
لماذا لا يصل كتّاب سورية إلى العالمية؟
لا تخلو فضاءات الثقافة السورية في الداخل والخارج من أخبارٍ متكررة عن صدور ترجماتٍ لبعض الأدباء والأديبات إلى اللغات الأساسية التي تستحوذ على أسواق
النشر
في العالم، لكن ذلك لم يجعل من هؤلاء نجوماً خارج الفضاء المحلي والعربي. فما العطب الذي تعانيه هذه النتاجات وأصحابها، وما الذي يمنعهم من الوصول إلى "فاترينات" العرض في المكتبات حول العالم؟
ينطلق هذا السؤال من واقعٍ معقّد، تحتاج الإجابة عنه إلى حفرٍ في ماضي
الثقافة
السورية، إذ لم تعرف سورية في تاريخها دوراً ثقافياً مهماً للدولة، لا في مرحلة الخمسينيات، ولا بعد تولّي البعثيين السلطة عام 1963. وإذا ذُكرت بعض اللمحات المهمة في عالم النشر في وزارة الثقافة، فهذا لم يأتِ من خلال دور يُحسب للمؤسسة الرسمية، بل من خلال أدوارٍ فردية قام بها أشخاص تولّوا مناصب وساهموا في دفع الأمور إلى الأمام قليلاً، وأبرز هؤلاء المفكر الراحل أنطون مقدسي (1914 ـ 2005م) الذي حمل أعباء منشورات وزارة الثقافة لفترة طويلة.
غير أن هذا لا يُلغي حقيقة أن عهد البعث لم يُؤسس لحياة ثقافية حرّة ومستقلة، بل كانت الثقافة أداة للدعاية، وهي فوق هذا تعاني من بيروقراطية خانقة. كما أن تأثير توجّهات السلطة على الحياة العامة، والثقافية على وجه الخصوص، جعل النتاج الأدبي ذا تكوينٍ نقدي ضعيف، حيث لم تنشأ حركة نقدية سورية تساعد على تطوير
الأدب
أو غربلته، وإبراز التجارب الناضجة ومساءلة المتهافت منها. وهذا الأمر وضع المراقب الخارجي، الذي لا يريد الاستغراق في الحالة المحلية، أمام غياب آلية لترشيح "الأفضل"، فيلجأ إلى ترجمة ما ترشّحه له أوساطٌ محددة.
تأثير الرقابة والشتات والمنظور السياسي في تهميش أصوات سورية
وفي ظلّ غياب الصحافة الحرة والمستقلة، وحضور الصحافة الأيديولوجية ذات التأثير الكبير في أزمنة المدّ اليساري، وُضعت على الواجهة أسماء محددة، وغُيّبت أخرى، ما أضعف إمكانية مراكمة حضورٍ عالمي، لأن النشر المرموق بحاجة دائماً إلى تغطية صحافية نقدية وصدى جماهيري.
لم يكن هناك مشروع ثقافي متكامل يعزز صورة الأدب السوري عالمياً. ولعل المقارنة مع دول عربية أخرى توضّح كيف كرّست مصر، مثلاً، في الستينيات، أسماء مبدعيها، فنقلت حضورهم من المستوى المحلي والعربي إلى العالمي. بينما لم تظهر أسماء محلية ذات وزن كبير تحمل أدبها إلى الخارج، كما فعل نجيب محفوظ للعرب، أو أورهان باموق للأتراك. لقد ظل الأدباء السوريون مهمّين في الداخل أو ضمن النخبة، وحتى الآن، لكن لم يظهر بعد كاتبٌ بموهبة وسيرة تسمح له بالتحوّل إلى رمزٍ عالمي.
