
نبضات الروح في متاهات الوجود
أبحث عن المعنى في تفاصيل الحياة اليومية. أستمتع بتحليل الخرائط الرقمية والتخطيط العمراني، وأغوص في عالم البيانات وتنظيمها. ولكن خلف هذا العالم التقني البارد، يظل هناك سؤال يملؤه الدفء:
هل كان هذا الطريق، وهذا الانشغال بعالم التحليل والتخطيط، نابعًا من شغف حقيقي واختيار واعٍ؟ أم أنه مجرد محطة في مسار الحياة المتعرج؟ هل كانت تلك اللحظات الصغيرة من المعرفة والخبرات، تلك الإضافات إلى سيرتي الذاتية، هي التي أوصلتني إلى هنا؟
كم من سير ذاتية تعجز الكلمات والأفعال عن وصف جوهرها! هناك لحظات يتوقف فيها قلبي، وأشعر وكأنني شخص غريب عن نفسي، فتدور في ذهني أسئلة وجودية:
هل أنا الشخص الذي كنت عليه بالأمس؟ وهل ما بنيته من قناعات وأفعال يحمل في طياته استمرارية دائمة؟ تأتي الحياة كموج متقلب، تحملنا بين مد وجزر، وأحيانًا يرتفع قلبي ملامسًا النجوم في نشوة مؤقتة، فأستغفر الله خشية أن تكون اللحظة خدعة. هل سعيي وراء الرزق هو فعل حكمة أم خير؟ في النهاية، تنتظرنا الحياة الأبدية، رحلة تتطلب التعلم والبناء ومواجهة معارك داخلية، وتحمل ضغوط الحياة من تفاوت طبائع البشر إلى ضجيج كلماتهم، ومواكبة متطلبات الحياة المتسارع
حتى صوتي، تلك البصمة الفريدة، تتغير مع مرور الأيام، وكذلك نفسي، واجتهادي، وإيماني. كل عقد من الزمن يحمل فى طياته كل جديد. هل بقيت أحلام الأمس كما هي اليوم؟ هل ظلت أولوياتي ثابتة؟ كم من إدمان تركته، وكم من شغف جديد بدأ ينمو بداخلي! لا شك أن الانجذاب للأشياء يثير فينا طفلاً صغيرًا، يتنفس طريقه وسط الظلام، منتظرًا صوتًا دافئًا يضيء له الطريق ويطمئنه إلى صواب اختياره. ويسعى دائمًا إلى ما هو أبعد من الجيد، وإذا مضت الأمور غير ما نريد، ثرثرنا في داخلنا باللوم والعتب، غافلين عن حقيقة أن الله قد قدر لنا أقدارنا بلطف ورحمة. فربما كلمة طيبة، أو حسن ظن، أو عمل صالح، أو توبة صادقة، يمكن أن تغير مجرى القدر. قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾.
كم مرة كررت كلمات حتى شعرت بالملل منها؟ وكم من كلمات أخفيتها وراء قناع الصبر؟ هل هذه هي مقومات شخصيتنا حقًا؟ نخفي الحقائق العميقة داخل قيود أفكارنا، ونسجنها في مبادئ ربما اخترناها لأنفسنا، بعيدة عن تلك التي فرضها علينا خالقنا. نخلق أعرافًا خاصة، تحمل مفاهيم حلال وحرام يجهلها الآخرون، لأنها همسات قلبية تتغير مع أحداث حياتنا، ونرويها بأسلوب قد يكون جميلًا، لكن جماله يبقى لا يتعدى حدود اللسان. هل طال بنا الوقت حتى نتعلم؟ وهل سلكنا طرقًا لم نخطط للمرور فيها؟ ومن هم هؤلاء الذين نعرفهم ونتحدث إليهم؟ وما أراه أن كل مرحلة عمرية تأتي بأناس مختلفين وتمضى الحياة بقدر الله وكأنهم قدر الحال ومطر جاء بخير أو شر من فعل البشر أثر على ترتيبي الدائم لحياتى، حيث يتفاوت الناس بين الحكمة والنفوذ. هكذا تعلمنا، صاحب النفوذ قد يمتلك الحكمة بالهيمنة على العقول الحرة التى جعل الله لك إنسان حريته فى كل شيء، أما الحكيم، فغالبًا ما تبقى حكمته حبيسة، تواجهها ألسنة ناقدة. ويبدو أن زمن الأصنام لم ينتهِ، بل تجسد في بعض الأشخاص، بأشكال بشرية وأخلاق بهيمية، لا يرون ما يسببونه من أذى، ولا ما يتحملونه من ضغائن. هؤلاء ضيقوا على الناس بظلمهم، ولكن يبقى الأمل في هداية الله وتوبته على من يشاء.
في نهاية رحلة البحث عن «الذات» الحقيقية، نلتقي برؤيتين مختلفتين من مفكرين عميقين:
فيليب لوجون ورولان بارت. الأول يرى أن السيرة الذاتية هي عملية بناء مستمرة، حيث ينتقي الكاتب الأحداث التي تتناغم مع هويته الشخصية، بينما يعتقد بارت أن السيرة الذاتية أشبه بلوحة فنية يتم رسمها بالكلمات، تمزج بين الواقع والخيال لخلق صور متعددة للذات.
لكن، هل هذه النظريات تساعدنا حقًا في فهم «من نحن»؟ أم أنها تغرقنا في بحر من الاحتمالات والتفسيرات المتناقضة؟ هل نحتاج حقًا إلى تعقيد الأمور أكثر، أم أن الحل يكمن في تحرير أنفسنا من القيود التي وضعناها على عقولنا؟ تلك الأعراف التي نقلناها دون تفكير، وتلك الأفكار التي أصبحنا نعتقد أنها تمثل الحقيقة المطلقة.
