
الثورة المقبلة في الحوسبة ستبدل الاقتصاد العالمي وتقلب معطيات الأمن القومي
سوف تخلق الحواسيب الكمومية فرصاً استثنائية للولايات المتحدة ودول أخرى في العالم. وفي المقابل، سوف تفرض أخطاراً جديدة من بينها إمكانية إساءة الاستعمال مع ما يرافق ذلك من موجات صادمة في النظام العالمي. وإذا أمكن التعامل مع تلك الأخطار، فإن الإمكانات الكامنة التي تتضمنها الحوسبة الكمومية في تسريع التقدم...
بقلم: تشارينا تشو، جيمس مانييكا، هارتموت نيفن
يتشابك الصراع في الذكاء الاصطناعي مع التنافس في الحوسبة الكمومية لأن التقدم في الأخيرة يحقق قفزات يصعب تصور أمديتها في العلوم ومناحي الحياة البشرية كلها. ومن يفز بالحوسبة الكمومية يتفوق بأشواط هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي أيضاً. وحققت الصين خطوات مهمة في الحوسبة الكمومية، ويفترض بأميركا وحلفائها بذل جهود إضافية للبقاء في موقع التفوق على بكين.
خلال الأعوام القليلة الماضية، نجحت القفزات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في اجتذاب اهتمام واسع من الجمهور العام وخضعت للرقابة النقدية. وفي المقابل، استمرت تكنولوجيا محورية أخرى في التطور لكنها بقيت بمنأى عن أعين الجمهور إلى حد كبير. ولزمن مديد، بقيت الحوسبة الكمومية quantum computing حبيسة فضاء النظريات المجردة، لكنها باتت تسعى الآن إلى استعمال آليات تستند إلى الميكانيكا الكمومية quantum mechanics كي تتخطى مشكلات في الحوسبة الرقمية، عدت طويلاً عصية على الحل. وعلى رغم أنها لا تزال في أطوارها المبكرة فإنه بات واضحاً أن الحوسبة الكمومية تولد تداعيات عميقة وواسعة على الأمن القومي والاقتصاد العالمي، خلال العقود الآتية.
[استهلت النظرية الكمومية خلال القرن الـ20 بالخروج عن النظرية الميكانيكية التي وضعها إسحاق نيوتن، خصوصاً في النظر إلى الطاقة والضوء (من ثم، الزمن). وعدت أن الطاقة تتألف من كميات مستقلة سمت كل منها "كوانتا"، على غرار القول إن المادة مجموعة ذرات. ورأت أن الضوء يجمع بين كونه موجة وطاقة، فكأنه حبل مسبحة كل حبة فيها هي طاقة كوانتا منفصلة. من ثم، نظرت إلى تعامل مختلف نوعياً مع الطاقة والضوء والزمن. وأحياناً، تترجم تلك النظرية إلى العربية بأنها "كوانتية"، وكذلك يروج استعمال مصطلح "كمومية" للغاية نفسها.]
ومنذ أواخر العقد الثاني من القرن الـ20، انخرطت الولايات المتحدة ودول متقدمة أخرى في سباق متصاعد إلى الإمساك بزمام القيادة في علوم وتكنولوجيا المعلوماتية الكمومية، التي تشمل حقول الحوسبة والاتصالات والاستشعار الكمومية. وخلال العقد الأخير، أعلنت حكومات 20 دولة عن استثمارات في تطوير الكمومية، فاق مجموعها 40 مليار دولار. والتزمت الصين بإنفاق 15.3 مليار دولار على مدار خمسة أعوام. وخلال عام 2016، صنفت بكين تطوير التقنيات الكمومية بأنها أولوية وطنية، وكونت مراكز استقطاب متقدمة لإنتاجها. وكذلك فعلت الولايات المتحدة عام 2018، تشريعاً سمته "المبادرة الوطنية في الكمومية" National Quantum Initiative الذي يسعى إلى إبقاء البلاد في موضع القيادة التكنولوجية والعلمية في المعلوماتية الكمومية وتطبيقاتها. وأعلنت الولايات المتحدة عن تخصيص 3.7 مليار دولار كتمويل غير سري، إضافة إلى أموال أخرى للبحوث والتطوير العسكريين. وإضافة إلى المبادرات التي تقودها الحكومات، ثمة جهود متعددة في البحث والتطوير [عن الحوسبة الكمومية] تبذل على قدم وساق في الأكاديميات والقطاع الخاص.
وعلى رغم أن تلك الاستثمارات تبدو كنقطة في البحر أمام التمويل الأميركي والدولي للذكاء الاصطناعي، فإن صعود التكنولوجيا الكمومية شرع بالفعل في تشكيل السياسات الدولية. وعام 2019، أعلنت الولايات المتحدة عن "مذكرة تعاون ثنائي في الكمومية" مع اليابان، ثم عززتها أميركا عام 2023. وخلال عام 2024، أرست واشنطن مبادرة متعددة الأطراف حملت اسم "مجموعة تطوير الكمومية" Quantum Development Group بهدف تنسيق الاستراتيجيات المتعلقة بإدارة تلك التكنولوجيا الجديدة ودفعها قدماً إلى الأمام. وكذلك ناقشت الولايات المتحدة قضايا كمومية في منتديات أمنية واقتصادية عدة، بما في ذلك تحالفا "أوكوس" AUKUS الثلاثي الذي يضم أستراليا والمملكة المتحدة، و"كواد" Quad أو "الحوار الأمني الرباعي" الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان. وأثارت الأمر نفسه ضمن "المجلس الأميركي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا". وفي إشارة إلى القلق في شأن التكنولوجيا داخل واشنطن، حاجج أحد المحللين في "مركز الأمن الأميركي الجديد" خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وعقب الانتخابات الرئاسية الأميركية، بأنه يجب على الإدارة المقبلة أن "تعمل بسرعة خلال أيامها المئة الأولى على تجديد المكانة التنافسية الأميركية في الكمومية".
إلى هذا الحد، جرى فهم التقدم في التكنولوجيا الكمومية بوصفه قضية أمن قومي إلى حد كبير. ومنذ حقبة التسعينيات خلال القرن الـ20، لاحظ البحاثة أن أحد الأخطار الكبرى التي يتضمنها صنع كمبيوتر كمومي قوي، يتمثل في قدراته الكامنة للعمل كأداة لكسر الشيفرة، لأنه يقدر على اختراق التشفير المستخدم في معظم أنظمة الاتصالات المتقدمة والشبكات الرقمية في أرجاء العالم المعاصر. ودفع ذلك الاهتمام بحكومات الولايات المتحدة إلى تطوير ومساندة تبني الكتابة المقاومة للكمومية، مع تعزيز ضوابط التصدير على التكنولوجيا الكمومية وما يتصل بها من منتجات، إضافة إلى إرساء شراكات ذات توجه عملي مع الصناعة والأكاديميات والحكومات المحلية.
واستدراكاً، أدى التركيز على كسر الشيفرة إلى تجاهل صناع السياسة تطبيقات أخرى للتكنولوجيا الكمومية. وفي الواقع، يفصلنا بعض الوقت عن زمن تغدو فيه الآلات الكمومية قادرة على كسر واختراق الأنظمة المتقدمة في التشفير، وهي قدرة تتطلب قوة حوسبة ضخمة حتى بعد تطوير تلك التكنولوجيا. وقبل ذلك، قد تستطيع الآلات الكمومية امتلاك تأثير تغييري في قطاعات اقتصادية عدة، من بينها الطاقة وصناعة الأدوية. وإذا جرى التمرس بها وترويضها جيداً تستطيع التقنيات الكمومية أن تحدث فورة في الابتكارات والاكتشافات العلمية والنمو الاقتصادي وتوفير الفرص. وفي تأثيرها البشري المباشر، تستطيع الآلات الكمومية فك مغاليق اختراقات علمية توازي تلك التي يتوقع أن يحققها الذكاء الاصطناعي في المستقبل. ولهذا السبب، من المهم أن يجري تطوير تلك التكنولوجيا في مجتمعات مفتوحة، مع وضع ضوابط واضحة بُغية التثبت من استعمالها لغايات خيرة.