وبالإضافة إلى الأثر الغائب للإدارة الثقافية، فإن تأثيرات الواقع القمعي الذي عاشه المثقفون السوريون انعكس على نتاجاتهم الأدبية، ففرض عليهم الدوران حول الرقابة، وكذلك الخوف من المخبرين الذين يترصّدون الأديب إن تجاوز الخطوط الحمراء، مما أدى إلى تلوث الكتابة بعوالق مرضية، مثل الرقابة الذاتية، حيث يتراءى للكاتب أنه يحتال على القامع، لكن هذا جعل التجربة الأدبية مشوّهة أو مقموعة. ولعل المفارقة الكارثية أن بعض هذه الأعمال تُرجمت على أنها نماذج عن الكتابة المقاومة للقمع، لكنها لا تمثّل بالضرورة أهم النماذج إبداعياً على المستوى الوطني.
يرى البعض أن الأدب السوري في المنفى لا يزال فتِيّاً
ثمة ملاحظاتٌ تُسجَّل حول إشكاليات جوهرية في طبيعة الأدب السوري المعروف أو المُكرّس؛ فهناك محدودية في الاشتغال الإشكالي على النوع الأدبي، ولا يزال كثيرٌ من الأدب السوري يعاني من الشكل الكلاسيكي في السرد، ولم يخُض مغامرات كبرى في النوع، والأسلوب، والتجريب. بينما يتميز الأدب العالمي غالباً بخصوصية لغوية أو بنائية لافتة، وهذا ما تفتقده كثيرٌ من النصوص السورية المعاصرة، التي تراهن فقط على موضوعها، لا على لغتها أو بنائها الفني.
كما أن الأدب السوري الذي يُترجم عادة هو الرواية، حيث تظهر قائمة الترجمات وجود أسماء حاضرة كالراحل خالد خليفة، والروائية سمر يزبك، وكثيرٌ منها يُكتب من أجل الترجمة، بينما لم يُقدَّم المسرح أو الشعر أو القصة القصيرة كما يجب، على الرغم من وجود تقاليد سورية مهمة في هذه الأجناس، لكنها لم تجد طريقها إلى العالمية.
وبالمقارنة مع رواياتٍ عربية وصلت إلى العالمية، ورغم انتشار روايات للسوري الألماني رفيق شامي، فقد حاول الذهاب إلى هذا الفضاء، يرى البعض أن الأدب السوري يعاني من انقطاعٍ عن الجذور الأدبية المحلية العميقة، مثل الحكاية الشامية، أو الموروث الصوفي، أو السيرة الشعبية، وينطلق بدلاً من ذلك من قوالب حديثة غربية. وهذا يُضعف فرادته في نظر القارئ الأجنبي الذي يبحث في الأدب العربي عن طابع محلي ضمن كتابة عالمية.
وإذا اعتُبر تاريخ انطلاق الثورة السورية مفصلاً لتحوّل في مسار الأدباء المعارضين، خاصة من جيل الشباب، فإن تبعثرهم في المنافي لم يسمح بجهدٍ جماعي يدعم حضورهم. كما أن الخلافات الشخصية أثّرت سلباً في تجاربهم، ولم تنشأ عصبة حقيقية لدعم بعضهم البعض. كذلك، قلّة منهم استطاعت كسر حاجز اللغة والكتابة بلغة البلد المضيف دون الحاجة إلى وسيط.
المبضع النقدي يشير إلى أن جزءاً كبيراً من النتاجات الأدبية السورية في المنفى يُقدَّم باعتباره نوعاً من ردة الفعل المباشرة على الحدث السياسي، لا باعتباره أعمالاً فنية متأملة أو ذات عمق جمالي طويل الأمد، ما أضعف من فرصها في اختراق السوق العالمية التي تبحث عن الأدب ذي القيمة الإنسانية والفنية العالية.
