
26 Jul 2025 21:44 PM مقدمات نشرات الأخبار
عندما كتب زياد الرحباني في آخر سبعينيّات القرنِ الفائت مسرحية " فيلم اميركي طويل" لم يصدّق كثيرون أنّ الفيلم اللبنانيّ المثقل بالخيباتِ، التفجّراتِ والحروب سيكون أطول من طويل. لكنّ هذا ما حصل! فبعد خمسةٍ وأربعين عاماً على عرض مسرحيّةِ زياد تتأكّد نظريّةُ صاحبِها كلَّ يوم. وها نحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ما زلنا في قلب الفيلم، وفي قلب الوجع. وها المنطقةُ تتغيّرُ من حولنا بسرعة فائقةٍ فيما نحن غارقونَ في الإنتظار المزعج، وفيما حكّامُنا غارقونَ في نومهم الثقيل! .. مؤلمٌ الرحيلُ المفاجىء لزياد الرحباني اليوم. صحيحٌ أنّ الرجل أدمَن عزلتَه، حتى صارت جزءاً منه وصار جزءاً منها. لكنّ الناسَ، رغم غيابِه، ظلّت مطمئنةً بأنه موجود، وانه سيخرج من عزلته الطوعيّةِ يوماً ليعود بمسرحيّةٍ أو أغنيةٍ أو ألبومٍ أو برنامج، أو على الأقل بمقابلة. لكنّ زياد خالفَ توقعاتِ الناس وآمالَهم! إذ لم يقدّم من المسرحية المنتظرَة سوى إسدالِ الستارة، ولم يعزُف من الألحان المنتظرة سوى لحنِ الموت! ومع أنّ "الموت حقٌ" كما يقال، فإنّ كثيرينَ رفضوا أن يصدّقوا النبأَ الحزين. وهذا طبيعي. فالرجلُ لم يكن فنّاناً وموسيقياً فقط. بل كان ملهمَ أجيال، ورمزاً للإنسان الرافضِ المتمرّد. وهو لم يكن مجرّدَ حالةٍ ثقافيةٍ - فنية، بل شكّل ظاهرةً إجتماعيةً، إذ كثيراً ما تلتقي بأشخاص يَستشهدون أثناء حديثِهم بمسرحيات زياد أو يقلّدونَه في الكلام والتصرفِ من دون أن يدروا حتى! بهذا المعنى زياد فنانُ الشعب بامتياز. إنه وجدانُهم وضميرُهم وصوتُهم. لذا جاءت كلماتُه قاسيةً إلى حدِّ الفضيحة، ومواقفُه جارحةً إلى حدِّ الوجع. لم يهادن يوماً. فإذا بفنه مرآةٌ للمنسيّين والمهمشين، وصدىَ المعذّبين في الأرض! هكذا، يغيب زياد، والفيلمُ اللبنانيُّ الطويل مستمر، ولا علامةَ في الأفق القريب تُثبت أنّ نهايتَه قريبة. لذا إذا استعرنا كلماتِه وسألنا: "بالنسبة لبكرا شو؟" سيجيئُنا الجوابُ أيضاً، بكلماته وبصوتِه السوداويّ الساخر: "بعدنا طيبين.. قولو الله" !! و"وقولو الله" لتبقى لنا فيرزو التي كُتب لها أن تودّع ولدَين في حياتها. هي الأم الحزينةُ التي تبكي في تسعينها ابناً أعطاها ولادةً فنيةً جديدة بعد غياب الأخوين: عاصي ومنصور...
مقدمة تلفزيون "LBCI"
يصلك على هاتفك push notification :" وفاة زياد الرحباني". تتمنى أن يكون الخبر fake. تسأل، فيأتيك الجواب: الخبر صحيح . لا تريد أن تُصدِّق، وتقول بينك وبين نفسِك: " معقول"؟ نعم " معقول" ... مات زياد الرحباني... مات الذي لا تستطيعُ أن تجدَ له صفة، فاسمُه أكبر من كل الصفات:
عبقري، رهيب، نابغة... كلها صفات لا تعود شيئًا إذا ما اقترنت باسمِه، يكفي أن تقولَ "زياد" لتختزِلَ كلَ الصفات.