ليس من السهل الفوز بقصب السبق في المنافسة على الكمومية. وبصورة فعلية، تسلمت الصين مقاليد التقدم في بعض مساحات تلك التكنولوجيا على غرار الاتصالات الكمومية. وخلال الأعوام المقبلة سيغدو أمراً محورياً تركيز الابتكار والقيادة الأميركية على الاحتفاظ بالقدرة التنافسية للولايات المتحدة، وستحتاج الولايات المتحدة وشركائها الدوليين إلى تكريس مصادر متزايدة باطراد، كي تدفع مشاريعهم في الكمومية إلى النضج والإيتاء بالثمار، وكذلك يجب على تلك الأطراف تطوير صناعات كمومية وسلاسل إمدادات كمومية قوية، بغية دعم تلك المشاريع. وإذا فشلت الولايات المتحدة وحليفاتها في جعل تلك الجهود هدفاً استراتيجياً وأولوية في صناعة السياسات، فلربما خسروا تأثيرهم الدبلوماسي وسطوتهم العسكرية وقدرتهم على تقديم رؤية مستقبلية في شأن تلك التكنولوجيا القوية الجديدة، وقد يخسرون الفرصة لرسم مسار جديد في التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
في الأمكنة كلها خلال الوقت نفسه
ظهر مفهوم الكمبيوتر الكمومي للمرة الأولى بفضل عالم الفيزياء النظرية والحائز جائزة نوبل ريتشارد فينمان عام 1981. وتزامنت أعوام فينمان الشابة مع بزوغ فجر الميكانيكا الكمومية، عندما بدأ العلماء يدركون أن الذرات والإلكترونات والضوء وغيرها من الأجسام التي لا يتجاوز حجمها النانومتر، اللبنات الأساس لكل شيء في الكون، تخضع لقواعد مختلفة جوهرياً عن تلك التي تنطبق على الأشياء العادية في الحياة اليومية. فعلى النقيض من الكرة، على سبيل المثال التي تتبع القواعد البسيطة للميكانيكا الكلاسيكية، تتصرف الإلكترونات خلال الوقت نفسه كجسيمات وموجات، ولا يمكن تحديد موقعها بدقة.
وامتلك فينمان رؤية مفادها أن التوصل إلى فهم فعلي للعالم الكمومي، من ثم طريقة العمل العامة في الكون بحد ذاته، يستوجب صنع كمبيوتر يعمل وفق قوانين الكمومية نفسها. وبحسب تعبيره "الطبيعة ليست كلاسيكية، وإذا أردت أن تصوغ محاكاة رقمية عن الطبيعة فمن الأفضل لك أن تصنعها بواسطة الميكانيكا الكمومية [بمعنى صنع حاسوب كمومي كي يستطيع أن يستخدم في صنع تلك المحاكاة]".
وأثبتت الأيام أن فينمان امتلك رؤية بكراً. وبعد أربعة عقود مضت عليها، استطاعت الحواسيب التي تعمل وفق تصميم "تقليدي" أن تغير الكوكب بأسره. واليوم، أصبحت الهواتف الخليوية بحجم الجيب لكنها أقوى بمليون مرة من الكمبيوترات المكتبية الشخصية الضخمة خلال ثمانينيات القرن الـ20. وبصورة عامة، تستمر صناعة أشباه الموصلات في إثبات صدقية "قانون مور" الذي يتوقع أن يتضاعف عدد الترانزستورات في الرقاقة الإلكترونية كل عامين، بالضد من توقعات كثيرة بقرب هزيمته. [تعتمد الآلات الرقمية على لغة (0 و1)، ويؤشر الصفر على عدم مرور تيار الكهرباء والـ(1) على عكس ذلك. وتكتب البيانات والشيفرات والخوارزميات بتلك اللغة، وتتحكم الترانزستورات بعملية مرور الكهرباء، مما يجعل أعدادها معبرة عن قوة الآلات الرقمية].
وتستطيع أفضل الكمبيوترات الخارقة اليوم التعامل مع كوانتيليون، أي مليار بليون، عملية في الثانية. وعلى رغم ذلك كلما تقدمت الثورة الرقمية في نضجها، يتضح أكثر فأكثر أن بعض عمليات الحوسبة تبقى خارج قدرات حتى أفضل الحواسيب التقليدية.
ويرجع ذلك إلى أن تقنيات الكمبيوتر الراهنة تبقى ضمن قيد الافتراض الأساس الذي تعمل عليه. ويعني ذلك أن ما يسميه الأكاديميون "المنطق البوليني" Boolean logic يستمر في السيطرة على كل صور الحوسبة التقليدية. ويشمل ذلك من المعداد [آلة قديمة تستخدم كرات في الحساب]، والكمبيوتر المحمول وحتى منظومة الآلات العالية القدرات المستخدمة في مراكز الأمن القومي. وبموجب المنطق البوليني تشكل الـ"بت" bit الوحدة الأساس للمعلومات، وهي شيء يستطيع التجسد في أحد الشكلين التقليديين اللذين يشار إليهما بـ0 أو1.
وعلى رغم أن هذا النظام الثنائي أثبت كفاءة عالية في مختلف أنواع الحسابات، فإنه يعجز عن التعامل مع التعقيد المتزايد على غرار التوزيع المنضبط بمعادلات رياضياتية لرقم يتكون من آلاف الخانات، أو احتساب آليات التفاعل لجزيء يتألف من مئات الذرات، أو التوصل إلى الحل في أنواع محددة من عمليات المواءمة optimization التي باتت رائجة في حقول عدة.
وعلى الضد من ذلك، تتلاشى تلك القيود في الحوسبة الكمومية التي تستند إلى التمرس بالميكانيكا الكمومية وترويضها. وثمة درس مبهر ومدهش ومخالف للبداهة، في الفيزياء الكمومية، مفاده أن الجسيمات تستطيع أن توجد في مجموعة متعددة من الحالات، خلال الوقت نفسه. من ثم، بدلاً من الاستناد إلى الـ"بت" وما يتصل بها من الوجود في حال من حالتين حصراً، تستخدم الحوسبة الكمومية مفهوم البت الكمومي quantum bit أو "كيوبت" qubit، وهو نظام يتضمن الوجود في حالتي الـ0 و1 خلال الوقت نفسه. وتسمى تلك القدرة على الوجود في حالتين معاً بالتراكب superposition، ويحمل في طياته فوائد كبرى للحوسبة، وتتزايد تلك الفوائد حينما تعمل مجموعة من الـ"كيو بت" مع بعضها بعضاً.
[يعني ذلك أن يكون الشيء موجوداً وغير موجود خلال الوقت نفسه. وبتعبير أبسط، في الكمومية، قد يتساوى احتمال وجود شيء أو حدوثه مع عدم وجوده أو عدم حصوله. وقد لا يحسم أحد الاحتمالين إلى أن يحصل تماماً، لكنه حينذاك يتحقق كمجرد احتمال حاصل. ويعد مثل الحالتين تبسيطياً، لأن الوصف نفسه ينطبق على احتمال وجود شيء ما في مجموعة ضخمة من الحالات خلال الوقت نفسه].