وفوق ذلك، فإن بعض الجهات التي ساهمت في إبراز بعض الكتّاب، نظرت إلى سورية بوصفها قضية سياسية لا بيئة أدبية، فجرت قراءة بعض النصوص فقط من منظور سياسي، مما أرهق المتلقي العالمي وخلق حالة تشبع من "قصص اللاجئين" و"الحرب"، وأثّر سلباً حتى على استقبال النصوص الجادة. ولعل المثال الحاضر في هذا الإطار ذلك النهج الذي مضى فيه الشاعر السوري الشاب عمر يوسف سليمان، حيث صار، وعبر تصريحاته المؤيدة لسياسات اليمين تجاه قضية المهاجرين محلياً، وأحداث السابع من أكتوبر في غزة، حاضراً في المشهد الإعلامي الفرنسي.
ويشير بعض الدارسين إلى أن الأدب السوري في المنفى لا يزال فتِيّاً، ولم ينضج زمنياً كفاية، بخلاف الأدب الفلسطيني أو العراقي، ولذلك لم يظهر بعد "جيل منفي" يمكن أن تخرج منه أسماء بحجم محمود درويش، أو غسان كنفاني، أو إلياس خوري.
كما أن الأسئلة الوجودية حول الهوية لم تُطرح بعمق بعد في هذه التجارب، إذ لا يزال التفكير بالكينونة مؤجلاً أو ممزقاً، بسبب التنوع الطائفي والقومي، والتشكيك في السرديات التاريخية السورية التي صاغها النظام لعقود.
إن إيصال هذا الإبداع إلى السوق الأجنبية لا يزال مرهوناً بعوامل عدة، أهمها غياب منصات بديلة قادرة على إنجاز المهمة، وفقدان الترجمة لجدواها بوصفها فعلاً من أفعال التثاقف. فمعظم الترجمات جاءت من مبادرات فردية أو مؤسسات غير فاعلة، دون وجود مشروع ترجمة منظم ومدروس يُبرز المزاج السوري الحقيقي. كثير من المترجمين ترجموا لكتّاب "متاحين"، لا "مهمّين". كما أن دور النشر لا تهتم إلا عندما تتكفّل جهة وازنة بدعم الكاتب، أو حين يتخذ موقفاً يُرضي جماعة ثقافية أو أيديولوجية معينة، وهي ظاهرة تستحق التوقف عندها، بعد أن باتت منتشرة بشكل لافت في الأوساط الثقافية الغربية.
يظل الأدب السوري، رغم غناه وتعدد تجاربه، في حاجة إلى مشروع ثقافي متكامل، يخرجه من عزلته، ويمنحه الأدوات اللازمة للعبور إلى العالم. فبدون دعم مؤسسي حقيقي، واستراتيجية ترجمة وترويج مدروسة، ستبقى الأصوات السورية، مهما بلغت من الجودة، رهينة السياقات المحلية أو القراءات السياسية العابرة.
* كاتب وناقد سوري مقيم في فرنسا
آداب
التحديثات الحية
احتفالية ليوبولد بلوم: طيف جيمس جويس في دبلن
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
قاض أميركي يؤيد "ميتا" في قضية انتهاك الملكية الفكرية
أصدر قاضٍ فيدرالي أميركي حكماً لصالح مجموعة ميتا العملاقة، يوم الأربعاء، بعد اتهامها بانتهاك حقوق الملكية الفكرية من خلال استخدام أعمال لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي "لاما" (LLaMA) الخاص بها من دون إذن. وبيّنت وثائق قضائية أنّ كُتّاباً اتهموا "ميتا" بتنزيل نسخ من أعمالهم لتدريب نموذجها. ومن بين هذه الأعمال رواية The Brief Wondrous Life of Oscar Wao للكاتب الأميركي جونوت دياز وكتاب The Bedwetter للمؤلفة سارة سيلفرمان. وخلص القاضي فينس تشابريا إلى أنّ حجج المدّعين لم تكن مقنعة