عن أي زياد نكتب؟ عن إبن عاصي وفيروز؟ عن عبقري السخرية؟ عن نصوص المسرح التي لا يضاهيه فيها أحد؟ عن البرامج الإذاعية التي لا تشبه أحدًا ؟ عن الملتزم بيساريتِه التي اقتنع بها وكان صلبًا في النقاش دفاعا عنها؟ زياد، إذا تكلَّم يتكلمُ فنًا، وإذا كتبَ يكتب بنبوغ.
ما هذا الزياد الكامل الأوصاف؟
في "نزل السرور" توقَّع الحربَ اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
وفي "فيلم اميركي طويل" رسمَ مسرحيًا يومياتِ الحرب ولاسيما بدءًا من العام 1983.
وفي " شي فاشل" يجسِّد معاناة المسرحيين في إنتاج أي عملٍ مسرحي.
أقوالـُه تتحوَّل إلى أقوال مأثورة يحفظُها الناس ويرددونها.
يحفظ الناس من "نزل السرور": "بلدنا بدو كف تا يوعا". ويحفظون من "فيلم أميركي طويل": " قوم فوت نام وصير حلام أنو بلدنا صارت بلد"
ومن "شي فاشل": "الاميركين وصلوا عالقمر وأنتو عم تفتشو مين لحَّن الدلعونا".
حتى أسماءَ مسرحياته كانت مسرحيات بحد ذاتها :" شي فاشل" " فيلم اميركي طويل" . وحتى برامجَه الإذاعية كبرنامج " العقل زينة".
لن نقول " زياد لا يموت" فهذه كلمة مبتذلة لا تفي بالواقع.
زياد لا يموت إذا أصبح في مناهجنا المدرسية وفي تربيتنا العائلية كناقد وثائر ولا يكتفي بما يقدَّم له، بل يَنقدُه وينقضُه. هل أعظمَ من إنسان يكون والده العبقري عاصي ووالدته الأيقونة فيروز، ويتمرَّد ويختارُ خطًا ثالثَا وينجح حتى التفوق؟ ما هذا القدَر؟ غنت فيروز لزياد ، في غيبوبة عاصي عام 1973: " بيعز عليي غني يا حبيبي لأول مرة ما منكون سوا"
كأن زياد الذي أعطى فيروز لحنَ هذه الأغنية، من كلمات منصور، لتغنيها لعاصي، لم يكن يدرِك بعد نصف قرن، أن الأغنيةَ تنطبق عليه، وأنه لو قًدِّر لفيروز أن تغنيَها فستغنيها له: "لأول مرة ما منكون سوا"
زياد ... ضيعانك.
على النبأ المفجع استيقظ لبنان صبيحة هذا اليوم: زياد الرحباني رحل على حين غِرَّة .... لبنان من دون "زياد" اللحنُ حزين والكلماتُ مكسورةُ الخاطر والستارة السوداء تُسدَل على فصلٍ رحبانيٍ إنساني وثقافي وفني ووطني لا يموت. كان زياد يجسد لبنان "الحلو" كما أحبه فَنَظَمَه قصيدةً وعَزَفَه لحناً وأَنْشَدَهُ أغنية على حد ما قال في نعيه رئيس مجلس النواب نبيه بري. زياد الرحباني الذي كان على شفير السبعين من عمره يغادر ضفة الحياة تاركاً إرثاً لن تمحو السنون بصماته المضيئة في الفن والمسرح والموسيقى. فهو لم يكن مجرد فنان بل كان حالة فكرية وثقافية ووطنية متكاملة ... كان صوتاً متمرداً ومرآة صادقة للكثيرين الكثيرين. برحيله يفقد لبنان أحد ابرز المجددين في الأغنية والمسرح من "نزل السرور" الى "فيلم اميركي طويل" و"بما إنّو" وغيرها ... مسرحيات رصّعها زياد بقالب النقد السياسي والاجتماعي الهادف فالرجل لم يكن PEANISTE وملحناً وكاتباً مسرحياً فقط ... لقد كان أيضاً ناقداً سياسياً حتى العظم ومعلقاً إذاعياً وصحافياً كتب على صفحات الكثير من الجرائد اللبنانية.
في صفحات السياسة سجل اليوم اجتماع بين الرئيسين نبيه بري ونواف سلام في عين التينة حيث .تناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية وشؤوناً تشريعية.