وفيما يعتمد الكمبيوتر التقليدي على التعامل مع الحالات الواحدة تلو الأخرى، يستطيع الحاسوب الكمومي تقصي مجموعة من الاحتمالات بصورة متوازية. ومثلاً، لنفكر في محاولة إيجاد ممر للخروج من متاهة. يعمل الكمبيوتر التقليدي على تلك المسألة بتجربة كل ممر على حدة، فيما يتقصى الحاسوب الكمومي مجموعة من الممرات معاً خلال الوقت نفسه، مما يضاعف سرعة أدائه بأشواط في مهام معينة. ومن المهم ملاحظة أنه، وعلى عكس التبسيط الشائع، لا يتمثل الكمبيوتر الكمومي بكونه مجموعة من الحواسيب التقليدية التي تعمل معاً بصورة متوازية ومتآزرة. وعلى رغم وجود أعداد هائلة من الإجابات المحتملة التي يتقصاها معالج المعلومات الكمومي، فإن تركيبة معينة وحيدة تتفرد بأنها تخضع للقياس المحدد في نهاية المطاف. من ثم، يتطلب الحصول على حل باستخدام كمبيوتر كمومي، مهارة قصوى في البرمجة كي تزيد إمكانية الوصول إلى الجواب الصحيح وحده.
وثمة تحد رئيس يتمثل في تصور كيفية صنع رقاقة كمومية تكون كبيرة ومستقرة بما يكفي للتوصل إلى نتائج متناسقة عن مسائل مجدية. وتميل تلك الرقاقات إلى أن تكون فائقة الحساسية حيال البيئة التي توجد فيها، ومن المستطاع أن تتأثر بسهولة بالحرارة والاهتزازات وغيرهما من عناصر الاضطراب. من ثم، ستوصل تلك التأثيرات إلى مجموعة متنوعة من الأخطاء في النظام. ولأن موثوقية الحوسبة تعتمد على قدرة الـ"كيوبت" في المحافظة على انسجامها مع بعضها بعضاً، يصب البحاثة جهودهم بكثافة على ابتكار طرق لتحسين نوعية الـ"كيوبت"، بما يشمل وضع تصاميم جديدة عنها، وعمليات تصنيع الرقاقات وتقنيات تصحيح أخطائها.
وحاضراً، ثمة منظومات من المقاربات في تصميم الـ"كيوبت"، ولكل منها حسناته وسيئاته. ومبدئياً، من المستطاع تصميم أي نظام في المكانيكا الكمومية، أي ذاك الذي يشمل الذرات والجزيئات والأيونات والفوتونات، كي يصبح "كيوبت". وفي الممارسة، تتولى مجموعة من العوامل إملاء المسارات القابلة للتحقق. تشمل تلك العوامل القدرة على التصنيع وإمكانات السيطرة ومستوى الأداء وسرعة الحوسبة. وحاضراً، يتصدر مشهد صناعة الـ"كيوبت"، تلك الجهود المبذولة في التوصيل الفائق للتيار الكهربائي والذرة المحايدة، والأقفاص المصنوعة من الأيونات والفوتونات.
وأبعد من صنع معالج معلومات كمومي، تتضمن قائمة التحديات الأخرى كيفية وضع مجموعات من الـ"كيوبت" في حزمات متناسقة، والعمل على نقل إشاراتها وإدارة التطبيقات المستندة إليها. وفي ذلك السياق، يجب على البحاثة استخدام مبردات ثلجية كي تستطيع تبريد مجموعات الـ"كيوبت" التي تنتقل إشاراتها الكهربائية بطريقة التوصيل الفائق السرعة. ويفترض بتلك المبردات أن توصل الحرارة إلى ما فوق الصفر المطلق [273 درجة تحت الصفر] بكسور من الألف من الدرجة، وتقديم بيئة مظلمة وهادئة وفائقة البرودة كي تنجز العمليات الكمومية فيها. وتأتي الخبرة والمعرفة المتصلة بتلك المكونات العالية التخصص، من مصادر متفرقة في بلدان عدة. واليوم، ثمة شركات متنوعة تعمل في "المنظومة الكاملة" للحوسبة الكمومية. وتشمل قائمة تلك الشركات "أمازون" و"غوغل" و"آي بي أم" و"كيوإيرا" QuEra. وتحاول تكوين تكامل بين المكونات المختلفة توصلاً إلى صنع منتج نهائي. وباختصار، تواجة الحوسبة الكمومية اليوم مجموعة متعددة من التحديات والأشياء المجهولة، من ثم فإن استمرارية تطويرها تتطلب مجموعة متكاملة من الابتكارات في الهندسة [المتعلقة بجميع مكوناتها]. وبات جلياً أن نجاح أية مقاربة رهن بأن تغدو موثوقة وقابلة للتطبيق على أمدية أكبر أو أصغر، إضافة إلى حسن التوفيق بين الكلفة والفاعلية.
آلات جديدة لإعطاء الإجابات
يسير السباق للتوصل إلى كمبيوتر كمومي كامل، بدفع من حوافز متعددة. والحافز الأكثر جوهرية يتمثل بوعود الحوسبة الكمومية بتقديم إجابات عن مسائل طال الاعتقاد بأنها مستعصية على الحل، أي أحجيات علمية قد يتطلب حلها أحقاباً طوال حتى باستخدام أفضل الحواسيب الكلاسيكية في العالم. وضمن تلك الألغاز، تتجسد المسألة الأكثر شهرة بكيفية تحليل العدد الكامل، بمعنى تكسيره إلى مجموعة عوامل أو أرقام صغيرة تترابط وفق معادلات معينة. وفي الوضع الحالي، يعجز حتى أفضل الحواسيب عن تحليل الأعداد الفائقة الضخامة. ويترجم ذلك بأن الصور الأكثر تقدماً في كتابة التشفير، حينما تستند إلى عملية تحليل العدد الكامل، تبقى عصية على الاختراق، ولا يجري التعرف على مستغلقاتها. وفي المقابل، قد يتبدل المشهد مع الكمبيوتر الكمومي.
خلال عام 1994، أثبت عالم الكمبيوتر بيتر شور أن الحاسوب الكمومي قد يقدر على تحليل العدد الكامل حتى لو بلغ مقداراً فائق الضخامة. وحينها، بقي التصور عن هذا الكمبيوتر ضمن المجال النظري، ولكن مع تقدم التكنولوجيا أثارت رؤى شور مخاوف بأن الرقاقات الكمومية قد تقدر ذات يوم على كسر حتى التشفير الأشد تقدماً. واليوم، يفترض خبراء الأمن القومي أن الجهات الفاعلة المعادية للدولة والخاصة تجمع بالفعل معلومات مشفرة تحسباً للتكنولوجيا الجديدة، وهو النهج المعروف باسم هجوم "التخزين الآن وفك التشفير لاحقاً".
في المقابل، لا يشكل تفكك الشيفرات إلا أحد تطبيقات الحواسيب الكمومية، وقد لا تحصل إلا بعد عقود. ووفق تخمين بديهي من فينمان تتمثل الاستعمالات الأكثر وضوحاً للحوسبة المستندة إلى الكمومية في المحاكاة الرقمية الكمومية quantum simulation. وتعني الأخيرة إمكانية التوصل إلى حسابات دقيقة عن الأنظمة الكمومية كالإلكترونات والجزيئات والمواد. وقد تشرع تلك التطبيقات في التحقق الفعلي خلال مستقبل قريب. وحاضراً، تسهم الرقاقات الكمومية بالفعل في التوصل إلى اكتشافات في عدد من الحقول العالية التخصص في الفيزياء، بما في ذلك تصميم جسيمات مقلدة غير أصيلة، وآليات تدير مجموعات من الأجسام، ونقل الحركة الدورانية [المتعلقة بالإلكترونات في مداراتها الذرية]، والنقل المعدني وبلورات الزمن [يفترض أنها تستطيع التحكم فيه]، وآليات دودة الفضاء [يفترض أنها توفر التنقل بسرعة أعلى من الضوء في الفضاء]، وصنع حقول ممغنطة بصور ومستويات وأمدية مختلفة.
ومع كمبيوترات كمومية تعمل بأقصى طاقاتها تضحي الاحتمالات مدهشة تماماً. لنفكر في الأسمدة الزراعية. خلال الوقت الحاضر، تشتهر آلية تثبيت النيتروجين، وهي عملية كيماوية مطلوبة لإنتاج الأمونيا من غاز النيتروجين بأنها تستلزم كميات مكثفة من الطاقة، وتستهلك نحو إثنين في المئة من موازنة العالم في الطاقة. ويرجع ذلك إلى أن البلورات الصناعية المستخدمة في ذلك التفاعل، منخفضة الكفاءة إلى حد كبير. وفي الواقع، يعد جزيء "فموكو" FeMoco، وهو عنصر محفز يساعد في تثبيت النيتروجين بطريقة بيولوجية، ولكن لا يمكن تصنيعه كيماوياً أو عزله بكميات على نطاق صناعي حتى الآن، وثبت أن آلية عمله صعبة للغاية بالنسبة إلى تكنولوجيا الحوسبة الحالية بحيث لا يمكن توضيحها. وفي المقابل، قد يتوصل البحاثة إلى إجراء العمليات الحسابية الصعبة اللازمة لدراسة آلية عمل جزيء "فموكو"، مما يتيح تصنيع عنصر مساعد مستوحى من ذلك العنصر، مع خفض هائل في الطاقة اللازمة لإنتاجه.
لن يكون كسب السباق على الكمومية سهلاً
وثمة مثل مماثل يظهر في عالم صناعة الأدوية التي تتطلب تصنيع جزيئات من المواد تتفاعل بكفاءة مع جزيئات في الجسم. وهنالك ضرورة للتوصل إلى صنع نماذج محاكاة رقمية من طريقة عمل مجموعة الإنزيمات المصنفة تحت مسمى "سايتوكروم ب 450"، المسؤولة عن الطريقة التي تتعاطى فيها عمليات التمثيل الغذائي في الجسم مع الأدوية، من ثم محاكاة رد فعل أجساد المرضى على الأدوية. وبغية التوصل إلى ذلك، يتطلب الأمر تزويد الحواسيب التقليدية بقدرات حوسبة هائلة. ومع الكمبيوترات الكمومية يغدو بالمستطاع فعل ذلك بطريقة عالية الكفاءة، مما يؤدي إلى ابتكارات في حقل الأدوية التي تحارب الأمراض. وفي صناعات المواد والمركبات الكيماوية، قد تقدم الحوسبة الكمومية معلومات عن التصميم اللازم لصنع بطاريات أعلى كفاءة للسيارات الكهربائية، ومواد غير قابلة للصدأ للسفن. وكذلك قد تساعد الحواسيب الكمومية في إيجاد حلول لمشكلة تحويل مفاعلات الاندماج النووي إلى مصدر ثابت ومستدام للطاقة.
وثمة مساحة واعدة أخرى للحوسبة الكمومية تتمثل بحقل تعلم الآلات. وإن تدريب الحواسيب التقليدية على البيانات الكمومية، أي المعلومات عن الإلكترونيات والمغناطيسية وغيرها التي تصف سلوك ومقومات النظام الكمومي، يتطلب كميات ضخمة من البيانات وزمناً مديداً من تعامل الآلات مع المعلومات. في المقابل، إن تدريب الحواسيب الكمومية على معلومات كمومية لا يستلزم سوى حفنة من النماذج والأمثلة كي تتمكن من احتراف أداء تلك المهام. ومع كل تلك المكاسب الضخمة في الكفاءة، يغدو بالمستطاع استعمال الكمبيوترات الكمومية للتعلم من سلوك أعداد لا تحصى من المواد والمركبات الكيماوية، وكذلك توقع كيفية عملها في ظروف متبدلة.
وحاضراً، ليس من الواضح مدى قدرة الحواسيب الكمومية على التفوق في مجال الاستفادة من تعلم البيانات التقليدية كالنصوص والتسجيلات الصوتية وأشرطة الفيديو، التي تستند إليها أنظم الذكاء الاصطناعي اليوم. وفي الحاضر، شرعت الحوسبة الكمومية في الاستفادة من التطورات في الذكاء الاصطناعي التقليدي، إذ يستخدم البحاثة النماذج اللغوية الكبرى ونماذج تحويل النصوص إلى صيغ مولدة جديدة، وغيرها من تصاميم الذكاء الاصطناعي بغية المساعدة في وضع تصاميم عن إنتاج أدوات كمومية وتطوير برمجيات الكمبيوتر، وتحسين القدرة على تصحيح أخطاء الحوسبة الكمومية.
بالطبع، يبدو من المعقول أن تمتلك الحواسيب الكمومية تفوقاً طبيعياً في مجالات تطبيقية تتسم بأنها تتبع الميكانيكا الكمومية بنفسها. ولا يسود وضوح مماثل في شأن ما جرى إظهاره فعلياً من أن الحواسيب الكمومية تستطيع توليد مكاسب دراماتيكية في إيجاد حلول لمسائل لا تنتمي بطبيعتها إلى الميكانيكا الكمومية، على غرار تحليل العدد الكامل إلى عناصر صغيرة مترابطة. وبالتأكيد، اكتشف البحاثة وعلماء الرياضيات 60 معادلة خوارزمية تتيح للحواسيب الكمومية إيجاد حلول للمشكلات بأسرع مما تفعله نظيراتها التقليدية. ويتسم بعض تلك القفزات في السرعة بأنه هائل المدى، على غرار ما أظهرته الأمثلة المذكورة آنفاً، لكن بعضها الآخر يبدو أقل دراماتيكية لكنه يشير إلى تفوق وازن بالمقارنة مع الكمبيوترات التقليدية.
وتشكل الدراسات عن المواءمة إحدى المساحات التي تتحرك فيها البحوث بكثافة. ومع أخذها بعين الاعتبار مجموعة من المتغيرات تسعى المواءمة إلى التوصل إلى أفضل الحلول الكفيلة، ويستند إليها المخططون الاقتصاديون ومديرو العمليات اللوجيستية للشحن البحري، ومدربو الرياضيين والقائمة طويلة. وكذلك تمتلك المواءمة مكانة مركزية في الذكاء الاصطناعي. ونظراً إلى أهمية العمليات الحسابية لتحسين الأداء بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، فإذا نفذ جزء بسيط منها بسرعة أكبر وبكلفة أقل وباستخدام قدر أقل من الطاقة، فإن التأثير سيكون هائلاً.
آلات أسرع وأخطار أكبر
تحفز الإمكانات الكامنة في الحوسبة الكمومية آمالاً واسعة، لكن الحدود الفعلية لتلك التكنولوجيا اليوم تدعو إلى التفكير المتأني. إن الانتقال من الأنظمة الموجودة اليوم إلى نظيرتها الأكثر تقدماً والمطلوبة من أجل تحقيق التطبيقات المحملة بأعلى الوعود، يحتاج إلى نسج تكامل بين مكونات معقدة بصورة عميقة، إضافة إلى التغلب على ما لا يحصى من التحديات. وبالنتيجة، قد تفصلنا أعوام طوال عن كثير من التطبيقات المتصورة. ومثلاً، وفق تقديرات حالية يتطلب صنع كمبيوتر كمومي قادر على كسر التشفير قرابة 40 ألف ضعف العدد الحالي من الـ"كيوبت" الموجودة بالفعل، مع انخفاض بمقدار خمسة أضعاف في معدل الأخطاء المادية، بالمقارنة مع أفضل النماذج الأولية المنجزة فعلياً. وإن صنع حواسيب كمومية تتولى حسابات العمليات الكيماوية العادية، هي أقل مما سبق ذكره بمرتين، لكنها أيضاً ستعتمد على وجود تكنولوجيا أكثر تقدماً مما نحوزه حاضراً.