بما يكفي، ولم يُثبتوا أنّ "ميتا" استخدمت أعمالهم بما يتجاوز مفهوم "الاستخدام العادل". وعلّق متحدّث باسم "ميتا" على أسئلة وكالة فرانس برس قائلًا: "نحن ممتنون لقرار اليوم". مع ذلك، أشار القاضي، الذي يمارس مهامه في سان فرانسيسكو، إلى أنّ "هذا القرار لا يعني أنّ استخدام ميتا المحتوى المحمي ب حقوق الملكية الفكرية (...) قانوني". كما حذّر من المخاطر التي قد يُشكّلها الذكاء الاصطناعي على قطاع النشر، إذا "مكّن من إنتاج دفق متواصل محتمل من الأعمال المتنافسة التي قد تُلحق الضرر" بالإصدارات الأصلية. وأوضح المتحدث باسم "ميتا" أن "نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر (...) تُعزّز إنتاجية الأفراد والشركات وإبداعهم، ويُعدّ الاستخدام المعقول للمحتوى المحمي بحقوق الملكية الفكرية إطاراً قانونياً أساسياً لتطوير هذه التقنية التحويلية". ويحتاج تدريب نماذج اللغة الكبيرة التي توظّف الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى كميات هائلة من البيانات. تكنولوجيا التحديثات الحية مجلس الرقابة ينتقد سياسات الذكاء الاصطناعي في "ميتا" وقد رفع عدد كبير من الموسيقيين والفنانين ووسائل الإعلام والكُتّاب دعاوى قضائية ضدّ العديد من الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي بسبب استخدام بياناتهم من دون إذن أو مقابل. وكانت إحدى المحاكم قد قضت، يوم الاثنين، بأنّ شركة "أنثروبيك" (Anthropic) يمكنها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على كتب محمية بحقوق الملكية الفكرية من دون إذن أصحابها. (فرانس برس)


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
لماذا لا يصل كتّاب سورية إلى العالمية؟
لا تخلو فضاءات الثقافة السورية في الداخل والخارج من أخبارٍ متكررة عن صدور ترجماتٍ لبعض الأدباء والأديبات إلى اللغات الأساسية التي تستحوذ على أسواق النشر في العالم، لكن ذلك لم يجعل من هؤلاء نجوماً خارج الفضاء المحلي والعربي. فما العطب الذي تعانيه هذه النتاجات وأصحابها، وما الذي يمنعهم من الوصول إلى "فاترينات" العرض في المكتبات حول العالم؟ ينطلق هذا السؤال من واقعٍ معقّد، تحتاج الإجابة عنه إلى حفرٍ في ماضي الثقافة السورية، إذ لم تعرف سورية في تاريخها دوراً ثقافياً مهماً للدولة، لا في مرحلة الخمسينيات، ولا بعد تولّي البعثيين السلطة عام 1963. وإذا ذُكرت بعض اللمحات المهمة في عالم النشر في وزارة الثقافة، فهذا لم يأتِ من خلال دور يُحسب للمؤسسة الرسمية، بل من خلال أدوارٍ فردية قام بها أشخاص تولّوا مناصب وساهموا في دفع الأمور إلى الأمام قليلاً، وأبرز هؤلاء المفكر الراحل أنطون مقدسي (1914 ـ 2005م) الذي حمل أعباء منشورات وزارة الثقافة لفترة طويلة. غير أن هذا لا يُلغي حقيقة أن عهد البعث لم يُؤسس لحياة ثقافية حرّة ومستقلة، بل كانت الثقافة أداة للدعاية، وهي فوق هذا تعاني من بيروقراطية خانقة. كما أن تأثير توجّهات السلطة على الحياة