اما رئيس الجمهورية جوزف عون فيستعد لزيارة الجزائر الاثنين المقبل في إطار تحركه باتجاه الدول العربية.
وفيما ينتظر لبنان الرد الأميركي على المذكرة التي تسلمها الموفد توم براك تُواصل اسرائيل عدوانها في الجنوب حيث سقط اليوم شهيد في غارة لمسيّرة على سيارة في صريفا.
أما العدوان على غزة فقد سَجَّل توسيعَ جيش الاحتلال عملياته البرية والجوية في شرق القطاع في خطةٍ لتعميق تقسيمه وفرض المزيد من الحصار عليه. ويأتي هذا الضغط معطوفاً على حرب التجويع التي يمارسها العدو على الغزيين ولاسيما الأطفال الأمر الذي قاربه برنامج الأغذية العالمي بالإعلان أن ثلث سكان القطاع يضطرون الى قضاء ايام من دون الحصول على طعام.
أما الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش فأشار الى ان غزة اكثر من مجرد ازمة انسانية ... هي ازمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي ... وسنواصل الحديث عنها ... لكن الكلمات وحدها لا تُطعم الأطفال الجائعين.
لو كان زياد الرحباني بيننا اليوم وسئل عن رأيه باللبناني لربما اكتفى بالقول :'ابنك ذكي يا ثريا، بس…'
فاللبناني ذكي، ويعرف جيداً أنه يعيش في 'فيلم أميركي طويل'، إذ لم تنتهي محاولات إخضاعه لتقبّل ما يُفرض عليه، سابقاً في اجتياحات واحتلالات وحروب، وراهناً بضغوط متصاعدة يحملها للمفارقة المبعوث الأميركي بشعار 'العصا والجزرة'، فإمّا ان ينفّذ لبنان ما هو مطلوب منه وينزع السلاح من دون ضمانة تؤكد استعادة الأرض والأسرى وسيادة القرار، وإما أن يُترك لمصيره لإخضاعه بالتضييق والحصار وصولاً الى التجويع، تماماً كما يحصل في غزة، حيث وصل مستوى التحذير اليوم من مقتلة جماعية.
واللبناني ذكيٌّ كفاية، ليعرف ان بعض من في السلطة، يكرّرون مشاهد 'سهرية' ويقطعون الطريق على الأفضل والأكفأ وحتى الأنظف القادر على الانتقال بالدولة من مسار هالك الى إنقاذ حتمي، وهكذا تُطبخ تعيينات وتُقرُّ خارج الآليات والأصول وبلا كفاءات. وهكذا قبل كل شيء يُنَصَّب رؤساء وتُشكَّل حكومات من دون ان تُجترَح حلولٌ لتحدّيات وأزمات ستحتاج قريباً الى معجزات.
يعرف اللبناني أيضاً، أن ما وُعد به من دولةٍ، قويةٍ، صاحبةِ قرارٍ وسلطةٍ على كامل أراضيها، ومواطَنةٍ قائمة على مبدأ العدالة والمساواة، ومؤسساتٍ شفّافة تكافح الفساد وقوانينَ إصلاحيةٍ تتتالى وتتزامن علّها تعالج فجوة الهدر وتعيدُ أموالاً مهرّبة وتكشف النقاب عن أخرى منهوبة، وتعيد هيكلة قطاع مصرفي ضروريٍّ للنهوض الاقتصادي وتحفظ حقّ المودع بجنى عمره، ليست إلا 'شي فاشل'.
أصاب زياد الرحباني، عندما صارح ثريا بحقيقة ابنها. حاول ان يُنقذ شيئاً من وعيٍ مجتمعيٍّ . تحدّى اللبنانيين 'بخصوص الكرامة والشعب العنيد' ورغم كل الواقع الصعب وحتى المأساوي الذي نقله بفكاهة نادرة الى المسرح، ترك 'زياد' نافذة الخلاص مفتوحة، فـ 'لولا فسحة الأمل'.
دعاهم الى "نزل السرور" علّهم يثورون ليحققوا التغيير، لكن ابناء ثريا ثاروا بعكس تيار التغيير، فأقصوا أصوات الحق وأصحاب القضية والموجوعين، وغطّوا سرقة العصر حتى صاروا جزءاً من منظومة تهدِم حيث نجح البناء وتَراكَمَ على فشلٍ سابق.
