعة، أو على الأقل مجدية اقتصاديا للمزارعين.
وإذا كانت حكومة السنغال سلمت لمزارعيها، فقط في عهد ماكي صال 2700 جرار مدعوم لا يدفع من ثمنها المزارع إلا نحو 3.000.000 أوقية قديمة، فإن ببكر كيتا سلم لمزارعي مالي، في عام واحد، 1000 جرار مدعوم دفعت الدولة نصف ثمنها عن المزارعين، معلنا أن ذهب مالي الذي تعول عليه هو الذهب الأخضر، أي الزراعة، وليس الذهب الأصفر الذي تحتل المكانة الرابعة في إنتاجه على مستوى إفريقيا.
والغريب أن الحكومة الموريتانية ظلت تفرض رسوما جمركية تصل إلى 26% على الأسمدة الزراعية، ولم تخففها إلا في العام الماضي حيث أنزلتها إلى 3%.
وما زال المزارعون يدفعون ضرائب عالية على المحروقات ومع ذلك تقول الحكومة أنها تدعم الأسمدة الزراعية بما يتراوح بين 37 و50% ، لكن الفساد الذي يصاحب الصفقات العمومية في بلادنا يرفع التكلفة ويمتص الدعم الحكومي كله، أو جله على الأقل .
ومع عدم توفر بيانات على الانترنت عن مبالغ الدعم الحكومي على الأسمدة، سنعتمد تصريحا لوزير الزراعة يقول إن هذا الدعم بلغ خلال الحملة الأولى من موسم 2021-2022 4،74 مليار أوقية، وهو ما يعني 9،48 مليار سنويا إذا ما وضعنا في الاعتبار الدعم في الحملة الثانية. هذا بينما بلغ الدعم الحكومي السنغالي على المدخلات الزراعية وحدها 120 مليار افرنك سيفا (78 مليار أوقية قديمة) وذلك في الموسم الماضي 2023-2024.
أما مالي فبلغ الدعم على المدخلات فيها 43 مليار افرنك سيفا ( نحو 28 مليار أوقية قدمية) وذلك في ميزانية 2020.
وفي ميزانية الجزائر الماضية (2024) تم رصد 172 مليار دينار جزائري(514 مليار أوقية قديمة) لدعم الشعب الزراعية ذات الأهمية الاستراتيجية ، بينما رصد المغرب 4 مليارات درهم (164 مليار أوقية قديمة) لدعم سلاسل الإنتاج.
هذا عن الدعم الزراعي، أما عن التأمين الزراعي فإن موريتانيا هي الدولة الوحيدة من بين جميع جيرانها التي لا يتوفر فيها أي تأمين زراعي يحمي المزارع من الكوارث.
ولنكتف، إيثارا للإيجاز، بمثال السنغال حيث تتولى (CNAAS) وهي شركة بين القطاعين العام والخاص التأمين الزراعي ضد الجفاف والحرائق وموجات الحر والفيضانات والامطار الغزيرة وغزو الجراد وحتى نفوق الحيوانات.
وتتولى الدولة نصف الرسوم المطلوب دفعها من قبل المزارعين.
وقد دفعت هذه المؤسسة سنة2022 1،5 مليار سيفا تعويضا عن الاضرار التي لحقت بالمزارعين في تلك السنة.
ويبلغ عدد المؤمنين في الشركة 612529 شخصا.
وخلاصة القول أن زراعتنا إلى المقارنة مع زراعة الهنود الحمر في حضارة المايا قبل أكثر من 2000 سنة، اقرب منها إلى المقارنة بالزراعة في دول الجوار. وأننا نهدم دولتنا بأيدينا وأيدي الموردين، لأننا نقوم بالزراعة خارج التاريخ.
(للمقارنة بين زراعتنا وزراعة الهنود الحمر يمكن أن تراجع على كوكل مقالنا: موريتانيا الزراعة على طريقة الهنود الحمر).