ومن المستطاع أخذ أحد المعايير عن الحال الحاضرة في التطور الكمومي من خريطة طريق نشرتها "غوغل" عام 2018، وتضمنت تلك الخطة رؤية عن ستة تطورات أساس مطلوبة من أجل التوصل إلى كمبيوتر كمومي كامل. وتشمل تلك الإنجازات إظهار أن معالج البيانات الكمومي يستطيع التفوق على التقليدي أثناء أداء عمل ما للمرة الأولى [أي قبل أن يحصل تعلم أو تدخل أو مواءمة]، وتطوير نموذج أولي عن "كيو بت" منطقي [بمعنى تضمن هندستها تسلسلاً منتظماً في العمل يستطيع التعامل مع المنطق البشري]، وإقامة البرهان على عمل "كيوبت" منطقي بالفعل، وإنتاج 100 "كيو بت" منطقي مما يعد نقطة انطلاق للتوصل إلى صنع محاكاة رقمية كمومية بسيطية، وإنتاج ألف "كيوبت" منطقي تخصص لصنع نماذج محاكاة رقمية كمومية معقدة ومتطورة (يقتضي صنع حاسوب كمومي لكسر التشفير قدرات أكثر مما ورد آنفاً).
وأنجزت "غوغل" إثنين من تلك التطورات الأساس. وخلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، كشفت "غوغل" عن معالج البيانات الكمومي "ويلو" Willow الذي يتوصل إلى التعرف في دقائق لخوارزميات تعد الأشد تقدماً، ويحتاج الحاسوب الخارق التقليدي الأعلى سرعة إلى إنجاز ذلك في 1025 عاماً، وهو رقم مذهل. وكذلك نشرت مؤسسات أخرى من بينها "آي بي أم" و"آيون كيو" IonQ و"كيوإيرا" خرائط طرق خاصة بها عن صنع حاسوب كمومي، يعمل على النطاق الواسع ويمتلك ميزة تصحيح الأخطاء.
واستطاع البحاثة الصينيون والأبرز بينهم أولئك الذين يعملون في "جامعة العلوم والتكنولوجيا" بالصين تحقيق إنجاز "غوغل" المتعلق بتخطي التطور الأساس الأول، من بين الستة المطلوبة. وأظهروا أن لديهم معالجات للبيانات تعمل بقوة مئات الـ"كيوبت". وعلى غرار أطراف أخرى فاعلة في الحقل نفسه، ليس من شك في أن البحاثة الصينيين أنجزوا تطورات أخرى لكن لم يكشف عنها حتى الآن.
وبغية قياس الحال الحاضرة في السباق على الكمومية، أعلنت الذراع البحثية في وزارة الدفاع الأميركية، أي "وكالة المشاريع الدفاعية المتطورة" Defense Advanced Research Projects Agency، واختصاراً "داربا" DARPA، عن "مبادرة المعيار الكمومي" Quantum Benchmarking Initiative، الرامية إلى تحديد مدى قدرة أية مقاربة في الحوسبة الكمومية على تحقيق عمليات قابلة للتطبيق في أدوات عملية مع حلول عام 2033. وعلى رغم استحالة التنبؤ بدقة عن سرعة الابتكار في المستقبل، يقدر بعض البحاثة أن ختام العقد الجاري سيشهد ظهور نماذج أولية من حواسيب كمومية مكتملة القدرات. ولربما احتوى كل من تلك الكمبيوترات على 10 "كيو بت" منطقي. ومن شأن ذلك الإنجاز، بالتآزر مع تحسين أساليب تصحيح الخطأ وصوغ خوارزميات أكثر كفاءة، أن يقرب العالم بصورة مشوقة إلى تحقيق المحاكاة الرقمية الكمومية.
ووفق التقديرات السائدة حاضراً، ليس من المتوقع أن يحقق البحاثة الآلة الأولى الكمومية التي تستطيع كسر التشفير، بمعنى صنع كمبيوتر كمومي مع ملايين الـ"كيوبت" وقدرة ملائمة في تصحيح الأخطاء، إلا في وقت متأخر من عام 2030. وحتى حينئذ، سيستغرق ذلك الحاسوب ساعات قبل تحليل عدد صحيح كامل إلى عناصر صغيرة مترابطة. وعلى رغم ذلك، من المهم بصورة محورية وحاسمة أن تتأهب الآن الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون لتلك التكنولوجيا. وعلى رغم ابتكارها منذ فترة طويلة، أثبتت الشبكات الرقمية أنها بطيئة بصورة مؤذية في الاستجابة للمتطلبات الأمنية الجديدة. ولسوف يستلزم الأمر أعواماً بغية تطوير واختبار وتحسين مجموعة من المعايير المتصلة بالكمومية المأمونة. وتولى "المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا" National Institute of Standards and Technology، واختصاراً "نست" NIST، قيادة جهد انطلق عام 2016، بهدف تطوير معايير في التشفير تتلاءم مع عالم ما بعد الكمومية.
وخلال أغسطس (آب) عام 2024، أعلن "نست" عن المجموعة الأولى من ثلاث خوارزميات تقليدية للتشفير، بوصفها معايير جاهزة للاستعمال الفوري مع ربطها بتعليمات عن كيفية إدماجها في أنظمة التشفير ومنتجات أخرى. وعلى رغم حصانة هذه المجموعة من الخوارزميات حيال كل وسائل كسر التشفير المنشورة حتى الآن، من المحتمل أن تغدو إحدى مجموعات "نست" عرضة للاختراق في المستقبل. وأدت مثل تلك المخاوف إلى زيادة الإلحاح في سياق البحوث الجديدة، مما يشي بأن التشفير العام قد لا يتمتع أبداً بالأمن الكامل في مواجهة الهجمات الكمومية.
وعلى غرار تكنولوجيات جديدة وقوية أخرى، تحمل الحوسبة الكمومية وعوداً زاخرة، وكذلك فإنها تجلب أخطاراً جديدة وازنة. وإضافة إلى السرقات الواسعة المدى للبيانات والاضطراب الاقتصادي والاختراقات الاستخباراتية، قد تستعمل الحواسيب الكمومية لأهداف شريرة على غرار صنع محاكاة رقمية عن أسلحة كيماوية أو تركيبها، وتحسين المواءمة بين أسراب المسيرات ومساراتها الجوية. وعلى غرار الذكاء الاصطناعي تثير احتمالات سوء الاستعمال أو الخطأ فيه أسئلة محورية عن الجهة التي يجب أن تضبط تلك التكنولوجيا، وكيفية تخفيف الأخطار الأسوأ التي قد تنجم عنها. وسيحتاج صناع السياسة إلى الحسم في شأن كيفية تعظيم المكاسب الاقتصادية والاجتماعية، بالترافق مع خفض الأخطار إلى أدنى الحدود. إن اكتشاف السبل الفضلى في تحقيق ذلك التوازن سيتطلب نقاشات متينة في أوساط المجتمع المدني وتفهم من الجمهور عن المكاسب والأخطار الكامنة في تلك التكنولوجيا. وهنالك أكثر من مستقبل محتمل لعالم فيه حواسيب كمومية. وفي أفضل تلك الاحتمالات، ستتولى ديمقراطيات ليبرالية قيادة التطور التكنولوجي وإدارته الجماعية أيضاً. وفي أسوأ الأحوال، ستسلم الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون، عبر تهاونهم أو عدم بذلهم الجهد الكافي، زمام القيادة في التكنولوجيا الجديدة إلى الصين وغيرها من البلدان الأوتوقراطية.