العامة، والثقافية على وجه الخصوص، جعل النتاج الأدبي ذا تكوينٍ نقدي ضعيف، حيث لم تنشأ حركة نقدية سورية تساعد على تطوير الأدب أو غربلته، وإبراز التجارب الناضجة ومساءلة المتهافت منها. وهذا الأمر وضع المراقب الخارجي، الذي لا يريد الاستغراق في الحالة المحلية، أمام غياب آلية لترشيح "الأفضل"، فيلجأ إلى ترجمة ما ترشّحه له أوساطٌ محددة. تأثير الرقابة والشتات والمنظور السياسي في تهميش أصوات سورية وفي ظلّ غياب الصحافة الحرة والمستقلة، وحضور الصحافة الأيديولوجية ذات التأثير الكبير في أزمنة المدّ اليساري، وُضعت على الواجهة أسماء محددة، وغُيّبت أخرى، ما أضعف إمكانية مراكمة حضورٍ عالمي، لأن النشر المرموق بحاجة دائماً إلى تغطية صحافية نقدية وصدى جماهيري. لم يكن هناك مشروع ثقافي متكامل يعزز صورة الأدب السوري عالمياً. ولعل المقارنة مع دول عربية أخرى توضّح كيف كرّست مصر، مثلاً، في الستينيات، أسماء مبدعيها، فنقلت حضورهم من المستوى المحلي والعربي إلى العالمي. بينما لم تظهر أسماء محلية ذات وزن كبير تحمل أدبها إلى الخارج، كما فعل نجيب محفوظ للعرب، أو أورهان باموق للأتراك. لقد ظل الأدباء السوريون مهمّين في الداخل أو ضمن النخبة، وحتى الآن، لكن لم يظهر بعد كاتبٌ بموهبة وسيرة تسمح له بالتحوّل إلى رمزٍ عالمي. وبالإضافة إلى الأثر الغائب للإدارة الثقافية، فإن تأثيرات الواقع القمعي الذي عاشه المثقفون السوريون انعكس على نتاجاتهم الأدبية، ففرض عليهم الدوران حول الرقابة، وكذلك الخوف من المخبرين الذين يترصّدون الأديب إن تجاوز الخطوط الحمراء، مما أدى إلى تلوث الكتابة بعوالق مرضية، مثل الرقابة الذاتية، حيث يتراءى للكاتب أنه يحتال على القامع، لكن هذا جعل التجربة الأدبية مشوّهة أو مقموعة. ولعل المفارقة الكارثية أن بعض هذه الأعمال تُرجمت على أنها نماذج عن الكتابة المقاومة للقمع، لكنها لا تمثّل بالضرورة أهم النماذج إبداعياً على المستوى الوطني. يرى البعض أن الأدب السوري في المنفى لا يزال فتِيّاً ثمة ملاحظاتٌ تُسجَّل حول إشكاليات جوهرية في طبيعة الأدب السوري المعروف أو المُكرّس؛ فهناك محدودية في الاشتغال الإشكالي على النوع الأدبي، ولا يزال كثيرٌ من الأدب السوري يعاني من الشكل الكلاسيكي في السرد، ولم يخُض مغامرات كبرى في النوع، والأسلوب، والتجريب. بينما يتميز الأدب العالمي غالباً بخصوصية لغوية أو بنائية لافتة، وهذا ما تفتقده كثيرٌ من النصوص السورية المعاصرة، التي تراهن فقط على موضوعها، لا على لغتها أو بنائها الفني. كما أن الأدب السوري الذي يُترجم عادة هو الرواية، حيث تظهر قائمة الترجمات وجود أسماء حاضرة كالراحل خالد خليفة، والروائية سمر يزبك، وكثيرٌ منها يُكتب من أجل الترجمة، بينما لم يُقدَّم المسرح أو الشعر أو القصة القصيرة كما يجب، على الرغم من وجود تقاليد سورية مهمة في هذه الأجناس، لكنها لم تجد طريقها إلى العالمية. وبالمقارنة مع رواياتٍ عربية وصلت إلى العالمية، ورغم انتشار روايات