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذهب عند أعلى مستوى في أسبوع وسط ضعف الدولار وعدم يقين مالي
الذهب عند أعلى مستوى في أسبوع وسط ضعف الدولار وعدم يقين مالي

الاقتصادية

timeمنذ 40 دقائق

  • الاقتصادية

الذهب عند أعلى مستوى في أسبوع وسط ضعف الدولار وعدم يقين مالي

صعد الذهب اليوم الأربعاء إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن، وسط حالة من عدم اليقين المالي في أمريكا، حيث يناقش الكونجرس مشروعا شاملا للضرائب. المعدن الأصفر ارتفع في المعاملات الفورية 0.75% إلى 3308 دولارات للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 12 مايو في وقت سابق من الجلسة، وزادت العقود الآجلة 0.3% إلى 3296 دولارا، فيما تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ 8 مايو، ما يجعل الذهب المسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. المحلل في شركة "ماريكس" إدوارد مائير قال "خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الساعات الـ 24 الماضية مع استمرار تصنيف موديز الائتماني، إضافة إلى الشكوك حول مشروع قانون الضرائب الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تقويض الدولار". ترمب كان قد ضغط أمس الثلاثاء على رفاقه الجمهوريين في الكونجرس، لتوحيد صفوفهم خلف مشروع قانون شامل لخفض الضرائب، لكنه فشل على ما يبدو في إقناع مجموعة من الرافضين الذين لا يزال بإمكانهم عرقلة المشروع. قال كبير محللي السوق في "كيه.سي.إم" تيم ووترير قال"من المرجح أن يشهد الذهب مزيدا من الارتفاع على المدى المتوسط إلى الطويل، على الرغم من أنه إذا ظهرت أي عناوين إيجابية لصفقات تجارية، فقد يكون ذلك عقبة أمام الذهب في محاولة استعادة مستوى 3500 دولار". بالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة في المعاملات الفورية 0.2% إلى 32.99 دولار للأونصة، ونزل البلاتين 0.3% إلى 1050.25 دولار بينما صعد البلاديوم 0.5% إلى 1017.93 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ 4 فبراير.

عرض تاريخي من نيوم السعودي لضم إمام عاشور من الأهلي
عرض تاريخي من نيوم السعودي لضم إمام عاشور من الأهلي

حضرموت نت

timeمنذ 43 دقائق

  • حضرموت نت

عرض تاريخي من نيوم السعودي لضم إمام عاشور من الأهلي

أكدت تقارير صحفية سعودية أن إمام عاشور لاعب خط وسط الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي تلقى عرضا بقية 5 مليون دولار من أحد الأندية السعودية. ووفقًا لمصادر خاصة، داخل النادي الأهلي نقلتها صحيفة 'عكاظ'، فإن نادي نيوم السعودي أبدى اهتمامًا جادًا بضم إمام عاشور، وقدم عرضًا رسميًا وصلت قيمته إلى 5 ملايين دولار، مع احتمالية رفع المبلغ لاحقًا. وأشارت التقرير السعودي، إلى أن العرض جاء عبر إحدى الشركات المتخصصة في تسويق اللاعبين، في ظل الأداء المميز الذي يقدمه عاشور هذا الموسم، حيث يتصدر قائمة هدافي الدوري المصري بـ 12 هدفًا، بالتساوي مع أسامة فيصل، إضافة إلى تأثيره الكبير في وسط الملعب دفاعًا وهجومًا، ما جعله ركيزة أساسية في تشكيلة المدرب مارسيل كولر. ورغم حجم العرض المغري، فإن الاتجاه السائد داخل إدارة الأهلي هو الرفض، تقديرًا لقيمة اللاعب الفنية ودوره الحاسم في البطولات، خصوصًا مع اقتراب الفريق من المشاركة في كأس العالم للأندية. ومع ذلك، كشف مصدر آخر لصحيفة عكاظ، داخل القلعة الحمراء أن الإدارة قد تعيد النظر في العرض إذا شهد ارتفاعًا ماليًا غير متوقع، على غرار صفقات سابقة مثل تريزيجيه، رمضان صبحي، وماليك إيفونا، والتي حقق النادي من ورائها أرباحًا مالية ضخمة، مع إمكانية التعاقد مع بديل مناسب بنفس المركز.

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع
الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع

الرياض

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرياض

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع

صعد الذهب اليوم، إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار، وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة (0.2) بالمئة إلى (3293.98) دولارًا للأوقية، بعد أن سجّل أعلى مستوى له منذ 12 مايو في وقت سابق من الجلسة. وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب (0.3) بالمئة إلى (3295.80) دولارًا، فيما تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ الثامن من مايو، مما يجعل الذهب المُسعّر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة في المعاملات الفورية (0.2) بالمئة إلى (32.99) دولارًا للأونصة، ونزل البلاتين (0.3) بالمئة إلى (1050.25) دولارًا، بينما صعد البلاديوم بنسبة (0.5) بالمئة إلى (1017.93) دولارًا، وهو أعلى مستوى له منذ الرابع من فبراير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store