
«الاقتصاد الأزرق» يُسهم في نحو 22 مليار ريال«المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام
تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لحماية النظم البيئية البحرية وضمان أمن الاقتصاد البحري «الاقتصاد الأزرق»، الذي يُنتظر أن يُسهم بما يقارب 22 مليار ريال ويوفّر نحو 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
وفي ظل هذا التوجه الطموح تبرز التحديات البيئية، وعلى رأسها تهديد الأنواع البحرية الغازية التي تنتقل إلى البيئات الجديدة عبر حركة الشحن أو أنشطة الاستزراع السمكي؛ مما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على النظم البيئية الساحلية، وقد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدّر بعشرات المليارات عالميًّا سنويًّا.
وللتصدي لهذا التحدي البيئي؛ شرعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنفيذ مشروع علمي يُعنى برصد هذه الأنواع وتحليل مخاطرها؛ بهدف بناء قاعدة بيانات معرفية تُسهم في تحصين السواحل السعودية وتعزيز استدامة مواردها البيئية والاقتصادية.
وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد قربان، أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل خطرًا بيئيًّا واقتصاديًّا متزايدًا، مبينًا أن حماية النظم البيئية البحرية أصبحت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل توسّع قطاعات حيوية مثل السياحة الساحلية، والاستزراع السمكي، والبنية التحتية المرتبطة بالبحر.
وأشار إلى أن الشراكة البحثية مع كاوست تدعم قدرات المملكة في التعامل مع هذه التهديدات من خلال تطوير أدوات تقييم علمي، ونماذج مخاطر، وأنظمة إنذار مبكر، تُسهم في استباق التحديات البيئية، وتعزيز الأمن الأحيائي البحري.
ويُنفّذ الباحثون ضمن هذا التعاون مسوحات بيئية في 34 موقعًا على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، نتج عنها جمع أكثر من 10 آلاف عينة بحرية، حُدد من خلالها نحو 200 نوع يُحتمل أن يكون غازيًا، منها أكثر من 70 نوعًا غير محلي رُصد فعليًّا في المياه السعودية، وهو ما يعكس مدى تنوع التهديدات البحرية وضرورة التصدي لها بأساليب علمية متقدمة.
وتقود الفريق البحثي الدكتورة سوزانا كارفالو، التي أوضحت أن المشروع يُمثّل خريطة معرفية شاملة للتنوع البيولوجي في البيئات الساحلية، إذ تُسجّل كل كائن حي بحسب زمان ومكان وجوده؛ مما يتيح تطوير برامج رصد ومراقبة دقيقة، ويُمهّد لتأسيس أنظمة فعالة للإنذار المبكر والاستجابة السريعة عند رصد أي تغيّرات بيئية ناتجة عن الكائنات الغازية.
وفي إطار تأهيل الكوادر الوطنية شارك عدد من منتسبي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في ورشة عمل تخصصية نظمتها كاوست في مايو الماضي، تناولت بروتوكولات تقييم مخاطر الأنواع الغازية، وأثرها على البيئة والصحة العامة والصناعات البحرية، إلى جانب التدريب على تقنيات متقدمة مثل تحليل الحمض النووي البيئي (eDNA)، الذي يُعد من الأدوات الحديثة في الكشف المبكر والدقيق عن هذه الأنواع.
من جهته أوضح مدير إدارة المحافظة على البيئة البحرية بالمركز عبدالناصر قطب، أن المشروع يستند إلى نهج علمي مزدوج يجمع بين البحث الميداني والتقنيات الحيوية المتقدمة، بما يُعزز قدرة المملكة على التعامل مع التحديات البيئية المستجدة.
وأشار إلى أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للتنوّع البيولوجي والمصايد والبنية التحتية الساحلية، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات وطنية فعّالة للاستجابة السريعة، وبناء كوادر مدرّبة تملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الأخطار.
ويُجسّد هذا التعاون نموذجًا تكامليًّا بين المؤسسات البحثية والجهات البيئية الوطنية، لتعزيز المعرفة العلمية بالبيئة البحرية في المملكة، وتطوير سياسات مستدامة تُسهم في حماية التنوع الأحيائي، وضمان استمرارية النمو في قطاعات الاقتصاد الأزرق.