قفزة كمومية
يشكل تحسين الكمبيوتر الكمومي مشروعاً جريئاً وطموحاً ومتعدد الأبعاد، وليس بمقدور بلد أو شركة تحقيق ذلك وحدها. وبالفعل، تتطلب الأنظمة المبكرة اليوم آلافاً من الأجزاء المتخصصة والأدوات والمعدات، إضافة إلى تصنيع متقدم ومنشآت تبريدية، وكذلك تفوق عالمي في عشرات من المجالات التقنية، مع تقديم الدعم لتلك المناحي كلها بمليارات الدولارات التي توظف في البحث والتطوير. وستتخذ أنظمة الغد هيئة أشد تعقيداً. إذا رغبت الولايات المتحدة في قيادة هذا السباق، وكذلك التعاون مع شركائها الدوليين في بناء الأنظمة الأشد تقدماً في الحوسبة الكمومية، سيجب عليها أن تتيح للعاملين في مجال الكمومية التعاون مع بعضهم بعضاً عبر القطاعات والحدود. ومن شأن التعاون الفاعل أن يقدم للديمقراطيات الليبرالية ميزة واضحة تجعلها متفوقة على البلدان الاستبدادية.
وبالنسبة إلى شركات عدة تعمل حاضراً في الأنظمة الكمومية، تشكل الرقاقة الكمومية درة التاج في ملكياتهم الفكرية، ويجري العمل على صناعتها في أوطانهم. وتصنع "غوغل" رقاقات كمومية في أميركا، وتنتج "أكسفورد كوانتوم سيركويتس" Oxford Quantum Circuits رقاقات كمومية في المملكة المتحدة، وتفعل شركة "أليس وبوب" الأمر نفسه في فرنسا. وفي كل من تلك الحالات، تخصص تلك الرقاقات لغايات البحوث والتطوير محلياً، وفي بعض الأحيان يسمح لأطراف ثالثة بالوصول إلى النماذج الأولية المبكرة. وعلى غرار ما برهن عليه العمل في قطاع أشباه الموصلات، ثمة فوائد تتحقق في الجغرافيا السياسية لأي بلد عبر الحفاظ على قدراته المحلية في تصنيع أحد المكونات الاستراتيجية.
وفي المقابل، من أجل التوصل إلى تصنيع رقاقات كمومية وإدماجها محلياً ضمن أنظمة كمبيوتر كاملة، ثمة ضرورة لوجود مواهب بوفرة. ويتطلب ذلك الأمر التعاون بين مختلف الكيانات الحكومية والصناعات ومؤسسات التعليم والبحث. وتستطيع شركات الحوسبة الكمومية دعم تلك العملية عبر تشارك قوى العمل المتوقعة وتقديم فرص في التدريب خلال العمل. نظراً إلى أن مجموعات المهارات المطلوبة للحوسبة الكمومية متخصصة للغاية، فلن يكون من الممكن لكل دولة، وقد لا يكون من الممكن حتى لأية دولة واحدة، تطوير جميع المواهب اللازمة. ويشمل عملنا الخاص في الحوسبة الكمومية، التعاون بين ما يفوق المئة مؤسسة أكاديمية وشريك صناعي، في الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ومن الحكمة أن تنفذ الولايات المتحدة وحلفاؤها سياسات في التأشيرات والهجرة وضبط التصدير، بصورة تتيح للشركات في هذا المجال الحساس توظيف الموهوبين من العلماء والمهندسين والتقنيين. وخلال سبتمبر (أيلول) 2024 اتخذت وزارة التجارة خطوة مهمة في ذلك الاتجاه، عبر الإعلان عن قوانين جديدة تشمل استثناءات موجهة في التصدير، بغية تسهيل توظيف العمال الدوليين ممن لديهم مهارة عالية في الولايات المتحدة.
وكذلك ستحتاج واشنطن وشركاؤها الدوليون إلى إرساء سلاسل إمدادات متينة لمصلحة كل الأنظمة الفرعية والمكونات التي تتعلق بالحوسبة الكمومية. وفي الحاضر والمستقبل، تنتج مكونات ضرورية في مواقع متفرقة عبر أرجاء العالم. ومثلاً، يتطلب بناء "كيوبت" يتمتع بميزة التوصيل الفائق مجموعة متعددة من الأدوات نفسها المستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة التي تملكها شركات كـ"إنتل" و"الشركة التايوانية لتصنيع أشباه الموصلات"، واختصاراً "تي أس أم سي" TSMC. وتصنع تلك الأدوات في فرنسا وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة ودول أخرى. وتتطلب المبردات المثلجة مهارات وخبرة لا تحوزها سوى حفنة من الشركات، يستقر معظمها داخل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، ثمة مكونات أخرى على غرار أدوات السيطرة الإلكترونية وأسلاك التوصيل، يجري تصميمها بواسطة شركات متخصصة في إسرائيل واليابان وتايوان، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد تتمكن بلدان على حدة من اكتساب السيطرة على أجزاء مختلفة من تلك العملية، لكن البلدان المتقاربة في التفكير يجب عليها العمل معاً بغية تجميع الأجزاء الكاملة لهذه المتاهة، والاحتفاظ بها بعيداً من أيدي البلدان التسلطية.
وفي سياق السعي إلى تحقيق كل الإمكانات الكامنة في الحوسبة الكمومية، ستبرز الحاجة إلى العقول الخلاقة في عدد من المجالات المختلفة، بغية تطوير استعمالات تلك التكنولوجيا. وبُذلت جهود مبكرة عديدة لتعزيز بيئة التطوير بما في ذلك برنامج "معايير الكمومية" في "داربا"، الذي يقيس مدى التقدم في مجالات التطبيق المحتملة. وكذلك تبرز جهود "إكس برايز كوانتوم أبليكايشنز" XPRIZE Quantum Applications، وهي مسابقة تُجرى كل ثلاثة أعوام تخصص لها 5 ملايين دولار، بهدف توليد خوارزميات كمومية جديدة تستجيب لتحديات العالم الفعلي. ولسوف تأتي الأرباح حينما يكون صناع البرمجيات منصات تتسم بسهولة الوصول إليها، ويستخدم قادة الأعمال تلك المنصات للمشكلات الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، فيما يقدم المستهلكون والمجتمع المدني مدخلات عما يرون أنه الأعلى قيمة.
وعلى غرار السباق إلى هبوط بشر على القمر أو للتوصل إلى تفكيك الشيفرة الجينية الكاملة للجينوم البشري، ليس بالمستطاع إنجاز تطوير لحوسبة كمومية ناجحة وآمنة، بواسطة العلماء فحسب. ويتطلب ذلك الأمر تحريك التزامات عامة وخاصة، في ما يتعلق بالمصادر والمواهب والدبلوماسية البعيدة النظر. وسوف تخلق الحواسيب الكمومية فرصاً استثنائية للولايات المتحدة ودول أخرى في العالم. وفي المقابل، سوف تفرض أخطاراً جديدة من بينها إمكانية إساءة الاستعمال مع ما يرافق ذلك من موجات صادمة في النظام العالمي. وإذا أمكن التعامل مع تلك الأخطار، فإن الإمكانات الكامنة التي تتضمنها الحوسبة الكمومية في تسريع التقدم الإنساني وبناء مستقبل أفضل، قد تفوق الوصف.