للسوري الألماني رفيق شامي، فقد حاول الذهاب إلى هذا الفضاء، يرى البعض أن الأدب السوري يعاني من انقطاعٍ عن الجذور الأدبية المحلية العميقة، مثل الحكاية الشامية، أو الموروث الصوفي، أو السيرة الشعبية، وينطلق بدلاً من ذلك من قوالب حديثة غربية. وهذا يُضعف فرادته في نظر القارئ الأجنبي الذي يبحث في الأدب العربي عن طابع محلي ضمن كتابة عالمية. وإذا اعتُبر تاريخ انطلاق الثورة السورية مفصلاً لتحوّل في مسار الأدباء المعارضين، خاصة من جيل الشباب، فإن تبعثرهم في المنافي لم يسمح بجهدٍ جماعي يدعم حضورهم. كما أن الخلافات الشخصية أثّرت سلباً في تجاربهم، ولم تنشأ عصبة حقيقية لدعم بعضهم البعض. كذلك، قلّة منهم استطاعت كسر حاجز اللغة والكتابة بلغة البلد المضيف دون الحاجة إلى وسيط. المبضع النقدي يشير إلى أن جزءاً كبيراً من النتاجات الأدبية السورية في المنفى يُقدَّم باعتباره نوعاً من ردة الفعل المباشرة على الحدث السياسي، لا باعتباره أعمالاً فنية متأملة أو ذات عمق جمالي طويل الأمد، ما أضعف من فرصها في اختراق السوق العالمية التي تبحث عن الأدب ذي القيمة الإنسانية والفنية العالية. وفوق ذلك، فإن بعض الجهات التي ساهمت في إبراز بعض الكتّاب، نظرت إلى سورية بوصفها قضية سياسية لا بيئة أدبية، فجرت قراءة بعض النصوص فقط من منظور سياسي، مما أرهق المتلقي العالمي وخلق حالة تشبع من "قصص اللاجئين" و"الحرب"، وأثّر سلباً حتى على استقبال النصوص الجادة. ولعل المثال الحاضر في هذا الإطار ذلك النهج الذي مضى فيه الشاعر السوري الشاب عمر يوسف سليمان، حيث صار، وعبر تصريحاته المؤيدة لسياسات اليمين تجاه قضية المهاجرين محلياً، وأحداث السابع من أكتوبر في غزة، حاضراً في المشهد الإعلامي الفرنسي. ويشير بعض الدارسين إلى أن الأدب السوري في المنفى لا يزال فتِيّاً، ولم ينضج زمنياً كفاية، بخلاف الأدب الفلسطيني أو العراقي، ولذلك لم يظهر بعد "جيل منفي" يمكن أن تخرج منه أسماء بحجم محمود درويش، أو غسان كنفاني، أو إلياس خوري. كما أن الأسئلة الوجودية حول الهوية لم تُطرح بعمق بعد في هذه التجارب، إذ لا يزال التفكير بالكينونة مؤجلاً أو ممزقاً، بسبب التنوع الطائفي والقومي، والتشكيك في السرديات التاريخية السورية التي صاغها النظام لعقود. إن إيصال هذا الإبداع إلى السوق الأجنبية لا يزال مرهوناً بعوامل عدة، أهمها غياب منصات بديلة قادرة على إنجاز المهمة، وفقدان الترجمة لجدواها بوصفها فعلاً من أفعال التثاقف. فمعظم الترجمات جاءت من مبادرات فردية أو مؤسسات غير فاعلة، دون وجود مشروع ترجمة منظم ومدروس يُبرز المزاج السوري الحقيقي. كثير من المترجمين ترجموا لكتّاب "متاحين"، لا "مهمّين". كما أن دور النشر لا تهتم إلا عندما تتكفّل جهة وازنة بدعم الكاتب، أو حين يتخذ موقفاً يُرضي جماعة ثقافية أو أيديولوجية معينة، وهي ظاهرة تستحق التوقف عندها، بعد أن باتت منتشرة بشكل لافت في الأوساط الثقافية الغربية. يظل الأدب السوري، رغم غناه وتعدد تجاربه، في حاجة إلى مشروع ثقافي متكامل، يخرجه من عزلته، ويمنحه الأدوات اللازمة للعبور إلى العالم. فبدون دعم مؤسسي حقيقي، واستراتيجية ترجمة وترويج مدروسة، ستبقى الأصوات السورية، مهما بلغت من الجودة، رهينة السياقات المحلية أو القراءات السياسية العابرة. * كاتب وناقد سوري مقيم في فرنسا آداب التحديثات الحية احتفالية ليوبولد بلوم: طيف جيمس جويس في دبلن