هذه القيود ليست أكثر من سلاسل وهمية تقيد أفكارنا وتمنعنا من رؤية الواقع بوضوح. نعبد أصنامًا خرساء في عقولنا، ظانين أنها تحمل لنا الحقيقة. فهل حان الوقت لنحرر أنفسنا من هذه الأوهام؟ هل يجب علينا العودة إلى الفطرة، بعيدًا عن تعقيدات التحليل؟
في الختام، ربما الحل أبسط مما نعتقد. قد يكون في التوقف عن التحليل المفرط، وتهدئة تلك الأصوات الداخلية التي تزرع فينا الشكوك. ربما عندما نعيش ببساطة وصدق، ونترك التحليلات المعقدة، نجد السكينة التي نبحث عنها، ونعثر على المعنى الحقيقي لوجودنا في هذا العالم المليء بالتحديات والشكوك وتكتب حينها سيرتك فى الحياة وفى الأذهان وتكون حلم وذكري طيبة فى الحياة أو الممات.
اللحظة التى تتجلي فيها السيرة الذاتية وترى النجاح الحقيقي عندما تستشعر قول الحق تبارك وتعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾. عندها، تدرك أن جوهر السيرة ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو صدق لوعد الله عز وجل إذ أن الله أورثنا الأرض للقرب منه والصبر على كتابة كل شيء بعناية وإمعان والحياة بجوار الرحمن بتلك البشري التى لا تتغير أبدًا والفرحة الدائمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدينة
منذ ساعة واحدة
- المدينة
الحاجة منيرة: جدي حجّ على قدميه لمدة عامين.. وأنا أصل إلى مكة المكرمة في ست ساعات لأداء الحج
قالت الحاجة المغربية منيرة البالغة من العمر (82) عامًا: إن جدها أدّى فريضة الحج قبل أكثر من سبعة عقود سيرًا على الأقدام، في رحلة استغرقت قرابة عامين، وامتدّت عبر عدد من الدول، وسط ظروف شاقة وأوضاع صعبة آنذاك.وبيّنت أن والدها كان يروي لها تفاصيل تلك الرحلة منذ طفولتها، ويصف مشقة الطريق وصعوبة التنقل، مما جعلها تتخيل دائمًا أن الحج لا يُدرك إلا بعد عناء طويل. وأضافت بصوت تأثر: "لم أتخيل أنني سأصل إلى مكة المكرمة في ست ساعات فقط، وعلى مقعد طائرة".وأوضحت أنها أتمّت الإجراءات كافة في مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء خلال وقت وجيز، واستعدّت للسفر إلى المملكة في أجواء مريحة ومنظمة، مشيرة إلى أن الفارق الزمني بين رحلتها ورحلة جدها يُجسد حجم التحول الكبير في خدمة حجاج بيت الله الحرام.وأشادت بالحفاوة التي لقيتها في صالة "طريق مكة"، مؤكدة أن المبادرة تمثّل نقلة نوعية في تسهيل إجراءات الحج، وقالت في ختام حديثها: "هذه نعمة كبيرة، وسأدعو لكل من يسّر لنا هذا الطريق، حين أرفع يدي في عرفات".


المدينة
منذ ساعة واحدة
- المدينة
عائشة عزيز ضياء إلى رحمة الله
انتقلت إلى رحمة الله تعالى السيدة / عائشة عزيز ضياء، حرم المرحوم مروان منصور عارف ووالدة كل من: لينا، لؤي، ماهر.وشقيقة كلا من: ضياء، دلال، عبله.وسيتم استقبال العزاء للرجال والنساء لمدة يومين يوم السبت والأحد بمنزل شقيقها ضياء عزيز ضياء بحي الشاطئ بجدة.


غرب الإخبارية
منذ 6 ساعات
- غرب الإخبارية
جمعية مشكاة النبوة بمحافظة القنفذة تختتم برنامح "براعم السُنَّة" في نُسخته الثانية
المصدر - ليلة توشّحت بسُنَّة خيرِ الأنام، وحديثِ بدر التمام، وأضاءت بـ مصابيحها الظلام، وأُفتتحت ببسم الله والسلام، ليلة وفاء هي أشبه بالعُرس، زفّت فيها جمعية مشكّاةٌ النُبوَّةَ بمحافظة القُنفذة مساء أمس الأول الأربعاء براعمها الصِغار مُختتمةً بذلك برنامج براعم السُنّّة في نُسخته الثانية، في حفلِ بهيج، أُقيم في قاعة الأصالة، شهده فضيلة رئيس مجلس إدارة الجمعية الشيخ الدكتور عبدالمجيد عبدالواحد الشرقي، وعدد من رؤساء ومدراء الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، وحضره الطُلاب والطالبات المُشاركين، والمعلمين والمعلمات وأولياء أمورهم من الآباء والأمهات، تخللت فقراته نماذج من حفاظ السُنَّة ومسابقات وجوائز عدة، وعلى هامشه أبرمتَ الجمعية عقد شراكة مُجتمعية ومذكرة تعاون بجمعية عهد لرعاية الأيتام بمحافظة القنفذة، عقبها أُختتم الحفل بتوزيع شهادات التكريم للمعلمين والمعلمات وجوائز الطلاب والطالبات، ثم تناولَ الجميع طعام العشاء بهذه المناسبة.