زياد الرحباني … قرأ الواقع ونقل الألم بجرأة كسرت القيود وبصراحة نزعت كل القفازات، وبصوت عالٍ وسخرية واعية أضحكت كثيراً وأبكت أكثر. ربّما توقّع ان يكون 'اللي بيشرب قهوة كتير أوعى من هيك' لكنه على رغم الخيبة، 'مش كافر'. فـ 'الجوع كافر' يقول زياد الرحباني. فهل ينضمّ اللبنانيون الى كفره بظلمِ زعماء متسلّطين لم يرتقوا الى مستوى قادة التغيير، وهل يكفرون بمرض الطائفية لينتصروا للبنانيتهم قبل كل شيء؟ هل يكفرون بالفساد ليفرِضوا المحاسبة ويُغلقوا باب الافلات من العقاب؟ علّهم ينجحون يوماً ببناء دولة محصّنة دفاعياً وسيادياً، حتى لا يقضوا عمرَهم يسألون 'بالنسبة لبكرا شو'.
زياد الرحباني رحل، لكن فكره ورؤيته هنا… علّ أبناء ثريا يتّعظون!
مقدمة تلفزيون "المنار"
أصعبُ معزوفاتِ الوجعْ تُرتَّلُ على وَقعِ أنينِ أطفالِ غزةَ المُجَوَّعِين، فيما المُطْرَبُون بصوتِ دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو ينتظرون حتى انتهاءِ آخرِ أنفاسِ الامةِ التي لن تَجِدَ نَبضاً لها دونَ غزةَ المعافاةْ من الجوعِ والعدوان.. و زينب ابو حليب التي ماتت مع أمَّتِها لعدمِ قدرةِ أهلِها على الوصولِ إلى حقِّها من الحليب، عنوانٌ للمآساةِ التي تَعصِفُ بحالِنا ومنطقَتِنا.
في لبنانِنا الذي ما أنْ أتمَّ لحنَ الحريةِ مع جورج عبد الله، العائدِ بعد طولِ نضالٍ أممي، حتى انقطعَ وَتَرٌ من أعرقِ منظوماتِ الفنِ والفكرِ والفلسفةِ الانسانيةِ في بلدِنا، الفنانُ الاممي والثائرُ الانسانيْ زياد الرحباني. رَحَلَ من جاءَ يوماً مع الشعبِ المسكين، منتصراً دَوماً للمقاومةِ وفلسطين، رَحَلَ بعدَ عقودٍ من الفنِ الهادفِ والفكرِ الثائر، عسى أن تُجيبَ الايامُ على سؤالِهِ 'بالنسبةْ لبُكرا شو'، و أن لا يكونَ الجوابْ 'شي فاشل'، وأن ينتهي 'الفيلمُ الاميركيُ الطويل' الذي هو سببُ مأساةِ بلدِنا وامتنا.
رَحَلَ زياد، بصمتٍ و وجعْ، وتوقَّفَ قلبُهُ المُتعَبْ من جَورِ الأحداث، إلاَّ أنَّ ما آمنَ بِهِ من فكرٍ وثورةٍ ومقاومةٍ ونضال لن تُوقِفَهُ كلُ المُلمَّات، وهو ما أكَّد عليه رفاقُ الوَتَرِ والكلمةِ والسلاحْ، فيما نعاهُ الرؤساءُ الثلاثةْ فَقيداً مبدّعاً خَسِرَهُ كلُ لبنان.
بين قرى الجنوب اللبناني تَتنقلُ الطائراتُ المسيَّرةُ برسائلِ الموتْ، رَاميةً بعدوانِهِ على المنازلِ والسيّاراتِ والدراجاتِ الناريةْ، وجديُدها عدوانٌ أدَّى الى ارتقاءِ شهيدين بغارةٍ صهيونيةٍ على دبعال، وشهيدٌ آخرُ بغارةٍ على صريفا.
وعن تلكَ التطوراتْ وعن زيارةِ رئيسِ الحكومةْ الاخيرةْ الى باريس كان البحثُ بين الرئيسين نبيه بري ونواف سلام في عين التينة، فَضلاً عن شؤونٍ حكوميةٍ وبرلمانيةْ والتجديدْ لقواتِ اليونيفل.