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
دوني فيلنوف مخرجاً لأفلام "جيمس بوند"
بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلما "دون" (Dune) في شباك التذاكر، أعلنت استوديوهات "أمازون إم جي إم" الأربعاء عن اختيار مخرج العملين، دوني فيلنوف، لإخراج الأفلام المقبلة ضمن سلسلة "جيمس بوند" الشهيرة. واختارت المجموعة العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية مخرجاً هوليووديّاً ناجحاً ليتولى أولى تجاربه في عالم الجاسوس البريطاني الذي ابتكره الكاتب إيان فليمنغ. وقال فيلنوف في بيان: "أنا من أشد المعجبين بجيمس بوند، إنه بالنسبة إليّ شخصية عظيمة"، مضيفاً: "نشأتُ وأنا أشاهد أفلام جيمس بوند مع والدي. أعتزم تكريم هذا التقليد، وفتح المجال أمام مهام جديدة مقبلة. إنها مسؤولية كبيرة، لكنها أيضاً مثيرة للغاية بالنسبة إليّ، وشرف عظيم". ولم يُعرف بعد من سيؤدي دور العميل السري جيمس بوند في النسخة الجديدة تحت مظلة " أمازون ". وكان دانيال كريغ قد تخلّى عن أداء شخصية بوند عام 2021، بعد طرح فيلم "نو تايم تو داي" (No Time to Die). ومنذ ذلك الحين، شهد مصير مغامرات العميل 007 تحولات عدّة. سينما ودراما التحديثات الحية سيف صائد الشياطين: 170 عاماً من العبور بين العوالم دفعت "أمازون" نحو 8.45 مليارات دولار للاستحواذ على استوديو "إم جي إم" الشهير عام 2022، والذي يملك حقوق أفلام "جيمس بوند" السابقة. لكن المجموعة واجهت مقاومة استمرت ثلاث سنوات من منتجَي السلسلة السابقين، باربرا بروكلي ومايكل ويلسون، اللذين حافظا على السيطرة الإبداعية على الشخصية لعقود. وتوصّلت "أمازون"، في فبراير/شباط الماضي، إلى اتفاق مالي معهما لتولي الإشراف الإبداعي على السلسلة، مقابل مبلغ لم يُكشف عنه، ما يتيح للشركة المملوكة ل جيف بيزوس إنتاج مغامرات بوند المقبلة. وصرح رئيس استوديوهات "أمازون إم جي إم" و"أمازون برايم"، مايك هوبكنز، قائلاً: "يشرفنا أن يوافق دوني فيلنوف على إخراج الجزء الجديد من سلسلة أفلام جيمس بوند. إنه معلّم في مجال السينما، وأفلامه تتحدث عن نفسها". أخرج فيلنوف جزئي ملحمة الخيال العلمي "دون" (Dune)، اللذين رُشّحا ل جائزة أوسكار لأفضل فيلم. وطُرح الجزء الثاني العام الماضي، وحقق إيرادات بلغت 700 مليون دولار في شباك التذاكر العالمي، وفاز بجائزتي أوسكار في فئتي أفضل صوت وأفضل مؤثرات بصرية. اشتهر المخرج الكندي أيضاً بإخراجه فيلمي "بليد رانر 2049" (Blade Runner 2049) و"أرايفال" (Arrival). (فرانس برس)