إلى ذلك تدعم التنوع البيولوجي والسياحة والاقتصاد الأزرق. ومع امتداد ساحلي يزيد على 1,800 كيلومتر، تلعب المنطقة دورًا حيويًا في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على البيئة. وتركز رؤية 2030 على حماية الموارد البحرية واستخدامها المستدام، لضمان توافق التنمية مع أهداف الحفظ العالمية. وتركز الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر على الحفاظ على البيئة البحرية، والسياحة البيئية، والنمو الاقتصادي المسؤول، مما يوازن بين التنمية والاستدامة البيئية طويلة الأجل. ومن خلال إنشاء مناطق بحرية محمية، واستعادة المواطن الطبيعية، والمشروعات المستدامة المبتكرة، تهدف المملكة إلى تعزيز مكانتها كقائد في مجال الاستدامة البحرية، مع دعم المجتمعات المحلية وتنويع الاقتصاد.
يشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد أطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، الهادفة لحماية النظام البيئي للبحر الأحمر، وتعزيز أطر التعاون لاستدامته، وتمكين المجتمع ودعم التحول إلى اقتصاد أزرق مستدام بما يحقق التنوع الاقتصادي ويتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار التي أُطلقت مسبقًا، وأهمها استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية.
ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزًا وتنوعًا بيولوجيًا، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، وخط ساحلي بطول 1,800 كيلومتر، ورابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وموطن لـ 6.2 % من الشعاب المرجانية في العالم، وأرخبيلًا يحتضن مئات الجزر.
وتضع الإستراتيجية إطارًا وطنيًا شاملًا يوضح كيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة. وتوضح الإستراتيجية إسهام حماية البيئة الطبيعية في إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة والبدء في التحول إلى الاقتصاد الأزرق، مما يوجد فرصًا استثمارية للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية ومصايد الأسماك والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة.
ولدعم الاقتصاد الوطني، تستهدف الإستراتيجية بحلول عام 2030 زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3 % إلى 30 %، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50 % من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشروعات السياحية في المناطق الساحلية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وتستند الإستراتيجية على 5 أهداف إستراتيجية، هي: الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية جرى تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة به. ويوضح إعلان الإستراتيجية الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم اليوم، وترسم مسارًا جديدًا يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 39 دقائق
- عكاظ
استطلاع: 55% من كبار السن في أمريكا يستخدمون الذكاء الاصطناعي
أظهر استطلاع حديث، أجرته جامعة ميشيغان، أن 55% من الأمريكيين فوق سن الـ50 يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل المساعدات الصوتية وروبوتات الدردشة النصية، في مجالات تمتد من الترفيه والبحث إلى الأمان المنزلي والتخطيط للسفر. وبيّن الاستطلاع، الذي شمل نحو 3000 مشارك، أن 96% من مستخدمي أجهزة الأمان المنزلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي شعروا بزيادة في الأمان، فيما أشار نصفهم تقريباً إلى رغبتهم في البقاء مستقلين في منازلهم بدلاً من الانتقال لدور رعاية. كما كشف تفاوتاً في الاستخدام بحسب الصحة، التعليم، والدخل. ورغم الانتشار الواسع، ما زالت الثقة تمثل تحدياً، إذ أعرب 54% فقط عن ثقتهم في محتوى الذكاء الاصطناعي، بينما طالب 90% بضرورة الإفصاح الواضح عن المحتوى الناتج عنه. وتسلط النتائج الضوء على الحاجة إلى سياسات وتعليمات واضحة تعزز الشفافية وتحد من المخاطر، خصوصاً مع مناقشات أمريكية حالية لتوسيع لوائح الإفصاح إلى مجالات الإعلان ومنصات التواصل الاجتماعي. أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
في مجلسها الأسبوعي ..مقصورة السويلم تستضيف المهتم بعلوم النباتات عبدالله البراك"
استضاف مجلس مقصورة السويلم المهتم بعلوم النباتات العميد متقاعد عبدالله بن منصور البراك بحضور معالي الدكتور محمد بن ناصر الخزيم و الاستاذ علي بن عبد العزيز السديس ورئيس لجنة أهالي البكيرية المهندس علي السويلم ونائبه اللواء طيار حمد الحسون وعدد كبير من الأهالي والمهتمين بالنباتات. وقد تحدث "البراك" خلال الجلسة عن أنواع النباتات خاصة البرية التي تزخر بها المملكة و المعلومات المتعلقة بالنباتات وسبل حماية التنوع الأحيائي والتوازن البيئي والتشجيع على توسيع الغطاء النباتي مما يسهم في تنفيذ مستهدفات رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تحقيق جودة الحياة وصولاً إلى بيئة مستدامة، ثم اجاب على استفسارات و مداخلات الحضور والتي أثرت الجلسة , وختم حديثه بالشكر والتقدير لأسرة السويلم وخاصة الأستاذ سليمان بن محمد السويلم المشرف على مقصورة السويلم التاريخية على دعوته للمشاركة بمجلس المقصورة الأسبوعي.