وعن المستجداتِ السياسيةِ والأمنيةِ التي تَمرُّ بها المنطقةُ ولبنان وسوريا، والأحداثُ الأليمةُ التي حصلَت في محافظةِ السويداء، كان حديثُ المعاونْ السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل مع رئيسْ الحزبْ الديمقراطي اللبناني الامير طلال ارسلان في خلدة، كما أدان الطرفان العدوانَ الصهيوني المتواصلْ على لبنان وحربَ الابادةِ التي يتعرَّضُ لها الشعبُ الفلسطيني.
مقدمة تلفزيون "الجديد"
"من بعد هالعمر كبيرة المزحة هاي"// زياد الرحباني "لاحق تروح" و"صعبة العيشة هيك"/ والأصعبُ منها حينَ تبتلعُ اللغةُ الكلمات/ وأمامَ الخَسارة لا نجدُ ما نقولُه إلا بلسانِ مَن رَحَلوا// في خبرِ موتِك ومِن فَرْطِ أنانيتِنا لحضورِك المُثقَلِ بانكساراتِنا لن نصدِّقَ أنَّكَ ما عُدتَ بينَنا// من حقِّنا عليكَ أن تَظلَّ ساهراً علينا وإنْ نحنُ غَفَونا من زمنٍ/ ولأنَّ مَن مِثلُكَ لا يحقُّ لهُمُ الرحيلُ في أزمنتِنا الصعبة فإنَّ بلداً مثلَ لبنان بلا زياد الرحباني فقدَ عِلَّةَ فهمِه/ وأنتَ الذي بعينِ البصيرةِ الثاقبة رأيتَ إلى أين تتجهُ الأمور/ وبوعيِ العبقريِّ الملتزِمِ شؤونَ الناسِ البسطاء/ جعلتَ المسرحَ خَشَبةً في هواءِ البلد الطَّلْق/ وعليها نَطقتَ بأوجاعِ الناس وأفراحِهم وهمومِهم وأحلامِهم وواقعِهم المُرّ/ بالنقدِ حيناً وبالكوميديا السوداءِ أحياناً كثيرة/ نقّبتَ بين المعاني العابرة عن أبسطِ الكلمات لترسُمَ دواخلَنا على وجوهِنا وتَعبُرَ منّا إلينا/ وبتواضُعِكَ والتصاقِكَ معَ الشارع رسمتَ ضجيجَ الحياةِ ويومياتِها جُملاً على سُلَّمِ الموسيقى/ أَقمتَ للعشاقِ بيوتاً على أرصفةِ المدينة/ ودَعَوتَ الحبيبة لوليمة "الفَيْ" "ومش لا حدا هالفَيْ"/ وبالمسرحِ على طريقتِك كافحتَ وناضلتَ فأسَّسْتَ حزبَ الجماهير/ وأَوكَلتَ "لأبو الجواهر" إعدادَ نشيدَ الثورة/ وبإيماء فائق حميصي انتقدتَ الحداثة بشخصية أسامة الشاعر وقصيدة "هوَت سنوْنَوتي"/ وبالَّلحْنِ فجَّرتَ مقطوعة "يا أبو علي" وتركتَها مفتوحةً على التأويل والتفسير/ وجعلتَها مَعبراً لكلٍّ منَّا نحوَ مشاعرَ وأحاسيسَ وأمزجةٍ متضاربة// لم يمُتْ زياد/ هو فَتح ظلَّهُ وتَوارى خلفَهُ/ وإنْ مات فهو لم يمُتْ دُفعةً واحدة/ إنما بعد سِجلٍ حافلٍ بالخَيبات التي عايَنها وعايَشها/ وأعاد عَجنَها بخميرة التمرد على الواقع اللبناني من أول "سهرية" إلى آخر عنوان "بخصوص الكرامة والشعب العنيد"/ هَدم أسوارَ الوطنِ الافتراضي والوهمي المعلَّقِ على خَشبة/ وبَنى لنا وطناً مجبولاً من طينةِ الواقع المُرّ/ ومثلُ زوربا اليوناني أسَّسَ وطناً من الخراب على سُلَّمِ الموسيقى الجميلِ والكلمةِ التي تَنخرُ في الوجدانِ حتى النزيفِ الأخير/ ونَقل المدينةَ إلى المسرح/ فأبدَعَ "شي فاشل" وبالنسبة لبكرا شو" وفيلم أميركي طويل" و"نزل السرور"/ وبالسخريةِ المُرَّة حدَّ الجُرحِ تمرَّدَ حتى لامسَ أغوارَ مآسِينا/ وأنتَ الحاضِرُ رَغمَ الغيابِ بسيرةٍ مكتملةِ النضوجِ الفني الملتزمِ والوعيِ السياسي.. الآتي من حَسَبِ عاصي ونَسَب فيروز/ ومن بيت ألف باء اللحن/ خرجتَ إلى فضاءِ التلحينِ والتأليفِ الموسيقي/ ومن نعومةِ الأظافرِ الفنية بصمتَ بصمةَ العبقرية/ يعزُّ علينا يا زياد أن تكونَ خبر "كان"/ بعدما كنتَ مرآتَنا المتشظِّية/ ومن أولِ لحنٍ غنَّته لك فيروز/ نسمعُ صدى الأمِّ الحزينة وهي تردد "بعز عليي غني يا حبيبي ولأول مرة ما بنكون سوًا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 3 دقائق
- سيدر نيوز
اعلامية عربية علنًا للفنانة نوال الكويتية بعد خروجها من السجن
بعد خروجها من السجن، نشرت الكاتبة والإعلامية الكويتية فجر السعيد رسالة اعتذار صادقة ومعلنة للفنانة الكبيرة نوال الكويتية. عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، عبّرت السعيد عن أسفها الشديد لكل ما بدر منها سابقًا من نقد قاسٍ وتحامل غير مبرر تجاه نوال، مؤكدة أنها لم تقصد الإساءة شخصيًا. وقالت فجر السعيد إنها حاولت التواصل مع نوال هاتفيًا دون جدوى، فقررت إيصال رسالتها عبر شقيقة نوال، الأستاذة نجاة، كما فضّلت أن تكتب اعتذارها على الملأ ليصل إلى الجميع. وأكدت السعيد أنها تدرك الآن أن النقد كان مرتبطًا بردود أفعال الجمهور ولم يكن نابعًا من معرفة شخصية أو عمل مشترك مع نوال. وختمت السعيد رسالتها بالدعاء أن يغفر الله لها أي خطأ أو ضرر قد سببته للفنانة، معربة عن أملها في أن تقبل نوال اعتذارها الصادق.


الشرق الجزائرية
منذ 35 دقائق
- الشرق الجزائرية
زياد الرّحباني.. إنت الأساسيّ وبحبّك بالأساس
بقلم نديم قطيش كثير زياد الرحباني. ابن الرحابنة. نجل فيروز. الرحباني المضادّ. الموسيقيّ والمسرحيّ والسياسيّ والصعلوك. زحمة هويّات هو، لا تُفكّك إلّا لتنكشف طبقات أخرى أكثر تعقيداً. ليس 'منتجاً' فنّياً يمكن تصنيفه، بل ظاهرة متشابكة، انبثقت من رحم التناقض اللبناني، وراكمت على مدى عقود طبقات من الصوت والصورة واللغة. أن تكتب عن زياد يعني أن تكتب عن تناقضات عمر مديد. عن بيروت كأفقٍ سياسيّ وثقافيّ، نعم، لكن عن بيروت كانكسارات شخصيّة أيضاً. عن الزمن اللبناني الذي ظنّ كلّ واحد فيه أنّه يملك مشروعاً ووجد نفسه أمام مرآة تتكسّر فيها كلّ المشاريع. أن تكتب عن زياد هو أن تُدخل نفسك في متاهة لا تخرج منها بسيرة فنّان، بل بخريطة روحٍ مثقلة، وفنٍّ يتجلّى في أعاليه الخاصّة. عن الحلم. عن الوعد. عن السخرية من الذات أوّلاً. أن تكتب عن زياد الرحباني، هو أن تمشي على حدّ سكّين: كلّ محاولة لتفكيك الظاهرة تهدّد بظلمها، وكلّ رغبة في الإحاطة بها تلامس خطر الأيقنة الرخيصة. فليس في زياد ما يسمح بالتصنيف المريح. لا هو فنّان ملتزم بالمعنى التقليدي، ولا هو ساخر عبثيّ منزوع الإيمان. لا يسكن خانة 'اليساري' التقليدي، ولا ينفكّ عن الرحابنة على الرغم من تمزيقه للسقف 'الرحبانيّ'. هو كلّ ذلك، وأكثر. بنى جسراً بين فيروز وبيروت تراكيب هويّاته تشبه تراكيب ألحانه. كلّ آلة تقول شيئاً، وكلّ طبقة تحوي نغمة لا تتكرّر، وكلّ صمت بين نغمتين يختزن وجعاً أو ضحكة أو خيبة، تصنع السياق وتترك البصمة. فهو هو. وهو كلّ الآخرين معاً. الكتابة هنا ليست اختباراً للبلاغة، أو تمريناً نقديّاً بل اختبار في النزاهة ومواجهة مفتوحة مع سؤال أخلاقي: كيف نكتب عن رجلٍ كُتب عليه أن يكون صورة لجيله، من حيث لم يُرِد؟ كيف نفكّكه دون أن نُفكّك معه ذواتنا؟ في كلّ محاولة لتبويبه، نظلم شيئاً فيه، أو شيئاً فينا. لأنّه كان مرآة، لا للواقع فقط، بل لطريقتنا في الهروب منه. في لحظةٍ كان فيها صوت فيروز يأتي من 'الجبل البعيد' 'خلف تلالنا'، من برزخ الحنين الذي بنى الأخوان الرحباني ضناه، برزت عبقريّة زياد. حفر خاطف تحت الهيكل الفيروزيّ، لا يبغي الهدم بل يعيد وصل الأسطورة بالشارع، باليوميّ، بالمتأوّهين في زحمة الألم اللبناني، بالحبيب، بالكهرباء المقطوعة، بالبكاء بعد منتصف الليل، بالملل، بالأمل. بنى جسراً بين فيروز وبيروت، المدينة الممزّقة بالحرب. ألبس صوتها ثوباً يليق ببشرته، حين جعل الحنين أداة نقد، لا ملاذاً من الواقع. حين غنّت فيروز 'كيفك إنت' عام 1991، من كلمات وألحان زياد، كانت تدخل، وتُدخلنا معها، لحظةً ستصبح لاحقاً اللحظة الأكثر كثافة في تاريخ العلاقة بين فيروز ونجلها. كان لبنان يستعدّ لدخول سلم ملتبس بعد حروب أهليّة وغير أهليّة طحنت 'لبنان الفيروزيّ'، وهو ما جعل الأغنية، بمناخات الجاز الشرقي التي انطوت عليها، سؤالاً شخصيّاً وعامّاً مفخّخاً بالأنا والنحن والأمّ والابن والبلد والمدينة. عذوبة حارقة بلا استعراضات صوتية. هامش شخصيّ جدّاً جعل صوت فيروز يبدو كأنّه يُغنّى للمرّة الأولى من الداخل. اللّمعة الضّروريّة لم يرمّم زياد صوت فيروز، بل غيّر موقعه على خريطة الزمن: من الذاكرة إلى الحاضر، من الأيقونة إلى الإنسان، من الخلود الصلب إلى العطب الجميل، للمرأة-الفرد التي تتلعثم، تشتاق، تسأل، وتتراجع قبل أن تُكمل جملتها. صالحها مع جيل لم يكن يرى في 'زهرة المدائن' إلّا إرثاً مدرسيّاً، ووجد في صوت فيروز، منذ 'كيفك إنت'، مساحة ليتنفّس فيها. جيل لا يريد نشيداً لكلّ صباح، بل صوت لليل طويل. من المفارقات أنّ زياد وظّف عقله في الموسيقى وقلبه في السياسة. قادته إلى مواقفه أحلام مكسورة وحدس جريح، بلا عُدّة تحليل يعتدّ بها بل حساسيّة مفرطة تجاه الظلم، وانبهار طفوليّ بفكرة المقاومة، كرمز أخلاقيّ مطلق، لا كفريق سياسيّ محدّد. وهذا ما جعله يخطئ التقدير أحياناً. بيد أنّ خطأه ما كان عن خبث أو مصلحة، بل عن احتدام داخليّ، لشخص مارس السياسة كلحظة انفعال جميل، وهذا ما يجعلها، في سيرته، صنو هشاشته. يبقى الجانب الأعمق في ظاهرة زياد، والأكثر استعصاءً على التصنيف، هو تلك العلاقة الفردية الحميمة التي بناها مع كلّ مستمع، كأنّه يخاطب كلّاً على حدة. كان الصديق المجهول – المعلن، الذي يشاركك قهوتك الصباحية، ويسخر معك من نشرة الأخبار، وينظر إليك من داخل الأغنية كما لو أنّه يعرفك. يعرف تعبك، شكّك، حاجتك إلى الأمل على الرغم من كلّ شيء. كان الحضور الأقرب إلى الذات: في الحانة، في المكتب، في منتصف الليل حين تتسلّل الهزيمة إلى القلب، في لحظة ضحك تشبهه. زياد، تلك اللمعة الضرورية، بلا وعظ أو مساومة أو ادّعاء.. لأنّ البديل الوحيد هو الجنون.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