جيمس مانييكا، النائب الأول لرئيس "غوغل" ورئيسه في البحوث والتكنولوجيا والمجتمع
المقال مترجم عن "فورين أفيرز"، 7 يناير 2025
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ 3 أيام
- شبكة النبأ
الطاقة النظيفة: حل مُلحّ وسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية
تزداد الحاجة إلى الطاقة النظيفة إلحاحًا، وسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية، التي وصلت إلى مستويات قياسية مؤخرًا، وتسبّبت في موجات حرّ قاسية، وسيؤدي التآزر بين الطاقة الشمسية وتخزين الكهرباء دورًا محوريًا في بناء مستقبل طاقة نظيفة، بدوره، يعزز تطوير أنظمة الطاقة الكهروضوئية ونظام تخزين الكهرباء حلول الطاقة المتكاملة... تزداد الحاجة إلى الطاقة النظيفة إلحاحًا، وسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية، التي وصلت إلى مستويات قياسية مؤخرًا، وتسبّبت في موجات حرّ قاسية، وسيؤدي التآزر بين الطاقة الشمسية وتخزين الكهرباء دورًا محوريًا في بناء مستقبل طاقة نظيفة، وفقًا لما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بدوره، يعزز تطوير أنظمة الطاقة الكهروضوئية ونظام تخزين الكهرباء حلول الطاقة المتكاملة التي تدعم استقرار الشبكة، وترسّخ استقلال الطاقة، وتضمن إمكان استعمال الطاقة المتجددة عند الحاجة. تجدر الإشارة إلى أن عام 2024 كان الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث وصلت درجات الحرارة العالمية إلى 1.55 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهذا يتجاوز هدف الـ 1.5 درجة مئوية الذي حدّده اتفاق باريس للمناخ، ما يشير إلى أزمة مناخية حادّة. السبب الجذري للاحترار العالمي يكمن السبب الجذري لظاهرة الاحترار العالمي في الانبعاثات المفرطة لثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، خصوصًا من حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء، ومن الواضح أن توليد الكهرباء والتدفئة يُسهمان بشكل رئيس في هذه المشكلة، حيث بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من هذا القطاع 16.23 مليار طن عام 2021، أي ما يعادل 43.06% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. في المقابل، فاقمَ هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري ظاهرة الاحتباس الحراري، وأدى إلى ظواهر مناخية أكثر تواترًا وقسوة، مثل حرائق الغابات وموجات الحر وارتفاع منسوب مياه البحار، ولتخفيف هذه الآثار والحدّ من المزيد من الأضرار، يجب على العالم الانتقال إلى حلول الطاقة النظيفة التي تُخفّض انبعاثات الكربون بشكل كبير، وتُوفّر مسارًا مستدامًا للمضي قدمًا. من ناحية ثانية، يكتسب التحول إلى الطاقة النظيفة زخمًا متزايدًا، وفي عام 2023، جاءت 91% من سعة الكهرباء الجديدة من مصادر متجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفي النصف الأول من عام 2024، استقطب قطاع الطاقة المتجددة استثمارات تجاوزت 313 مليار دولار. حل الطاقة الشمسية أصبحت الطاقة الشمسية، على وجه الخصوص، أكثر كفاءةً وفعاليةً، بحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة لتحديثات القطاع، وبين عامي 2012 و2024، انخفضت تكلفة الألواح الكهروضوئية في الصين بنسبة 87%، بينما انخفضت التكلفة العالمية الموحّدة للكهرباء الناتجة عن الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنسبة 89% بين عامي 2010 و2022، لتصل إلى 0.049 دولار/كيلوواط/ساعة فقط، وفي الوقت نفسه، ارتفعت كفاءة الألواح من 14% إلى 24%، وجعلت هذه التطورات الطاقة الشمسية من أكثر حلول الطاقة المتجددة سهولةً في الوصول إليها، سواءً للمشروعات السكنية أو للمرافق العامة. وأصبحت الألواح الشمسية، حاليًا، أكثر كفاءةً وصغرًا، حيث تشغل مساحةً أقل مع توليد كهرباء أكثر، مما ينطوي على آثار كبيرة في قابلية توسعة أنظمة الطاقة الشمسية، خصوصًا في المناطق الحضرية أو المواقع ذات المساحة المحدودة. التحسينات التكنولوجية عززت التحسينات التكنولوجية متانة الألواح، وقلّلت من تدهورها، وأطالت عمرها الافتراضي، ويضمن الجمع بين الكفاءة العالية والموثوقية المُحسّنة وطول العمر الافتراضي أن تظل الطاقة الشمسية حجر الزاوية في التحول الأخضر العالمي. وشهدت هذه الصناعة في عام 2016 نقطة تحول رئيسة، مع طرح تقنية الباعث الخامل والاتصال الخلفي، التي حسّنت كفاءة الخلايا الشمسية بشكل ملحوظ، حيث تولّد المزيد من الكهرباء من كمية ضوء الشمس نفسها، مقارنةً بالخلايا متعددة البلورات التقليدية. وبحلول عام 2022، ظهرت تقنية الاتصال الخامل بأكسيد النفق توبكون (TOPCon)، من النوع إن، ما يوفر كفاءة أعلى وأداءً أفضل على المدى الطويل، وتعزز خلايا توبكون إنتاج الكهرباء من خلال ابتكارات مثل طبقة أكسيد النفق التي تقلل من فقدان الطاقة، والمعالجات السطحية المتقدمة التي تُحسّن تدفق الكهرباء وتُقلل من تدهور الأداء، تمكّن هذه التحسينات تقنية توبكون من الوصول إلى كفاءة نظرية تبلغ 28.7%، وهي نسبة أعلى بكثير من كفاءة الباعث الخامل والاتصال الخلفي البالغة 24.5%. دور الطاقة الشمسية الكهروضوئية عالميًا في المستقبل، ستؤدي الطاقة الشمسية الكهروضوئية دورًا أكبر في نظام الطاقة العالمي، وستقود الخلايا الشمسية الترادفية، التي تدمج تقنيات توبكون الحالية مع تقنيات الخلايا الأخرى، الموجةَ المقبلة من الابتكار، ما يعزز الكفاءة، ونتيجة لاستمرار انخفاض تكاليف التصنيع، سيتسارع اعتماد الطاقة الشمسية في جميع القطاعات، ما يساعد العالم على التحول إلى مستقبل منخفض الكربون، وستكون السياسات الحكومية حاسمة لاستمرار نمو صناعة الطاقة الشمسية. من ناحيتهم، يحتاج صانعو السياسات إلى تهيئة بيئات داعمة لاستثمارات الطاقة المتجددة، وتقديم حوافز للتقنيات النظيفة، ودعم البحث والتطوير، ومن خلال تشجيع الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة المتجددة، يمكن للحكومات تسريع التحول نحو مستقبل طاقة أكثر استدامة.


ليبانون 24
منذ 5 أيام
- ليبانون 24
صاروخ يمني يهزّ واشنطن.. رعبٌ يلاحق "طائرة خارقة"!