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
حصة المفرّح تستقرئ سرديات عربية لعوالم ما بعد الإنسانية
أصدرت الدكتورة حصة بنت زيد المفرّح كتابها الأحدث «تخوم الإنسان: سرديات عربية من عوالم ما بعد الإنسانية»، وناقشت فيه إعادة تشكيل الإنسان في أزمنة التقنية، بوصفه كياناً قابلاً للتعديل، أو التحويل، وكيف تسللت الأفكار إلى بنية السرد نفسه، وإلى السرديات العربية خصوصاً تلك التي بدأت تقترب من تخوم الإنسان، وتختبر حدوده المادية والمعنوية ضمن ما يعرف بـ«أدب ما بعد الإنسانية». وأوضحت أن تخوم الإنسان تفيد الحدود التي تُعرف الإنسان بيولوجياً، ونفسياً، ومعرفياً لتشمل: الوعي، والجسد، والأخلاق، والهوية من جهة، وتلك الحدود التي تنهار فيها الإنسانية الخالصة مع تقنيات ما بعد الإنسانية، وتتفكك فيها الهوية البشرية، وتتشكل من جديد على مرافئ التقنية، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والذاكرة الرقمية، والمشاعر الصناعية، والنسخ المتشابهة من جهة ثانية، ما يشير إلى الثابت والمتحول وما بينهما، بين ما كان إنساناً خالصاً، وما سيكون هجيناً، أو مشفراً، أو مستنسخاً. وينطلق من استشراف التحول السردي بالاستفادة من مفهوم (التخوم)، لا بوصفه حداً جامداً، بل منطقة عبور إلى انزياحات الكائن البشري، في ظل ملامسة السرد العربي هذه التخوم، لتختبر العوالم ما بعد الإنسانية في عددٍ من الأعمال الروائية والقصصية التي تعيد تشكيل الإنسان في زمن لم يعد فيه الجسد، ومعه الهوية، والذاكرة ملكاً خاصاً، وجنح إلى استيعاب منظومات ما بعد الإنسانية سردياً وجمالياً؛ ما يعكس وعياً متقدماً بتحديات العالم المستقبلي المتخيل. ويقف الكتاب على نصوص سردية عربية هي: حرب الكلب الثانية 2016، المسخ: عودة سفينة نوح 2018، قلب الملاك الآلي 2019، الرحلة رقم 370، 2019، البراني 2021، شفرات القيامة 2021، رف اليوم «ما لم يستطع السيد الحصول عليه» 2022، جزيرة المطففين 2022، المرقش: حالت قرى نجران دون لقائها 2023، متنزه الغائبين 2024. وجميع النصوص السردية العربية، محل الدراسة؛ صدرت منذ منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وكان بداية واضحة لتفاعل الرواية العربية والأعمال القصصية مع ما بعد الإنسانية، مع تزايد الاهتمام بقضاياها في الأعوام الأخيرة. وإن كانت مسبوقة بتجارب أخرى تدخل في إطار الخيال العلمي، لكنها لا تكرس اهتمامها بعوالم ما بعد الإنسانية بوصفها نقطة التحول الجديدة، والمتوقعة في المستقبل القريب أو البعيد. وتلتقط الأعمال السردية التحولات لتقدمها بأساليب جمالية، وفكرية جديدة؛ لتؤسس للعلاقة بين الديستوبيا، والخيال العلمي، وما بعد الإنسانية، واستشراف المستقبل دون أن تفصلها عن مخاوف الإنسان الواقعية. ولعل هذه المقاربات تسهم في فتح حوار نقدي عربي مع الأدب العالمي، وتمنح هذه النصوص موقعها ضمن تحولات الوعي الإنساني الجديد. جاء الكتاب الصادر عن دار عصور في عمّان، في أربعة فصول، وطرحت أسئلة، منها: كيف يعيد سرد ما بعد الإنسانية العربي مفهوم الهوية في النصوص السردية؟ وإلى أي مدى تتماهى الشخصيات السردية مع التقنية الحديثة، وإلى أي حد تقاوم النظام التقني؟ وما علاقة هذه السرديات بمفاهيم ما بعد الحداثة؟ وكيف توظف الاستعارات الجسدية (الشرائح الذكية، الذاكرة المبرمجة، الأطراف الاصطناعية، الأعضاء المصنوعة) في بناء رؤى فلسفية وفكرية مختلفة؟ وكيف تطور السرد العربي لمواجهة سؤال: ما الذي بقي من الإنسان؟. أخبار ذات صلة