"ليلة المتاحف" تحيّة خاصة الى زياد الرحباني وجهه يُكلّل الواجهات... وصوته يصدح "عايشة وحدا بلاك " غسان سلامة: الآثار والتراث جزء من هويتنا
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب ارتأى وزير الثقافة غسان سلامة ان تكون فعالية "ليلة المتاحف" لهذا العام تحية خاصة الى المبدع زياد الرحباني. وتكللت واجهة المتحف الوطني عبر الاضاءة الفنية اسم وصورة زياد الرحباني، مع "فيديو" وهو يدندن أغنيته الشهيرة "عايشة وحدها بلاك". وتوافق مع فيلم تضمن اضاءات على المعالم الاثرية والتاريخية، وذلك في مقر المتحف الوطني. كما فتحت المتاحف ابوابها امام الزوار في بيروت وصيدا وجبيل وطرابلس. وقال وزير الثقافة: "أنا لا أصدق عيني، أتنقل من متحف الى متحف وأرى آلاف اللبنانيين وربما عشرات الآلاف يتنقلون من متحف إلى آخر، وخصوصا أمام هذا الصرح العظيم الذي هو المتحف الوطني، حيث يحتشد الآلاف منهم ، بانتظار دورهم لزيارة الآثار والتراث الذي هو جزء من هويتنا". اضاف: "ليلة المتاحف" فكرة أطلقناها منذ أكثر من 20 عاما، ولكنها توقفت لستة أعوام بسبب الحرب وكورونا والضائقة المالية. ولكن اليوم كل متاحف لبنان مفتوحة أمام اللبنانيين من دون أي مقابل، والانتقال إليها مجاني أيضا، من خلال باصات النقل المشترك. وإنني أرى في هذا الجمع العظيم استجابة اللبنانيين الواسعة الصادقة والمتحمّسة لتراثهم وآثارهم ومتاحفهم، وهذا الأمر من شأنه أن يثلج صدور الكثيرين". وتابع: "أشكر كل الذين حضّروا لهذه الليلة العظيمة، المديرية العامة للآثار التي عملت بجهد لإنجاح هذا اليوم، وأشكر زميلي نديم شويري الذي عمل منذ 6 أشهر لإنجاح هذا الحدث، كما أشكر الإعلاميين الذين جاؤوا لنقل هذا الحدث. وأشكر أولا الآلاف من اللبنانيين الذين استجابوا لدعوتنا وجاؤوا الليلة لزيارة هذه الأماكن الرمزية من تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم. أحييكم جميعا، وأتمنى أن يطول الليل كفاية، لكي يتمكن كل هؤلاء من أن يزوروا متحفا بعد آخر، في عاصمتنا الحبيبة وفي مدن أخرى، تجري فيها تظاهرات من النوع نفسه في عموم الأراضي اللبنانية من طرابلس إلى صيدا إلى غيرها من الأماكن". وعن تكريم الراحل زياد الرحباني، قال سلامة: "هل من لفتة لزياد الرحباني، لن تفاجؤوا أن نبدأ سهرتنا بتحية إلى الحبيب زياد الرحباني، فكانت الأضواء على درج المتحف، التي أضاءت بالأماكن الأثرية في لبنان في لعبة ضوئية فنية مميزة". وقدر عدد زوار المتاحف التي شاركت في هذه الفعالية بأكثر من 20 الفا.