قال موقع "ناشونال إنترست" إن صاروخاً أطلقه الحوثيون كاد يسقط جوهرة التاج في ترسانة المقاتلات الأميركية إف-35 ، لولا اتخاذها إجراء مراوغاً. وتساءل التقرير عن أنه "كيف يمكن لأميركا تنفيذ عمليات جوية فعالة ضد خصم أكثر تطوراً، إذا كانت "الجماعة المتخلفة" في اليمن قادرة على تعطيل عملياتها بهذه السهولة؟". وأوضح الموقع - في تقرير بقلم المتخصص في الدفاع والأمن هاريسون كاس- أن هذا الحادث أثار تساؤلات عن قدرة إحدى أكثر المقاتلات الأميركية تقدما على الصمود، كما خلق مخاوف تتعلق بمدى فاعلية نظام الدفاع الجوي الحوثي البسيط نسبيا في إعاقة العمل الأميركي. وكتب المحلل العسكري غريغوري برو على موقع إكس أن "الدفاعات الجوية الحوثية كادت تصيب طائرات أميركية عدة من طراز إف-16 وطائرة من طراز إف-35، مما زاد من احتمال وقوع خسائر بشرية أميركية". وأضاف أن الحوثيين نجحوا في إسقاط "7 طائرات أميركية مسيرة من طراز إم كيو-9، تبلغ قيمة كل منها حوالي 30 مليون دولار، مما أعاق قدرة القيادة المركزية على تتبع الجماعة وضربها". وتساءل الموقع عن مدى ضعف المقاتلات الأميركية أمام نظام الدفاع الجوي الحوثي الذي وصفه بأنه بدائي، ولكنه فعال، موضحا أنه سريع الحركة وأن بساطته تساعده على تجنب الكشف المبكر من قبل المعدات الأميركية المتقدمة. وقال موقع "ذا وور زون" إن الدفاعات الصاروخية الحوثية تشمل "العديد من صواريخ سام المرتجلة التي تستخدم أجهزة استشعار بالأشعة تحت الحمراء السلبية غير التقليدية، وصواريخ جو-جو مجهزة بدقة، لا توفر سوى إنذار مبكر ضئيل أو معدوم للتهديد، فضلا عن الهجوم القادم". ويمتلك الحوثيون أيضاً بعض الأنظمة الحديثة بفضل إيران -حسب ناشونال إنترست- مثل صواريخ سام "برق-1" و"برق-2″، ولا تزال القدرات الدقيقة لصواريخ سام الإيرانية غير واضحة، لكن الحوثيين يدّعون أن مداها الأقصى يبلغ 31 ميلا و44 ميلا، ويمكنها إصابة أهداف على ارتفاع 49 ألف قدم و65 ألف قدم على التوالي. وأشار الكاتب إلى أن أنظمة "برق" مبنية على عائلة صواريخ "تاير" الإيرانية، وبعضها مزود برادارات مدمجة"، حسب ما أفاد موقع "ذا وور زون"، "كما ورد أن بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية القادرة على إطلاق نسخ مختلفة من تاير مزودة بكاميرات كهروضوئية، تعمل بالأشعة تحت الحمراء للمساعدة في رؤية الهدف وتحديده وتتبعه". وبجسب الكاتب، فقد أثار الحادث بين طائرة إف-35 الأميركية وصاروخ سام الحوثي تساؤلات حول الصراعات الكبرى، فإذا نجحت جماعة متمردة متخلفة في تعطيل العمليات الجوية الأميركية فوق اليمن، وسأل: "كيف تتوقع الولايات المتحدة إجراء عمليات جوية فعالة في المجال الجوي لعدو أكثر تطورا؟ وإذا كانت طائرة إف-35، وهي مقاتلة شبح من الجيل الخامس ذات مقطع راداري منخفض للغاية، عرضة لدفاعات صواريخ أرض-جو من حقبة الحرب الباردة، فكيف سيكون أداؤها هي وغيرها في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي الحديثة؟".

المدن
منذ 5 أيام
- المدن
الحوثيون هددوا مقاتلة الشبح الأميركية وتسببوا بخسائر فادحة
كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أن الدفاعات الجوية الحوثية البدائية، كادت أن تسقط مقاتلة الشبح الأميركية "إف-35"، في حادثة وصفتها الصحيفة بأنها تشكل تهديداً غير مسبوق لـ"جوهرة التاج" في سلاح الجو الأميركي. ووفقاً للتقرير، أطلق الحوثيون صاروخاً من طراز "برق-1" إيراني الصنع، يُزعم أنه قادر على استهداف الطائرات على ارتفاع يصل إلى 49 ألف قدم. ورغم اتخاذ الطائرة الأميركية إجراءات مراوغة لتجنب الإصابة، إلا أن الحادث أثار تساؤلات حول مدى فعالية نظام الدفاع الجوي الأميركي في التصدي للأسلحة الحوثية البدائية التي تعتمد على أجهزة استشعار بالأشعة تحت الحمراء، ما يزيد من صعوبة اكتشافها والتعامل معها. وأفاد موقع "ذا وور زون"، بأن الحوثيين يمتلكون أيضاً صواريخ "برق-2"، والتي تصل مداها إلى 65 ألف قدم، مما يشكل تهديداً مباشراً للطائرات الأميركية المتقدمة. خسائر بمليارات الدولارات وتكبدت القوات الأميركية خسائر فادحة خلال الحملة الجوية ضد الحوثيين في اليمن، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. ففي غضون ثلاثين يوماً فقط، أسقط الحوثيون سبع طائرات مسيرة من طراز "إم كيو 9 - ريبر"، تبلغ قيمة الواحدة منها حوالي 30 مليون دولار، مما عرقل قدرة القيادة المركزية الأميركية على تتبع الجماعة وضرب مواقعها بدقة. وأفادت الصحيفة بأن تكلفة العمليات العسكرية الأميركية في اليمن خلال الشهر الأول وحده، بلغت نحو مليار دولار، وهو ما وصفه المحلل العسكري غريغوري برو بأنه "نزيف مالي غير مبرر". كما فقدت واشنطن طائرتين من طراز "F/A-18 Super Hornet"، بقيمة 134 مليون دولار، إلى جانب تعرض مقاتلة "إف-35" لمحاولة استهداف فاشلة بصاروخ سام حوثي. وفي الوقت ذاته، أشارت مصادر عسكرية أميركية إلى أن القيادة المركزية بصدد إعادة تقييم إجراءات الدفاع الجوي على متن حاملة الطائرات "هاري إس. ترومان" بعد الحوادث المتكررة، مع بحث إمكانية نشر أنظمة مضادة للصواريخ لتعزيز الحماية. اتفاق هش ومخاوف وبعد تصاعد الخسائر والتكلفة المالية الباهظة، لجأت واشنطن إلى الخيار الدبلوماسي بوساطة سلطنة عُمان لإنهاء العمليات الهجومية ضد الحوثيين. حيث عرض العُمانيون اتفاقاً يتضمن وقف الحوثيين لاستهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر دون تقديم أي التزامات بشأن السفن الإسرائيلية. وكشفت مصادر أميركية أن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، كان قد تلقى إشارات من سلطنة عُمان حول استعداد الحوثيين لوقف الهجمات، شريطة عدم التعرض للقدرات الصاروخية الإيرانية في اليمن. ورغم إعلان وقف العمليات، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً باتجاه إسرائيل، مما زاد من الشكوك حول نوايا الجماعة واستعدادها للالتزام بالاتفاق. وقد طالبت إسرائيل بتدخل أميركي أكبر لتعقب منصات إطلاق الصواريخ، وسط تقارير استخباراتية تشير إلى نقل الحوثيين لصواريخ جديدة من إيران. وفي الوقت الذي تتابع فيه الإدارة الأميركية تطورات الوضع، تتزايد التساؤلات حول فعالية الاستراتيجية الأميركية في مواجهة خصوم أكثر تطوراً، وسط تحذيرات من إمكانية استغلال الحوثيين لوقف العمليات لإعادة تسليح أنفسهم وتجهيز مواقعهم.